مصباح الفقيه - ج ٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

بوجوب المسح بالكفّ كلّها ، للصحيحة المتقدّمة ، فإنّ المقيّد يحكم على المطلق ، ومع ذلك فالاحتياط هنا ممّا لا ينبغي تركه ، لصحّة الخبر وصراحته ، وإجمال ما ينافيه (١). انتهى.

وكيف كان ، فلا شبهة في ضعفه ، لا لمخالفته للإجماع ، بل لمعارضة الخبرين للأخبار الكثيرة المعمول بها.

منها : ما في صحيحة زرارة وبكير ، المتقدّمة (٢) في مسح الرأس «ثم قال (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (٣) فإذا مسح بشي‌ء من رأسه أو بشي‌ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه».

وقد عرفت في مسح الرأس عدم إمكان تقييده بثلاث أصابع في القدمين ، فضلا عن مجموع ظاهر القدم أو مقدار الكفّ منه.

فما ذكره صاحب المدارك من إمكان تقييده بالكفّ ، ضعيف.

ولذا تعجّب المحقّق البهبهاني من حكمه بصراحة الصحيحة وإجمال المعارض في هذا المقام مع تصريحه في مسألة مسح الرأس بخلافه.

هذا ، ولكنّ الإنصاف عدم صلاحيّة هذه الصحيحة لمعارضة الصحيحة السابقة ، بل إجمالها بالنسبة إلى مسح القدمين ، لأنّ ما ذكرنا من

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٢١.

(٢) تقدّمت في ص ٣٤٤.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٦.

٤٠١

عدم إمكان تقييده بثلاث أصابع فضلا عن الكفّ مبنيّ على أن يكون ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع بدلا من قدميه ، كي يكون معناه : فإذا مسح بشي‌ء من هذا العضو فقد أجزأه.

ولكن لا تتعيّن إرادة هذا المعنى ، بل يحتمل قويّا كونه بيانا للشي‌ء لا بدلا من قدميه ، فيكون معناه على هذا التقدير : فإذا مسح بشي‌ء ، أي ببعض من قديمه ، الذي هو عبارة عمّا بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه ، فيدلّ على الاستيعاب من حيث الطول ، أمّا من حيث العرض فإمّا مجمل أو ظاهر في الاستيعاب أيضا ، ولكن يرفع اليد عنه بواسطة القرائن المنفصلة من إجماع ونحوه.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ وقوع الحكم في الرواية تفريعا على الآية يجعلها بمنزلة الصحيحة الآتية التي ستعرف أنّها كادت تكون صريحة في المدّعى ، فليتأمّل.

ومنها : صحيحة أخرى لزرارة ، الواردة في كيفية استفادة مسح بعض الرأس والرّجلين من الكتاب العزيز ، المتقدّمة (١) في مسح الرأس ، وفيها : «فقال (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما».

وهذه الصحيحة صريحة في كفاية المسح ببعض الأرجل إلى الكعبين ، أي ببعض هذا العضو ، فلا يتطرّق فيها شائبة الإجمال من هذه الجهة ، ولكنّ إطلاقها وارد مورد حكم آخر ، فمن هنا قد يتوهّم ضعف

__________________

(١) تقدّمت في ص ٣٤٠.

٤٠٢

الاستشهاد بها للمدّعى.

ويدفعه : ما أشرنا إليه في مسح الرأس من أنّ وقوعها تفسيرا للآية يجعلها بحكمها من حيث الإطلاق.

ومنها : الأخبار المستفيضة المتقدّمة (١) الآمرة بأخذ ناسي المسح البلّة من لحيته لمسح رأسه ورجليه ، وفي بعضها : «فإن لم يكن له لحية أخذ من حاجبيه وأشفار عينيه» إذ من المعلوم أنّ البلّة المأخوذة من أشفار العينين والحاجبين ، بل وكذا اللحية بعد جفاف سائر المواضع غالبا لا تكفي لمسح الرأس والرّجلين بالكفّ.

ومنها : رواية معمّر بن عمر (٢) ، المتقدّمة (٣) الدالّة على إجزاء مسح موضع ثلاث أصابع من الرأس والرّجلين.

ومنها : رواية جعفر بن سليمان ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك يكون خفّ الرجل مخرّقا فيدخل يده فيمسح ظهر قدميه أيجزئه ذلك؟ فقال : «نعم» (٤) إلى غير ذلك.

