مصباح الفقيه - ج ٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

فيحرم ، لقضاء مالا الضرورة بأنّ ما لا يجوز مسّه إلّا بطهور لا يجوز تلويثه بالنجس.

ثمّ إنّه نسب إلى المشهور (١) إلحاق اسم الأنبياء والأئمّة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ باسم الله في كراهة الاستنجاء باليد التي فيها الخاتم الذي فيه أسماؤهم. وهو حسن من حيث الاعتبار.

ولا ينافيه رواية أبان بن عثمان (٢) على ما ذكره الشيخ في توجيهها من إرادة نفي البأس عن استصحاب اسم «محمّد» من دون أن يستنجي ، والله العالم. (و) يكره (الكلام) حال التخلّي.

ففي رواية صفوان عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، أنّه قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط أو يكلّمه» (٣).

ورواية أبي بصير : «لا تتكلّم على الخلاء فإنّه من تكلّم على الخلاء لم تقض له حاجة» (٤).

والإنصاف أنّ استفادة كراهة ما عدا كلام الآدمييّن بحيث يعمّ الذكر والدعاء والقرآن ونحوها من هاتين الروايتين مشكلة لو لا المسامحة ، لأنّ الرواية الأولى موردها كلام الآدمييّن ، بل التكلّم مع الغير ، والثانية منصرفة

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٧٨.

(٢) تقدّمت رواية أبان وكذا توجيهها من الشيخ الطوسي في ص ١١٩.

(٣) التهذيب ١ : ٢٧ ـ ٦٩ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٤) علل الشرائع : ٢٨٣ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

١٢١

إليه.

اللهم إلّا أن يستظهر من الرواية الثانية ولو بمعونة فهم الأصحاب : العموم حيث أفتوا بكراهة الكلام مطلقا (إلّا بذكر الله تعالى وآية الكرسي) وحكاية الأذان وغيرها من الأشياء التي ورد فيها النصّ بالخصوص (أو) اضطرّ إلى التكلّم لأجل (حاجة يضرّ فوتها) لأدلّة نفي الحرج والضرر ، الحاكمة على العمومات المثبتة للتكليف.

وممّا يدلّ على عدم كراهة الذكر بل استحبابه : صحيحة أبي حمزة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «مكتوب في التوراة التي لم تغيّر أنّ موسى عليه‌السلام سأل ربّه ، فقال : إلهي إنّه يأتي عليّ مجالس أعزّك وأجلّك أن أذكرك فيها ، فقال : يا موسى إنّ ذكري حسن بن على كلّ حال» (١).

وبمضمونها أخبار أخر.

ولا يخفى عليك أنّ الذكر يعمّ التسبيح والتحميد ، بل مطلق المناجاة مع الله جلّ ذكره.

ويدلّ على استحباب التحميد بالخصوص بعد العطسة : رواية مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام ، قال : «كان أبي يقول : إذا عطس أحدكم على الخلاء فليحمد الله في نفسه» (٢).

ويدلّ على عدم كراهة قراءة آية الكرسي : رواية عمر بن يزيد ،

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٩٧ ـ ٨ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٢) قرب الإسناد : ٧٤ ـ ٢٣٩ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٩.

١٢٢

قال : سألت الصادق عليه‌السلام : عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن ، فقال :«لم يرخّص في الكنيف أكثر من آية الكرسي وآية : الحمد لله رب العالمين» (١).

وما في صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوّط ويقرأ القرآن؟ فقال : «يقرؤون ما شاؤوا» (٢) محمول على الجواز الغير المنافي للكراهة ، كما في حقّ الحائض والنفساء ، فلا تنافي الرواية.

ويدلّ على استحباب حكاية الأذان : صحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام «يا ابن مسلم لا تدعنّ ذكر الله تعالى على كلّ حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزوجل ، وقل كما يقول» (٣).

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذّن ، ولا تدع ذكر الله عزوجل في تلك الحال لأنّ ذكر الله حسن على كلّ حال» (٤).

وفي رواية سليمان ، قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : لأيّ علّة

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩ ـ ٥٧ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٧.

