شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

وصالحا لبدليّة يرى

فى غير ، نحو «يا غلام يعمرا» (١)

ونحو «بشر» تابع «البكرىّ»

وليس أن يبدل بالمرضىّ (٢)

كلّ ما جاز أن يكون عطف بيان ، جاز أن يكون بدلا ، نحو : «ضربت أبا عبد الله زيدا».

واستثنى المصنف من ذلك مسألتين ، يتعين فيهما كون التابع عطف بيان (٣) :

__________________

(١) «وصالحا» مفعول ثان مقدم على عامله ، وهو قوله «يرى» «لبدلية» جار ومجرور متعلق بصالح «يرى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عطف البيان ، ونائب الفاعل هو المفعول الأول «فى غير» جار ومجرور متعلق بيرى ، وغير مضاف ، و «نحو» مضاف إليه «يا» حرف نداء «غلام» منادى مبنى على الضم فى محل نصب «يعمرا» عطف بيان على غلام تبعا للمحل ؛ فقد علمت أنه مضموم اللفظ ، وأن محله نصب.

(٢) «ونحو» معطوف على نحو فى البيت السابق ، ونحو مضاف و «بشر» مضاف «تابع» نعت لبشر ، وتابع مضاف و «البكرى» مضاف إليه «وليس» فعل ماض ناقص «أن» مصدرية «يبدل» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بأن ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، و «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر اسم ليس «بالمرضى» الباء زائدة ، والمرضى : خبر ليس ، منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

(٣) ضبط ابن هشام وغيره المسائل التى يتعين فيها أن يكون التابع عطف بيان ولا يجوز أن يكون بدلا ، بأحد أمرين ؛ الأمر الأول : أن يكون التابع غير مستغنى عنه ، الثانى : أن يكون التابع غير صالح لأن يوضع فى مكان المتبوع ، والمسألتان اللتان ذكرهما الناظم وبينهما الشارح من أفراد الضابط الثانى ؛ ألا ترى أنه لا يجوز أن يوضع يعمرا مع كونه منصوبا موضع غلام المنادى ، ولا يصلح أن يوضع بشر مع كونه علما وليس مقترنا بأل موضع البكرى ، ولم يتعرضا لتأصيل الضابط الأول ، ولا التمثيل له ، ومن أمثلته أن يكون التابع مشتملا على ضمير والمتبوع جزء من جملة واقعة خبرا

٢٢١

الأولى : أن يكون التابع مفردا ، معرفة ، معربا ؛ والمتبوع منادى ، نحو : «يا غلام يعمرا» فيتعين أن يكون «يعمرا» عطف بيان ، ولا يجوز أن يكون بدلا ؛ لأن البدل على نيّة تكرار العامل ؛ فكان يجب بناء «يعمرا» على الضم ؛ لأنه لو لفظ بـ «يا» معه لكان كذلك.

الثانية : أن يكون التابع خاليا من «أل» والمتبوع بأل ، وقد أضيفت إليه صفة بأل ، نحو : «أنا الضّارب الرّجل زيد» ؛ فيتعين كون «زيد» عطف بيان ، ولا يجوز كونه بدلا من «الرجل» ؛ لأن البدل على نية تكرار العامل ؛ فيلزم أن يكون التقدير : أنا الضارب زيد ، وهو لا يجوز ؛ لما عرفت فى باب الإضافة من أن الصفة إذا كانت بأل لا تضاف إلا إلى ما فيه أل ، أو ما أضيف إلى ما فيه أل ، ومثل «أنا الضارب الرجل زيد» قوله :

(٢٩٣) ـ

أنا ابن التّارك البكرىّ بشر

عليه الطّير ترقبه وقوعا

__________________

وليس فى هذه الجملة ضمير يربطها بالمبتدأ ، نحو «على سافر بكر أخوه» فإنه يتعين أن يكون «أخوه» عطف بيان على بكر ، ولا يجوز أن يكون بدلا.

٢٩٣ ـ البيت للمرار بن سعيد الفقعسى.

اللغة : «التارك» يجوز أن يكون اسم فاعل من ترك بمعنى صير وجعل ، فيحتاج مفعولين ، ويجوز أن يكون اسم فاعل من ترك بمعنى خلى ، فلا يحتاج إلا مفعولا واحدأ «البكرى» نسبة إلى بكر بن وائل «بشر» هو بشر بن عمرو بن مرثد ، وكان قد قتله سبع بن الحساس الفقعسى ، ورئيس بنى أسد يوم ذاك خالد بن نضلة الفقعسى جد المرار ، لذلك فخر بمقتل بشر «ترقبه» تنتظر خروج روحه ؛ لأن الطير لا تهبط إلا على الموتى ، وكنى بذلك عن كونه قتله.

المعنى : يقول : أنا ابن الرجل الذى ترك بشرا البكرى تنتظر الطير موته لتقع عليه.

الإعراب : «أنا» مبتدأ «ابن» خبر المبتدأ ، وابن مضاف ، «التارك»

٢٢٢

فبشر : عطف بيان ، ولا يجوز كونه بدلا ؛ إذ لا يصح أن يكون التقدير. «أنا ابن التّارك بشر».

