شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

وإعمال اسم المصدر قليل ، ومن ادّعى الإجماع على جواز إعماله فقد وهم ؛ فإن الخلاف فى ذلك مشهور (١) ، وقال الصيمرى : إعماله شاذ ، وأنشد : * أكفرا ـ البيت* [٢٥٠] وقال ضياء الدين بن العلج فى البسيط : ولا ببعد أن ما قام مقام المصدر يعمل عمله ، ونقل عن بعضهم أنه قد أجاز ذلك قياسا.

* * *

وبعد جرّه الّذى أضيف له

كمّل بنصب أو برفع عمله (٢)

__________________

اللغة : «بعشرتك» العشرة ـ بكسر العين ـ اسم مصدر بمعنى المعاشرة «ألوفا» ـ بفتح الهمزة وضم اللام ـ أى محبا ، ويروى* فلا ترين لغيرهم الوفاء* ببناء ترى للمعلوم ، والمراد نهيه عن أن ينطوى قليه على الوفاء لغير كرام الناس.

الإعراب : «بعشرتك» الجار والمجرور متعلق بقوله «تعد» الآتى ، وعشرة مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة اسم المصدر إلى فاعله «الكرام» مفعول به لعشرة «تعد» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وهو المفعول الأول لتعد «منهم» جار ومجرور متعلق بتعدّ ، وهو المفعول الثانى «فلا» الفاء فاء الفصيحة ، لا : ناهية «ترين» فعل مضارع مبنى للمجهول ، مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة فى محل جزم بلا ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وهو المفعول الأول «لغيرهم» الجار والمجرور متعلق بقوله «ألوفا» الآتى ، وغير مضاف والضمير مضاف إليه «ألوفا» مفعول ثان لترى.

الشاهد فيه : قوله «بعشرتك الكرام» فإنه قد أعمل اسم المصدر ، وهو قوله «عشرة» عمل الفعل ؛ فنصب به المفعول ، وهو قوله «الكرام» بعد إضافته إلى فاعله.

(١) اسم المصدر إما ان يكون علما مثل يسار وبرة وفجار ، وإما أن يكون مبدوءا بميم زائدة كالمحمدة والمترية ، وأما ألا يكون واحدا منهما ؛ فالأول لا يعمل إجماعا ، والثانى يعمل إجماعا ، والثالث هو محل الخلاف.

(٢) «وبعد» ظرف متعلق بقوله «كمل» الآتى ، وبعد مضاف وجر من «جره»

١٠١

يضاف المصدر إلى الفاعل فيجره ؛ ثم ينصب المفعول ، نحو «عجبت من شرب زيد العسل» وإلى المفعول ثم يرفع الفاعل ، نحو : «عجبت من شرب العسل زيد» ، ومنه قوله :

(٢٥٣) ـ

تنفى يداها الحصى فى كلّ هاجرة

نفى الدّراهيم تنقاد الصّياريف

__________________

مضاف إليه ، وجر مضاف والضمير مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله «الذى» اسم موصول : مفعول به للمصدر الذى هو جر «أضيف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه «له» جار ومجرور متعلق بأضيف ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها صلة الموصول «كمل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بنصب» جار ومجرور متعلق بكمل «أو» عاطفة «برفع» معطوف على بنصب «عمله» عمل : مفعول به لكمل ، وعمل مضاف والهاء مضاف إليه.

٢٥٣ ـ البيت للفرزدق يصف ناقة ، وهو من شواهد سيبويه (١ ـ ١٠) ومن شواهد الأشمونى (رقم ٦٨٩) وابن هشام فى قطر الندى (رقم ١٢٤) وفى أوضح المسالك (رقم ٥٦٧).

اللغة : «تنفى» تدفع ، وبابه رمى «الحصى» جمع حصاة «هاجرة» هى نصف النهار عند اشتداد الحر (انظر شرح الشاهد الآتى ٢٥٤) «الدراهيم» جمع درهم ، وزيدت فيه الياء كما حذفت من جمع مفتاح فى قوله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) وقيل : لا حذف ولا زيادة ، بل مفاتح جمع مفتح ، ودراهيم جمع درهام «تنقاد» مصدر نقد ، وتاؤه مفتوحة ، وهو مثل تذكار وتقتال وتبياع بمعنى الذكر والقتل والبيع «الصياريف» جمع صيرفى.

المعنى : إن هذه الناقة تدفع يدها الحصى عن الأرض فى وقت الظهيرة واشتداد الحر كما يدفع الصيرفى الناقد الدراهم ، وكنى بذلك عن سرعة سيرها وصلابتها وصبرها على السير ، وخص وقت الظهيرة لأنه الوقت الذى تعيا فيه الإبل ويأخذها الكلال والتعب فإذا كانت فيه جلدة فهى فى غيره أكثر جلادة وأشد اصطبارا.

الإعراب : «تنفى» فعل مضارع «يداها» يدا : فاعل تنفى مرفوع بالألف لأنه

١٠٢

وليس هذا الثانى مخصوصا بالضرورة ، خلافا لبعضهم ، وجعل منه قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فأعرب «من» فاعلا بحج ، وردّ بأنه يصير المعنى : ولله على جميع الناس أن يحج البيت المستطيع ، وليس كذلك ؛ فـ «من» : بدل من «الناس» ، والتقدير : ولله على الناس مستطيعهم حجّ البيت ، وقيل : «من» مبتدأ ، والخبر محذوف ، والتقدير : من استطاع منهم فعليه ذلك.

ويضاف المصدر أيضا إلى الظرف ثم يرفع الفاعل وينصب المفعول ، نحو : «عجبت من ضرب اليوم زيد عمرا».