(٢) التهذيب ١ : ١٢٨ ـ ٣٤٨ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٨.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٧ ـ ٨٩٢ ، علل الشرائع : ٢٨٤ ـ ٢ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٤) علل الشرائع : ٢٨٤ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

١٢٣

يستحبّ للإنسان إذا سمع الأذان يقول كما يقول المؤذّن وإن كان على البول والغائط؟ فقال : «لأنّ ذلك يزيد الرزق» (١).

وظاهر الروايات بل كاد أن يكون صريحها : استحباب حكاية الأذان بجميع فصوله ، فما عن بعض من تبديل الحيّعلات بالحوقلات (٢) ممّا لم يعرف وجهه.

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ـ ٤ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

(٢) حكاه عنه الشهيد الثاني [في روض الجنان : ٢٧] الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٩.

١٢٤

الفصل (الثالث : في كيفية الوضوء)

(وفروضه خمسة) ولم يعدّ المصنّف ـ رحمه‌الله ـ الترتيب والموالاة ، كما في النافع (١) ، نظرا إلى كونهما كالمباشرة من شروط الفروض وكيفيّاتها ، وليس لهما وجود مستقلّ ممتاز عنها حتى يعدّا في عرضها فروضا مستقلّة.

(الأوّل) من الفروض : (النيّة) وهي إجمالا ممّا لا شبهة في وجوبها ، وتوقف صحّة الوضوء عليها ،ولكن تفصيل المقام وتحقيقه يحتاج إلى بسط الكلام في طيّ مراحل.

المرحلة الاولى : في أنّ النيّة واجبة في الوضوء ، بمعنى أنّ المكلّف لا يخرج عن عهدة التكليف به بمجرّد تحقّق أفعاله في الخارج كيفما اتّفق ، كالطهارة الخبثية ، بل لا بدّ في سقوط الأمر به من إتيانه بقصد امتثال الأمر المتعلّق به ، كما هو الشأن في جميع العبادات بالمعنى الأخصّ.

ويدلّ على وجوب النيّة فيه وكونه من العبادات التي يتوقّف

__________________

(١) المختصر النافع : ٥.

١٢٥

حصولها عليها : الإجماع بقسميه ، بل عليه ضرورة المذهب.

وما عن الإسكافي من الاستحباب (١) ، محمول على الصورة المخطرة ، أو شاذّ مطروح.

ويمكن الاستدلال له ـ مضافا إلى ذلك ـ بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إنّما الوضوء حدّ من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ، وأنّ المؤمن لا ينجّسه شي‌ء ، إنّما يكفيه مثل الدهن» (٢) فإنّها صريحة في أنّ المقصود به الإطاعة ، وهي لا تتحقّق إلّا مع القصد ، كما ستعرف.

وقد اشتهر الاستدلال على ذلك قبل الإجماع : بقوله تعالى «وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» (٣).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٤).

وقوله عليه‌السلام : «لا عمل إلّا بنيّة» (٥).

وهذه الأدلّة ـ على تقدير تماميّة الاستدلال بها ـ تدلّ على أنّ الأصل

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٧٩ ، وحكاه عنه الشهيد في الذكرى :٨٠.

(٢) الكافي ٣ : ٢١ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٣٨ ـ ٣٨٧ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٣) سورة البينة ٩٨ : ٥.

(٤) أمالي الطوسي ٢ : ٢٣١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ١٠ بتفاوت يسير.

(٥) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٣ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ٩.

١٢٦

والقاعدة في الواجبات كونها تعبّدية ، إلّا أن يدلّ دليل على خلاف ذلك ، فلنصرف عنان الكلام في تأسيس الأصل والقاعدة وإتقانه حتى نعوّل عليه في جميع أبواب الفقه.