وأشار بقوله : «وليس أن يبدل بالمرضىّ» إلى أنّ تجويز كون «بشر» بدلا غير مرضىّ ، وقصد بذلك التنبيه على مذهب الفرّاء والفارسى (١).

* * *

__________________

مضاف إليه ، والتارك مضاف ، و «البكرى» مضاف إليه ، من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله «بشر» عطف بيان على البكرى «عليه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «الطير» مبتدأ مؤخر ، والجملة فى محل نصب : إما مفعول ثان للتارك ، وإما حال من البكرى «ترقبه» ترقب : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الطير ، والهاء مفعول به ، والجملة فى محل نصب حال من الطير «وقوعا» حال من الضمير المستتر فى ترقبه.

الشاهد فيه : قوله «التارك البكرى بشر» فإن قوله «بشر» يتعين فيه أن يكون عطف بيان على قوله «البكرى» ، ولا يجوز أن يجعل بدلا منه ؛ وقد أشار الشارح العلامة إلى وجه امتناعه والخلاف فيه.

(١) مذهب الفراء والفارسى جواز إضافة الوصف المقترن بأل إلى العلم ، وذلك نحو «أنا الضارب زيد» وعلى هذا يجوز فى «أنا ابن التارك البكرى بشر» أن يجعل بشر بدلا ؛ لأنه يجوز عندهم أن تقول : أنا ابن التارك بشر ـ بإضافة التارك الذى هو وصف مقترن بأل إلى بشر الذى هو علم ـ ومعنى هذا أنه يجوز إحلال التابع محل المتبوع ، ومتى جاز ذلك صح فى المتبوع الوجهان : أن يكون عطف بيان ، وأن يكون بدلا ، لكن مذهب الفراء والفارسى غير مقبول عند المصنف وجمهرة العلماء ، لا جرم لم يجيزوا فى «بشر» إلا وجها واحدا وهو أن يكون عطف بيان ، ولهذا تجد المصنف يقول «وليس أن يبدل بالمرضى».

٢٢٣

عطف النّسق

تال بحرف متبع عطف النّسق

كاخصص بود وثناء من صدق (١)

عطف النسق هو : التابع ، المتوسّط بينه وبين متبوعه أحد الحروف التى سنذكرها ، كـ «اخصص بودّ وثناء من صدق».

فخرج بقوله «المتوسط ـ إلى آخره» بقية التوابع.

* * *

فالعطف مطلقا : بواو ، ثمّ ، فا ،

حتّى ، أم ، او ، كـ «فيك صدق ووفا» (٢)

__________________

(١) «تال» خبر مقدم «بحرف» جار ومجرور متعلق بتال «متبع» نعت لحرف «عطف» مبتدأ مؤخر ، وعطف مضاف ، و «النسق» مضاف إليه «كاخصص» الكاف جارة لقول محذوف ، اخصص : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بود» جار ومجرور متعلق باخصص «وثناء» معطوف بالواو على ود «من» اسم موصول : مفعول به لاخصص «صدق» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على من الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول.

(٢) «فالعطف» مبتدأ «مطلقا» حال من الضمير المستكن فى الجار والمجرور وهو قوله «بواو» بناء على رأى من أجاز تقدم الحال على عامله الجار والمجرور ، أو هو حال من المبتدأ بناء على مذهب سيبويه «بواو» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «ثم ، فا ، حتى ، أم ، أو» قصد لفظهن. معطوفات على قوله واو ، بعاطف مقدر فى الجميع «كفيك» الكاف جارة لقول محذوف ، فيك : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «صدق» مبتدأ مؤخر «ووفا» الواو عاطفة ، ووفا : معطوف على صدق ، وقصر وفا للضرورة ، وأصله وفاء ، وتقدير الكلام : كقولك فيك صدق ووفا ، والكاف ومجرورها تتعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك كائن كقولك.

٢٢٤

حروف العطف على قسمين :

أحدهما : ما يشرّك المعطوف مع المعطوف عليه مطلقا ، أى : لفظا وحكما ، وهى : الواو ، نحو : «جاء زيد وعمرو». وثمّ ، نحو : «جاء زيد ثمّ عمرو». والفاء ، نحو : «جاء زيد فعمرو». وحتّى ، نحو : «قدم الحجّاج حتّى المشاة». وأم ، نحو : «أزيد عندك أم عمرو؟». وأو ، نحو : «جاء زيد أو عمرو».

والثانى : ما يشرّك لفظا فقط ، وهو المراد بقوله.

وأتبعت لفظا فحسب : بل ، ولا ،

لكن ، كـ «لم يبد امرؤ لكن طلا» (١)

هذه الثلاثة تشرّك الثانى مع الأول فى إعرابه ، لا فى حكمه ، نحو : «ما قام زيد بل عمرو ، وجاء زيد لا عمرو ، ولا تضرب زيدا لكن عمرا».