فيتعيّن حمل الصحيحة على الاستحباب وعلى أنّ مقصود السائل معرفة كيفيّته المستحبّة ، كما يقرّبه بعد جهل السائل ـ مع جلالة قدره ـ بالواجب من المسح.

__________________

(١) تقدّمت في ص ٣٨٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : معمّر بن خلّاد. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) تقدّمت في ص ٣٤٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣١ ـ ١٠ ، التهذيب ١ : ٦٥ ـ ١٨٥ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

٤٠٣

وأمّا رواية عبد الأعلى : فلعلّ موردها ما لو عمّت المرارة أو العصابة المشدودة عليها جميع الأصابع وإن اختصّ الجرح بإصبع ، كما هو ظاهر الرواية. مع إمكان حملها على الاستحباب ، وجعلها دليلا على جريان قاعدة نفي الحرج في المستحبّات أيضا.

ولا ينافي ذلك جواز الاستدلال بعموم القاعدة المستفادة منها في الواجبات ، كما لا يخفى وجهه.

وعن بعض اعتبار مقدار ثلاث أصابع في المسح (١).

ومدركه ـ بحسب الظاهر ـ رواية معمّر ، المتقدّمة (٢) في مسح الرأس. وقد عرفت فيما تقدّم ضعفها ، وسمعت دعوى غير واحد مخالفتها للإجماع بالنسبة إلى مسح الرّجلين.

وعن الإشارة والغنية : أنّ الأقلّ إصبعان (٣).

وعن ظاهر النهاية والمقنعة وأحكام الراوندي : اعتبار الإصبع (٤).

ولا شاهد على شي‌ء من هذين القولين ، خصوصا الأوّل منهما.

ولعلّ مدركهما دعوى توقّف تحقّق المسمّى عليه ، وهي في الإصبع

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١٧١ ذيل المسألة ٥٢.

(٢) تقدّمت في ص ٣٤٩.

(٣) حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٦٩ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ١ :٢٥٢ ، وانظر : إشارة السبق (ضمن الجوامع الفقهية) : ١١٨ ، والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٩١.

(٤) النهاية : ١٤ ، المقنعة : ٤٨ ، وحكاه عن النهاية وأحكام الراوندي ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٦٩.

٤٠٤

غير بعيدة وإن كانت قابلة للمنع ، وأمّا في الأزيد من الإصبع فممنوعة قطعا ، والله العالم.

وأمّا حدّه طولا : فهو (من رؤوس الأصابع إلى الكعبين) بلا خلاف ظاهر ، كما في طهارة شيخنا المرتضى (١) قدس‌سره.

وعن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

وقال سيّدنا المعاصر بعد نقل الإجماع عليه عن جماعة : ويساعده التتبّع ، لأنّا لم نقف على مفت بكفاية المسمّى طولا وإن ناقش في دليله من ناقش. نعم عن الكفاية أنّه المشهور (٢). وهو غير ثابت ، لكنّه أحوط. انتهى.

وفي الحدائق بعد أن نقل الإجماع عليه عن غير واحد ، قال : واحتمل في الذكرى عدم الوجوب ، وبه جزم المحدّث الكاشاني في المفاتيح ، ونفى عنه البعد صاحب رياض المسائل وحياض الدلائل.

ثمّ ساق الكلام في النقض والإبرام ، إلى أن قال : وبذلك يظهر أنّ الأظهر هو القول الأخير ، إلّا أنّ الاحتياط في الوقوف على المشهور (٣). انتهى.

ويدلّ على ما ذهب إليه المشهور : ظاهر الكتاب وغير واحد من الأخبار البيانيّة وغيرها.

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١٢٤.

(٢) كفاية الأحكام : ٢.

(٣) الحدائق الناضرة ٢ : ٢٩١ ، وانظر : الذكرى : ٨٩ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٤٥.

٤٠٥

منها : ما عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حكاية المعراج : «ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء ورجليك إلى كعبيك» (١) الخبر.

ومنها : ما عن بكير وزرارة ابني أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام في حكاية وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «ثم مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضل كفّيه لم يجدّد ماء» (٢).

والمناقشة في دلالتها على الوجوب : بإجمال وجه الفعل ، مدفوعة : بأنّ وقوعه بيانا للواجب يجعله بمنزلة الأمر في ظهوره في الوجوب ، فلا يحمل على غيره إلّا بالدليل.