* * *

وجرّ ما يتبع ما جرّ ، ومن

راعى فى الاتباع المحلّ فحسن (١)

__________________

مثنى ، ويدا مضاف وها مضاف إليه «الحصى» مفعول به لتنفى «فى كل» جار ومجرور متعلق بنفى ، وكل مضاف و «هاجرة» مضاف إليه «نفى» مفعول مطلق عامله تنفى ، ونفى مضاف و «الدراهيم» مضاف إليه ، من إضافة المصدر إلى مفعوله «تنقاد» فاعل المصدر الذى هو نفى ، وتنقاد مضاف و «الصياريف» مضاف إليه ، من إضافة المصدر لفاعله.

الشاهد فيه : قوله «نفى الدراهيم تنقاد» حيث أضاف المصدر ـ وهو قوله «نفى» ـ إلى مفعوله ـ وهو قوله «الدراهيم» ـ تم أنى بفاعله مرفوعا ، وهو قوله تنفاد.

(١) «جر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ما» اسم موصول : مفعول به لجر «يتبع» فعل مضارع ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو فاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «ما» اسم موصول : مفعول به ليتبع «جر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة «ومن» اسم شرط مبتدأ «راعى» فعل ماض فعل الشرط «فى الاتباع» جار ومجرور متعلق براعى «المحل» مفعول به لراعى «فحسن» الفاء لربط الجواب

١٠٣

إذا أضيف المصدر إلى الفاعل ففاعله يكون مجرورا لفظا ، مرفوعا محلا ؛ فيجوز فى تابعه ـ من الصفة ، والعطف ، وغيرهما ـ مراعاة اللفظ فيجر ، ومراعاة المحل فيرفع ؛ فتقول ، «عجبت من شرب زيد الظريف ، والظريف».

ومن إتباعه [على] المحلّ قوله :

(٢٥٤) ـ

حتّى تهجّر فى الرّواح وهاجها

طلب المعقّب حقّه المظلوم

فرفع «المظلوم» لكونه نعتا لـ «لمعقب» على المحل.

__________________

بالشرط ، حسن : خبر لمبتدأ محذوف تقديره فهو حسن ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل جزم جواب الشرط ، وجملتا الشرط والجواب فى محل رفع خبر عن اسم الشرط الواقع مبتدأ ، وقيل : جملة الشرط فقط ، وقيل : جملة الجواب فقط ، وهو خلاف معروف بين النحاة.

٢٥٤ ـ البيت للبيد بن ربيعة العامرى ، يصف حمارا وحشيا وأتانه ، شبه به ناقته.

اللغة : «تهجر» سار فى الهاجرة ، وقد سبق قريبا (فى شرح الشاهد ٢٥٣) أنها نصف النهار عند اشتداد الحر «الرواح» هو الوقت من زوال الشمس إلى الليل ، ويقابله الغدو «هاجها» أزعجها «المعقب» الذى يطلب حقه مرة بعد أخرى «المظلوم» الذى مطله المدين بدين عليه له.

المعنى : يقول : إن هذا المسحل ـ وهو حمار الوحش ـ قد عجل رواحه إلى الماء وقت اشتداد الهاجرة ، وأزعج الأتان ، وطلبها إلى الماء مثل طلب الغريم الذى مطله مدين بدين له ؛ فهو يلح فى طلبه المرة بعد الأخرى.

الإعراب : «تهجر» فعل ماض ، وفيه ضمير مستتر جوازا يعود إلى مسحل هو فاعله «فى الرواح» جار ومجرور متعلق بتهجر «وهاجها» الواو عاطفة ، هاج : فعل ماض ، وفيه ضمير مستتر يعود إلى الحمار الوحشى الذى عبر عنه بالمسحل فى بيت سابق فاعل ، وها : مفعول به ، وهى عائدة إلى الأنان «طلب» مصدر تشبيهى مفعول مطلق عامله «هاجها» أى : هاجها لكى تطلب الماء طلبا حثيثا مثل طلب المعقب ـ إلخ ، وطلب مضاف ، و «المعقب» مضاف إليه ، من إضافة المصدر إلى فاعله «حقه» حق : مفعول به

١٠٤

وإذا أضيف إلى المفعول ، فهو مجرور لفظا ، منصوب محلا ؛ فيجوز ـ أيضا ـ فى تابعه مراعاة اللفظ والمحل ، ومن مراعاة المحلّ قوله :

(٢٥٥) ـ

قد كنت داينت بها حسّانا

مخافة الإفلاس واللّيّانا

فـ «اللّيّانا» ، معطوف على محل «الإفلاس».

__________________

للمصدر الذى هو طلب ، ويجوز أن يكون مفعولا للمعقب ؛ لأنه اسم فاعل ومعناه الطالب «المظلوم» نعت للمعقب باعتبار المحل ؛ لأنه ـ وإن كان مجرور اللفظ ـ مرفوع المحل.

الشاهد فيه : قوله «طلب المعقب ... المظلوم» حيث أضاف المصدر ، وهو «طلب» إلى فاعله ـ وهو المعقب ـ ثم أتبع الفاعل بالنعت ، وهو «المظلوم» وجاء بهذا التابع مرفوعا نظرا للمحل.

٢٥٥ ـ البيت لزيادة العنبرى ، ونسبوه فى كتاب سيبويه (١ / ٩٧) إلى رؤبة ابن العجاج.

اللغة : «داينت بها» أخذتها بدلا عن دين لى عنده ، والضمير المجرور محلا بالباء فى بها يعود إلى أمة «الليان» بفتح اللام وتشديد الياء المثنّاة ـ المطل واللى والتسويف فى قضاء الدين.

المعنى : يقول قد كنت أخذت هذه الأمة من حسان بدلا عن دين لى عنده ؛ لمخافتى أن يفلس ، أو يمطلنى فلا يؤدينى حقى.

