شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

حروف الجرّ

هاك حروف الجرّ ، وهى : من ، إلى ،

حتّى ، خلا ، حاشا ، عدا ، فى ، عن ، على

مذ ، منذ ، ربّ ، اللّام ، كى ، واو ، وتا

والكاف ، والباء ، ولعل ، ومتى (١)

هذه الحروف العشرون كلّها مختصّة بالأسماء ، وهى تعمل فيها الجرّ ، وتقدّم الكلام على «خلا ، وحاشا ، وعدا» فى الاستثناء ، وقلّ من ذكر «كى ، ولعلّ ، ومتى» فى حروف الجر.

فأما «كى» فتكون حرف جرّ فى موضعين (٢) :

أحدهما : إذا دخلت على «ما» الاستفهامية ، نحو «كيمه؟» أى : لمه؟ فـ «ما» استفهامية مجرورة بـ «كى» ، وحذفت ألفها لدخول حرف الجرّ عليها ، وجىء بالهاء للسكت.

__________________

(١) «هاك» ها : اسم فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والكاف حرف خطاب «حروف» مفعول به لاسم الفعل ، وحروف مضاف و «الجر» مضاف إليه «وهى» مبتدأ «من» قصد لفظه : خبر المبتدأ «إلى ، حتى ، خلا ـ إلخ البيتين» معطوفات على «من» بإسقاط حرف العطف فى بعضها وإثباته فى بعضها الآخر.

(٢) ولكى الجارة موضع ثالث تقع فيه ، وهو أن يكون مدخولها «ما» المصدرية ، كما فى قول الشاعر :

إذا أنت لم تنفع فضرّ ؛ فإنّما

يراد الفتى كيما يضرّ وينفع

أى للضر والنفع ، وتقديره على نحو ما قال الشارح فى الموضع الثانى.

٣

الثانى : قولك : «جئت كى أكرم زيدا» فـ «أكرم» : فعل مضارع منصوب بـ «أن» بعد «كى» (١) ، و «أن» والفعل مقدّران بمصدر مجرور بـ «كى» والتقدير : جئت [كى إكرام زيد ، أى] لإكرام زيد.

وأما «لعلّ» فالجرّ بها لغة عقيل ، ومنه قوله :

(١٩٦) ـ

* لعلّ أبى المغوار منك قريب*

__________________

(١) اعلم أنه قد يؤتى بلام الجر قبل كى ؛ فيقال : «جئت لكى أتعلم» وقد يؤتى بأن المصدرية بعد كى ؛ فيقال : «جئت كى أن تكرمنى» وعلى الوجه الأول تكون كى مصدرية بلا تردد ، وهو الأكثر استعمالا ، وعلى الوجه الثانى تكون كى حرف جر بلا تردد ، وهو أقل استعمالا من سابقه ، وقد يؤتى بكى غير مسبوقة باللام ولا سابقة لأن ، كما يقال : «جئت كى أتعلم» وهى حينئذ تحتمل المصدرية بتقدير اللام قبلها. وتحتمل أن تكون حرف جر دال على التعليل وأن مقدرة بعدها ، وحملها على الوجه الأول أولى ؛ لأنه الأكثر فى الاستعمال كما قلنا ، ومن هنا تعلم أن ما جرى عليه الشارح فيه حمل الكلام على أقل الوجهين.

١٩٦ ـ هذا عجز بيت لكعب بن سعد الغنوى ، من قصيدة مستجادة يرثى فيها أخاه أبا المغوار ـ واسمه هرم ، وقيل : اسم أبى المغوار شبيب ـ وصدر البيت قوله :

* فقلت : ادع أخرى وارفع الصّوت جهرة*

ومن العلماء من ينسب هذه القصيدة لسهم الغنوى أخى كعب وأبى المغوار جميعا ، والصواب عند الأثبات من الرواة ما قدمناه ، وقبل هذا البيت قوله :

وداع دعا : يا من يجيب إلى النّدى

فلم يستحبه عند ذاك مجيب

الإعراب : «فقلت» فعل وفاعل «ادع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أخرى» مفعول به ، وهى صفة أقيمت مقام موصوفها بعد حذفه ، وأصل الكلام : ادع مرة أخرى «وارفع» الواو عاطفة ، وارفع : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الصوت» مفعول به لارفع «جهرة» مفعول مطلق «لعل» حرف ترج وجر شبيه بالزائد «أبى» مبتدأ مرفوع تقديرا ،

٤

وقوله :

(١٩٧) ـ

لعلّ الله فضّلكم علينا

بشىء أنّ أمّكم شريم

فـ «أبى المغوار» ، والاسم الكريم : مبتدآن ، و «قريب» ، و «فضّلكم» خبران ، و «لعلّ» حرف جرّ زائد (٢) دخل على المبتدأ ؛ فهو كالباء فى «بحسبك درهم».

__________________

وأبى مضاف و «المغوار» مضاف إليه «منك» جار ومجرور متعلق بقريب الآتى «قريب» خبر المبتدأ.

الشاهد فيه : قوله «لعل أبى ـ إلخ» حيث جر بـ «لعل» لفظ أبى» على لغة غقيل.

