مصباح الفقيه - ج ٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

وفي الصحيح الحاكي لوضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فوضع الماء على مرفقه فأمرّ كفّه على ساعده (١).

وفي آخر : فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ لا يردّها إلى المرفق (٢).

وفي الخلاف : قد ثبت عن الأئمّة عليه‌السلام أنّ «إلى» في الآية بمعنى «مع» (٣).

قال شيخنا المرتضى : دعوى القطع بالثبوت كدعوى التواتر أو الإجماع ، فلا يقصر هذا المرسل عن الصحيح (٤). انتهى.

وعن جامع المقاصد حكاية كونها بمعناها عن المرتضى ـ رحمه‌الله ـ وجماعة من الموثوق بهم (٥).

ونقل إجماعنا على وجوب غسل المرفقين مع اليدين لو لم يكن متواترا ففي أعلى مراتب الاستفاضة ، بل عن الخلاف : به قال جميع الفقهاء إلّا زفر (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٥ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤ ـ ٧٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٥ ـ ٥ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٣) الخلاف ١ : ٧٨ ، المسألة ٢٦.

(٤) كتاب الطهارة : ١١٣.

(٥) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ١٦٠ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٢١٥ ، والمسائل الناصرية (ضمن الجوامع الفقهيّة) : ٢٢٠ ، المسألة ٢٨.

(٦) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ١٦٠ ، وانظر : الخلاف ١ : ٧٨ ، المسألة ٢٦.

٣٢١

وعن المعتبر : عليه الإجماع خلا زفر ومن لا عبرة بخلافه (١).

فيظهر منهما معروفيّته بين العامّة فضلا عن الخاصّة. وكفى بما ذكر دليلا على وجوب غسل المرفق.

وظاهر فتاوي العلماء وكذا معاقد إجماعاتهم وكذا الأخبار المتقدّمة ـ ما عدا الصحيحين الحاكيين ـ : أنّ وجوب غسل المرفقين كالذارعين أصلّي لا مقدّمي.

وأمّا الأخبار الحاكية فبعد تسليم دلالتها على الوجوب لا يستفاد منها كون وجوبه أصليّا ، كما لا يخفى ، إلّا أنّ فيما عداها كفاية.

فمناقشة بعض في وجوبه الأصلي ممّا لا وجه لها.

نعم ، للقول بعدم وجوب غسل طرف العضد المتّصل بالذراع أصالة وجه ، لما عرفت من الاختلاف في تفسير المرفق ، فلو قلنا بأنّه طرف الساعد أو نفس المفصل ، لا يجب غسل طرف العضد أصالة قطعا نصّا وإجماعا ، وكذا لو قلنا بإجماله على الأقوى ، لأصالة براءة الذمّة عمّا لم يعلم وجوبه ، إلّا أن يقال : إنّه يجب إحراز الطهور الذي هو مقدّمة للصلاة ، وهو مفهوم مبيّن ، فلا بدّ في إحرازه من الاحتياط. وفيه تأمّل.

فالشأن إنّما هو في تعيين معنى المرفق أو تعيين ما أريد منه في كلمات المجمعين أو في الأخبار ، وأمّا ظهورها في الوجوب الأصلي فغير قابل للخدشة ، كما في غيره من الواجبات التي تعرّضوا لبيان وجوبها.

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ١٦٠ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٤٣.

٣٢٢

ولا ينافي ما ذكرنا من ظهور إجماعاتهم المنقولة في ذلك تصريح بعض الأساطين من المدّعين للإجماع في مسألة الأقطع بعدم وجوب غسل طرف العضد ، كما في المنتهى حيث قال ـ فيما حكي عنه بعد تعليل سقوط غسل اليد في الأقطع من المرفق ـ : سقط فرض غسلها بفوات محلّه ، وللشافعي في غسل العظم الباقي ـ وهو طرف العضد ـ وجهان ، أصحّهما : الوجوب ، لأنّ غسل العظمين المتلاقيين من العضد والمرفق واجب ، فإذا زال أحدهما غسل الآخر.

ونحن نقول : إنّما وجب غسل طرف العضد توصّلا إلى غسل المرفق ، ومع سقوط الأصل انتفى الوجوب (١). انتهى.

