شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

وكلّ ما قرّر لاسم فاعل

يعطى اسم مفعول بلا تفاضل (١)

فهو كفعل صيغ للمفعول فى

معناه كـ «المعطى كفافا يكتفى» (٢)

جميع ما تقدّم فى اسم الفاعل ـ من أنه إن كان مجردا عمل إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، بشرط الاعتماد ، وإن كان بالألف واللام عمل مطلقا ـ يثبت لاسم المفعول ؛ فتقول : «أمضروب الزّيدان ـ الآن ، أو غدا» ، أو «جاء المضروب أبوهما ـ الآن ، أو غدا ، أو أمس».

وحكمه فى المعنى والعمل حكم الفعل المبنىّ للمفعول ؛ فيرفع المفعول كما يرفعه فعله ؛ فكما تقول : «ضرب الزّيدان» تقول : أمضروب الزّيدان»؟ وإن كان له مفعولان رفع أحدهما ونصب الآخر ، نحو «المعطى كفافا

__________________

(١) «وكل» مبتدأ ، وكل مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «قرر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة «لاسم» جار ومجرور متعلق بقرر ، واسم مضاف و «فاعل» مضاف إليه «يعطى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، وهو المفعول الأول «اسم» مفعول ثان ليعطى ، واسم مضاف و «مفعول» مضاف إليه ، وجملة الفعل ومفعوليه فى محل رفع خبر المبتدأ «بلا تفاضل» الجار والمجرور متعلق بيعطى ، ولا التى هى هنا اسم بمعنى غير مضاف و «تفاضل» مضاف إليه ، وقد سبق نظيره مرارا.

(٢) «فهو» ضمير منفصل مبتدأ «كفعل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «صيغ» فعل ماض مبنى للمجهول. ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل جر صفة لفعل «للمفعول» جار ومجرور متعلق بصيغ «فى معناه» الجار والمجرور متعلق بما تضمنه الكاف فى قوله كفعل من معنى التشبيه ، ومعنى مضاف والضمير مضاف إليه «كالمعطى» الكاف جارة لقول محذوف كما سبق مرارا ، «وأل» فى قوله «المعطى» موصولة مبتدأ يكون إعرابها على ما بعدها ، وفى «المعطى» ضمير مستتر يعود على «أل» نائب فاعل ، وهذا الضمير مفعول أول «كفافا» مفعول ثان للمعطى ، وجملة «يكتفى» من الفعل المضارع وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو أل الموصولة.

١٢١

يكتفى» فالمفعول [الأول] ضمير مستتر عائد على الألف واللام ، وهو مرفوع لقيامه مقام الفاعل ، و «كفافا» : المفعول الثانى.

* * *

وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع

معنى ، كـ «محمود المقاصد الورع» (١)

يجوز فى اسم المفعول أن يضاف إلى ما كان مرفوعا به ؛ فتقول فى قولك «زيد مضروب عبده» : «زيد مضروب العبد» فتضيف اسم المفعول إلى ما كان مرفوعا به ، ومثله «الورع محمود المقاصد» ، والأصل : «الورع محمود مقاصده» ولا يجوز ذلك فى اسم الفاعل (٢) ؛ فلا تقول : «مررت برجل ضارب الأب زيدا» تريد «ضارب أبوه زيدا».

* * *

__________________

(١) «وقد» حرف تقليل «يضاف» فعل مضارع مبنى للمجهول «ذا» نائب فاعل يضاف «إلى اسم» جار ومجرور متعلق بيضاف «مرتفع» صفة لاسم «معنى» تمييز ، أو منصوب بنزع الخافض «كمحمود» الكاف اسم بمعنى مثل خبر مبتدأ محذوف ، أى : وذلك مثل ، محمود : خبر مقدم ، ومحمود مضاف و «المقاصد» مضاف إليه «الورع» مبتدأ مؤخر.

(٢) اسم الفاعل إما أن يكون فعله قاصرا كضامر وطاهر ، وإما أن يكون فعله متعديا لواحد كراحم وضارب ، وإما أن يكون فعله متعديا لاثنين كالمعطى والسائل ، فإن كان اسم الفاعل من فعل قاصر جازت إضافته إلى مرفوعه إجماعا إن أريد به الدوام ، ويصير حينئذ صفة مشبهة ، كضامر البطن وطاهر النفس ومانع الجار وحامى الذمار ، وإن كان من فعل متعد لاثنين امتنعت إضافته لمرفوعه إجماعا ، وإن كان من فعل متعد لواحد فللنحاة فيه ثلاثة أقوال ؛ أولها : لا يجوز أن يضاف لمرفوعه مطلقا ، وهو رأى جمهرة النحاة ، وثانيها : تجوز إضافته لمرفوعه إن لم يلتبس فاعله بمفعوله كالمثال الذى ذكره الشارح ، وثالثها : تجوز إن حذف مفعوله ، وهو رأى ابن عصفور ، ويشهد له قول الشاعر :

ما الرّاحم القلب ظلّاما وإن ظلما

ولا الكريم بمنّاع وإن بخلا

فقد أضاف «الراحم» إلى «القلب» وأصله فاعله.

