شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

والفاء قد تحذف مع ما عطفت

والواو ، إذ لا لبس ، وهى انفردت (١)

بعطف عامل مزال قد بقى

معموله ، دفعا لوهم اتّقى (٢)

__________________

إلخ ، اذهب : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فما» الفاء للتعليل ، ما : نافية «بك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «والأيام» معطوف على الكاف المجرورة محلا بالباء «من» زائدة «عجب» مبتدأ مؤخر.

الشاهد فيه : قوله «بك والأيام» حيث عطف قوله «الأيام» على الضمير المجرور محلا بالباء ـ وهو الكاف ـ من غير إعادة الجار ، وجوازه هو مختار المصنف.

ومما استدل به على ذلك قول مسكين الدارمى :

نعلّق فى مثل السّوارى سيوفنا

فما بينها والكعب غوط نفانف

(١) «والفاء» مبتدأ «قد» حرف تقليل «تحذف» فعل مضارع مبنى للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الفاء ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «مع» ظرف متعلق بتحذف الآتى ، ومع مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «عطفت» عطف : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على الفاء ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة ، والعائد ضمير منصوب محذوف «والواو» الواو حرف عطف ، الواو : مبتدأ خبره محذوف ، أى والواو كذلك «إذ» ظرف يتعلق بتحذف «لا» نافية للجنس «لبس» اسم لا ، وخبره محذوف ، أى : لا لبس موجود «وهى» ضمير منفصل مبتدأ ، وجملة «انفردت» مع فاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر.

(٢) «بعطف» جار ومجرور متعلق بانفردت فى البيت السابق ، وعطف مضاف و «عامل» مضاف إليه «مزال» نعت لعامل «قد» حرف تحقيق «بقى» فعل ماض «معموله» معمول : فاعل بقى ، ومعمول مضاف والهاء مضاف إليه ، والجملة فى محل جر صفة ثانية لعامل «دفعا» مفعول لأجله «لوهم» جار ومجرور متعلق بقوله «دفعا» «اتقى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى وهم ، والجملة فى محل جر صفة لوهم.

٢٤١

قد تحذف الفاء مع معطوفها للدلالة ، ومنه قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أى : فأفطر فعليه عدّة من أيام أخر ، فحذف «أفطر» والفاء الداخلة عليه ، وكذلك الواو ، ومنه قولهم : «راكب النّاقة طليحان» أى : راكب النّاقة والنّاقة طليحان.

وانفردت الواو ـ من بين حروف العطف ـ بأنها تعطف عاملا محذوفا بقى معموله ، ومنه قوله :

(٢٩٩) ـ

إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا

__________________

٢٩٩ ـ هذا البيت للراعى النميرى ، واسمه عبيد بن حصين.

اللغة : «الغانيات» جمع غانية ، وهى المرأة الجميلة ، سميت بذلك لاستغنائها بجمالها عن الحلى ونحوه ، وقيل : لاستغنائها ببيت أبيها عن أن تزف إلى الأزواج «برزن» ظهرن «زحجن الحواجب» دققنها وأطلنها ورققنها بأخذ الشعر من أطرافها حتى تصير مقرسة حسنة.

الإعراب : «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «ما» زائدة «الغانيات» فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وجملة الفعل المحذوف مع فاعله فى محل جر بإضافة إذا إليها «برزن» برز : فعل ماض ، ونون النسوة فاعل ، والجملة لا محل لها مفسرة «يوما» ظرف زمان منصوب ببرزن «وزججن» فعل وفاعل ، والجملة معطوفة بالواو على جملة برزن يوما «الحواجب» مفعول به لزجج «والعيونا» معطوف عليه بالتوسع فى معنى العامل ، أو مفعول لفعل محذوف يتناسب معه ، أى : وكحلن العيون ، ونحوه ، وستعرف تفصيل هذين التوجيهين.

الشاهد فيه : قوله «وزججن الحواجب والعيونا» حيث عطف الشاعر بالواو عاملا محذوفا قد بقى معموله ، فأما العامل المحذوف فهو الذى قدرناه فى الإعراب بقولنا «وكحلن» ، وأما المعمول الباقى فهو قوله : «والعيونا» عطفته الواو على عامل مذكور فى الكلام ، وهو قوله «زججن» وهذا العامل المذكور الذى هو زججن لا يصلح للتسليط على المعطوف مع بقاء معناه على أصله.

٢٤٢

فـ «العيون» : مفعول بفعل محذوف ، والتقدير : وكحّلن العيون ، والفعل المحذوف معطوف على «زجّجن» (١).

* * *

وحذف متبوع بدا ـ هنا ـ استبح

وعطفك الفعل على الفعل يصح (٢)

قد يحذف المعطوف عليه للدلالة عليه ، وجعل منه قوله تعالى : (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) قال الزمخشرى : التقدير : ألم تأتكم [آياتى فلم تكن تتلى عليكم] فحذف المعطوف عليه ، وهو «ألم تأتكم».

__________________

وهذا أحد توجيهين فى هذا البيت ونحوه من قولهم «علفتها تبنا وماء باردا» فيقدر : وسقيتها ماء باردا ، وفيه توجيه آخر ، وهو أن تضمن العامل المذكور فى الكلام معنى عامل آخر يصح تسليطه على كل من المعطوف والمعطوف عليه ؛ فيقدر فى البيت «وحسن الحواجب والعيونا» وفيما ذكرناه من قولهم «علفتها ـ إلخ» يقدر «أنلتها تبنا وماء» أو «قدمت لها تبنا وماء» ونحو ذلك ، وارجع إلى شرح الشاهد رقم ١٦٦ فى باب المفعول معه.