١٩٧ ـ هذا البيت من الشواهد التى لم نقف على نسبتها لقائل معين.

اللغة : «أن أمكم» يجوز فى همزة «أن» الفتح والكسر ؛ أما الفتح فعلى أنها مع ما بعدها فى تأويل مصدر بدل من شىء ، وأما الكسر فعلى الابتداء «شريم» هى المرأة المفضاة التى اتحد مسلكاها ، ويقال فيها : شرماء ، وشروم ، أيضا.

الإعراب : «لعل» حرف ترج وجر شبيه بالزائد «الله» مبتدأ ، وهو فى اللفظ مجرور بلعل «فضلكم» فضل : فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الله ، والكاف مفعول به ، والميم علامة الجمع ، والجملة من فضل وفاعله ومفعوله فى محل رفع خبر المبتدأ «علينا ، بشىء» يتعلقان بفضل «أن» حرف توكيد ونصب «أمكم» أم : اسم أن ، وأم مضاف والضمير مضاف إليه «شريم» خبر أن ، وأن واسمها وخبرها فى تأويل مصدر بدل من شىء ، على تقدير فتح همز «أن».

الشاهد فيه : قوله «لعل الله» حيث جر بلعل ما بعدها لفظا على لغة عقيل كما فى البيت السابق ، وهو مرفوع فى التقدير ، ولم يمنع من ظهور رفعه إلا الحركة التى اقتضاها حرف الجر الشبيه بالزائد.

(١) الصواب أن يقول «حرف جر شبيه بالزائد» وأما الباء فى قولهم «بحسبك درهم» فهى حرف جر زائد ، فليس التشبيه فى كلام الشارح دقيقا.

٥

وقد روى على لغة هؤلاء فى لامها الأخيرة الكسر والفتح ، وروى أيضا حذف اللام الأولى ؛ فتقول : «علّ» بفتح اللام وكسرها.

وأما «متى» فالجرّ بها لغة هذيل ، ومن كلامهم : «أخرجها متى كمّه» ، يريدون «من كمه» ومنه قوله :

(١٩٨) ـ

شر بن بماء البحر ثمّ ترفّعت

متى لجج خضر ، لهنّ نئيج

__________________

واعلم أن حرف الجر إما أن يفيد معنى خاصا ويكون له متعلق ، وإما ألا يفيد معنى خاصا ولا يكون له متعلق ، وإما أن يفيد معنى خاصا ولا يكون له متعلق ؛ فالأول الحرف الأصلى الذى يعقد له النحاة باب حروف الجر ، والثانى هو الحرف الزائد كالباء فى «بحسبك درهم» ومن فى قولك «ما زارنى من أحد» والثالث هو الشبيه بالزائد ، وإنما أشبه الزائد فى أنه لا متعلق له ، وأشبه الأصلى فى الدلالة على معنى خاص كالترجى فى لعل والتقليل فى رب.

١٩٨ ـ البيت لأبى ذؤيب الهذلى ، يصف السحاب ، وقبله قوله :

سقى أمّ عمرو كلّ آخر ليلة

حناتم سود ماؤهنّ بحيج

إذا همّ بالإقلاع هبّت له الصّبا

فأعقب نشء بعدها وخروج

اللغة : «حناتم» جمع حنتمة ، وأصلها الجرة الخضراء ، وأراد هنا السحائب ، شبهها بالجرار «سود» جمع سوداء ، وأراد أنها ممتلئة بالماء «ثجيج» سائل منصب «ترفعت» تصاعدت ، وتباعدت «لجج» جمع لجة ـ بزنة غرفة وغرف ـ واللجة : معظم الماء ، «نئيج» هو الصوت العالى المرتفع.

المعنى : يدعو لامرأة ـ وهى التى ذكرها فيما قبل بيت الشاهد باسم أم عمرو ـ بالسقيا بماء سحب موصوفة بأنها شربت من ماء البحر ، وأخذت ماءها من لجج خضر ، ولها فى تلك الحال صوت مرتفع عال.

الإعراب : «شربن» فعل وفاعل ، ونون النسوة تعود إلى حناتم «بماء» جار ومجرور متعلق بشرب ، وماء مضاف ، و «البحر» مضاف إليه «ثم» حرف عطف «ترفعت» ترفع : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى حناتم أيضا «متى» حرف جر بمعنى من «لجج» مجرور

٦

وسيأتى الكلام على بقية العشرين عند كلام المصنف عليها.

ولم يعدّ المصنف فى هذا الكتاب «لو لا» من حروف الجر ، وذكرها فى غيره (١).

ومذهب سيبويه أنها من حروف الجر ، لكن لا تجرّ إلا المضمر ؛ فتقول : «لولاى ، ولولاك ، ولولاه» فالياء ، والكاف ، والهاء ـ عند سيبويه ـ مجرورات بـ «لولا».

وزعم الأخفش أنها فى موضع رفع بالابتداء ، ووضع ضمير الجر موضع ضمير الرفع ؛ فلم تعمل «لو لا» فيها شيئا ، كما لا تعمل فى الظاهر ، نحو : «لو لا زيد لأتيتك».

