مصباح الفقيه - ج ٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

وما يظهر من رواية سماعة وموثّقة حنّان من كفاية التمسّح محمول على التقيّة.

ففي رواية سماعة قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : إنّي أبول ثمّ أتمسّح بالأحجار فيجي‌ء منّي البلل ما يفسد سراويلي ، قال : «ليس به بأس» (١).

وموثّقة حنّان ، قال : سمعت رجلا سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : إنّي ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتدّ ذلك عليّ ، فقال : «إذا بلت وتمسّحت فامسح ذكرك بريقك ، فإن وجدت شيئا فقل هذا من ذاك» (٢).

وعن المحدّث الكاشاني الاستدلال بهاتين الروايتين لما اختاره من منع سراية النجاسة من المتنجّسات الخالية من أعيان النجاسة (٣).

وفيه : ما لا يخفى بعد إعراض الأصحاب عن ظاهرهما ، ومخالفتهما لإجماعهم المستفيض نقله.

هذا ، مع أنّه يعارضهما بالنسبة إلى هذا الحكم في خصوص المورد : صحيحة عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥١ ـ ١٥٠ ، الإستبصار ١ : ٥٦ ـ ١٦٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ٤١ ـ ١٦٠ ، التهذيب ١ : ٣٥٣ ـ ١٠٥١ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٧.

(٣) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ١٠ ، وصاحب الجواهر فيها ٢ : ١٥ ، وانظر : الوافي ٦ : ١٥٠ ذيل الحديث ٣٩٧٧.

٦١

وفخذاه ، قال : «يغسل ذكره وفخذيه» (١).

وكيف كان فقد ذكروا في توجيه الروايتين وجوها أقربها ما ذكرنا من حملهما على التقية ، كما يؤيّده في الرواية الأولى بعض القرائن الداخلية والخارجية التي لا تخفى على المتأمّل.

نعم ، حمل الرواية الثانية على إرادة مسح المواضع الطاهرة بالريق لتلبيس الأمر عند وجدان البلل محتمل وإن كان بعيدا ، والله العالم.

ثمّ إنّه ربما يوهم عبارة المصنّف رحمه‌الله ـ حيث قيّد عدم إجزاء غير الماء بالقدرة ـ أنّ غير الماء في حال الضرورة مجز في تطهير المحلّ.

ولكنّه غير مراد جزما ، إذ لا فرق نصّا وفتوى في اعتبار الغسل في تطهير المحلّ بين الاضطرار والاختيار ، بل في المدارك والجواهر (٢) دعوى الإجماع عليه ، ولكن المصنّف ـ رحمه‌الله ـ حيث حكم بوجوب غسل المخرج بالماء ، نظرا إلى كونه مقدّمة للواجبات المشروطة بطهارة البدن ، قال :لا يجزئ غير الماء (مع القدرة) يعني في امتثال ما وجب ، ففيه إشعار بأنّه يجب استعمال غير الماء في إزالة عين النجس عند الضرورة وإن لم يحصل به التطهير ، وقد صرّح بذلك في محكي المعتبر (٣) ، وهو أحد القولين في المسألة ، بل ظاهر بعضهم أنّه هو المشهور (٤).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ١٣٣٣ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ١٦٢ ، جواهر الكلام ٢ : ١٦.

(٣) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ١٦٢ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٢٦.

(٤) كما في الجواهر ٢ : ١٦.

٦٢

وعن ظاهر المتأخّرين (١) أنّه لا تجب إزالة العين عند تعذّر التطهير الحقيقي.

واستدلّ للمشهور : بالمراسيل المعروفة في الكتب الدائرة على الألسن ، المعمول بها عند الأصحاب ، وهو قولهم عليه‌السلام : «لا يسقط الميسور بالمعسور» (٢) و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٣) والنبوي «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (٤).

واستدلّ العلّامة (٥) له بخبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام :في الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط ، قال عليه‌السلام :«كلّ شي‌ء يابس زكي» (٦).

وعن الوسائل : أنّه استشهد بخبر زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن طهور المرأة في النفاس إذا طهرت وكانت لا تستطيع أن تستنجي بالماء أنّها إن استنجت اعتقرت هل لها رخصة أن تتوضّأ من خارج وتنشفه بقطن أو خرقة؟ قال : «نعم تنقي من داخل بقطن أو خرقة» (٧).

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٧٠.

(٢) غوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥ ، وجواهر الكلام ٢ : ١٦.

(٣) غوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٧ ، وجواهر الكلام ٢ : ١٦.

(٤) كنز العمّال ٥ : ٢١ ـ ١١٨٧٢.

(٥) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٧٠.