(١) ذكر المصنف ـ رحمه الله! ـ أن الواو والفاء قد يحذفان مع معطوفهما ، ولم يذكر «أم» مع أنها تشاركهما فى ذلك ، ومنه قول أبى ذؤيب :

دعانى إليها القلب إنّى لأمره

سميع ؛ فما أدرى أرشد طلابها؟

تقدير الكلام : أرشد طلابها أم غى ، فحذف المعطوف لانسباقه وتبادره إلى الذهن.

(٢) «وحذف» مفعول تقدم على عامله ، وهو قوله «استبح» الآتى ، وحذف مضاف و «متبوع» مضاف إليه «بدا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى متبوع ، والجملة فى محل جر صفة لمتبوع «هنا» ظرف مكان متعلق باستبح أو ببدا «وعطفك» الواو للاستئناف ، عطف : مبتدأ ، وعطف مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله «الفعل» مفعول به للمصدر «على الفعل» جار ومجرور متعلق بعطف «يصح» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عطفك الفعل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

٢٤٣

وأشار بقوله : «وعطفك الفعل ـ إلى آخره» إلى أن العطف ليس مختصّا بالأسماء ، بل يكون فيها وفى الأفعال ، نحو «يقوم زيد ويقعد ، وجاء زيد وركب ، واضرب زيدا وقم».

* * *

واعطف على اسم شبه فعل فعلا

وعكسا استعمل تجده سهلا (١)

يجوز أن يعطف الفعل على الاسم المشبه للفعل ، كاسم الفاعل ، ونحوه ، ويجوز أيضا عكس هذا ، وهو : أن يعطف على الفعل الواقع موقع الاسم اسم ؛ فمن الأول قوله تعالى : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) وجعل منه [قوله تعالى :](إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ) ومن الثانى قوله :

(٣٠٠) ـ

فألفيته يوما يبير عدوّه

ومجر عطاء يستحقّ المعابرا

__________________

(١) «واعطف» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «على اسم» جار ومجرور متعلق باعطف «شبه» نعت لاسم ، وشبه مضاف و «فعل» مضاف إليه «فعلا» مفعول به لا عطف «وعكسا» مفعول مقدم لاستعمل الآتى «استعمل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «تجده» تجد : فعل مضارع مجزوم فى جواب الأمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول «سهلا» مفعول ثان لتجد.

٣٠٠ ـ البيت من الشواهد التى لم ينسبها أحد من شراح الشواهد ، وهو من قصيدة للنابغة الذبيانى يمدح فيها النعمان بن المنذر ملك العرب فى الحيرة ، وأول هذه القصيدة قوله :

كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا

وهمّين : همّا مستكنّا ، وظاهرا

أحاديث نفس تشتكى ما يريبها

وورد هموم لن يجدن مصادرا

٢٤٤

وقوله :

(٣٠١) ـ

بات يغشّيها بعضب باتر

يقصد فى أسوقها وجائر

فـ «مجر» : معطوف على «يبير» ، و «جائر» : معطوف على «يقصد».

* * *

__________________

اللغة : «ألفيته» ألفى : وجد «يوما» أراد به مجرد الوقت «يبير» يهلك ، وماضيه أبار ، ويروى «يبيد» بالدال ـ وهو بمعنى يبير «ومجر» اسم فاعل من أجرى ، ووقع فى نسخة من نسخ ديوان النابغة «وبحر عطاء» ، و «المعابر» جمع معبر ـ بزنة منبر ـ وهو ما يعبر الماء عليه كالسفينة.

الإعراب : «فألفيته» ألفى : فعل ماض ، وتاء المتكلم فاعل ، والهاء مفعول أول «يوما» ظرف زمان متعلق بألفى «يبير» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الممدوح ، والجملة فى محل نصب مفعول ثان لألفى «عدوه» عدو : مفعول به ليبير ، وعدو مضاف والهاء مضاف إليه «ومجر» معطوف على يبير الذى وقعت جملته مفعولا ثانيا ، وكان من حقه أن يقول «ومجريا» ولكنه حذف ياء المنقوص فى حال النصب إجراء لهذه الحال مجرى حالى الرفع والجر كما فى قول عروة ابن حزام :

ولو أن واش باليمامة داره

ودارى بأعلى حضرموت اهتدى ليا

ومجر : اسم فاعل ؛ ففيه ضمير مستتر هو فاعله ، و «عطاء» مفعوله «يستحق» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عطاء «المعابرا» مفعول به ليستحق ، والألف للاطلاق ، والجملة فى محل نصب صفة لعطاء.

الشاهد فيه : قوله «يبير .. ومجر» حيث عطف الاسم الذى يشبه الفعل ـ وهو قوله «ومجر» ـ وإنما أشبه الفعل لكونه اسم فاعل ، على الفعل ـ وهو قوله «يبير» ـ وذلك سائغ جائز.

٣٠١ ـ البيت مما أنشده جماعة من النحويين ـ منهم أبو على فى الإيضاح الشعرى ، وابن الشجرى فى الأمالى ـ ولم ينسبه واحد منهم إلى قائل بعينه.

