مصباح الفقيه - ج ٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

وقوله عليه‌السلام : «يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محلّ العادة».

والروايتان وإن كانتا عامّيتين إلّا أنّ استدلال الخاصّة بهما كاف في اعتبارهما ، خصوصا مع اعتضادهما بالإجماعات المحكية ، فيقيّد بهما إطلاق أخبار الاستجمار.

ودعوى انصرافها في حدّ ذاتها إلى صورة عدم التعدّي ـ مضافا إلى منعها بعد صدق اسم الاستنجاء ـ يتوجّه عليها استلزامها الاقتصار في الحكم بطهارة ماء الاستنجاء على هذا المنصرف ، مع أنّ جماعة منهم ـ كالشهيدين وغيرهما على ما حكي (١) عنهم ـ صرّحوا بما يقتضيه إطلاق غيرهم من عدم الفرق هناك بين صورة التعدّي وعدمه مستندين في ذلك إلى الإطلاق ، بل يلزمها أيضا عدم كون النقاء حدّا في المتعدّي مطلقا ، مع أنّه خلاف ظاهر كلماتهم ، كما لا يخفى.

بقي في المقام إشكال ، وهو : أنّ المخرج ـ الذي هو معقد إجماعاتهم ـ على ما فسّروه أخصّ بحسب الظاهر من محلّ العادة ، فيشكل جعلها جابرة للرواية الثانية التي هي ظاهرة الدلالة في التقييد ، وأمّا الرواية الأولى فهي مع ضعف سندها مطعونة في دلالتها أيضا بظهورها في الاستحباب ، بل تعيّنها فيه ، لعدم وجوب الاتباع الذي هو عبارة أخرى عن الجمع بين الطهارتين إجماعا ، فتقييد المطلقات بالروايتين مشكل.

__________________

(١) الحاكي عنهم هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٣ ، وانظر : الدروس ١ : ١٢٢ ، ومسالك الأفهام ١ : ٢٣ ، ومجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٨٩.

٨١

ولكنّ الإنصاف عدم الوثوق بإرادة المجمعين من المخرج في معقد إجماعهم ما هو أخصّ من محلّ العادة ، بل ولا إرادة أكثر المفسّرين من تفسيرهم ما ينافي ذلك.

نعم ، لا يبعد دعوى الجزم بإرادة الجميع من تفاسيرهم خروج غير المتعارف عن تحت موضوع الحكم.

وكيف كان فإن جوّزنا الاعتماد على الرواية المقيّدة بالمعتاد لأجل الانجبار بما ذكر ، أو استكشفنا من كلماتهم الإجماع على خروج غير المتعارف من موضوع جواز الاستجمار ، يجب تقييد المطلقات بها ، وإلّا يتعيّن المصير إلى الحكم بكفاية الأحجار إلّا مع التفاحش المخرج عن حدّ الاستنجاء الملتزم معه بنجاسة الماء ، كما قوّاه جماعة تبعا للمحقّق الأردبيلي (١).

وأمّا تخصيص الحكم بما هو أخصّ من الأفراد المتعارفة ـ كما يظهر من بعض (٢) ـ فغير ممكن ، فلا يلتفت إلى تفسير من فسّر المخرج بما يستلزم ذلك ، لأنّ إخراج الأفراد المتعارفة من تحت المطلقات الكثيرة الواردة في مقام الحاجة في مثل هذا الحكم العامّ البلوى كما ترى ، بل الإنصاف أنّ حمل الرواية ـ على تقدير صحّة سندها ـ على الكراهة أولى من تقييد المطلقات بها حتى بالنسبة إلى الأفراد الخارجة عن محلّ العادة التي يصدق عليها اسم الاستنجاء ، ويلتزم فيها بطهارة مائه فضلا عن الأفراد المتعارفة ، لدلالة الأخبار الكثيرة المستفيضة الواردة في شأن نزول

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٧٣ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٩٠.

(٢) حكاه عن بعض شرّاح الجعفرية ، الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٣.

٨٢

قوله تعالى «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» (١) على أنّ الناس كانوا يستنجون بالأحجار والكرسف ، ولم يكن استعمال الماء في الاستنجاء مشروعا لديهم إلى أن أكل رجل من الأنصار طعاما ، فلان بطنه ، فاستنجى بالماء ، فأنزل الله تبارك وتعالى الآية في حقّه ، فجرت السنّة في الاستنجاء بالماء ، فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبشّره بذلك ، وقد كان الرجل خائفا من عمله حين دعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، فلو قيّدنا أخبار الاستجمار بالأفراد المتعارفة ، لوجب الالتزام بنسخ الحكم الثابت في أوّل الشريعة بالنسبة إلى الأفراد الخارجة عن العادة ، وهو من أبعد التصرّفات لا يصار إليه ، اللهم إلّا أن ينعقد الإجماع عليه ، وفيه تأمّل ، والله العالم.

