شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

وبرجال عدل ، وبامرأة عدل ، وبامرأتين عدل ، وبنساء عدل» ويلزم حينئذ الإفراد والتذكير ، والنعت به على خلاف الأصل ؛ لأنه يدلّ على المعنى ، لا على صاحبه ، وهو مؤول : إما على وضع «عدل» موضع «عادل» أو على حذف مضاف ، والأصل : مررت برجل ذى عدل ، ثم حذف «ذى» وأفيم «عدل» مقامه ، وإما على المبالغة بجعل العين نفس المعنى : مجازا ، أو ادّعاء (١).

* * *

ونعت غير واحد : إذا اختلف

فعاطفا فرّقه ، لا إذا ائتلف (٢)

__________________

(١) حاصل ما ذكره الشارح كغيره من النحاة أن الوصف بالمصدر خلاف الأصل والأصل هو الوصف بالمشتق ، وأن الوصف بالمصدر مؤول بأحد ثلاث تأويلات : أولها أن المصدر الدال على الحدث أطلق وأريد منه المشتق الذى هو الدال على الذات ، وهذا مجاز من باب إطلاق المعنى وإرادة محله ، أو من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم ، وثانيها : أنه على تقدير مضاف ، وهو على هذا مجاز بالحذف ، والثالث أنه على المبالغة ، ولا مجاز فى هذا.

(٢) «نعت» مبتدأ ، ونعت مضاف و «غير» مضاف إليه ، وغير مضاف ، و «واحد» مضاف إليه «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «اختلف» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل جر بإضافة إذا إليها «فعاطفا» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، عاطفا : حال تقدم على صاحبه وهو الضمير المستتر فى قوله فرق «فرقه» فرق : فعل أمر ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط ، وجملتا الشرط والجواب فى محل رفع خبر المبتدأ «لا» عاطفة «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط ، وجملة «ائتلف» وفاعله المستتر فيه شرط إذا ، والجواب محذوف.

٢٠١

إذا نعت غير الواحد : فإمّا أن يختلف النعت ، أو يتفق ؛ فإن اختلف وجب التفريق بالعطف ؛ فتقول : «مررت بالزّيدين الكريم والبخيل ، وبرجال فقيه وكاتب وشاعر» وإن اتفق جىء به مثنى ، أو مجموعا ، نحو : «مررت برجلين كريمين ، وبرجال كرماء».

* * *

ونعت معمولى وحيدى معنى

وعمل ، أتبع بغير استثناء (١)

إذا نعت معمولان لعاملين متّحدى المعنى والعمل ، أتبع النعت المنعوت : رفعا ، ونصبا ، وجرا ، نحو : «ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان ، وحدّثت زيدا وكلمت عمرا الكريمين ، ومررت بزيد وجزت على عمرو الصّالحين».

فإن اختلف معنى العاملين ، أو عملهما ـ وجب القطع وامتنع الإتباع ؛ فتقول : «جاء زيد وذهب عمرو العاقلين» بالنصب على إضمار فعل ، أى : أعنى العاقلين ، وبالرفع على إضمار مبتدأ ، أى : هما العاقلان ، ونقول : «انطلق زيد وكلمت عمرا الظّريفين» أى : أعنى الظريفين ، أو «الظريفان»

__________________

(١) «نعت» مفعول مقدم لقوله «أتبع» الآتى ، ونعت مضاف و «معمولى» مضاف إليه ، ومعمولى مضاف و «وحيدى» مضاف إليه ، على تقدير موصوف محذوف ، أى معمولى عاملين وحيدى ، ووحيدى مضاف و «معنى» مضاف إليه «وعمل» معطوف على معنى «أتبع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بغير» جار ومجرور متعلق بأتبع ، وغير مضاف و «استثنا» مضاف إليه ، وقصره للضرورة ، والمراد : أتبع بغير استثناء معمولى عاملين متحدين فى المعنى والعمل.

٢٠٢

أى : هما الظريفان ، و «مررت بزيد وخاوزت خالدا الكاتبين ، أو الكاتبان».

* * *

وإن نعوت كثرت وقد تلت

مفتقرا لذكرهنّ أتبعت (١)

إذا تكررت النعوت ، وكان المنعوت لا يتّضح إلا بها جميعا وجب إتباعها كلها ؛ فتقول «مررت بزيد الفقيه الشاعر الكاتب».

* * *

واقطع أو اتبع إن يكن معيّنا

بدونها ، أو بعضها اقطع معلنا (٢)

__________________

(١) «وإن» شرطية «نعوت» فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده : أى وإن كثرت نعوت «كثرت» كثر : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى نعوت ، والجملة لا محل لها مفسرة «وقد» الواو واو الحال ، قد : حرف تحقيق ، وجملة «تلت» وفاعله المستتر فيه فى محل نصب حال «مفتقرا» مفعول به لتلت «لذكرهن» الجار والمجرور متعلق بمفتقر ، وذكر مضاف والضمير مضاف إليه «أتبعت» أتبع : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى ، والتاء للتأنيث ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط.

