شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

وصوغها من لازم لحاضر

كطاهر القلب جميل الظّاهر (١)

يعنى أن الصفة المشبهة لا تصاغ من فعل متعدّ ؛ فلا [تقول : «زيد قاتل الأب بكرا» تريد قاتل أبوه بكرا ، بل لا] تصاغ إلا من فعل لازم ، نحو : «طاهر القلب ، وجميل الظّاهر» ولا تكون إلا للحال ، وهو المراد بقوله : «لحاضر» ؛ فلا تقول : «زيد حسن الوجه ـ غدا ، أو أمس».

ونبّه بقوله : «كطاهر القلب جميل الظّاهر» على أن الصفة المشبهة إذا كانت من فعل ثلاثى تكون على نوعين ؛ أحدهما : ما وازن المضارع ، نحو : «طاهر القلب» وهذا قليل فيها ، والثانى : ما لم يوزانه ، وهو الكثير ، نحو «جميل الظاهر ، وحسن الوجه ، وكريم الأب» وإن كانت من غير ثلاثى وجب موازنتها المضارع ، نحو «منطلق اللّسان».

* * *

وعمل اسم فاعل المعدّى

لها ، على الحدّ الّذى قد حدّا (٢)

__________________

(١) «صوغها» صوغ : يجوز أن يكون معطوفا على «جر» الواقع نائب فاعل فى البيت السابق ، أى : واستحسن صوغها ـ إلخ ، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف : أى وصوغها واجب من لازم ـ إلخ ، كذا قالوا مقتصرين على هذين الوجهين ، ويجوز عندى أن يكون قوله «صوغها» مبتدأ ، وقوله «من لازم» متعلقا بمحذوف خبر ، وصوغ مضاف وضمير الغائبة العائد إلى الصفة المشبهة مضاف إليه «من لازم لحاضر» جاران ومجروران متعلقان بصوغ من «صوغها» السابق على الوجهين الأولين «كطاهر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، وطاهر مضاف و «القلب» مضاف إليه «جميل» معطوف على طاهر بعاطف مقدر ، وجميل مضاف و «الظاهر» مضاف إليه.

(٢) «وعمل» مبتدأ ، وعمل مضاف ، و «اسم» مضاف إليه ، و «اسم» مضاف و «فاعل» مضاف إليه ، وفاعل مضاف و «المعدى» مضاف إليه على تقدير

١٤١

أى : يثبت لهذه الصفة عمل اسم الفاعل المتعدّى ، وهو : الرفع ، والنصب (١) نحو «زيد حسن الوجه» ففى «حسن» ضمير مرفوع هو الفاعل ، و «الوجه» منصوب على التشبيه بالمفعول به ؛ لأن «حسنا» شبيه بضارب فعمل عمله ، وأشار بقوله : «على الحدّ الذى قد حدّا» إلى أن الصفة المشبهة تعمل على الحد الذى سبق فى اسم الفاعل ، وهو أنه لا بد من اعتمادها ، كما أنه لا بد من اعتماده.

* * *

وسبق ما تعمل فيه مجتنب

وكونه ذا سببيّة وجب (٢)

__________________

موصوف محذوف ، تقديره الفعل المعدى «لها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «على الحد» متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن فى الجار والمجرور الواقع خبرا «الذى» نعت للحد ، والجملة من «قد حدا» ونائب الفاعل المستتر فيه لا محل لها صلة الذى.

(١) اعلم أولا أن الصفة المشبهة لا تعمل النصب كما يعمله اسم الفاعل ، لأن اسم الفاعل ينصب المفعول به حقيقة : أى الواقع عليه حدثه ، نحو هذا ضارب عمرا ، فأما الصفة المشبهة فهى مأخوذة من فعل قاصر البتة ، فليس لحدثها من يقع عليه ، ولكن النحاة جعلوا السببى المنصوب بعدها إما تمييزا ، وإما مشبها بالمفعول : فى كونه منصوبا واقعا بعد الدال على الحدث ومرفوعه.

ثم اعلم ثانيا أن الصفة المشبهة تنصب الحال ، والتمييز ، والمستثنى ، وظرف الزمان ، وظرف المكان ، والمفعول معه ، وفى نصبها للمفعول المطلق مقال.

(٢) «وسبق» مبتدأ ، وسبق مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه ، والجملة من «تعمل» وفاعله المستتر فيه لا محل لها صلة «فيه» متعلق بتعمل «مجتنب» خبر المبتدأ «وكونه» كون : مبتدأ والهاء مضاف إليه ، من إضافة المصدر الناقص إلى اسمه «ذا» خبر الكون الناقص ، وذا مضاف و «سببية» مضاف إليه «وجب» فعل ماض والفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ

١٤٢

لما كانت الصفة المشبهة فرعا فى العمل عن اسم الفاعل قصرت عنه ؛ فلم يجز تقديم معمولها عليها ، كما جاز فى اسم الفاعل ؛ فلا تقول : «زيد الوجه حسن» كما تقول : «زيد عمرا ضارب» ولم تعمل إلا فى سببى ، نحو «زيد حسن وجهه» ولا تعمل فى أجنبى ؛ فلا تقول «زيد حسن عمرا» واسم الفاعل يعمل فى السببى ، والأجنبى ، نحو «زيد ضارب غلامه ، وضارب عمرا».