وجه عدم المنافاة : ابتناء منعهم وجوب غسل الباقي على دعوى اختصاص المرفق بطرف الساعد ، وعدم كون طرف العضد جزءا منه ، ووجوب غسله حال الاتّصال لأجل كونه مقدّمة لغسل المرفق ، كما هو صريح العبارة المحكية عن العلّامة ، فوجوب غسل المرفق أصالة ممّا لا خلاف فيه ظاهرا ، وإنّما الخلاف والإشكال في تعيين معنى المرفق.

واختيار العلّامة وغيره من الأساطين الناقلين للإجماع بعض معاني المرفق لو علم خطؤهم فيما اختاروه لا يضرّ بالإجماع ، ولا بنقلهم الإجماع فضلا عن نقل غيرهم له ، لأنّ المرفق في كلمات المجمعين وناقلية موضوع للحكم ، فيكون معقد الإجماع كمتن الخبر المتواتر يجب الرجوع فيه إلى العرف واللغة لا إلى اجتهاد الناقل.

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١١٣ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٥٩.

٣٢٣

نعم ، لو كان عبارة ناقل الإجماع عنوانا منتزعا عن الموارد التي ادّعي الإجماع على حكمها ـ كما لو كان غرضه نقل الإجماع على وجوب غسل مجموع الذارع من أوّله إلى آخره ، وعبّر عن طرفه ـ المتّصل بالعضد ـ بالمرفق زاعما اختصاصه به حيث لو علم خطأه في توهّم الاختصاص ، لغيّر عبارته ـ لكان مراد المدّعي متّبعا في دعواه ، ومن المعلوم أنّ ما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، بل الأمر بالعكس ، فإنّه لو تفطّن إلى خطئه ، لالتزم بوجوب غسل ما يسمّى مرفقا ، فيجب تعيين المرفق بالرجوع إلى العرف واللغة ، وقد عرفت أنّ محتملاته ثلاثة ، أضعفها : احتمال كونه خصوص طرف الساعد ، لمخالفته لما نصّ عليه اللغويّون ونسب إلى أكثر العلماء ، بل لم ينسب القول به صريحا إلى أحد ، والعبارة المحكية عن العلّامة وإن كان ظاهرها ذلك ولكنّها غير صريحة فيه ، لما تقدّمت الإشارة إليه من احتمال رجوعه إلى المعنى الأوّل وإن كان بعيدا ، وعلى تقدير صراحة كلامه في ذلك فلا يكافئ قوله مقالة جلّ العلماء وكلّ اللغويّين.

واحتمال كونه حقيقة في نفس المفصل قويّ ، لإطباق كلمة اللغويّين بظاهرها على ذلك على ما حكي (١) عنهم ، بل ولعلّ هذا المعنى هو المناسب لوضعه المادّي ، إلّا أنّك عرفت أنّ تنزيل كلمات العلماء في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم ، وكذا ما أرسله في الخلاف إلى الأئمّة عليه‌السلام على هذا المعنى متعذّر ، فلا بدّ في الجميع من تنزيلها على إرادة المجمع

__________________

(١) حكاه عنهم الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١١٤.

٣٢٤

ولم نقل بكونه حقيقة فيه ، لأنّ الأمر بغسلة مع اليدين قرينة على إرادة ما يتقوّم به المفصل ، وهو الطرفين لا نفسه.

فظهر لك أنّ الأقوى وجوب غسل المجمع مع اليدين أصالة.

نعم ، يجب غسل جزء ممّا يتّصل من العضد بالمجمع من باب المقدّمة ، والله العالم. (و) يجب (الابتداء من المرفق ، ولو غسل منكوسا لم يجزئه) لما مرّ في غسل الوجه من الأخبار البيانيّة وغيرها.

ودلالة الأخبار البيانيّة وغيرها.

ودلالة الأخبار البيانيّة على عدم جواز النكس في اليدين أظهر ، لما عرفت من إمكان المناقشة في غسل الوجه بكون البدأة بالأعلى جارية مجرى العادة ، وهذا بخلاف اليدين ، فإنّ غسلهما منكوسا أسهل ، وقد صرّح الراوي في بعض الروايات المتقدّمة ـ بعد ذكره أنّه عليه‌السلام غسل يده اليمنى من المرفق الى الكفّ ـ أنّه عليه‌السلام لم يردّها إلى المرفق وكذلك في اليسرى (١).