ولو شكّ في التعدّي ، يبني على عدمه ، للأصل الحاكم على استصحاب النجاسة. (و) قد ظهر لك أنّه (إذا لم يتعدّ) مجموع ما خرج عن الحدّ المتعارف بمقتضى الغالب لو لم نقل مطلقا كما عن الأردبيلي (٣) وجماعة (كان مخيّرا بين الماء و) بين (الأحجار) المزيلة للعين ، كما تدلّ عليه الأخبار المتظافرة ، بل ربما يدّعى كونه في الجملة من ضروريات الدين.

ففي صحيحة زرارة : «ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار» (٤).

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠ ـ ٥٩ ، الوسائل ، الباب ٣٤ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

(٣) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٩ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٩٠.

(٤) التهذيب ١ : ٤٩ ـ ١٤٤ ، الإستبصار ١ : ٥٥ ـ ١٦٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

٨٣

وفي صحيحة الأخرى : «جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن تمسح العجان ، ولا تغسله» (١) إلى غير ذلك. (و) لكن الظاهر أنّ (الماء أفضل) كما يشعر به بل يدلّ عليه غير واحد من الأخبار الواردة في سبب نزول الآية وغيرها.

ففي بعضها : «كان الناس يستنجون بالكرسف والأحجار ثم أحدث الوضوء وهو خلق كريم ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصنعه ، فأنزل الله تعالى في كتابه إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢)» (٣).

وعن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :يا معشر الأنصار إنّ الله قد أحسن الثناء عليكم فما ذا تصنعون؟ قالوا :نستنجي بالماء» (٤). (والجمع) بين الأحجار والماء بتقديم الأوّل منهما (أكمل) بل أفضل ، كما تدلّ عليه مرسلة أحمد بن محمّد بن عيسى : «جرت السنّة بثلاثة أحجار أبكار ، ويتبع بالماء» (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦ ـ ١٢٩ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

(٢) سورة البقرة : ٢ : ٢٢٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٨ ـ ١٣ ، الوسائل ، الباب ٣٤ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥٤ ـ ١٠٥٢ ، الوسائل ، الباب ٣٤ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٥) التهذيب ١ : ٤٦ ـ ١٣٠ و ٢٠٩ ـ ٦٠٧ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٤.

٨٤

ويدلّ عليه أيضا ما رواه الجمهور عن علي عليه‌السلام : «إنّكم كنتم تبعرون بعرا واليوم تثلطون ثلطا ، فأتبعوا الماء الأحجار» (١). (ولا يجزئ أقلّ من ثلاثة أحجار) وإن حصل النقاء بما دون الثلاث ، كما عن المشهور (٢) ، للأخبار المستفيضة المروية عن الفريقين.

منها : خبر عاميّ روي عن سلمان رضى الله عنه ، قال : نهانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار (٣).

وبمضمونه خبران عامّيّان :

أحدهما : «لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار» (٤).

والآخر : «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» (٥).

ونظيرها أيضا نبويّان :

أحدهما : «إذا جلس أحدكم لحاجة فليمسح ثلاث مسحات» (٦).

والآخر : «واستطب ثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من

__________________

(١) كما في المعتبر ١ : ١٢٨ ، ونحوه في سنن البيهقي ١ : ١٠٦. وتقدّم في ص ٨٠.

(٢) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٧٣.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٢٢٣ ـ ٢٦٢ ، سنن أبي داود ١ : ٣ ـ ٧ ، سنن الترمذي ١ : ٢٤ ـ ١٦ ، سنن النسائي ١ : ٣٨ ، سنن البيهقي ١ : ١٠٢ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٦ :٢٣٤ ـ ٦٠٨٢.

(٤) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٦ : ٢٣٤ ـ ٦٠٧٩ ، مسند أبي عوانة ١ : ٢١٨.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٢٢٤ ذيل الحديث ٢٦٢ ، سنن البيهقي ١ : ١٠٣.

(٦) مسند أحمد ٣ : ٣٣٦ بتفاوت.

٨٥

تراب» (١).

وفي صحيحة زرارة : «ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنّة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

وظاهرها كون الثلاثة أقلّ المجزئ.

