مصباح الفقيه - ج ٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

من الاكتساب ، فما يقع المسح بها لا يكون إلّا بلّة اليد.

ولا يعتبر في المسح عدم وفور البلّة الباقية ، لأنّ كثرتها لا تمنع من حصول ماهيّة المسح.

ألا ترى تجويز بعضهم المسح في داخل الماء؟ فليس وجود الماء الكثير مانعا من حصول أصل المسح.

وكذا لا تمنع من صدق كون المسح ببقيّة بلل الوضوء عرفا ، إذ ليس القطرة العالقة على اليد ، الواصلة إلى الممسوح قبل وصول اليد إليه كالماء الأجنبي بنظر العرف حتى يتأمّل في صحّة المسح من هذه الجهة.

وحصول ماهيّة الغسل في ضمن المسح من هذه الجهة.

وحصول ماهيّة الغسل في ضمن المسح مع فرض كثرة الماء لا ينافي حصول ماهيّة المسح أيضا ، إذ لا مضادّة بين المفهومين ، خصوصا مع تغاير منشأ انتزاعهما ، فلا يقع الفعل الخارجي إلّا امتثالا للأمر بالمسح ، إذ ليس له إلّا ما نواه ، ولا محذور في غسل الرّجل إلّا من حيث إخلاله بالمسح ، وكونه تشريعا ، ولا يلزم في الفرض شي‌ء من المحذورين ، كما هو ظاهر ، والله العالم. (ولو جفّ ما على) باطن كفّه أو مطلق (يده) على الوجهين المتقدّمين (أخذ من لحيته) ولو من المسترسل طولا أو عرضا ، سواء قلنا باستحباب غسلها جزءا من الوضوء أم لا ، لصدق كونها من نداوة الوضوء وبلله عرفا ، وشهادة الأخبار الآتية على صدقها ، وجواز الأخذ منها مطلقا.

وقياسها على الماء المنفصل عن الوجه ، المجتمع في الثوب والبدن

٣٨١

في غير محالّ الوضوء أو في إناء خارجي مع وجود الفارق بينهما لبقاء العلقة في الأولى دون غيرها موجب لتخطئة العرف ، وتأويل النصّ من دون دليل.

ودعوى ظهور الأدلّة في بقاء نداوة الوضوء على محالّ الوضوء لا غير ، فهي قرينة على تقييد إطلاق اللحية بغير مسترسلها ، مدفوعة : بأنّ تعميم النداوة بحيث تعمّ نداوة اللحية على تقدير تسليم ظهورها فيما لا يعمّها أهون من تخصيص المراد من اللحية بما كان منها في حدّ الوجه. (و) من (أشفار عينه) ومن حاجبيه وغيرها من محالّ الوضوء ، لإطلاقات أوامر المسح ببقيّة بلل الوضوء الشامل للمقام بلا تأمّل وخفاء خصوصا بعد فرض جفاف اليد ، كما هو المفروض.

ودعوى انصرافها إلى خصوص نداوة اليد التي هي آلة للمسح ، عريّة عن الشاهد ، بل الشواهد على خلافها.

ولو سلّم انسباقها إلى الذهن فمنشؤه غلبة وجود النداوة في اليد واستغناؤها بما فيها عن الاكتساب من غيرها ، فانسباقها إلى الذهن ليس إلّا كانسباق المياه الموجودة عند المكلّف من الأوامر بغسل الثوب.

وممّا يشهد على أنّ الانصراف ـ على تقدير وجوده في المقام ـ بدويّ لا غير : أنّ من لم يكن ذهنه مشوبا بالشبهات لا يخطر بباله باستماع هذه المطلقات إرادة الخصوصيّة بحيث يلتزم بالتحرّز عن مباشرة سائر مواضع الوضوء قبل المسح كما يلتزم بالتجنّب عن الرطوبة الخارجيّة ، وليس ذلك إلّا لعدم استفادة التقييد منها ، وإلّا لكان ماء وجهه كغيره من

٣٨٢

المياه بنظره في لزوم التحرّز عنه.

ويدلّ على المطلوب ـ مضافا إلى الأخبار المطلقة ـ أخبار مستفيضة.

منها : مرسل خلف بن حماد ، قال : قلت له : الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة ، قال : «إن كان في لحيته بلل فليمسح به» قلت : فإن لم يكن له لحية؟ قال : «يمسح من حاجبيه ومن أشفار عينيه» (١).

