مصباح الفقيه - ج ٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

النواقض ، بل في بعضها التنصيص على الإطلاق وإناطة الحكم على حقيقة النوم :ففي رواية زيد الشحّام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الخفقة والخفقتين ، فقال : «ما أدري ما الخفقة والخفقتان ، إنّ الله تعالى يقول : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (١) إنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : من وجد طعم النوم فإنّما أوجب عليه الوضوء» (٢).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج مثلها إلّا أنّه قال : «من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء» (٣).

وإبقاء هذه الروايات على إطلاقها موقوف على أن يكون النوم الحقيقي هو النوم الموجب لتعطيل الحواسّ ، وعليه تلتئم شتات الأخبار المختلفة الواردة لبيان معيار النوم الناقض.

ففي بعضها : «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء» كما في مصحّحة ابن المغيرة (٤).

وفي صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٥) : «والنوم حتى يذهب العقل».

__________________

(١) سورة القيامة ٧٥ : ١٤.

(٢) التهذيب ١ : ٨ ـ ١٠ ، الإستبصار ١ : ٨٠ ـ ٢٥٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧ ـ ١٥ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٩.

(٤) التهذيب ١ : ٦ ـ ٤ ، الإستبصار ١ : ٧٩ ـ ٢٤٥ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٢.

(٥) تقدّمت في ص ١٣ ـ ١٤.

٢١

وفي صحيحته الأخرى مضمرة اعتبر استيلاء النوم على القلب والحاسّتين.

قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : «يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، وإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء» (١).

وفي موثّقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، الواردة في تفسير قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (٢) بالقيام من النوم اعتبر غلبة النوم على السمع.

قال : قلت : ينقض النوم الوضوء؟ فقال : «نعم إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع» (٣).

والظاهر أنّ تخصيص السمع بالذكر في هذه الرواية ، للملازمة العاديّة بين ذهاب العقل وعدم السماع ، فلا منافاة بينها وبين الروايات السابقة ، كما أنّه لا منافاة بينها وبين ما قيّد النوم الناقض بكونه (الغالب على الحاسّتين) : السمع والبصر : كخبر سعد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «أذنان وعينان ، تنام العينان ولا تنام الأذنان وذلك لا ينقض الوضوء ، فإذا نامت العينان والأذنان

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٧ ـ ٩ ، الإستبصار ١ : ٨٠ ـ ٢٥١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٧.

٢٢

انتقض الوضوء» (١) إذ لا ينفكّ نوم الاذن عن نوم العين حتى يتحقّق التنافي بين الروايتين.

ولأجل عدم الانفكاك وأخصّية نوم الاذن عن نوم العين نوقش في عبارة من اعتبر الأمرين في تحديد النوم كالمصنّف وغيره.

وفيه : أنّ ذكر الأمرين في عبائر العلماء بحسب الظاهر إنّما هو لمتابعة النصوص ، وذكرهما بالخصوص في بعض النصوص على الظاهر من باب المثال ، والمقصود بيان اعتبار ذهاب العقل وتعطيل الحواسّ عن الإحساس لا خصوص نوم العين.

ولا يبعد أن يكون وجه التخصيص كونهما أظهر الحواسّ في مقام التعريف والكشف عن النوم المستولي على القلب ، لأنّ النائم ربما لا يعلم بزوال عقله أو تعطيل بعض حواسّه ، كالذوق واللمس والشمّ ، وأمّا تعطيل السمع والبصر فكثيرا مّا يستكشف بالقرائن الخارجية ، فلذا ذكرهما الأصحاب تبعا للشارع طريقا لمعرفة النوم الحقيقي الموجب لذهاب العقل.

ولا يعارض الأخبار المتقدّمة خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة ، فقال : «إن كان لا يحفظ حدثا منه إن كان فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، وإن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة الصلاة» (٢) لأنّ المراد

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧ ـ ١٦ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٨.

(٢) التهذيب ١ : ٧ ـ ٨ ، الإستبصار ١ : ٨٠ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٦.