(٢) «واقطع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أو» عاطفة «اتبع» معطوف على اقطع «إن» شرطية «يكن» فعل مضارع ناقص ، فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه «معينا» خبر يكن «بدونها» الجار والمجرور متعلق بمعين ، ودون مضاف والضمير مضاف إليه «أو» عاطفة «بعضها» بعض : مفعول مقدم لاقطع ، وبعض مضاف والضمير مضاف إليه «اقطع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «معلنا» حال من الضمير المستتر فى اقطع ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام.

٢٠٣

إذا كان المنعوت متّضحا بدونها كلها ، جاز فيها جميعها : الإتباع ، والقطع (١) ، وإن كان معينا ببعضها دون بعض وجب فيما لا يتعين إلا به الإتباع ، وجاز فيما يتعين بدونه : الإتباع ، والقطع.

* * *

وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا

مبتدأ ، أو ناصبا ، لن يظهرا (٢)

أى : إذا قطع النعت عن المنعوت رفع على إضمار مبتدأ ، أو نصب على إضمار فعل ، نحو «مررت بزيد الكريم ، أو الكريم» أى : هو الكريم ، أو أعنى الكريم.

__________________

(١) أنت تعلم أن المنعوت قد يكون معرفة وقد يكون نكرة ، وتعلم ـ مع ذلك ـ أن القصد من نعت المعرفة توضيحها ، وأن المقصود من نعت النكرة تخصيصها ، والتوضيح قد يحتاج إلى كل النعوت وقد يحتاج إلى بعضها ، لا جرم كان نعت المعرفة على التفصيل الذى ذكره الشارح : إن احتاج المنعوت إلى جميعها وجب فى جميعها الإتباع ، وإن احتاج إلى بعضها وجب فى ذلك البعض الإتباع وجاز فيما عداه الإتباع والقطع ، وأما النكرة فيجب فى واحد من نعوتها الإتباع ، ويجوز فيما عداه الإتباع والقطع ؛ لأن التخصيص لا يستدعى أكثر من نعت واحد.

(٢) «وارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أو» عاطفة «انصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة معطوفة بأو على الجملة قبلها «إن» شرطية «قطعت» قطع : فعل ماض فعل الشرط ، والتاء ضمير المخاطب فاعله ، وجواب الشرط محذوف «مضمرا» حال من التاء فى «قطعت» وفيه ضمير مستتر فاعل «مبتدأ» مفعول به لمضمر «أو» عاطفة «ناصبا» معطوف على قوله مبتدأ ، وجملة «لن يظهرا» من الفعل والفاعل فى محل نصب نعت للمعطوف عليه والمعطوف معا ، فالألف ضمير الاثنين ، أو لأولهما فالألف للاطلاق.

٢٠٤

وقول المصنف «لن يظهرا» معناه أنه يجب إضمار الرافع أو الناصب ، ولا يجوز إظهاره ، وهذا صحيح إذا كان النعت لمدح ، نحو «مررت بزيد الكريم» أو ذم ، نحو : «مررت بعمرو الخبيث» أو ترحّم ، نحو : «مررت بزيد المسكين» فأما إذا كان لتخصيص فلا يجب الإضمار ، نحو : «مررت بزيد الخياط ، أو الخياط» وإن شئت أظهرت ؛ فتقول : «هو الخياط ، أو أعنى الخياط ، والمراد بالرافع والناصب لفظة «هو» أو «أعنى».

* * *

وما من المنعوت والنّعت عقل

يجوز حذفه ، وفى النّعت يقلّ (١)

أى : يجوز حذف المنعوت وإقامة النعت مقامه ، إذا دل عليه دليل ، نحو : قوله تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) أى دروعا سابغات ، وكذلك يحذف النعت إذ دل عليه دليل ، لكنه قليل ، ومنه قوله تعالى [: (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) أى : البيّن ، وقوله تعالى] : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) أى النّاجين.

* * *

__________________

(١) «وما» اسم موصول : مبتدأ «من المنعوت» جار ومجرور متعلق بقوله «عقل» الآتى «والنعت» معطوف على المنعوت ، وجملة «عقل» من الفعل ونائب فاعله المستتر فيه لا محل لها صلة الموصول «يجوز» فعل مضارع «حذفه» حذف : فاعل يجوز ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وحذف مضاف والهاء مضاف إليه «وفى النعت» الواو عاطفة ، وفى النعت : جار ومجرور متعلق بقوله «يقل» الآتى «يقل» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحذف.