١٢٢

أبنية المصادر

فعل قياس مصدر المعدّى

من ذى ثلاثة ، كـ «ردّ ردّا» (١)

الفعل الثلاثى [المتعدى] يجىء مصدره على «فعل» قياسا مطّردا ، نصّ على ذلك سيبويه فى مواضع ؛ فتقول : ردّ ردّا ، وضرب ضربا ، وفهم فهما ، وزعم بعضهم أنه لا ينقاس ، وهو غير سديد.

* * *

وفعل اللّازم بابه فعل

كفرح ، وكجوى ، وكشلل (٢)

أى : يجىء مصدر فعل اللازم على فعل قياسا ، كفرح فرحا ، وجوى جوى ، وشلّت يده شللا.

* * *

وفعل اللّازم مثل فعدا

له فعول باطّراد ، كغدا (٣)

__________________

(١) «فعل» مبتدأ «قياس» خبر المبتدأ ، وقياس مضاف و «مصدر» مضاف إليه ، ومصدر مضاف و «المعدى» مضاف إليه ، وأصله نعت لمحذوف : أى مصدر الفعل المعدى «من ذى» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من المعدى ، وذى مضاف و «ثلاثة» مضاف إليه «كرد» الكاف جارة لقول محذوف ، رد : فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه «ردا» مفعول مطلق.

(٢) «وفعل» مبتدأ أول «اللازم» نعت «بابه» باب : مبتدأ ثان ، وباب مضاف والهاء مضاف إليه «فعل» خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول «كفرح» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف «وكجوى وكشلل» معطوفان على كفرح.

(٣) «وفعل» مبتدأ أول «اللازم» نعت «مثل» حال من الضمير المستتر فى اللازم ، ومثل مضاف و «قعدا» قصد لفظه : مضاف إليه «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر

١٢٣

ما لم يكن مستوجبا : فعالا ،

أو فعلانا ـ فادر ـ أو فعالا (١)

فأوّل لذى امتناع كأبى ،

والثّان للّذى اقتضى تقلّبا (٢)

للدّا فعال أو لصوت ، وشمل

سيرا وصوتا الفعيل كصهل (٣)

يأتى مصدر فعل اللازم على فعول قياسا ؛ فتقول : «قعد قعودا ، وغدا غدوّا ، وبكر بكورا».

__________________

مقدم «فعول» مبتدأ ثان مؤخر ، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول «باطراد» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن فى الخبر «كغدا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، وتقدير الكلام : وذلك كائن كغدا.

(١) «ما» مصدرية «لم» نافية جازمة «يكن» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، واسمه ضمير مستتر فيه «مستوجبا» خبر يكن ، وفى مستوجب ضمير مستتر فاعل «فعالا» مفعول به لمستوجبا «أو فعلانا» معطوف على قوله «فعالا» «فادر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لا محل لها من الإعراب «أو فعالا» معطوف على قوله «فعلانا».

(٢) «فأول» مبتدأ «لذى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وذى مضاف و «امتناع» مضاف إليه «كأبى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف «والثان» مبتدأ «للذى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «اقتضى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه «تقلبا» مفعول به لاقتضى ، والجملة لا محل لها صلة.

(٣) «للدا» قصر ضرورة : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «فعال» مبتدأ مؤخر «أو» عاطفة «لصوت» جار ومجرور معطوف على قوله للدا «وشمل» فعل ماض «سيرا» مفعول به مقدم على الفاعل «وصوتا» معطوف عليه «الفعيل» فاعل شمل «كصهل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كصهل.

١٢٤

وأشار بقوله : «ما لم يكن مستوجبا فعالا ـ إلى آخره» إلى أنه إنما يأتى مصدره على فعول ، إذا لم يستحقّ أن يكون مصدره على : فعال ، أو فعلان ، أو فعال.

فالذى استحق أن يكون مصدره على فعال هو : كل فعلّ دلّ على امتناع ، كأبى إباء ، ونفر نفارا ، وشرد شرادا ، و [هذا] هو المراد بقوله «فأوّل لذى امتناع».

والذى استحق أن يكون مصدره على فعلان هو : كلّ فعل دلّ على تقلّب ؛ نحو : «طاف طوفانا ، وجال جولانا ، ونزا نزوانا» ، وهذا معنى قوله «والثان للذى اقتضى تقلبا».

والذى استحق أن يكون مصدره على فعال هو : كلّ فعل دلّ على داء ، أو صوت ؛ فمثال الأول : سعل سعالا ، وزكم زكاما ، ومشى بطنه مشاء. ومثال الثانى : نعب الغراب نعابا ، ونعق الراعى نعاقا ، وأزّت القدر أزازا ، وهذا هو المراد بقوله : «للدّا فعال أو لصوت».

وأشار بقوله : «وشمل سيرا وصوتا الفعيل» إلى أن فعيلا يأتى مصدرا لما دلّ على سير ، ولما دل على صوت ؛ فمثال الأول : ذمل ذميلا ، ورحل رحيلا ، ومثال الثانى : نعب نعيبا ، ونعق نعيقا [وأزّت القدر أزيزا ، وصهلت الخيل صهيلا].

* * *

فعولة فعالة لفعلا

كسهل الأمر ، وزيد جزلا (١)

__________________

(١) «فعولة» مبتدأ «فعالة» معطوف عليه بإسقاط العاطف «لفعلا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «كسهل» الكاف جارة لقول محذوف ، وسهل : فعل ماض «الأمر» فاعل سهل «وزيد» مبتدأ ، والجملة من «جزلا» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ.