٢٣

منه ـ على ما يقتضيه الجمع بينه وبين الأخبار السابقة ـ إن كان بحيث ذهب شعوره على نحو لا يستحسّ خروج الريح منه على تقدير تحققه ، نقض ، وإن كان على نحو يدرك من نفسه على سبيل اليقين أنّه لم يحدث ، فليس عليه وضوء ، ومن المعلوم أنّه لا يستقين بذلك من نفسه مع زوال شعوره.

ولا يبعد أن يكون التعبير بهذا النحو من العبارة لأجل التورية عن المخالفين القائلين بعدم كون النوم من النواقض.

نعم ، لو لا احتمال كونه تقيّة ، لكان فيه إشعار بأنّ حكمه ناقضية النوم كون النائم في معرض خروج النواقض منه من دون شعور ، لا لكون النوم في حدّ ذاته من النواقض ، كما يؤيّده ما في ذيل رواية العلل ، المتقدّمة حيث إنّه عليه‌السلام بعد أن بين علّة وجوب الوضوء ممّا خرج من السبيلين قال : «وأمّا النوم فإنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كلّ شي‌ء منه واسترخى ، فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح ، فوجب عليه الوضوء لهذه العلّة» (١) وظاهرها كون الاسترخاء وكون النائم في معرض هذه الأشياء أثّر في إيجاب الوضوء ، لا أنّ وجوبه عليه يدور مدار خروج الريح حتى يعارضها الأخبار المتقدّمة.

وقد ظهر لك أنّ مناط الانتقاض ـ على ما يستفاد من مجموع الأخبار ـ إنّما هو حصول النوم الذي يذهب به العقل ويوجب تعطيل الحواسّ ، وتخصيص بعض آثاره بالذكر في بعض الروايات ـ كغلبته على

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٥٨ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٣ ، وتقدّم بعضها في ص ١٧.

٢٤

السمع أو عدم إحساسه ما يخرج منه من الريح ـ إنّما هو لكونه من الأمارات التي يستكشف بها حصول النوم ، لا لمدخليتها في موضوع الحكم.

فما استشكله بعض بالنسبة إلى ناقضية نوم فاقد السمع ممّا لا وجه له ، مضافا إلى شهادة مضمرة زرارة بصحّة ما ادّعيناه من أنّ تحقّق النوم حقيقة هو المناط ، وأنّ ما ذكر في الروايات لأجل كونها أمارة عليه ، فإنّه قال ـ بعد أن أجابه الإمام عليه‌السلام بقوله : «وإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء» ـ : قلت : فإن حرّك في جنبه شي‌ء ولم يعلم به ، قال :«لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام حتى يجي‌ء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ أبدا وإنّما ينقضه بيقين آخر» (١).

ولعمري إنّ المسألة لمن الواضحات فلا ينبغي الإطناب فيها.

ولا فرق في ناقضيّة النوم بين حصوله قاعدا أو قائما أو مضطجعا ، لإطلاقات الأدلّة ، مضافا إلى ورود التصريح بعدم الفرق بين الأحوال في غير واحد من الأخبار التي تقدّم بعضها.

فما يظهر من بعض الأخبار من التفصيل لا بدّ من تأويله أو حمله على التقية.

كرواية عمران أنّه سمع عبدا صالحا يقول : «من نام وهو جالس لم يتعمّد النوم فلا وضوء عليه» (٢).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ٧ ـ ٦ ، الإستبصار ١ : ٨٠ ـ ٢٤٨ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٤.

٢٥

ورواية أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : هل ينام الرجل وهو جالس؟ فقال : «كان أبي يقول : «من نام وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء ، وإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء» (١).

وأمّا مضمرة سماعة : عن الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعا ، قال : «ليس عليه الوضوء» فظاهرها إرادة النعاس لا النوم الحقيقي الذي يذهب بالعقل.

بل وكذا ما أرسله في الفقيه ، قال : سئل موسى بن جعفر عليه‌السلام : عن الرجل يرقد وهو قاعد هل عليه الوضوء؟ فقال : «لا وضوء عليه ما دام قاعدا ما لم ينفرج» (٢) فإنّه لا يبعد دعوى ظهور قوله عليه‌السلام : «ما لم ينفرج» في كونه كناية عن عدم ذهاب شعوره بحيث يميل كلّ عضو من أعضائه إلى ما تقضيه طبائعها.