٢٠٥

التّوكيد

بالنّفس أو بالعين الاسم أكّدا

مع ضمير طابق المؤكّدا (١)

واجمعهما بأفعل إن تبعا

ما ليس واحدا تكن متّبعا (٢)

التوكيد قسمان ؛ أحدهما التوكيد اللفظى ، وسيأتى ، والثانى : التوكيد المعنوى ، وهو على ضربين :

أحدهما : ما يرفع توهّم مضاف إلى المؤكّد ، وهو المراد بهذين البيتين ، وله لفظان : النفس ، والعين ، وذلك نحو «جاء زيد نفسه» فـ «نفسه»

__________________

(١) «بالنفس» جار ومجرور متعلق بقوله «أكدا» الآتى «أو» حرف عطف «بالعين» معطوف على قوله بالنفس «الاسم» مبتدأ «أكد» أكدا : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق. ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال من قوله بالنفس وما عطف عليه ، ومع مضاف ، و «ضمير» مضاف إليه «طابق» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ضمير «المؤكدا» مفعول به لطابق ، والجمله فى محل جر صفة لضمير.

(٢) «واجمعهما» الواو عاطفة ، اجمع : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والضمير البارز مفعول به «بأفعل» جار ومجرور متعلق باجمع «إن» شرطية «تبعا» تبع : فعل ماض فعل الشرط ، وألف الاثنين فاعل «ما» اسم موصول مفعول به لتبع «ليس» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما «واحدا» خبر ليس ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام «تكن» فعل مضارع ناقص مجزوم فى جواب الأمر الذى هو اجمع ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «متبعا» خبره.

٢٠٦

توكيد لـ «زيد» ، وهو يرفع توهّم أن يكون (١) التقدير «جاء خبر زيد ، أو رسوله» وكذلك «جاء زيد عينه».

ولا بدّ من إضافة النفس أو العين إلى ضمير يطابق المؤكّد ، نحو «جاء زيد نفسه ، أو عينه ، وهند نفسها ، أو عينها».

ثم إن كان المؤكد بهما مثنى أو مجموعا جمعتهما على مثال أفعل ؛ فتقول : «جاء الزّيدان أنفسهما ، أو أعينهما ، والهندان أنفسهما ، أو أعينهما ، والزّيدون أنفسهم. أو أعينهم ، والهندات أنفسهنّ ، أو أعينهنّ».

* * *

وكلّا اذكر فى الشّمول ، وكلا

كلتا ، جميعا ـ بالضّمير موصلا (٢)

هذا هو الضّرب الثانى من التوكيد المعنوى ، وهو : ما يرفع توهّم عدم إرادة الشّمول ، والمستعمل لذلك «كلّ ، وكلا ، وكلتا ، وجميع».

__________________

(١) إذا قلت «جاء زيد» فقد تريد الحقيقة وأن زيدا هو الآتى ، وقد تكون جعلت الكلام على حذف مضاف ، وأن الأصل جاء خبر زيد ، أو جاء رسول زيد ، وقد تكون قد أطلقت زيدا وأنت تريد به رسوله من باب المجاز العقلى ، فإذا قلت «جاء زيد نفسه» فقد تعين المعنى الأول ، وارتفع احتمالان : أحدهما احتمال المجاز بالحذف ، وثانيهما احتمال المجاز العقلى.

(٢) «وكلا» مفعول تقدم على عامله ، وهو قوله اذكر الآتى «اذكر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فى الشمول» جار ومجرور متعلق باذكر «وكلا ، كلتا ، جميعا» معطوفات على «كل» بعاطف مقدر فيما عدا الأول «بالضمير» جار ومجرور متعلق بقوله «موصلا» الآتى «موصلا» حال من كل وما عطف عليه.

٢٠٧

فيؤكد بكل وجميع ما كان ذا أجزاء يصحّ وقوع بعضها موقعه ، نحو «جاء الرّكب كلّه ، أو جميعه ، والقبيلة كلّها ، أو جميعها ، والرّجال كلّهم ، أو جميعهم ، والهندات كلّهنّ ، أو جميعهنّ» ولا تقول : «جاء زيد كله».

ويؤكد بكلا المثنّى المذكّر ، نحو «جاء الزّيدان كلاهما» ، وبكلتا لمثنّى المؤنث ، نحو «جاءت الهندان كلتاهما».

ولا بدّ من إضافتها كلها إلى ضمير يطابق المؤكّد كما مثل.

* * *

واستعملوا أيضا ككلّ فاعله

من عمّ فى التّوكيد مثل النّافله (١)

أى استعمل العرب ـ للدلالة على الشّمول ككل ـ «عامّة» مضافا إلى ضمير المؤكد ، نحو «جاء القوم عامّتهم» وقلّ من عدّها من النحويين فى ألفاظ التوكيد ، وقد عدّها سيبويه ، وإنما قال «مثل النافلة» لأن عدّها من ألفاظ التوكيد يشبه النافلة ، أى : الزيادة ؛ لأن أكثر النحويين لم يذكرها.

