شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

الآخر «والله ما هى بنعم الولد ، نصرها بكاء ، وبرّها سرقة» وخرّج على جعل «نعم وبئس» مفعولين لقول محذوف واقع صفة لموصوف محذوف ، وهو المجرور بالحرف ، لا «نعم وبئس» ، والتقدير : نعم السّير على عير مقول فيه بئس العير ، وما هى بولد مقول فيه نعم الولد ؛ فحذف الموصوف والصفة ، وأقيم المعمول مقامهما مع بقاء «نعم وبئس» على فعليتهما.

وهذان الفعلان لا يتصرفان ؛ فلا يستعمل منهما غير الماضى ، ولا بدّ لهما من مرفوع هو الفاعل ، وهو على ثلاثة أقسام :

الأول : أن يكون محلّى بالألف واللام ، نحو «نعم الرّجل زيد» ومنه قوله تعالى : (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) واختلف فى هذه اللام ؛ فقال قوم : هى للجنس حقيقة ، فمدحت الجنس كلّه من أجل زيد ، ثم خصصت زيدا بالذكر ؛ فتكون قد مدحته مرتين ، وقيل : هى للجنس مجازا ، وكأنك [قد] جعلت زيدا الجنس كلّه مبالغة ، وقيل : هى للعهد (١).

الثانى : أن يكون مضافا إلى ما فيه «أل» ، كقوله : «نعم عقبى الكرما» ، ومنه قوله تعالى : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ)

الثالث : أن يكون مضمرا مفسّرا بنكرة بعده منصوبة على التمييز ، نحو

__________________

(١) العهد ـ عند من قال إن أل فى فاعل نعم وبئس للعهد ـ قيل : هو العهد الذهنى لأن مدخولها فرد مبهم ، وذلك كقول القائل : ادخل السوق ، واشتر اللحم ، ثم بعد ذلك فسر هذا الفرد المبهم بزيد تفخيما ؛ لقصد المدح أو الذم ، ومن الناس من ذهب إلى أن العهد هو العهد الخارجى ، والمعهود هو الفرد المعين الذى هو المخصوص بالمدح أو الذم ؛ فالرجل فى «نعم الرجل زيد» هو زيد ، وكأنك قلت : نعم زيد هو ، فوضعت الظاهر ـ وهو المخصوص ـ موضع المضمر ، قصدا إلى زيادة التقرير والتفخيم.

١٦١

«نعم قوما معشره» ففى «نعم» ضمير مستتر يفسره «قوما» و «معشره» مبتدأ ، وزعم بعضهم أن «معشره» مرفوع بنعم وهو الفاعل ، ولا ضمير فيها ، وقال بعض هؤلاء : إن «قوما» حال ، وبعضهم : إنه تمييز ، ومثل «نعم قوما معشره» قوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) وقول الشاعر :

(٢٧٣) ـ

لنعم موئلا المولى إذا حذرت

بأساء ذى البغى واستيلاء ذى الإحن

وقول الآخر :

(٢٧٤) ـ

تقول عرسى وهى لى فى عومره :

بئس امرأ ، وإنّنى بئس المره

* * *

__________________

٢٧٣ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها.

اللغة : «موئلا» الموئل هو الملجأ والمرجع «حذرت» مبنى للمجهول ـ أى : خيفت «بأساء» هى الشدة «الإحن» جمع إحنة ـ بكسر الهمزة فيهما ـ وهى الحقد وإضمار العداوة.

الإعراب : «نعم» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه «موئلا» تمييز «المولى» مبتدأ ، والجملة قبله فى محل رفع خبره ، أو هو خبر لمبتدأ محذوف وجوبا ، والتقدير : الممدوح المولى «إذا» ظرف زمان متعلق بنعم «حذرت» حذر : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث «بأساء» نائب فاعل حذر ، وبأساء مضاف و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف و «البغى» مضاف إليه «واستيلاء» الواو عاطفة ، واستيلاء : معطوف على بأساء ، واستيلاء مضاف و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف و «الإحن» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «لنعم موئلا» فإن «نعم» قد رفع ضميرا مستترا ، وقد فسر التمييز ـ الذى هو قوله موئلا ـ هذا الضمير.

٢٧٤ ـ البيت لراجز لم يعينه أحد ممن اطلعنا على كلامهم.

١٦٢

وجمع تمييز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهم قد اشتهر (١)

اختلف النحويّون فى جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر فى «نعم» وأخواتها ؛ فقال قوم : لا يجوز ذلك ، وهو المنقول عن سيبويه ؛ فلا تقول : «نعم الرّجل رجلا زيد» ، وذهب قوم إلى الجواز ، واستدلّوا بقوله :

__________________

اللغة : «عرسى» عرس الرجل ـ بكسر أوله ـ امرأته «عومرة» صياح وجلبة وصخب.

الإعراب : «تقول» فعل مضارع «عرسى» عرس : فاعل ، وعرس مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «وهى» الواو واو الحال ، هى : ضمير منفصل مبتدأ «لى ، فى عومرة» متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب حال «بئس» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه «امرأ» تمييز ، وجملة الفعل وفاعله فى محل نصب مقول القول «وإننى» الواو حرف عطف ، إن : حرف توكيد ونصب ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم اسم إن «بئس» فعل ماض «المره» فاعل ، وجملة الفعل وفاعله ـ بحسب الظاهر ـ فى محل رفع خبر إن ، وعند التحقيق فى محل نصب مقول لقول محذوف يقع خبرا لإن ، وتقدير الكلام : وإننى مقول فى حقى : بئس المره ، وجملة «إن» واسمه وخبره فى محل نصب معطوفة على جملة مقول القول.