ومنها : ما في رواية الأعمش من «أنّ الوضوء الذي أمر الله به في كتابه الناطق : غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين» (٣).

ومنها : ما في خبر عيسى بن المستفاد : «وإسباغ الوضوء على المكاره ، الوجه واليدين والذراعين ومسح الرأس ومسح الرّجلين إلى الكعبين» (٤).

والمناقشة في دلالة أكثر هذه الروايات ، وكذا في الآية الشريفة : بأنّ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨٥ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٥ ـ ٥ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٣) الخصال : ٦٠٣ ـ ٩ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ١٨.

(٤) الطرف : ٥ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢٥.

٤٠٦

ظاهرها كون الكعب غاية للمسح ، وهو غير لازم ، لجواز النكس ، كما سيجي‌ء ، فالمراد منها إمّا الاستحباب ، أو أنّ الغاية غاية للممسوح ، كما أنّ قوله تعالى (إِلَى الْمَرافِقِ) (١) غاية للمغسول لا للغسل ، فلا يستفاد منها حدّ المسح ، ضعيفة جدّا ، لأنّ رفع اليد عن ظاهر الآية والروايات في الجملة لدليل لا يوجب إهمالها رأسا ، ولا شبهة في أنّه يستفاد من ظاهر قوله عليه‌السلام : «امسح رجليك إلى الكعبين» أمران : أحدهما : وجوب انتهاء المسح إلى الكعب ، والآخر : وقوعه على مجموع المسافة المغيّاة بالغاية المفروضة ، ومن الواضح أنّه لو دلّ دليل الخارجي على أنّ الابتداء والانتهاء ممّا لم يتعلّق به غرض الآمر ، بل المقصود ليس إلّا حصول المسح ، لا يقتضي هذا الدليل رفع اليد عن ظهوره في الاستيعاب ، نظير ما لو أمر المولى عبده بمطالعة كتاب من أوّله إلى آخره ، وعلم العبد من الخارج أنّ الترتيب غير ملحوظ لديه ، فلا يرتاب في وجوب مطالعة مجموع الكتاب ولو بعكس الترتيب.

وأمّا ما يقال من أنّ الكعبين غاية للممسوح لا المسح ، وكذا المرافق غاية للمغسول في الآية الشريفة ، فلا يخلو عن مسامحة ، لأنّ الظرف ـ بحسب الظاهر ـ في الآية وكذا الروايات من متعلّقات الفعل لا من أوصاف الرّجل ، فليس معنى الآية وكذا الروايات أنّ الرّجل المغيّاة بهذه الغاية يجب إيقاع المسح عليها في الجملة ، بل معناها ليس إلّا ما هو الظاهر منها ، وهو وجوب إيقاع المسح إلى هذا المكان ، إلّا أنّ الغاية إنّما

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٦.

٤٠٧

جعلت غاية للمسح بملاحظة محلّه لا بملاحظة كيفيّة حدوث الفعل ، فتسميته غاية لنفس المحلّ مسامحة.

وبتقريب أوفى : أنّا نجد من أنفسنا بعد مراجعة الوجدان أنّ الامتداد الذي ينسبق إلى الذهن بذكر الغاية في مثل هذه العبائر أوّلا وبالذات إنّما هو في نفس الفعل لا في محلّه ، ولا نرى جواز النكس أو وجوبه صارفا عن هذا المعنى المنسبق إلى الذهن.

هذا ، مع أنّ الالتزام بظاهر الروايات ممّا لا محذور فيه ، وثبوت جواز النكس لا ينافيه ، لجواز كون كلّ منهما من أفراد الواجب المخيّر.

نعم ، يستبعد الالتزام به في الآية ، لعدم إمكان الالتزام بذلك في غسل اليدين ، ووحدة السياق تشهد باتّحاد المراد في كلا المقامين ، فتأمّل.

ولا يخفى عليك أنّ كون كلمة «باء» في الآية للتبعيض لا ينافي ظهورها في الاستيعاب من حيث الطول ، لأنّ معناها على هذا التقدير :فامسحوا من أرجلكم من رؤوس الأصابع إلى الكعبين. وهذه العبارة ظاهرة أيضا في وجوب الاستيعاب طولا.