وليعلم أنّ الكلام في وجوب النيّة في الوضوء وغيره من الواجبات يؤول إلى التكلّم في أنّ الواجب هل هو تعبّدي حتى يتوقّف سقوط الأمر به على إتيانه بعنوان الإطاعة ، أم توصّلي لم يتعلّق غرض الآمر في أمره إلّا بتحقّق ذات المأمور به في الخارج؟ فمتى وجدت في الخارج يسقط الأمر ، وأمّا بعد تسليم كونه تعبّديّا ، وأنّ المقصود إيجاده بعنوان الإطاعة لا مطلقا ، فلا وقع للتكلّم في اعتبار النيّة وعدمه ، إذ لا شبهة عقلا وعرفا في أنّ الإطاعة لا تتحقّق إلّا بإتيان المأمور به بداعي الأمر ، ضرورة أنّ الفعل لا يتّصف بكونه إطاعة للمولى إلّا إذا كانت الإطاعة مقصودة للفاعل ، فالتكلّم في وجوب النيّة بعد الفراغ عن كونه عبادة مستغنى عنه.

وبما ذكرنا ظهر ما في كلام صاحب الحدائق حيث قال : لا ريب في وجوب النيّة في الوضوء ، بل في جلّ العبادات.

والوجه فيه : أنّه لمّا كان الفعل من حيث هو ممكن الوقوع على أنحاء شتّى ، ولا يعقل انصرافه إلى شي‌ء منها إلّا بالقصد إلى ذلك الشي‌ء بخصوصه ، ولا يترتّب عليه أثر إلّا بذلك.

ثمّ أطنب بذكر بعض الأمثلة والشواهد والمؤيّدات الغير النقيّة عن النظر.

ومحصّل الجميع : أنّ الفعل لا يستند إلى الفاعل إلّا بالعناوين

١٢٧

المقصودة.

ثمّ قال : وبما ذكرنا ثبت ما ادّعيناه من ضروريّة النيّة في جميع الأعمال ، وعدم احتياجها إلى تكلّف واحتمال ، ووجوبها في جميع العبادات المترتّب صحّتها عليها ، فإنّما الأعمال كالأشباح ، والقصود لها كالأرواح.

هذا ، وجملة من أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ لمّا حكموا بوجوب النيّة ، وفسّروها بالمعنى الشرعي ، أشكل عليهم الاستدلال على الوجوب (١). انتهى.

توضيح ما فيه : أنّه إن أراد أنّ القصد له مدخلية في حصول العناوين المنتزعة من نفس الفعل من حيث هو ، المؤثّرة في تعلّق القصد بإيجاده ، كالتبريد والتسخين والغسل وغير ذلك من الأمثلة التي استشهد بها ، فهو واضح البطلان.

وإن أراد أنّ الفعل لا يستند إلى الفاعل المختار ـ بأن يكون فعلا اختياريّا له ـ إلّا بالعناوين المقصودة ، وإلّا فيوجد الفعل بجميع عناوينه قهرا بمجرّد حصوله في الخارج ، إلّا أنّه لا يقال : إنّ الفاعل فعله باختياره ، إلّا بالعنوان الذي قصده ، وبهذا العنوان تترتّب عليه آثاره المتوقّفة على الاختيار ، كاستحقاق المدح والثواب والذمّ والعقاب ، واتّصافه بالحسن والقبح من حيث كونه عملا للفاعل فهو حقّ صريح ، ولكنّه لا يجدي في

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢ : ١٧٠ ـ ١٧٣.

١٢٨

حلّ ما أشكل على الأصحاب الاستدلال عليه ، لأنّ الشأن أوّلا في إثبات أنّ كون الفعل بعنوانه الواقع في حيّز الطلب اختياريّا ـ الذي هو من شرائط الإطاعة ـ من مقوّمات المطلوب ، وأنّه لا يسقط الطلب إلّا بحصوله عن قصد وإرادة ، فإنّا لا نرى فرقا بين أن يقول الشارع «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ» (١) إلى آخره ، أو يقول : اغسلوا أثوابكم من أبوال ما لا يؤكل لحمه ، فإثبات أنّ الأوّل لا يسقط طلبه إلّا مع القصد دون الثاني يحتاج إلى إقامة برهان زائد على هذه العبارة المشتركة بين التكليفين.

وثانيا : أنّ هذا المقدار من القصد الموجب لصيرورة الفعل بعنوانه الواقع في حيّز الطلب اختياريّا لا يكفي في وقوعه عبادة ، كما ستعرف.