* * *

__________________

(١) «وأتبعت» أتبع : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث «لفظا» تمييز ، أو منصوب بنزع الخافض «فحسب» الفاء زائدة لتزيين اللفظ ، حسب ، بمعنى كاف هنا : مبتدأ ، وخبره محذوف ، أى فكافيك هذا ، مثلا «بل» فاعل أتبعت «ولا ، لكن» معطوفان على «بل» بعاطف مقدر فى الثانى «كلم» الكاف جارة لقول محذوف ، لم : حرف نفى وجزم وقلب «يبد» فعل مضارع مجزوم بحذف الواو «امرؤ» فاعل يبد «لكن» حرف عطف «طلا» معطوف على امرؤ ، والطلا ـ بفتح الطاء مقصورا ، بزنة عصا وفتى ـ ابن الظبية أول ما يولد ، وقيل : الطلا هو ولد البقرة الوحشية ، وقيل : هو ولد ذات الظلف مطلقا ، ويجمع على أطلاء ، مثل سبب وأسباب.

٢٢٥

فاعطف بواو لاحقا أو سابقا

 ـ فى الحكم ـ أو مصاحبا موافقا (١)

لمّا ذكر حروف العطف التسعة شرع فى ذكر معانيها.

فالواو : لمطلق الجمع عند البصريين ؛ فإذا قلت : «جاء زيد وعمرو» دلّ ذلك على اجتماعهما فى نسبة المجىء إليهما ، واحتمل كون «عمرو» جاء بعد «زيد» ، أو جاء قبله ، أو جاء مصاحبا له ، وإنما يتبين ذلك بالقرينة ، نحو : «جاء زيد وعمرو بعده ، وجاء زيد وعمرو قبله ، وجاء زيد وعمرو معه». فيعطف بها : اللاحق ، والسابق ، والمصاحب.

ومذهب الكوفيين أنها للترتيب ، وردّ بقوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا)(٢).

* * *

__________________

(١) «فاعطف» الفاء للتفريع ، اعطف : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بواو» جار ومجرور متعلق باعطف «لا حقا» مفعول به لا عطف «أو» عاطفة «سابقا» معطوف على قوله لا حقا «فى الحكم» جار ومجرور تنازعه كل من «سابقا ، ولا حقا» «أو» عاطفة «مصاحبا» معطوف على سابقا «موافقا» نعت لقوله مصاحبا ،

(٢) لو كانت الواو دالة على الترتيب ـ كما يقول الكوفيون ـ لكان هذا الكلام اعترافا من الكفار بالبعث بعد الموت ؛ لأن الحياة المرادة من «نحيا» تكون حينئذ بعد الموت ، وهى الحشر ، ومساق الآية وما عرف من حالهم ومرادهم دليل على أنهم منكرون له ؛ فالمراد من الحياة فى قولهم «ونحيى» هى الحياة التى يحيونها فى الدنيا ، وهى قبل الموت قطعا ، فدلت الآية على أن الواو لا تدل على الترتيب ؛ لأن المعطوف سابق فى الوجود على المعطوف عليه.

٢٢٦

واخصص بها عطف الّذى لا يغنى

متبوعه ، كـ «اصطفّ هذا وابنى» (١)

اختصّت الواو ـ من بين حروف العطف ـ بأنها يعطف بها حيث لا يكتفى بالمعطوف عليه ، نحو : «اختصم زيد وعمرو» ولو قلت : «اختصم زيد» لم يجز ، ومثله «اصطفّ هذا وابنى ، وتشارك زيد وعمرو» ، ولا يجوز أن يعطف فى هذه المواضع بالفاء ولا بغيرها من حروف العطف ؛ فلا تقول : «اختصم زيد فعمرو».

* * *

والفاء للتّرتيب باتّصال

و «ثمّ» للتّرتيب بانفصال (٢)

أى : تدلّ الفاء على تأخّر المعطوف عن المعطوف عليه متّصلا به ، و «ثم» على تأخّره عنه منفصلا ، أى : متراخيا عنه ، نحو : «جاء زيد فعمرو» ، ومنه قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) و «جاء زيد ثم عمرو» ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ).

* * *

__________________

(١) «واخصص» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بها» جار ومجرور متعلق باخصص «عطف» مفعول به لاخصص ، وعطف مضاف ، و «الذى» اسم موصول : مضاف إليه ، والجملة من الفعل المنفى وهو «لا يغنى» وفاعله الضمير المستتر فيه لا محل لها صلة الموصول «كاصطف» الكاف جارة لقول محذوف ، واصطف : فعل ماض «هذا» فاعل اصطف «وابنى» معطوف على هذا.

(٢) «والفاء» مبتدأ «للترتيب» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «باتصال» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الترتيب «وثم للترتيب بانفصال» مثل الشطر الأول فى الإعراب.

٢٢٧

واخصص بفاء عطف ما ليس صله

على الّذى استقرّ أنّه الصّله (١)

اختصّت الفاء بأنها تعطف ما لا يصلح أن يكون صلة ـ لخلوه عن ضمير الموصول ـ على ما يصلح أن يكون صلة ـ لاشتماله على الضمير ـ نحو : «الذى يطير فيغضب زيد الذباب» ، ولو قلت : «ويغضب زيد» أو «ثم يغضب زيد» لم يجز ؛ لأن الفاء تدل على السببية ، فاستغنى بها عن الرابط ، ولو قلت : «الذى يطير ويغضب منه زيد الذباب» جاز ؛ لأنك أتيت بالضمير الرابط.