ومنها : ما رواه في الفقيه عن أبي بصير عنه عليه‌السلام في رجل ينسى مسح رأسه ، قال : «فليمسح» قال : لم يذكر حتى دخل في الصلاة ، قال : «فليمسح رأسه من بلل لحيته» (٢).

وروى فيه أيضا مرسلا عنه عليه‌السلام ، قال : «إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك ومن بلّة وضوئك ، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي‌ء فخذ ما بقي منه في لحيتك وامسح به رأسك ، وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك ، وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يبق من بلّة وضوئك شي‌ء أعدت الوضوء» (٣).

ومنها : رواية مالك بن أعين عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «من نسي مسح رأسه ثمّ ذكر أنّه لم يمسح رأسه ، فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥٩ ـ ١٦٥ ، الاستبصار ١ : ٥٩ ـ ١٧٥ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٢) الفقيه ١ : ٣٦ ـ ١٣٥ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٩.

(٣) الفقيه ١ : ٣٦ ـ ١٣٤ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٨.

٣٨٣

ويمسح رأسه ، وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليعد الوضوء» (١).

وتخصيص اللحية بالذكر في رواية مالك ، والأمر بإعادة الوضوء على تقدير جفافها لا ينافي غيرها من الأدلّة الدالّة على جواز الأخذ من سائر المواضع ، لأنّ جفاف اللحية عادة ملازم لجفاف سائر الأعضاء ، كما أنّ عدم ذكر سائر المواضع فيما عداها من الأخبار عدا الحاجبين وأشفار العينين لا ينافي ما قدّمنا من جواز الأخذ من سائر المواضع ، لأنّ تخصيص هذه المواضع بالذكر دون ما عداها ، لكونها مظنّة بقاء الماء لا إرادة الخصوصيّة ، كما يشهد بذلك قرائن كثيرة من نفس هذه الأخبار ، فضلا عن الشواهد الخارجيّة ، منها : ظهور صدر مرسلة الفقيه وذيلها في أنّ الواجب حصول المسح ببقيّة بلّة الوضوء وأنّ الإعادة منوطة بعدمها.

والظاهر أنّ قوله عليه‌السلام : «فإن لم يكن بقي في يدك» إلى آخره ، مسوق لدفع توهّم اختصاص البلّة باليد ، فتخصيص اللحية بالذكر لواجدها والحاجبين وأشفار العينين لفاقدها ، لاستلزام جفافها عادة جفاف ما عداها من المواضع ، وإلّا فاختصاص الجواز بالأخذ من اللحية لواجدها دون غيرها من المواضع ممّا لم يقل به أحد بحسب الظاهر.

وهل يختصّ جواز أخذ البلّة من سائر المواضع بجفاف اليد ، أم يجوز مطلقا وإنّما المشروط بالجفاف وجوب الأخذ لا جوازه؟ وجهان : من إطلاقات أوامر المسح ببقيّة البلل ومن تقييد الأخذ من اللحية وغيرها من المواضع في الأخبار الخاصّة بجفاف اليد ، الدالّة بمفهومها على عدم

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠١ ـ ٧٨٨ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

٣٨٤

جوازه مع وجودها في اليد ، وليس في المنطوق لفظ الوجوب حتى يكون مفهوم القضيّة انتفاء الوجوب على تقدير وجود البلّة في اليد.

وقد تقرّر في الأصول أنّ مفهوم «إن جاءك زيد فأكرمه» إن لم يجئك فلا تكرمه ، لا : فلا يجب إكرامه ، فقضيّة مفهوم الشرط في المقام تقييد المطلقات إلّا أنّ جري المقيّدات مجرى العادة يمنعها من الظهور في الاشتراط ، ولذا لم يشترط أحد جواز أخذ البلّة من أشفار العينين بفقدها في الحاجبين ، ومن الحاجبين بعدم اللحية أو بفقد البلّة فيها.

وقد وجّه غير واحد من الأعلام ـ كصاحبي المسالك والمدارك قدس‌سرهما ـ كلمات الأصحاب بما وجّهنا به الأخبار المقيّدة.