ثمّ على تقدير تسليم ظهور هذه الأخبار في التفصيل يجب ردّ علمها إلى أهله ، لأنّها من الشواذ الموافقة للعامّة المعارضة بما هو أقوى سندا ودلالة واعتضادا بعمل الطائفة ، بل إجماعهم.

وما عن الصدوق من العمل بهذه الأخبار (٣) مع عدم تحقّق النسبة غير مجد في خروجها عن الشذوذ ، والله العالم.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٧ ـ ٧ ، الاستبصار ١ : ٨٠ ـ ٢٤٩ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٥.

(٢) الفقيه ١ : ٣٨ ـ ١٤٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٢.

(٣) انظر : مختلف الشيعة ١ : ٨٩ ، المسألة ٤٨.

٢٦

(وفي معناه) أي النوم نقضا (كلّ ما أزال العقل) ولو باعتبار تصرّفاته بالفعل ، كما في النائم (من إغماء أو جنون أو سكر) أو غير ذلك ، وهذا هو الخامس من الأحداث الموجبة للوضوء بلا خلاف فيه ظاهرا.

وعن التهذيب إجماع المسلمين عليه (١).

وفي محكي المنتهى : لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم (٢).

وفي المدارك : هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب (٣).

وعن الخصال : أنّ من دين الإمامية أنّ مذهب العقل ناقض (٤).

وعن البحار : أنّ أكثر الأصحاب نقلوا الإجماع عليه (٥).

وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف في المسألة حيث لم ينقل التصريح بالمخالفة عن أحد وإن تردّد فيه بعض المتأخّرين كصاحب الحدائق (٦) ، نظرا إلى قصور الأدلّة ـ التي تشبّثوا بها لإثبات الحكم ـ عن ذلك ، ولكن المتأمّل في كلماتهم لا يكاد يرتاب في أنّ تشبّثهم بالأدلّة الخاصّة في مقام الاستدلال إنّما هو لتطبيق الدليل على المدّعى ، لا

__________________

(١) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ١٤٩ ، وانظر : التهذيب ١ : ٥.

(٢) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٧ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٣٤.

(٣) مدارك الأحكام ١ : ١٤٩.

(٤) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٧.

(٥) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٧ ، وانظر : البحار ٨٠ : ٢١٥.

(٦) أنظر : الحدائق الناضرة ٢ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

٢٧

لاستفادتهم حكم المسألة من هذه الأدلّة بحيث لو لم تكن لهم هذه الأدلّة لأفتوا بخلافه.

فالإنصاف أنّه قلّما يوجد في الأحكام الشرعية مورد يمكن استكشاف قول الإمام عليه‌السلام ، أو وجود دليل معتبر من اتّفاق الأصحاب مثل المقام ، كما أنّه قلّما يمكن الاطّلاع على الإجماع لكثرة ناقلية واعتضاد نقلهم بعدم نقل الخلاف كما فيما نحن فيه ، فاتّفاق كلمة الأصحاب هو العمدة في المقام.

وربّما استدلّ له : بصحيحة معمر بن خلّاد ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل به علّة لا يقدر على الاضطجاع والوضوء يشتدّ عليه وهو قاعد مستند بالوسائد ، فربما أغفى (١) وهو قاعد على تلك الحال ، قال :«يتوضّأ» قلت له : إنّ الوضوء يشتدّ عليه ، قال : «إذا خفي عنه الصوت فقد وجب عليه الوضوء» (٢).

وأورد عليه : أنّ الإغفاء لغة بمعنى النوم ، فلا يتمّ الاستدلال به على المطلوب.

وأجيب عنه : بأنّ قوله عليه‌السلام : «إذا خفي عنه الصوت فقد وجب عليه الوضوء» مطلق فلا يتقيّد بالمقدّمة الخاصة.

وأورد عليه بأنّ الضمير في قوله : «عنه» يرجع إلى الرجل المحدث

__________________

(١) أغفيت إغفاء : نمت. الصحاح ٦ : ٢٤٤٨ «غفا».