وفي صحيحته الأخرى : «جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن تمس العجان ولا تغسله» (٣).

وفي رواية العجلي : «يجزئ من الغائط المسح بالأحجار» (٤).

وظاهرها إرادة الأفراد المتعدّدة من الجمع ، وأقلّها الثلاث.

ودعوى ظهورها في إرادة الجنس قابلة للمنع.

وكيف كان ، فهذه الأخبار كما تراها ظاهرة في المدّعى ، ولا يصلح لمعارضتها عدا ما يتراءى من حسنة ابن المغيرة ، فإنّه قال : قلت : هل للاستنجاء حدّ؟ قال : «لا ، حتى ينقى ما ثمّة» (٥).

وموثّقة يونس في الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من

__________________

(١) سنن الدار قطني ١ : ٥٧ ـ ١٢ ، سنن البيهقي ١ : ١١١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٩ ـ ١٤٤ ، الإستبصار ١ : ٥٥ ـ ١٦٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ١ : ٤٦ ـ ١٢٩ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٥٠ ـ ١٤٧ ، الإستبصار ١ : ٥٧ ـ ١٦٦ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٧ ـ ٩ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

٨٦

الغائط أو بال ، قال : «يغسل ذكره ويذهب الغائط» (١) إلى آخره.

وفيهما مضافا إلى دعوى ظهورهما ـ بشهادة القرائن الكثيرة المستفادة منهما على ما ادّعاها شيخنا المرتضى (٢) رحمه‌الله ـ في الاستنجاء بالماء وإن كان في شهادتها على الاختصاص تأمّل بل منع ، إلّا أنّ عمومها قابل للتخصيص بهذه الأخبار ، كما أنّ إطلاق نفي الحدّ في الحسنة وكفاية إذهاب الغائط في الموثّقة قابل للتقييد ، مضافا إلى دعوى ورودهما مورد الغالب من عدم حصول العلم بالنقاء قبل استعمال الثلاثة غالبا ، فتنزّل الروايتان على ما لا ينافي اعتبار الثلاثة التي لا تنفكّ عنها الأفراد الغالبة.

ودعوى خروج المقيّدات مخرج الغالب من عدم حصول العلم بالنقاء بما دون الثلاث كما يؤيّدها استبعاد التعبّد بالمسح بعد النقاء ، مدفوعة :

أوّلا : بأنّ هذه الدعوى في المقيّدات لها وجه لو كانت الثلاثة كافية في النقاء غالبا ، والغلبة في حصوله بها بالخصوص ممنوعة ، وإنّما المسلّم عدم حصول النقاء غالبا بما دونها لا حصوله بخصوص الثلاثة ، وهذا لا يوجب إلّا الوهن في المطلقات لا في المقيّدات المشتملة على لفظ الثلاثة بالخصوص.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٧ ـ ١٣٤ ، الإستبصار ١ : ٥٢ ـ ١٥١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٥.

(٢) كتاب الطهارة : ٧٣.

٨٧

وثانيا : أنّه لا يجوز رفع اليد عن ظاهر المقيّد بمجرّد احتمال ورود القيد مورد الغالب المتعارف ، وإنّما يخلّ في التمسّك بالإطلاق ، ضرورة أنّه لا يجوز إهمال الخصوصيّة المستفادة من ظاهر الكلام بمجرّد احتمال عدم كونها قيدا فيما تعلّق به غرض المتكلّم في الواقع ، بل لا بدّ في إهمالها من الجزم بذلك.

وليس المقام من قبيل ما إذا احتفّ الكلام بما يصلح أن يكون قرينة لإرادة خلاف الظاهر حتى يمنعه من أن ينعقد له ظهور ، إذ على تقدير جري القيد مجرى العادة لإيراد من اللفظ إلّا ظاهره ، إلّا أنّ ظاهره ليس ممّا تعلّق به الغرض في الواقع ، فيجوز إهماله ، ولكنه بعد إحرازه بالعلم ، كما لا يخفى وجهه.

وما ذكروه مؤيّدا لذلك ، ففيه ـ مع أنّه مجرّد استبعاد لا يعتنى به في الأحكام التعبّديّة ـ يدفعه التعبّد بمثله في كثير من نظائر المقام ، كتكرار الغسلات بعد زوال العين فيما يحتاج إلى التعدّد ، ومسح باطن النعل على الأرض إذا لم تكن عليه نجاسة عينيّة ، وتعفير إناء الولوغ بالتراب ، إلى غير ذلك من الأمور التعبّديّة التي يستكشف منها أنّ الملاك في الطهارة الشرعية أمر آخر وراء ما يتوهّمه العرف ، فلا يمكن إلغاء الخصوصيات المستفادة من ظواهر الأدلّة بمجرّد الاستبعادات والاعتبارات ، اللهم إلّا أن تكون الاستبعادات مانعة من استفادة إرادة الخصوصية بمقتضى الفهم العرفي ، وفيه تأمّل.