هذا ، مع أنّ كون «الباء» للتبعيض غير مسلّم ، والصحيحة الواردة في تفسيرها لا تدلّ عليه ، لما عرفت ـ فيما سبق ـ من أنّ دلالة كلمة «الباء» على إرادة البعض لا ينحصر وجهها في كون الباء للتبعيض ، لإمكان كونها أمارة تضمّن الفعل معنى المرور والإلصاق وغيرهما ممّا يكفي في تحقّقه مجرّد الملابسة ، ويتعدّى بالباء ، بل لعلّ هذا المعنى هو

٤٠٨

الظاهر من الآية في حدّ ذاتها ، وعلى هذا التقدير لا خفاء في ظهورها في وجوب الاستيعاب لمجموع المسافة.

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ صاحب الحدائق قوّى القول بكفاية المسمّى وعدم وجوب الاستيعاب ، ومدركه إطلاق صحيحة زرارة ، المتقدمة (١) الواردة في تفسير الآية «إذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك» وبمضمونها روايات أخر.

واستدلّ أيضا بالأخبار المستفيضة الدالّة على جواز المسح على النعل من دون استبطان شراكة.

ويضعّفه : عدم دلالة الصحيحة على مرادة ، لقوّة احتمال كون كلمة «ما» موصولة بدلا من شي‌ء.

وأمّا احتمال كونها بدلا من القدمين وكذا غيره من الاحتمالات ـ ككونها نكرة موصوفة ـ وإن كان قويّا في حدّ ذاته ، إلّا أنّ وقوع الرواية تفسيرا للآية وتفريعا على ظاهرها يضعّف سائر الاحتمالات.

هذا ، مع أنّه لا يجوز رفع اليد بمثل هذا الظاهر عن ظواهر الأدلّة المتقدّمة الموافقة للاحتياط ، المعتضدة بعدم وجود القائل بخلافها أو ندرته.

وأمّا أخبار عدم استبطان الشراك : ففيها : منع مانعيّة الشراك من

__________________

(١) تقدّمت في ص ٣٤٤.

٤٠٩

مسح مقدار الواجب ، بل الظاهر عدمه ، خصوصا لو قلنا بخروج الكعبين من الحدّ ، وسيتّضح لك تحقيقه إن شاء الله. (و) أمّا الكعبان فـ (هما قبّتا القدمين) كما عن المقنعة ، وزاد فيها : أمام الساقين ما بين المفصل والمشط ، إلى أن قال : إنّ الكعب في كلّ قدم واحد ، وهو ما علا منه في وسط القدم (١).

وفي المدارك : ما ذكره المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في تفسير الكعبين من أنّهما قبّتا القدمين هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل عليه المرتضى ـ رحمه‌الله ـ في الانتصار ، والشيخ في الخلاف الإجماع ، وقال في المعتبر : إنّه مذهب فقهاء أهل البيت عليه‌السلام (٢). انتهى.

فلا إشكال ولا خلاف بين الإماميّة في أنّهما في ظهر القدمين ، كما يساعد عليه أخبارهم المتواترة ، وإنّما الإشكال والخلاف في تشخيص موضوعه من ظهر القدم ، فإنّ العلّامة ـ أعلى الله مقامه ـ مع أنّه فسّر الكعب بما يظهر منه موافقته لغيره ، ادّعى أنّه هو المفصل بين الساق والقدم ، ونزّل كلمات العلماء في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم عليه.

قال في التذكرة ـ على ما حكي (٣) عنه ـ : إنّ الكعبين هما العظمان الناتئان في وسط القدم ، وهما معقد الشراك ، أعني مجمع الساق والقدم ،

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٢٥ ، وانظر : المقنعة : ٤٤.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢١٦ ، وانظر : الانتصار : ٢٨ ، والخلاف ١ : ٩٣ ، ذيل المسألة ٤٠ ، والمعتبر ١ : ١٥١.

(٣) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٢٥ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٠ ، المسألة ٥١.

٤١٠

ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال الشيباني.

وعن المنتهى : ذهب علماؤنا إلى أنّ الكعبين هما العظمان الناتئان في وسط القدم ، وهما معقد الشراك ، وبه قال الشيباني (١).

وعن المختلف أنّ الكعب هو المفصل بين الساق والقدم ، ثمّ قال :وفي عبارة علمائنا اشتباه على غير المحصّل ، فإنّ الشيخ وأكثر الجماعة قالوا : إنّ الكعبين هما النائتان في وسط القدم ، قاله الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في كتبه. وقال السيّد رحمه‌الله : الكعبان هما العظمان الناتئان في ظهر القدم عند معقد الشراك. وقال أبو الصلاح رحمه‌الله : هما معقد الشراك. وقال المفيد رحمه‌الله :الكعبان هما قبّتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل والمشط ، وقال ابن أبي عقيل رحمه‌الله : الكعبان ظهر القدم. وقال ابن الجنيد رحمه‌الله : الكعب في ظهر القدم دون عظم الساق ، وهو المفصل الذي قدّام العرقوب (٢). انتهى.