الشاهد فيه : «بئس امرأ» حيث رفع «بئس» ضميرا مستترا ، وقد فسر التمييز الذى بعده ـ وهو قوله امرأ ـ هذا الضمير ، وقد وقع فيه ما ظاهره أن خبر إن جملة إنشائية ، وهى جملة «بئس المرة» وذلك شاذ أو مؤول على تقدير قول محذوف يقع خبرا لإن ، وتقع هذه الجملة معمولة له ، وانظر مطلع باب إن وأخواتها فى الجزء الأول من هذا الكتاب.

(١) «وجمع» مبتدأ أول ، وجمع مضاف و «تمييز» مضاف إليه «وفاعل» معطوف على تمييز ، وجملة «ظهر» وفاعله المستتر فيه فى محل جر صفة لفاعل «فيه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «خلاف» مبتدأ ثان مؤخر ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول الذى هو جمع «عنهم» جار ومجرور متعلق باشتهر الآتى ، وجملة «قد اشتهر» وفاعله المستتر فيه العائد إلى خلاف فى محل رفع صفة لخلاف.

١٦٣

(٢٧٥) ـ

والتّغلبيّون بئس الفحل فحلهم

فحلا ، وأمّهم زلّاء منطيق

وقوله :

(٢٧٦) ـ

تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزّاد زاد أبيك زادا

__________________

٢٧٥ ـ البيت لجرير بن عطية ، من كلمة له يهجو فيها الأخطل التغلبى.

اللغة : «زلاء» بفتح الزاى ، وتشديد اللام ، وآخره همزة ـ المرأة إذا كانت قليلة لحم الأليتين «منطيق» المراد به هنا التى تتأزر بما يعظم عجيزتها ، وأراد بذلك الكناية عن كونها ممتهنة ؛ فهى هزيلة ضعيفة الجسم من أجل ذلك.

المعنى : يذمهم بدناءة الأصل ، ولؤم النجار ، وبأنهم فى شدة الفقر ، وسوء العيش ، حتى إن المرأة منهم لتمتهن فى الأعمال ، وتبتذل فى الخدمة ؛ فيذهب عنها اللحم ـ وذلك عند العرب مما تذم به المرأة ـ فتضطر إلى أن تتخذ حشية ـ وهى كساء غليظ خشن ـ تعظم بها أليتها وتكبرها سترا لهزالها ونحافة جسمها.

الإعراب : «التغلبيون» مبتدأ «بئس» فعل ماض لإنشاء الذم «الفحل» فاعل بئس ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر مقدم ، وقوله فحل من «فحلهم» مبتدأ مؤخر ، وفحل مضاف والضمير مضاف إليه ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الذى فى أول الكلام «فحلا» تمييز «وأمهم» الواو للاستئناف ، أو هى عاطفة ، وأم : مبتدأ ، وأم مضاف والضمير مضاف إليه «زلاء» خبر المبتدأ «منطيق» نعت لزلاء ، أو خبر ثان.

الشاهد فيه : قوله «بئس الفحل ... فحلا» حيث جمع فى كلام واحد بين فاعل بئس الظاهر ـ وهو قوله «الفحل» والتمييز ، وهو قوله «فحلا».

٢٧٦ ـ البيت لجرير بن عطية ، من قصيدة له يمدح فيها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن مروان.

اللغة : «تزود» أصل معناه : اتخذ زادا ، وأراد منه هنا السيرة الحميدة ، والعيشة الطيبة ، وحسن المعاملة.

١٦٤

وفصّل بعضهم ، فقال : إن أفاد التمييز فائدة زائدة على الفاعل جاز الجمع بينهما ، نحو : «نعم الرّجل فارسا زيد» وإلّا فلا ، نحو : «نعم الرّجل رجلا زيد».

فإن كان الفاعل مضمرا ، جاز الجمع بينه وبين التمييز ، اتفاقا ، نحو : «نعم رجلا زيد».

* * *

__________________

المعنى : سر فينا السيرة الحميدة التى كان أبوك يسيرها ، وعش بيننا العيشة المرضية التى كان يعيشها أبوك ، واتخذ عندنا من الأيادى البارة كما كان يتخذه أبوك ؛ فقد كانت سيرة أبيك عاطرة ، وأنت خليق بأن تقفو أثره.

الإعراب : «تزود» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مثل» مفعول به لنزود ، ومثل مضاف و «زاد» مضاف إليه ، وزاد مضاف وأبى من «أبيك» مضاف إليه ، وأبى مضاف ، والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه «فينا» جار ومجرور متعلق بتزود «فنعم» الفاء للتعليل ، نعم : فعل ماض لإنشاء المدح «الزاد» فاعل نعم ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر مقدم «زاد» مبتدأ مؤخر ، وزاد مضاف ، وأبى من «أبيك» مضاف إليه ، وأبى مضاف ، وضمير المخاطب مضاف إليه «زادا» تمييز.