(٢) الكافي ٣ : ٣٧ ـ ١٤ ، التهذيب ١ : ٩ : ١٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

٢٨

بالحدث المعهود ، أي الرجل الذي قد أغفى ، فيكون التقييد باقيا بحاله.

وقد يقال : إنّ الإغفاء على تقدير تسليم كونه حقيقة في النوم فالمراد منه في المقام على الظاهر هو الإغماء ، لأنّه هو الذي تقتضيه العلّة والمرض الشديد.

وفيه : أنّ عدم قدرته على الاضطجاع لعلّه يشهد بإرادته عدم التمكّن من النوم ، فتأخذه السنة ما دام مستندا بالوسائد.

والحاصل : أنّه ليس في الرواية ظهور في إرادة الإغماء الحاصل من شدّة المرض.

واستدلّ أيضا ببعض الأخبار المتقدّمة الدالّة على ناقضية النوم المزيل للعقل بدعوى ظهورها في إناطة الحكم بزوال العقل ، فإذا وجب الوضوء بالنوم يجب بالجنون والإغماء بالأولوية.

وفيه : ما لا يخفى بعد ما عرفت من كون الأخبار المتقدّمة مسوقة لتحديد النوم الناقض ، لا لبيان أنّ علّة ناقضيته هي ذهاب العقل من حيث هو.

نعم ، في التعبير بقوله عليه‌السلام : «وإذا ذهب النوم بالعقل» (١) وقوله عليه‌السلام :«والنوم حتى يذهب العقل» (٢) إشعار بالعلّيّة ، وأمّا الدلالة فلا.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٦ ـ ٤ ، الإستبصار ١ : ٧٩ ـ ٢٤٥ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦ ـ ٦ ، التهذيب ١ : ٩ ـ ١٥ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٢.

٢٩

واستدلّ أيضا بقوله عليه‌السلام في رواية العلل ، المتقدّمة (١) «وأمّا النوم فإنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كلّ شي‌ء منه واسترخى فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح ، فوجب عليه الوضوء لهذه العلّة» ولا ريب في جريان هذه العلّة في كلّ مذهب للعقل.

وفيه : أنّ كون النائم في معرض حدوث هذا الحدث منه علّة لوجوب الوضوء عليه مطلقا من العلل التعبدية التي تتوقّف على التوظيف ، وتعميم الشارع حكمه بالنسبة إلى الموارد الخالية عن الحكمة المقتضية لثبوت الحكم ، فهذه العلل من قبيل بيان الحكم والمقتضيات لشرع الحكم لا العلّة التامّة ، ولذا لا يظنّ بأحد أن يحكم بانتقاض وضوء من عرض له حالة استرخاء وفتور على وجه لا يستحسّ بخروج الريح منه استنادا إلى عموم العلّة المنصوصة.

هذا ، مع أنّ غير كون غير النائم ممّن أزيل عقله كالنائم في فتح كلّ شي‌ء منه بحيث يغلب عليه الخروج الريح غير معلوم أو معلوم العدم.

واستدلّ أيضا : بخبر دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليه‌السلام «أنّ الوضوء لا جيب إلّا من حدث ، وأنّ المرء إذا توضّأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه أو يكن منه ما يجب منه إعادة الوضوء» (٢).

ونوقش فيه : بعدم الاعتماد على الكتاب المذكور.

__________________

(١) تقدّمت في ص ٢٤.

(٢) دعائم الإسلام ١ : ١٠١.

٣٠

وأجيب : بانجبار الضعف بفتوى الأصحاب وإجماعهم.

وفي كفاية إجماعهم في جبر سند الرواية ما لم يكن اعتمادهم عليها في الفتوى تأمّل.

(و) السادس من الأحداث الموجبة لخصوص الوضوء : (الاستحاضة القليلة) خلافا للمحكي عن الإسكافي (١) ، فأوجب بها غسلا في اليوم والليلة ، والمعاني (٢) فلم يوجب بها شيئا ، وربما يوهمه كلام من لم يذكرها من النواقض ، وتفصيل الكلام فيها يأتي إن شاء الله في محلّه.

(ولا ينقض الطهارة مذي) وهو ما يخرج عند الملاعبة والتقبيل ونحوهما كما عن الصحاح والقاموس ومجمع البحرين (٣).