قال في المدارك ـ بعد قول المصنّف رحمه‌الله : ولو جفّ ما على يديه أخذ من لحيته ، إلى آخره ـ : الظاهر أنّه لا يشترط في الأخذ من هذه المواضع جفاف اليد ، بل يجوز مطلقا ، والتعليق في عبارات الأصحاب مخرج مخرج الأغلب ، ولا يختصّ الأخذ بهذه المواضع ، بل يجوز من جميع محالّ الوضوء. وتخصيص الشعر ، لكونه مظنّة البلل (١). انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ إلغاء مفهوم الشرط في عبائر الأصحاب مشكل ، لأنّ القيود المأخوذة في كلماتهم احترازيّة غالبا ، ولذا شاع في الألسن أنّ مفهوم اللقب في عبائر العلماء حجّة ، إلّا أنّ تخصيص الشعر في كلماتهم بالذكر مع عدم التزامهم ظاهرا بالاختصاص وغيره من القرائن

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢١٣ ، وانظر : مسالك الأفهام ١ : ٣٨.

٣٨٥

الأخر ممّا يقرّب التوجيه الذي ذكره صاحب المدارك وغيره.

وكيف كان فلا ينبغي التأمّل في عدم ظهور الأخبار الخاصّة في الاشتراط وإن لم نقل بذلك في عبائر الأصحاب ، فالأقوى جواز الأخذ مطلقا ، وفاقا لغير واحد من الأساطين المصرّحين بذلك ، لإطلاقات الأدلّة.

ودعوى : أنّ العادة كما منعت المقيّدات من ظهورها في التقييد كذلك تمنع المطلقات من ظهورها في الإطلاق ، فالمرجع في مثل المقام هو الاحتياط اللازم من قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (١) مدفوعة : بأنّ العادة وإن اقتضت عدم أخذ البلّة من سائر المواضع ما دامت باقية في اليد ، إلّا أنّها غير مقتضية للتحرّز عن مباشرة سائر المواضع قبل المسح حتى لا تحتاج إرادتها من المطلقات إلى بيان القيد. (فإن لم تبق نداوة) في شي‌ء من محالّ الوضوء (استأنف) الوضوء بلا خلاف فيه ظاهرا ، للأمر بالانصراف وإعادة الوضوء في غير واحد من الأخبار المتقدّمة في الصورة المفروضة.

مضافا إلى الأدلّة الدالّة على وجوب كون المسح ببقيّة بلل الوضوء ، الموقوف امتثاله في الفرض على الاستئناف.

وكذا يجب الاستئناف لو بقي نداوة في شي‌ء من المحالّ ولكن لا يمكن نقلها إلى باطن الكفّ ، تحصيلا للشرط الذي عرفت آنفا شرطيّته في حقّ القادر.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٩ ـ ١٤٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

٣٨٦

هذا إذا أمكنه المسح بنداوة باطن الكفّ بالاستئناف ، وأمّا لو تعذّر عليه ذلك ، كما لو فرض حرارة باطنيّة أو خارجيّة مقتضية لجفاف باطن يديه بحيث تعذّر المسح ببلّتها ، فالظاهر أنّه يجبّ عليه المسح بظاهر الكفّ أو الذراع ، لاندراجه في مصداق العاجز الذي تقدّم حكمه ، ولا يجزئه المسح بلا نداوة أو بنداوة خارجيّة.

ولو تعذّر المسح بنداوة الوضوء مطلقا ، كما إذا كان الجفاف لشدّة حرارة مزاجيّة أو خارجيّة بحيث لا يمكن إيصال بلّة الوضوء إلى مواضع المسح ولو بإكثار الماء على الجزء الآخر ، فلا يجب عليه الاستنئاف جزما.

وهذا الفرض خارج من موضوع كلام المصنّف رحمه‌الله ، كما هو ظاهر.

وهل يجب عليه المسح بماء خارجي أو يمسح بلا رطوبة ، أو يسقط عنه المسح أو الوضوء وينتقل فرضه إلى التيمّم؟ وجوه ، أوجهها الأوّل ، وأضعفها : الأخير ، كما يكشف عن ذلك ـ مضافا إلى عدم عثور صاحب الجواهر وغيره من الأساطين المتتبّعين في الفقه ـ قدّس الله أسرارهم ـ على قائل به ـ أنّ مشروعيّة التيمّم مشروطة بعدم التمكّن من الطهارة المائيّة ولو ببعض مراتبها الناقصة ، كما يفصح عن ذلك ظهور أدلّته في ذلك.

مضافا إلى شهادة التتبّع في الأحكام الشرعية ـ مثل مسألة الأقطع اليد والرّجل ، ومثل حكم من وضع على إصبعه مرارة ، كما في رواية عبد

٣٨٧

الأعلى (١) ، وغيرها من مواضع الجبيرة ـ بأنّ الوضوء مطلقا مقدّم على التيمّم ، لا أنّ التيمّم بدل عن الوضوء التامّ.