الشاهد فيه : قوله «فنعم الزاد ... زادا» حيث جمع فى الكلام بين الفاعل الظاهر وهو قوله «الزاد» والتمييز وهو قوله «زادا» كما فى البيت السابق ، وذلك غير جائز عند جمهرة البصريين ، وقوم منهم يعربون «زادا» فى آخر هذا البيت مفعولا به لقوله «تزود» الذى فى أول البيت ، وعلى هذا يكون قوله «مثل» حالا من «زادا» وأصله نعت له ، فلما تقدم عليه صار حالا ، وتقديره البيت على هذا : تزود زادا مثل زاد أبيك فينا ، فنعم الزاد زاد أبيك.

١٦٥

و «ما» مميّز ، وقيل : فاعل ،

فى نحو «نعم ما يقول الفاضل» (١)

تقع «ما» بعد «نعم ، وبئس» فتقول : «نعم ما» أو «نعّما» ، و «بئس ما» ومنه قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) وقوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) واختلف فى «ما» هذه ؛ فقال قوم : هى نكرة منصوبة على التمييز ، وفاعل «نعم» ضمير مستتر ، وقيل : هى الفاعل ، وهى اسم معرفة ، وهذا مذهب ابن خروف ، ونسبه إلى سيبويه.

* * *

ويذكر المخصوص بعد مبتدا

أو خبر اسم ليس يبدو أبدا (٢)

يذكر بعد «نعم ، وبئس» وفاعلهما اسم مرفوع ، هو المخصوص بالمدح

__________________

(١) «وما» مبتدأ «مميز» خبر «وقيل» فعل ماض مبنى للمجهول «فاعل» خبر مبتدأ محذوف ، أى : هو فاعل ، مثلا ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل رفع نائب فاعل قيل ، وهذه الجملة هى مقول القول «فى نحو» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من «ما» أو من الضمير فى خبره «نعم» فعل ماض لإنشاء المدح ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، وما : تمييز ، وقبل : ما فاعل ، وجملة «يقول الفاضل» فى محل نصب نعت لما على الأول ، وفى محل رفع نعت لمخصوص بالمدج محذوف ـ تقديره : نعم الشىء يقوله الفاضل ـ على الثانى.

(٢) «ويذكر» فعل مضارع مبنى للمجهول «المخصوص» نائب فاعل «بعد» ظرف متعلق بيذكر ، مبنى غلى الضم فى محل نصب «مبتدا» حال من المخصوص «أو» عاطفة «خبر» معطوف على مبتدأ ، وخبر مضاف و «اسم» مضاف إليه «ليس» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه ، وجملة «يبدو» وفاعله المستتر فيه فى محل نصب خبر ليس ، وجملة ليس واسمه وخبره فى محل جر نعت لقوله اسم ، «أبدا» منصوب على الظرفية ، وعامله يبدو.

١٦٦

أو الذم ، وعلامته أن يصلح لجعله مبتدأ ، وجعل الفعل والفاعل خبرا عنه ، نحو : «نعم الرّجل زيد ، وبئس الرّجل عمرو ، ونعم غلام القوم زيد ، وبئس غلام القوم عمرو ، ونعم رجلا زيد ، وبئس رجلا عمرو» وفى إعرابه وجهان مشهوران :

أحدهما : أنه مبتدأ ، والجملة قبله خبر عنه.

والثانى : أنه خبر مبتدأ محذوف وجوبا ، والتقدير «هو زيد ، وهو عمرو» أى : الممدوح زيد ، والمذموم عمرو.

ومنع بعضهم الوجه الثانى ، وأوجب الأول.

وقيل : هو مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير : «زيد الممدوح».

* * *

وإن يقدّم مشعر به كفى

ك «العلم نعم المقتنى والمقتفى» (١)

إذا تقدّم ما يدلّ على المخصوص بالمدح أو الذم أغنى عن ذكره آخرا ، كقوله تعالى فى أيوب : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أى : نعم العبد أيوب ؛ فحذف المخصوص بالمدح ـ وهو أيوب ـ لدلالة ما قبله عليه.

* * *

__________________

(١) «وإن» شرطية «يقدم» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط «مشعر» نائب فاعل يقدم «به» جار ومجرور متعلق بمشعر «كفى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، وهو جواب الشرط «كالعلم» الكاف جارة لقول محذوف ، العلم : مبتدأ «نعم» فعل ماض لإنشاء المدح «المقتنى» فاعل لنعم «والمقتفى» معطوف على المقتنى ، وجملة نعم وفاعلها فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب مقول القول المحذوف المجرور بالكاف ، وتقدير الكلام : كقولك العلم نعم المقتنى.

١٦٧

واجعل كبئس «ساء» واجعل فعلا

من ذى ثلاثة كنعم مسجلا (١)

تستعمل «ساء» فى الذم استعمال «بئس» ؛ فلا يكون فاعلها إلا ما يكون فاعلا لبئس ـ وهو المحلىّ بالألف واللام ، نحو «ساء الرّجل زيد» والمضاف إلى ما فيه الألف واللام ، نحو «ساء غلام القوم زيد» ، والمضمر المفسّر بنكرة بعده ، نحو «ساء رجلا زيد» ومنه قوله تعالى : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا) ـ ويذكر بعدها المخصوص بالذم ، كما يذكر بعد «يئس» ، وإعرابه كما تقدم.