هذا كلّه ، مع أنّ مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة حتى يعلم

٨٨

المزيل ، فظهر لك أنّ القول المشهور مع أنّه أحوط لا يخلو عن قوّة. (و) هل (يجب) على هذا القول (إمرار كلّ حجر على موضع النجاسة) بحيث يتكرّر بالأحجار مسح مجموع الموضع أم يكفي توزيع الأحجار الثلاثة على أجزاء الموضع؟ وجهان ، بل قولان ، نسب ثانيهما إلى الأكثر ، منهم : المصنّف في المعتبر (١) ، بل عن الذخيرة هو المعروف من مذهب الأصحاب (٢) ، وأنّ نسبة عدم الكفاية إلى بعض الفقهاء في كلام مثل العلّامة المراد به أهل الخلاف كما تشهد به الممارسة (٣).

وهو عجيب بعد تصريح مثل المصنّف في الكتاب بذلك ، بل عن المفاتيح وشرحها أنّ المشهور هو القول بعدم الكفاية (٤).

وكيف كان فمستند القائلين بالكفاية إطلاق كفاية ثلاثة أحجار في النصوص المستفيضة ، وانتفاء ما يدلّ على اشتراط مباشرة كلّ حجر موضع النجاسة.

وفيه : أنّ المتبادر من الأمر بالمسح بثلاثة أحجار إنّما هو إرادة تكرار المسحات بتعدّد الأحجار ، وظاهره إرادة الاستيعاب بكلّ مسحة ،

__________________

(١) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ٢ : ٤١ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٣٠.

(٢) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٧٤ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٤٦ ، وانظر : ذخيرة المعاد : ١٩.

(٣) حكاه عن صاحب الذخيرة صاحب الجواهر فيها ٢ : ٤١ ، وانظر : ذخيرة المعاد :١٩ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٧.

(٤) كما في جواهر الكلام ٢ : ٤١.

٨٩

نظير ما لو أمر بالمسح بحجر واحد.

ويؤيّده بل يدلّ عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن تمسح العجان» (١) فإنّ ظاهرها اتّحاد متعلّق المسح في الثلاث.

وفي النبوي : «إذا جلس أحدكم لحاجة فليمسح ثلاث مسحات» (٢) وظاهره ـ كظاهر الأمر بالغسلات ـ : إرادة مسح الموضع ثلاثا.

وعلى تقدير الشك فالمرجع إنّما هو استصحاب النجاسة إلى أن يعلم المزيل.

فما اختاره المصنّف في الكتاب هو الأقوى ، كما صرّح به غير واحد من مشايخنا رضوان الله عليهم.

نعم ، لو قيل بكفاية الاستيعاب العرفي في كلّ مسحة وعدم وجوب الاستيعاب الحقيقي في كلّ واحدة منها ، لكان وجيها بالنظر إلى منصرف الأدلّة بمقتضى الفهم العرفي.

ولعلّ القول بكفاية التوزيع نشأ من ذلك حيث رأوا عدم مساعدة العرف على استفادة إرادة الاستيعاب الحقيقي من الأدلّة ، فظنّوا أنّ المناط استعمال الثلاثة أحجار مطلقا وإن لم تتكرّر به المسحات بالنسبة إلى موضع النجو ولو عرفا.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦ ـ ١٢٩ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٣٣٦ بتفاوت.