وقد أخذ بعض (٣) من تأخّر عنه في التشنيع عليه بمخالفة تفسيره للإجماع والأخبار وقول أهل اللغة.

وفي مقابل هذا البعض ما عن كنز العرفان من الطعن على القول بأنّ الكعب هو العظم الناتئ : بأنّه لا شاهد له لغة ولا عرفا ولا شرعا (٤).

وقد وجّه كلّ من المتخاصمين مقالة العلماء على مختاره.

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٢٥ ، وانظر منتهى المطلب ١ : ٦٤.

(٢) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٢١٨ ، وانظر : المختلف ١ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، المسألة ٧٨.

(٣) كالشهيد في الذكرى : ٨٨ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٢٢٠ ، والسبزواري في ذخيرة المعاد : ٣٢ ـ ٣٣.

(٤) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٢٥ ، وانظر : كنز العرفان ١ : ١٨.

٤١١

والذي يقتضيه الإنصاف أنّه إن أراد من المفصل ـ كما هو الظاهر من كلامه ـ المفصل الواقع بين الساق والقدم الذي لو فرض قطع رجل السارق منه لم يبق له من قدمه شي‌ء يقوم عليه ويصلّي ، ولا يبقى من عقبه ما يطأ عليه ، فلا ينبغي التأمّل في مخالفته لجلّ كلمات العلماء في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم ، إذ لا يصدق على هذا المفصل الواقع فوق العقب شي‌ء من الأوصاف التي ذكروها لتعيين الكعب ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وكيف لا!؟ وهو بهذا المعنى يؤول إلى ما عليه العامّة بأدنى مسامحة.

ولعلّه لذا نسب فخر الدين في شرح الإرشاد ـ على ما حكي عنه ـ قول العامّة إلى والده ، فقال : إنّ لأصحابنا قولين : أحدهما : اختيار المصنّف رحمه‌الله ، وهو : أنّ المراد من الكعبين هما العظمان الناتئان في جانبي الساق والقدم والمفصل بينهما. وبه قال أكثر الجمهور.

وكذا عن ظاهر التنقيح وشرح الألفيّة (١).

وعن جامع المقاصد : احتماله ، قال : إن أراد نفس المفصل ، فلا يوافق أحدا من الخاصّة والعامّة ، وإن أراد به ما نتأ عن يمين القدم وشمالها كمقالة العامّة ، لم يكن المسح منتهيا إلى الكعبين (٢). انتهى.

وإن أراد من المفصل ما هو الواقع في وسط القدم لا في آخرها وإن

__________________

(١) التنقيح الرائع ١ : ٨٤ ، المقاصد العليّة : ٥٨.

(٢) جامع المقاصد ١ : ٢٢٠ ـ ٢٢١.

٤١٢

كان خلاف ظاهر عبارته ، فلا يبعد تنزيل كلمات بعض العلماء عليه ، وتأويل أخبار الباب على وجه لا ينافيه ، إلّا أنّ دعوى إرادتهم ذلك ـ مع مخالفته لظاهر كلمات أكثرهم وصريح بعضهم ـ عريّة عن الشاهد.

نعم ، في القاموس عدّ من معاني الكعب : كلّ مفصل للعظام (١).

ومن المعلوم أنّ كونه من معانيه لا يعيّن إرادته في المقام ، كما أنّ صحيحة الأخوين ، الآتية أيضا لا تدلّ على إرادة هذا المفصل بالخصوص ، كما سيأتي توضيحه إن شاء الله.

ويكفي شاهدا على ما ذكرنا من بعد إرادتهم من الكعب المفصل : التأمّل في العبائر التي حكاها عنهم في المختلف (٢) ، فإنّ حمل أكثرها على إرادة المفصل في غاية البعد.

نعم ، وجّه بعض الأعلام كلام العلّامة على ما يوافق المشهور ، بدعوى : أنّ غرضه بيان وجوب انتهاء المسح إلى المفصل الذي هو طرف الكعب ، لا أنّ الكعب هو نفس المفصل.