وأشار بقوله : «واجعل فعلا» إلى أن كلّ فعل ثلاثى يجوز أن يبنى منه فعل على فعل لقصد المدح أو الذم ، ويعامل معاملة «نعم ، وبئس» فى جميع ما تقدم لهما من الأحكام ؛ فتقول : «شرف الرّجل زيد ، ولؤم الرّجل بكر ، وشرف غلام الرجل زيد ، وشرف رجلا زيد».

ومقتضى هذا الإطلاق أنه يجوز فى علم أن يقال : «علم الرّجل زيد» ، بضم عين الكلمة ، وقد مثّل هو وابنه به. وصرّح غيره أنه لا يجوز تحويل «علم ، وجهل ، وسمع» إلى فعل يضم العين ؛ لأن العرب حين استعملتها هذا الاستعمال أبقتها على كسرة عينها ، ولم تحولها إلى الضم ؛ فلا يجوز لنا تحويلها ،

__________________

(١) «واجعل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «كبئس» جار ومجرور متعلق باجعل ، وهو مفعوله الثانى «ساء» قصد لفظه : مفعول أول لاجعل «واجعل» الواو عاطفة ، اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وهو معطوف على اجعل السابق «فعلا» مفعول أول لاجعل «من ذى» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فعلا ، وذى مضاف و «ثلاثة» مضاف إليه «كنعم» جار ومجرور متعلق باجعل ، وهو مفعوله الثانى «مسجلا» حال من نعم.

١٦٨

بل نبقيها على حالها ، كما أبقوها ؛ فتقول : «علم الرجل زيد ، وجهل الرجل عمرو ، وسمع الرجل بكر».

* * *

ومثل نعم «حبّذا» ، الفاعل «ذا»

وإن ترد ذمّا فقل : «لا حبّذا» (١)

يقال فى المدح : «حبّذا زيد» ، وفى الذم : «لا حبّذا زيد» كقوله :

(٢٧٧) ـ

ألا حبّذا أهل الملا ، غير أنّه

إذا ذكرت مىّ فلا حبّذا هيا

__________________

(١) «ومثل» مبتدأ ، ومثل مضاف و «نعم» قصد لفظه : مضاف إليه «حبذا» قصد لفظه أيضا : خبر المبتدأ «الفاعل ذا» مبتدأ وخبر «وإن» شرطية «ترد» فعل مضارع ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ذما» مفعول به لترد «فقل» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، قل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لا» نافية «حبذا» فعل وفاعل ، والجملة مقول القول فى محل نصب ، وجملة قل ومعمولاته فى محل جزم جواب الشرط.

٢٧٧ ـ البيت لكنزة ـ بكاف مفتوحة فنون ساكنة ـ أم شملة بن برد المنقرى ، من أبيات تهجو فيها مية صاحبة ذى الرمة ، كذا قال أبو تمام ، وقيل : البيت لذى الرمة نفسه ، قاله التبريزى شارح الحماسة ، وروى بعد بيت الشاهد قوله :

على وجه مىّ مسحة من ملاحة

وتحت الثّياب العار ، لو كان باديا

اللغة : «الملا» بالقصر ـ الفضاء الواسع.

الإعراب : «ألا» أداة استفتاح وتنبيه «حبذا» فعل وفاعل ، والجملة فى محل رفع خبر مقدم «أهل» مبتدأ مؤخر ، وأهل مضاف «الملا» مضاف إليه «غير» نصب على الاستثناء «أنه» أن : حرف توكيد ونصب ، وضمير القصة والشأن اسمه «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «ذكرت» ذكر : فعل ماض مبنى للمجهول ،

١٦٩

واختلف فى إعرابها ؛ فذهب أبو على الفارسى فى البغداديات ، وابن برهان ، وابن خروف ـ وزعم أنه مذهب سيبويه ، وأنّ من نقل عنه غيره فقد أخطأ عليه ـ واختاره المصنف ، إلى أن «حبّ» فعل ماض ، و «ذا» فاعله ، وأما المخصوص فجوز أن يكون مبتدأ ، والجملة قبله خبره ، وجوز أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف ، وتقديره «هو زيد» أى : الممدوح أو المذموم زيد ، واختاره المصنف.

وذهب المبرد فى المقتضب ، وابن السراج فى الأصول ، وابن هشام اللّخمى ـ واختاره ابن عصفور ـ إلى أن «حبّذا» اسم ، وهو مبتدأ ، والمخصوص خبره ، أو خبر مقدم ، والمخصوص مبتدأ مؤخر ؛ فركبت «حبّ» مع «ذا» وجعلتا اسما واحدا.

__________________

والتاء للتأنيث «مى» نائب فاعل ذكر ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «فلا» الفاء واقعة فى جواب إذا ، لا : نافية «حبذا» فعل وفاعل ، والجملة فى محل رفع خبر مقدم «هيا» مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ والخبر جواب الشرط ، وجملتا الشرط وجوابه فى محل رفع خبر أن ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بإضافة غير إليه.

الشاهد فيه : قوله «حبذا أهل الملا ، ولا حبذا هيا» حيث استعمل «حبذا» فى صدر البيت فى المدح كاستعمال «نعم» واستعمل «لا حبذا» فى عجز البيت فى الذم كاستعمال «بئس» ، ومثل هذا البيت فى استعمال الكلمتين معا قول الآخر :

ألا حبّذا عاذرى فى الهوى

ولا حبّذا العاذل الجاهل

وقال عمر بن أبى ربيعة المخزومى :

فظلت بمرأى شائق وبمسمع

ألا حبّذا مرأى هناك ومسمع

ومن هنا تعلم أنه لا يشترط فى فاعل «حبذا» ـ إذا اعتبرتها كلها فعلا ماضيا ـ أن يكون مقرونا بأل ، بل لا يشترط فيه أن يكون معرفة.