* * *

بعضا بحتّى اعطف على كلّ ، ولا

يكون إلّا غاية الّذى تلا (٢)

__________________

(١) «واخصص» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بفاء» جار ومجرور متعلق باخصص «عطف» مفعول به لاخصص ، وعطف مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «ليس» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه «صلة» خبر ليس ، والجمله من ليس واسمها وخبرها لا محل لها صلة ما الموصولة «على الذى» جار ومجرور متعلق بعطف «استقر» فعل ماض «أنه» أن : حرف توكيد ونصب ، والهاء اسمه «الصلة» خبر أن ، و «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر فاعل استقر ، والجملة من الفعل الذى هو استقر والفاعل الذى هو المصدر المنسبك من أن ومعموليها لا محل لها صلة الذى.

(٢) «بعضا» مفعول به مقدم لقوله «اعطف» الآتى «بحتى» جار ومجرور متعلق باعطف «اعطف» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «على كل» جار ومجرور متعلق باعطف أيضا «ولا» الواو للحال ، لا : نافية «يكون» فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا «إلا» أداة استثناء ملغاة «غاية» خبر يكون ، وغاية مضاف ، و «الذى» اسم موصول مضاف إليه «تلا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا ، والجملة لا محل لها صلة الذى ، وجملة يكون واسمه وخبرء فى محل نصب حال.

٢٢٨

يشترط فى المعطوف بحتى أن يكون بعضا مما قبله وغاية له : فى زيادة ، أو نقص ، نحو : «مات الناس حتى الأنبياء ، وقدم الحجّاج حتّى المشاة».

* * *

و «أم» بها اعطف إثر همز التّسويه

أو همزة عن لفظ «أىّ» مغنيه (١)

«أم» على قسمين : منقطعة ، وستأتى ، ومتصلة ، وهى : التى تقع بعد همزة التسوية نحو : «سواء علىّ أقمت أم قعدت» ومنه قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) والتى تقع بعد همزة مغنية عن «أىّ» نحو «أزيد عندك أم عمرو» أى : أيّهما عندك؟.

* * *

وربّما أسقطت الهمزة ، إن

كان خفا المعنى بحذفها أمن (٢)

__________________

(١) «وأم» قصد لفظه : مبتدأ «بها» جار ومجرور متعلق بقوله اعطف الآتى «اعطف» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «إثر» ظرف مكان بمعنى بعد متعلق باعطف ، وإثر مضاف و «همز» مضاف إليه ، وهمز مضاف و «التسوية» مضاف إليه «أو» حرف عطف «همزة» معطوف على همز «عن لفظ» جار ومجرور متعلق بقوله «مغنية» الآتى ، ولفظ مضاف و «أى» مضاف إليه «مغنية» نعت لهمزة.

(٢) «وربما» رب : حرف تقليل ، ما : كافة «أسقطت» أسقط : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث «الهمزة» نائب فاعل أسقط «إن» شرطية «كان» فعل ماض ناقص فعل الشرط «خفا» قصر للضرورة : اسم كان ، وخفا مضاف و «المعنى» مضاف إليه «بحذفها» الجار والمجرور متعلق بقوله «أمن» الآتى ،

٢٢٩

أى : قد تحذف الهمزة ـ يعنى همزة التسوية ، والهمزة المغنية عن أىّ ـ عند أمن اللبس ، وتكون «أم» متصلة كما كانت والهمزة موجودة ، ومنه قراءة ابن محيصن : (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) بإسقاط الهمزة من «أنذرتهم» ، وقول الشاعر :

(٢٩٤) ـ

لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان

أى : أبسبع.

__________________

وحذف مضاف وها : مضاف إليه «أمن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة فى محل نصب خبر كان ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام.

٢٩٤ ـ البيت لعمر بن أبى ربيعة المخزومى ، أحد شعراء قريش المعدودين.

الإعراب : «لعمرك» اللام للقسم ، عمر : مبتدأ ، وخبره محذوف وجوبا ، وتقدير الكلام : لعمرك قسمى ، وعمر مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه «ما» نافية «أدرى» فعل مضارع بتطلب مفعولين ، وقد علق عنهما بالهمزة المقدرة قبل قوله بسبع الآتى ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «وإن» الواو واو الحال ، إن زائدة «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «داريا» خبره «بسبع» جار ومجرور متعلق بقوله رمين الآتى «رمين» رمى : فعل ماض ، ونون النسوة فاعل «الجمر» مفعول به لرمين «أم» عاطفة «بثمان» جار ومجرور معطوف على قوله بسبع.

الشاهد فيه : قوله «بسبع ... أم بثمان» حيث حذف منه الهمزة المغنية عن لفظ «أى» وأصل الكلام : أبسبع رمين ـ إلخ ، وإنما حذفها اعتمادا على انسياق المعنى وعدم خفائه.