١٢٥

إذا كان الفعل على فعل ـ [ولا يكون إلا لازما] ـ يكون مصدره على فعولة ، أو على فعالة ؛ فمثال الأول : سهل سهولة ، وصعب صعوبة ، وعذب عذوبة ، ومثال الثانى : جزل جزالة ، وفصح فصاحة ، وضخم ضخامة.

* * *

وما أتى مخالفا لما مضى

فبابه النّقل ، كسخط ورضى (١)

يعنى أن ما سبق ذكره فى هذا الباب هو القياس الثابت فى مصدر الفعل الثلاثى ، وما ورد على خلاف ذلك فليس بمقيس ، بل يقتصر فيه على السماع ، نحو : سخط سخطا ، ورضى رضا ، وذهب ذهابا ، وشكر شكرا ، وعظم عظمة.

* * *

وغير ذى ثلاثة مقيس

مصدره كقدّس التّقديس (٢)

__________________

(١) «وما» اسم شرط : مبتدأ «أتى» فعل ماض ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه «مخالفا» حال من الفاعل المستتر «لما» جار ومجرور متعلق بمخالف ، والجملة من «مضى» وفاعله الضمير المستتر فيه لا محل لها صلة «ما» المجرور محلا باللام «فبابه» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، باب : مبتدأ ، وباب مضاف والهاء مضاف إليه «النقل» خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جزم جواب الشرط ، وجملتا الشرط والجواب فى محل رفع خبر اسم الشرط المبتدأ به.

(٢) «وغير» مبتدأ أول ، وغير مضاف و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف و «ثلاثة» مضاف إليه «مقيس» مبتدأ ثان ، ومقيس مضاف ، ومصدر من «مصدره» مضاف إليه ، ومصدر مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «كقدس» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال ، من المضاف إليه «التقديس» خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.

١٢٦

وزكّه تزكية ، وأجملا

إجمال من تجمّلا تجمّلا (١)

واستعذ استعاذة ، ثمّ أقم

إقامة ، وغالبا ذا التّا لزم (٢)

وما يلى الآخر مدّ وافتحا

مع كسر تلو الثّان ممّا افتتحا (٣)

بهمز وصل : كاصطفى ، وضمّ ما

يربع فى أمثال قد تلملما (٤)

__________________

(١) «وزكه» زك : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «تزكية» مفعول مطلق «وأجملا» فعل أمر ، وألفه منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إجمال» مفعول مطلق ، وإجمال مضاف و «من» اسم موصول مضاف إليه «تجملا» مصدر تقدم على عامله «تجملا» فعل ماض ، وألفه للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة «من».

(٢) «وغالبا» حال تقدم على صاحبه ، وهو الضمير المستتر فى قوله «لزم» الآتى فى آخر البيت «ذا» اسم إشارة : مبتدأ «التا» قصر للضرورة : بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الإشارة ، والجملة من «لزم» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٣) «وما» اسم موصول : مفعول مقدم على عامله ، وهو قوله مد الآتى «يلى» فعل مضارع «الآخر» فاعل يلى ، ومفعوله محذوف : أى ما يليه الآخر ، والجملة لا محل لها صلة «مد» فعل أمر ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وافتحا» الواو عاطفة ، افتحا : فعل أمر ، والألف منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة ، وفيه ضمير مستتر وجوبا فاعل «مع» ظرف متعلق بمد ، ومع مضاف و «كسر» مضاف إليه ، وكسر مضاف و «تلو» مضاف إليه ، وتلو مضاف و «الثان» مضاف إليه «مما» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من «تلو» والجملة من «افتتحا» ونائب الفاعل المستتر فيه لا محل لها صلة «ما» المجرورة محلا بمن.

(٤) «بهمز» جار ومجرور متعلق بافتتحا فى البيت السابق ، وهمز مضاف و «وصل» مضاف إليه «كاصطفى» متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف «وضم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ما» اسم موصول : مفعول به لضم ، والجملة من «يربع» وفاعله المستتر فيه لا محل لها صلة «فى أمثال» جار ومجرور متعلق بضم. وأمثال مضاف ، وقوله «قد تلملما» قصد لفظه : مضاف إليه.

١٢٧

ذكر فى هذه الأبيات مصادر غير الثلاثى ، وهى مقيسة كلها.

فما كان على وزن فعّل ، فإما أن يكون صحيحا أو معتلّا ؛ فإن كان صحيحا فمصدره على تفعيل ، نحو «قدّس تقديسا» ، ومنه قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) ويأتى ـ أيضا ـ على [وزن] فعّال ، كقوله تعالى : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) ويأتى على فعال بتخفيف العين ، وقد قرىء (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) بتخفيف الذال ، وإن كان معتلا فمصدره كذلك ، لكن تحذف ياء التفعيل ، ويعوض عنها التاء ؛ فيصير مصدره على (١) تفعلة ، نحو «زكّى تزكية» وندر مجيئه على تفعيل ، كقوله :

(٢٦٦) ـ

باتت تنزّى دلوها تنزيّا

كما تنزّى شهلة صبيّا

__________________

(١) مجىء مصدر فعل المضعف العين على مثال التفعلة على ثلاثة أنواع : واجب ، وكثير ، ونادر. فأما الواجب فيكون فى مصدر المعل اللام منه نحو زكى تزكية. ووفى توفية ، وأدى تأدية. وأما الكثير فيكون فى مهموز اللام منه ، نحو خطأته تخطئة ، وهنأته تهنئة ، وحلأته تحلئة ، وجزأته تجزئة ، ونشأته تنشئة ، وأما النادر فيكون فى الصحيح اللام منه ، نحو قدم تقدمة ، وجرب تجربة ، وجاء فى المضاعف نحو «حللته تحلة» ومنه قوله تعالى : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) أى تحليلها بالكفارة.