١٧٠

وذهب قوم ـ منهم ابن درستويه ـ إلى أن «حبذا» فعل ماض ، و «زيد» فاعله ؛ فركبت «حبّ» مع «ذا» وجعلتا فعلا ، وهذا أضعف المذاهب.

* * *

وأول «ذا» المخصوص أيّا كان ، لا

تعدل بذا ؛ فهو يضاهى المثلا (١)

أى : أوقع المخصوص بالمدح أو الذم بعد «ذا» على أى حال كان ، من الإفراد ، والتذكير ، والتأنيث ، والتثنية ، والجمع ، ولا تغير «ذا» لتغيّر المخصوص ، بل يلزم الإفراد والتذكير ، وذلك لأنها أشبهت المثل ، والمئل لا يغير ، فكما تقول «الصّيف ضيّعت اللّبن» للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع بهذا اللفظ فلا تغيره ، تقول : «حبّذا زيد ، [وحبذا هند] والزيدان ، والهندان ، والزيدون ، والهندات» فلا تخرج «ذا» عن الإفراد والتذكير ، ولو خرجت لقيل «حبّذى هند ، وحبّذان الزيدان ، وحبّتان الهندان ، وحب أولئك الزيدون ، أو الهندات».

* * *

__________________

(١) «أول» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ذا» مفعول ثان تقدم على المفعول الأول «المخصوص» مفعول أول لأول «أيا» اسم شرط ، خبر لكان مقدم عليه «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه يعود إلى المخصوص «لا» ناهية «تعدل» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بذا» جار ومجرور متعلق بتعدل «فهو» الفاء للتعليل ، هو : ضمير منفصل مبتدأ ، وجملة «يضاهى» وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو فى محل رفع خبر المبتدأ «المثلا» مفعول به ليضاهى.

١٧١

وما سوى «ذا» ارفع بحبّ ، أو فجرّ

بالبا ، ودون «ذا» انضمام الحا كثر (١)

يعنى أنه إذا وقع بعد «حبّ» غير «ذا» من الأسماء جاز فيه وجهان : الرفع بحبّ ، نحو «حبّ زيد» والجر بباء زائدة ، نحو «حبّ بزيد» وأصل حبّ : حبب ، ثم أدغمت الباء فى الباء فصار حبّ.

ثم إن وقع بعد «حبّ» ذا وجب فتح الحاء ؛ فتقول : «حبّ ذا» وإن وقع بعدها غير «ذا» جاز صم الحاء ، وفتحها ؛ فتقول «حبّ زيد» و «حبّ زيد». وروى بالوجهين قوله :

(٢٧٨) ـ

فقلت : اقتلوها عنكم بمزاجها ،

وحبّ بها مقتولة حين تقتل

__________________

(١) «ما» اسم موصول : مفعول تقدم على عامله ، وهو قوله «ارفع» الآنى «سوى» ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول ، وسوى مضاف ، و «ذا» اسم إشارة مضاف إليه «ارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بحب» جار ومجرور متعلق بارفع «أو» عاطفة «فجر» الفاء زائدة ، جر : فعل أمر معطوف على ارفع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بالبا» قصر للضرورة : جار ومجرور متعلق بقوله جر «ودون» الواو عاطفة ، دون : ظرف متعلق بمحذوف حال ، وصاحب الحال محذوف ، ودون مضاف ، و «ذا» مضاف إليه ، والمراد لفظ ذا «انضمام» مبتدأ ، وانضمام مضاف ، و «الحا» قصر للضرورة : مضاف إليه ، وجملة «كثر» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ ، وتقدير الكلام : وانضمام الحاء من «حب» حال كونه دون «ذا» كثير.

٢٧٨ ـ البيت للأخطل التغلبى ، من كلمة يمدح فيها خالد بن عبد الله بن أسيد ، أحد أجواد العرب.

اللغة : «اقتلوها» الضمير يعود إلى الخمر ، وقتلها : مزجها بالماء ؛ لأنه يدفع سورتها ويذهب بحدتها «وحب بها» يروى فى مكانه «وأطيب بها».

١٧٢

 ........................................................................

__________________

الإعراب : «فقلت» فعل وفاعل «اقتلوها» فعل أمر وفاعله ومفعوله ، والجملة فى محل نصب مقول القول «عنكم ، بمزاجها» متعلقان باقتلوا «وحب» الواو حرف عطف ، حب : فعل ماض دال على إنشاء المدح «بها» الباء حرف جر زائد ، وها : فاعل حب ، مبنى على السكون فى محل رفع «مقتولة» تمييز ، أو حال «حين» ظرف متعلق بحب «تقتل» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الخمر ، والجملة فى محل جر بإضافة «حين» إليها.

الشاهد فيه : قوله «وحب بها» فإنه يروى بفتح الحاء من «حب» وضمها ، والفاعل غير «ذا» ، وكلا الوجهين ـ فى هذه الحالة ـ جائز ، فإن كان الفاعل «ذا» تعين فتح الحاء ، وقد ذكر الشارح العلامة ـ تبعا للمصنف ـ ذلك مفصلا.