ويتلوه في الضعف : ما تقدّمه ـ أعني سقوط المسح ـ فإنّ الوضوء لا يتبعّض. فحينئذ نقول : مقتضى عموم قوله عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٢) بل فحوى حكم الأقطع : وجوب الوضوء الناقض عليه ، فلا يشرع في حقّه التيمّم ، بل ربّما يستفاد من قوله عليه‌السلام ، في رواية عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : «يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣) امسح عليه» (٤) : أنّ عدم سقوط الوضوء في مثل هذه المواضع من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى السؤال ، والآية إنّما تنفي وجوب مباشرة الماسح للممسوح لا وجوب الوضوء.

ودعوى : أنّ العمل بعموم قاعدة الميسور في باب الوضوء يقتضي عدم مشروعيّة التيمّم للمريض أصلا ، إذ ما من مريض إلّا ويتمكّن ولو بإعانة الغير من الإتيان ببعض أجزاء الوضوء من الغسل والمسح ولو من فوق ثيابه ، وهو باطل جزما ، مدفوعة : بأنّ قاعدة الميسور وكذا إجزاء

__________________

(١) ستأتي الإشارة إلى مصادرها.

(٢) غوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥.

(٣) سورة الحج ٢٢ : ٧٨.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ١٠٩٧ ، الإستبصار ١ : ٧٧ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥.

٣٨٨

دليل نفي الحرج في باب الوضوء على النحو الذي استظهرناه من الرواية لا تقتضي إلّا إيجاب ما يعدّ في العرف ولو بنحو من المسامحة وضوءا ، ضرورة أنّ مقتضى القاعدتين ليس إلّا وجوب الإتيان بما هو ميسور المتعذّر ، لا إيجاد ماهيّة مغايرة للماهيّة المأمور بها بنظر العرف مشروط ببقاء معظم الأجزاء والشرائط بحيث يتقوّم بها الاسم ، فلا تجري القاعدة إلّا فيما إذا تعذّر بعض الأجزاء أو الشرائط التي ليس لوجودها مدخليّة في قوام الماهيّة ، كما فيما نحن فيه ، وأمّا غسل ثياب المريض فليس ماهيّة الوضوء بنظر العرف حتى ينافي عدم الالتزام به عموم القاعدة ، كما لا يخفى.

فظهر لك أنّ الأقوى وجوب الوضوء عليه ، وعدم سقوط ما يتيسّر له من المسح.

وهل يتعيّن عليه المسح بنداوة خارجيّة أم يجزئه المسح بيده الجافّة؟ وجهان ، أقواهما وأحوطهما : الأوّل.

أمّا كونه أقوى : فلأنّ الواجب إيصال البلّة المقيّدة بكونها من الوضوء.

ومقتضى جريان القاعدة بالنسبة إلى مثل هذه القيود التي لا يعدّ واجدها وفاقدها بنظر العرف ماهيّتين متغايرتين : سقوط القيد المتعذّر ، وهو كونه من بلل الوضوء ، لا وجوب إيصال البلّة.

وأمّا كونه أحوط : فلما عرفت من أنّ حرمة استئناف ماء جديد ليست ذاتيّة وإنّما هي من جهة التشريع ، وكون الاستئناف منافيا لحصول

٣٨٩

شرط الوضوء ، وهو وقوع المسح ببقيّة بلل الوضوء ، وكلا المحذورين مندفعان في الفرض لو نوى بفعله الاحتياط ، لارتفاع موضوعهما بعد فرض تعذّر حصول الشرط وإيجاد الاستئناف بقصد الاحتياط ، كما لا يخفى وجهه. (والأفضل) بل الأحوط (مسح الرأس مقبلا).

في الحدائق : الظاهر كما هو المشهور : جواز النكس هنا ، لإطلاق الآية (١). وخصوص صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا» (٢).

خلافا للمرتضى والشيخ في النهاية والخلاف ، وظاهر ابن بابويه ، محتجّا عليه في الخلاف ـ ومثله في الانتصار ـ بأنّ مسح الرأس من استقبال رافع للحدث إجماعا ، بخلاف مسح الرأس مستدبرا ، فيجب فعل المتيقّن (٣). انتهى.