٢٦٦ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها.

اللغة : «باتت» يطلق على معنيين ، أحدهما ـ وهو الأشهر ـ أن يقصد به تخصيص الفعل بالليل ؛ فيقابل «ظل» الذى يقصد به تخصيص الفعل بالنهار ، والثانى : أن أن يكون بمعنى صار فلا يختص بوقت دون وقت «تنزى» تحرك «شهلة» هى المرأة العجوز.

المعنى : يصف امرأة بالضعف وذهاب المنة ، وهى تجذب دلوها من البئر ؛ فيقول : إنها تحركه حركة ضعيفة تشبه تحريك المرأة العجوز لطفل تداعبه.

الإعراب : «باتت» بات : فعل ماض ناقص ، والتاء للتأنيث ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «تنزى» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه «دلوها»

١٢٨

وإن كان مهموزا ـ ولم يذكره المصنف هنا ـ فمصدره على تفعيل ، وعلى تفعلة ، نحو : خطّأ تخطيئا وتخطئة ، وجزّأ تجزيئا وتجزئة ، ونبّأ تنبيئا وتنبئة.

وإن كان على «أفعل» فقياس مصدره على إفعال ، نحو : أكرم إكراما ، وأجمل إجمالا ، وأعطى إعطاء.

هذا إذا لم يكن معتلّ العين ؛ فإن كان معتلّ العين نقلت حركة عينه إلى فاء الكلمة وحذفت (١) ، وعوّض عنها تاء التأنيث غالبا ، نحو : أقام إقامة ، والأصل : إقواما ، فنقلت حركة الواو إلى القاف ، وحذفت ، وعوّض عنها تاء التأنيث ، فصار إقامة.

وهذا هو المراد بقوله : «ثم أقم إقامة» ، وقوله : «وغالبا ذا التا لزم»

__________________

دلو : مفعول به لتنزى ، ودلو مضاف وها : مضاف إليه ، والجملة فى محل نصب خبر بات ، فإذا قدرته فعلا تاما فالجملة فى محل نصب حال من فاعله المستتر فيه «تنزيا» مفعول مطلق «كما» الكاف جارة ، وما : مصدرية «تنزى» فعل مضارع «شهلة» فاعل تنزى «صبيا» مفعول به لتنزى ، و «ما» المصدرية ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بقوله «تنزيا» أو بمحذوف صفة له ، أى : تنزية مشابهة تنزية العجوز صبيا.

الشاهد فيه : قوله «تنزيا» حيث ورد بوزان التفعيل وهو مصدر فعل ـ بتضعيف العين ـ المعل اللام ، وذلك نادر ، والقياس التفعلة كالتزكية ، والتنزية ، والترضية ، والتوفية ، والتأدية ، والتولية ، والتخلية ، والتحلية.

(١) أصل إقامة مثلا : إقوام كإكرام ، نقلت حركة الواو إلى الساكن الصحيح قبلها ، ثم يقال : تحركت الواو بحسب أصلها وانفتح ما قبلها الآن ، فقلبت هذه الواو ألفا ، فاجتمع ألفان ، فحذفت إحداهما وعوض منها التاء فصار إقامة ، وقد ذهب سيبويه إلى أن المحذوفة من الألفين هى الألف الزائدة ، وذهب الفراء والأخفش إلى أن المحذوفة هى المنقلبة عن العين.

١٢٩

إشارة إلى ما ذكرناه من أنّ التاء تعوّض غالبا ، وقد جاء حذفها ، كقوله تعالى : (وَأَقامَ الصَّلاةَ).

وإن كان على وزن تفعّل ، فقياس مصدره تفعّل ـ بضم العين ـ نحو : تجمّل تجمّلا ، وتعلّم تعلما ، وتكرّم تكرّما.

وإن كان فى أوله همزة وصل كسر ثالثه ، وزيد ألف قبل آخره ، سواء كان على وزن انفعل ، أو افتعل ، أو استفعل ، نحو : انطلق انطلاقا ، واصطفى اصطفاء ، واستخرج استخراجا ، وهذا معنى قوله «وما يلى الآخر مدّ وافتحا».

فإن كان استفعل معتلّ العين نقلت حركة عينه إلى فاء الكلمة ، وحذفت ، وعوّض عنها تاء التأنيث لزوما ، نحو : استعاذ استعاذة ، والأصل استعواذا ، فنقلت حركة الواو إلى العين ـ وهى فاء الكلمة ـ [وحذفت] وعوّض عنها التاء ، فصار استعاذة ، وهذا معنى قوله «واستعذ استعاذة».