* * *

فارفع بها ، وانصب ، وجرّ ـ مع أل

ودون أل ـ مصحوب أل ، وما اتّصل (١)

بها : مضافا ، او مجرّدا ، ولا

تجرر بها ـ مع أل ـ سما من أل خلا (٢)

__________________

(١) «فارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بها» متعلق بارفع «وانصب ، وجر» معطوفان على ارفع ، وقد حذف متعلقيهما لدلالة متعلق الأول عليهما «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال من «ها» المجرورة محلا بالباء ، ومع مضاف و «أل» مضاف إليه «ودون أل» دون : ظرف معطوف على قوله «مع أل» السابق «مصحوب أل» مفعول تنازعه كل من الأفعال الثلاثة السابقة ـ وهى : ارفع ، وانصب ، وجر ـ «وما» موصول معطوف على «مصحوب أل» السابق «اتصل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة.

(٢) «بها» متعلق باتصل فى البيت السابق «مضافا» حال من الضمير المستتر فى «اتصل» «أو مجردا» معطوف على «مضافا» السابق «ولا» الواو عاطفة ، ولا : ناهية «تجرر» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بها» جار ومجرور متعلق بتجرر «مع أل» ظرف متعلق بمحذوف حال من «ها» المجرور محلا بالباء «سما» مفعول به لتجرر «من أل» متعلق بخلا الآتى «خلا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل نصب صفة لقوله «سما» السابق.

١٤٣

ومن إضافة لتاليها ، وما

لم يخل فهو بالجواز وسما (١)

الصفة المشبهة إما أن تكون بالألف واللام ، نحو «الحسن» أو مجردة عنهما ، نحو «حسن» وعلى كل من التقديرين لا يخلو المعمول من أحوال ستّة :

الأول : أن يكون المعمول بأل ، نحو «الحسن الوجه ، وحسن الوجه».

الثانى : أن يكون مضافا لما فيه أل ، نحو «الحسن وجه الأب ، وحسن وجه الأب».

الثالث : أن يكون مضافا إلى ضمير الموصوف ، نحو «مررت بالرّجل الحسن وجهه ، وبرجل حسن وجهه».

الرابع : أن يكون مضافا إلى مضاف إلى ضمير الموصوف. نحو «مررت بالرّجل الحسن وجه غلامه ، وبرجل حسن وجه غلامه».

الخامس : أن يكون مجردا من أل دون الإضافة ، نحو «الحسن وجه أب ، وحسن وجه أب».

__________________

(١) «ومن إضافة» معطوف على قوله «من أل» فى البيت السابق «لتاليها» الجار والمجرور متعلق بإضافة ، وتالى مضاف وها مضاف إليه «وما» اسم شرط : مبتدأ «لم» نافيه جازمة «يخل» فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» «فهو» الفاء لربط الشرط بالجواب ، هو : ضمير منفصل مبتدأ «بالجواز» متعلق بقوله «وسما» وسم : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل جزم جواب الشرط ، وجملتا الشرط والجواب فى محل رفع خبر عن اسم الشرط الواقع مبتدأ.

١٤٤

السادس : أن يكون المعمول مجردا من أل والإضافة ، نحو «الحسن وجها ، وحسن وجها».

فهذه اثنتا عشرة مسألة ، والمعمول فى كل واحدة من هذه المسائل المذكورة : إما أن يرفع ، أو ينصب ، أو يجر.

فيتحصّل حينئذ ستّ وثلاثون صورة.

وإلى هذا أشار بقوله «فارفع بها» أى : بالصفة المشبهة ، «وانصب ، وجر ، مع أل» أى : إذا كانت الصفة بأل ، نحو «الحسن» «ودون أل» أى إذا كانت الصفة بغير أل ، نحو «حسن» «مصحوب أل» المعمول المصاحب لأل ، نحو «الوجه» «وما اتصل بها : مضافا ، أو مجردا» أى : والمعمول المتصل بها ـ أى : بالصفة ـ إذا كان المعمول مضافا ، أو مجردا من الألف واللام والإضافة ، ويدخل تحت قوله : «مضافا» المعمول المضاف إلى ما فيه أل ، نحو «وجه الأب» والمضاف إلى ضمير الموصوف ، نحو «وجهه» والمضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف ، نحو «وجه غلامه» والمضاف إلى المجرد من أل دون الإضافة ، نحو «وجه أب».

وأشار بقوله : «ولا تجرر بها مع أل ـ إلى آخره» إلى أن هذه المسائل ليست كلها على الجواز ، بل يمتنع منها ـ إذا كانت الصفة بأل ـ أربع مسائل :

الأولى : جر المعمول المضاف إلى ضمير الموصوف ، نحو «الحسن وجهه».

الثانية : جر المعمول المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف ، نحو «الحسن وجه غلامه».

١٤٥

الثالثة : جر المعمول المضاف إلى المجرد من أل دون الإضافة ، نحو «الحسن وجه أب».

الرابعة : جر المعمول المجرد من أل والإضافة ، نحو «الحسن وجه».