فتصريح الراوي بهذه الخصوصيّة في غسل كلّ من اليدين وعدم اقتصاره على ظهور عبارته الاولى في إفادتها دليل قويّ على كونها ممّا قصد معرفة حكمه في الوضوءات البيانيّة.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ما تقدّم ـ : أمر الإمام عليه‌السلام فيما كتبه إلى علي بن يقطين ـ بعد ارتفاع التهمة عنه وصلاح حاله عند السلطان ـ بغسل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٥ ـ ٥ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

٣٢٥

يديه من المرفقين عكس ما أمره به أوّلا لأجل التقيّة.

ولا بأس بنقل مجموع ما كتبه عليه‌السلام ، لما فيه من الفوائد.

روي في الوسائل عن محمد بن محمد بن نعمان المفيد في الإرشاد عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضل أنّ علي بن يقطين كتب إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام يسأله عن الوضوء ، فكتب إليه أبو الحسن عليه‌السلام «فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك ثلاثا وتخلّل شعر لحيتك وتغسل يديك إلى المرفقين ثلاثا وتمسح رأسك كلّه وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ولا تخالف ذلك إلى غيره» فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجّب بما رسم له أبو الحسن عليه‌السلام فيه ممّا جميع العصابة إلى خلافه ، ثم قال : مولاي أعلم بما قال وأنا أمتثل أمره ، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ ، ويخالف ما عليه جميع الشيعة ، امتثالا لأمر أبي الحسن عليه‌السلام ، وسعي بعليّ بن يقطين إلى الرشيد ، وقيل : إنّه رافضيّ ، فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر ، فلمّا نظر إلى وضوئه ناداه : كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة ، وصلحت حاله عنده ، وورد عليه كتاب أبي الحسن عليه‌السلام «ابتدأ من الآن يا علي بن يقطين ، وتوضّأ كما أمرك الله تعالى : اغسل وجهك مرّة فريضة واخرى إسباغا ، واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح بمقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كنّا نخاف منه

٣٢٦

عليك ، والسلام.» (١)

ويدلّ عليه أيضا : ما عن العياشي في تفسيره عن صفوان ، قال :سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (٢) إلى أن قال : قلت : فإنّه قال : اغسلوا أيديكم إلى المرافق ، فكيف الغسل؟ قال : «هكذا : أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى ثم يفيضه على المرفق ثم يمسح إلى الكفّ» إلى أن قال : قلت له : أيردّ الشعر؟ قال : «إذا كان عنده آخر فعل ، وإلّا فلا» (٣) أراد بالآخر من يتّقيه.

وكذا رواية ابن عروة التميمي ، المتقدّمة (٤).

وهاتان الروايتان حاكمتان على ظهور الآية في كون المرفق غاية للغسل لو سلّم ظهورها فيه ، كما أنّ الإجماع على عدم وجوب الغسل منكوسا مانعة من الأخذ بهذا الظاهر ، فالمرفق في الآية بشهادة السنّة والإجماع غاية للمغسول لا للغسل. (وتجب البدأة باليمين) فلو عكس أو غسلهما دفعة ، لم يجزئه ، لما سيجي‌ء من وجوب الترتيب بين أفعال الوضوء نصّا وإجماعا.

ولعلّ المصنّف ـ رحمه‌الله ـ تعرّض لبيان هذا الفرع مع تصريحه فيما بعد

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣ ، وانظر : الإرشاد ٢ : ٢٢٧ ـ ٢٢٩.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٣٠٠ ـ ٥٤ ، وعنه في الحدائق الناضرة ١ : ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(٤) تقدّمت في ص ٣٢٠.

٣٢٧

بوجوب الترتيب بين أفعال الوضوء ، دفعا لما قد يتوهّم من ظاهر عبارته ـ التي تبع فيها الكتاب والسنّة ، حيث جعل غسل اليدين فرضا واحدا ـ أنّ غسلهما بمنزلة فعل واحد ، كغسل طرفي الوجه ، فلا ترتّب بينهما ، فدفعه بقوله : وتجب البدأة باليمين ، فتأمّل. (ومن قطع بعض يديه) ممّا دون المرفق (غسل ما بقي) منها (من) أعلى (المرفق) إلى آخر ما بقي حتى الموضع الذي ظهر بالقطع ، بلا خلاف فيه ، كما في طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله (١).

وفي الجواهر : كأنّه لا خلاف فيه (٢).

وعن كاشف اللثام وغيره نقل الإجماع عليه (٣).

وعن المنتهى نسبته إلى أهل العلم (٤).