ومعنى قوله : «وضمّ ما يربع فى أمثال قد تلملما» أنه إن كان الفعل على وزن «تفعلل» يكون مصدره على تفعلل ـ بضم رابعه ـ نحو «تلملم تلملما ، وتدحرج تدحرجا».

* * *

فعلال أو فعللة ـ لفعللا ،

واجعل مقيسا ثانيا لا أوّلا (١)

__________________

(١) «فعلال» مبتدأ «أو فعللة» معطوف على فعلال «لفعللا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «واجعل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مقيسا» مفعول ثان تقدم على المفعول الأول «ثانيا» مفعول أول لا جعل «لا أولا» لا : حرف عطف ، أولا : معطوف على قوله «ثانيا».

١٣٠

يأتى مصدر فعلل على فعلال : كدحرج دحراجا ، وسرهف سرهافا ، وعلى فعللة ـ وهو المقيس فيه ـ نحو «دحرج دحرجة ، وبهرج بهرجة ، وسرهف سرهفة».

* * *

لفاعل : الفعال ، والمفاعله ،

وغير ما مرّ السّماع عادله (١)

كلّ فعل على وزن فاعل فمصدره الفعال والمفاعلة ، نحو «ضارب ضرابا ومضاربة ، وقاتل قتالا ومقاتلة ، وخاصم خصاما ومخاصمة».

وأشار بقوله : «وغير ما مرّ ـ إلخ» إلى أن ما ورد من مصادر غير الثلاثى على خلاف ما مرّ يحفظ ولا يقاس عليه ، ومعنى قوله «عادله» كان السماع له عديلا ، فلا يقدم عليه إلا بثبت ، كقولهم ـ فى مصدر فعّل المعتل ـ تفعيلا ، نحو :

* باتت تنزّى دلوها تنزيّا* [٢٦٦]

والقياس تنزية ، وقولهم فى مصدر حوقل حيقالا ، وقياسه حوقلة ـ نحو «دحرج دحرجة» ـ ومن ورود «حيقال» قوله :

(٢٦٧) ـ

يا قوم قد حوقلت أو دنوت

وشرّ حيقال الرّجال الموت

__________________

(١) «لفاعل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «الفعال» مبتدأ مؤخر «والمفاعله» معطوف على الفعال «وغير» مبتدأ أول ، وغير مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه ، والجملة من «مر» وفاعله المستتر فيه جوازا لا محل لها صلة الموصول ، «السماع» مبتدأ ثان ، والجملة من «عادله» وفاعله المستتر فيه جوازا فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.

٢٦٧ ـ البيت من الشواهد المجهولة نسبتها.

اللغة : «حوقلت» كبرت وضعفت «أو دنوت» قربت من هذا.

المعنى : يقول : إنى قد كبرت سنى ، وضعفت عن القيام بأمور نفسى ، أو قربت من

١٣١

وقولهم ـ فى مصدر تفعّل ـ تفعّالا ، نحو : تملّق تملّاقا (١) ، والقياس تفعل تفعّلا ، نحو : تملّق تملّقا.

* * *

وفعلة لمرّة كجلسه

وفعلة لهيئة كجلسه (٢)

إذا أريد بيان المرّة من مصدر الفعل الثلاثى قيل فعلة ـ بفتح الفاء ـ نحو ضربته ضربة ، وقتلته قتلة.

هذا إذا لم يبن المصدر على تاء التأنيث ، فإن بنى عليها وصف بما يدل على

__________________

ذلك ، وشر الكبر الموت ، أى : القرب منه ، والكلام خبر لفظا ، ولكن المعنى على إنشاء التحسر والتحزن على الفارط من شبابه وقوته.

الإعراب : «يا» حرف نداء «قوم» منادى ، وهو مضاف وياء المتكلم المحذوفة للتخفيف والاجتزاء عنها بالكسرة مضاف إليه «حوقلت» فعل وفاعل «أو» عاطفة «دنوت» فعل وفاعل ، والجملة معطوفة بأو على جملة حوقلت «وشر» مبتدأ ، وشر مضاف و «حيقال» مضاف إليه ، وحيقال مضاف و «الرجال» مضاف إليه «الموت» خبر المبتدأ.

الشاهد فيه : قوله «حيقال» حيث ورد على زنة فعلال ـ بكسر فسكون ـ وهو مصدر «حوقل» الملحق بدحرج ، فحق مصدره أن يكون بزنه الفعللة.

(١) مما ورد من ذلك قول الشاعر :

ثلاثة أحباب : فحبّ علاقة ،

وحبّ تملّاق ، وحبّ هو القتل

والتملاق ـ بكسر التاء والميم جميعا ، وفتح اللام مشددة ـ هو التودد والتلطف.

(٢) «وفعلة» مبتدأ «لمرة» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «كجلسه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، وقوله «وفعلة لهيئة كجلسه» فى الإعراب مثل الشطر الأول.

١٣٢

الوحدة (١) نحو : نعمة ، ورحمة ، فإذا أريد المرة وصف بواحدة.

وإن أريد بيان الهيئة منه قيل : فعلة ـ بكسر الفاء ـ نحو جلس جلسة حسنة ، وقعد قعدة ، ومات ميتة.