فمعنى كلامه «ولا تجرر بها» أى بالصفة المشبهة ، إذا كانت الصفة مع أل ، اسما خلا من أل أو خلا من الإضافة لما فيه أل ، وذلك كالمسائل الأربع.

وما لم يخل من ذلك يجوز جرّه كما يجوز رفعه ونصبه ؛ كالحسن الوجه ، والحسن وجه الأب ، وكما يجوز جرّ المعمول ونصبه ورفعه إذا كانت الصفة بغير أل على كل حال.

* * *

١٤٦

التّعجّب

بأفعل انطق بعد «ما» تعجّبا

أو جىء ي «أفعل» قبل مجرور ببا (١)

وتلو أفعل انصبنّه : كـ «ما

أوفى خليلينا ، وأصدق بهما (٢)

للتعجب صيغتان (٣) : إحداهما «ما أفعله» والثانية «أفعل به» وإليهما

__________________

(١) «بأفعل» جار ومجرور متعلق بقوله «انطق» الآتى «انطق» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا «بعد» ظرف متعلق بانطق أيضا ، وبعد مضاف و «ما» مضاف إليه «تعجبا» مفعول لأجله ، أو حال من الضمير المستتر فى «انطق» على التأويل بالمشتق : أى انطق متعجبا «أو» عاطفة «جىء» فعل أمر معطوف على انطق «بأفعل» جار ومجرور متعلق بجىء «قبل» ظرف متعلق بجىء أيضا ، وقبل مضاف و «مجرور» مضاف إليه «بيا» جار ومجرور متعلق بمجرور ، وقصر المجرور للضرورة.

(٢) «وتلو» مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده ، أى : انصب تلو ـ إلخ ، وتلو مضاف و «أفعل» قصد لفظه : مضاف إليه «انصبنه» انصب : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون للتوكيد ، والهاء مفعول به «كما» الكاف جارة لقول محذوف ، كما سبق غير مرة ، ما : تعجبية مبتدأ «أوفى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود إلى «ما» «خليلينا» خليلى : مفعول به لأوفى ، منصوب بالياء المفتوح ما قبلها تحقيقا المكسور ما بعدها تقديرا لأنه مثنى ، وهو مضاف ونامضاف إليه ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ «وأصدق» فعل ماض جاء على صورة الأمر «بهما» الباء زائدة ، والضمير فاعل أصدق.

(٣) هاتان الصيغتان هما اللتان عقد النحاة باب التعجب لبيانهما ، فأما العبارات الدالة ـ بحسب اللغة ـ على إنشاء التعجب فكثيرة : منها قياسى ، ومنها سماعى ، فالقياسى : أن تحول الفعل الذى تريد التعجب من مدلوله إلى صيغة فعل ـ بضم العين ـ وسيأتى ذكر هذا فى باب نعم وبئس ، وأما السماعى فنحو قولهم : لله دره فارسا! وقولهم : سبحان الله.

١٤٧

أشار المصنف بالبيت الأول ، أى : انطق بأفعل بعد «ما» للتعجب ، نحو : «ما أحسن زيدا ، وما أوفى خليلينا» أوجىء بأفعل قبل مجرور ببا ، نحو : «أحسن بالزّيدين ، وأصدق بهما».

فما : مبتدأ ، وهى نكرة تامة عند سيبويه ، و «أحسن» فعل ماض ، فاعله ضمير مستتر عائد على «ما» و «زيدا» مفعول أحسن ، والجملة خبر عن «ما» ، والتقدير «شىء أحسن زيدا» أى جعله حسنا ، وكذلك «ما أوفى خليلينا».

وأما أفعل ففعل أمر (١) ومعناه التعجب ، لا الأمر ، وفاعله المجرور بالباء ، والباء زائدة.

واستدل على فعلية أفعل بلزوم نون الوفاية له إذا اتصلت به ياء المتكلم ، نحو : «ما أفقرنى إلى عفو الله» وعلى فعلية «أفعل» بدخول نون التوكيد عليه فى قوله :

(٢٦٨) ـ

ومستبدل من بعد غضبى صريمة

فأحر به من طول فقر وأحريا

__________________

(١) المشهور عند النحاة البصريين أنها فعل ماض جاء على صورة الأمر ، والمجرور بالباء الزائدة وجوبا هو فاعله ، وأصل الكلام «أحسن زيد» أى صار ذا حسن ، ثم أرادوا أن يدلوا به على إنشاء التعجب ، فحولوا الفعل إلى صورة الأمر ليكون بصورة الإنشاء ، ثم أرادوا أن يسندوه إلى زيد فاستقبحوا إسناد صورة الأمر إلى الاسم الظاهر ، فزادوا الباء ليكون على صورة الفضلة نحو : امرر بزيد ، ثم التزموا ذلك.

٢٦٨ ـ هذا البيت مما استشهد به ثعلب ، ولم يعزه لقائل معين ، وأنشده فى اللسان (غ ض ب) عن ابن الأعرابى ، ولم يعزه إلى قائل معين ، وروى صدره

١٤٨

 ..........................................................................