ويرجع إليه ما نقل عن الهروي من أنّه أرقّ ما يكون من النطفة عند.

الممازحة والتقبيل (٤) ، وما عن ابن الأثير من أنّه البلل اللزج الذي يخرج من الذكر عند ملاعبة النساء (٥).

وفي مرسلة ابن رباط عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يخرج من الإحليل المني والمذي والودي والوذي ، فأمّا المني فهو الذي يسترخي

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة في المختلف ١ : ٢١٠ ، المسألة ١٥١.

(٢) حكاه عنه العلّامة في المختلف ١ : ٢١٠ ، المسألة ١٥١.

(٣) كما في جواهر الكلام ١ : ٤١١ ، وانظر : الصحاح ٦ : ٢٤٩٠ ، والقاموس المحيط ٤ :٣٨٩ ، ومجمع البحرين ١ : ٣٨٨ «مذا».

(٤) كما في جواهر الكلام ١ : ٤١١ وانظر : النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ٣١٢.

(٥) كما في جواهر الكلام ١ : ٤١١ وانظر : النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ٣١٢.

٣١

العظام ويفتر منه الجسد ، وفيه الغسل ، وأمّا المذي فهو الذي يخرج من شهوة ولا شي‌ء فيه ، وأمّا الودي فهو الذي يخرج بعد البول ، وأمّا الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء ولا شي‌ء فيه» (١).

ويدلّ على عدم ناقضية المذي ـ مضافا إلى الأخبار الحاصرة للنواقض ، والمرسلة المتقدّمة ـ أخبار مستفيضة ، بل كادت تكون متواترة.

وقضيّة تفسير المذي في المرسلة المتقدّمة وفي كلمات اللغويين ـ كالأصحاب ـ بالماء الذي يخرج من شهوة : أنّ موضوع هذه الأخبار الكثيرة هو هذا الماء الخارج من شهوة ، وفي بعضها التنصيص على عدم ناقضية ما يخرج منه بشهوة.

مثل : ما رواه ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ليس في المذي من الشهوة ولا من الإنعاظ ولا من القبلة ولا من مسّ الفرج ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد» (٢).

وما عن الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد ، قال : اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست أثوابي وتطيّبت فمرّت بي وصيفة لي ففخذت بها وأمذيت وأمنت هي ، فدخلني من ذلك ضيق ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠ ـ ٤٨ ، الإستبصار ١ : ٩٣ ـ ٣٠١ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٩ ـ ٤٧ ، الإستبصار ١ : ٩٣ ـ ٣٠٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٢.

٣٢

فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : «ليس عليك وضوء» (١).

فما عن الإسكافي من التفصيل بين ما يخرج بشهوة وبين غيره (٢) ، ضعيف وإن كان ربما يشهد له خبر أبي بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :المذي يخرج من الرجل؟ قال : «أحدّ لك فيه حدّا؟» قال : قلت : نعم جعلت فداك. قال : فقال : «إن خرج منك على شهوة فتوضّأ ، وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك وضوء» (٣).

وصحيح علي بن يقطين : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المذي أينقض الوضوء؟ قال : «إن كان من شهوة نقض» (٤).

وخبر الكاهلي : سألت أبا الحسن عليه‌السلام : عن المذي أينقض الوضوء؟ فقال : «ما كان منه بشهوة فتوضّأ منه» (٥).

ولكنّك خبير بقصور هذه الأخبار عن مكافئة ما تقدّم من وجوه ، فهي محمولة على التقيّة ، كبعض الأخبار الأخبار الآمرة بالوضوء منه مطلقا ، كقول أبي الحسن عليه‌السلام في صحيحة يعقوب بن يقطين : عن الرجل يمذي في

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٢١ ـ ٣٢٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٣.

(٢) حكاه عنه العلّامة الحلّي في المختلف ١ : ٩٤ ، المسألة ٥٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٩ ـ ٤٤ ، الإستبصار ١ : ٩٣ ـ ٢٩٧ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٠.

(٤) التهذيب ١ : ١٩ ـ ٤٥ ، الإستبصار ١ : ٩٣ ـ ٢٩٨ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١١.