الإعراب : «قد» حرف تحقيق «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير المتكلم اسمه «داينت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل نصب خبر كان «بها» جار ومجرور متعلق بداين «حسانا» مفعول به لداين «مخافة» مفعول لأجله ، ومخافة مضاف ، و «الإفلاس» مضاف إليه ، من إضافة المصدر إلى مفعوله ، وقد حذف فاعله «والليانا» معطوف على محل الإفلاس ـ وهو النصب ـ لكونه مفعولا به للمصدر.

الشاهد فيه : قوله «والليانا» حيث عطفه بالنصب على «الإفلاس» الذى أضيف المصدر إليه ، نظرا إلى محله.

١٠٥

إعمال اسم الفاعل (١)

كفعله اسم فاعل فى العمل

إن كان عن مضيّه بمعزل (٢)

لا يخلو اسم الفاعل من أن يكون معرّفا بأل ، أو مجردا.

فإن كان مجردا عمل عمل فعله ، من الرفع والنصب ، إن كان مستقبلا أو حالا ، نحو «هذا ضارب زيدا ـ الآن ، أو غدا» وإنما عمل لجريانه على الفعل الذى هو بمعناه ، وهو المضارع ، ومعنى جريانه عليه : أنه موافق له فى الحركات والسكنات ؛ لموافقة «ضارب» لـ «يضرب» ؛ فهو مشبه للفعل الذى هو بمعناه لفظا ومعنى.

وإن كان بمعنى الماضى لم يعمل ؛ لعدم جريانه على الفعل الذى هو بمعناه ؛ فهو مشبه له معنى ، لا لفظا ؛ فلا تقول : «هذا ضارب زيدا أمس» ، بل يجب إضافته ، فتقول «هذا ضارب زيد أمس» ، وأجاز الكسائىّ إعماله ، وجعل منه قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)

__________________

(١) عرف ابن مالك فى تسهيله اسم الفاعل بأنه «الصفة الدالة على فاعل الحدث ، الجارية فى مطلق الحركات والسكنات على المضارع من أفعالها ، فى حالتى التذكير والتأنيث ، المفيدة لمعنى المضارع أو الماضى».

(٢) «كفعله» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وفعل مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «اسم» مبتدأ مؤخر ، واسم مضاف و «فاعل» مضاف إليه «فى العمل» متعلق بما تعلق به الجار والمجرور السابق الواقع خبرا «إن» شرطية «كان» فعل ماض ناقص ، فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه «عن مضيه» الجار والمجرور متعلق بقوله «معزل» الآتى ، ومضى مضاف والضمير مضاف إليه «بمعزل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام ، وتقدير الكلام : إن كان بمعزل عن مضيه فهو كفعله فى العمل.

١٠٦

فـ «ذراعيه» منصوب بـ «باسط» ، وهو ماض ، وخرّجه غيره على أنه حكاية حال ماضية.

* * *

وولى استفهاما ، او حرف ندا ،

أو نفيا ، او جا صفة ، أو مسندا (١)

أشار بهذا [البيت] إلى أن اسم الفاعل لا يعمل إلا إذا اعتمد على شىء قبله ، كأن يقع بعد الاستفهام ، نحو «أضارب زيد عمرا» ، أو حرف النداء ، نحو «يا طالعا جبلا» أو النفى ، نحو «ما ضارب زيد عمرا» أو يقع نعتا ، نحو «مررت برجل ضارب زيدا» أو حالا ، نحو «جاء زيد راكبا فرسا» ويشمل هذين [النوعين] قوله : «أو جا صفة» وقوله : «أو مسندا» معناه أنه يعمل إذا وقع خبرا ، وهذا يشمل خبر المبتدأ ، نحو «زيد ضارب عمرا» وخبر ناسخه أو مفعوله ، نحو «كان زيد ضاربا عمرا ، وإنّ زيدا ضارب عمرا ، وظننت زيدا ضاربا عمرا ، وأعلمت زيدا عمرا ضاربا بكرا».

* * *

__________________

(١) «وولى» فعل ماض ، ويحتمل أن تكون الواو عاطفة فيكون معطوفا على «كان» ويحتمل أن تكون الواو واو الحال ، فالجملة منه ومن فاعله المستتر فيه فى محل نصب حال ، وقبلها «قد» مقدرة «استفهاما» مفعول به لولى «أو» عاطفة «حرف» معطوف على قوله «استفهاما» وحرف مضاف ، و «ندا» قصر للضرورة : مضاف إليه «أو نفيا» معطوف على «استفهاما» «أو» عاطفة «جا» قصر للضروره : فعل ماض معطوف على ولى ، وفيه ضمير مستتر فاعل «صفة» حال من فاعل جاء «أو» حرف عطف «مسندا» معطوف على قوله «صفة».

١٠٧

وقد يكون نعت محذوف عرف

فيستحقّ العمل الّذى وصف (١)

قد يعتمد اسم الفاعل على موصوف مقدّر فيعمل عمل فعله ، كما لو اعتمد على مذكور ، ومنه قوله :

(٢٥٦) ـ

وكم مالىء عينيه من شىء غيره

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى

__________________

(١) «وقد» حرف تقليل «يكون» فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو «نعت» خبر يكون ، ونعت مضاف و «محذوف» مضاف إليه «عرف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة فى محل جر نعت لقوله «محذوف» «فيستحق» فعل مضارع معطوف بالفاء على يكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه «العمل» مفعول به ليستحق «الذى» اسم موصول : نعت للعمل ، وجملة «وصف» من الفعل الماضى المبنى للمجهول ونائب الفاعل المستتر فيه لا محل لها صلة الذى.

٢٥٦ ـ البيت لعمر بن أبى ربيعة المخزومى.

اللغة : «الجمرة» مجتمع الحصى بمنى «البيض» جمع بيضاء ، وهو صفة لموصوف محذوف أى : النساء البيض ، مثل «الدمى» جمع دمية ـ بضم الدال فيهما ، كقولك : غرفة وغرف ، والدمية : الصورة من العاج ، وبها تشبه النساء فى الحسن والبياض تخالطه صفرة المعنى : يقول : كثير من الناس يتطلعون إلى النساء الجميلات المشبهات للدمى فى بياضهن وحسنهن وقت ذهابهن إلى الجمرات بمنى ، ولكن الناظر إليهن لا يفيد شيئا.