__________________

«ومستخلف من بعد غضبى» وقد أنشده ابن السكيت فى كتاب الألفاظ (ص ٣٧) كما أنشده صاحب اللسان.

اللغة : «غضبى» ـ بفتح الغين وسكون الضاد المعجمتين وفتح الباء الموحدة ـ اسم للمائة من الإبل ، وهى معرفة لا تنون ولا تدخل عليها أل ، ذكر ذلك الجوهرى والصاغانى وابن سيده والزجاجى ، وقال المجد : إنه تصحيف ، وإن صوابه «غضيا» بالمثناة التحية مقصورا ـ وكأنه سمى بذلك على التشبيه بمنبت الغضى لكثرته «صريمة» تصغير صرمة ـ بكسر أوله ـ وهى القطعة من الإبل ما بين العشرين والثلاثين ، ويقال غير ذلك ، ويجوز أن تقرأ صريمة بفتح الصاد ، والصريمة : القطعة من النخل والإبل أيضا ، ومن الأول قول عمر رضى الله عنه «أدخل رب الصريمة والغنيمة» يريد صاحب الإبل القليلة والغنم القليلة.

الإعراب ، «ومستبدل» الواو واو رب ، مستبدل : مبتدأ مرفوع تقديرا ، وفيه ضمير مستتر فاعله «من بعد» جار ومجرور متعلق بمستبدل ، وبعد مضاف ، و «غضبى» مضاف إليه «صريمة» مفعول به لمستبدل «فأحر» أحر : فعل ماض جاء على صورة الأمر «به» الباء زائدة ، والضمير فاعل أحر «من طول» جار ومجرور متعلق بأحر ، و «من» فيه بمعنى الباء ، ويروى «لطول فقر» وطول مضاف و «فقر» مضاف إليه «وأحريا» الواو عاطفة ، وأحريا : فعل ماض جاء على صورة الأمر ، والألف منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة فى الوقف.

الشاهد فيه : قوله «وأحريا» حيث أكد صيغة التعجب بالنون الخفيفة ، وقد علمت أن نون التوكيد يختص دخولها بالأفعال ، فيكون ذلك دليلا على فعلية صيغة التعجب ، خلافا لمن ادعى اسميتها.

فإن قلت : ألسنم تدعون أن هذه الصيغة فعل ماض؟ فإذا كان هذا صحيحا فما بال نون التوكيد ـ كما تدعون ـ قد اتصلت به ، ونون التوكيد ـ فيما نعلم ـ إنما تتصل بالأمر والمضارع؟

قلنا : الجواب على ذلك من وجهين ، أحدهما : أن اتصال نون التوكيد بالفعل الماضى ـ وإن يكن نادرا ـ ليس كاتصالها بالاسم ، فإن اشتراك الماضى مع المضارع

١٤٩

أراد «وأحرين» بنون التوكيد الخفيفة ، فأبدلها ألفا فى الوقف.

وأشار بقوله : «وتلو أفعل» إلى أن تالى «أفعل» ينصب لكونه مفعولا ، نحو «ما أوفى خليلينا».

ثم مثّل بقوله : «وأصدق بهما» للصيغة الثانية.

وما قدمناه من أن «يا» نكرة تامة هو الصحيح ، والجملة التى بعدها خبر عنها ، والتقدير : «شىء أحسن زيدا» أى جعله حسنا ، وذهب الأخفش إلى أنها موصولة والجملة التى بعدها صلتها ، والخبر محذوف ، والتقدير : «الّذى أحسن زيدا شىء عظيم» وذهب بعضهم إلى أنها استفهامية ، والجملة التى بعدها خبر عنها ، والتقدير : «أىّ شىء أحسن زيدا؟» وذهب بعضهم إلى أنها نكرة موصوفة ، والجملة التى بعدها صفة لها ، والخبر محذوف ، والتقدير : «شىء أحسن زيدا عظيم».

* * *

وحذف ما منه تعجّبت استبح

إن كان عند الحذف معناه يضح (١)

__________________

والأمر فى الفعلية يجعل بينه وبينهما قربا واتصالا ، فسهل ـ من أجل هذا ـ دخول النون عليه ، والثانى : أنه إنما ألحقت النون هذه الصيغة مراعاة لصورتها ، فإنها فى صورة فعل الأمر وإن يكن معناها معنى الماضى ، وهذا على المشهور عند الجمهور ، وقد ذكر الشارح أنها فعل أمر ، فلا يرد هذا الاعتراض عليه.

(١) «حذف» مفعول به مقدم على عامله ، وهو قوله استبح الآتى ، وحذف مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «منه» جار ومجرور متعلق بتعجب «تعجبت» فعل وفاعله ، والجملة لا محل لها صلة «اسنبح» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إن» شرطية «كان» فعل ماض ناقص ، فعل الشرط «عند» ظرف متعلق بقوله «يضح» الآتى ، وعند مضاف و «الحذف» مضاف

١٥٠

يجوز حذف المتعجّب منه ، وهو المنصوب بعد أفعل والمجرور بالباء بعد أفعل ، إذا دلّ عليه دليل ؛ فمثال الأول قوله :

(٢٦٩) ـ

أرى أمّ عمرو دمعها قد تحدّرا

بكاء على عمرو ، وما كان أصبرا

__________________

إليه «معناه» معنى : اسم كان ، وهو مضاف والهاء مضاف إليه ، والجملة من «يضح» وفاعله المستتر فيه فى محل نصب خبر كان ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام.