واعلم أولا أن فاعل «حب» هذه يجوز أن يكون مجرورا بالباء كما فى هذا الشاهد وكما فى قول الطرماح بن حكيم :

حبّ بالزّور الّذى لا يرى

منه إلّا صفحة أو لمام

واعلم ثانيا أن هذه الباء زائدة ؛ لأن الفاعل لا يكون إلا مرفوعا كما تعلم ، ولأنه قد ورد من غير الباء فى نحو قول ساعدة بن جؤية :

هجرت غضوب وحبّ من يتجنّب

وعدت عواد دون وليك تشعب

فقد دل بيت ساعدة على أن زيادة الباء فى فاعل «حب» غير واجب ، حيث جاء فيه فاعل حب ـ وهو قوله : «من يتجنب» ـ غير مقترن بالباء.

* * *

١٧٣

أفعل التّفضيل (١)

صغ من مصوغ منه للتّعجّب

«أفعل» للتّفضيل ، وأب اللّذ أبى (٢)

يصاغ من الأفعال التى يجوز التعجب منها ـ للدلالة على التفضيل ـ وصف على وزن «أفعل (٣)» فتقول : «زيد أفضل من عمرو ، وأكرم من خالد» كما تقول «ما أفضل زيدا ، وما أكرم خالدا» وما امتنع بناء فعل التّعجّب منه امتنع بناء أفعل التفضيل منه ؛ فلا يبنى من فعل زائد على ثلاثة أحرف ، كدحرج واستخرج ، ولا من فعل غير متصرف ، كنعم وبئس ، ولا من فعل

__________________

(١) هذه الترجمة صارت فى اصطلاح النحاة اسما لكل ما دل على زيادة ، سواء كانت الزيادة فى فضل كأفضل وأجمل ، أم كانت زيادة فى نقص كأقبح وأسوأ ، والمراد أن أصل الاسم على هذه الزنة ؛ فلا ينافى أن يعرض لها التغيير كما فى خير وشر.

(٢) «صغ» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «من مصوغ» جار ومجرور متعلق بصغ ، وفى الكلام موصوف مقدر ، أى : من فعل مصوغ «منه» جار ومجرور متعلق بمصوغ على أنه نائب فاعل له ، إذ هو اسم مفعول «للتعجب» جار ومجرور متعلق بمصوغ «أفعل» مفعول به لصغ «للتفضيل» جار ومجرور متعلق بصغ «وأب» فعل أمر ، مبنى على حذف الألف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «اللذ» اسم موصول ـ لغة فى الذى ـ مفعول به لقوله : «ائب» والجملة من «أبى» ونائب الفاعل المستتر فيه لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٣) هذا الوصف اسم لقبوله علامات الأسماء ؛ وهو غير منصرف لكونه ملازما للوصفية ووزن الفعل ، ويعرف بأنه «الوصف الموازن للفعل تحقيقا كأفضل أو تقديرا كخير وشر فى نحو قوله تعالى : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) وقوله سبحانه (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) بدليل مجيئه على الأصل فى قول الراجز :

* بلال خير الناس وابن الأخير*

الدال على زيادة صاحبه فى أصل الفعل».

١٧٤

لا يقبل المفاضلة ، كمات وفنى ، ولا من فعل ناقص ، ككان وأخواتها ، ولا من فعل منفى ، نحو «ما عاج بالدّواء ، وما ضرب» ولا من فعل يأتى الوصف منه على أفعل ، نحو «حمر ، وعور» ولا من فعل مبنى للمفعول ، نحو «ضرب ، وجنّ» وشذّ منه قولهم : «هو أخصر من كذا» فبنوا أفعل التفضيل من «اختصر» وهو زائد على ثلاثة أحرف ، ومبنى للمفعول ، وقالوا : «أسود من حلك الغراب ، وأبيض من اللّبن» فبنوا أفعل التفضيل ـ شذوذا ـ من فعل الوصف منه على أفعل.

* * *

وما به إلى تعجّب وصل

لمانع ، به إلى التّفضيل صل (١)

تقدّم ـ فى باب التعجب ـ أنه يتوصّل إلى التعجب من الأفعال التى لم تستكمل الشروط بـ «أشدّ» ونحوها ، وأشار هنا إلى أنه يتوصّل إلى التفضيل من الأفعال التى لم تستكمل الشروط بما يتوصل به فى التعجب ؛ فكما تقول : «ما أشدّ استخراجه» تقول : «هو أشدّ استخراجا من زيد» وكما تقول : «ما أشدّ حمرته» تقول : «هو أشدّ حمرة من زيد» لكن المصدر ينتصب فى باب التعجب بعد «أشدّ» مفعولا ، وههنا ينتصب تمييزا.

* * *

__________________

(١) «وما» اسم موصول : مبتدأ «به» جار ومجرور متعلق بقوله : «وصل» الآتى على أنه نائب فاعل له تقدم عليه ، وإنما ساغ ذلك لأن الجار والمجرور يتوسع فيهما «إلى تعجب» جار ومجرور متعلق بوصل ، وجملة «وصل» ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول «لمانع» جار ومجرور متعلق بوصل أيضا «به إلى التفضيل» يتعلقان بقوله : «صل» الآتى «صل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

١٧٥

وأفعل التّفضيل صله أبدا

: تقديرا ، او لفظا ، بمن إن جرّدا (١)

لا يخلو أفعل التفضيل عن أحد ثلاثة أحوال ؛ الأوّل : أن يكون مجردا ، الثانى : أن يكون مضافا ، الثالث : أن يكون بالألف واللام.