وزعم المبرد أن هذا التركيب ـ أعنى «لولاك» ونحوه ـ لم يرد من لسان العرب ، وهو محجوج بثبوت ذلك عنهم ، كقوله :

(١٩٩) ـ

أتطمع فينا من أراق دماءنا

ولولاك لم بعرض لأحسابنا حسن

__________________

بمتى ، والجار والمجرور متعلق بترفع ، وقيل : بدل من الجار والمجرور الأول ، وهو بماء البحر «خضر» صفة للجج «لهن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «نئيج» مبتدأ مؤخر ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل جر صفة ثانية للجج.

الشاهد فيه : قوله «متى لجج» حيث استعمل «متى» جارة ، كما هو لغة قومه هذيل.

(١) قد يقال فى القسم «آلله لأفعلن» وقد يقال : «ها الله لأفعلن» بذكر همزة الاستفهام كما فى المثال الأول ، أو ها التنبيه كما فى المثال الثانى ، عوضا عن باء الجر ، ولم يذكر الناظم ولا الشارح هذين الحرفين فى حروف الجر ؛ نظرا إلى حقيقة الأمر ، وهى أن جر لفظ الجلالة بحرف الجر الذى نابت عنه الهمزة وها ، وليس بالهمزة ولا بها ، فاعرف ذلك.

(١٩٩) ـ البيت لعمرو بن العاص يقوله لمعاوية بن أبى سفيان فى شأن الحسن بن على رضى الله تعالى عنهم أجمعين ، وهو من كلمة أولها قوله :

٧

 .........................................................................

__________________

معاوى ، إنّى لم أبايعك فلتة

وما زال ما أسررت منّى كما علن

اللغة : «اراق» أسال «يعرض» أراد يتعرض لها بالنيل منها «الأحساب» جمع حسب ، وهو كل ما يعده المرء من مفاخر قومه.

الإعراب : «أتطمع» الهمزة للاستفهام التوبيخى ، تطمع : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فينا» جار ومجرور متعلق بتطمع «من» اسم موصول مفعول به لتطمع «أراق» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة «دماءنا» دماء : مفعول به لأراق ، ودماء مضاف ونا : مضاف إليه ، والجملة من أراق وفاعله ومفعوله لا محل لها صلة «ولولاك» لو لا : حرف امتناع لوجود وجر ، والكاف فى محل جر بها ، ولها محل آخر هو الرفع بالابتداء كما هو مذهب سيبويه ، والخبر محذوف وجوبا ، والتقدير : لولاك موجود ، وجملة المبتدأ والخبر شرط لو لا «لم» نافية جازمة «يعرض» فعل مضارع مجزوم بلم «لأحسابنا» الجار والمجرور متعلق بيعرض ، وأحساب مضاف ونا : مضاف إليه «حسن» فاعل يعرض ، وجملة يعرض وفاعله لا محل لها من الإعراب جواب لو لا.

الشاهد فيه : قوله «لولاك» فإن فيه ردا على أبى العباس المبرد الذى زعم أن «لو لا» لم تجىء متصلة بضمائر الجر كالكاف والهاء والياء ، ومثله قول الآخر ، وينسب إلى عمر بن أبى ربيعة ، وليس فى ديوانه ، والصواب أنه للعرجى (انظر خزانة الأدب ٢ / ٤٢٩) :

* لولاك فى ذا العام لم أحجج*

ومع وروده فى كلام العرب الموثوق بعربيتهم فإنه قليل غير شائع شيوع وقوع الاسم الظاهر والضمير المنفصل بعد لو لا ، نحو قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) ونحو قول المتنبى :

لو لا العقول لكان أدنى ضيغم

أدنى إلى شرف من الإنسان

وقول الراجز :

والله لو لا الله ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

٨

وقوله :

(٢٠٠) ـ

وكم موطن لولاى طحت كما هوى

بأجرامه من قنّة النّيق منهوى

* * *

__________________

٢٠٠ ـ البيت ليزيد بن الحكم بن أبى العاص ، من كلمة له يعتب فيها على ابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبى العاص.

اللغة : «موطن» أراد به المشهد من مشاهد الحروب «طحت» هلكت ، ويقال : طاح يطوح كقال يقول. وطاح يطيح كباع يبيع «بأجرامه» الأجرام : جمع جرم ـ بكسر الجيم ـ وهو الجسد «هوى» سقط من أعلى إلى أسفل ، وهو بوزن رمى يرمى «قنة النيق» رأس الجبل «منهوى» ساقط.

المعنى. كثير من مشاهد الحروب لو لا وجودى معك فيها لسقطت سقوط من يهوى من أعلى الجبل بجميع جسمه.