* * *

فى غير ذى الثّلاث بالتّا المرّه

وشذّ فيه هيئة كالخمره (٢)

إذا أريد بيان المرة من مصدر المزيد على ثلاثة أحرف ، زيد على المصدر تاء التأنيث ، نحو أكرمته إكرامة ، ودحرجته دحراجة.

وشذ بناء فعلة للهيئة من غير الثلاثى ، كقولهم : هى حسنة الخمرة ، فبنوا فعلة من «اختمر» و «هو حسن العمّة» فبنوا فعلة من «تعمّم».

* * *

__________________

(١) المصدر المبنى على التاء إما أن يكون أوله مفتوحا كرحمة ونعمة ، وإما أن يكون أوله مضموما مثل كدرة وزرقة وحمرة ، وإما أن يكون أوله مكسورا ، نحو نشدة وذربة ؛ فإن كان أوله مفتوحا وأريد الدلالة على المرة منه وصف بالواحدة كما قال الشارح ؛ ليتميز الدال على الحدث من الدال على المرة ، أما إن كان أوله مضموما أو مكسورا وأريد الدلالة على المرة منه فإنه يكفى فتح أوله ، وبهذا الفتح يتميز الدال على المرة من الدال على الحدث ، ومن تقرير الكلام على هذا التفصيل تعلم أن إطلاق الشارح غير مستقيم.

(٢) «فى غير» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال مقدم على صاحبه ، وهو الضمير المستكن فى خبر المبتدأ الآتى ، وغير مضاف و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف و «الثلاث» مضاف إليه «بالتا» قصر ضرورة : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «المرة» مبتدأ مؤخر «وشذ» فعل ماض «فيه» جار ومجرور متعلق بشذ «هيئة» فاعل شذ «كالخمرة» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف.

١٣٣

أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين

[والصفات المشبهات بها]

كفاعل صغ اسم فاعل : إذا

من ذى ثلاثة يكون ، كغذا (١)

إذا أريد بناء اسم الفاعل من الفعل الثلاثى جىء به على مثال «فاعل» وذلك مقيس فى كل فعل كان على وزن فعل ـ بفتح العين ـ متعديّا كان أو لازما ، نحو ضرب فهو ضارب ، وذهب فهو ذاهب ، وغذا فهو غاذ ، فإن كان الفعل على وزن فعل ـ بكسر العين ـ فإما أن يكون متعديا ، أو لازما ؛ فإن كان متعديا فقياسه أيضا أن يأتى اسم فاعله على فاعل ، نحو ركب فهو راكب ، وعلم فهو عالم ، وإن كان لازما ، أو كان الثلاثىّ على فعل ـ بضم العين ـ فلا يقال فى اسم الفاعل منهما فاعل إلا سماعا ، وهذا هو المراد بقوله :

وهو قليل فى فعلت وفعل

غير معدّى ، بل قياسه فعل (٢)

__________________

(١) «كفاعل» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال مقدم على صاحبه ، وهو قوله «اسم فاعل» الآتى «صغ» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «اسم» مفعول به لصغ ، واسم مضاف و «فاعل» مضاف إليه «إذا» ظرف متعلق بصغ «من ذى» جار ومجرور متعلق بقوله «يكون» الآتى ، وذى مضاف و «ثلاثة» مضاف إليه «يكون» فعل مضارع تام ، وفاعله ضمير مستتر فيه «كغذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كقولك غذا.

(٢) «وهو قليل» مبتدأ وخبر «فى فعلت» جار ومجرور متعلق بقليل «وفعل» معطوف على فعلت «غير» حال من فعل ، وغير مضاف و «معدى» مضاف إليه «بل» حرف دال على الانتقال والإضراب «قياسه» قياس : مبتدأ ، وقياس مضاف والهاء مضاف إليه «فعل» خبر المبتدأ.

١٣٤

وأفعل ، فعلان ، نحو أشر ،

ونحو صديان ، ونحو الأجهر (١)

أى : إتيان اسم الفاعل على [وزن] فاعل قليل فى فعل ـ بضم العين ـ كقولهم : حمض فهو حامض ، وفى فعل ـ بكسر العين ـ غير متعدّ ، نحو : أمن فهو آمن [وسلم فهو سالم ، وعقرت المرأة فهى عاقر] ، بل قياس اسم الفاعل من فعل المكسور العين إذا كان لازما أن يكون على فعل ـ بكسر العين ـ نحو «نضر فهو نضر ، وبطر فهو بطر ، وأشر فهو أشر» أو على فعلان ، نحو «عطش فهو عطشان ، وصدى فهو صديان» أو على أفعل ، بحو : «سود فهو أسود ، وجهر فهو أجهر».

وفعل اولى ، وفعيل بفعل

كالضّخم والجميل ، والفعل جمل (٢)

وأفعل فيه قليل وفعل ،

وبسوى الفاعل قد يغنى فعل (٣)

إذا كان الفعل على وزن فعل ـ بضم العين ـ كثر مجىء اسم الفاعل منه على وزن فعل كـ «ضخم فهو ضخم ، وشهم فهو شهم» وعلى فعيل ، نحو :

__________________

(١) «وأفعل» معطوف على فعل الواقع خبرا فى البيت السابق «فعلان» معطوف على أفعل بعاطف مقدر «نحو» خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك نحو ، ونحو مضاف و «أشر» مضاف إليه.