الإعراب : «وكم» خبرية مبتدأ «مالىء» تمييز لكم مجرور بمن المقدرة أو بإضافة «كم» إليه ، على الخلاف المعروف ، وفى مالىء ضمير مستتر فاعل ، وخبر المبتدأ ـ وهو كم ـ محذوف تقديره : لا يفيد من نظره شيئا ، أو نحو ذلك «عينيه» مفعول به لمالىء ، والضمير مضاف إليه «من شىء» جار ومجرور متعلق بمالىء ، وشىء مضاف وغير من «غيره» مضاف إليه ، وغير مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «إذا» ظرفية «راح» فعل ماض «نحو» منصوب على الظرفية المكانية يتعلق براح ، ونحو مضاف و «الجمرة» مضاف إليه «البيض» فاعل راح «كالدمى» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من البيض

١٠٨

فـ «عينيه» : منصوب بـ «مالىء» و «مالىء» : صفة لموصوف محذوف ، وتقديره : وكم شخص مالىء ، ومثله قوله :

(٢٥٧) ـ

كناطح صخرة يوما ليوهنها

فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

التقدير : كوعل ناطح صخرة.

* * *

__________________

الشاهد فيه : قوله «مالىء عينيه» حيث عمل اسم الفاعل وهو قوله «مالىء» النصب فى المفعول به ، بسبب كونه معتمدا على موصوف محذوف معلوم من الكلام ، وتقديره : وكم شخص مالىء ـ إلخ.

٢٥٧ ـ البيت للأعشى ميمون بن قيس ، من لاميته المشهورة ، وهو من شواهد الأشمونى (رقم ٦٩٨).

اللغة : «ليوهنها» مضارع أوهن الشىء إذا أضعفه ، ومن الناس من يرويه «لبوهيها» على أنه مضارع أوهى الشىء يوهيه ـ مثل أغطاه يعطيه ـ ومعناه أضعف أيضا «يضرها» مضارع ضاره يضيره ضيرا ، أى أضربه «وأوهى» أضعف «الوعل» بزنة كتف ، ذكر الأروى.

المعنى : إن الرجل الذى يكلف نفسه ما لا سبيل له إليه ، ولا مطمع له فيه ، كالوعل الذى ينطح الصخرة ليضعفها ؛ فلا يؤثر فيها شيئا ، بل يضعف قرنه ويؤذيه.

الإعراب : «كناطح» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره هو كائن كناطح ، ونحوه ، وناطح ـ فى الأصل ـ صفة لموصوف محذوف ، وأصل الكلام كوعل ناطح ، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه ، كقوله تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) وفى «ناطح» ضمير مستتر فاعل «صخرة» مفعول به لناطح «يوما» ظرف زمان متعلق بناطح «ليوهنها» اللام لام كى ، يوهن : فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا ، وها : مفعول به «فلم» نافية جازمة «يضرها» يضر : فعل مضارع مجزوم بلم ، وفيه ضمير مستتر فاعل ، وها : مفعول به «وأوهى» فعل ماض «قرنه» قرن : مفعول به تقدم على الفاعل ،

١٠٩

وإن يكن صلة أل ففى المضى

وغيره إعماله قد ارتضى (١)

إذا وقع اسم الفاعل صلة للألف واللام عمل : ماضيا ، ومستقبلا ، وحالا ؛ لوقوعه حينئذ موقع الفعل ؛ إذ حقّ الصلة أن تكون جملة ؛ فتقول : «هذا الضّارب زيدا ـ الآن ، أو غدا ، أو أمس».

هذا هو المشهور من قول النحويين ، وزعم جماعة من النحويين ـ منهم الرّمّانى ـ أنه إذا وقع صلة لأل لا يعمل إلا ماضيا ، ولا يعمل مستقبلا ، ولا حالا ، وزعم بعضهم أنه لا يعمل مطلقا ، وأن المنصوب بعده منصوب بإضمار فعل ، والعجب أن هذين المذهبين ذكرهما المصنف فى التسهيل ، وزعم ابنه بدر الدين فى شرحه أن اسم الفاعل إذا وقع صلة للألف واللام عمل :

__________________

والضمير المتصل به يعود على الفاعل المتأخر فى اللفظ ، وساغ ذلك لأن رتبته التقديم على المفعول «الوعل» فاعل أوهى ، وقد استعمل الظاهر مكان المضمر ، والأصل أن يقول «فلم يضرها وأوهى قرنه» فيكون فى «أوهى» ضمير مستتر هو الفاعل.

الشاهد فيه : قوله «كناطح صخرة» حيث أعمل اسم الفاعل ـ وهو قوله «ناطح» ـ عمل الفعل ، ونصب به مفعولا ، وهو قوله «صخرة» لأنه جار على موصوف محذوف معلوم من الكلام ، كما تقدم فى البيت قبله ، وكما قررناه فى إعراب هذا البيت.

(١) «وإن» شرطية «يكن» فعل مضارع ناقص فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو «صلة» خبر يكن ، وصلة مضاف و «أل» قصد لفظه : مضاف إليه «ففى المضى» الفاء لربط الجواب بالشرط ، والجار والمجرور متعلق بارتضى الآتى فى آخر البيت «وغيره» الواو عاطفة ، وغير : معطوف بالواو على المضى ، وغير مضاف والهاء مضاف إليه «إعماله» إعمال : مبتدأ ، وإعمال مضاف والهاء مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «ارتضى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إعمال ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

١١٠

ماضيا ، ومستقبلا ، وحالا ؛ باتفاق ، وقال بعد هذا أيضا : ارتضى جميع النحويين إعماله ، يعنى إذا كان صلة لأل.