اللغة : «يعشيها» بالعين المهملة ـ فى رواية جماعة من العلماء ـ أصل معناه

٢٤٥

 .....................................................................

__________________

يطعمها العشاء ، وبالغين المعجمة ـ كما هو فى رواية الأثبات ـ مأخوذ من الغشاء ، وهو كالغطاء وزنا ومعنى «بعضب» هو السيف «باتر» قاطع «يقصد» يقطع على غير تمام «جائر» أى : ظالم مجاوز للحد ، والضمير المتصل فى «يعشيها ، وأسوقها» للابل.

المعنى : يمدح رجلا بالكرم ، وبأنه ينحر الإبل لضيوفه ، فيقول : إنه بات يشمل إبله ويعمها بسيف قاطع نافذ فى ضريبته يقطع أسوق التى تستحق الذبح ، ويجوز إلى أخرى لا تستحقه.

الإعراب : «بات» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الممدوح «يغشيها» يغشى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم بات ، والضمير البارز مفعول به ، والجملة فى محل نصب خبر بات «بعضب» جار ومجرور متعلق بيغشى «باتر» صفة لعضب «يقصد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عضب ، والجملة فى محل جر صفة ثانية لعضب «فى أسوقها» الجار والمجرور متعلق بيقصد ، وأسوق مضاف وها : مضاف إليه «وجائر» معطوف على يقصد.

الشاهد فيه : قوله «يقصد .. وجائر» حيث عطف اسما يشبه الفعل ـ وهو قوله «جائر» ـ وإنما أشبه الفعل لكونه اسم فاعل ، على فعل ـ وهو قوله «يقصد» وذلك سهل لا مانع منه ، وقد ورد فى النثر العربى ، بل ورد فى أفصح الكلام ، وهو القرآن الكريم ، كالآية التى تلاها الشارح.

٢٤٦

البدل

التّابع المقصود بالحكم بلا

واسطة ـ هو المسمّى بدلا (١)

البدل هو : «التابع ، المقصود بالنسبة ، بلا واسطة».

فـ «التابع» : جنس ، و «المقصود بالنسبة» : فصل ، أخرج : النعت ، والتوكيد ، وعطف البيان ؛ لأن كل واحد منها مكمّل للمقصود بالنسبة ، لا مقصود بها ، و «بلا واسطة» : أخرج المعطوف ببل ، نحو «جاء زيد بل عمرو» ؛ فإن «عمرا» هو المقصود بالنسبة ، ولكن بواسطة ـ وهى بل ـ وأخرج المعطوف بالواو ونحوها ؛ فإن كل واحد منهما مقصود بالنسبة ، ولكن بواسطة (٢).

* * *

مطابقا ، أو بعضا ، او ما يشتمل

عليه ، يلفى ، أو كمعطوف ببل (٣)

__________________

(١) «التابع» مبتدأ أول «المقصود» صفة له «بالحكم» جار ومجرور متعلق بالمقصود «بلا واسطة» بلا : جار ومجرور متعلق بالتابع ، ولا الاسمية مضاف وواسطة : مضاف إليه «هو» ضمير منفصل مبتدأ ثان «المسمى» خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، وفى المسمى ضمير مستتر تقديره هو نائب فاعل وهو مفعوله الأول «بدلا» مفعوله الثانى.

(٢) قول الناظم «التابع المقصود بالحكم» قد يفيد أن البدل هو وحده المقصود بالنسبة ، والمعطوف بالواو ونحوها فى نحو «جاء زيد وعمرو» مقصود بالنسبة ، وليس هو وحده المقصود ، وإنما هو والمتبوع جميعا مقصودان ؛ فيمكن أن يخرج المعطوف بالحرف المشرك لفظا ومعنى بالفصل الأول ، فافهم ذلك وتدبره.

(٣) «مطابقا» مفعول ثان تقدم على عامله ، وهو قوله «يلفى» الآتى «أو

٢٤٧

وذا للإضراب اعز ، إن قصدا صحب

ودون قصد غلط به سلب (١)

كزره خالدا ، وقبّله اليدا ،

واعرفه حقّه ، وخذ نبلا مدى (٢)

__________________

بعضا» معطوف على قوله مطابقا «أو» عاطفة «ما» اسم موصول معطوف على قوله «بعضا» السابق «يشتمل» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة ما «عليه» جار ومجرور يتعلق بقوله يشتمل «يلفى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، وهو مفعوله الأول «أو» عاطفة «كمعطوف» الكاف اسم بمعنى مثل : معطوف على قوله «ما يشتمل» والكاف الاسمية مضاف ومعطوف مضاف إليه «ببل» جار ومجرور متعلق بقوله معطوف.

(١) «وذا» اسم إشارة : مفعول به لقوله «اعز» الآتى «للاضراب» جار ومجرور متعلق باعز أيضا «اعز» فعل أمر ، مبنى على حذف الواو ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إن» شرطية «قصدا» مفعول مقدم لصحب «صحب» فعل ماض ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، وجواب الشرط محذوف يفهم مما قبله «ودون» ظرف متعلق بمحذوف ، أى : وإن وقع دون ، ودون مضاف و «قصد» مضاف إليه «غلط» خبر لمبتدأ محذوف على تقدير مضاف : أى فهو بدل غلط «به» جار ومجرور متعلق بسلب الآتى «سلب» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الحكم المفهوم من سياق الكلام.