* * *

__________________

(١) «واستعملوا» فعل وفاعل «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «ككل» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من قوله فاعلة الآتى «فاعله» مفعول به لاستعملوا «من عم» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعلة أيضا «فى التوكيد» جار ومجرور متعلق باستعملوا «مثل» حال ثالث من فاعلة أيضا ، ومثل مضاف و «النافله» مضاف إليه ،

٢٠٨

وبعد كلّ أكّدوا بأجمعا

جمعاء ، أجمعين ، ثمّ جمعا (١)

أى : يجاء بعد «كل» بأجمع وما بعدها لتقوية قصد الشّمول ؛ فيؤتى بـ «أجمع» بعد «كلّه» نحو «جاء الرّكب كلّه أجمع» وب «جمعاء» بعد «كلّها» ، نحو «جاءت القبيلة كلّها جمعاء» وب «أجمعين» بعد «كلّهم» نحو «جاء الرّجال كلّهم أجمعون» وب «جمع» بعد «كلّهنّ» نحو «جاءت الهندات كلّهنّ جمع» (١).

* * *

ودون كلّ قد يجىء : أجمع

جمعاء ، أجمعون ، ثمّ جمع (٢)

أى : قد ورد استعمال العرب «أجمع» فى التوكيد غير مسبوقة بـ «كلّه» نحو «جاء الجيش أجمع» واستعمال «جمعاء» غير مسبوقة بـ «كلّها» نحو «جاءت القبيلة جمعاء» واستعمال «أجمعين» غير مسبوقة بـ «كلّهم» نحو «جاء القوم أجمعون» واستعمال «جمع» غير مسبوقة بـ «كلهن» نحو «جاء النّساء جمع» وزعم المصنف أن ذلك قليل ، ومنه قوله :

__________________

(١) «وبعد» ظرف متعلق بقول أكدوا الآتى ، وبعد مضاف ، و «كل» مضاف إليه «أكدوا» فعل وفاعل «بأجمعا» جار ومجرور متعلق بأكدوا «جمعاء ، أجمعين ، ثم جمعا» معطوفات على «أجمعا» بعاطف مقدر فيما عدا الأخير.

(٢) «ودون» ظرف متعلق بقوله يجىء الآتى ، ودون مضاف و «كل» مضاف إليه «قد» حرف تقليل «يجىء» فعل مضارع «أجمع» فاعل يجىء «جمعاء ، أجمعون ، ثم جمع» معطوفات على «أجمع» بعاطف مقدر فيما عدا الأخير.

٢٠٩

(٢٨٩) ـ

يا ليتنى كنت صبيّا مرضعا

تحملنى الذّلفاء حولا أكتعا

إذا بكيت قبّلتنى أربعا

إذا ظللت الدّهر أبكى أجمعا

* * *

__________________

٢٨٩ ـ هذه الأبيات لراجز لا يعلم اسمه.

اللغة : «الذلفاء» أصله وصف لمؤنث الأذلف ، وهو مأخوذ من الذلف ـ بالتحريك ـ وهو صغر الأنف واستواء الأرنبة ، ثم نقل إلى العلمية فسميت به امرأة ، ويجوز هنا أن يكون علما ، وأن يكون باقيا على وصفيته «حولا» عاما «أكتعا» تاما ، كاملا ، وقد قالوا : «أتى عليه حول أكتع» أى : تام ، كذا قال الجوهرى.

الإعراب : «يا» حرف تنبيه ، أو حرف نداء حذف المنادى به «ليتنى» ليت : حرف تمن ، والنون للوقاية ، والياء اسم ليت «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، والناء اسمه «صبيا» خبر كان «مرضعا» نعت لصبى. وجملة «كان» واسمه وخبره فى محل رفع خبر «ليت» «تحملنى» تحمل : فعله مضارع ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول به «الذلفاء» فاعل تحمل «حولا» ظرف زمان متعلق بتحمل «أكتعا» توكيد لقوله حولا ، وإذا لاحظت ما فيه من معنى المشتق صح أن تجعله نعتا له «إذا» ظرف ضمن معنى الشرط ، وجملة «بكيت» فى محل جر بإضافة إذا إليها «قبلتنى» قبل : فعل ماض ، والتاء تاء التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الذلفاء ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول أول «أربعا» مفعول ثان ، وأصله نعت لمحذوف ، والجملة لا محل لها جواب «إذا» الشرطية «إذا» حرف جواب «ظللت» ظل : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «الدهر» ظرف زمان متعلق بأبكى «أبكى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. والجملة فى محل نصب خبر ظل «أجمع» توكيد للدهر.