ويؤيّد هذا التوجيه : ما سيجي‌ء منه من التزامه بدخول الغاية في المغيّى ، كما سيجي‌ء منه من التزامه بدخول الغاية في المغيّى ، كما سيجي‌ء تحقيقه ، فلعلّ غرضه على هذا التقدير من اشتباه غير المحصّل تخيّله كون قبّة القدم نهاية للمسح ، لا طرف الكعب المتّصل بالساق.

وكيف كان ، فالأقوى ما ذهب إليه المشهور ، لظهور معاقد

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ١٢٤ «كعب».

(٢) مختلف الشيعة ١ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، المسألة ٧٨.

٤١٣

إجماعاتهم فيه.

مضافا إلى تصريح صاحب المدارك بأنّ اللغويّين من الخاصّة متّفقون على أنّ الكعب هو الناتئ في ظهر القدم حيث يقع معقد الشراك ، لأنّه مأخوذ من كعب إذا ارتفع ، ومنه : كعب ثدي الجارية : إذا علا.

ثمّ قال : بل الظاهر أنّه لا خلاف بين أهل اللغة في إطلاق الكعب عليه وإن ادّعى العامّة إطلاقه على غيره أيضا.

قال في القاموس : الكعب : العظم الناشز فوق القدم ، والناشزان في جانبيها.

وقال ابن الأثير في نهايته : وكلّ شي‌ء ارتفع فهو كعب. ونحوه قال الهروي في الغريبين. قال : ومنه سمّيت الكعبة كعبة.

ونقل الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى عن الفاضل اللغوي عميد الرؤساء أنّه صنّف كتابا في الكعب ، وأكثر فيه من الشواهد على أنّه الناشز في ظهر القدم أمام الساق (١). انتهى.

وأنت خبير بأنّ تأويل جميع هذه العبائر كاد أن يكون متعذّرا وإن أمكن في كثير منها ، فإطلاق الكعب على قبّة القدم لغة ممّا لا مجال للتأمّل فيه.

نعم ، يظهر من جمع من اللغويّين إطلاقه على غيرها أيضا.

قال في القاموس : الكعب كلّ مفصل للعظام ، والناشز فوق القدم

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٢٠ ، وانظر : القاموس المحيط ١ : ١٢٤ ، والنهاية ٤ : ١٧٩ ، والذكرى : ٨٨.

٤١٤

والناشزان من جانبيها (١). فلا بدّ في تعيين المراد منه من قرينة معيّنة ، وقد عرفت ظهور معاقد الإجماعات بل صراحة بعضها في إرادة المعنى المشهور. وكفى به قرينة ، مضافا إلى شهادة الأخبار الآتية بذلك.

وعن المحقّق البهائي (٢) ـ رحمه‌الله ـ أنّ الكعب يطلق على معان أربعة :

الأوّل : العظم المرتفع في ظهر القدم الواقع فيما بين المفصل والمشط.

الثاني : المفصل بين الساق والقدم ، واستدلّ على إطلاق الكعب عليه : بكلام صاحب القاموس حيث قال : الكعب كلّ مفصل للعظام.

ثمّ قال : وهو المفهوم من كلام ابن الجنيد ، وتنطبق عليه رواية الأخوين بحسب الظاهر.

الثالث : أحد الناتئين عن يمين الساق وشماله اللذين يقال لهما : المنجمان. وهو الذي تسميه العامّة كعبا. وأصحابنا مطبقون على خلافه.

الرابع : عظم مائل إلى الاستدارة ، واقع في ملتقى الساق والقدم ، وله زائدتان في أعلاه تدخلان في حفرتي قصبة الساق ، وزائدتان في أسفله تدخلان في حفرتي العقب ، وهو نأتي في وسط ظهر القدم ، أعني وسطه العرض ، ولكن نتوؤه غير ظاهر بحسّ البصر. وقد يعبّر عنه بالمفصل ، لمجاورته له ، أو من قبيل تسمية الحالّ باسم المحلّ. وهو الذي في أرجل الغنم والبقر ، وبحث عنه علماء التشريح.

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ١٢٤ «كعب».

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٢٠ ـ ٢٢٢ ، وانظر : الحبل المتين : ١٨ ـ ١٩.

٤١٥

ثمّ ادّعى أنّه هو مراد العلّامة ، بل ادّعى انطباق كلمات العلماء عليه حيث قال : وكيف كان فالكعب عند علمائنا ما ذكرناه ، والمراد بالنتوء في كلامهم إنّما هو النتوء الذي لا يدرك بالحسّ. وبقولهم : في وسط القدم ، إنّما هو الوسط العرضي (١).