(٢) «وفعل مبتدأ «أولى» خبر المبتدأ «وفعيل» معطوف على فعل «بفعل» جار ومجرور متعلق بأولى «كالضخم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف «والجميل» معطوف على «الضخم» «والفعل جمل» مبتدأ وخبر.

(٣) «وأفعل» مبتدأ «فيه» جار ومجرور متعلق بقوله «قليل» الآتى «قليل» خبر المبتدأ «وفعل» معطوف على أفعل «وبسوى» الجار والمجرور متعلق بيغنى ، وسوى مضاف و «الفاعل» مضاف إليه «قد» حرف تقليل «يغنى» فعل مضارع «فعل» فاعل يغنى.

١٣٥

«جمل فهو جميل ، وشرف فهو شريف» ، ويقلّ مجىء اسم فاعله على أفعل نحو «خظب فهو أخظب» (١) وعلى فعل نحو «بطل فهو بطل».

وتقدم أن قياس اسم الفاعل من فعل المفتوح العين أن يكون على فاعل ، وقد يأتى اسم الفاعل منه على غير فاعل قليلا ، نحو : طاب فهو طيّب ، وشاخ فهو شيخ ، وشاب فهو أشيب ، وهذا معنى قوله : «وبسوى الفاعل قد يغنى فعل».

* * *

وزنة المضارع اسم فاعل

من غير ذى الثّلاث كالمواصل (٢)

مع كسر متلوّ الأخير مطلقا

وضمّ ميم زائد قد سبقا (٣)

__________________

(١) وقع فى بعض النسخ «خضب فهو أخضب» بالخاء والضاد المعجمتين ، وفسره بعض أرباب الحواشى باحمر ، وليس بسديد ؛ لأن «خضب» إنما هو بفتح العين التى هى الضاد هنا ، وفى الحديث الشريف «بكى حتى خضب دمعه الحصى» قال ابن الأثير : الأشبه أن يكون معنى الحديث أنه بكى حتى احمر دمعه فخضب الحصى ، ووقع فى نسخة «خطب فهو أخطب» بالخاء المعجمة والطاء المهملة ، وتقول «خطب فهو أخطب» إذا كان أخضر ، لكن هذا الفعل بكسر العين التى هى الطاء المهملة.

(٢) «وزنة» خبر مقدم ، وزنة مضاف و «المضارع» مضاف إليه «اسم» مبتدأ مؤخر ، واسم مضاف و «فاعل» مضاف إليه «من غير» جار ومجرور متعلق بزنة ، وغير مضاف و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف و «الثلاث» مضاف إليه «كالمواصل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف.

(٣) «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال من قوله «المضارع» فى البيت السابق ، ومع مضاف و «كسر» مضاف إليه ، وكسر مضاف و «متلو» مضاف إليه ، ومتلو مضاف و «الأخير» مضاف إليه «مطلقا» حال من كسر «وضم» معطوف على كسر ، وضم مضاف و «ميم» مضاف إليه «زائد» نعت لميم ، وجملة ، «قد سبقا» وفاعله المستتر فيه فى محل جر نعت ثان لميم.

١٣٦

وإن فتحت منه ما كان انكسر

صار اسم مفعول كمثل المنتظر (١)

يقول : زنة اسم الفاعل من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف زنة المضارع منه بعد زيادة الميم فى أوله مضمومة ، ويكسر ما قبل آخره مطلقا : أى سواء كان مكسورا من المضارع أو مفتوحا ؛ فتقول «قاتل يقاتل فهو مقاتل ، ودحرج يدحرج فهو مدحرج ، وواصل يواصل فهو مواصل ، وتدحرج يتدحرج فهو متدحرج ، وتعلّم يتعلّم فهو متعلّم».

فإن أردت بناء اسم المفعول من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف أتيت به على وزن اسم الفاعل ، ولكن تفتح منه ما كان مكسورا ـ وهو ما قبل الآخر ـ نحو : مضارب ، ومقاتل ، ومنتظر.

* * *

وفى اسم مفعول الثّلاثىّ اطّرد

زنة مفعول كآت من قصد (٢)

إذا أريد بناء اسم المفعول من الفعل الثلاثى جىء به على زنة «مفعول» قياسا

__________________

(١) «وإن» شرطية «فتحت» فتح : فعل ماض فعل الشرط ، والتاء ضمير المتكلم فاعل «منه» جار ومجرور متعلق بفتحت «ما» اسم موصول : مفعول به لفتحت «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه ، والجملة من «انكسر» وفاعله المستتر فيه فى محل نصب خبر كان ، والجملة من كان واسمه وخبره لا محل لها صلة الموصول «صار» فعل ماض ناقص ، جواب الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه «اسم» خبر صار ، واسم مضاف و «مفعول» مضاف إليه «كمثل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، ومثل مضاف ، و «المنتظر» مضاف إليه.

(٢) «وفى اسم» جار ومجرور متعلق باطرد الآتى ، واسم مضاف و «مفعول» مضاف إليه ، ومفعول مضاف و «الثلاثى» مضاف إليه «اطرد» فعل ماض «زنة» فاعل اطرد ، وزنة مضاف و «مفعول» مضاف إليه «كآت» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف «من قصد» جار ومجرور متعلق بآت.