ويتوجّه على الاستدلال بإطلاق الآية : دعوى : أنّ غلبة حصول المسح من استقبال لو لم تكن موجبة للانصراف فلا أقلّ من مانعيتها من ظهورها في الإطلاق.

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٥٨ ـ ١٦١ ، الإستبصار ١ : ٥٧ ـ ١٦٩ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٣) الحدائق الناضرة ٢ : ٢٧٩ ، وانظر : الانتصار : ١٩ ، والنهاية : ١٤ ، والخلاف ١ : ٨٣ ، المسألة ٣١ ، والفقيه ١ : ٢٨ ـ ٨٨.

٣٩٠

وبهذه الدعوى يرتفع تعجّب صاحب الحدائق وغيره من السيّد في تجويزه النكس في الوجه واليدين ، لإطلاق الآية ، ومنعه هنا مع جريان دليله في واعتضاده بالرواية ، إذ بعد البناء على عدم اعتبار أخبار الآحاد ـ كما هو المعروف عن السيّد ـ لا بدّ من الالتزام بهذا القول بعد تسليم الغلبة المانعة عن الظهور ، كما ليس بالبعيد.

وأمّا الصحيحة : فالإنصاف أنّها ظاهرة في المدّعى ، إلّا أنّه يوهنها أنّه أسندها في الوسائل إلى حماد بن عيسى ، ثم قال : وبهذا الإسناد عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا» (١).

فيحتمل قويّا اتّحاد الروايتين والراويين ووقوع الاشتباه من النسّاخ.

مضافا إلى مؤيّدات أخر ربما تورث الظنّ بالاتّحاد قد تعرّض لذكرها في الجواهر (٢) وغيره.

هذا ، مع أنّ في تخصيص القدمين بالذكر في الصحيحة الثانية إشعارا باختصاص الحكم بها ، فيشكل الاتّكال على هذا الظاهر ، إلّا أنّ رفع اليد عن ظاهر مثل هذه الصحيحة المشهورة المعمول بها عند الأصحاب مع عدم المعارض له بمثل هذه الموهنات المخالفة للأصول والقواعد أشكل ، خصوصا مع اعتضاده بإطلاق الآية.

وما ادّعيناه من الانصراف قابل للمنع ، فالقول بالجواز لا يخلو عن

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢ ، وانظر : التهذيب ١ : ٨٣ ـ ٢١٧.

(٢) انظر : جواهر الكلام ٢ : ١٩٧.

٣٩١

قوّة.

وكيف كان ، فلا شبهة في أنّ المسح مقبلا أحوط ، وأمّا كونه أفضل ففيه تأمّل.

ولعلّ القول به نشأ من رجحان الاحتياط أو لتعيّن القول بالاستحباب بعد نفي الوجوب ، لانحصار القول فيهما على ما صرّح به بعض (١) ، أو لأجل التأسّي بالحجج صلوات الله عليهم ، بدعوى : أنّ الصادر عنهم لم يكن إلّا كذلك. (و) أشكل من ذلك : القول بأنّه (يكره مدبرا) لأنّ أفضليّة بعض الأفراد لا تقتضي كراهة ما عداه ، إلّا أنّ الذي يهون الأمر أنّ المراد بها ليس معناها الحقيقي ، بل المراد منها أولويّة الترك ، كما فسّرها بذلك في محكيّ جامع المقاصد (٢) ، وهي بهذا المعنى ممّا لا شبهة فيه.

وعن المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر أنّه علّل الكراهة بالتفصّي من الخلاف (٣). وهذا التعليل إنّما يناسب الكراهة بهذا المعنى.

هذا ، مع إمكان الاستشهاد لها بفتوى الأصحاب (على) ما هو (الأشبه) من شمول قاعدة التسامح لمثلها ، فليتأمّل. (ولو غسل موضع المسح) مجتزئا به عنه (لم يجزئ) جزما ،

__________________

(١) انظر : جواهر الكلام ٢ : ١٩٥.

(٢) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ١٢٣ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٢١٩.

(٣) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ٢٧٩ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٤٥.

٣٩٢

لأنّ المسح والغسل ماهيّتان متغايرتان ، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى في مقام الامتثال ، كما هو ظاهر.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى وضوحه ـ قول الصادق عليه‌السلام في خبر محمّد بن مروان : «إنّه يأتي على الرجل ستّون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة» قلت : وكيف ذلك؟ قال : «لأنّه يغسل ما أمر الله بمسحه» (١).