الشاهد فيه : فى هذا البيت ثلاثة شواهد يستدل بها النحاة على مسائل من باب التوكيد ، الشاهد الأول ـ وهو المراد هنا ـ فى قوله «الدهر ... أجمعا» حيث أكد الدهر بأجمع ، من غير أن يؤكده أولا بكل ، والثانى فى قوله «حولا أكتعا» فإنه يدل لما ذهب إليه الكوفيون من جواز توكيد النكرة إذا كانت

٢١٠

وإن يفد توكيد منكور قبل

وعن نحاة البصرة المنع شمل (١)

مذهب البصريين أنه لا يجوز توكيد النكرة : سواء كانت محدودة ، كيوم ، وليلة ، وشهر ، وحول ، أو غير محدودة ، كوقت ، وزمن ، وحين.

ومذهب الكوفيين ـ واختاره المصنف ـ جواز توكيد النكرة المحدودة ؛ لحصول الفائدة بذلك ، نحو : «صمت شهرا كلّه» ومنه قوله :

* تحملنى الذّلفاء حولا أكتعا* [٢٨٩]

وقوله :

(٢٩٠) ـ

* قد صرّت البسكرة يوما أجمعا*

__________________

محدودة بأن يكون لها أول وآخر معروفان ، كيوم وشهر وعام وحول ونحو ذلك ، وذهب المصنف إلى جواز ذلك ، والبصريون يأبون تأكيد التكرة : محدودة ، أو غير محدودة ، وسيأتى هذا الموضوع بعقيب ما نتكلم فيه الآن ، والثالث فى قوله «الدهر أبكى أجمعا» حيث يدل على أنه قد يفصل بين التوكيد والمؤكد بأجنبى.

(١) «وإن» شرطية «يفد» فعل مضارع فعل الشرط «توكيد» فاعل يفد ، وتوكيد مضاف ، و «منكور» مضاف إليه «قبل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى توكيد منكور ، والفعل مبنى على الفتح فى محل جزم جواب الشرط ، وسكن لأجل الوقف «وعن نحاة» جار ومجرور متعلق بقوله المنع الآتى ، ونحاة مضاف ، و «البصرة» مضاف إليه «المنع» مبتدأ «شمل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المنع ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

٢٩٠ ـ هذا الشاهد مجهول النسبة إلى قائله ، ويذكر بعض النحاة من البصريين أنه مصنوع ، ويروى بعض من يستشهد به قبله :

* إنّا إذا خطّافنا تقعقعا*

اللغة : «خطافنا» الخطاف ـ بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء ـ هو الحديدة

٢١١

واغن بكلتا فى مثنّى وكلا

عن وزن فعلاء ووزن أفعلا (١)

قد تقدّم أن المثنى يؤكد بالنفس أو العين وبكلا وكلتا ، ومذهب البصريين أنه لا يؤكد بغير ذلك ؛ فلا تقول «جاء الجيشان أجمعان» ولا «جاء القبيلتان جمعاوان» استغناء بكلا وكلتا عنهما ، وأجاز ذلك الكوفيون.

* * *

وإن تؤكّد الضّمير المتّصل

بالنّفس والعين فبعد المنفصل (٢)

__________________

المعوجة تكون فى جانب البكرة «تقعقعا» تحرك وسمع له صوت ، والقعقعة : تحريك الشىء اليابس الصلب حتى يسمع له صوت «صرت» صوتت «البكرة» بفتح فسكون هنا ـ ما يستقى عليها الماء من البئر.

الإعراب : «قد» حرف تحقيق «صرت» صر : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «البكرة» فاعل صرت «يوما» ظرف زمان متعلق بصرت «أجمعا» تأكيد لقوله يوما.

الشاهد فيه : قوله «يوما أجمعا» حيث أكد قوله «يوما» وهو نكرة محدودة بقوله «أجمعا» وتجويز ذلك هو مذهب الكوفيين الذى اختاره المصنف فى هذه المسألة ، وجواب البصريين عن هذا الشاهد إنكاره ، وادعاء أنه مما صنعه النحاة الكوفيون ليصححوا مذهبهم ، ولا أصل له عندهم حتى يتلمسوا له مخلصا.

(١) «اغن» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بكلتا» جار ومجرور متعلق باغن «فى مثنى» جار ومجرور متعلق باغن أيضا «وكلا» معطوف على كلتا «عن وزن» جار ومجرور متعلق باغن أيضا ، ووزن مضاف و «فعلاء» مضاف إليه «ووزن أفعلا» معطوف على قوله «وزن فعلاء».

(٢) «وإن» شرطية «تؤكد» فعل مضارع ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الضمير» مفعول به لتؤكد «المتصل» نعت للضمير «بالنفس» جار ومجرور متعلق بتؤكد «والعين» معطوف على النفس «فبعد» الفاء واقعة فى

٢١٢

عنيت ذا الرّفع ، وأكّدوا بما

سواهما ، والقيد لن يلتزما (١)

لا يجوز توكيد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو العين ، إلا بعد تأكيده بضمير منفصل ؛ فتقول : «قوموا أنتم أنفسكم ، أو أعينكم» ولا تقل : «قوموا أنفسكم».