٩٠

وكيف كان فالقول باعتبار تكرّر المسحات بالنسبة إلى مجموع الموضع لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط ، والله العالم. (ويكفي معه إزالة العين دون الأثر) الذي لا يصدق عليه اسم العذرة عرفا ، وقد عرفت فيما سبق عدم منافاة بقاء الأثر لصدق النقاء الذي حدّ به الاستجمار ، كالاستنجاء بالماء. (وإذا لم ينق بالثلاثة ، فلا بدّ من الزيادة حتى ينقى) بلا خلاف فيه ، كما يدلّ عليه ـ مضافا إلى الأصل والإجماع ـ حسنة ابن المغيرة (١) وموثّقة يونس (٢) بالتقريب المتقدّم. (و) توهّم أنّ مقتضى إطلاق الأخبار المعتبرة الدالّة على كفاية ثلاثة أحجار حصول الطهارة بها ولو لم يذهب عين الغائط ، مدفوع : بأنّ ذهاب عين الغائط من الشرائط المغروسة في الأذهان ، المانعة من ظهور مثل هذه الأخبار في إرادة الإطلاق ، ولذا لا يتوهّم أحد تخصيص ما يدلّ على نجاسة العذرة بهذه الأدلّة بحيث يفهم منها الطهارة العذرة لو فرض بقاؤها في المحلّ بعد استعمال الثلاثة أحجار مقدارا معتدّا به على وجه يصدق عليه اسمها عرفا ، بل لا يفهم منها إلّا أنّ لهذا العدد المعيّن أيضا كالنقاء مدخليّة في الحكم ، وأنّه لا يحصل الطهارة بدونها ، فـ (لو نقي بدونها ، أكملها وجوبا).

(و) الذي يقتضيه الأصل ـ مضافا إلى ظواهر النصوص وفتاوي جملة من الأصحاب كصريح آخرين ـ : أنّه (لا يكفي استعمال الحجر

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٨٦.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٨٧.

٩١

الواحد من ثلاث جهات) ضرورة أنّ الواحد لا يكون ثلاثا.

وقيل : يكفي (١) ، لاعتبارات ضعيفة ، عمدتها : دعوى القطع بعدم مدخليّة صفة الانفصال في التطهير ، وإنّما المناط تعدّد المسحات.

والعهدة على مدّعيه ، ليت شعري كيف يحصل القطع بذلك مع معروفيّة الخلاف في المسألة التعبّديّة التي ربما التزم القائل بالكفاية باعتبار تعدّد المسحات تعبّدا ، وعدم كفاية النقاء لو حصل بالمسحة الأولى أو الثانية ، كما صرّح به في الدروس (٢).

هذا ، مع أنّ ارتكاب التأويل في بعض الأخبار كاد أن يكون متعذّرا.

مثل : مرفوعة أحمد بن محمّد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء» (٣) فإنّها كادت أن تكون صريحة في إرادة الأحجار المنفصلة ، وعدم كفاية المسحات الثلاث بحجر واحد.

اللهم إلّا أن تحمل هذه الرواية على الاستحباب بشهادة ذيلها عليه ، مضافا إلى ما في سندها من الضعف.

وكيف كان ، فالقول بعدم الكفاية مع كونه أحوط لا يخلو عن قوّة.

__________________

(١) من القائلين بالاكتفاء القاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٠ ، والعلّامة الحلّي في منتهى المطلب ١ : ٤٥ ، ومختلف الشيعة ١ : ١٠١ ، المسألة ٥٩.

(٢) الدروس ١ : ٨٩.

(٣) التهذيب ١ : ٤٦ ـ ١٣٠ و ٢٠٩ ـ ٦٠٧ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٤.

٩٢

نعم ، لا يبعد الالتزام بكفاية أطراف الصخرة العظيمة أو الخرقة الطويلة التي تعدّ أطرافها بنظر العرف بمنزلة الأشياء المستقلّة المنفردة.

ولذا قال في المدارك : فالمتّجه ـ تفريعا على المشهور من وجوب الإكمال مع النقاء بالأقلّ ـ عدم الإجزاء ، ومع ذلك فينبغي القطع بإجزاء الخرقة الطويلة إذا استعملت بالجهات الثلاث ، تمسّكا بالعموم (١). انتهى.

ولكنّ الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ، خصوصا مع تصريح مثل المصنّف في محكي المعتبر بعدم الكفاية (٢). والله العالم.

ثمّ لو استظهرنا من المرسلة المتقدّمة الوجوب (و) اشترطنا البكارة في الأحجار ، فمقتضاها : أن (لا يستعمل الحجر المستعمل) ولو في استنجاء آخر ، بل بالنسبة إلى شخص آخر ، سواء انفعل بالاستعمال وبقي أثره ، أم أزيل ، أم لم ينفعل أصلا إلّا أن يقال : إنّ البكارة لا تزول عرفا ما لم تتأثّر من الاستعمال ، وعدم جواز استعمال غير المتأثّر في نفس هذا الاستنجاء إنّما هو لاعتبار العدد ، لا لاشتراط البكارة ، بل لا يبعد دعوى انصرافها إلى ما عليه أثر الاستعمال بالفعل ، فإنّه لا يظنّ بأهل العرف أن يفهموا من هذه الرواية عدم جواز استعمال الحجر المستعمل في الأزمنة السابقة بعد كسر موضع انفعاله أو غسله ، بل ربما يدّعى أنّ المتبادر من البكر في المقام : الطاهر ، فتدلّ الرواية لفظا وفحوى على عدم جواز الاستنجاء بالمتنجّس ولا الأعيان النجسة ، كما استدلّ لهما بها في المدارك (٣).