(٦) التهذيب ١ : ٤٩ ـ ١٤١ ، الإستبصار ١ : ٥٧ ـ ١٦٧ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

(٧) حكاه عنها الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٠ ، وانظر : الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣ ، والتهذيب ١ : ٣٥٥ ـ ١٠٥٨.

٦٣

ونوقش في الجميع.

أمّا في المراسيل : فبأنّ القاعدة المستفادة منها مجراها ما لو كان المأمور به ذا أجزاء إمّا خارجا أو ذهنا ، كما في المطلق والمقيّد على إشكال في الثاني كما تقرّر في محلّه ، وليس للتطهير الذي هو شرط في الصلاة جزء لا ذهنا ولا خارجا ، لأنّه بمعنى النظافة وهي لا تتجزّأ.

وأمّا خبر عبد الله بن بكير : فإمّا محمول على التقيّة ، أو المراد منه كونه بمنزلة الزكي في عدم سراية النجاسة لا في حكم آخر من أحكام الطاهر ، ولا دليل على وجوب جعل البدن بحكم الطاهر بحيث لا تسري نجاسته ، نعم يجب عليه التحفّظ حتى لا يتنجّس به ثوبه أو موضع آخر من بدنه.

وأمّا رواية محمّد بن مسلم : فظاهرها غسل ظاهر الفرج وتنشيف داخله ، والداخل لا يجب غسله حتى يكون الأمر بالتنشيف في حال الضرورة دليلا على وجوبه في تلك الحالة بدلا عن الغسل.

وبما ذكرنا من المناقشة في أدلّة المثبتين ظهر لك مستند القول بعدم الوجوب ـ وهو الأصل ـ بعد تضعيف أدلّة الوجوب.

ولكنّ الإنصاف أنّ منع دلالة الأدلّة المتقدّمة على المدّعى ـ فيما عدا قاعدة الميسور ـ في محلّه ، وأمّا القاعدة : فالظاهر عدم قصورها عن شمول مثل المقام ، لأنّ الملاك في جريانها ـ كما تقرّر في محلّه ـ كون مجراها ذا مراتب بنظر العرف لا ذا أجزاء ، فإذا تعلّق الأمر بالمرتبة العالية وتعذّر تلك المرتبة ، يجب الإتيان بما دونها من المراتب ، لقوله عليه‌السلام

٦٤

«الميسور لا يسقط بالمعسور» (١) ومن المعلوم أنّ الطهارة الخبثية ـ التي هي شرط في الصلاة ـ لم يرد منها الشارع مفهوما مغايرا غير ما بأيدينا من معناها اللغوي ، وهي النظافة ، غاية الأمر أنّ الشارع اعتبر في حصول المرتبة العالية منها ـ التي جعلها شرطا في صحّة الصلاة ـ شرائط لم تكن تنالها عقولنا لو لم يبيّنها الشارع ، فبيانه للشرائط والكيفيّات المخصوصة كاشف عن عدم حصول المرتبة الكاملة من الطهارة التي اعتبرها شرطا للصلاة ونحوها إلّا بها ، وهذا لا يقتضي خروج ما عداها من المراتب عن صدق النظافة عليها عرفا ، وإنّما يقتضي عدم إجزاء ما عداها من المراتب العرفية في مقام امتثال الأوامر الشرعية مطلقا لو لا قاعدة الميسور ، ولازمه سقوط التكليف عند تعذّر الشرائط ، وأمّا بعد تصريح الشارع بأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور يستفاد منه عدم سقوط التكليف بالتعذّر ، وأنّ اعتبار هذه الشرائط والكيفيّات المخصوصة مخصوص بحال التمكّن.

وبالجملة ، صدق النظافة عرفا على إزالة العين في الجملة ولو باتّصافها بالناقصة ممّا لا تأمّل فيه ، وهذا المقدار كاف في جريان القاعدة.

نعم ، في كون تقليل عين النجاسة من مراتب النظافة عرفا تأمّل ، كما أنّ صدقها على إزالة المتنجّسات عن البدن مع بقاء أثرها لا يخلو عن إشكال ، إذ لا فرق بين الحالّ والمحلّ بنظر العرف في النجاسة الحكمية ، ولا يتعقّل العرف للحالّ قذارة زائدة على المحلّ حتى يحصل بإزالة الحالّ مرتبة من النظافة التي لم تكن قبلها ، ولا تكون إزالة عين المتنجّس إلّا

__________________

(١) غوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥.

٦٥

كتقليل عين النجس ، بل ليس القذارة فيها إلّا من حيث الأثر ، فهي أشبه شي‌ء بالقذارات المعنوية الحاصلة من الأحداث التي لا يتعقّل العرف فيها تركيبا ولا ترتّبا.