(٢) «كزره» الكاف جارة لقول محذوف ، زر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به لزر «خالدا» بدل مطابق من هاء زره «وقبله اليدا» الواو عاطفة ، قبل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به ، واليدا : بدل بعض من الهاء فى قبله «واعرفه» الواو حرف عطف ، اعرف : فعل أمر. وفاعله ضمير مستتر فيه جوبا تقديره أنت ، والهاء ضمير الغائب مفعول به لاعرف ، مبنى على الضم فى محل نصب «حقه» حق : بدل اشتمال من الهاء فى اعرفه ، وحق مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «وخذ» الواو عاطفة ، خذ : فعل أمر ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «نبلا» مفعول به لخذ «مدى» بدل إضراب.

٢٤٨

البدل على أربعة أقسام :

الأول : بدل الكل من الكل (١) ، وهو البدل المطابق للمبدل منه المساوى له فى المعنى ، نحو «مررت بأخيك زيد ، وزره خالدا».

الثانى : بدل البعض من الكل (٢) ، نحو «أكلت الرغيف ثلثه ، وقبّله اليد».

الثالث : بدل الاشتمال ، وهو الدّالّ على معنى فى متبوعه ، نحو «أعجبنى زيد علمه ، واعرفه حقّه».

الرابع : البدل المباين للمبدل منه ، وهو المراد بقوله «أو كمعطوف ببل» وهو على قسمين ؛ أحدهما : ما يقصد متبوعه كما يقصد هو ، ويسمى بدل الإضراب وبدل البداء (٣) ، نحو «أكلت خبزا لحما» قصدت أولا الإخبار بأنك أكلت خبزا ، ثم بدالك أنك تخبر أنك أكلت لحما أيضا ، وهو المراد بقوله : «وذا للاضراب اعز إن قصدا صحب» أى : البدل الذى هو كمعطوف ببل انسبه للاضراب إن قصد متبوعه كما يقصد هو ، الثانى : ما لا يقصد متبوعه ، بل يكون المقصود البدل فقط ، وإنما غلط المتكلم ، فذكر المبدل منه ، ويسمى بدل الغلط والنسيان ، نحو «رأيت رجلا حمارا» أردت أنك تخبر أولا أنك رأيت حمارا ، فغلطت بذكر الرجل ، وهو المراد بقوله : «ودون قصد غلط به سلب» أى : إذا لم يكن المبدل منه مقصودا فيسمى البدل بدل الغلط ؛ لأنه مزيل الغلط الذى سبق ، وهو ذكر غير المقصود.

وقوله : «خذ نبلا مدى» يصلح أن يكون مثالا لكل من القسمين ؛

__________________

(١) نص كثير من اللغويين والنحويين على أن اقتران كل وبعض بأل خطأ.

(٢) البداء ـ بفتح الباء بزنة السحاب ـ ظهور الصواب بعد خفائه.

٢٤٩

لأنه إن قصد النّبل والمدى فهو بدل الإضراب ، وإن قصد المدى فقط ـ وهو جمع مدية ، وهى الشّفرة ـ فهو بدل الغلط.

* * *

ومن ضمير الحاضر الظاهر لا

تبدله ، إلّا ما إحاطة جلا (١)

أو اقتضى بعضا ، أو اشتمالا

كإنّك ابتهاجك استمالا (٢)

أى : لا يبدل الظاهر من ضمير الحاضر ، إلا إن كان البدل بدل كل من كل ، واقتضى الإحاطة والشمول ، أو كان بدل اشتمال ، أو بدل بعض من كل.

فالأول كقوله تعالى : (تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) فـ «أولنا» بدل من الضمير المجرور باللام ـ وهو «نا» ـ فإن لم يدلّ على الإحاطة امتنع ، نحو «رأيتك زيدا».

__________________

(١) «ومن ضمير» جار ومجرور متعلق بقوله «لا تبدله» الآتى ، وضمير مضاف ، و «الحاضر» مضاف إليه «الظاهر» مفعول لفعل محذوف يدل عليه ما بعده «لا» ناهية «تبدله» تبدل : فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «إلا» أداة استثناء «ما» اسم موصول : مستثنى ، مبنى على السكون فى محل نصب «إحاطة» مفعول به مقدم لجلا الآتى «جلا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، وتقدير البيت : ولا تبدل الظاهر من ضمير الحاضر ـ وهو ضمير المتكلم أو ضمير المخاطب ـ إلا ما جلا إحاطة.

(٢) «أو» عاطفة «اقتضى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى البدل «بعضا» مفعول به لاقتضى «أو اشتمالا» معطوف على قوله بعضا «كإنك» الكاف جارة لقول لمحذوف ، إن : حرف توكيد ونصب ، والكاف اسمه «ابتهاجك» ابتهاج : بدل اشتمال من اسم إن ، وابتهاج مضاف والكاف مضاف إليه «استمالا» استمال : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ابتهاجك ، والألف للاطلاق ، والجملة فى محل رفع خبر إن.

٢٥٠

والثانى كقوله :

(٣٠٢) ـ

ذرينى ؛ إنّ أمرك لن يطاعا

وما ألفيتنى حلمى مضاعا

فـ «حلمى» بدل اشتمال من الياء فى «ألفيتنى».

والثالث كقوله :

(٣٠٣) ـ

أو عدنى بالسّجن والأداهم

رجلى ، فرجلى شثنة المناسم

__________________

٣٠٢ ـ البيت لعدى بن زيد العبادى ، ونسب فى كتاب سيبويه (١ / ٧٧) إلى رجل من بجيلة أو خثعم.