٢٣٠

وبانقطاع وبمعنى «بل» وفت

إن تك ممّا قيّدت به خلت (١)

أى : إذا لم يتقدم على «أم» همزة التسوية ، ولا همزة مغنية عن أى ؛ فهى منقطعة وتفيد الإصراب كبل ، كقوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أى : بل يقولون افتراه ، ومثله «إنّها لإبل أم شاء» أى : بل هى شاء.

* * *

خيّر ، أبح ، قسّم ـ بأو ـ وأبهم ،

واشكك ، وإضراب بها أيضا نمى (٢)

__________________

(١) «وبانقطاع» جار ومجرور متعلق بقوله وفت الآتى «وبمعنى» جار ومجرور معطوف بالواو على بانقطاع ، ومعنى مضاف و «بل» قصد لفظه : مضاف إليه «وفت» وفى : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أم أيضا «إن» شرطية «تك» فعل مضارع ناقص ، فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أم أيضا «مما» جار ومجرور متعلق بقوله خلت الآتى «قيدت» قيد : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى ، والتاء للتأنيث ، والجملة لا محل لها صلة «ما» المجرورة محلا بمن «به» جار ومجرور متعلق بقيدت «خلت» خلا : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير فيه جوازا تقديره هى ، والجملة فى نصب خبر «تك» وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام.

(٢) «خير» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أبح ، قسم» معطوفان على خير بعاطف مقدر مع كل منهما «بأو» جار ومجرور تنازعه الأفعال الثلاثة قبله «وأبهم ، واشكك» معطوفان على خير «وإضراب» مبتدأ «بها» جار ومجرور متعلق بإضراب «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «نمى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إضراب ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

٢٣١

أى : تستعمل «أو» للتخيير ، نحو «خذ من مالى درهما أو دينارا» وللإباحة نحو «جالس الحسن أو ابن سيرين ، والفرق بين الإباحة والتخيير : أن الإباحة لا تمنع الجمع ، والتخيير يمنعه ، وللتقسيم ، نحو «الكلمة اسم ، أو فعل ، أو حرف» وللإبهام على السامع ، نحو «جاء زيد أو عمرو» إذا كنت عالما بالجائى منهما وقصدت الإبهام على السامع ، [ومنه قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)] ، وللشك ، نحو «جاء زيد أو عمرو» إذا كنت شاكا فى الجائى منهما ، وللاضراب كقوله :

(٢٩٥) ـ

ماذا ترى فى عيال قد برمت بهم

لم أحص عدّتهم إلّا بعدّاد

__________________

٢٩٥ ـ هذان البيتان لجرير بن عطية ، يقولهما لهشام بن عبد الملك.

اللغة : «عيال» بعنى بهم أولاده ومن يمونهم ويعولهم «برمت» ضجرت وتعبت.

الإعراب : «ما» اسم استفهام مبتدأ ، مبنى على السكون فى محل رفع «ذا» اسم موصول : خبر المبتدأ «ترى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة لا محل لها صلة ، والعائد ضمير منصوب بترى محذوف ، ويجوز أن يكون قوله «ماذا» كله اسم استفهام مفعولا مقدما لترى «فى عيال» جار ومجرور متعلق بترى «قد» حرف تحقيق «برمت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر صفة لعيال «بهم» جار ومجرور متعلق ببرمت «لم» نافية جازمة «أحص» فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه حذف الياء ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «عدتهم» عدة : مفعول به لأحص ، وعدة مضاف والضمير مضاف إليه «إلا» أداة استثناء ملغاة «بعداد» جار ومجرور متعلق بأحص «كانوا» كان : فعل ماض ناقص ، وواو الجماعة اسمه «ثمانين» خبر كان «أو» حرف عطف بمعنى بل ، وقيل : هى بمعنى الواو «زادوا» فعل وفاعل «ثمانية» مفعول به لزاد «لو لا» حرف امتناع لوجود «رجاؤك» رجاء : مبتدأ خبره محذوف وجوبا ، ورجاء مضاف والكاف

٢٣٢

كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية

لو لا رجاؤك قد قتلت أولادى

أى : بل زادوا.

وربّما عاقبت الواو ، إذا

لم يلف ذو النّطق للبس منفذا (١)

قد تستعمل «أو» بمعنى الواو عند أمن اللّبس ؛ كقوله :

(٢٩٦) ـ

جاء الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربّه موسى على قدر

أى وكانت له قدرا

__________________

مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «قتلت» فعل وفاعل «أولادى» أولاد : مفعول به لقتل ، وأولاد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «أو زادوا» حيث استعمل فيه «أو» للاضراب بمعنى بل.

(١) «وربما» رب : حرف تقليل ، وما : كافة «عاقبت» عاقب : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أو «الواو» مفعول به لعاقب «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «لم» نافية جازمة «يلف» فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها «ذو» فاعل يلف ، وذو مضاف ، و «النطق» مضاف إليه ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «للبس» جار ومجرور متعلق بقوله منفذ الآتى «منفذا» مفعول أول ليلفى ، ومفعوله الثانى محذوف ، وجواب «إذا» محذوف.