وكذا يشكل التمسّك بها في إيجاب غسل بعض الثوب والبدن إذا تعذّر غسل الجميع ، لإمكان منع كون غسل البعض من مراتب غسل الكلّ.

نعم ، يصحّ التمسّك في مثله بقوله عليه‌السلام : «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (١) وقوله عليه‌السلام : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٢) فتأمّل (٣).

وقد يقال بإمكان الاستدلال لوجوب إزالة العين عند التعذّر : بإطلاق ما دلّ على أنّ حدّ الاستنجاء النقاء ، كما في حسنة ابن المغيرة ، قال :قلت : هل للاستنجاء حدّ؟ قال : «لا ، حتى ينقي ما ثمّة» (٤) بناء على عموم الاستنجاء للبول ، وحصول النقاء بإزالة العين بدعوى : أنّ غاية ما يستفاد من الأخبار الآمرة بغسل البول بالماء تقييد الإطلاق في الغسل بالماء بإزالة الأثر مع القدرة ، فتبقى صورة العجز داخلة في إطلاق كفاية النقاء.

__________________

(١) كنز العمّال ٥ : ٢١ ـ ١١٨٧٢.

(٢) غوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٧.

(٣) قوله : فتأمّل ، إشارة إلى إمكان المناقشة فيه أيضا بأنّ شرط الصلاة إنّما هو طهارة الثوب والبدن من حيث هي ، وهي أمر بسيط لا يتجزّأ ، وتحقيق الكلام موكول إلى محلّه. (منه عفي عنه).

(٤) الكافي ٣ : ١٧ ـ ٩ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

٦٦

وفيه : منع إمكان ذلك ولو بعد تسليم المقدّمتين ، لأنّ الوجوب المستفاد من الأوامر المقيّدة غيريّ ، بل شرطيّ محض ، وقد تقرّر في محلّه أنّ هذا النحو من الوجوب لا يتقيّد بالقدرة إذا كان دليله مطلقا ، لكون الأمر فيه بمنزلة الإخبار عن كونه شرطا في حصول ذي المقدّمة أو جزءا له ، ومن المعلوم عدم اقتضاء الشرطية والجزئية اختصاصهما بحال القدرة ، غاية الأمر سقوط التكليف بالمشروط عند تعذّر الشرط لا انتفاء الشرطية.

هذا ، مع أنّ الظاهر أنّ السائل إنّما أراد من سؤاله معرفة حدّ الاستنجاء الذي يستعقب طهارة المحلّ ولا تعرّض فيها من حيث الحكم التكليفي أصلا ، فدعوى : كون النقاء حدّا للبول في حال الضرورة يلزمها الالتزام بطهارة المحلّ كما في الاستنجاء من الغائط ، وهو خلاف الإجماع كما تقدّم (١) نقله عن المدارك والجواهر.

والعجب من شيخنا المرتضى ـ قدس‌سره ـ حيث اقتصر في ردّ هذا الاستدلال على منع الشمول أوّلا ، واستلزامه خروج الحدّ عن ظاهره ثانيا (٢) ، وظاهره الاعتناء بهذا الاستدلال لو لا هذين المحذورين ، مع أنّه ـ رحمه‌الله ـ هو المؤسّس في هدم هذا البنيان ، وقد بالغ في أصوله في تضعيفه بما لا مزيد عليه. (و) اعلم أنّه قد اختلفت الأخبار وكلمات الأصحاب في (أقلّ ما يجزئ) من الماء في تطهير مخرج البول.

__________________

(١) تقدّم في ص ٦٢.

(٢) كتاب الطهارة : ٧٠.

٦٧

فعن أبي الصلاح أنّ أقلّ ما يجزئ ما أزال العين من رأس الفرج (١).

وعن الحلّي : أقلّ ما يجزئ من الماء لغسله ما يكون جاريا ، ويسمّى غسلا (٢).

والظاهر اتّحاد كلامي أبي الصلاح والحلّي كما فهمه العلّامة في محكي المختلف (٣) ، ونسب إليه الميل إلى قولهما في مختلفة ومنتهاه (٤) ، ونقله عن ظاهر ابن البرّاج (٥) أيضا.

وعن الأكثر (٦) بل المشهور اختيار ما يستفاد من رواية نشيط بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته كم يجزئ من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال : «(مثلا ما) على الحشفة من البلل» (٧).

وعن الشهيد في البيان : أنّ الاختلاف بين الأصحاب إنّما هو في التعبير ، قال ـ فيما حكي عنه ـ : ويجب غسل البول بالماء خاصة وأقلّه مثلاه مع زوال العين ، والاختلاف هنا في مجرّد العبارة (٨). انتهى.