٢٦٩ ـ البيت لامرىء القيس بن حجر الكندى.

اللغة : «أم عمرو» يريد به عمرو بن قميئة اليشكرى صاحبه فى سفره إلى قيصر الروم «تحدرا» انصب ، وانسكب.

المعنى : يقول : إن عهدى بأم عمرو أن أراها صابرة متجلدة ، فما بالها اليوم قد كثر بكاؤها على عمرو؟!.

الإعراب : «أرى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «أم» مفعول به لأرى ، وأم مضاف و «عمرو» مضاف إليه «دمعها» دمع : مبتدأ ، ودمع مضاف وها مضاف إليه ، والجملة من «تحدرا» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب حال من أم عمرو ، لأن «أرى» بصرية فلا تحتاج لمفعول ثان «بكاء» مفعول لأجله «على عمرو» جار ومجرور متعلق ببكاء «وما» تعجبية مبتدأ «كان» زائدة «أصبرا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود على ما التعجبية ، والمفعول محذوف ، أى : أصبرها ، والجملة فى محل رفع خير المبتدأ وهو ما التعجبية.

الشاهد فيه : قوله «وما كان أصبرا» حيث حذف المتعجب منه ، وهو الضمير المنصوب الذى يقع مفعولا به لفعل التعجب كما قدرناه.

ومثل هذا البيت ما ينسب إلى أبى السبطين على بن أبى طالب :

جزى الله قوما قاتلوا فى لقائهم

لدى الرّوع قوما ما أعزّ وأكرما

يريد ما أعزهم وأكرمهم ، فحذف الضميرين.

١٥١

التقدير : «وما كان أصبرها» فحذف الضمير وهو مفعول أفعل ؛ للدلالة عليه بما تقدم ، ومثال الثانى قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) التقدير ـ والله أعلم ـ وأبصر بهم ، فحذف «بهم» لدلالة ما قبله عليه ، وقول الشاعر :

(٢٧٠) ـ

فذلك إن يلق المنيّة يلقها

حميدا ، وإن يستغن يوما فأجدر

__________________

٢٧٠ ـ البيت لعروة بن الورد ، الملقب بعروة الصعاليك.

المعنى : هذا الفقير ـ الذى وصفه فى أبيات سابقة ـ إذا صادف الموت صادفه محمودا ، وإن يستغن يوما فما أحقه بالغنى وما أجدره باليسار!.

الإعراب : «فذلك» اسم الإشارة مبتدأ ، واللام للدلالة على بعد المشار إليه ، والكاف حرف يدل على الخطاب «إن» شرطية «يلق» فعل مضارع ، فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر فيه «المنية» مفعول به ليلق «يلقها» يلق : فعل مضارع ، جواب الشرط ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو فاعل ، وها : مفعول به ، وجملة الشرط وجوابه فى محل رفع خبر المبتدأ «حميدا» حال من فاعل «يلق» المستتر فيه «وإن» شرطية «يستغن» فعل مضارع ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو فاعل «يوما» ظرف زمان متعلق بيستغن «فأجدر» الفاء لربط الجواب بالشرط ، أجدر : فعل ماض جاء على صورة الأمر ، وقد حذف فاعله والباء التى تدخل عليه ، والأصل : فأجدر به ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط.

الشاهد فيه : قوله «فأجدر» حيث حذف المتعجب منه ، وهو فاعل «أجدر» كما أوضحناه فى الإعراب.

واعلم أن الحذف إنما يكثر إذا كان «أفعل» معطوفا على مثله قد ذكر معه المتعجب منه ، نحو قوله تعالى (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) أى بهم ، أما فى مثل هذا البيت فالحذف شاذ ؛ لعدم وجود المعطوف عليه المشتمل على مثل المحذوف.

ثم اعلم أن ما ذكرناه ـ من أنه يكثر حذف المتعجب منه فى صيغة «أفعل به» إذا كان قد عطف على مماثل مشتمل على مثل المحذوف ـ هو رأى جماعة من النحاة ، وهؤلاء يخصون الدليل الدال على المحذوف بالمعطوف عليه ، بالشرط المذكور ، ومنهم من ذهب إلى أن العبرة بوضوح المقصد ، سواء أكان بالعطف أم بغيره ، وعلى هذا لا يكون الحذف من بيت الشاهد شاذا ، فاعرف ذلك.

١٥٢

أى : فأجدر به [فحذف المتعجب منه بعد «أفعل» وإن لم يكن معطوفا على أفعل مثله ، وهو شاذ].

* * *

وفى كلا الفعلين قدما لزما

منع تصرّف بحكم حتما (١)

لا يتصرف فعلا التعجب ، بل يلزم كل منهما طريقة واحدة ؛ فلا يستعمل من أفعل غير الماضى ، ولا من أفعل غير الأمر ، قال المصنف : وهذا مما لا خلاف فيه.