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ١٧٢.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٤٢ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٣١.

(٣) مدارك الأحكام ١ : ١٧٢.

٩٣

ولكن الإنصاف أنّ تبادر الطاهر من البكر ممنوع ، بل المتبادر منه ليس إلّا الحجر الغير المتأثّر بالاستعمال.

ولكنّك عرفت إمكان دعوى انصرافه إلى ما بقي الأثر فيه بالفعل.

نعم ، لا يبعد أن يقال : إنّ المنساق إلى الذهن في مورد الرواية إنّما هو إرادة البكارة بالنظر إلى نفس هذا الاستنجاء لا مطلقا ، لبعد اعتبار مثل هذا الشرط تعبّدا ، فلا يلتفت الذهن إليه ، فيكون التوصيف بالأبكار لدفع توهّم كفاية المسحات بحجر واحد ولو من جهات ثلاث ، فيتأكّد بذلك ظهور الأحجار في إرادة الأفراد المستقلّة المنفردة.

وكيف كان ، فالأقوى جواز استعمال الحجر المستعمل في استنجاء آخر ، فضلا عن أن يكون من شخص آخر ، لكن بشرط تطهيره ، أو الاستنجاء بالموضع الطاهر منه ، لإطلاقات الأدلّة وعدم ما يصلح لتقييدها ، عدا المرسلة المتقدّمة التي عرفت المناقشة في دلالتها على الوجوب ، وعدم وضوح المراد منها بحيث تصلح دليلا لإثبات مثل هذا الحكم التعبّدي ـ الذي يستبعده الذهن ـ في مقابل الإطلاقات الكثيرة الواردة في مقام الحاجة ، ولذا لم يلتزم الأصحاب بعدم جواز استعمال الحجر المستعمل مطلقا ، بل أجازوا استعماله بعد التطهير.

قال في محكي المعتبر : مرادنا بالمنع من الحجر المستعمل الاستنجاء بموضع النجاسة منه ، أمّا لو كسر واستعمل المحلّ الطاهر منه ،

٩٤

جاز ، وكذا لو أزيلت النجاسة عنه بغسل أو غيره (١). انتهى.

وحكي عن جلّ المتأخّرين التصريح بذلك (٢) ، بل عن المصابيح دعوى الإجماع عليه (٣).

ولا يجوز الاستنجاء بالموضع المتنجّس من الحجر المستعمل ولا بغيره من المتنجسات (ولا) بـ (الأعيان النجسة) إجماعا منقولا مستفيضا ، بل متواترا ، كما لا يخفى على من تتبّع كلماتهم في المقام ونظائره ، فإنّه لا يكاد يرتاب في أنّ من القواعد المسلّمة عندهم ـ التي صرّحوا بالإجماع عليها في كلّ مقام ـ هي : أنّ النجس لا يكون مطهّرا ، وقد عرفت في مبحث الغسالة أنّها هي عمدة ما استدلّ به القائلون بطهارة الغسالة زعما منهم منافاة نجاسة الغسالة لهذه القاعدة المسلّمة ، وقد عرفت عدم المنافاة بينهما.

وكيف كان ، فيدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ أنّ ملاقاة النجس أو المتنجّس سبب لتنجيس المحلّ ، فلا تطهّره.

وما يتوهّم من أنّ نجاسة المحلّ مانعة من اكتساب النجاسة ثانيا بملاقاة النجس ، فلا امتناع في أن ترتفع نجاسته بها ، كتتميم الماء النجس كرّا بنجس على قول ، يدفعه : أنّ نجاسة المحلّ مانعة من تأثّره بالسبب الطارئ بمثل الأثر الموجود ، وأمّا لو كان للسبب الطارئ أثر يخصّه ، فيتأثّر

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٤٧ ـ ٤٨ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٣٣.

(٢) حكاه عنهم الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٥.

(٣) حكاها عنها صاحب الجواهر فيها ٢ : ٤٧.

٩٥

منه المحلّ قطعا ، كما لو ولغ الكلب في إناء متنجّس ، وفيما نحن فيه تشتدّ نجاسة المحلّ بحيث لا يزيلها إلّا الماء.