__________________

(١) كما في الحدائق الناضرة ٢ : ١٧ ، وانظر : الكافي في الفقه : ١٢٧.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ١٧ ، وانظر : السرائر ١ : ٩٧.

(٣) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ١٧ ، وانظر : المختلف ١ : ١٠٦ ، المسألة ٦٤.

(٤) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ١٧ ، وانظر : المختلف ١ : ١٠٦ ، المسألة ٦٤ ، المسألة ، ٦٤ ، والمنتهى ١ : ٤٤.

(٥) مختلف الشيعة ١ : ١٠٦ ، المسألة ٦٤.

(٦) كما في الحدائق الناضرة ٢ : ١٧.

(٧) التهذيب ١ : ٣٥ ـ ٩٣ ، الإستبصار ١ : ٤٩ ـ ١٣٩ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٥.

(٨) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧١ ، وانظر : البيان : ٦.

٦٨

وغرضه بحسب الظاهر أنّ طهارة المخرج موقوفة على حصول مسمّى الغسل الذي لا يتحقّق شرعا وعرفا إلّا على تقدير قاهرية الماء واستهلاك البول ، وهذا ممّا لا بدّ منه جزما ، إذ لا يلتزم أحد بطهارة المحلّ من دون حصول مسمّى الغسل والاستهلاك ، وأقلّ ما يتحقّق به ذلك كون الماء ضعف البول أن أزيل معه العين.

والمناقشة فيه : بإمكان حصول الاستهلاك ومسمّى الغسل بأقلّ من المثلين ، ممّا لا ينبغي الالتفات إليها ، إذ بعد تسليم إمكان حصول الاستهلاك بما دون الضعف ليس التفاوت بين ما يحصل به الاستهلاك وبين المثلين بنظر العرف بيّنا حتى يكشف اختلاف التعبير عن اختلاف مرادهم.

ولا يبعد أن يكون مقصوده بيان اتّحاد الغرض من هذين التعبيرين لا عدم الاختلاف في المسألة رأسا ، فلا ينافي ذلك ما حكي عنه في الذكري من الجزم باعتبار الغسل مرّتين (١) ، إذ من الجائز أن يلتزم في كلّ غسلة بكون الماء ضعف ما على المحلّ من النداوة تحقيقا للغلبة المعتبرة في ماهية الغسل ، وكيف كان فمستند الأكثر هي الرواية المتقدّمة.

ونوقش فيها : بضعف السند ، لاشتماله على مروك بن عبيد ، وهو معروف الحال.

وفيه : أنّه لا ينبغي الالتفات إلى قصور السند في مثل هذه الرواية

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧١ ، وانظر : الذكرى : ٢١.

٦٩

المشهورة المعمول بها عند الأصحاب بحيث عبّروا بمتنها في فتاويهم.

هذا ، مع أنّه في محكي الخلاصة نقل عن الكشّي أنّه حكى عن محمّد بن مسعود أنّه قال : سألت علي بن الحسن عن مروك بن عبيد بن سالم بن أبي حفصة ، فقال : ثقة شيخ صدوق (١).

والمراد من البلل ـ على ما يتبادر منه عرفا ـ هي الأجزاء اللطيفة المائية المعبّر عنها بالرطوبة عرفا ، لا نفس الرطوبة التي هي من مقولة الإعراض ، كما توهّمه بعض ، وزعمه وجها لوجوب رفع اليد عن ظاهر الرواية ، بل المراد منه في خصوص المقام ما يعمّ القطرة المتخلّفة (على المخرج) عقيب البول ، لا خصوص الأجزاء اللطيفة ، لا لمجرّد تعذّر إجزاء الماء على المحلّ بمثلي تلك الأجزاء المعلوم اعتباره في حصول التطهير وصدق مسمّى الغسل ، بل لظهور البلل في مثل المقام في إرادة ما يتعارف بقاؤه على المحلّ في الغالب.

والحاصل : أنّه لو ألقي مثل هذه العبارة على من لم يكن ذهنه مشوبا بالشبهات لا يتخيّل منها إلّا إرادة المتكلّم مثلي الباقي على الحشفة من البول.

وكيف كان فلا إشكال في مفادها من هذه الجهة إلّا أنّه يعارضها ظاهرا رواية أخرى لنشيط بن صالح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ،

__________________

(١) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٢ : ١٨ ، وانظر : خلاصة الأقوال : ١٧٣ ذيل الرقم ١٧ ، واختيار معرفة الرجال : ٥٦٣ ـ ١٠٦٣.