فإذا أكّدته يغير النفس والعين لم يلزم ذلك ؛ تقول : «قوموا كلّكم» أو «قوموا أنتم كلّكم».

وكذا إذا كان المؤكّد غير ضمير رفع : بأن كان ضمير نصب أو جر ؛ فتقول : «مررت بك نفسك ، أو عينك ، ومررت بكم كلّكم ، ورأيتك نفسك ، أو عينك ، ورأيتكم كلكم».

* * *

وما من التّوكيد لفظىّ يجى

مكرّرا كقولك «ادرجى ادرجى» (٢)

__________________

جواب الشرط ، بعد : ظرف متعلق بمحذوف تقديره : فأكد بهما بعد المنفصل ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط ، وبعد مضاف ، و «المنفصل» مضاف إليه.

(١) «عنيت» فعل وفاعل «ذا» مفعول به لعنيت ، وذا مضاف «الرفع» مضاف إليه «وأكدوا» فعل وفاعل «بما» جار ومجرور متعلق بأكدوا «سواهما» سوى : ظرف متعلق بمحذوف صلة ما المجرورة محلا بالباء ، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه «والقيد» مبتدأ «لن» نافية ناصبة «يلتزما» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بلن ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القيد ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) «وما» اسم موصول : مبتدأ «من التوكيد» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن فى قوله «لفظى» الآتى ؛ لأنه فى قوة المشتق ؛ إذ هو منسوب «لفظى» خبر لمبتدأ محذوف ، أى : هو لفظى ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «يجى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة فى محل رفع خبر

٢١٣

هذا هو القسم الثانى من قسمى التوكيد ، وهو : التوكيد اللفظى ، وهو تكرار اللفظ الأول [بعينه] اعتناء به نحو : «ادرجى ادرجى» وقوله :

(٢٩١) ـ

فأين إلى أين النّجاة ببغلتى

أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس

وقوله تعالى : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا)(٢).

* * *

__________________

المبتدأ «مكررا» حال من الضمير المستتر فى يجىء «كقولك» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كقولك ، وقول مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «ادرجى» فعل أمر ، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل «ادرجى» توكيد لسابقه.

٢٩١ ـ هذا البيت يكثر استشهاد النحاة به ، ولم ينسبه واحد منهم لقائل معين.

الإعراب : «فأين» اسم استفهام ، مبنى على الفتح فى محل جر بإلى محذوف يدل عليها ما بعدها ، والأصل : فإلى أين ـ إلخ ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «إلى أين» توكيد لفظى «النجاة» مبتدأ مؤخر «ببغلتى» الجار والمجرور متعلق بالنجاة ، وبغلة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «أتاك» أتى : فعل ماض ، والكاف مفعول به «أتاك» توكيد لفظى «اللاحقون» فاعل أتى الأول «احبس» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «احبس» توكيد لفظى.

الشاهد فيه : قوله «إلى أين إلى أين» وقوله : «أتاك أتاك» وقوله : «احبس احبس» ففى كل واحد من المواضع الثلاثة تكرر اللفظ الأول بعينه ، وهو من التوكيد اللفظى.

(١) من العلماء من منع أن يكون قوله تعالى : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) من باب التوكيد اللفظى ، وعلل ذلك أن التوكيد اللفظى يشترط أن يكون اللفظ الثانى دالا على نفس ما يدل عليه اللفظ الأول ، والأمر فى الآية الكريمة ليس كذلك ، فإن الدك الثانى غير الدك الأول ، والمعنى دكا حاصلا بعد دك ، وذهب هؤلاء إلى أن اللفظين معا حال ، وهو مؤول بنحو مكررا دكها ، ومثله قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ

٢١٤

ولا تعد لفظ ضمير متّصل

إلّا مع اللّفظ الّذى به وصل (١)

أى : إذا أريد تكرير لفظ الضمير المتصل للتوكيد ، لم يجز ذلك ، إلا بشرط اتصال المؤكّد بما اتصل بالمؤكد ، نحو «مررت بك بك ، ورغبت فيه فيه» ولا تقول : «مررت بكك».

* * *

كذا الحروف غير ما تحصّلا

به جواب : كنعم ، وكبلى (٢)

أى : كذلك إذا أريد توكيد الحرف الذى ليس للجواب ، يجب أن يعاد

__________________

صَفًّا صَفًّا) وجعلوا هاتين الآيتين نظير قولهم : جاءوا رجلا رجلا ، وعلمته الحساب بابا بابا.

(١) «ولا» ناهية «تعد» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لفظ» مفعول به لتعد ، ولفظ مضاف و «ضمير» مضاف إليه «متصل» نعت لضمير «إلا» أداة استثناء «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال من «لفظ» الواقع مفعولا به ، ومع مضاف وقوله «اللفظ» مضاف إليه «الذى» نعت للفظ «به» جار ومجرور متعلق بقوله «وصل» الآتى «وصل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى ، والجملة لا محل لها صلة الموصول.