وفي الحدائق : الظاهر أنّه لا خلاف في وجوب غسل الباقي (٥).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ : حسنة إبراهيم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الأقطع اليد والرّجل ، قال : «يغسلهما» (٦).

وخبر رفاعة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الأقطع ، فقال :

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١١٤.

(٢) جواهر الكلام ٢ : ١٦٣.

(٣) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ١٦٣ ، وانظر : كشف اللثام ١ : ٦٧.

(٤) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ١٦٣ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٥٩.

(٥) الحدائق الناضرة ٢ : ٢٤٤.

(٦) التهذيب ١ : ٣٦٠ ـ ١٠٨٥ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

٣٢٨

«يغسل ما قطع» (١).

وخبره الآخر عنه أيضا ، قال : سألته عن الأقطع اليد والرّجل كيف يتوضّأ؟ قال : «يغسل ذلك المكان الذي قطع منه» (٢).

وكون الأخيرين رواية واحدة بأن كان أحدهما منقولا باللفظ والآخر بالمعنى محتمل.

وهذه الأخبار بحسب الظاهر مسوقة لبيان أنّ موضع القطع ينوب مناب العضو المقطوع فيما هو وظيفة ذلك العضو ، لا أنّ وضوء الأقطع عبارة عن غسل موضع القطع فقط ، فلا حاجة في إثبات وجوب غسل ما عدا موضع القطع إلى المرفق بعدم القول بالفصل ، إذ لا يرتاب أحد من أهل العرف ـ بعد علمه ببقاء الوضوء في حقّ الأقطع على وجوبه ، وأنّه يجب عليه غسل موضع القطع ـ في أنّ ما عدا موضع القطع يجب عليه غسله ، كما كان عليه قبله ، لا للاستصحاب ، بل للقطع بذلك بعد القطع ببقاء الوضوء في حقّه على وجوبه ، فكما لا يشك في وجوب غسل يده الصحيحة ووجهه ، كذلك لا يشك في وجوب غسل ما بقي من يده المقطوعة.

وكذلك ينبغي أن لا يشك أيضا في عدم وجوب غسل ما فوق المرفق ممّا لم يكن واجبا قبل القطع.

ولو توهّم متوهّم وجوبه ، لزعمه قيام ما فوق المرفق مقام ما نقص

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩ ـ ٨ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٧٨ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

٣٢٩

من يده بالقطع ، فيدفعه ـ مضافا إلى الأصل ـ الإجماع على عدم وجوب غسل الزائد.

وبما أشرنا إليه ـ من قضاء العرف بوجوب غسل سائر الأعضاء بعد قطعهم ببقاء الوضوء على وجوبه ، نظرا إلى كونه لديهم من المراتب الميسورة للوضوء ـ ظهر لك إمكان الاستدلال للمدّعى بقوله عليه‌السلام :«الميسور لا يسقط بالمعسور» (١) بل بالاستصحاب أيضا بعد البناء على المسامحة العرفيّة في موضوعه ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ أمره عليه‌السلام في الأخبار المتقدّمة بغسل موضع القطع مطلقا دون المسح في الرّجل ، فلعلّ الوجه فيه ما أشرنا إليه من أنّ الأمر بغسل موضع القطع كناية عن قيامه مقام العضو المقطوع فيما هو وظيفته ، فلم يرد منه خصوص الغسل.

ويحتمل بعيدا إرادته مطلقا ، فيحمل أمره بغسل الرّجل على التقيّة. (وإن قطعت) اليد (من المرفق) أي المجمع (سقط [فرض] (٢) غسلها) بفوات محلّه ، للأصل ، وعليه الإجماع ، كما عن جماعة نقله (٣).

وبه يصرف إطلاق الأخبار المتقدّمة عن الفرض لو لم ندّع انصرافها بنفسها إلى ما إذا كان القطع ممّا دون المرفق إمّا بقرينة حكمه ، أعني وجوب الغسل ، أو بدعوى كون اليد حقيقة في الكفّ أو ظاهرة فيها ، أو كون الغالب

__________________

(١) غوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥ بتفاوت يسير.

(٢) أضفناها من الشرائع.

(٣) انظر : مفتاح الكرامة ١ : ٢٤٥ ، وكشف اللثام ١ : ٦٧ ومنتهى المطلب ١ : ٥٩.

٣٣٠

في الوجود الخارجي حصول القطع من الأشاجع أو الزند أو المفصل الذي يبقى معه جزء من المرفق ، أعني طرف العضد المتداخل في عظم الذراع.