٧٠

قال : «يجزئ من البول أن تغسله بمثله» (١) إلّا أنّها ضعيفة سندا بالإرسال ، ودلالة بعدم معلومية معارضتها للأولى إلّا على تقدير إرادة مثل البلل الكائن على المخرج ، ومن المعلوم عدم تحقّق الغسل به ، لاشتراط غلبة المطهّر ، واعتبار الجريان في مفهوم الغسل الممتنع حصوله في مثل الفرض ، ولذا ارتكب الشيخ ـ قدس‌سره ـ البعيد في تأويلها بإرجاع الضمير إلى البول الخارج ، هكذا قيل (٢).

ولكن منع تحقّق مسمّى الغسل المعتبر شرعا لو أريد منه القطرة العاقلة على المحلّ ـ كما هو الظاهر ـ لا يخلو عن تأمّل ، إذ ليس المراد بالمثل ما يماثله حقيقة ، بل هو كناية عن كفاية أقلّ ما يمكن تحقّق مسمّى الغسل به في الخارج ، فأريد منه ما يماثله مسامحة ، وقوله عليه‌السلام : «تغسله» قرينة على هذا التصرّف ، لا أنّ عدم إمكان الغسل بمثله الحقيقي سبب لطرح الرواية.

وأظهر من هذه الرواية في إرادة مثل القطرة العالقة على المحلّ : ما في الوسائل عن الكليني ، أنّه قال : وروي : «أنّه يجزئ أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة» (٣) وغيره.

وعلى ما ذكرنا فلا تنافي بين رواية المثل والمثلين ، لأنّ المثل

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥ ـ ٩٤ ، الإستبصار ١ : ٤٩ ـ ١٤٠ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٧.

(٢) القائل هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧١ ، وانظر : التهذيب ١ : ٣٥ ذيل الحديث ٩٤.

(٣) الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢ ، وانظر : الكافي ٣ : ٢٠ ـ ٧.

٧١

المسامحي الذي يتحقّق به مسمّى الغسل لا يكون أقلّ من مثلي البلل عادة.

وربّما يقال في توجيه الرواية حذرا من طرحها : وجوه في غاية الضعف والسقوط ، أقواها : احتمال وقوع الاشتباه في الكتابة.

وهذا الاحتمال وإن كان قويّا في حدّ ذاته ، ويعضده : اتّحاد راوي الروايتين والمروي عنه ، ولكنّه خلاف الأصل لا يلتفت إليه على تقدير سلامة الرواية عن المعارض ، وما يصلح لمعارضتها ليس إلّا الرواية الاولى ، وقد عرفت إمكان الجمع بينهما بنحو من المسامحة التي يساعد عليها العرف ، ويشهد له اعتبار مسمّى الغسل في تطهير المحلّ ، كما يدلّ عليه نفس هذه الرواية فضلا عن الأدلّة الخارجية.

نعم ، لو قلنا بأنّ المتبادر من رواية المثلين إرادة الغسلتين ، لتحقّقت المعارضة بين الروايتين ، ولكنّه ممنوع جدّا لو لم ندّع ظهورها في إرادة غسلة واحدة بقرينة ما هو المغروس في الأذهان من اشتراط قاهرية الماء وأكثريّته من القذر ، التي لا تتحقّق إلّا بإيصال المثلين دفعة.

والإنصاف أنّه لو لا تصريح الإمام عليه‌السلام بكفاية المثلين ، لأشكل علينا الإذعان ببقاء اسم الماء بعد امتزاجه بنصفه من البول حتى يؤثّر جريه في تطهير المحلّ.

وعلى تقدير تسليم ظهورها في إرادة الغسلتين فلا يكافئ هذا الظهور ظهور الرواية الاولى في كفاية الغسلة.

٧٢

والعجب ممّن التزم بكفاية المثلين واعتبر الغسلتين وأنكر اشتراط أكثرية الماء في التطهير بعد فرض حصول الجريان الذي يتوقّف عليه صدق الغسل!.

وفيه : أنّ المعتبر في التطهير إنّما هو الغسل بالماء ، فلو لم يكن لنا دليل على اشتراط غلبة المطهّر ، لكفانا اعتبار كون الغسل بالماء في إثباتها ، ضرورة أنّ إطلاق الماء على الماء الممتزج بما يساويه من البول ليس بأولى من صدق البول عليه ، مع أنّه لا شبهة في أنّ حصول التطهير يتوقّف على بقاء الماء على صفة الإطلاق إلى أن يتحقّق الغسل ، فإن كان ولا بدّ من القول باعتبار التعدّد ، فلا بدّ من أن يلتزم بإرادة المثل المسامحي في هذه الرواية أيضا حتى يمكن حصول الغسلتين بالماء المطلق بالمثلين ، أو يلتزم بإهمال الرواية ، وكونها مسوقة لبيان ما يجزئ في كلّ غسلة ، لا لبيان ما يجزئ من البول على الإطلاق ، وكلاهما خلاف الظاهر ، خصوصا الأخير منهما ، فالأقوى كفاية الغسلة الواحدة بالنظر إلى ظاهر هذه الرواية فضلا عمّا يقتضيه الجمع بين الروايتين.