اللغة : «ذرينى» دعينى ، واتركينى ، يخاطب امرأة «ألفيتنى» وجدتنى «مضاعا» ذاهبا أو كالذاهب ؛ لعدم التعويل عليه ، وترك الركون إليه.

الإعراب : «ذرينى» ذرى : فعل أمر مبنى على حذف النون ، وياء المخاطبه فاعل ، والنون الموجودة للوقاية ، والياء مفعول به «إن» حرف توكيد ونصب «أمرك» أمر : اسم إن ، وأمر مضاف والكاف مضاف إليه «لن» نافية ناصبة «يطاعا» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بلن ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والألف للاطلاق ، والجملة فى محل رفع خبر إن ، وجملة إن واسمها وخبرها لا محل لها مستأنفة للتعليل «وما» الواو عاطفة ، ما : نافية «ألفيتنى» ألفى : فعل ماض ، وتاء المخاطبة فاعله ، والنون للوقاية ، والياء مفعوله الأول «حلمى» حلم : بدل اشتمال من ياء المتكلم ، وحلم مضاف والياء مضاف إليه «مضاعا» مفعول ثان لألفى.

الشاهد فيه : قوله «ألفيتنى حلمى» حيث أبدل الاسم الظاهر ـ وهو قوله «حلمى» ـ من ضمير الحاضر ، وهو ياء المتكلم فى «ألفيتنى» ـ بدل اشتمال.

٣٠٣ ـ نسب العينى تبعا لياقوت هذا البيت للعديل ـ بزنة التصغير ـ ابن الفرخ بزنة القتل ـ وكان من حديثه أته هجا الحجاج بن يوسف الثقفى ، فلما خاف أن تناله يده هرب إلى بلاد الروم ، واستنجد بالقيصر ، فحماه ، فلما علم الحجاج بذلك أرسل إلى القيصر يتهدده إن لم يرسله إليه ، فأرسله ، فلما مثل بين يديه عنفه وذكره بأبيات كان قد قالها فى هجائه.

٢٥١

فـ «رجلى» بدل بعض من الياء فى «أوعدنى».

وفهم من كلامه : أنه يبدل الظاهر من الظاهر مطلقا كما تقدم تمثيله ، وأن ضمير الغيبة يبدل منه الظاهر مطلقا ، نحو «زره خالدا».

* * *

وبدل المضمّن الهمز يلى

همزا ، كـ «من ذا أسعيد أم على» (١)؟

__________________

اللغة : «أوعدنى» تهددنى ، وقال الفراء : يقال وعدته خيرا ، ووعدته شرا ـ بإسقاط الهمزة فيهما ـ فإذا لم تذكر المفعول قلت «وعدته» إذا أردت الخير ، و «أوعدته» إذا أردت الشر «السجن» المحبس «الأداهم» ، جمع أدهم ، وهو القيد «شثنة» غليظة ، خشنة «المناسم» جمع منسم ـ بزنة مجلس ـ وأصله طرف خف البعير ، فاستعمله فى الإنسان ، وإنما حسن ذلك لأنه يريد أن يصف نفسه بالجلادة والقوة والصبر على احتمال المكروه.

الإعراب : «أوعدنى» أوعد : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به «بالسجن» جار ومجرور متعلق بأوعد «والأداهم» معطوف على السجن «رجلى» رجل : بدل بعض من ياء المتكلم فى أوعدنى ، ورجل مضاف والياء مضاف إليه «فرجلى» الفاء للتفريع ، ورجل : مبتدأ ، وياء المتكلم مضاف إليه «شثنة» خبر المبتدأ ، وشثنة مضاف و «المناسم» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «أوعدنى .. رجلى» حيث أبدل الاسم الظاهر ـ وهو قوله «رجلى» ـ من ضمير الحاضر ـ وهو ياء المتكلم الواقعة مفعولا به لأوعد ـ بدل بعض من كل.

(١) «وبدل» الواو للاستئناف ، بدل : مبتدأ ، وبدل مضاف و «المضمن» مضاف إليه ، وفى المضمن ضمير مستتر هو نائب فاعل له ؛ لأنه اسم مفعول من ضمن ـ بالتضعيف ـ الذى يتعدى لاثنين «الهمز» مفعول ثان للمضمن «يلى» فعل مضارع ، فاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «همزا» مفعول به ليلى «كمن»

٢٥٢

إذا أبدل من اسم الاستفهام وجب دخول همزة الاستفهام على البدل ، نحو «من ذا أسعيد أم علىّ؟ وما تفعل أخيرا أم شرّا؟ ومتى تأتينا أغدا أم بعد غد»؟

* * *

ويبدل الفعل من الفعل ، كـ «من

يصل إلينا يستعن بنا يعن (١)

كما يبدل الاسم من الاسم يبدل الفعل من الفعل ، فـ «يستعن بنا» : بدل من «يصل إلينا» ، ومثله قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) فـ «يضاعف» : بدل من «يلق» فإعرابه بإعرابه ، وهو الجزم ، وكذا قوله :

(٣٠٤) ـ

إنّ علىّ الله أن تبايعا

تؤخذ كرها أو تجىء طائعا

فـ «تؤخذ» : بدل من «تبايعا» ولذلك نصب.