ويمكن أن ينزّل على ذلك ما في الصحيح عن علي بن جعفر عليه‌السلام عن أخيه عليه‌السلام عن الرجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضّأ؟ قال :«يغسل ما بقي من عضده» (١).

وعن بعض حمله على الاستحباب (٢).

وعن الإسكافي القول بمضمونه ، قال فيما حكي عنه : إذا كان القطع من مرفقه ، غسل ما بقي من عضده (٣).

ويحتمل إرادته ما احتملناه في الصحيحة.

وعن المختلف حمله على الاستحباب (٤).

وكيف كان ، فخلافه بعد انعقاد الإجماع على خلافه غير ضائر ، كما أنّ عمله بظاهر الرواية بعد إعراض الأصحاب عنه لا يخرجها من الشذوذ ، لكن الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ، والله العالم. (ولو كان له ذراعان دون المرفق أو) كان له (أصابع زائدة) على ما تقتضيه الخلقة المتعارفة (أو لحم) زائد (نابت) على المرفق أو

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩ ـ ٩ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٢) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٢٠٦ عن العلّامة في منتهى المطلب ١ : ٥٩.

(٣) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٢٠٦ ، وانظر أيضا مختلف الشيعة ١ : ١٢٠ ، المسألة ٧٣.

(٤) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ١٦٥ ، وانظر : المختلف ١ : ١٢٠ ، المسألة ٧٣.

٣٣١

ما دونه أو غير ذلك من توابع اليد ، كالشعر والظفر وإن طالا مع بقاء صدق التبعيّة عرفا (وجب غسل الجميع) بلا خلاف فيه ظاهرا.

وعن شارح الدروس : دعوى الإجماع عليه (١).

وفي المدارك نفي الريب عنه (٢).

ويدلّ على وجوب غسل الجميع : استفادته عرفا من الأمر بغسل مجموع اليدين إلى المرفقين ، وأنّه ليس له أن يدع من ذلك شيئا إلّا وغسله كما في بعض الروايات (٣).

والأقوى : عدم كفاية غسل شعر اليد عن البشرة المستورة به ، بل يظهر من بعض عدم الخلاف فيه.

ووجهه : إطلاق الأمر بغسل اليدين وعدم ما يصلح لتقييده ، عدا ما يتوهّم من عموم قوله عليه‌السلام : «كلّ ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه» (٤).

وقوله عليه‌السلام : «إنّما عليه غسل ما ظهر» (٥).

أمّا الثاني : فقد عرفت فيما سبق من إمكان المناقشة فيه بدلالته

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ١٦٦ ، وانظر : مشارق الشموس : ١٠٩.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢٠٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٦ ـ ٥ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨ ـ ٨٨ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٥) التهذيب ١ : ٧٨ ـ ٢٠٢ ، الإستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦ بتفاوت يسير في اللفظ.

٣٣٢

على وجوب غسل الظاهر في مقابل الباطن ، لا الظاهر في مقابل المستور خصوصا بالشعور.

نعم ، يحسن الاستدلال بهذه الرواية لنفي وجوب غسل باطن الأظفار ، وكذا مواضع الجروح والقروح التي خرجت بسببهما من صدق اسم الظاهر عليها ، وكذا غيرها ممّا يعدّ من البواطن لدى العرف ، لا ما ستره الشعر ، إذ لا يعدّ مثله من البواطن عرفا.

وأمّا الأوّل : فيتوجّه عليه منع دلالته على العموم بالنسبة إلى شعر اليد ، بل لا يستفاد منه إلّا حكم ما أحاط بالوجه من الشعر ، إذ ليس الموصول في الرواية للعموم ، بل هو للعهد ، والقدر المعلوم إرادته منه ليس إلّا ما أحاط بالوجه لا غير.

أمّا أنّ الموصول لا يصحّ حمله على العموم : فلوجوه :

منها : قوله عليه‌السلام في ذيل الصحيحة : «ولكن يجري عليه الماء» (١).

ضرورة عدم جريان هذا الحكم في الرأس والرّجلين ، فليس المراد ممّا أحاط كلّ موضع أحاط عليه الشعر من مواضع الوضوء ، بل المقصود إمّا خصوص ما أحاط بالوجه أو الأعمّ منه ومن اليدين ، ولا أولويّة للثاني بعد احتياجه إلى سبق الذكر كالأوّل.