ويدلّ عليه أيضا : موثّقة يونس بن يعقوب : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ، قال : «يغسل ذكره ويذهب الغائط ثم يتوضّأ مرّتين مرّتين» (١).

وظاهرها ـ بقرينة السؤال ـ كونها مسوقة لبيان تمام ما هو الواجب

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٧ ـ ١٣٤ ، الإستبصار ١ : ٥٢ ـ ١٥١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٥.

٧٣

عليه ، فترك التعرّض دليل على عدم اعتبار التعدّد في الغسل ، خصوصا مع تصريحه عليه‌السلام بالتكرار في الوضوء ، مع كونه مستحبّا.

ويدلّ عليه أيضا حسنة ابن المغيرة ، قال : قلت له : هل للاستنجاء حدّ؟ قال : «لا ، حتى ينقى ما ثمّة» (١) بناء على شمولها للاستنجاء بالبول.

ولكنّ الإنصاف انصرافها عنه ، خصوصا بقرينة ما بعده حيث قال :قلت : فإنّه ينقى ما ثمّة وتبقى الريح ، قال : «الريح لا ينظر إليها».

ويؤيّده إطلاق صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :«إذا انقطعت درّة البول فصبّ الماء» (٢).

ولا يعارض هذه الأدلّة ما في صحيحة البزنطي ، قال : سألته عن البول يصيب الجسد ، قال : «صبّ عليه الماء مرّتين» (٣) فإنّ ظاهرها ما لو أصاب الجسد بول من الخارج ، لا البول الخارج من الجسد ، وعلى تقدير العموم يجب تخصيصها بالأخبار المتقدّمة.

هذا ، ولكن الإنصاف أنّ القول بالغسلتين أيضا لا يخلو عن قوّة ، لقوّة احتمال إرادة الغسلتين من المثلين ولو بنحو من المسامحة ، وعدم الوثوق بالمراد من المثل في الرواية الثانية ، وعدم الاطمئنان بكون الموثّقة

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧ ـ ٩ ، التهذيب ١ : ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٧٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٧ ـ ٨ ، التهذيب ١ : ٣٥٦ ـ ١٠٦٥ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٣) السرائر ٣ : ٥٥٧ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٩.

٧٤

في مقام بيان تمام ما هو الواجب عليه مفصّلا ، فيشكل مع ذلك رفع اليد عن استصحاب النجاسة ، فالاحتياط في مثل المقام ممّا لا ينبغي تركه وإن كان الأقوى خلافه.

والأفضل بل الأولى أن يغسل ثلاثا ، لخبر زرارة ، قال : كان يستنجي من البول ثلاث مرّات ومن الغائط بالمدر والخرق (١).

وعن صاحب المنتقى : أنّ ضمير «كان» عائد إلى أبي جعفر عليه‌السلام (٢). والله العالم.

ثمّ إنّ الظاهر عدم اختصاص الحكم بالذكر ، بل يعمّ الأنثى والخنثى ، بل كلّ من بال ولو من غير المخرج المعتاد ، لعموم قاعدة الاشتراك ، وعدم استفادة مدخلية خصوصيّة الحشفة في موضوع الحكم من قوله عليه‌السلام : «مثلا ما على الحشفة» (٣) بعد إطلاق كلام السائل عمّا يجزئ من الماء في الاستنجاء من البول ، بل الظاهر أنّ تخصيصها بالذكر بملاحظة حال السائل ، وإلّا فالمقصود بيان كفاية مثلي ما على المخرج.

هذا ، مع خلوّ المرسلة (٤) عن ذكر الحشفة ، وقد عرفت دلالتها على المطلوب ، بل لا ينبغي الارتياب في عدم إرادة الخصوصية في موثّقة

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٩ ـ ٦٠٦ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٦.

(٢) حكاه عنه الحرّ العاملي في الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة ، ذيل الحديث ٦ ، وانظر : منتقى الجمان ١ : ١٠٦.

(٣) التهذيب ١ : ٣٥ ـ ٩٣ ، الإستبصار ١ : ٤٩ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٥.

(٤) أي : مرسلة نشيط بن صالح ، التي تقدّمت في ص ٧٠ ـ ٧١.