٢٩٦ ـ هذا البيت لجرير بن عطية ، من كلمة يمدح بها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن مروان.

اللغة : «قدر» بفتحتين ـ أى : موافقة له ، أو مقدرة.

الإعراب : «جاء» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الممدوح «الخلافة» مفعول به لجاء «أو» عاطفة بمعنى الواو «كانت» كان : فعل ماض ناقص ، والتاء للتأنيث ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الخلافة «له» جار ومجرور متعلق بقوله قدر الآتى «قدرا» خبر كان «كما» الكاف حارة ، ما : مصدرية «أتى» فعل ماض «ربه» رب : مفعول به مقدم على الفاعل ،

٢٣٣

ومثل «أو» فى القصد «إمّا» الثّانيه

فى نحو : «إمّا ذى وإمّا النّائيه» (١)

يعنى أن «إمّا» المسبوقة بمثلها تفيد ما تفيده «أو» : من التخيير ، نحو : «خذ من مالى إمّا درهما وإمّا دينارا» والإباحة ، نحو : «جالس إمّا الحسن وإمّا ابن سيرين» والتقسيم ، نحو : «الكلمة إمّا اسم وإمّا فعل وإمّا حرف» والإبهام والشك ، نحو : «جاء إما زيد وإما عمرو».

وليست «إما» هذه عاطفة ، خلافا لبعضهم ، وذلك لدخول الواو عليها ، وحرف العطف لا يدخل على حرف [العطف](٢).

* * *

__________________

ورب مضاف والهاء مضاف إليه «موسى» فاعل أتى «على قدر» جار ومجرور متعلق بأنى.

الشاهد فيه : قوله «أو كانت» حيث استعمل فيه «أو» بمعنى الواو ، ارتكانا على انفهام المعنى وعدم وقوع السابع فى لبس.

(١) «ومثل» مبتدأ ، ومثل مضاف و «أو» قصد لفظه : مضاف إليه «فى القصد» جار ومجرور متعلق بمثل «إما» قصد لفظه : خبر المبتدأ «الثانية» نعت لإما «فى نحو» جار ومجرور متعلق بمثل أيضا «إما» حرف تفصيل «ذى» اسم إشارة للمفردة المؤنثة : مبتدأ ، وخبره محذوف : أى إما هذه لك ، مثلا «وإما» عاطفة «النائية» معطوف على ذى.

(٢) ههبا ثلاثة أمور نرى أن ننبهك إليها ؛ الأول : أن «إما» الثانية تكون بمعنى أو باتفاق من النحاة ، نعنى أنها تأتى للمعانى المشهورة التى تأتى لها أو ، واختلفوا أهى عاطفة أم لا؟ وقد أشار الشارح إلى هذا الخلاف ، ولا خلاف بينهم فى أن إما الأولى ليست عاطفة ، ولذلك نراها تفصل بين العامل ومعموله نحو «زارنى إما زيد وإما عمرو» ، والأمر الثانى : أن المعانى المشهورة التى تأتى لها إما هى التى ذكرها

٢٣٤

وأول «لكن» نفيا او نهيا ، و «لا»

نداء او أمرا أو اثباتا تلا (١)

أى : إنما يعطف بلكن بعد النفى ، نحو : «ما ضربت زيدا لكن عمرا» وبعد النهى ، نحو : «لا تضرب زيدا لكن عمرا» ، ويعطف بـ «لا» بعد النداء ، نحو : «يا زيد لا عمرو» والأمر ، نحو : «اضرب زيدا لا عمرا» وبعد الإثبات ، نحو : «جاء زيد لا عمرو» ولا يعطف بـ «لا» بعد النفى ، نحو : «ما جاء زيد لا عمرو» ولا يعطف بـ «لكن» فى الإثبات ، نحو : «جاء زيد لكن عمرو».

* * *

وبل كلكن بعد مصحوبيها

كلم أكن فى مربع بل تيها (٢)

__________________

الشارح ، وهى ما عدا الإضراب والجمع المطلق التى تأتى له أو أحيانا كما فى الشاهد رقم ٢٩٩ ، والأمر الثالث : أن إما الثانية قد تحذف لذكر ما يغنى عنها ، نحو قولك : إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت ، ونحو قول الشاعر :

فإمّا أن تكون أخى بصدق

فأعرف منك غثّى من سمينى

وإلّا فاطّرحنى واتّخذنى

عدوّا أتّقيك وتتّقينى

(١) «وأول» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لكن» قصد لفظه : مفعول به لأول «نفيا» مفعول ثان لأول «أو» عاطفة «نهيا» معطوف على قوله «نفيا» «ولا» قصد لفظه : مبتدأ «نداء» مفعول به مقدم لقوله «تلا» الآتى «أو أمرا أو إثباتا» معطوفان على قوله «نداء» السابق «تلا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «لا» والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو «لا» المقصود لفظه.