(٥) التهذيب ١ : ١٩ ـ ٤٦ ، الإستبصار ١ : ٩٣ ـ ٢٩٩ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٢.

٣٣

الصلاة من شهوة أو من غير شهوة ، قال : «المذي منه الوضوء» (١).

وعن الشيخ أنّه حملها على التعجّب لا الإخبار ، قال : ويمكن حملها على التقيّة (٢).

أقول : ولعلّ حملها على الاستحباب أولى ، كما تشهد به صحيحة ابن بزيع عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن المذي ، فأمرني بالوضوء منه ثم أعدت عليه سنة أخرى ، فأمرني بالوضوء منه ، وقال : «إنّ عليّا عليه‌السلام أمر المقداد أن يسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأستحيي أن يسأله ، فقال : فيه الوضوء» قلت : وإن لم أتوضّأ ، قال : «لا بأس» (٣).

وفي الحدائق عن بعض فضلاء متأخّري متأخّرينا احتمال حمل مطلق الأخبار الواردة في المسألة على مقيّدها ، جمعا بين الأخبار ، فيجب الوضوء ممّا خرج بشهوة دون غيره (٤).

وفيه ـ بعد الغضّ عن الأخبار الصريحة الدالّة على عدم ناقضية الخارج عن شهوة ، الراجحة على معارضاتها بمخالفتها للعامّة وموافقتها للأخبار الحاصرة ، وكونها معمولا بها عند الأصحاب دون معارضاتها ـ أنّ ما

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٢ ـ ٥٣ ، الإستبصار ١ : ٩٥ ـ ٣٠٦ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٦.

(٢) حكاه عنه الحرّ العاملي في الوسائل ذيل الحديث ١٦ من الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء ، وانظر : التهذيب ١ : ٢١ ذيل الحديث ٥٣ ، والاستبصار ١ : ٩٥ ذيل الحديث ٣٠٦.

(٣) التهذيب ١ : ١٨ ـ ٤٢ ، الإستبصار ١ : ٩٢ ـ ٢٩٦ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٩.

(٤) الحدائق الناضرة ٢ : ١١١.

٣٤

احتمله جمعا بين الأدلّة ليس جمعا ، بل هو طرح للأخبار الكثيرة المعتبرة ، لعدم تحمّلهما هذا النحو من التقييد ، إذ لو لم نقل بأنّ المذي حقيقة في خصوص الماء الذي لا ينفكّ عن الشهوة ـ كما تساعد عليه كلمات من عرفت ـ فلا شبهة في أنّ خروجه عن شهوة هو الفرد الغالب ، فلا يجوز تنزيل المطلقات النافية للبأس على ما عداه ، إذ من المستبعد جدّا إرادة الأفراد النادرة من المطلقات الواردة في مقام البيان. (و) كذا (لا) ينقض الطهارة (ودي) بالدال المهملة (ولا وذي) بالذال المعجمة.

أمّا الودي فهو ماء ثخين يخرج عقيب البول كما نصّ عليه جملة من العلماء ، وتشهد عليه وعلى حكمه مرسلة ابن رباط ، المتقدّمة (١).

وتدلّ عليه ـ مضافا إلى الأخبار الحاصرة والمرسلة المتقدّمة ـ جملة من الأخبار التي تقدّم بعضها.

ففي صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ولا تنقض له الوضوء وإن بلغ عقيبك ، فإنّ ذلك بمنزلة النخامة ، وكلّ شي‌ء خرج منك بعد الوضوء فإنّه من الحبائل ومن البواسير ، وليس بشي‌ء ، فلا تغسله من ثوبك إلّا أن تقذره» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(١) تقدّمت في ص ٣١ ـ ٣٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٢ ، وفيهما : «أو من البواسير».

٣٥

وما وقع في بعض الأخبار من الوضوء منه ـ كرواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «ثلاث يخرج من الإحليل وهو : المني وفيه الغسل ، والودي فمنه الوضوء ، لأنّه يخرج من دريرة البول» قال :«والمذي ليس فيه وضوء ، إنّما هو بمنزلة ما خرج من الأنف» (١) ـ محمول على الاستحباب أو التقيّة.