__________________

الكاف جارة لقول محذوف ، من : اسم استفهام مبتدأ «ذا» اسم إشارة : خبر المبتدأ «أسعيد» الهمزة للاستفهام ، سعيد : بدل من اسم الاستفهام وهو من «أم» حرف عطف «على» معطوف على سعيد.

(١) «ويبدل» الواو للاستئناف ، يبدل : فعل مضارع مبنى للمجهول «الفعل» نائب فاعل يبدل «من الفعل» جار ومجرور متعلق بيبدل «كمن» الكاف جارة لقول محذوف ، من : اسم شرط مبتدأ «يصل» فعل مضارع فعل الشرط «إلينا» جار ومجرور متعلق بيصل «يستعن» بدل من يصل «بنا» جار ومجرور متعلق بيستعن «يعن» فعل مضارع مبنى للمجهول ، وهو جواب الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا ، وجملتا الشرط والجواب فى محل رفع خبر المبتدأ على أرجح الأقوال عندنا من الخلاف المعروف.

٣٠٤ ـ هذا البيت مجهول قائله ، وهو أحد أبيات سيبويه الخمسين التى لم ينسبوها إلى قائل معين ، وقد رواه (١ / ٧٨) وقال عقب روايته : «هذا عربى حسن».

٢٥٣

 ..............................................................

__________________

اللغة : «تبايع» تدين للسلطان بالطاعة ، وتدخل فيما دخل فيه الناس.

المعنى : يقول لمخاطبه : إنى ألزم نفسى عهدا أن أحملك على الدخول فيما دخل فيه الناس من الخضوع للسلطان والانقياد لطاعته ؛ فإما التزمت ذلك طائعا مختارا ، وإما أن ألجئك إليه ، وأكرهك عليه ، يبغض إليه الخلاف ، والخروج عن الجماعة ، ويزين له الوفاق ومشاركة الناس.

الإعراب : «إن» حرف توكيد ونصب «على» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر إن مقدم على اسمه «الله» اسم إن تأخر عن خبره «أن» حرف مصدرى ونصب «تبايعا» فعل مضارع منصوب بأن ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والألف للاطلاق ، و «أن» المصدرية وما دخلت عليه فى تأويل مصدر يقع مفعولا لأجله ، ويجوز أن يكون المصدر المنسبك من أن المصدرية ومدخولها هو اسم إن ، وحينئذ فلفظ الجلالة منصوب بنزع الخافض ، وهو حرف القسم ، وتكون جملة القسم لا محل لها من الإعراب معترضة بين خبر إن واسمها ، وتقدير الكلام : إن مبايعتك كائنة على والله «تؤخذ» فعل مضارع مبنى للمجهول بدل من تبايع «كرها» مفعول مطلق ، أو حال على التأويل بكاره «أو» عاطفة «تجىء» فعل مضارع معطوف على تؤخذ ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «طائعا» حال من الضمير المستتر فى تجىء.

الشاهد فيه : قوله «أن تبايعا تؤخذ» فإنه أبدل الفعل ـ وهو قوله «تؤخذ» ـ من الفعل ـ وهو قوله «أن تبايعا» ـ بدل اشتمال.

واعلم أن الدليل على أن البدل ـ فى هذا الشاهد ، وفى الآية الكريمة التى تلاها الشارح ـ هو الفعل وحده ، وليس هو الجملة المكونة من الفعل وفاعله ـ الدليل على ذلك هو أنك ترى الإعراب الذى اقتضاه العامل فى الفعل الأول ـ وهو المبدل منه ـ موجودا بنفسه فى الفعل الثانى الذى نذكر أنه البدل ، ألا ترى أن «تؤخذ» فى هذا الشاهد منصوب كما أن «تبايع» منصوب ، وأن «يضاعف» فى الآية الكريمة مجزوم كما أن «يلق» مجزوم ، والله سبحانه أعلى وأعلم ، وأعز وأكرم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

٢٥٤

النّداء

وللمنادى النّاء أو كالنّاء «يا ،

وأى ، وآ» كذا «أيا» ثمّ «هيا» (١)

والهمز للدّانى ، و «وا» لمن ندب

أو «يا» وغير «وا» لدى اللّبس اجتنب (٢)

لا يخلو المنادى من أن يكون مندوبا ، أو غيره ، فإن كان غير مندوب : فإما أن يكون بعيدا ، أو فى حكم البعيد ـ كالنائم والساهى ـ أو قريبا ، فإن كان بعيدا أو فى حكمه فله من حروف النداء : «يا ، وأى ، وآ ، وهيا» وإن كان قريبا فله الهمزة ، نحو «أزيد أقبل» (٣) ، وإن كان مندوبا ـ وهو

__________________

(١) «للمنادى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «الناء» صفة للمنادى «أو كالناء» عطف على الناء «يا» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «وأى وآ» معطوفان على يا «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «أيا» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «ثم هيا» معطوف على أيا.

(٢) «والهمز» مبتدأ «للدانى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «ووا» قصد لفظه : مبتدأ «لمن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «ندب» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «أو يا» معطوف على وا «وغير» مبتدأ ، وغير مضاف و «وا» قصد لفظ : مضاف إليه «لدى» ظرف متعلق بقوله «اجتنب» الآتى ، ولدى مضاف و «اللبس» مضاف إليه «اجتنب» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٣) ومنه قول امرىء القيس بن حجر الكندى فى معلقته :

أفاطم مهلا بعض هذا التّدلّل

وإن كنت قد أزمعت صرمى فأجملى

٢٥٥

المتفجّع عليه ، أو المتوجّع منه ـ فله «وا» نحو «وازيداه» ، و «واظهراه» و «يا» أيضا ، عند عدم التباسه بغير المندوب ، فإن التبس تعينت «وا» وامتنعت «يا».