الإعراب : «كم» خبرية ـ بمعنى كثير ـ مبتدأ ، أو ظرف متعلق بطحت «موطن» تمييز كم مجرور بإضافتها إليه ، وخبر المبتدأ الذى هو كم ـ على الأول ـ محذوف ، والتقدير كثير من المواطن لك ، مثلا «لولاى» لو لا : حرف يدل على امتناع الجواب لوجود الشرط ، وهو حرف جر شبيه بالزائد لا يتعلق بشىء عند سيبويه ، وياء المتكلم عنده ذات محلين ، أحدهما جر بلولا ، وثانيهما رفع بالابتداء ، وليس لها إلا محل واحد هو الرفع بالابتداء عند الأخفش ، وعنده أن الشاعر قد استعار ضمير الجر لضمير الرفع ، والخبر محذوف عندهما جميعا ، والتقدير : لولاى موجود «طحت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر صفة لموطن ، والرابط محذوف ، أى : طحت فيه ، أو هذه الجملة لا محل لها جواب لو لا ، وهذا أحسن «كما» الكاف جارة ، وما : مصدرية «هوى» فعل ماض «بأجرامه» الجار والمجرور متعلق بهوى ، وأجرام مضاف والهاء مضاف إليه «من قنة» جار ومجرور متعلق بهوى أيضا ، وقنة مضاف ، و «النيق» مضاف إليه «منهوى» فاعل هوى ، و «ما» المصدرية ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والكاف ومجرورها تتعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف ، أى : طحت طيحا مثل ظيح منهو من قنة النيق بأجرامه.

٩

بالظّاهر اخصص : منذ ، مذ ، وحتّى

والكاف ، والواو ، وربّ ، والتّا (١)

واخصص بمذ ومنذ وقتا ، وبربّ

منكّرا ، والتاء لله ، وربّ (٢)

وما رووا من نحو «ربّه فتى»

نزر ، كذا «كها» ، ونحوه أتى (٣)

__________________

الشاهد فيه : قوله «لولاى» حيث اتصلت «لو لا» بالضمير الذى أصله أن يقع فى محل الجر والنصب ، وفيه رد على المبرد الذى أنكر أن يقع بعد لو لا ضمير من الضمائر المتصلة التى تكون فى محل نصب أو فى محل جر ، وقال : إن ذلك لا يجوز عربية ، وقد جاء هذا الذى أنكره فى هذا الشاهد والذى قبله وفى البيت الذى ذكرناه أثناء شرح البيت السابق ؛ فكان نقل هذه الشواهد ردا عليه.

(١) «بالظاهر» جار ومجرور متعلق باخصص «اخصص» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «منذ» قصد لفظه : مفعول به لا خصص «مذ ، وحتى ، والكاف ، والواو ، ورب ، والتا» معطوفات على منذ بإسقاط حرف العطف فى «مذ» وحده.

(٢) «واخصص» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بمذ» جار ومجرور متعلق باخصص «ومنذ» معطوف على مذ «وقتا» مفعول به لاخصص «وبرب» معطوف على بمذ «منكرا» معطوف على «وقتا» السابق «والتاء» مبتدأ «لله» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «ورب» معطوف على لفظ الجلالة.

(٣) «وما» اسم موصول مبتدأ «رووا» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها صلة «من نحو» جار ومجرور متعلق برووا «ربه فتى» رب : حرف جر ، والضمير مجرور المحل به ، وفتى : تمييز للضمير ، وهو كلام فى موضع المفعول به لقول محذوف ، وهذا القول المحذوف مجرور بإضافة «نحو» إليه «نزر» خبر المبتدأ ، وهو «ما» الموصولة فى أول البيت «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «كها» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «ونحوه» الواو عاطفة ، نحو : مبتدأ ، ونحو مضاف والضمير مضاف إليه «أتى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو نحو.

١٠

من حروف الجر ما لا يجرّ إلا الظاهر ، وهى هذه السبعة المذكورة فى البيت الأول ؛ فلا تقول «منذه ، ولا مذه» وكذا الباقى.

ولا تجر «منذ ، ومذ» من الأسماء الظاهرة إلا أسماء الزمان (١) ، فإن كان الزمان حاضرا كانت بمعنى «فى» نحو : «ما رأيته منذ يومنا» أى : فى يومنا ، وإن كان الزمان ماضيا كانت بمعنى «من» نحو : «ما رأيته مذ يوم الجمعة» أى : من يوم الجمعة ، وسيذكر المصنف هذا فى آخر الباب ، وهذا معنى قوله : «واخصص بمذ ومنذ وقتا».

وأما «حتى» فسيأتى الكلام على مجرورها عند ذكر المصنف له ، وقد شذّ جرّها للضمير ، كقوله :

(٢٠١) ـ

فلا والله لا يلفى أناس

فتى حتّاك يا ابن أبى زياد

__________________

(١) منذ ومذ يكونان ظرفى زمان ، وهما حينئذ اسمان ، ويكونان حرفى جر ، وحينئذ لا يجران إلا أسماء الزمان ، طلبا للمناسبة بين حالتيهما ، وأما نحو قولك «ما رأيته منذ حدث كذا ، وما رأيته منذ أن الله خلقه» فإن اسم الزمان مقدر فى هذين المثالين ونحوهما ، وأصل الكلام : منذ زمان حصل كذا ، ومنذ زمان خلق الله إياه.

٢٠١ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعرف قائلها.