(٢) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «الحروف» مبتدأ مؤخر «غير» منصوب على الاستثناء ، أو ـ بالرفع ـ نعت للحروف ، وغير مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «تحصلا» فعل ماض ، والألف للاطلاق «به» جار ومجرور متعلق بتحصل «جواب» فاعل تحصل ، والجملة لا محل لها صلة «كنعم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كنعم «وكيلى» جار ومجرور معطوف على كنعم.

٢١٥

مع الحرف المؤكّد ما يتصل بالمؤكّد ، نحو «إنّ زيدا إنّ زيدا قائم» و «فى الدار فى الدار زيد» ، ولا يجوز «إنّ إنّ زيدا قائم» (١) ، ولا «فى فى الدار زيد».

فإن كان الحرف جوابا ـ كنعم ، وبلى ، وجير ، وأجل ، وإى ، ولا ـ جاز إعادته وحده ؛ فيقال لك : «أقام زيد»؟ فتقول «نعم نعم» أو «لالا» ، و «ألم يقم زيد»؟ فتقول : «بلى بلى» (٢).

* * *

ومضمر الرّفع الّذى قد انفصل

أكّد به كلّ ضمير اتّصل (٣)

__________________

(١) قد ورد شاذا قول الشاعر :

إنّ إنّ الكريم يحلم ما لم

يرين من أجاره قد ضيما

(٢) من ذلك قول جميل بن معمر العذرى :

لا لا أبوح بحبّ بثنة ؛ إنّها

أخذت علىّ مواثقا وعهودا

واعلم أن حروف الجواب على ثلاثة أقسام : الأول ما يقع بعد الإيجاب والنفى جميعا ، وذلك أربعة أحرف ، وهى : نعم ، وجير ، وأجل ، وإى ، فكل واحد من هذه الأحرف الأربعة يصح أن يجاب به بعد الإثبات ويصح أن يجاب به بعد النفى ، والمقصود بكل واحد منها أحد أمور ثلاثة : تصديق المخبر ، أو إعلام المستخبر ، أو إيعاد الطالب ، والقسم الثانى : ما لا يقع إلا بعد الإيجاب ، وهو «لا» والمقصود به إبطال ما أوجبه المتكلم أولا ، والقسم الثالث : ما لا يقع إلا بعد النفى ، وهو «بلى» خاصة.

(٣) «ومضمر» بالنصب : مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وبالرفع مبتدأ وعلى كل حال هو مضاف ، و «الرفع» مضاف إليه «الذى» اسم موصول : نعت

٢١٦

أى : يجوز أن يؤكّد بضمير الرفع المنفصل كلّ ضمير متصل : مرفوعا كان ، نحو «قمت أنت» ، أو منصوبا «أكرمتنى أنا» ، أو مجرورا ، نحو «مررت به هو» والله أعلم.

* * *

__________________

لمضمر الرفع «قد» حرف تحقيق «انفصل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول الواقع نعتا ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «أكد» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «به» جار ومجرور متعلق بأكد «كل» مفعول به لأكد ، وكل مضاف و «ضمير» مضاف إليه ، وجملة «اتصل» وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو فى محل جر صفة لضمير المضاف إليه.

٢١٧

العطف

العطف : إمّا ذو بيان ، أو نسق

والغرض الآن بيان ما سبق (١)

فذو البيان : تابع ، شبه الصّفه ،

حقيقة القصد به منكشفه (٢)

العطف ـ كما ذكر ـ ضربان ؛ أحدهما : عطف النّسق ، وسيأتى ، والثانى : عطف البيان ، وهو المقصود بهذا الباب.

وعطف البيان هو : التابع ، الجامد ، المشبه للصفة : فى إيضاح (٣) متبوعه ، وعدم استقلاله ، نحو :

__________________

(١) «العطف» مبتدأ «إما» حرف تفصيل «ذو» خبر المبتدأ ، وذو مضاف ، و «بيان» مضاف إليه «أو» عاطفة «نسق» معطوف على «ذو بيان» «والغرض» مبتدأ «الآن» منصوب على الظرفية الزمانية «بيان» خبر المبتدأ ، وبيان مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه ، وجملة «سبق» وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو لا محل لها صلة الموصول.

(٢) «فذو» مبتدأ ، وذو مضاف و «البيان» مضاف إليه «تابع» خبر المبتدأ «شبه» نعت لتابع ، وشبه مضاف و «الصفة» مضاف إليه «حقيقة» مبتدأ ، وحقيقة مضاف و «القصد» مضاف إليه «به» جار ومجرور متعلق بمنكشفة «منكشفة» خبر المبتدأ ، والجملة فى محل رفع صفة ثانية لتابع.