وأصالة عدم قرينة العهد غير جارية بعد العلم بعدم العموم. وتعيين خصوص أحدهما بالأصل غير ممكن ، فالمتيقّن إرادة ما أحاط بالوجه

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨ ـ ٨٨ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

٣٣٣

دون غيره ، بل قد يدّعى الإجماع على عدم كفاية إجراء الماء على شعر اليد ، فلو تمّ فهو قرينة معيّنة لإرادة خصوص الوجه.

ومنها : ذكره في الفقيه عقيب الرواية المتقدّمة (١) في تحديد الوجه بما دارت عليه الإصبعان ، فظاهره كونه من تتمّة تلك الرواية ، فسبق ذكر الوجه قرينة مرشدة إلى أنّ المراد من الشعر هو الشعر الذي أحاط على الوجه.

وعدم ذكره في التهذيب أثر تلك الصحيحة ، فلعلّ منشأه تقطيع الأخبار ، لا كونه رواية مستقلّة.

ومنها : شهادة البداهة بعدم كون سؤال السائل ـ أعني قوله : أرأيت ما أحاط به الشعر؟ ـ كلاما مستقلّا بالإفادة ، بل صدر منه هذا السؤال بعد بيان الإمام عليه‌السلام حكم شي‌ء ، مثل : وجوب غسل الوجه ، أو تحديد الوجه ، أو غسل الوجه واليدين ، أو كيفية الوضوء مطلقا ، أو بيان وجوب غسل سائر الأعضاء في الغسل ، ومن المعلوم أنّ سؤاله ينزّل على ما كان موضوعا لديهم في الحكم بغسله ، وجواب الإمام عليه‌السلام أيضا ينزّل على موارد السّؤال.

ولا يمكن تعيين ما صدر بالأصل. ولا مجرى لأصالة العموم بعد العلم بسبقه بما يحتمل أن يكون قرينة العهد.

نعم ، قد ثبت بالإجماع واستناد العلماء إليه في حكم ما أحاط بالوجه من الشعر في باب الوضوء دون الغسل أنّ الوجه في الوضوء مراد

__________________

(١) تقدّمت في ص ٢٨٨.

٣٣٤

بهذا الحكم ، وأمّا غيره فلا.

وقد ظهر لك من هذا الوجه : أنّ المناقشة في الوجه الثاني ـ بمنع كونها من تتمّة الرواية السابقة ، بل هي رواية أخرى مستقلّة ـ غير مجدية لإثبات العموم.

والعجب ممّن أذعن بعموم الرواية ، وظنّ أنّها أخصّ مطلقا من الآية الآمرة بغسل الوجوه والأيدي ، ورجّح مع ذلك عموم الآية ، لزعمه أنّ تقييد المطلق أو تخصيص العامّ فرع المكافئة ، وهي في المقام مفقودة ، لأنّ معتضد الخاصّ فيما تقدّم من تخليل الوجه كان هو الشهرة التي هي هنا من طرف عموم الآية.

وفيه ما لا يخفى ، إذ بعد تسليم كونها أخصّ مطلقا لا وجه لتقديم العامّ عليها ، لأنّ الخاصّ البالغ أوّل مرتبة الحجّيّة مقدّم على العامّ المطلق مطلقا ، ولا يحتاج العمل به إلى مرجّح خارجي ، كالشهرة ونحوها ، كما أنّ الأمور الخارجيّة لا توجب رفع اليد عنه ما لم تسقطه عن الحجّيّة.

هذا ، مع أنّ ما توهّمه من كونها أخصّ مطلقا ، في غير محلّه ، لأنّ النسبة إنّما تلاحظ بين الرواية وبين كلّ من الوجوه والأيدي ، لا كليهما ، إذ كما يمكن تخصيص كلّ من الفقرتين من الآية بالرواية كذلك يمكن تخصيص الرواية بكلّ من الفقرتين ، فتعارضهما من قبيل تعارض الظاهرين ، لا النصّ والظاهر ، كما في الخاصّ المطلق.

نعم ، لا يمكن تخصيص الرواية بكلتيهما ، بناء على اختصاص موردها بالوجه واليدين في خصوص الوضوء دون الغسل ، لاستلزامه

٣٣٥

حينئذ استيعاب التخصيص ، فهي على هذا التقدير بحكم الخاصّ المطلق في الجملة ، بمعنى أنّها على هذا التقدير تكون نصّا في إرادة خلاف الظاهر من الفقرتين إجمالا ، ولكنّ الإجماع على تخصيص الوجوه بها يرفع إجمالها بالنسبة إليها ، فيبقى تعارضها مع وجوب غسل الأيدي من قبيل تعارض الظاهرين لا غير.