وصغهما من ذى ثلاث ، صرّفا ،

قابل فضل ، تمّ ، غير ذى انتفا (٢)

وغير ذى وصف يضاهى أشهلا ،

وغير سالك سبيل فعلا (٣)

يشترط فى الفعل الذى يصاغ منه فعلا التعجب شروط سبعة :

__________________

(١) «وفى كلا» جار ومجرور يتعلق بقوله «لزما» الآتى ، وكلا مضاف و «الفعلين» مضاف إليه «قدما» ظرف متعلق بلزم «لزما» لزم : فعل ماض ، والألف للاطلاق «منع» فاعل لزم ، ومنع مضاف و «تصرف» مضاف إليه «بحكم» جار ومجرور متعلق بلزم ، والجملة من «حتما» ونائب الفاعل المستتر فيه فى محل جر صفة لحكم.

(٢) «وصغهما» صغ : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والضمير البارز المتصل مفعول به «من ذى» جار ومجرور متعلق بصغ ، وذى مضاف و «ثلاث» مضاف إليه ، والجملة من «صرفا» ونائب الفاعل المستتر فيه فى محل جر صفة لذى ثلاث «قابل فضل ، تم ، غير ذى انتفا» نعوت أيضا لذى ثلاث : بعضها مفرد ، وبعضها جملة.

(٣) «وغير» معطوف على «غير» فى البيت السابق ، وغير مضاف و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف و «وصف» مضاف إليه ، وجملة «يضاهى أشهلا» فى محل جر صفة لوصف «وغير» عطف على غير السابق ، وغير مضاف و «سالك» مضاف إليه ، وفيه ضمير مستتر فاعل «سبيل» مفعول به لسالك ، وسبيل مضاف و «فعلا» قصد لفظه : مضاف إليه.

١٥٣

أحدها : أن يكون ثلاثيا ؛ فلا يبنيان مما زاد عليه ، نحو دحرج وانطلق واستخرج.

الثانى : أن يكون متصرفا ؛ فلا يبنيان من فعل غير متصرف ، كنعم ، وبئس ، وعسى ، وليس.

الثالث : أن يكون معناه قابلا للمفاضلة ؛ فلا يبنيان من «مات» و «فنى» ونحوهما ؛ إذ لا مزية فيهما لشىء على شىء.

الرابع : أن يكون تامّا ، واحترز بذلك من الأفعال الناقصة ، نحو «كان» وأخواتها ؛ فلا تقول «ما أكون زيدا قائما» وأجازه الكوفيون.

الخامس : أن لا يكون منفيّا ، واحترز بذلك من المنفى : لزوما ، نحو «ما عاج فلان بالدّواء» أى : ما انتفع به ، أو جوازا نحو «ما ضربت زيدا».

السادس : أن لا يكون الوصف منه على أفعل ، واحترز بذلك من الأفعال الدالة على الألوان : كسود فهو أسود ، وحمر فهو أحمر ، والعيوب كحول فهو أحول ، وعور فهو أعور ؛ فلا تقول «ما أسوده» ولا «ما أحمره» ولا «ما أحوله» ولا «ما أعوره» ولا «أعور به» ولا «أحول به».

السابع : أن لا يكون مبنيّا للمفعول نحو : «ضرب زيد» ؛ فلا تقول «ما أضرب زيدا» تريد التعجب من ضرب أوقع به ؛ لئلا يلتبس بالتعجب من ضرب أوقعه.

وأشدد ، او أشدّ ، أو شبههما

يخلف ما بعض الشّروط عدما (١)

__________________

(١) «وأشدد» قصد لفظه : مبتدأ «أو أشد» معطوف عليه «أو شبههما» معطوف على أشد «يخلف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة من الفعل وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «ما» اسم موصول : مفعول به ليخلف «بعض» مفعول به مقدم على عامله ، وهو قوله «عدم» الآتى ، وبعض مضاف و «الشروط»

١٥٤

ومصدر العادم ـ بعد ـ ينتصب

وبعد أفعل جرّه بالبا يجب (١)

يعنى أنه يتوصّل إلى التعجب من الأفعال التى لم تستكمل الشروط بأشدد ونحوه وبأشدّ ونحوه ، وينصب مصدر ذلك الفعل العادم الشروط بعد «أفعل» مفعولا ، ويجر بعد «أفعل» بالباء ؛ فتقول «ما أشدّ دحرجته ، واستخراجه» و «أشدد بدحرجته ، واستخراجه» ، و «ما أقبح عوره ، وأقبح بعوره ، وما أشدّ حمرته ، وأشدد بحمرته».

* * *

وبالنّدور احكم لغير ما ذكر

ولا تقس على الّذى منه أثر (٢)

__________________

مضاف إليه «عدما» فعل ماض ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة «ما» الموصولة.