(٣) عبارة الشارح فى هذا الموضع قاصرة ، والتحقيق أن عطف البيان يأتى لأغراض كثيرة ، وأن أشهرها أربعة ؛ الأول : توضيح متبوعه ، وهذا يكون فى المعارف كأقسم بالله أبو حفص عمر ، والثانى تخصيص متبوعه ، وهذا يكون فى النكرات نحو قوله تعالى : (مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) وقوله سبحانه : (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) عند من جوز مجىء عطف البيان فى النكرات ، والثالث المدح ، نحو قوله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) ذكر هذا صاحب الكشاف ، والرابع التأكيد ، وذلك كما فى قول الشاعر :

٢١٨

(٢٩٢) ـ

* أقسم بالله أبو حفص عمر*

فـ «عمر» عطف بيان ؛ لأنه موضّح لأبى حفص.

فخرج بقوله «الجامد» الصّفة ؛ لأنها مشتقة أو مؤوّلة به ، وخرج بما بعد ذلك : التوكيد ، وعطف النّسق ؛ لأنهما لا يوضّحان متبوعهما ، والبدل الجامد ؛ لأنه مستقل.

* * *

__________________

* لقائل يا نصر نصرا نصرا*

ذكره بعضهم ، واختار المصنف فى هذا البيت أن الثانى توكيد لفظى للأول.

٢٩٢ ـ هذا أول رجز لعبد الله بن كيسبة ـ بفتح الكاف وسكون الياء المثناة ـ وبعده :

ما مسّها من نقب ولا دبر

فاغفر له اللهمّ إن كان فجر

وكان من حديثه أنه أقبل على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن أهلى بعيد ، وإن ناقتى دبراء نقباء ، فاحملنى ، فقال عمر : كذبت ، والله ما بها من نقب ولا دبر ، فانطلق فحل ناقته ثم استقبل البطحاء ، وجعل يقول هذا الرجز ، وعمر ـ رضى الله عنه ـ مقبل من أعلى الوادى ، فسمعه ، فأخذ بيده وقال له : ضع عن راحلتك ، فلما تبين له صدقه حمله وزوده وكساه ، كذا قال المرزبانى فى معجم الشعراء ، وما نحسب القصة على هذا التفصيل ، فإن فيها ما لا نسيغه.

اللغة : «نقب» مصدر نقب ـ من باب فرح ـ وهو رقة خف البعير «دبر» مصدر دبر ـ من باب مرض ـ وهو أن يجرح ظهر الدابة من موضع الرحل أو القتب «فجر» حنث فى يمينه.

الإعراب : «أقسم» فعل ماض «بالله» جار ومجرور متعلق بأقسم «أبو» فاعل أقسم ، وأبو مضاف و «حفص» مضاف إليه «عمر» عطف بيان ، ويجوز أن يكون بدلا.

الشاهد فيه : قوله «أبو حفص عمر» فإن الثانى عطف بيان للأول.

٢١٩

فأولينه من وفاق الأوّل

ما من وفاق الأوّل النّعت ولى (١)

لمّا كان عطف البيان مشبها للصفة ، لزم فيه موافقة المتبوع كالنعت ؛ فيوافقه فى : إعرابه ، وتعريفه أو تنكيره ، وتذكيره أو تأنيثه ، وإفراده أو تثنيته أو جمعه.

* * *

فقد يكونان منكّرين

كما يكونان معرّفين (٢)

ذهب أكثر النحويين إلى امتناع كون عطف البيان ومتبوعه نكرتين ، وذهب قوم ـ منهم المصنف ـ إلى جواز ذلك ؛ فيكونان منكرين كما يكونان معرفين ، قيل : ومن تنكيرهما قوله تعالى : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) وقوله تعالى : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) فزيتونة : عطف بيان لشجرة ، وصديد : عطف بيان لماء.

* * *

__________________

(١) «فأولينه» أول : فعل أمر ، مؤكد بالنون الخفيفة ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول «من وفاق» جار ومجرور متعلق بأولينه ووفاق مضاف ، و «الأول» مضاف إليه «ما» اسم موصول : مفعول ثان لأولينه «من وفاق» جار ومجرور متعلق بقوله «ولى» الآتى آخر البيت ، ووفاق مضاف ، «الأول» مضاف إليه «النعت» مبتدأ «ولى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النعت ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها صلة.

(٢) «فقد» حرف تقليل «يكونان» فعل مضارع ناقص ، وألف الاثنين اسمه «منكرين» خبر يكون «كما» الكاف جارة ، ما : مصدرية «يكونان معرفين» مضارع ناقص واسمه وخبره ، فى تأويل مصدر بواسطة ما المصدرية ، وهذا المصدر مجرور بالكاف ، والتقدير : ككونهما معرفين.

٢٢٠