* * *

وغير مندوب ، ومضمر ، وما

جا مستغاثا قد يعرّى فاعلما (١)

وذاك فى اسم الجنس والمشار له

قلّ ، ومن يمنعه فانصر عاذله (٢)

لا يجوز حذف حرف النداء مع المندوب ، نحو «وازيداه» ولا مع الضمير ، نحو «يا إيّاك قد كفيتك» ولا مع المستغاث ، نحو «يا لزيد».

__________________

(١) «وغير» مبتدأ ، وغير مضاف و «مندوب» مضاف إليه «ومضمر» معطوف على مندوب «وما» اسم موصول : معطوف على مندوب أيضا «جا» قصر للضرورة : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «مستغاثا» حال من الضمير المستتر فى جاء «قد» حرف تقليل «يعرى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «فاعلما» اعلم : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لأجل الوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(٢) «وذاك» اسم إشارة : مبتدأ «فى اسم» جار ومجرور متعلق بقوله : «قل» الآتى ، واسم مضاف و «الجنس» مضاف إليه «والمشار» معطوف على اسم «له» جار ومجرور متعلق بالمشار «قل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الإشارة الواقع مبتدأ ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «ومن» اسم شرط مبتدأ «يمنعه» يمنع : فعل مضارع فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والهاء مفعول به «فانصر» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، انصر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط ، «عاذله» عاذل : مفعول به لانصر ، وعاذل مضاف والهاء مضاف إليه.

٢٥٦

وأما غير هذه فيحذف معها الحرف جوازا ؛ فتقول فى «يا زيد أقبل» : «زيد أقبل» وفى «يا عبد الله اركب» : «عبد الله اركب».

لكن الحذف مع اسم الإشارة قليل ، وكذا مع اسم الجنس ، حتى إنّ أكثر النحويين منعوه ، ولكن أجازه طائفة منهم ، وتبعهم المصنف ، ولهذا قال : «ومن يمنعه فانصر عاذله» أى : انصر من يعذله على منعه ؛ لورود السماع به ، فمما ورد منه مع اسم الإشارة قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) أى : يا هؤلاء ، وقول الشاعر :

(٣٠٥) ـ

ذا ، ارعواء ، فليس بعد اشتعال الرّ

أس شيبا إلى الصّبا من سبيل

أى : يا ذا ، وممّا ورد منه مع اسم الجنس قولهم : «أصبح ليل» أى : يا ليل ، و «أطرق كرا» أى : يا كرا.

* * *

__________________

٣٠٥ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعرف قائلها.

اللغة : «ارعواء» انكفافا ، وتركا للصبوة ، وأخذا بالجد ومعالى الأمور.

الإعراب : «ذا» اسم إشارة منادى بحرف نداء محذوف ، أى : يا هذا «ارعواء» مفعول مطلق لفعل محذوف ، وأصل الكلام : ارعو ارعواء «فليس» الفاء للتعليل ، ليس : فعل ماض ناقص «بعد» ظرف متعلق بمحذوف خبر ليس تقدم على اسمه ، وبعد مضاف و «اشتعال» مضاف إليه ، واشتعال مضاف و «الرأس» مضاف إليه «شيبا» تمييز «إلى الصبا» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من سبيل الآتى ، وكان أصله نعتا له ، فلما تقدم أعرب حالا على قاعدة أن صفة النكرة إذا تقدمت صارت حالا ، ضرورة أن الصفة لا تتقدم على الموصوف ، بسبب كون الصفة تابعا ، ومن شأن التابع ألا يسبق المتبوع. «من» زائدة «سبيل» اسم ليس تأخر عن خبره ، مرفوع بضمة مقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

٢٥٧

وابن المعرّف المنادى المفردا

على الّذى فى رفعه قد عهدا (١)

لا يخلو المنادى من أن يكون : مفردا ، أو مضافا ، أو مشبّها به.

فإن كان مفردا : فإما أن يكون معرفة ، أو نكرة مقصودة ، أو نكرة غير مقصودة.

فإن كان مفردا ـ معرفة ، أو نكرة مقصودة ـ بنى على ما كان يرفع به ؛ فإن كان يرفع بالضمة بنى عليها ، نحو «يا زيد» و «يا رجل» ، وإن كان يرفع بالألف أو بالواو فكذلك ، نحو «يا زيدان ، ويا رجلان» ، و «يا زيدون ، ويا رجيلون» ويكون فى محل نصب على المفعولية ؛ لأن المنادى مفعول [به] فى المعنى ، وناصبه فعل مضمر نابت «يا» منابه ، فأصل «يا زيد» : أدعو زيدا ، فحذف «أدعو» ونابت «يا» منابه.

* * *

__________________

الشاهد فيه : قوله «ذا» حيث حذف حرف النداء مع اسم الإشارة ؛ فدل ذلك على أنه وارد ، لا ممتنع ، خلافا لمن ادعى منعه ، نعم هو قليل.