١٣٧

مطردا نحو : «قصدته فهو مقصود ، وضربته فهو مضروب ، ومررت به فهو ممرور به».

* * *

وناب نقلا عنه ذو فعيل

نحو فتاة أو فتى كحيل (١)

ينوب «فعيل» عن «مفعول» فى الدلالة على معناه نحو «مررت برجل جريح ، وامرأة جريح ، وفتاة كحيل ، وفتى كحيل ، وامرأة قتيل ، ورجل قتيل» فناب جريح وكحيل وقتيل ، عن : مجروح ، ومكحول ، ومقتول.

ولا ينقاس ذلك فى شىء ، بل يقتصر فيه على السماع ، وهذا معنى قوله : «وناب نقلا عنه ذو فعيل».

وزعم ابن المصنف أن نيابة «فعيل» عن «مفعول» كثيرة ، وليست مقيسة ، بالإجماع ، وفى دعواه الإجماع على ذلك نظر ؛ فقد قال والده فى التسهيل فى باب اسم الفاعل عند ذكره نيابة فعيل عن مفعول : وليس مقيسا خلافا لبعضهم ، وقال فى شرحه : وزعم بعضهم أنه مقيس فى كل فعل ليس له فعيل بمعنى فاعل كجريح ، فإن كان للفعل فعيل بمعنى فاعل لم ينب قياسا كعليم ، وقال فى باب التذكير والتأنيث : وصوغ فعيل بمعنى مفعول على كثرته غير مقيس ، فجزم بأصح القولين كما جزم به هنا ، وهذا لا يقتضى نفى الخلاف.

وقد يعتذر عن ابن المصف بأنه ادّعى الإجماع على أن فعيلا لا ينوب عن

__________________

(١) «وناب» فعل ماض «نقلا» حال من ذو فعيل الآتى «عنه» جار ومجرور متعلق بناب «ذو» فاعل ناب ، وذو مضاف و «فعيل» مضاف إليه «نحو» خبر مبتدأ محذوف ، ونحو مضاف و «فتاة» مضاف إليه «أو فتى» معطوف على فتاة «كحيل» صفة.

١٣٨

مفعول ، يعنى نيابة مطلقة ، أى من كل فعل ، وهو كذلك ، بناء على ما ذكره والده فى شرح التسهيل من أن القائل بقياسه يخصّه بالفعل الذى ليس له فعيل بمعنى فاعل.

ونبّه المصنف بقوله : نحو : «فتاة أو فتى كحيل» على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوى فيه المذكّر والمؤنّث ، وستأتى هذه المسألة مبيّنة فى باب التأنيث ، إن شاء الله تعالى.

وزعم المصنف فى التسهيل أن فعيلا ينوب عن مفعول : فى الدلالة على معناه ، لا فى العمل ؛ فعلى هذا لا تقول : «مررت برجل جريح عبده» فترفع «عبده» بجريح ، وقد صرّح غيره بجواز هذه المسألة.

* * *

١٣٩

الصّفة المشبّهة باسم الفاعل

صفة استحسن جرّ فاعل

معنى بها المشبهة اسم القاعل (١)

قد سبق أن المراد بالصفة : ما دلّ على معنى وذات ، وهذا يشمل : اسم الفاعل ، واسم المفعول ، وأفعل التفضيل ، والصفة المشبهة.

وذكر المصنف أن علامة الصفة المشبهة (٢) استحسان جرّ فاعلها بها ، نحو : «حسن الوجه ، ومنطلق اللّسان ، وطاهر القلب» والأصل : حسن وجهه ، ومنطلق لسانه ، وطاهر قلبه ؛ فوجهه : مرفوع بحسن [على الفاعلية] ولسانه : مرفوع بمنطلق ، وقلبه : مرفوع بطاهر ، وهذا لا يجوز فى غيرها من الصفات ؛ فلا تقول : «زيد ضارب الأب عمرا» تريد ضارب أبوه عمرا ، ولا «زيد قائم الأب غدا» تريد زيد قائم أبوه غدا ، وقد تقدّم أن اسم المفعول يجوز إضافته إلى مرفوعه ؛ فتقول : «زيد مضروب الأب» وهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة.

* * *

__________________

(١) «صفة» خبر مقدم «استحسن» فعل ماض مبنى للمجهول «جر» نائب فاعل استحسن ، وجر مضاف و «فاعل» مضاف إليه ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع نعت لصفة «معنى» تمييز ، أو منصوب بنزع الخافض «بها» جار ومجرور متعلق بجر «المشبهة» مبتدأ مؤخر ، وفيه ضمير مستتر فاعل «اسم» مفعول به للمشبهة ، واسم مضاف و «الفاعل» مضاف إليه.

(٢) أشبهت الصفة المشبهة اسم الفاعل من وجهين ؛ الأول : أن كلا منهما يدل على الحدث ومن قام به ، والثانى أن كلا منهما يقبل التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع ، ولما كانت الصفة المشبهة لا تدل على الحدوث الذى يدل عليه اسم الفاعل خالفته نوع مخالفة فى أحد الوجهين ؛ فلذلك انحطت عنه فى العمل ، ولهذا لما خالف أفعل التفضيل اسم الفاعل فى الوجهين جميعا لم يعمل النصب أصلا.

١٤٠