وعن الشيخ والعلّامة حمله على من ترك الاستبراء بعد البول وخرج منه شي‌ء ، لأنّه يكون من بقية البول (٢).

وفيه إشكال من جهة أنّ ترك الاستبراء يجعل البلل المشتبه بحكم البول لا المعلوم أنّه ودي.

والتعليل بأنّه لا بدّ وأن يخرج معه أجزاء بولية ، فيه منع ، وعلى تقديره لا أثر لها ، لاستهلاكها بالودي قبل خروجها ، فمهما صدق على الماء الخارج اسم الودي يحكم بطهارته وعدم ناقضيّته ، لدوران الأحكام مدار الأسماء ، وكونه قبل الخروج بولا أو دما أو ملاقيا لشي‌ء منهما لا أثر له على ما تقتضيه القواعد الشرعية ، والله العالم.

وأمّا الوذي بالذال المعجمة : في المجمع : أنّه ما يخرج عقيب إنزال

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠ ـ ٤٩ ، الإستبصار ١ : ٩٤ ـ ٣٠٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٤.

(٢) حكاه عنهما الحرّ العاملي في الوسائل ، ذيل الحديث ١٤ من الباب ١٢ من أبواب النواقض ، وصاحب الجواهر فيها ١ : ٤١٥ ، وراجع : التهذيب ١ : ٢٠ ذيل الحديث ٤٩ ، والاستبصار ١ : ٩٤ ذيل الحديث ٣٠٢ ، ومنتهى المطلب ١ : ٣٣.

٣٦

المني (١).

وفي مرسلة ابن رباط : «أنّه الذي يخرج من الأدواء» (٢).

وعلى كلّ تقدير فلا شبهة في حكمه كما تدلّ عليه الأخبار الحاصرة وغيرها. (ولا دم ولو خرج من أحد السبيلين عدا الدماء الثلاثة) كما تدلّ عليه ـ مضافا إلى الأخبار الحاصرة ـ الأخبار المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، الواردة في الحجامة ودم الرعاف والقرحة وغيرها.

ففي رواية أبي بصير ، قال : سألته عن الرعاف والحجامة وكلّ دم سائل ، فقال : «ليس في هذا وضوء ، إنّما الوضوء من طرفيك» (٣) الحديث.

وفي خبر أبي هلال ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أينقض الرعاف والقي‌ء ونتف الإبط الوضوء؟ فقال : «وما تصنع بهذا؟ هذا قول المغيرة ابن سعيد ، لعن الله المغيرة ، يجزيك من الرعاف والقي‌ء أن تغسله ولا تعيد الوضوء» (٤) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

ولا يبعد أن يكون قول المغيرة لعنه الله هو السبب في أمره بالوضوء

__________________

(١) مجمع البحرين ١ : ٤٣٣ «وذا».

(٢) تقدّمت المرسلة مع الإشارة إلى مصادرها في ص ٣١ ـ ٣٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧ ـ ١٣ ، التهذيب ١ : ١٥ ـ ٣٣ ، الإستبصار ١ : ٨٤ ـ ٢٦٤ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٠.

(٤) التهذيب ١ : ٣٤٩ ـ ١٠٢٦ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٨.

٣٧

في خبر عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن رجل أصابه دم سائل ، قال : «يتوضّأ ويعيد» قال : «وإن لم يكن سائلا توضّأ وبنى» قال :«ويصنع ذلك بين الصفا والمروة» (١).

ويحتمل أن يكون مستحبّا ، كما يؤيّده ما روي من فعل علي عليه‌السلام من أنّه توضّأ بعد أن رعف دما سائلا (٢). والله العالم. (ولا قي‌ء ولا نخامة ولا تقليم ظفر ولا حلق شعر).

ففي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام عن الرجل يقلّم أظفاره ويجزّ شاربه ويأخذ من شعر لحيته ورأسه هل ينقض ذلك وضوءه؟ فقال : «يا زرارة كلّ هذه سنّة والوضوء فريضة ، وليس شي‌ء من السنّة ينقض الفريضة وإنّ ذلك ليزيده تطهيرا» (٣).