* * *

فعّال او مفعال او فعول

 ـ فى كثرة ـ عن فاعل بديل (١)

فيستحقّ ما له من عمل

وفى فعيل قلّ ذا وفعل (٢)

يصاغ للكثرة : فعّال ، ومفعال ، وفعول ، وفعيل ، وفعل ؛ فيعمل عمل الفعل على حدّ اسم الفاعل ، وإعمال الثلاثة الأول أكثر من إعمال فعيل وفعل ، وإعمال فعيل أكثر من إعمال فعل.

فمن إعمال فعّال ما سمعه سيبويه من قول بعضهم : «أما العسل فأنا شرّاب» (٣) ، وقول الشاعر :

__________________

(١) «فعال» مبتدأ ، وليس نكرة ، بل هو علم على زنة خاصة «أو مفعال» معطوف عليه «أو فعول» معطوف على مفعال «فى كثرة ، عن فاعل» متعلقان بقوله بديل الآتى «بديل» خبر المبتدأ.

(٢) «فيستحق» الفاء للتفريع ، يستحق : فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المذكور من الصيغ «ما» اسم موصول : مفعول به ليستحق «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول «من عمل» بيان لما «وفى فعيل» متعلق بقوله «قل» الآتى «قل» فعل ماض «ذا» اسم إشارة : فاعل بقل «وفعل» معطوف على فعيل.

(٣) ذكر هذا المثال وأسند روايته عن العرب إلى سيبويه الثقة للاشارة إلى رد مذهب الكوفيين الذين ذهبوا إلى أنه لا يجوز أن يتقدم معمول هذه الصفة عليها ، وسيأتى ذكر ذلك فى شرح الشاهد رقم ٣٥٩ ، وانظر كتاب سيبويه (١ / ٥٧).

١١١

(٢٥٨) ـ

أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها

وليس بولّاج الخوالف أعقلا

فـ «العسل» منصوب بـ «شرّاب» ، و «جلالها» منصوب بـ «لبّاس».

__________________

٢٥٨ ـ البيت للقلاخ ـ بقاف مضمومة ، وفى آخرة خاء معجمة ـ ابن حزن بن جناب ، وهو من شواهد الأشمونى (٦٩٨) وابن هشام فى أوضح المسالك (٣٧٢).

اللغة : «إليها» إلى بمعنى اللام : أى لها «جلالها» بكسر الجيم ـ جمع جل ، وأراد به ما يلبس فى الحرب من الدرع ونحوها «ولاج» كثير الولوج «الخوالف» جمع خالفة وهو ـ فى الأصل ـ عمود الخباء ، ولكنه أراد به هنا نفس الخيمة «أعقلا» مأخوذ من العقل ، وهو التواء الرجل من الفزع ، أو اصطكاك الركبتين ، يريد أنه قوى النفس ثابت مقدم عند ما يجد الجد ووقت حدوث الذعر.

المعنى : يقول : إنك لا ترانى إلا مواخيا للحرب كثير لبس الدروع ، لكثرة ما أقتحم نيران الحرب ، وإذا حضرت الحرب واشتد أوارها فلست ألج الأخببة هربا من الفرسان وخوفا من ولوج المآزق ـ يصف نفسه بالشجاعة وملازمة الحرب.

الإعراب : «أخا» حال من ضمير مستتر فى قوله «بأرفع» فى بيت سابق ، وهو قوله :

فإن تك فاتتك السّماء فإنّنى

بأرفع ما حولى من الأرض أطولا

وأخا : مضاف و «الحرب» مضاف إليه «لباسا» حال أخرى ، أو صفة لأخا الحرب «إليها» جار ومجرور متعلق بلباس «جلالها» جلال : مفعول به لقوله «لباسا» وجلال مضاف وها ضمير الحرب مضاف إليه «وليس» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه «بولاج» الباء زائدة ، ولاج : خبر ليس ، وولاج مضاف و «الخوالف» مضاف إليه «أعقلا» خبر ثان لليس.

الشاهد فيه : قوله «لباسا ... جلالها» فإنه قد أعمل «لباسا» وهو صيغة من صيغ المبالغة ـ إعمال الفعل ؛ فنصب به المفعول ، وهو قوله «جلالها» لاعتماده على موصوف مذكور فى الكلام ، وهو قوله «أخا الحرب».

١١٢

ومن إعمال مفعال قول بعض العرب : «إنّه لمنحار بوائكها» فـ «بوائكها» منصوب بـ «منحار».

ومن إعمال فعول قول الشاعر :

(٢٥٩) ـ

عشيّة سعدى لو تراءت لراهب

بدومة تجر دونه وحجيح

قلى دينه ، واهتاج للشّوق ؛ إنّها

على الشّوق إخوان العزاء هيوج

__________________

٢٥٩ ـ البيتان للراعى ، وهما من شواهد الأشمونى (رقم ٧٠١) وثانيهما من شواهد سيبويه (١ ـ ٥٦).

اللغة : «تراءت» ظهرت ، وبدت «لراهب» عابد النصارى «دومة» حصن واقع بين المدينة المنورة والشام ، وبسمى دومة الجندل «تجر» اسم جمع لتاجر مثل شرب وصحب وسفر «حجيج» اسم جمع لحاج «قلى» كره «اهتاج» ثار «الشوق» نزاع النفس إلى شىء.

المعنى : يقول : كان الأمر الفلانى فى العشية التى لو ظهرت فيها سعدى لعابد من عباد النصارى مقيم بدومة الجندل وكان عنده تجار وحجاج يلتمسون ما عند لأبغض دينه وتركه وثار شوقا لها.