اللغة : «يلفى» مضارع ألفى ، ومعناه وجد ، ويروى «لا يلقى أناس» بالقاف مكان الفاء على أنه مضارع لقى «حتاك» استشكل أبو حيان هذه العبارة فقال «وانتهاء الغابة فى حتاك لا أفهمه ، ولا أدرى ما عنى بحتاك ، فلعل هذا البيت مصنوع» وستعرف رد هذا الكلام.

المعنى : يريد الشاعر أن يقول : إن الناس لا يجدون فتى يرجونه لقضاء مطالبهم حتى يبلغوا الممدوح ، فإذا بلغوه فقد وجدوا ذلك الفتى ، وبهذا التقرير يندفع كلام أبى حيان.

الإعراب : «فلا» لا : زائدة قبل القسم للتوكيد «والله» الواو للقسم ، ولفظ الجلالة مقسم به مجرور بالواو ، وفعل القسم الذى يتعلق به الجار والمجرور محذوف

١١

ولا يقاس على ذلك ، خلافا لبعضهم ، ولغة هذيل إبدال حائها عينا ، وقرأ ابن مسعود (فتربصوا به عتى حين).

وأما الواو فمختصة بالقسم ، وكذلك التاء ، ولا يجوز ذكر فعل القسم معهما ؛ فلا تقول «أقسم والله» ولا «أقسم تالله».

ولا تجر التاء إلا لفظ «الله» : فتقول : «تالله لأفعلنّ» وقد سمع جرّها لـ «ربّ» مضافا إلى «الكعبة» ، [قالوا] : «تربّ الكعبة»] وهذا معنى قوله : «والتاء لله وربّ» وسمع أيضا «تالرحمن» ، وذكر الخفاف فى شرح الكتاب أنهم قالوا «تحياتك» وهذا غريب.

ولا تجر «ربّ» إلا نكرة ، نحو : «ربّ رجل عالم لقيت» وهذا معنى قوله : «وبربّ منكرا» أى : واخصص بربّ النكرة ، وقد شذ جرها ضمير الغيبة ، كقوله :

(٢٠٢) ـ

واه رأبت وشيكا صدع أعظمه

وربّه عطبا أنقذت من عطبه

__________________

وجوبا «لا» نافية «يلفى» فعل مضارع «أناس» فاعل يلفى «فتى» مفعول به أول ليلفى ، ومفعول يلفى الثانى محذوف ، وتقدير الكلام : لا يلفى أناس فتى مقصودا لآمالهم إلى بلوغك «حتاك» حتى : جارة ، والضمير فى محل جر بها ، والجار والمجرور متعلق بيلفى «يا» حرف نداء «ابن» منادى ، وابن مضاف و «أبى» مضاف إليه ، وأبى مضاف و «زياد» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «حتاك» حيث دخلت «حتى» الجارة على الضمير ، وهو شاذ.

٢٠٢ ـ البيت مما أنشده ثعلب ، ولم يعزه لقائل معين ، وأنشده فى اللسان (رب) مع تغيير طفيف هكذا :

* كائن رأبت وهايا صدع أعظمه*

اللغة «رأبت» أصلحت ، وشعبت ، مأخوذ من قوله : رأب فلان الصدع ؛ إذا

١٢

كما شذّ جرّ الكاف له ، كقوله :

(٢٠٣) ـ

خلّى الذّنابات شمالا كثبا

وأمّ أو عال كها أو أقربا

__________________

أصلحه وجبره «وشيكا» سريعا «عطبا : هو هنا بكسر الطاء ـ صفة مشبهة : أى هالكا «من عطبه» هو هنا بفتح الطاء مصدر بمعنى الهلاك ، وفى اللسان «م العطب» ،

المعنى : رب شخص ضعيف أشفى على الهلاك والسقوط فجبرت كسره ورشت جناحه.

الإعراب : «واه» هو على تقدير «رب» أى رب واه ؛ فهو مبتدأ مرفوع تقديرا «رأبت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل رفع خبر «وشيكا» مفعول مطلق عامله رأبت ، أى رأبت رأبا وشيكا ، أى عاجلا سريعا «صدع» مفعول به لرأبت ، وصدع مضاف وأعظم من «أعظمه» مضاف إليه ، وأعظم مضاف ، والضمير مضاف إليه «وربه عطبا» رب : حرف تقليل وجر شبيه بالزائد ، والضمير فى محل جر برب ، وله محل رفع بالابتداء «عطبا» تمييز للضمير «أنقذت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو مجرور لفظا برب «من عطبه» الجار والمجرور متعلق بأنقذ ، وعطب مضاف والضمير مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «وربه عطبا» حيث جر «رب» الضمير ، وهو شاذ.

واعلم أن العلماء قد اختلفوا فى هذا الضمير الذى تدخل عليه رب ، أمعرفة هو أم نكرة؟ فذهب الجمهور إلى أنه معرفة على أصله ، وذهب ابن عصفور وجار الله الزمخشرى إلى أن هذا الضمير نكرة ؛ لأنه واقع موقع اسم واجب التنكير ؛ لأن رب لا تجر غير النكرة ، ولأن مرجعه ـ وهو التمييز ـ واجب التنكير.