فإن كان مجردا فلا بد أن يتصل به «من» : لفظا ، أو تقديرا (٢) ، جارّة للمفضّل ، نحو «زيد أفضل من عمرو ، ومررت برجل أفضل من عمرو» وقد تحذف «من» ومجرورها للدلالة عليهما ، كقوله تعالى : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) أى : وأعزّ منك [نفرا].

وفهم من كلامه أن أفعل التفضيل إذا كان بـ «أل» أو مضافا لا تصحبه «من (٣)» ؛ فلا تقول : «زيد الأفضل من عمرو» ، ولا «زيد أفضل الناس من عمرو».

__________________

(١) «وأفعل» مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وأفعل مضاف و «التفضيل» مضاف إليه «صله» صل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «أبدا» منصوب على الظرفية «تقديرا» حال «أو لفظا» معطوف عليه «بمن» جار ومجرور متعلق بصل «إن» شرطية «جردا» فعل ماض مبنى للمجهول ، فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والألف للاطلاق ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام.

(٢) يجوز أن يفصل بين أفعل التفضيل ومن الجارة للمفضول بأحد شيئين ، الأول : معمول أفعل التفضيل ، نحو قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) والثانى : لو الشرطية ومدخولها ، نحو قول الشاعر :

ولفوك أطيب ، لو بذلت لنا ،

من ماء موهبة على خمر

(٣) ربما جاء بعد أفعل التفضيل المقترن بأل أو المضاف من كما فى قول الأعشى ، وسيأتى قريبا ، ونشرحه لك ، وهو الشاهد رقم ٢٨٠.

ولست بالاكثر منهم حصى

وإنّما العزّة للكاثر ـ

١٧٦

وأكثر ما يكون ذلك (١) إذا كان أفعل التفضيل خبرا ، كالآية الكريمة ونحوها ، وهو كثير فى القرآن ، وقد تحذف منه وهو غير خبر ، كقوله :

(٢٧٩) ـ

دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا

فظلّ فؤادى فى هواك مضلّلا

فـ «أجمل» أفعل تفضيل ، وهو منصوب على الحال من التاء فى «دنوت» وحذفت منه «من» ، والتقدير : دنوت أجمل من البدر ، وقد خلناك كالبدر.

__________________

وكما فى قول سعد القرقرة :

نحن بغرس الودىّ أعلمنا

منّا بركض الجياد فى السّدف

كما جاء المجرد من أل والإضافة غير مقرون بمن فى قول امرىء القيس بن حجر الكندى :

عليها فتى لم تحمل الأرض مثله

أبرّ بميثاق ، وأوفى ، وأصبرا

(١) يريد «وأكثر ما يكون حذف من مع أفعل التفضيل المجرد من أل والإضافة إذا كان أفعل خبرا ـ إلخ».

٢٧٩ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها.

اللغة : «دنوت» قربت «خلناك» ظننا شأنك كذا «كالبدر» مشابهة له «أجملا» أى أكثر جمالا من البدر ، وهو من معمولات دنوت : أى دنوت حال كونك أجمل من البدر وقد خلناك مثل البدر.

الإعراب : «دنوت» فعل وفاعل «وقد» الواو واو الحال ، قد : حرف تحقيق «خلناك» فعل ماض ، وفاعله ، ومفعوله الأول «كالبدر» جار ومجرور متعلق بخلناك وهو مفعول ثان لخال ، والجملة من الفعل ومفعوليه فى محل نصب حال من التاء فى دنوت «أجملا» حال ثانية من التاء «فظل» فعل ماض ناقص «فؤادى» فؤاد : اسم ظل ، وفؤاد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «فى هواك» الجار والمجرور متعلق بقوله : «مضللا» الآتى ، وهوى مضاف ، والكاف ضمير المؤنثة المخاطبة مضاف إليه «مضللا» خبر ظل.

١٧٧

ويلزم أفعل التفضيل المجرد الإفراد والتذكير ، وكذلك المضاف إلى نكرة ، وإلى هذا أشار بقوله :

وإن لمنكور يضف ، أو جرّدا

ألزم تذكيرا ، وأن يوحّدا (١)

فتقول : «زيد أفضل من عمرو ، وأفضل رجل ، وهند أفضل من عمرو ، وأفضل امرأة ، والزيدان أفضل من عمرو ، وأفضل رجلين ، والهندان أفضل من عمرو ، وأفضل امرأتين ، والزّيدون أفضل من عمرو ، وأفضل رجال ، والهندات أفضل من عمرو ، وأفضل نساء» فيكون «أفعل» فى هاتين الحالتين مذكرا ومفردا ، ولا يؤنث ، ولا يثنّى ، ولا يجمع.

* * *

وتلو «أل» طبق ، وما لمعرفه

أضيف ذو وجهين عن ذى معرفه (٢)

__________________

الشاهد فيه : قوله «أجملا» حيث حذف «من» الجارة للمفضول عليه مع مجرورها ، وأصل الكلام : أجمل منه ، ونظيره بيت امرىء القيس الذى أنشدناه قريبا ص ١٧٧.