(١) «ومصدر» مبتدأ ، ومصدر مضاف و «العادم» مضاف إليه «بعد» ظرف متعلق بينتصب الآتى «ينتصب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «وبعد» ظرف متعلق بقوله : «يجب» الآتى ، وبعد مضاف و «أفعل» مضاف إليه «جره» جر : مبتدأ ، وجر مضاف والهاء مضاف إليه «بالبا» قصر للضرورة : متعلق بجر ، والجملة من «يجب» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) «بالندور» جار ومجرور متعلق بقوله : «احكم» الآتى «احكم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لغير» جار ومجرور متعلق باحكم أيضا ، وغير مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «ذكر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة «ما» «ولا» ناهية «تقس» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «على الذى» جار ومجرور متعلق بقوله : «تقس» «منه» جار ومجرور متعلق بقوله أثر الآتى

١٥٥

يعنى أنه إذا ورد بناء فعل التعجب من شىء من الأفعال التى سبق أنه لا يبنى منها حكم بندوره ، ولا يقاس على ما سمع منه ، كقولهم «ما أخصره» من «اختصر» فبنوا أفعل من فعل زائد على ثلاثة أحرف وهو مبنى للمفعول ، وكقولهم «ما أحمقه» فبنوا أفعل من فعل الوصف منه على أفعل ، نحو حمق فهو أحمق ، وقولهم «ما أعساه ، وأعس به» فبنوا أفعل وأفعل به من «عسى» وهو فعل غير متصرف.

* * *

وفعل هذا الباب لن يقدّما

معموله ، ووصله بما الزما (١)

وفصله : بظرف ، او بحرف جر

مستعمل ، والخلف فى ذاك استقر (٢)

لا يجوز تقديم معمول فعل التعجب عليه ؛ فلا تقول : «زيدا ما أحسن»

__________________

«أثر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة «الذى».

(١) «وفعل» مبتدأ ، وفعل مضاف واسم الإشارة من «هذا» مضاف إليه «الباب» بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الإشارة «لن» نافية ناصبة «يقدما» فعل مضارع مبنى للمجهول «معموله» معمول : نائب فاعل يقدم ، ومعمول مضاف ، والهاء مضاف إليه ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ «ووصله» وصل : مفعول مقدم لقوله : «الزما» الآتى ، ووصل مضاف والضمير مضاف إليه «بما» جار ومجرور متعلق بوصل «الزما» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والألف منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة.

(٢) «وفصله» مبتدأ ومضاف إليه «بظرف» جار ومجرور متعلق بفصل «أو بحرف» معطوف على بظرف ، وحرف مضاف و «جر» مضاف إليه «مستعمل» خبر المبتدأ «والخلف» مبتدأ «فى ذاك» جار ومجرور متعلق بالخلف ، والجملة من «استقر» وفاعله المستتر فيه جوازا فى محل رفع خبر المبتدأ.

١٥٦

ولا «ما زيدا أحسن» ولا «بزيد أحسن» ويجب وصله بعامله ؛ فلا يفصل بينهما بأجنبى ، فلا تقول فى «ما أحسن معطيك الدّرهم» : «ما أحسن الدرهم معطيك» ولا فرق فى ذلك بين المجرور وغيره ؛ فلا تقول : «ما أحسن بزيد مارّا» تريد «ما أحسن مارّا بزيد» ولا «ما أحسن عندك جالسا» تريد «ما أحسن جالسا عندك» فإن كان الظرف أو المجرور معمولا لفعل التعجب ففى جواز الفصل بكل منهما بين فعل التعجب ومعموله خلاف ، والمشهور جوازه ، خلافا للأخفش والمبرد ومن وافقهما ، ونسب الصيمرىّ المنع إلى سيبويه ، ومما ورد فيه الفصل فى النثر قول عمرو بن معد يكرب : «لله درّ بنى سلبم ما أحسن فى الهيجاء لقاءها ، وأكرم فى اللّزبات عطاءها ، وأثبت فى المكرمات بقاءها» وقول على كرم الله وجهه ، وقد مرّ بعمّار فمسح التراب عن وجهه : «أعزز علىّ أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدّلا» ، ومما ورد منه من النظم قول بعض الصحابة رضى الله عنهم :

(٢٧١) ـ

وقال نبىّ المسلمين : تقدّموا

وأحبب إلينا أن تكون المقدّما

__________________

(٢٧١) ـ البيت للعباس بن مرداس ، أحد المؤلفة قلوبهم الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبى حنين مائة من الإبل.

الإعراب : «وقال» فعل ماض «نبى» فاعل ، ونبى مضاف و «المسلمين» مضاف إليه «تقدموا» فعل أمر وفاعله ، والجملة فى محل نصب مقول القول «وأحبب» فعل ماض جاء على صورة الأمر ، فعل تعجب «إليتا» جار ومجرور متعلق بأحبب «أن» مصدرية «تكون» فعل مضارع ناقص منصوب بأن ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت هو اسمه «المقدما» خبر تكون ، و «أن» المصدرية وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بباء زائدة مقدرة ، وهو فاعل فعل التعجب ، وأصل الكلام : وأحبب إلينا بكونك المقدما.

١٥٧

وقوله :

(٢٧٢) ـ

خليلىّ ما أحرى بذى اللّبّ أن يرى

صبورا ، ولكن لا سبيل إلى الصّبر

__________________

الشاهد فيه : قوله «إلينا» حيث فصل به بين فعل التعجب الذى هو «أحبب» وفاعله الذى هو المصدر المنسبك من الحرف المصدرى ومعموله ، وهذا الفاصل جار ومجرور معمول لفعل التعجب ، وذلك جائز فى الأصح من مذاهب النحويين.