لكنّ هذا الوجه إنّما يتأتّى فيما لو باشر النجس برطوبة مسرية ، وأمّا لو استعمله بعد النقاء إكمالا للعدد ـ كما إذا حصل النقاء بحجرين ، وكان النجس ثالث الثلاثة التي أوجبنا استعمالها في الاستنجاء ـ فلا يتمّ هذا الوجه ، كما لا يخفى ، فالعمدة حينئذ هو الإجماع.

واعلم أنّه لا فرق بين الأحجار وغيرها من الأجسام الطاهرة القالعة للنجاسة عدا ما استثني في جواز الاستجمار بها على المشهور ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه (١).

والتعبير بخصوص الأحجار في أغلب النصوص والتفاوي ، لغلبتها ، وشيوع الاستنجاء بها ، لا لمدخلية خصوصيتها في موضوع الحكم ، كما يدلّ عليه ملاحظة أخبار الباب ، الدالّة على جواز استعمال الكرسف والخرق والمدار والعود ونحوها ، فإنّ المتأمّل في مجموع هذه الأخبار لا يكاد يرتاب ـ ولو بملاحظة الشهرة ونقل الإجماع ـ في أنّ ذكر هذه الأشياء في الروايات ليس لأجل اعتبارها بالخصوص.

ففي رواية زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «كان الحسين بن علي عليه‌السلام بتمسّح من الغائط بالكرسف» (٢).

__________________

(١) حكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٤٤ ، وانظر : الخلاف ١ : ١٠٦ ، المسألة ٥١ ، والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٨٧.

(٢) التهذيب ١ : ٣٥٤ ـ ١٠٥٥ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

٩٦

وفي روايته الأخرى مضمرة : «كان يستنجي من البول ثلاث مرّات ، ومن الغائط بالمدار والخرق والخزف» (١) بالزاي المعجمة والفاء ، كما عن بعض نسخ التهذيب (٢).

وخبر ليث المرادي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعرة أو العود ، فقال : «أمّا العظم والروث فطعام الجنّ ، وذلك ممّا اشترطوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : لا يصلح بشي‌ء من ذلك» (٣).

وظاهر هذه الرواية ـ بقرينة التفصيل بين العظم والروث وبين غيرهما ، والتعليل فيهما بكونهما طعام الجنّ ـ إنّما هو جواز الاستنجاء بكلّ جسم صالح للاستنجاء ممّا عداهما.

وربّما يستدلّ للعموم : بحسنة ابن المغيرة (٤) وموثّقة يونس (٥).

وفيه : أنّ الحسنة مسوقة لبيان حدّ الاستنجاء ، لا لبيان ما يستنجى به ، فلا يصحّ التشبّث بإطلاقها من هذه الجهة.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٩ ـ ٦٠٦ و ٣٥٤ ـ ١٠٥٤ ، الوسائل ، الباب ٢٦ و ٣٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٦ و ٢.

(٢) انظر : الوافي ٦ : ١٣١ ـ ٣٩٣٠ ، والحدائق الناضرة ٢ : ٣٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٥٤ ـ ١٠٥٣ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٤) الكافي ٣ : ١٧ ـ ٩ ، التهذيب ١ : ٢٨ ـ ٧٥ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٦.

(٥) التهذيب ١ : ٤٧ ـ ١٣٤ ، الإستبصار ١ : ٥٢ ـ ١٥١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٥.

٩٧

وأمّا الموثّقة : فالإنصاف صحّة الاستدلال بها ، لكونها بحسب الظاهر مسوقة لبيان ما هو الواجب على من رجع من الغائط ، وهو غسل ذكره وإذهاب الغائط الذي يمكن حصوله بكلّ جسم قالع للنجاسة ، فلا يرفع اليد عن إطلاقها إلّا فيما ثبت عدم جواز استعماله ، كالمتنجّسات والأعيان النجسة. (و) كذا (لا) يجوز استعمال (العظم ولا الروث) بلا خلاف فيهما ظاهرا ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليهما (١) ، للأخبار المستفيضة.

منها : رواية ليث ، المتقدّمة (٢).

وعن مجالس الصدوق : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يستنجى بالروث والرمة ، أي : العظم البالي (٣).

وعن كتاب دعائم الإسلام : أنّهم عليه‌السلام نهوا عن الاستنجاء بالعظام والبعر وكلّ طعام (٤).