(١) «وإن» شرطية «لمنكور» جار ومجرور متعلق بقوله : «يضف» الآنى «يضف» فعل مضارع مبنى للمجهول ، فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى أفعل التفضيل «أو» عاطفة «جردا» معطوف على يضف «ألزم» فعل ماض مبنى للمجهول فى محل جزم جواب الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، وهو المفعول الأول «تذكيرا» مفعول ثان لألزم «وأن» مصدرية «يوحدا» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بأن ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والمصدر المنسبك من «أن» المصدرية ومعمولها فى تأويل مصدر منصوب معطوف على قوله : تذكيرا.

(٢) «وتلو» مبتدأ ، وتلو مضاف و «أل» قصد لفظه : مضاف إليه «طبق» خبر المبتدأ «وما» الواو عاطفة ، ما اسم موصول : مبتدأ «لمعرفة» جار ومجرور

١٧٨

هذا إذا نويت معنى «من» وإن

لم تنو فهو طبق ما به قرن (١)

إذا كان أفعل التفضيل بـ «أل» لزمت مطابقته لما قبله : فى الإفراد ، والتذكير ، وغيرهما ؛ فتقول : زيد الأفضل ، والزيدان الأفضلان ، والزيدون الأفضلون ، وهند الفضلى ، والهندان الفضليان ، والهندات الفضّل ، أو الفضليات» ، ولا يجوز عدم مطابقته لما قبله ؛ فلا تقول : «الزيدون الأفضل» ولا «الزيدان الأفضل» ولا «هند الأفضل» ولا «الهندان الأفضل» ولا «الهندات الأفضل» ، ولا يجوز أن تقترن به «من» ؛ فلا تقول : «زيد الأفضل من عمرو» فأما قوله :

__________________

متعلق بقوله : «أضيف» الآتى «أضيف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «ذو» خبر المبتدأ الذى هو ما الموصولة ، وذو مضاف و «وجهين» مضاف إليه «عن ذى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لوجهين ، وذى مضاف و «معرفة» مضاف إليه ، والتقدير : ذو وجهين منقولين عن ذى معرفة.

(١) «هذا» اسم إشارة مبتدأ ، وخبره محذوف ، وتقديره هذا ثابت ، ونحوه «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «نويت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «معنى» مفعول به لنويت ، ومعنى مضاف و «من» قصد لفظه : مضاف إليه ، وجواب «إذا» محذوف يدل عليه سابق الكلام «وإن» شرطية «لم» نافية جازمة «تنو» فعل مضارع مجزوم بلم ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ومفعوله محذوف يدل عليه ما قبله ، أى : وإن لم تنو معنى من «فهو» الفاء لربط الشرط بالجواب ، هو : ضمير منفصل مبتدأ «طبق» خبر المبتدأ ، وطبق مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «به» جار ومجرور متعلق بقوله «قرن» الآتى «قرن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة ، والمراد بمعنى من ـ الذى قد تنويه وقد لا تنويه ـ هو التفضيل.

١٧٩

(٢٨٠) ـ

ولست بالأكثر منهم حصى

وإنّما العزّة للكاثر

فيخرّج على زيادة الألف واللام ، والأصل : ولست بأكثر منهم ، أو جعل «منهم» متعلقا بمحذوف مجرد عن الألف واللام ، لا بما دخلت عليه الألف واللّام ، والتقدير «ولست بالأكثر أكثر منهم».

__________________

٢٨٠ ـ البيت للأعشى ميمون بن قيس ، من كلمة له يهجو فيها علقمة بن علاثة ويمدح عامر بن الطفيل ، وذلك فى المنافرة التى وقعت بينهما ، وأمرها مشهور بين المتأدبين ،

اللغة : «الأكثر حصى» كناية عن كثرة عدد الأعوان والأنصار «العزة» القوة والغلبة «الكاثر» الغالب فى الكثرة ، مأخوذة من قولهم : كثرتهم أكثرهم ـ من باب نصر ـ أى : غلبتهم كثرة.

الإعراب : «لست» ليس : فعل ماض ناقص ، وتاء المخاطب اسمه «بالأكثر» الباء حرف جر زائد ، الأكثر : خبر ليس «منهم» جار ومجرور متعلق ـ فى الظاهر ـ بالأكثر ، وستعرف ما فيه «حصى» تمييز «إنما» أداة حصر «العزة» مبتدأ «للكاثر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.

الشاهد فيه : قوله «بالأكثر منهم» فإن ظاهره أنه جمع بين أل الداخلة على اسم التفضيل و «من» الجارة للمفضول عليه ، وقد أجاز الجمع بينهما أبو عمرو الجرمى مستدلا بهذا البيت ونحوه ، ومنعه الجمهور ، ولهم فى تخريج البيت على مذهبهم توجيهات أشار الشارح العلامة إلى اثنين منها ، وهما الثانى والثالث فى كلامنا الذى نذكره

الأول : لا نسلم أن «من» فى قوله : «منهم» هى الجارة للمفضول ، ولكنها تبعيضية ؛ فهى متعلقة بمحذوف ، والتقدير : لست بالأكثر حصى حال كونك منهم : أى بعضهم.

الثانى : أن أل فى قوله : «بالأكثر» زائدة ، والممنوع هو اقتران من بمدخول أل المعرفة.

الثالث : أن «من» ليست متعلقة بالأكثر المذكور فى الكلام ، ولكنها متعلقة بأكثر منكرا محذوفا يدل عليه هذا.

١٨٠