٢٠٣ ـ البيت للعجاج بصف حمار وحش وأتنه ، وقد أراد هذا الحمار ورود الماء معهن فرأى الصياد فهرب بهن.

اللغة : «الذنابات» جمع ذنابة بالكسر ؛ وهى آخر الوادى الذى ينتهى إليه السيل ، وقد قيل : إنه بفتح الذال اسم مكان بعينه «كثبا» أى قريبا «أم أو عال» هى هضبة فى ديار بنى تميم.

المعنى : إنه جعل فى هربه الذنابات عن طريقه فى جانب شماله قريبا منه ، وجعل أم أو عال فى جانب يمينه قريبا منه قربا مثل قرب الذنابات أو أقرب.

١٣

وقوله :

(٢٠٤) ـ

ولا ترى بعلا ولا حلائلا

كه ولا كهنّ إلّا حاظلا

وهذا معنى قوله : «وما رووا ـ البيت» أى : والذى روى من جر «ربّ» المضمر نحو «ربه فتى» قليل ، وكذلك جر الكاف المضمر نحو «كها».

__________________

الإعراب : «خلى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على حمار الوحش «الذنابات» مفعول أول لخلى «شمالا» مفعول ثان «كثبا» صفة لشمال «وأم أو عال» يروى بالنصب وبالرفع ؛ فأما النصب فبالعطف على الذنابات ، وأما الرفع فبالابتداء «كها» على رواية النصب هو فى موضع المفعول الثانى ، وعلى رواية الرفع هو متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «أو» عاطفة «أفربا» معطوف على الضمير المجرور بالكاف من غير إعادة الجار ، هذا على جعل «أم أو عال كها» مبتدأ وخبرا.

الشاهد فيه : قوله «كها» حيث جر بالكاف الضمير ، وهو شاذ.

ونظير هذا الشاهد قول أبى محمد اليزيدى اللغوى معلم المأمون بن الرشيد :

شكوتم إلينا مجانينكم

ونشكو إليكم مجانيننا

فلولا المعافاة كنّا كهم

ولو لا البلاء لكانوا كنا

ومثله أيضا قول الآخر :

لا تلمنى فإننى كك فيها

إنّنا فى الملام مشتركان

٢٠٤ ـ البيت من أرجوزة لرؤبة بن العجاج يصف حمارا وأتنه.

الإعراب : «ولا» نافية «ترى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بعلا» مفعول أول «ولا» الواو عاطفة ، ولا : زائدة لتأكيد النفى «حلائلا» معطوف على قوله «بعلا» السابق «كه» متعلق بمحذوف حال من «بعلا» «ولا كهن» متعلق بمحذوف حال من «حلائلا» وهو معطوف بالواو على الحال السابق «إلا» أداة استثناء ملغاة «حاظلا» مفعول ثان لترى.

الشاهد فيه : قوله «كه ، كهن» حيث جر الضمير فى الموضعين بالكاف ، وهو شاذ.

١٤

بعّض وبيّن وابتدىء فى الأمكنه

بمن ، وقد تأتى لبدء الأزمنه (١)

وزيد فى نفى وشهه فجر

نكرة : ، كـ «ما لباغ من مفر» (٢)

تجىء «من» للتبعيض ، ولبيان الجنس ، ولابتداء الغاية : فى غير الزمان كثيرا ، وفى الزمان قليلا ، وزائدة.

فمثالها للتبعيض قولك : «أخذت من الدراهم» ومنه قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ).

ومثالها لبيان الجنس قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ).

ومثالها لابتداء الغاية فى المكان قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى).

ومثالها لابتداء الغاية فى الزمان قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) وقول الشاعر :

__________________

(١) «بعض» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وبين وابتدىء» مثله ومعطوفان عليه «فى الأمكنة» متعلق بابتدىء «بمن» تنازعه الأفعال الثلاثة «وقد» حرف تقليل «تأتى» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على من «لبدء» جار ومجرور متعلق «بتأتى» وبدء مضاف و «الأزمنة» مضاف إليه.

(٢) «وزيد» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من «فى نفى» جار ومجرور متعلق بزيد «وشبهه» الواو عاطفة ، شبه : معطوف على نفى ، وشبه مضاف وضمير الغائب العائد إلى نفى مضاف إليه «فجر» الفاء عاطفة ، جر : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو «نكرة» مفعول به لجر «كما» الكاف جارة لقول محذوف ، ما : نافية «لباغ» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «من» زائدة «مفر» مبتدأ مؤخر.

١٥

(٢٠٥) ـ

تخيّرن من أزمان يوم حليمة

إلى اليوم ، قد جرّبن كلّ التّجارب

ومثال الزائدة : «ما جاءنى من أحد» ولا تزاد ـ عند جمهور البصريين ـ إلا بشرطين :

أحدهما : أن يكون المجرور بها نكرة.

الثانى : أن يسبقها نفى أو شبهه ، والمراد يشبه النّفى : النّهى. نحو «لا تضرب من أحد» ، والاستفهام ، نحو «هل جاءك من أحد؟».