٧٥

يونس (١) ، لأنّ السائل سأله عن الوضوء الذي افترضه الله على عامّة العباد لمن جاء من الغائط أو بال ، فلا يناسبه بيان حكم الرجال فقط ، فالأقوى كفاية الغسلة في الاستنجاء من البول مطلقا ، وسبيل الاحتياط غير خفي. (و) يجب في الجملة ولو تخييرا (غسل) ما ظهر من (مخرج الغائط) إذا تلوّث بالنجاسة عند خروجها (بالماء حتى يزول العين والأثر) ولا يجب غسل الباطن بلا خلاف فيه ظاهرا ، كما يدلّ عليه ـ مضافا إلى الأصل ـ ما في ذيل رواية عمّار ، المتقدّمة (٢) في مسألة استقبال القبلة ، حيث قال عليه‌السلام : «إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه وليس عليه أن يغسل باطنه».

وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليه‌السلام في الاستنجاء :«يغسل ما ظهر منه على الشرج ولا يدخل الأنملة» (٣).

وكذا لا يجب غسل الظاهر أيضا ما لم يتلوّث بالنجاسة.

واحتمال وجوب الغسل تعبّدا ـ كما عن ظاهر المنتهى (٤) ـ لإطلاقات الأمر بالغسل ، ضعيف في الغاية ، لأنّ الأوامر المطلقة منزّلة على الغالب ، كما يدلّ عليه ـ مضافا إلى الفهم العرفي الناشئ من مناسبة الحكم وموضوعه ، أعني وجوب الغسل ونجاسة موضع النجو بمقتضى العادة ـ

__________________

(١) تقدّمت في ص ٧٣.

(٢) تقدّمت مع الإشارة إلى مصادرها في ص ٥٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٧ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٤٥ ـ ١٢٨ ، الإستبصار ١ : ٥١ ـ ١٤٦ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٤) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٢ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٤.

٧٦

جعل النقاء وإذهاب الغائط حدّا للاستنجاء في حسنة ابن المغيرة ، وموثّقة يونس بن يعقوب ، المتقدّمتين (١).

ثمّ إنّ في المقام إشكالا ، وهو : أنّه صرّح غير واحد من الأعلام ـ كالمصنّف وغيره ـ بل عن المشهور (٢) أنّه يجب في الاستنجاء بالماء إزالة العين والأثر مع أنّه ليس في شي‌ء من أخبار الباب من ذكر الأثر أثر ، فلذا ضاق الأمر على المتأخّرين ، واختلفت كلامتهم في تفسيره ، فمنهم من فسّره بالأجزاء اللطيفة ، وعلّل وجوب إزالتها بكونها عذرة.

وعورض بتصريحهم بعدم وجوب إزالتها في الاستجمار ، وفي هذا ينافي كونها عذرة.

وأجيب بالعفو عنها في الاستجمار ، للتسهيل ومنافاة وجوب إزالتها للحكمة المقتضية لتشريعه.

وفيه : أنّه إن أريد أنّها نجس وعفي عنها في الصلاة ونحوها ، ففيه :ما لا يخفى من مخالفته للنصوص وفتاوي الأصحاب. وإن أريد طهارتها من العفو عنها ، ففيه : أنّه لا يظنّ بأحد أن يلتزم بورود التخصيص على دليل نجاسة العذرة ، كيف وقد صرّحوا بوجوب إزالة العين مطلقا في الاستجمار ، وسمّوا ما يبقى بالأثر.

وربّما علّلوا عدم وجوب إزالته : بعدم كونه عذرة عرفا.

ومنهم من فسّره باللون.

__________________

(١) تقدّمتا في ص ٧٣ و ٧٤.

(٢) الناسب للمشهور هو صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٤.

٧٧

وفيه : أنّه من الأعراض ، ولا يصدق عليه اسم العذرة ، فلا تجب إزالته.

وما يقال : من أنّ وجود اللون كاشف عن بقاء العين ، لاستحالة انتقال العرض ، ففيه ـ بعد الإغماض عن أنّه ربما يتأثّر المحلّ بالمجاورة ونحوها ـ أنّ مدار الأحكام الشرعية على الصدق العرفي لا على التدقيقات الفلسفية.

ومنهم من فسّره بالرائحة.

وفيه : ـ مضافا إلى ما عرفت ـ ما لا يخفى بعد ورود النصّ (و) تصريح جملة منهم بأنّه (لا اعتبار بالرائحة) المجرّدة الباقية في محلّ النجاسة أو اليد.

ففي حسنة ابن المغيرة بعد أن حدّ الاستنجاء بالنقاء ، قال : قلت :ينقى ما ثمّة وتبقى الريح ، قال : «الريح لا ينظر إليها» (١).

وعن بعض (٢) تفسيره بالنجاسة الحكمية الباقية بعد إزالة العين ، فيكون إشارة إلى اعتبار تعدّد الغسل.