ثم استشهد بكلام بعض العامّة حيث نسبوا إرادة هذا المعنى من الكعب إلى الخاصّة.

وعن أربعينه (٢) أنّه نقل جملة من كلمات أهل التشريح ممّا يدلّ على ذلك.

وأنت خبير ببعد تنزيل الآية والأخبار الواردة في تحديد مسح الرّجل مع عموم الابتلاء به على إرادة هذا الشي‌ء الذي لا يعلم وجوده فضلا عن محلّه وأوصافه إلّا بعض الخواصّ من علماء التشريح ، بل لا ينبغي الارتياب في عدم إرادة العلماء في حدودهم هذا المعنى ، إذ كيف يظنّ بالعلماء إرادة هذا المعنى في حدّ الكعب ، واقتصارهم في تشخيص المراد بذكر أوصاف لا يغني من جوع!؟ بل يوهم خلاف المقصود مع سهولة تعريفه بما يخصّه بحيث لا يشتبه على أحد ، كأن يقولوا : هو عظم مستدير واقع فوق العقب متّصل بالمنجمين ـ اللذين يسمّيهما العامّة كعبا ـ متداخل فيهما ، إلى غير ذلك من الأوصاف المخصوصة به ، كما عرّفه علماء التشريح ، فكيف يحتمل إعراض جميع العلماء عن ذكر أوصافه

__________________

(١) قوله : «وكيف كان .. العرضي» ليس في الحبل المتين.

(٢) حكاه عن صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٢٢ ، وانظر : الأربعون حديثا : ١٢٥ ـ ١٢٧.

٤١٦

المخصوصة ، وذكرهم لمعرفته أوصافا لا تكون تلك الأوصاف بالنسبة إليه إلّا كالتورية ، فإنّ إطلاق ظهر القدم على ما هو واقع تحت عظم الساق ، وكذا النتوء الذي لا يدركه الحسّ ، وكذا وسط القدم على وسطه العرضي ليس إلّا من قبيل التورية ، فكيف يظنّ بالعلماء إرادته مع أنّ من عادتهم الاهتمام في تشخيص الحدود!؟

هذا ، مع أنّ إطلاق الكعب لغة على هذا المعنى غير ثابت ، وكلام أهل التشريح لا يدلّ على كونه حقيقة فيه ، فلاحظ وتأمّل.

ثمّ إنّ عمدة ما يستدلّ به للعلّامة ومن تبعه في مخالفة المشهور : ما في صحيحة زرارة وبكير ، قلنا : أصلحك الله فأين الكعبان؟ قال : «ها هنا» يعني المفصل دون عظم الساق ، فقلنا : هذا ما هو؟ فقال : «هذا من عظم الساق» كما في الكافي ، أو «عظم الساق» كما في التهذيب (١).

ويتوجّه عليه : إجمال المراد من المفصل ، إذ كما يحتمل إرادة المفصل المتّصل بالساق كذلك يحتمل إرادة المفصل الواقع فوق الأشاجع ، وكذا المفصل الواقع في وسط القدم.

وتوصيفه بكون دون عظم الساق ينفي احتمال إرادة ما فوق الأشاجع لو أريد منه ما دونه ، لكون هذا المفصل بعيدا عن عظم الساق ، بخلاف المفصل الواقع في وسط القدم ، فإنّه قريب منه جدّا ، ولو أريد من قوله : «دون عظم الساق» غير عظم الساق الذي تظنّه العامّة كعبا ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٥ ـ ٢٦ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ٧٦ ـ ١٩١ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

٤١٧

فلا ينافي شيئا من الاحتمالات.

ودعوى : أنّ المفصل المحسوس المشاهد في المقام ، المنصرف إلى الذهن في الرواية هو مفصل الساق لا غير ، يدفعها : أنّ توصيف الكعب في ذيل رواية الكافي بعد قوله : «هذا من عظم الساق» بقوله : «والكعب أسفل من ذلك» بل وكذا قول السائل : دون عظم الساق ، يبعّد إرادة هذا المفصل ، لأنّ هذا المفصل واقع في طرف العظم المشار إليه ، ومنتزع من جزئه الآخر ، فلا يطلق عليه هذه العبارة ، بل ربّما يتعذّر تشخيص إرادته من الإشارة بحيث يعلم أنّ مراد الإمام عليه‌السلام نفس المفصل دون آخر عظم الساق.