وعن الفقيه أنّ وفد الجانّ جاؤوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : يا رسول الله ، متّعنا ، فأعطاهم الروث والعظم ، فلذلك لا ينبغي أن يستنجى

__________________

(١) حكاها العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٤٨ عن الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٨٧ ، والمعتبر ١ : ١٣٢ ، وروض الجنان : ٢٤ وغيرها.

(٢) تقدّمت في ص ٩٧.

(٣) كما في الجواهر ٢ : ٤٩ ، وانظر : أمالي الصدوق : ٣٤٥.

(٤) كما في الجواهر ٢ : ٤٩ ، وانظر : دعائم الإسلام ١ : ١٠٥.

٩٨

بهما (١).

ويؤيّدها : أخبار مستفيضة مرويّة من طرق العامّة (٢).

ولكنّه لا يخفى ما في جميع أخبار الباب من قصور السند وضعف الدلالة بحيث لا تصلح دليلا إلّا لإثبات الكراهة ، ولذا تردّد العلّامة فيها في محكي التذكرة (٣). وفي الوسائل : الحكم بالكراهة (٤).

ولعلّ الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة كافية في جبرها وقصور دلالتها ، والله العالم. (ولا المطعوم) ضرورة أنّ الله تعالى لا يرضى لعباده أن يكفروا بأنعمه إلى حدّ يستعملون ما خلقه الله للأكل في الاستنجاء ، فإنّه كاد أن يكون هذا النحو من التحقير والاستخفاف بنعم الله العظام كفرا ، كما يفصح عن ذلك قضية قوم ضربهم الله مثلا حيث صدر منهم ما صدر ، فأذاقهم الله طعم ما صنعوا جزاء بما كانوا يصنعون (٥) ، رزقنا الله شكر نعمه ، وأعاذنا من الكفر والطغيان بمحمّد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

هذا ، ولكن الإنصاف أنّ الالتزام بحرمة الاستنجاء ببعض المطعومات التي ربما يطرح في الأرض ، ولا يعدّ ذلك في العرف والعادة استخفافا

__________________

(١) كما في الجواهر ٢ : ٤٩ ، وانظر : الفقيه ١ : ٢٠ ـ ٥٨.

(٢) انظر على سبيل المثال : سنن الترمذي ١ : ٢٩ ـ ١٨ ، والمعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١ :٧٧ ـ ١٠٠١٠ ، وسنن الدار قطني ١ : ٥٦ ـ ٩ ، وكنز العمّال ٩ ، وكنز العمّال ٩ : ٣٥٤ ـ ٢٦٤١٦.

(٣) حكاه عنها الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٦ ، وانظر تذكرة الفقهاء ١ : ١٣٣.

(٤) الوسائل ، عنوان الباب ٣٥ من أبواب أحكام الخلوة.

(٥) راجع كتب التفاسير ذيل تفسير الآية ١١٢ من سورة النحل.

٩٩

بنعم الله تعالى مشكل جدّا.

اللهم إلّا أن يتشبّث لإثبات حرمته بالإجماعات المحكية المستفيضة ، ورواية دعائم الإسلام ، المتقدّمة (١) ، وفحوى النهي عن العظم والروث اللذين هما طعام الجنّ ، مع اعتضاد بعضها ببعض ، وانجبار ضعفه بالآخر ، والله العالم.

وكذا لا يجوز الاستنجاء بكلّ شي‌ء محترم شرعا ، كما هو ظاهر ، (ولا صيقلا (٢) يزلق عن النجاسة ، ولو استعمل ذلك لم يطهر) لأنّ صقله وملاسته تمنعه عن قلع النجاسة وحصول النقاء الذي هو شرط في التطهير.

نعم ، لو اتّفق قلع النجاسة به ، لا مانع منه.

وهذا بخلاف الاستنجاء بالعظم والروث والمطعوم وسائر الأجسام المحترمة ، فإنّ النهي عن استعمالها شرعي ، فلو استعملها جهلا أو نسيانا أو عصيانا ، تطهّر على الأظهر.

نعم ، لو كان مستند التعدّي عن الأجسام المنصوصة إلى غيرها الإجماع ، لوجب الاقتصار على ما عدا مثل هذه الأشياء التي وقع الخلاف فيها.

ولكنّك عرفت أنّ الأخبار هي العمدة في ذلك ، لكن في بعض الأخبار العامّيّة بعد أن نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستنجى بروث أو عظم ، قال :

__________________

(١) تقدّمت في ص ٩٨.

(٢) في الشرائع : ولا صيقل.

١٠٠