(٢) «وبل» قصد لفظه : مبتدأ «كلكن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر

٢٣٥

وانقل بها للثّان حكم الأوّل

فى الخبر المثبت ، والأمر الجلى (١)

يعطف ببل فى النفى والنهى ؛ فتكون كلكن : فى أنها تقرّر حكم ما قبلها ، وتثبت تقيضه لما بعدها ، نحو : «ما قام زيد بل عمرو ، ولا تضرب زيدا بل عمرا» فقرّرت النفى والنهى السابقين ، وأثبتت القيام لعمرو ، والأمر بضربه.

ويعطف بها فى الخبر المثبت ، والأمر ؛ فتفيد الإضراب عن الأول ، وتنقل الحكم إلى الثانى ، حتى يصير الأول كأنه مسكوت عنه ، نحو : «قام زيد بل عمرو ، واضرب زيدا بل عمرا».

* * *

وإن على ضمير رفع متّصل

عطفت فافصل بالضّمير المنفصل (٢)

__________________

المبتدأ «بعد» ظرف متعلق بمحذوف حال من ضمير المبتدأ المستكن فى الخبر ، وبعد مضاف ومصحوبى من «مصحوبيها» مضاف إليه ، ومصحوبى مضاف وها مضاف إليه «كلم» الكاف جارة لقول محذوف ، لم : نافية جازمة «أكن» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «فى مربع» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أكن «بل» حرف عطف «تيها» قصر للضرورة ، وأصله تبهاء ، معطوف على مربع.

(١) «وانقل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بها ، للثان» جاران ومجروران متعلقان بانقل «حكم» مفعول به لانقل ، وحكم مضاف و «الأول» مضاف إليه «فى الخبر» جار ومجرور متعلق بانقل «المثبت» صفة للخبر «والأمر» معطوف على الخبر «الجلى» صفة للأمر.

(٢) «إن» شرطية «على ضمير» جار ومجرور متعلق بقوله «عطفت» الآتى ، وضمير مضاف و «رفع» مضاف إليه «متصل» نعت لضمير رفع «عطفت»

٢٣٦

أو فاصل ما ، وبلا فصل يرد

فى النّظم فاشيا ، وضعفه اعتقد (١)

إذا عطفت على ضمير الرفع المتصل وجب أن تفصل بينه وبين ما عطفت عليه بشىء ، ويقع الفصل كثيرا بالضمير المنفصل ، نحو قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فقوله : «وآباؤكم» معطوف على الضمير فى «كنتم» وقد فصل بـ «أنتم» وورد ـ أيضا ـ الفصل بغير الضمير ، وإليه أشار بقوله : «أو فاصل ما» وذلك كالمفعول به ، نحو «أكرمتك وزيد» ، ومنه قوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) فمن : معطوف على الواو [فى يدخلونها] ، وصحّ ذلك للفصل بالمفعول به ، وهو الهاء من «يدخلونها» ومثله الفصل بلا النافية ، كقوله تعالى : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) فـ «آباؤنا» معطوف على «نا» ، وجاز ذلك للفصل [بين المعطوف والمعطوف عليه] بلا.

__________________

عطف : فعل ماض فعل الشرط ، والتاء ضمير المخاطب فاعله «فافصل» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، افصل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بالضمير» جار ومجرور متعلق بافصل «المنفصل» نعت للضمير ، وجملة فعل الأمر وفاعله فى محل جزم جواب الشرط.

(١) «أو» عاطفة «فاصل» معطوف على «الضمير» فى البيت السابق «ما» نكرة صفة لفاصل ، أى : فاصل أى فاصل «وبلا فصل» الواو للاستئناف ، بلا : جار ومجرور متعلق بقوله «يرد» الآتى ، ولا التى هى اسم بمعنى غير مضاف و «فصل» مضاف إليه «يرد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى العطف على ضمير رفع «فى النظم» جار ومجرور متعلق بيرد «فاشيا» حال من الضمير المستتر فى «يرد» «وضعفه» الواو للاستئناف ، ضعف : مفعول مقدم لاعتقد ، وضعف مضاف والهاء مضاف إليه «اعتقد» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

٢٣٧

والضمير المرفوع المستتر فى ذلك كالمتصل ، نحو «اضرب أنت وزيد» ، ومنه قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) فـ «زوجك» معطوف على الضمير المستتر فى «اسكن» وصحّ ذلك للفصل بالضمير المنفصل ـ وهو «أنت» ـ.

وأشار بقوله : «وبلا فصل يرد» إلى أنه قد ورد فى النظم كثيرا العطف على الضمير المذكور بلا فصل ، كقوله :

(٢٩٧) ـ

قلت إذ أقبلت وزهر تهادى

كنعاج الفلا تعسّفن رملا

فقوله : «وزهر» معطوف على الضمير المستتر فى «أقبلت».

__________________

٢٩٧ ـ البيت لعمر بن أبى ربيعة المخزومى.