هذا ، مع منافاة هذه الرواية بهذا المعنى للأخبار الآتية التي وصف فيها الكعب بظهر القدم (١) ، ووضع يده على ظهر القدم وقال : «هذا هو الكعب» (٢).

وقد عرفت أنّ تأويل مثل هذه الروايات ـ بحيث ينطبق على إرادة المفصل الذي يدور مدار عظم الساق ـ متعذّر ، فلا بدّ من تأويل الصحيحة على وجه لا تنافي غيرها من الأدلّة.

ثمّ إنّ مقتضى القول بأنّ الكعب هو مفصل الساق أو العظم المستدير : عدم جواز الاقتصار على مسح الإبهام منتهيا إلى عظم الساق

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٧ ، التهذيب ١ : ٧٥ ـ ١٨٩ و ٨٠ ـ ٢٠٥ ، الاستبصار ١ : ٦٩ ـ ٢١٠ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ٧٥ ـ ١٩٠ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٩.

٤١٨

حال قيام المتوضّئ على قدميه ، لأنّ العصب الغليظ الواقع أمام الساق بل وكذا اللحم والجلد المكسي بهما العظم يمنع من انتهاء المسح إلى المفصل ، فلا بدّ إمّا من المسح من نواحي القدم من غير جهة الإبهام أو من مدّ الرّجلين لو مسح على ما يسامت الإبهام حتى يمكن إيصال المسح إلى المفصل ، فليتأمّل.

وممّا يستدلّ به على مذهب المشهور ـ مضافا إلى ظهور معاقد الإجماعات فيه ـ أخبار مستفيضة :

منها : صحيحة البزنطي ، المتقدّمة (١) ، وفيها «فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم» إذ الظاهر أنّ قوله : «إلى ظاهر القدم» بيان أو بدل من «إلى الكعبين».

ولعلّه سيق دفعا لتوهّم إرادة الكعبين بالمعنى الذي يراه العامّة.

والمراد من ظاهر القدم ظاهرا عواليه ومرتفعة لا نهايته.

وحملها على ما يوافق مذهب العلّامة ليس بالبعيد ، إلّا أنّ انطباقها على مذهب المشهور أظهر.

ومنها : حسنة ميسرة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حكاية وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى قوله : «ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال : هذا هو الكعب.

قال : وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب ، ثم قال : إنّ هذا هو الظنبوب» (٢).

وظهورها في المدّعى غير قابل للإنكار.

__________________

(١) تقدّمت في ص ٣٥٢.

(٢) التهذيب ١ : ٧٥ ـ ١٩٠ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٩.

٤١٩

وأمّا أسفل العرقوب الذي أومأ إليه بيده فهو غير ما وضع يده عليه بحسب الظاهر ، لأنّ أسفل العرقوب غير ظهر القدم.

ومنها : حسنة ميسرة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام «الوضوء واحدة واحدة» ووصف الكعب في ظهر القدم (٢).

ومنها : ما حكي عن أبي العباس أنّه قال : أخبرني سلمة عن الفراء عن الكسائي ، قال : قعد محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام في مجلس كان له ، وقال : «ها هنا الكعبان» قال : فقالوا : هكذا؟ فقال : «ليس هو هكذا ولكن هكذا» وأشار إلى مشط رجليه ، فقالوا له : إنّ الناس يقولون :هكذا؟ فقال : «لا ، هذا قول الخاصّة ، وذاك قول العامّة» (٣).

وفي دلالته ـ كسنده ـ قصور.

وممّا يؤيّد مذهب المشهور بل يعينه : الأخبار المستفيضة الآتية الدالّة على جواز المسح على النعل من دون استبطان الشراكين ، فلو قلنا بأنّ الكعب هو المفصل ، لزم إمّا الالتزام بكفاية مسمّى المسح طولا وعدم وجوب إيصاله إلى الكعبين ، أو القول بقيام المسح على الشراك مقام المسح على البشرة.

أمّا الأوّل : فقد عرفت عدم إمكان الالتزام به ، لمخالفته لظواهر النصوص وفتاوي الأصحاب.

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : إبراهيم بن هاشم. وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٧ ، التهذيب ١ : ٨٠ ـ ٢٠٥ ، الإستبصار ١ : ٦٩ ـ ٢١٠ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٣) الذكرى : ٨٨.

٤٢٠