__________________

٢٠٥ ـ البيت للنابغة الذبيانى ، من قصيدة له مطلعها قوله :

كلينى لهمّ يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطىء الكواكب

اللغة : «يوم حليمة» يوم من أيام العرب المشهورة حدثت فيه حرب طاحنة بين لخم وغسان ، وحليمة هى بنت الحارث بن أبى شمر الغسانى ، أضف اليوم إليها لأن أباها ـ فيما ذكروا ـ حين اعتزم توجيه جيشه إلى المنذر أمرها فجاءت فطيبتهم ، وفى يوم حليمة ورد المثل «ما يوم حليمة بسر» يضرب للأمر المشتهر المعروف والذى لا يستطاع كتمانه.

وقبل البيت المستشهد به قوله :

فهم يتساقون المنيّة بينهم

بأيديهم بيض رقاق المضارب

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب

الإعراب : «تخيرن» تخير : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونون النسوة ـ العائد على السيوف المذكورة فى البيت السابق على بيت الشاهد ـ نائب فاعل «من أزمان» جار ومجرور متعلق بتخبر ، وأزمان مضاف ، و «يوم» مضاف إليه ، ويوم مضاف و «حليمة» مضاف إليه «إلى اليوم» جار ومجرور متعلق بتخير ، وجملة «قد جربن» من الفعل الماضى المبنى للمجهول ونائب الفاعل فى محل نصب حال «كل» مفعول مطلق ، وكل مضاف ، و «التجارب» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «من أزمان» حيث وردت «من» لابتداء الغاية فى الزمن.

١٦

ولا تزاد فى الإيجاب (١) ، ولا يؤتى بها جارة لمعرفة ؛ فلا تقول : «جاءنى من زيد» خلافا للأخفش ، وجعل منه قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ).

وأجاز الكوفيون زيادتها فى الإيجاب بشرط تنكير مجرورها ، ومنه عندهم : «قد كان من مطر» أى قد كان مطر.

* * *

للانتها : حتّى ، ولام ، وإلى ،

ومن وباء يفهمان بدلا (٢)

يدلّ على انتهاء الغاية «إلى» ، وحتّى ، واللّام» ؛ والأصل من هذه الثلاثة «إلى» فلذلك تجر الآخر وغيره ، نحو : «سرت البارحة إلى آخر اللّيل ، أو إلى نصفه» ولا تجر «حتى» إلا ما كان آخرا أو متّصلا بالآخر (٣) ، كقوله

__________________

وفى المسألة كلام طويل الذيل عميق السيل ، وتلخيصه أنه قد ذهب جمهور الكوفيين وأبو العباس المبرد والأخفش وابن درستويه من البصريين إلى أن «من» قد تأتى لابتداء الغاية فى الزمان ، ومال إلى هذا المحقق الرضى ، وهو الذى ذهب إليه ابن مالك وابن هشام ، وذهب جمهور البصريين إلى أنها لا تجىء لذلك ، واتفق الجميع على أنها تأتى لابتداء الغاية فى الأمكنة والأحداث والأشخاص.

(١) ذكر السعد أن «من» الجارة تزاد فى الإثبات اختيارا فى موضع واحد ، وهو تمييزكم الخبرية إذا فصل بين كم وبينه بفعل ، ومثل له بقوله تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ) فمن : زائدة ، وجنات : تمييزكم.

(٢) «للانتها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «حتى» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «ولام ، وإلى» معطوفان على حتى «ومن» الواو للاستئناف ، من : قصد لفظه : مبتدأ «وباء» معطوف على من «يفهمان» فعل وفاعل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «بدلا» مفعول به ليفهمان.

(٣) الآية الكريمة التى تلاها الشارح مثال لما كان متصلا بالآخر ، ومثال ما كان

١٧

تعالى : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) ولا تجرّ غيرهما ؛ فلا تقول : «سرت البارحة حتّى نصف اللّيل». واستعمال اللام للانتهاء قليل ، ومنه قوله تعالى : (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى)

ويستعمل «من» والباء ، بمعنى «بدل» ؛ فمن استعمال «من» بمعنى «بدل» قوله عزّ وجل : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [أى : بدل الآخرة] وقوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) أى : بدلكم ، وقول الشاعر :

(٢٠٦) ـ

جارية لم تأكل المرقّقا

ولم تذق من البقول الفستقا

__________________

آخرا قولهم : أكلت السمكة حتى رأسها ، واعلم أن «حتى» الجارة على ضربين : جارة للمفرد الصريح ، وهذه هى التى لا تجر إلا الآخر أو المتصل بالآخر ، ولا تكون إلا غاثية ، وجارة لأن المصدرية ومدخولها ، وهذه تكون غاثية ، وتكون تعليلية ، وتكون استثنائية.

(٢٠٦) ـ البيت لأبى نخيلة ـ يعمر بن حزن ـ السعدى.

اللغة : «جارية» هى ـ فى الأصل ـ الفتاة الشابة. ثم توسع فيه فاستعملوه فى كل أمة «المرققا» على صيغة اسم المفعول ـ الرغيف الرقيق الواسع «البقول» جمع بقل ، وهو كل نبات اخضرت به الأرض «الفستقا» نقل خاص معروف.