الإعراب : «عشية» منصوب على الظرفية «سعدى» مبتدأ «لو» شرطية غير جازمة «تراءت» تراءى : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى سعدى «لراهب» متعلق بتراءت ، والجملة شرط «لو» «بدومة» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لراهب «تجر» مبتدأ «دونه» دون : ظرف يتعلق بمحذوف خبر المبتدأ و «حجيح» معطوف على «تجر» وجملة المبتدأ والخبر فى محل جر صفة أخرى لراهب «قلى» فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على راهب «دينه» دين : مفعول به لقلى ، ودين مضاف والهاء مضاف إليه ، والجملة جواب «لو» وجملة الشرط والجواب فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو «سعدى» وجملة المبتدأ والخبر فى محل جر بإضافة الظرف وهو «عشية» إليها «واهتاج» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه يعود إلى راهب ، والجملة معطوفة على جملة الجواب «للشوق» جار ومجرور متعلق ياهتاج «إنها» إن : حرف توكيد

١١٣

فـ «إخوان» منصوب بـ «هيوج».

ومن إعمال فعيل قول بعض العرب : «إن الله سميع دعاء من دعاه» فـ «دعاء» منصوب بـ «سميع».

ومن إعمال قعل ما أنشده سيبويه :

(٢٦٠) ـ

حذر أمورا لا تضير ، وآمن

ما ليس منجيه من الأقدار

__________________

ونصب ، وها اسمه «على الشوق» جار ومجرور متعلق بقوله «هيوج» الآتى «إخوان» مفعول به لهيوج ، وإخوان مضاف و «العزاء» مضاف إليه «هيوج» خبر إن.

الشاهد فيه : قوله «إخوان العزا هيوج» حيث أعمل قوله «هيوج» وهو من صبغ المبالغة إعمال الفعل ؛ فنصب به المفعول ، وهو قوله «إخوان» وهو معتمد على المسند إليه الذى هو اسم إن.

وفى البيت دليل على أن هذا العامل ـ وإن كان فرعا عن الفعل ـ لم يضعف عن العمل فى المعمول المتقدم عليه ، ألا ترى أن قوله «إخوان العزاء» متقدم مع كونه مفعولا لقوله «هيوح» وقد قدمنا أن قول العرب «أما العسل فأنا شراب» الذى رواه سيبويه الثقة يدل على ذلك أيضا ، وأن هذا يرد ما ذهب إليه الكوفيون من أن معمول هذه الصفة لا يتقدم عليها ، زعموا أنها فرع فى العمل عن فرع ؛ لأنها فرع عن اسم الفاعل وهو فرع عن الفعل المضارع ، وأن ذلك سبب فى ضعفها ، وأن ضعفها يمنع من عملها متأخرة ، والجواب أنه لا قياس مع النص.

٢٦٠ ـ زعموا أن البيت مما صنعه أبو يحيى اللاحقى ونسبه للعرب ، قال المازنى : زعم أبو يحيى أن سيبويه سأله : هل تعدى العرب فعلا؟ قال : فوضعت له هذا البيت ونسبته إلى العرب ، وأثبته هو فى كتابه ، والبيت من شواهد سيبويه (١ / ٥٨) واستشهد به الأشمونى (رقم ٠٣) وستعرف فى شرح الشاهد الآتى (رقم ٢٦١) رأينا فى هذه الأقصوصة.

الإعراب : «حذر» خبر مبتدأ محذوف ، وتقدير الكلام : هو حذر ، أو نحوه ، وفى حذر ضمير مستتر فاعل «أمورا» مفعول به لحذر «لا» نافية «تضير» فعل مضارع ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هى يعود إلى أمور هو فاعله ، والجملة فى

١١٤

وقوله :

(٢٦١) ـ

أتانى أنّهم مزقون عرضى

جحاش الكرملين لها فديد

فـ «أمورا» منصوب بـ «حذر» ، و «عرضى» منصوب بـ «مزق».

* * *

__________________

محل نصب صفة لأمور «وآمن» معطوف على حذر ، وفيه ضمير مستتر فاعل «ما» اسم موصول : مفعول به لآمن «ليس» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه «منجيه» منجى : خبر ليس ، ومنجى مضاف والهاء مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله «من الأقدار» جار ومجرور متعلق بمنج ، وجملة «ليس» واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول.

الشاهد فيه : قوله «حذر أمورا» حيث أعمل قوله «حذر» ـ وهو من صيغ المبالغة ـ عمل الفعل ؛ فنصب به المفعول ، وهو قوله «أمورا».

٢٦١ ـ البيت لزيد الخيل ، وهو من شواهد الأشمونى (٧٠٢) وقد ذكره الأعلم الشنتمرى فى شرحه لشواهد سيبويه (١ ـ ٥٨) ليبين أن أقصوصة اللاحقى لا تضر سيبويه.

اللغة : «جحاش» جمع جحش ، وهو ولد الأتان ، وهى أنثى الحمار «الكرملين» تثنية كرمل ـ بزنة زبرج ـ وهو ماء بجبل من جبلى طيىء «فديد» صوت.

المعنى : يقول : بلغنى أن هؤلاء الناس أكثروا من تمزيق عرضى والنيل منه بالطعن والقدح ، وهم عندى بمنزلة الجحاش التى ترد هذا الماء وهى تصوت ، يريد أنه لا يعبأ بهم ولا يكثرث لهم.

الإعراب : «أتانى» أتى : فعل ماض ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به «أنهم» أن : حرف توكيد ونصب ، والضمير اسمه «مزقون» خبر أن ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر فاعل أتى «عرضى» مفعول به لمزقون ومضاف إليه «جحاش» خبر لمبتدأ محذوف ، أى : هم جحاش ، ونحو ذلك ، وجحاش مضاف و «الكرملين» مضاف إليه «لها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «فديد» مبتدأ مؤخر ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب حال من جحاش الكرملين.