إلّا أنّك عرفت فيما سبق أنّ الرواية حاكمة على الآية ، فهي مقدّمة عليها على تقدير الشمول مطلقا ، ولا يلاحظ بينهما النسبة أصلا ، كما أنّها حاكمة على غيرها من الأدلّة أيضا ، مثل مفهوم قوله عليه‌السلام : «إذا مسّ جلدك الماء فحسبك» (١) كما هو ظاهر.

فالحقّ في الجواب : منع عموم الرواية ولو لكشف الشهرة أو الإجماع ـ كما عن بعض نقله ـ عن قرينة التخصيص ، وإلّا فهي حاكمة على ظهور الآية وغيرها مطلقا ، كما تقدّم في الوجه ، والله العالم. (ولو كان) شي‌ء من ذلك (فوق المرفق ، لم يجب غسله) جزما ، لخروجه من حدّ الواجب.

نعم ، قد يتوهّم الوجوب فيما لو انسلخ بعض ما على المرفق والذراع ممّا يجب غسله وتدلّى بخارج الحدّ ، كما أنّه قد يتوهّم عدم الوجوب في عكسه.

ويدفعهما : دوران الحكم مدار ما هو عليه فعلا من تبعيّته لمحلّ الفرض وعدمها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٢ ـ ٧ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

٣٣٦

وكونه قبل الانسلاخ محكوما بوجوب غسله أو عدمه لا يؤثّر في بقاء حكمه بعد ارتفاع وصفه وذهاب اسمه الذي أنيط به الحكم. (ولو كان له يد زائدة) ثابتة من فوق المرفق ، وإنّما فرضناها كذلك مع أنّ الحكم غير مخصوص بها ، ليتمحّض لما هو المقصود من هذه المسألة ، ولا يكون من جزئيّات المسألة الأولى الباحثة عن حكم ما يشتمل عليه المرفق وما دونه من الزوائد ، فالمبحوث عنه في هذه المسألة هو أنّه لو كان للمكلّف أزيد من اليدين اللّتين تقتضيهما الخلقة المتعارفة هل يجب عليه غسل الزائدة أم لا؟ فلو كانت اليد الزائدة ممّا دون المرفق ، لأمكن القول بوجوب غسلها من باب التبعيّة ولو لم نقل به في النابتة من فوقه.

ولعلّ القول بوجوب غسلها مطلقا ـ تبعا للمتن وغيره ـ لا يخلو عن قوّة بشرط أن يكون إطلاق اليد عليها لدى العرف على سبيل الحقيقة لا المسامحة العرفيّة لأجل الشباهة الصوريّة ، لإطلاق الآية.

ودعوى انصرافها إلى الأصليّة التي تقتضيها الخلقة المتعارفة ، قابلة للمنع ، إذ لا عبرة بالانصراف الخطوري الذي لا يوجب تصديق الذهن بإرادتها بالخصوص ، فالانصراف في مثله بدويّ منشؤه غلبة الوجود ، يرتفع بالتأمّل ، ولذا يتردّد الناظر في الآية الشريفة في حكمها ، ولا يجزم بعدم إرادة غسلها منها ، فالمرجع حينئذ أصالة الإطلاق حتى يعلم بالتقييد.

٣٣٧

وأمره عليه‌السلام بغسل اليدين ومسح الرّجلين لا يدلّ على الاختصاص ، لوروده مورد الغالب ، فلا يصلح لتقييد الآية.

فالقول بأنّه إذا اشتبهت بالأصليّة بحيث لم تتميّز بالأمارات التي ذكروها ـ مثل التساوي في البطش وغيره ـ أو أنّه إذا كان للزائدة مرفق ، (وجب غسلها) ، لإطلاق الآية ، بخلاف غير المشتبهة ، فإنّ الآية عنها منصرفة ، أو لم يكن لها مرفق ، لخروجها من موضوع الآية ، ضعيف ، لما عرفت من أنّ دعوى الانصراف بعد إطلاق اليد عليها عرفا على وجه الحقيقة مشكلة.

كما أنّ دعوى اختصاص موضوع الآية باليد التي لها مرفق ، فاسدة ، لأنّ التحديد بالغاية فيها منزّل على الغالب ، لا أنّ موضوع الوجوب هو غسل اليد التي لها مرفق ، ولذا لا يشكّ أحد في وجوب غسل اليد على من ليس ليده الأصليّة مرفق ، كما هو ظاهر.