وفي الصحيح عن زرارة ، قال : قال لي : «لو أنّك توضّأت فجعلت مسح الرّجلين غسلا ثم أضمرت أنّ ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء» (٢).

وما في بعض الأخبار من الاجتزاء بغسل الرّجلين عن مسحهما (٣) ، محمول على التقيّة.

ولا ينافي عدم الاجتزاء بالغسل عن المسح حصوله في الخارج تبعا للمسح في بعض الصور ، كما لو فرض وفور بلّة الماسح حيث يتحقّق بإمراره على المحلّ المسح ، وبجري الماء عليه الغسل ، لأنّ المحذور إنّما هو في الاجتزاء بالغسل عن المسح في مقام امتثال أمره لا في حصوله تبعا للمسح الذي نوى به الامتثال.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١ ـ ٩ ، التهذيب ١ : ٦٥ ـ ١٨٤ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٦٥ ـ ٦٦ ـ ١٨٦ ، الإستبصار ١ : ٦٥ ـ ١٩٣ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ١٢.

(٣) التهذيب ١ : ٦٤ ـ ١٨٠ و ٦٦ ـ ١٨٧ ، الاستبصار ١ : ٦٥ ـ ١٩٤ و ١٩٥ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ١٣ و ١٤.

٣٩٣

وكذا لو غسل وجهه ويديه بالمسح ، فإن نوى الامتثال بماهيّة المسح ، فلا يجزئه قطعا ، وإنّ قصد الامتثال بالغسل المتولّد منه ، أجزأه بلا إشكال ، بل لعلّه أفضل ، كما ورد الأمر به في بعض الروايات المتقدّمة (١) في أوائل المبحث. (ويجوز المسح على الشعر المختصّ بالمقدّم وعلى البشرة).

أمّا الثاني : فوجهه واضح.

وأمّا الأوّل : فهو أيضا ممّا لا شبهة فيه ، بل كاد يكون جوازه في الجملة من ضروريّات الدين فضلا عن كونه إجماعيّا.

مضافا إلى ظهور الأخبار الآمرة بالمسح على الناصية في ذلك ، بل الجملة من ضروريّات الدين فضلا عن كونه إجماعيّا.

مضافا إلى الظهور الأخبار الإمرة بالمسح على الناصية في ذلك ، بل المتبادر من الآية والأخبار الآمرة بالمسح على مقدّم الرأس ليس إلّا المسح على ما يعمّ الشعر والبشرة ، وظهور الحال يغنينا عن الإطالة في الاستدلال.

ولا ينافي ما ذكرنا قول الصادق عليه‌السلام في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثمّ يبدو له في الوضوء : «لا يجوز حتى يصل بشرته الماء» (٢) لأنّ المراد من البشرة ما يعمّ الشعر ، كما هو واضح. (و) المراد من الشعر المختصّ بالمقدّم ـ على ما فسّره غير واحد ـ هو الشعر النابت فيه الذي لا يخرج بمدّه من حدّه ، فـ (لو جمع عليه

__________________

(١) وهي رواية قرب الإسناد عن أبي جرير الرقاشي ، المتقدّمة في ص ٢٩٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣١ ـ ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٨٠ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

٣٩٤

شعرا من غيره) أو ممّا استرسل منه (ومسح عليه ، لم يجزئ) قطعا ، لعدم صدق مقدّم الرأس عليه ، وعدم مساعدة العرف والأدلّة على تعميمه بحيث يعمّ الشعر في الصورة المفروضة ، إذ غاية ما يستفاد من الأدلّة تبعيّة الشعر المخصوص بالمقدّم لمحلّه في الحكم على تقدير تبعيّته له عرفا ، وعدم انفصاله منه بالاسترسال أو بغيره.

ولذا قد يستشكل في المسح على الشعر المخصوص الذي لا يخرج من الحدّ لو حال بينه وبين البشرة جسم رقيق من باطن الشعر. وكذا لو أخذ الشعر بيده ومسح عليه ، لخروجه من التبعيّة عرفا في مثل هذه الفروض.

نعم ، مقتضى التفسير المذكور : عدم جواز المسح على الشعر النابت فوق المقدّم المتدلّي عليه أو النابت في حواليه ، الساتر له بمقتضى الخلقة ، أو الشعر الطويل النابت على المقدّم المجتمع فيه خلقة.