اللغة : «زهر» جمع زهراء ، وهى المرأة الحسناء البيضاء ، وتقول : زهر الرجل ـ من باب فرح ـ إذا أشرق وجهه وابيض «تهادى» أصله «تتهادى» ـ بناءين ـ فحذف إحداهما تخفيفا ، ومعناه ، تتمايل ، وتتمايس ، وتتبختر «نعاج» جمع نعجة ، والمراد بها هنا بقر الوحش «الفلا» الصحراء «تعسفن» أخذن على غير الطريق ، وملن عن الجادة.

الإعراب : «قلت» فعل وفاعل «إذ» ظرف متعلق بقال «أقبلت» أقبل : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «وزهر» معطوف على الضمير المستتر فى أقبلت «تهادى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى ، والجملة فى محل نصب حال من فاعل أقبلت المستتر فيه «كنعاج» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال ثانية من فاعل أقبلت ، ونعاج مضاف و «الفلا» مضاف إليه «تعسفن» تعسف : فعل ماض ، ونون النسوة فاعل ، والجملة فى محل نصب حال من نعاج «رملا» نصب على نزع الخافض.

الشاهد فيه : قوله «أقبلت وزهر» حيث عطف «زهر» على الضمير المستتر فى

٢٣٨

وقد ورد ذلك فى النثر قليلا ، حكى سيبويه رحمه الله تعالى : «مررت برجل سواء والعدم» برفع «العدم» بالعطف على الضمير المستتر فى «سواء».

وعلم من كلام المصنف : أن العطف على الضمير المرفوع المنفصل لا يحتاج إلى فصل ، نحو «زيد ما قام إلّا هو وعمرو» وكذلك الضمير المنصوب المتصل والمنفصل ، نحو «زيد ضربته وعمرا ، وما أكرمت إلّا إيّاك وعمرا».

وأما الضمير المجرور فلا يعطف عليه إلا بإعادة الجارّ له ، نحو «مررت بك وبزيد» ولا يجوز «مررت بك وزيد». هذا مذهب الجمهور ، وأجاز ذلك الكوفيون ، واختاره المصنف ، وأشار إليه بقوله :

وعود خافض لدى عطف على

ضمير خفض لازما قد جعلا (١)

وليس عندى لازما ؛ إذ قد أتى

فى النّثر والنّظم الصّحيح مثبتا (٢)

__________________

«أقبلت» المرفوع بالفاعلية ، من غير أن يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالضمير المنفصل ، أو بغيره ، وذلك ضعيف عند جمهرة العلماء ، وقد نص سيبويه على قلته.

ومثل بيت الشاهد فى ذلك قول جرير بن عطية يهجو الأخطل :

ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه

ما لم يكن وأب له لينالا

(١) «وعود» مبتدأ ، وعود مضاف و «خافض» مضاف إليه «لدى» ظرف بمعنى عند متعلق بعود ، ولدى مضاف و «عطف» مضاف إليه «على ضمير» جار ومجرور متعلق بعطف ، وضمير مضاف و «خفض» مضاف إليه «لازما» مفعول ثان مقدم على عامله وهو جعل الآتى «قد» حرف تحقيق «جعلا» جعل : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عود. خافض ، ونائب الفاعل هو المفعول الأول ، والألف للاطلاق ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وتقدير الكلام : وعود خافض قد جعل لازما.

(٢) «وليس» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عود خافض «عندى» عند : ظرف متعلق بقوله «لازما» الآتى ، وعند مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «لازما» خبر ليس «إذ» أداة تعليل «قد» حرف

٢٣٩

أى : جعل جمهور النحاة إعادة الخافض ـ إذا عطف على ضمير الخفض ـ لازما ، ولا أقول به ؛ لورود السماع : نثرا ، ونظما ، بالعطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض ؛ فمن النثر قراءة حمزة (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) بجر «الأرحام» عطفا على الهاء المجرورة بالباء ، ومن النظم ما أنشده سيبويه ، رحمه الله تعالى :

(٢٩٨) ـ

فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيّام من عجب

بجر «الأيام» عطفا على الكاف المجرورة بالباء.

__________________

تحقيق «أتى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو «فى النثر» جار ومجرور متعلق بأتى «والنظم» معطوف على النثر «الصحيح» نعت للنظم «مثبتا» حال من فاعل أتى.

٢٩٨ ـ هذا البيت من شواهد سيبويه التى لم يعزها أحد لقائل معين (س ١ / ٣٩٢)

اللغة : «قربت» أخذت ، وشرعت ، ويؤيده رواية الكوفيين فى مكانه «فاليوم أنشأت ..» وفى بعض النسخ «قدبت» «تهجونا» تسبنا.

المعنى : قد شرعت اليوم فى شتمنا والنيل منا ؛ إن كنت قد فعلت ذلك فاذهب فليس ذلك غريبا منك لأنك أهله ، وليس عجيبا من هذا الزمان الذى فسد كل من فيه.

الإعراب : «قربت» قرب : فعل ماض دال على الشروع ، والتاء اسمه «تهجونا» تهجو : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ونا : مفعول به ، والجملة فى محل نصب خبر قربت «وتشتمنا» الواو عاطفة ، تشتم : معطوف على تهجونا «فاذهب» الفاء واقعة فى جواب شرط مقدر ، أى إن تفعل ذلك فاذهب

٢٤٠