وعلى هذا جاء قول أبى الطيب المتنبى :

هذى برزت لنا فهجت رسيسا

ثمّ انثنيت ، وما شفيت نسيسا

يريد بقوله هذى : يا هذه ، ومثل ذلك قول الراجز :

يا إبلى إمّا سلمت هذى

فاستوسقى لصارم هذّاذ

* أو طارق فى الدّجن والرّذاذ*

(١) «وابن» فعل أمر مبنى على حذف الياء ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «المعرف» مفعول به لابن «المنادى» بدل من المعرف «المفردا» نعت للمنادى «على الذى» جار ومجرور متعلق بقوله ابن «فى رفعه» الجار والمجرور متعلق بقوله : «عهد» الآتى ، ورفع مضاف والهاء مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «عهدا» عهد : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول ، والجملة لا محل لها صلة الذى.

٢٥٨

وانو انضمام ما بنوا قبل النّدا

وليجر مجرى ذى بناء جدّدا (١)

أى : إذا كان الاسم المنادى مبنيّا قبل النداء قدّر ـ بعد النداء ـ بناؤه على الضم ، نحو «يا هذا». ويجرى مجرى ما تجدّد بناؤه بالنداء كزيد : فى أنه يتبع بالرفع مراعاة للضم المقدّر فيه ، وبالنصب مراعاة للمحل ؛ فتقول «يا هذا العاقل ، والعاقل» بالرفع والنصب ، كما تقول : «يا زيد الظريف ، والظريف».

* * *

والمفرد المنكور ، والمضافا

وشبهه ـ انصب عادما خلافا (٢)

تقدّم أن المنادى إذا كان مفردا معرفة أو نكرة مقصودة يبنى على ما كان يرفع به ، وذكر هنا أنه إذا كان مفردا نكرة : أى غير مقصودة ، أو مضافا ، أو مشبّها به ـ نصب.

__________________

(١) «وانو» الواو للاستئناف ، انو : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «انضمام» مفعول به لانو ، وانضمام مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «بنوا» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد محذوف ، أى : بنوه «قبل» ظرف زمان متعلق بقوله بنوا ، وقبل مضاف ، و «الندا» مضاف إليه «وليجر» الواو عاطفة ، واللام لام الأمر ، يجر : فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بحذف الألف ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى بنوا قبل النداء «مجرى» مفعول مطلق ، ومجرى مضاف و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف و «بناء» مضاف إليه ، وجملة «جددا» من الفعل المبنى للمجهول مع نائب الفاعل المستتر فيه فى محل جر نعت لبناء.

(٢) «والمفرد» مفعول مقدم على عامله ، وهو قوله «انصب» الآتى «المنكور» نعت للمفرد «والمضافا» معطوف على المفرد «وشبهه» الواو عاطفة ، وشبه : معطوف على المفرد أيضا ، وشبه مضاف وضمير الغائب العائد إلى المضاف : مضاف إليه «انصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «عادما» حال من فاعل انصب ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ؛ لأنه اسم فاعل يعمل عمل الفعل «خلافا» ، مفعول به لعادم.

٢٥٩

فمثال الأول قول الأعمى «يا رجلا خذ بيدى» وقول الشاعر :

(٣٠٦) ـ

أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغا

نداماى من نجران أن لا تلاقيا

ومثال الثانى قولك : «يا غلام زيد» ، و «يا ضارب عمرو».

ومثال الثالث قولك «يا طالعا جبلا ، ويا حسنا وجهه ، ويا ثلاثة وثلاثين» [فيمن سميته بذلك].

* * *

__________________

٣٠٦ ـ هذا البيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثى ، وكان قد أسر فى يوم الكلاب الثانى.

اللغة : «عرضت» أتيت العروض ، وهو مكة والمدينة وما حولهما ، قاله الجوهرى ، وقيل : معناه بلغت العرض ، وهى جبال نجد «نداماى» جمع ندمان ـ بفتح النون وسكون الدال ـ ومعناه النديم المشارب ، وقد يطلق على الجليس المصاحب ، وإن لم يكن مشاركا على الشراب «نجران» مدينة بالحجاز من شق اليمن.

الإعراب : «أيا» حرف نداء «راكبا» منادى منصوب بالفتحة لأنه لا يقصد راكبا بعينه «إما» كلمة مكونة من إن وما ؛ فإن : شرطية ، وما زائدة «عرضت» عرض : فعل ماض فعل الشرط ، والتاء فاعل «فبلغن» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، بلغ : فعل أمر ، مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «نداماى» ندامى : مفعول به لبلغ. منصوب بفتحة مقدرة على الألف ، وندامى مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «من نجران» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من نداماى «أن» مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف «لا» نافية للجنس «تلاقيا» تلاقى : اسم لا ، والألف للاطلاق ، وخبر «لا» محذوف تقديره : لا تلاقى لنا ، والجملة من لا واسمها وخبرها فى محل رفع خبر أن المخففة من الثقيلة ، والجملة من أن واسمها وخبرها فى محل نصب مفعول ثان لبلغن.

الشاهد فيه : قوله «أيا راكبا» حيث نصب راكبا لكونه نكرة غير مقصودة ، وآية ذلك أن قائل هذا البيت رجل أسير فى أيدى أعدائه ، فهو يريد راكبا أى راكب منطلقا نحو بلاد قومه يبلغهم حاله ؛ لينشطوا إلى إنقاذه إن قدروا على ذلك ، وليس يريد واحدا معينا.

٢٦٠