ومثل هذا البيت فى كل ما اشتمل عليه من هذا الباب قول الآخر :

أخلق بذى الصّبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للابواب أن يلجا

فإن المصدر المنسبك من «أن يحظى بحاجته» مجرور بياء زائدة ، وهو فاعل أخلق ، وقد فصل بينهما بقوله : «بذى الصبر».

٢٧٢ ـ البيت مما احتج به كثير من النحاة ـ منهم الجرمى ـ ولم ينسبه أحد منهم إلى قائل معين.

الإعراب : «خليلى» منادى حذف منه حرف النداء ، وياء المتكلم مضاف إليه «ما» تعجيبة مبتدأ «أحرى» فعل ماض دال على التعجب ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره هو يعود على «ما» التعجبية فاعل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «بذى» جار ومجرور متعلق بأحرى ، وذى مضاف و «اللب» مضاف إليه «أن» مصدرية «يرى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا ، وهو المفعول الأول «صبورا» مفعول ثان ليرى إذا قدرتها علمية ؛ فإذا قدرتها بصرية اكتفت بمفعول واحد هو نائب الفاعل ، ويكون قوله : «صبورا» حالا من نائب الفاعل ، و «أن» المصدرية وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مفعول به لفعل التعجب «ولكن» حرف استدراك «لا» نافية للجنس «سبيل» اسم لا «إلى الصبر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا ، أو الجار والمجرور متعلق بسبيل أو بمحذوف صفة له ، وعلى هذين الوجهين يكون خبر لا محذوفا.

الشاهد فيه : قوله «بذى اللب» حيث فصل به بين فعل التعجب وهو «أحرى» ومفعوله وهو المصدر المنسبك من الحرف المصدرى ومعموله ، وهذا الفاصل جار

١٥٨

 ........................................................................

__________________

ومجرور متعلق بفعل التعجب ، وهذا الفصل جائز فى الأشهر من مذاهب النحاة ، على ما بيناه فى شرح الشاهد السابق ، وقد بين الشارح العلامة من قال بجوازه من النحاة ، ومن قال بمنعه منهم.

ومثل هذا الشاهد قول أوس بن حجر :

أقيم بدار الحزم ما دام حزمها

وأحر ـ إذا حالت ـ بأن أتحوّلا

فقد فصل بالظرف ـ وهو قوله إذا حالت ـ بين فعل التعجب الذى هو قوله : «أحر» وبين معموله الذى هو قوله : «بأن أتحولا» ومن كلام العرب «ما أحسن بالرجل أن يصدق ، وما أقبح به أن يكذب» وفيه الفصل بين فعل التعجب الذى هو «أحسن» و «أقبح» ومعموله الذى هو «أن يصدق» و «أن يكذب» بالجار والمجرور.

١٥٩

نعم وبئس ، وما جرى مجراهما

فعلان غير متصرّفين

نعم وبئس ، رافعان اسمين (١)

مقارنى «أل» أو مضافين لما

قارنها : كـ «نعم عقبى الكرما» (٢)

ويرفعان مضمرا يفسّره

مميّز : كـ «نعم قوما معشره» (٣)

مذهب جمهور النحويين أن «نعم ، وبئس» فعلان ؛ بدليل دخول تاء التأنيث الساكنة عليهما ، نحو «نعمت المرأة هند ، وبئست المرأة دعد» وذهب جماعة من الكوفيين ـ ومنهم الفراء ـ إلى أنهما اسمان ، واستدلوا بدخول حرف الجر عليهما فى قول بعضهم «نعم السّير على بئس العبر» وقول

__________________

(١) «فعلان» خبر مقدم «غير» نعت له ، وغير مضاف و «متصرفين» مضاف إليه «نعم» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «وبئس» معطوف على نعم «رافعان» خبر لمبتدأ محذوف ، أى : هما رافعان ، وفيه ضمير مستتر فاعل «اسمين» مفعول به لقوله : رافعان.

(٢) «مقارنى» نعت لقوله : «اسمين» فى البيت السابق ، ومغارنى مضاف و «أل» قصد لفظه : مضاف إليه «أو» حرف عطف «مضافين» معطوف على قوله : «مقارنى أل» «لما» جار ومجرور متعلق بقوله «مضافين» ، و «قارنها» قارن : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، وها : مفعول به ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «كنعم عقبى الكرما» الكاف جارة لقول محذوف ، نعم : فعل ماض ، عقبى : فاعل ، وعقبى مضاف والكرما : مضاف إليه ، وقصر للضرورة ، وأصله الكرماء.

(٣) «ويرفعان» فعل مضارع ، وألف الاثنين فاعل «مضمرا» مفعول به «يفسره» يفسر : فعل مضارع ، والهاء مفعول به «مميز» فاعل يفسر ، والجملة فى محل نصب نعت لقوله : «مضمرا» ، وقوله : «كنعم قوما معشره» الكاف فيه جارة لقول محذوف ، نعم : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه «قوما» تمييز «معشره» معشر : مبتدأ خبره الجملة التى قبله ، ومعشر مضاف والهاء مضاف إليه.

١٦٠