والالتزام به في هذه الصور في غاية الإشكال ، بل الأظهر في مثل هذه الفروض التي يتعذّر فيها المسح على ما ستره الشعر إلّا بالتخليل : عدم وجوب التخليل ، وكفاية مسح ظاهر الشعر ، لكونه من التوابع عرفا ، فتعمّه إطلاقات المسح على المقدّم ، إذ لم يرد منها خصوص البشرة ، كما عرفت ، إلّا أن يقوم الإجماع على عدم الكفاية ، كما عن شارح الدروس نسبة القول به في الصورة الأخيرة إلى المشهور ، بل لم يعرف فيه خلافا ، ولكنّه اعترف بأنّ إثباته بالدليل مشكل (١).

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٢٤ ، وانظر : مشارق الشموس : ١١٤.

٣٩٥

وكيف كان فالذي يقتضيه الدليل : أنّه لو مسح على الشعر ـ الذي لا يعدّ فعلا من توابع البشرة ويعدّ أجنبيّا عن مقدّم الرأس بنظر العرف ـ لا يجزئه. (وكذلك لو مسح على العامة أو غيرها ممّا يستر موضع المسح) كالمقنعة والقلنسوة ونحوها من دون فرق بين كون الحائل رقيقا لا يمنع إصابة البلّة إلى البشرة وغيره ، وكونه ملتصقا بالرأس باللطوخ ونحوه ، أم منفصلا عنه ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك بيننا ظاهرا.

وعن بعض العامّة : جواز المسح على العامة (١).

وعن أبي حنيفة جوازه على الحائل الرقيق (٢).

واكتفى شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ بخلافه دليلا على خلافه ، وحمل ما ورد في أخبارنا ممّا يوهم بإطلاقه جواز المسح على الحنّاء في حال الاختيار على التقيّة (٣).

ويدلّ على المطلوب ـ مضافا إلى الإجماع والأدلّة الآمرة بمسح مقدّم الرأس ، المقتضية لبطلان الوضوء في الصور المفروضة ـ الأخبار المستفيضة الآمرة برفع العامة وإدخال الإصبع تحتها ، ووضع الخمار والمسح على الرأس.

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٢ : ٢٠٤ ، وانظر : المجموع ١ : ٤٠٧ ، والمغني ١ : ٣٤٠ ـ ٣٤١ ، وأحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ : ٣٥١.

(٢) كما في جواهر الكلام ٢ : ٢٠٤ ، وانظر ـ المبسوط للسرخسي ـ ١ : ١٠١ ، وبدائع الصنائع ١ : ٥.

(٣) كتاب الطهارة : ١٢٤.

٣٩٦

وقول أحدهما عليه‌السلام في خبر محمّد بن مسلم : «لا تمسح على الخفّ والعمامة» (١).

وقول الصادق عليه‌السلام في مرفوعة ابن يحيى ، في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثم يبدو له في الوضوء ، قال : «لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه الماء» (٢).

نعم ، تعارض المرفوعة صحيحة عمر بن يزيد : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخضب رأسه بالحنّاء ثم يبدو له في الوضوء ، قال : «يمسح فوق الحنّاء» (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام أيضا في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحنّاء ويتوضّأ للصلاة ، فقال : عليه‌السلام : «لا بأس بأن يمسح رأسه والحنّاء عليه» (٤).

إلّا أنّ الصحيحتين وإن صحّ سنداهما ، ولكنّه لإعراض الأصحاب عن ظاهرهما ، وعدم العامل بهما أو ندرته لا تنهضان حجّة فضلا عن مزاحمتهما للمرفوعة التي هي عندهم مقبولة ، فلا بدّ من حملهما على

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦١ ـ ١٠٩٠ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب الوضوء ، الحديث ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣١ ـ ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٨٠ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٧٩ ، الإستبصار ١ : ٧٥ ـ ٢٣٢ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٨١ ، الإستبصار ١ : ٧٥ ـ ٢٣٣ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

٣٩٧

التقيّة ، أو تنزيلهما على الضرورة ، كما يؤيّده عدم طلب الحنّاء بعد حلق الرأس غالبا إلّا للتداوي ، والله العالم.

(الفرض الخامس) من فروض الوضوء : (مسح الرّجلين).

ويدلّ على وجوبه ـ مضافا إلى الأخبار الكثيرة التي قد بالغ في كثرتها في محكي الانتصار وقال : إنّها أكثر من عدد الرمل والحصى (١) ـ ظاهر الكتاب (٢) العزيز ، كما هو ظاهر.