وإن أراد أنّ الفعل لا يستند حقيقة إلى الفاعل إلّا بعنوانه المقصود ، فالغسل لا يضاف حقيقة إلى الفاعل إلّا إذا قصده ، فيدلّ على وجوبه نفس الخطاب الدالّ على وجوب الغسل عليه ، لكن علم من الخارج سقوط الطلب في التوصّليّات بمجرّد حصول المتعلّق وإن لم يستند إلى الفاعل ، فهو الفارق بين المقامين ، ففيه ـ بعد التسليم ـ : أنّ قصد إيجاد الفعل بعنوانه الذي تعلّق به الطلب ، بل ولو بعنوان كونه مطلوبا مع قصور اللفظ عن إيجاب إيجاده بهذا العنوان ـ كما ستعرف في محلّه إن شاء الله ـ غير قصد القربة والإطاعة المعتبر في ماهيّة العبادات ، فقصد إيجاد الفعل بعنوان كونه غسلا مثلا ، أو كونه هو الغسل الواجب لغرض من الأغراض غير

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٦.

١٢٩

داعي القربة والامتثال يجعله فعلا اختياريّا صادرا عن المكلّف بعنوانه المقصود ، لكنّه لا يصحّح وقوعه عبادة ما لم يقصد بفعله الامتثال والتقرّب ، فالنيّة المبحوث عنها في باب الوضوء ونحوه هي هذه النيّة المعتبرة في العبادات ، لا النيّة الموجبة لصيرورة الفعل فعلا اختياريّا مستندا إلى المكلّف ، وما أفاده ـ قدس‌سره ـ بمعزل عن إثباته.

نعم ، لو دلّ دليل على أنّه يشترط في صحّة المأمور به حصوله في الخارج بعنوان كونه إطاعة ، اتّجه حينئذ الاستدلال لاعتبار قصد العنوان : بما ذكره ، لكنّك عرفت أنّه على هذا التقدير لا حاجة إلى تجشّم الاستدلال له بالمقدّمات البعيدة بعد شهادة العرف والعقل بكون القصد من مقوّمات مفهوم الإطاعة ، وأنّها عبارة أخرى عن إيجاد الشي‌ء بقصد الامتثال.

وكيف كان فلنشرع فيما نحن بصدده ، فنقول : إذا تعلّق أمر الشارع بفعل شي‌ء ، فهل الأصل والقاعدة الأوّلية أو الثانويّة التعبّدية يقتضي اشتراط إتيان المأمور به بعنوان الإطاعة في سقوط الأمر ، أم يقتضي سقوطه بمجرّد إيجاد المأمور به في الخارج ولو لم يكن بداعي امتثال الأمر؟ وجهان ، بل قولان ، ما يمكن أن يستدلّ به للأوّل : أمور.

الأوّل : أنّ المتبادر من أمر المولى عبده بشي‌ء إيجاب إيجاده لأجل أنّه أمره ، فحصول الإجزاء بمجرّد تحقّقه في الخارج لا بداعي الأمر خلاف ظاهر الأمر.

وفيه : أنّ دعوى استفادته من مدلول الخطاب فاسدة جدّا.

١٣٠

أمّا أوّلا : فلأنّ المادّة في الطلبات موضوعة لمعانيها الواقعيّة ، والطلب إنّما تعلّق بإيجادها بعناوينها المخصوصة بها الواقعة في حيّز الطلب ، وأمّا كونها بعنوان الإطاعة والامتثال فهو تقييد آخر في الواجب لا يستفاد من المادّة ولا من الهيئة ، فكيف يصحّ استناده إلى ظاهر الدليل!؟

وثانيا : أنّ الاستفادة من نفس ذلك الخطاب غير معقولة ، لأنّ مرتبة الإطاعة متأخّرة عن الطلب المتأخّر رتبة عن موضوعه ، فلا يعقل أخذها قيدا للكلام ، فضلا عن اعتبارها عنوانا للموضوع ، فلو فرض اعتبارها في الواجب ، فلا بدّ من أن يكون بدليل آخر.