وقد ورد التنصيص على حكم القي‌ء في رواية أبي هلال ، المتقدّمة (٤).

وأمّا النخامة فيستفاد حكمها بالخصوص من كثير من الأخبار الواردة في حكم المذي ، وقد تقدّم بعضها.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٠ ـ ١٠٣٢ ، الإستبصار ١ : ٨٤ ـ ٢٦٧ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٣ ـ ٢٩ ، الإستبصار ١ : ٨٥ ـ ٢٨٦ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٤٦ ـ ١٠١٣ ، الإستبصار ١ : ٩٥ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٢.

(٤) تقدّمت في ص ٣٧.

٣٨

(ولا مسّ ذكر ولا دبر ولا قبل) ظاهرا وباطنا من نفسه أو من غيره ، محلّلا أو محرّما ، خلافا للمحكي عن الصدوق من النقض بمسّ الرجل باطن دبره أو إحليله ، أو فتحه (١).

وعن الإسكافي : النقض بمسّ ما انضمّ عليه الثقبتان ومسّ ظاهر الفرج من غيره بشهوة إذا كان محرّما ومسّ باطن الفرجين محرّما ومحلّلا (٢).

وتدلّ عليه ـ مضافا إلى حصر النواقض في الأخبار المعتبرة المستفيضة التي لا يكاد يرتاب المتأمّل فيها في كونها مسوقة لبيان عدم ناقضيّة مثل هذه الأمور التي تشتّت فيها آراء العامّة بالمناسبات التي أدركها ذوقهم ـ الأخبار الخاصّة المستفيضة : ففي صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «ليس في القبلة ولا المباشرة ولا مسّ الفرج وضوء» (٣).

وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل مسّ فرج امرأته ، قال : «ليس عليه شي‌ء وإن شاء غسل يده ، والقبلة لا يتوضّأ منها» (٤).

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ١ : ٤١٨ ، وانظر : الفقيه ١ : ٣٩ ذيل الحديث ١٤٨.

(٢) كما في جواهر الكلام ١ : ٤١٨ وحكاه عنه العلّامة في المختلف ١ : ٩١ ، المسألة ٤٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧ ـ ١٢ ، الفقيه ١ : ٣٨ ـ ١٤٥ ، التهذيب ١ : ٢٣ ـ ٥٩ ، الإستبصار ١ : ٨٧ ـ ٢٧٧ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٢٢ ـ ٥٧ ، الإستبصار ١ : ٨٨ ـ ٢٨١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٦.

٣٩

وخبر سماعة عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يمسّ ذكره أو فرجه أو أسفل من ذلك وهو قائم يصلّي يعيد وضوءه؟ فقال : «لا بأس بذلك إنّما هو من جسده» (١) وقضية العلّة المنصوصة عدم الفرق بين ظاهره وباطنه.

وما في بعض الروايات من انتقاض الوضوء بشي‌ء منها ـ كخبر عمّار عن الرجل يتوضّأ ثمّ يمسّ باطن دبره ، قال : «نقض وضوءه ، وإن مسّ باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضّأ ويعيد الصلاة ، وإن فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة» (٢) وفي خبر أبي بصير : «إذا قبّل الرجل المرأة أو مسّ فرجها أعاد الوضوء» (٣) ـ محمول على التقية أو الاستحباب. (ولا لمس امرأة) كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدّمة. (ولا أكل ما مسّته النار) ولا إنشاء الشعر ، وكلام الفحش والكذب والغيبة وقتل البقّ والبرغوث والذباب ونتف الإبط ولمس الكلب ومصافحة المجوسي. (ولا ما يخرج من السبيلين إلّا أن يخالطه شي‌ء من النواقض).

ولا بالارتداد ولو في أثناء الوضوء ، فلو تاب وأتمّ وضوءه بماء

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٤٦ ـ ١٠١٥ ، الإستبصار ١ : ٨٨ ـ ٢٨٣ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٨.

(٢) التهذيب ١ : ٤٥ ـ ١٢٧ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١٠.

(٣) التهذيب ١ : ٢٢ ـ ٥٦ ، الإستبصار ١ : ٨٨ ـ ٢٨٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٩.

٤٠