ولكنّ مخالفينا نبذوه وراء ظهورهم ، ولولاه لا تحدّث الكلمة ، وارتفعت المخالفة بين الأمّة.

ولا يجب في مسح القدمين استيعابهما جزما ، كما يدلّ عليه النصوص المتواترة معنى.

وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من مسح ظاهرهما وباطنهما ـ كمرفوعة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في مسح الرأس والقدمين ، فقال عليه‌السلام : «مسح الرأس واحدة من مقدّم الرّأس ومؤخّره ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما» (٣) وخبر سماعة بن مهران عنه أيضا ، قال : «إذا توضّأت فامسح قدميك ظاهرهما وباطنهما» ثم قال هكذا : فوضع يده على الكعب وضرب الأخرى على باطن قدميه ثم مسحهما إلى الأصابع (٤).

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٠٦ ، وانظر : الانتصار : ٢٥.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٨٢ ـ ٢١٥ ، الإستبصار ١ : ٦١ ـ ١٨١ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

(٤) التهذيب ١ : ٩٢ ـ ٢٤٥ ، الإستبصار ١ : ٦٢ ـ ١٨٥ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦.

٣٩٨

ـ فمع ضعف سنده ومعارضته للأدلّة القطعية ، محمول على التقيّة ، لكونه مذهبا لمن يرى جواز المسح على الرّجلين من العامّة على ما قيل (١) ، حكما يرشد إليه الأمر بمسح مؤخّر الرأس في الرواية الاولى ، والله العالم. (و) أمّا حدّ المسح عرضا فإنّما (يجب مسح) مقدار من ظاهر (القدمين) يسمّى به ماسحا ، فلا يعتبر مقدار عرض إصبع فضلا عن إصبعين أو ثلاث أو مقدار الكفّ.

وعن ظاهر الصدوق في الفقيه : وجوب المسح بمقدار الكفّ.

قال ـ فيما حكاه عنه شيخنا المرتضى ـ قدس‌سره ـ في طهارته ـ : وحدّ مسح الرّجلين أن تضع كفّيك على أطراف أصابعك من رجليك وتمدّهما إلى الكعبين (٢). انتهى.

ومستنده ظاهرا صحيحة البزنطي ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام : عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على أصابعه ، فمسحها إلى الكعبين ، فقلت : جعلت فداك لو أنّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه؟ قال : «لا إلّا بكفّه كلّها» (٣).

ويؤيّده بل يدلّ عليه : رواية عبد الأعلى ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) القائل هو الشيخ الطوسي في التهذيب ١ : ٩٢ ذيل الحديث ٢٤٥ ، والاستبصار ١ :٦٢ ذيل الحديث ١٨٥.

(٢) كتاب الطهارة : ١٢٤ ، وانظر : الفقيه ١ : ٢٨ ذيل الحديث ٨٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠ ـ ٦ ، التهذيب ١ : ٩١ ـ ٢٤٣ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

٣٩٩

عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : «يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزوجل (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) امسح عليه» (٢) إذ لو لا وجوب مسح مجموع ظهر القدم أو ما يستوعبه الكفّ ، لما كان للأمر بالمسح على ما وضع عليه المرارة مستشهدا بآية نفي الحرج وجه ، كما لا يخفى على المتأمّل.

ويعضده المطلقات الآمرة بمسح ظاهر القدم ، الظاهرة في وجوب استيعاب الظهر.

وهذا القول بظاهره مخالف للإجماع ، كما عن غير واحد نقله.

نعم ، عن المحقّق الأردبيلي الميل إليه (٣).

وعن المفاتيح أنّه لو لا الإجماع لجزمنا به ، وجعله أحوط (٤).

وعن الكفاية : الأولى أن يمسح بتمام كفّه (٥).

وفي المدارك : أنّ المصنّف في المعتبر والعلّامة في التذكرة نقلا إجماع فقهاء أهل البيت عليه‌السلام على أنّه يكفي في مسح الرّجلين مسمّاه ولو بإصبع واحدة. واستدلّا عليه : بصحيحة زرارة ، ولو لا ذلك لأمكن القول

__________________

(١) سورة الحج ٢٢ : ٧٨.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ١٠٩٧ ، الإستبصار ١ : ٧٧ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥.

(٣) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٢٥٢ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٠٦.

(٤) مفاتيح الشرائع ١ : ٤٤.

(٥) كفاية الأحكام : ٢.

٤٠٠