فالقول بوجوب غسل ما يصدق عليه اليد حقيقة ولو لم تكن مشتبهة بالأصليّة لو لم يكن أقوى فلا شبهة في كونه أحوط.

ولو قلنا بعدم وجوب غسل اليد الزائدة مطلقا ـ لدعوى كون الإضافة في الآية للعهد لا الجنس ، بمعنى أنّ الآية منصرفة إلى إيجاب غسل الأيدي المعهودة المتعارفة لغالب الناس ـ فالظاهر أيضا وجوب غسل الزائدة لو اشتبهت بالأصليّة ، مقدّمة للقطع بفراغ الذمّة ، كما صرّح به غير واحد.

ولا يخفى عليك أنّ تسمية إحداهما زائدة في صورة الاشتباه إنّما

٣٣٨

هي بالمقايسة إلى النوع ، وإلّا فلو لم تكن نسبتهما إلى هذا الشخص على حدّ سواء ، لا يكاد يتحقّق الاشتباه.

وعلى هذا فيشكل القول بوجوب غسل الزائدة من باب المقدّمة ، لأنّا إمّا أن نلتزم بدلالة الآية على وجوب غسل طبيعة اليد الثابتة للمكلّف ، واحدة كانت أم أكثر ، فيجب غسل الجميع أصالة.

أو نقول بأنّ الآية لا تدلّ إلّا على وجوب غسل اليدين على كلّ مكلّف ، لكونها منزّلة على ما هو المعهود المتعارف ، فهذا الشخص مخيّر في تعيين إحداهما في مقام الامتثال ، لأنّ المفروض كونهما في عرض واحد من حيث الإضافة إلى هذا الشخص ، فلا يمكن الالتزام بكون إحداهما مقصودة بالخصوص من الآية.

أو نقول : إنّ هذا الشخص لكونه خارجا من المتعارف خارج من موضوع الآية ، فيستفاد حكمه من الإجماع وغيره ، ومن المعلوم أنّ غاية ما يمكن استفادته من الإجماع وغيره : وجوب غسل اليدين عليه ، فينفى وجوب الزائدة بأصل البراءة ، ولازمه التخيير في مقام الامتثال بحكم العقل بعد أن فرضنا أنّه لا مائز بين يديه ، وأنّ مجموعهما أصليّة بالإضافة إلى وجوده الشخصي ، فلاحظ وتأمّل.

(الفرض الرابع) من فروض الوضوء ، الثابتة بالكتاب والسنّة والإجماع : (مسح الرأس).

ولا يجب استيعابه بالمسح ، بل لا يجوز لو نوى به الشرعيّة ، (و) إنّما (الواجب منه) مسح بعضه سنّة وإجماعا ، بل ويدلّ عليه أيضا ظاهر

٣٣٩

الكتاب ولو بإعلام الإمام عليه‌السلام بدلالته في صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرّجلين؟ فضحك وقال : «يا زرارة قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونزل به الكتاب من الله عزوجل ، لأنّ الله عزوجل قال (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (١) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل ، ثم قال (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (٢) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه ، فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ، ثم فصل بين الكلام ، فقال : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) (٣) فعرفنا حين قال (بِرُؤُسِكُمْ) أنّ المسح ببعض الرأس ، لمكان الباء ، ثمّ وصل الرّجلين بالرأس ، كما وصل اليدين بالوجه ، فقال (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (٤) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما ، ثم فسّر ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للناس فضيّعوه» (٥).

وأقلّ ما يجزئ من مسح الرأس طولا وعرضا (ما يسمّى به ماسحا) وليس له حدّ معيّن ، بل المدار على صدق الاسم ، كما نسب (٦) إلى المشهور ، بل عن غير واحد نسبته إلى مذهب الأصحاب (٧) ، بل عن

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٤) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ٥٦ ـ ٢١٢ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٦) الناسب هو العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٢٠٧.

(٧) كما في جواهر الكلام ٢ : ١٧٠ نقلا عن كشف اللثام ١ : ٦٨ ، وانظر : التبيان ـ للشيخ الطوسي ـ ٣ : ٤٥١ ، ومجمع البيان ـ للطبرسي ـ ٣ : ١٦٤ ، والتنقيح الرائع ١ : ٨٢.

٣٤٠