١١٥

وما سوى المفرد مثله جعل

فى الحكم والشّروط حيثما عمل (١)

ما سوى المفرد هو المثنى والمجموع ـ نحو : الضّاربين ، والضّاربتين ، والضّاربين ، والضّرّاب ، والضّوارب ، والضّاربات ـ فحكمها حكم المفرد فى العمل وسائر ما تقدم ذكره من الشروط ؛ فتقول : «هذان الضّاربان زيدا ، وهؤلاء القاتلون بكرا» ، وكذلك الباقى ، ومنه قوله :

(٢٦٢) ـ

* أوالفا مكّة من ورق الحمى*

__________________

الشاهد فيه : قوله «مزقون عرضى» حيث أعمل «مزقون» وهو جمع مزق الذى هو صيغة مبالغة ، إعمال الفعل ؛ فنصب به المفعول ، وهو قوله «عرضى».

والعلماه ـ رحمهم الله! ـ يذكرون هذا البيت فى الاستشهاد على إعمال صيغة فعل كحذر بعد ذكرهم بيت اللاحقى السابق لبردوا ما نسبه اللاحقى إلى سيبويه من أنه أخذ بيته الذى اختلقه له واستدل به فى كتابه ـ وهو إنما يرمى بذلك إلى الطعن فى كتاب سيبويه بأن فيه ما لا أصل له ـ وإنما أورد أئمة العربية هذا البيت ليبرهنوا على أن الذى أصله سيبويه من القواعد جار على ما هو ثابت معروف فى لسان العرب الذين يوثق بلسانهم وبنسبة القول إليهم ؛ فلا يضره أن يكون فى كتابه شاهد غير معروف النسبة أو مختلق ، وسيبويه إنما ذكر بيت اللاحقى مثالا لا شاهدا ؛ لأن القاعدة ثابتة بدونه.

(١) «وما» اسم موصول مبتدأ «سوى» ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول ، وسوى مضاف و «المفرد» مضاف إليه «مثله» مثل : مفعول ثان لجعل مقدم عليه «جعل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، وهو المفعول الأول ، والجملة من جعل ومفعوليه فى محل رفع خبر المبتدأ «فى الحكم» متعلق بجعل «والشروط» معطوف على الحكم «حيثما» حيث : ظرف متعلق بجعل ، وما : زائدة «عمل» فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل جر بإضافة «حيث» إليها.

٢٦٢ ـ البيت للعجاج من أرجوزة طويلة ، وهو من شواهد سيبويه فى «باب ما يحتمل الشعر» وانظره فى كتاب سيبويه (١ ـ ٨ و٥٦) والأشمونى (رقم ٧٠٧).

١١٦

[أصله الحمام] وقوله :

(٢٦٣) ـ

ثمّ زادوا أنّهم فى قومهم

غفر ذنبهم غير فخر

__________________

اللغة : «أوالف» جمع آلفة ، وهو اسم الفاعل المؤنث ، وفعله «ألف يألف» بوزن علم يعلم ، ومعناه أحب ، ووقع فى كتاب سيبويه مرة «قواطنا» وهو جمع قاطنة ومعناه ساكنة «مكة» اسم لبلد الله الحرام «ورق» جمع ورقاء ، وهى أنثى الأورق ، وأراد الحمام الأبيض الذى يضرب لونه إلى سواد «الحمى» بفتح الحاء وكسر الميم ـ أصله الحمام ، فحذف الميم فى غير النداء ضرورة ثم قلب الكسرة فتحة والألف ياء.

الإعراب «: «أوالفا» حال من القاطنات المذكور فى بيت سابق ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله «مكة» مفعول به لأوالف «من ورق» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لأوالف ، وورق مضاف و «الحمى» مضاف إليه ، وانظر باب الترخيم الآتى (ش ٣٣٣)

الشاهد فيه : قوله «أوالفا مكه» حيث نصب مكه بأوالف الذى هو جمع تكسير لاسم الفاعل.

٢٦٣ ـ البيت لطرفة بن العبد البكرى ، من قصيدة له مطلعها :

أصحوت اليوم أم شاقتك هرّ

ومن الحبّ جنون مستعر

وهو من شواهد سيبويه (١ ـ ٥٨) والأشمونى (رقم ٧٠٦)

اللغة : «غفر» جمع غفور «فخر» جمع فخور ، مأخوذ من الفخر ، وهو المباهاة بالمكارم والمآثر والمناقب.

الإعراب : «زادوا» فعل وفاعل «أنهم» أن : حرف توكيد ونصب ، والضمير اسمه «فى قومهم» الجار والمجرور متعلق بزادوا ، وقوم مضاف والضمير مضاف إليه «غفر» خبر أن ، وفيه ضمير مستتر فاعل «ذنبهم» ذنب : مفعول به لغفر ، وذنب مضاف والضمير مضاف إليه ، و «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مفعول به لزادوا ، والتقدير : ثم زادوا غفرانهم ذنوب قومهم «غير» خبر ثان لأن ، وغير مضاف و «فخر» مضاف إليه.

١١٧

وانصب بذى الإعمال تلوا ، واخفض ،

وهو لنصب ما سواه مقتضى (١)

يجوز فى اسم الفاعل العامل إضافته إلى ما يليه من مفعول ، ونصبه له ؛ فتقول : «هذا ضارب زيد ، وضارب زيدا» فإن كان له مفعولان وأضفته إلى أحدهما وجب نصب الآخر ؛ فتقول : «هذا معطى زيد درهما ، ومعطى درهم زيدا».

* * *

واجرر أو انصب تابع الّذى انخفض

ك «مبتغى جاه ومالا من نهض» (٢)

يجوز فى تابع معمول اسم الفاعل المجرور بالإضافة : الجرّ ، والنصب ، نحو

__________________

الشاهد فيه : قوله «غفر ذنبهم» حيث أعمل قوله «غفر» الذى هو جمع غفور الذى هو صيغة مبالغة ، إعمال الفعل ؛ فنصب به المفعول ، وهو قوله «ذنبهم».