المعنى : يريد أن هذه الجارية بدوية لا عهد لها بالنعيم ، ولم تستمرىء طعم الرفه ، فهى تأكل يابس العيش ، لا الرغفان الرقيقة الواسعة المستديرة ، وتذوق من البقول ما يأكله البدو عادة ، لا الفستق ونحوه مما هو طعام أهل الحضارة والرفاهية.

الإعراب : «جارية» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هى جارية ، أو نحوه «لم» نافية جازمة «تأكل» فعل مضارع مجزوم بلم ، وحرك بالكسرة تخلصا من التقاء الساكنين ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على جارية «المرفقا» مفعول به لتأكل ، والألف للاطلاق «لم» نافية جازمة «تذق» فعل مضارع مجزوم

١٨

أى : بدل البقول ، ومن استعمال الباء بمعنى «بدل» ما ورد فى الحديث «ما يسرّنى بها حمر النّعم» أى : بدلها ، وقول الشاعر :

فليت لى بهم قوما إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا (١) [١٥٤]

* * *

واللّام للملك وشبهه ، وفى

تعدية ـ أيضا ـ وتعليل قفى (٢)

وزيد ، والظّرفيّة استبن ببا

و «فى» وقد يبيّنان السّببا (٣)

__________________

بلم ، وفيه ضمير مستتر يرجع إلى الجارية فاعل «من البقول» جار ومجرور متعلق بتذق «الفستقا» مفعول به لتذق ، والألف للاطلاق.

الشاهد فيه : قوله «من البقول» حيث ورد «من» بمعنى البدل ، يعنى أنها لم تستبدل الفستق بالبقول. وهكذا قال ابن مالك وجماعة من النحويين ، وقال آخرون : إن «من» هنا للتبعيض ، وعندهم أن الفستق بعض البقول ، وعلى هذا يجوز أن تكون «من» اسما بمعنى «بعض» وموقعها فى الإعراب على هذا مفعول به لتذق ، ويكون قوله «الفستقا» بدلا منها.

(١) هذا هو الشاهد رقم ١٥٤ وتقدم شرحه فى باب «المفعول له» فانظره هناك

(٢) «واللام» مبتدأ «للملك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «وشبهه» الواو حرف عطف ، شبه : معطوف على الملك ، وشبه مضاف والضمير مضاف إليه «وفى تعدية» جار ومجرور متعلق بقوله «قفى» الآتى آخر البيت «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «وتعليل» معطوف على تعدية «قفى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه يعود إلى اللام.

(٣) «زيد» فعل ماض مبنى للمجهول ، وفيه ضمير مستتر يرجع إلى اللام فى البيت السابق نائب فاعل «والظرفية» مفعول مقدم على عامله ، وهو قوله «استبن» الآتى «استبن» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ببا» قصر للضرورة متعلق باستبن «وفى» معطوف على با «وقد» حرف تقليل «يبينان» فعل

١٩

تقدم أن اللام تكون للانتهاء ، وذكر هنا أنها تكون للملك ، نحو (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) و «المال لزيد» ، ولشبه الملك ، نحو : «الجلّ للفرس ، والباب للدّار» ، وللتّعدية ، نحو «وهبت لزيد مالا» ومنه قوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) وللتعليل ، نحو «جئتك لإكرامك» ، وقوله :

(٢٠٧) ـ

وإنّى لتعرونى لذكراك هزّة

كما انتفض العصفور بلّله القطر

__________________

مضارع وألف الاثنين ـ العائد إلى الباء وفى ـ فاعل «السببا» مفعول به ليبين ، والألف للاطلاق.

٢٠٧ ـ البيت لأبى صخر الهذلى.

اللغة : «تعرونى» تصيبنى ، وتنزل بى «ذكراك» الذكرى ـ بكسر الذال وآخره ألف مقصورة ـ التذكر ، والخطور بالبال «هزة» بفتح الهاء وكسرها ـ حركة واضطراب «انتفض» تحرك «القطر» المطر.

المعنى : يصف ما يحدث له عند تذكره إياها ، ويقول : إنه ليصببه خفقان واضطراب يشبهان حركة العصفور إذا نزل عليه ماء المطر ؛ فإنه يضطرب ويتحرك حركات متتابعة ليدفعه عن نفسه.

الإعراب : «وإنى» إن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمه «لتعرونى» اللام للابتداء ، تعرو : فعل مضارع ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به «لذكراك» الجار والمجرور متعلق بتعرو ، وذكرى مضاف وكاف المخاطبة مضاف إليه من إضافة اسم المصدر إلى مفعوله «هزة» فاعل تعرو «كما» الكاف جارة ، وما : مصدرية «انتفض» فعل ماض «العصفور» فاعل انتفض ، و «ما» ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لهزة ، التقدير : هزة كائنة كانتفاض العصفور «بلله» بلل : فعل ماض ، والهاء مفعول به لبلل «القطر» فاعل بلل ، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول فى محل نصب حال من العصفور ، و «قد» مقدرة قبل الفعل ، عند البصريين : أى قد بلله.

الشاهد فيه : قوله «لذكراك» فإن اللام فيه للتعليل.

٢٠