وفساده غير خفيّ بعد الالتفات إلى أنّ الأثر بهذا المعنى أمر تعبّدي شرعي لا يصحّ جعله حدّا للغسل ، مع أنّه نقل عن المنتهى دعوى الإجماع على عدم اعتبار التعدّد في الاستنجاء من الغائط (٣).

والذي ينبغي أن يقال في تفسير الأثر وبيان الفارق بين الماء

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧ ـ ٩ ، التهذيب ١ : ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٧٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٢) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٧٢ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٤.

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٧٢ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٤.

٧٨

والأحجار مع أنّ الحدّ في كلّ منهما النقاء ، فلم صار إزالة الأثر بالماء شرطا دون الأحجار؟ هو : أنّه لا ريب في أنّه إذا أزيل عين العذرة عن المحلّ بالمسح ، يبقى بعد زوال العين وحصول الجفاف بالمسح أثر في المحلّ لا يزول إلّا بالمبالغة التامّة ، ومن صفته أنّه لو باشرته بيدك الرطبة لأحسست فيه لزوجة ولصوقة ، وهذا الأثر الباقي لا يسمّى عذرة عرفا ، ولا تجب إزالته في الاستجمار جزما ، وتجب إزالته في الاستنجاء بالماء ، كما يستفاد ذلك من تحديد بعضهم (١) النقاء في الاستنجاء بالماء بالصرير وخشونة المحلّ.

وأمّا الفرق بينهما ـ مع كون النقاء حدّا للتطهير في كليهما ـ فإنّما نشأ من الاختلاف في الصدق العرفي ، فإنّ المتبادر من النقاء بالماء إزالة العين والأثر ، وبغير الماء خصوص العين ، وأمّا الأثر الباقي فهو وإن كان بالتدقيق العقلي من أجزاء العين إلّا أنّه بعد زوال العين يرتفع عنه الاسم ، فيطهر بعد الاستجمار تبعا للمحلّ.

وأمّا في الاستنجاء بالماء فتجب إزالته تبعا للحالّ بحكم العرف حيث يرونه عند الغسل بالماء من بقيّة العذرة ، وعند استعمال الحجر لا يرونه شيئا ، كما لا يخفى على من اختبره من نفسه عند إرادة إزالة ما في يده من القذارات الصورية بالماء أو بالمسح على الحائط. (وإذا تعدّى) الغائط (المخرج ، لم يجزئ إلّا الماء).

__________________

(١) وهو سلّار في المراسم : ٣٢ وفيه : «يطهر» بدل يصرّ ، وذلك تصحيف.

٧٩

والمراد بالمخرج مخرج النجو ، كما عن المبسوط والغنية وكتب الفاضلين والشهيد والمحقّق الثاني (١) ، أو حواشي الدّبر ، كما عن الشهيد الثاني وأبي العباس (٢) ، ونسبه في الحدائق إلى الأصحاب (٣) ، أو الشرج ، كما عن السرائر (٤) ، وهي ـ بتحريك الراء ـ حلقة الدّبر.

ويدلّ على عدم إجزاء غير الماء في التطهير إذا تعدّى الغائط المخرج ـ مضافا إلى عدم الخلاف فيه ، كما عن الانتصار (٥) ، بل الإجماع عليه ، كما عن الغنية والتذكرة (٦) ، وعن المعتبر أنّه مذهب أهل العلم (٧) ـ الخبر العامّي المروي في المعتبر (٨) والمنتهى (٩) عن الجمهور عن علي عليه‌السلام «إنّكم كنتم تبعرون بعرا واليوم تثلطون (١٠) ثلطا ، فأتبعوا الماء الأحجار».

__________________

(١) حكاه عنهم الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٢ ، وانظر : المبسوط ١ : ١٦ ، والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٨٧ ، والمعتبر ١ : ١٢٨ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٤ ، والذكرى : ٢٠ ، والدروس ١ : ٨٩.

(٢) حكاه عنهما الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٢ ـ ٧٣ ، وانظر : مسالك الأفهام ١ : ٢٩ وروض الجنان : ٢٣.

(٣) الحدائق الناضرة ٢ : ٢٦.

(٤) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٣ ، ولم نجده في مظانّه من السرائر.

(٥) كما في الجواهر ٢ : ٢٨ ، وانظر : الانتصار : ١٦.

(٦) حكاه عنهما الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٣ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٨٧ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ١٢٥ ، المسألة ٣٦.

(٧) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٨ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٣ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٢٨.

(٨) المعتبر ١ : ١٢٨.

(٩) منتهى المطلب ١ : ٤٤.

(١٠) الثّلط : الرجيع الرقيق. النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ٢٢٠ «ثلط».

٨٠