(١) «وانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بذى» جار ومجرور متعلق بانصب ، وذى مضاف و «الإعمال» مضاف إليه «تلوا» مفعول به لا نصب «واخفض» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وهو» ضمير منفصل مبتدأ «لنصب» متعلق بقوله «مقتضى» الآتى فى آخر البيت ، ونصب مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «سواه» سوى : ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول ، وسوى مضاف والهاء مضاف إليه «مقتضى» خبر المبتدأ الذى هو الضمير المنفصل.

(٢) «اجرر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أو» عاطفة «انصب» فعل أمر ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت فاعله «تابع» تنازعه الفعلان قبله ، وكل منهما يطلبه مفعولا ، وتابع مضاف و «الذى» اسم موصول : مضاف إليه «انخفض» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى ، والجملة لا محل لها صلة الموصول.

١١٨

«هذا ضارب زيد وعمرو ، وعمرا» ؛ فالجر مراعاة للفظ ، والنصب على إضمار فعل ـ وهو الصحيح ـ والتقدير «ويضرب عمرا» أو مراعاة لمحلّ المخفوص ، وهو المشهور ، وقد روى بالوجهين قوله :

(٢٦٤) ـ

الواهب المائة الهجان وعبدها

عوذا تزجّى بينها أطفالها

__________________

٢٦٤ ـ البيت للأعشى ميمون بن قيس.

اللغة : «الواهب» الذى يعطى بلا عوض «الهجان» بكسر الهاء : البيض ، وهو لفظ يستوى فيه المذكر والمؤنث ، والمفرد والمثنى والجمع ، وإنما خص الهجان بالذكر لأنها أكرم الإبل عندهم «عوذا» جمع عائذ ، وهى الناقة إذا وضعت وبعد ما تضع أياما حتى يقوى ولدها ، وسميت عائذا لأن ولدها يعوذ بها ، أى : يلجأ إليها ، وهو جمع غريب ، ويندر مثله فى العربية «تزجى» تسوق.

المعنى : يمدح قيسا بأنه يهب المائة من النوق البيض الحديثة العهد بالنتاج مع أولادها ورعاتها.

الإعراب : «الواهب» يجوز أن يكون مجرورا نعتا لقيس المذكور فى بيت سابق على بيت الشاهد ، ويجوز أن يكون مرفوعا على أنه خبر لمبتدأ محذوف : أى هو الواهب إلخ ، وفى الواهب ضمير مستتر يعود على قيس فاعل ، والواهب مضاف و «المائة» مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله «الهجان» بالجر بإضافة المائة إليه على مذهب الكوفيين الذين يرون تعريف اسم العدد وتعريف المعدود معا ، أو نعت له على اللفظ «وعبدها» يروى بالنصب وبالجر ؛ فأما الجر فعلى العطف على لفظ المائة ، وأما النصب فعلى العطف على محله ، أو بإضمار عامل ، ويصح تقدير هذا العامل فعلا كما يصح تقديره وصفا منونا «عوذا» نعت للمائة ، وهو تابع للمحل «تزجى» فعل مضارع ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هى يعود على المائة فاعل «بينها» بين : ظرف متعلق بتزجى ، وبين مضاف وها : مضاف إليه «أطفالها» أطفال : مفعول به لتزجى ، وأطفال مضاف وضمير الغائبة العائد إلى النوق مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «وعبدها» فإنه روى بالوجهين : الجر ، والنصب ، تبعا للفظ الاسم الذى أضيف إليه اسم الفاعل أو محله ، وقد بينا وجه كل واحد منهما ، كما بينا ما يجوز من تقدير العامل على رواية النصب.

١١٩

بنصب «عبد» وجره ، وقال الآخر :

(٢٦٥) ـ

هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد ربّ أخا عون بن مخراق

بنصب «عبد» [عطفا] على محل «دينار» أو على إضمار فعل ، التقدير : «أو تبعث عبد [ربّ]».

* * *

__________________

٢٦٥ ـ هذا البيت من الشواهد المجهول قائلها ، ويقال : إنه من صنع النحويين ، وهو من شواهد سيبويه (١ ـ ٨٧) والأشمونى (رقم ٧٠٨)

اللغة : «باعث» مرسل «دينار» اسم رجل ، أو اسم جارية ، أو هو اسم لقطعة النقد المعروفة ، والأول أولى ؛ لكونه قد عطف عليه «عبد رب» وبين أنه أخو عون بن مخراق.

الإعراب : «هل» حرف استفهام «أنت» مبتدأ «باعث» خبر المبتدأ ، وباعث مضاف و «دينار» مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل لمفعوله «لحاجتنا» الجار والمجرور متعلق بياعث ، وحاجة مضاف ونا : مضاف إليه «أو» عاطفة «عبد» يروى بالنصب على أنه معطوف على دينار باعتبار محله ، أو على أنه معمول لعامل مقدر ، وهذا العامل يجوز أن تقدره فعلا : أى تبعث عبد رب ، ويجوز أن تقدره وصفا منونا : أى باعث عبد رب ، وعبد مضاف و «رب» مضاف إليه «أخا» صفة لعبد أو عطف بيان عليه ، وأخا مضاف و «عون» مضاف إليه «ابن» صفة لعون ، وابن مضاف و «مخراق» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «أو عبد عون» حيث عطف بالنصب على محل ما أضيف إليه اسم الفاعل ، كما بينا فى الإعراب ، ويجوز فيه وجه ثان ـ وهو الجر بالعطف على اللفظ ، وقد مر تفصيل ذلك فى البيت السابق.

ومثله قول رجل من قيس عيلان (وأنشده سيبويه : ١ / ٨٧) :

فبينا نحن نطلبه أتانا

معلّق وفضة وزناد راع

فنصب «زناد راع» بالعطف على محل «وفضة» والوفضة : الكنانة التى توضع فيها السهام.

١٢٠