وبما ذكرنا ظهر ما في عكس هذا التوهّم ، وهو : الاستدلال بإطلاق الكلام لنفي اعتبار قصد الإطاعة ، وإثبات أنّ الأصل في الواجب كونه توصّليّا.

توضيح ما فيه : أنّ الاستدلال بإطلاق الكلام فرع صلاحيّته للتقييد حتى يكون ترك القيد دليلا على عدم إرادته ، وقد عرفت امتناع أخذه قيدا في الخطاب ، فلا يصحّ التمسّك بالإطلاق.

الأمر الثاني : حكم العقل بوجوب إطاعة الواجبات ، وهي عبارة عن إتيان المأمور به بقصد الامتثال.

وفيه : أنّ حكم العقل بوجوب إطاعة الواجبات ، وهي عبارة عن إتيان المأمور به بقصد الامتثال.

وفيه : أنّ حكم العقل بوجوب الإطاعة فرع بقاء الوجوب ، وعدم سقوط الأمر بحصول ذات الواجب في الخارج ، وهذا مبني على كون الإطاعة من حيث هي مقصودة للآمر في أوامره ، وكونها بهذه الصفة ممّا

١٣١

لا يدركه العقل ، وإنّما يحكم بوجوبها توصّلا إلى إسقاط التكليف بإيجاد المكلّف به على نحو تعلّق به غرض الآمر ، ولذا لو علم بحصول غرضه في الخارج ولو من غير هذا الشخص كما في التوصّليّات ، لا يحكم بوجوب الإطاعة ، لا لكونه تخصيصا في الحكم العقلي ، أعني وجوب الإطاعة بغير التوصّليّات ، بل لكونه حكم العقل بالوجوب مقدّميّا ، فيرتفع عند حصول ذي المقدّمة ، والمفروض عدم دلالة الخطاب على وجوب ما عدا المادّة ، وعدم نهوض دليل آخر على اعتبار عنوان الإطاعة في قوام ماهيّة الواجب الواقعي الذي تعلّق غرض الآمر بتحقّقه في الخارج ، على ما سيتّضح تصويره في الواجبات التعبّديّة ، فالأصل عدم وجوبه ، واعتباره في ماهيّة الواجب.

ولا نعني بالأصل أصالة الإطلاق حتى يتوجّه علينا فساده في حدّ ذاته أوّلا ، كما عرفت ، وفرض إهمال الدليل ثانيا ، بل المقصود أصالة براءة الذمّة عن وجوب إتيان الواجب بهذا ، العنوان ، كغيره من الشرائط والأجزاء التي يشكّ في اعتبارها في الواجب ، لأنّ المناط في جريان أصل البراءة هو : الشكّ في إيجاب الشارع أمرا يكون بيانه وظيفة له ، سواء كان الواجب نفسيّا أو غيريّا ، على ما تقرّر في محلّه ، وهذا المناط محقّق فيما نحن فيه ، لأنّ تعلّق غرض الآمر في أوامره بامتثال الأوامر ـ على نحو تكون الإطاعة والامتثال فيها مقصودة بالذات ، لا لأجل الوصلة إلى تحصيل الغرض ـ أمر لا طريق لنا إليه إلّا من قبله ، فالعقاب عليه من دون بيان غرضه قبيح.

١٣٢

ولا ينافي هذا ما ذكرنا سابقا من عدم إمكان أخذه قيدا في الخطاب الذي دلّ على وجوب المأمور به ، إذ لا تنافي بين الأمرين ، فعليه بيان مقصوده من أمره بخطاب آخر ، كما هو الشأن في جميع الواجبات التعبّديّة التي استكشفنا شرطيّة الإطاعة فيها في حصول الغرض من دليل مستقلّ ، كالإجماع والضرورة.

توضيح المقام : أنّه إذا أمر المولى عبده بشراء اللحم ، فربما يتعلّق غرضه بتحصيل اللحم وإحضاره عنده ليصرفه في حوائجه ، وربما يقصد بذلك إطاعة العبد إمّا تمرينا أو لأغراض أخر ممّا في نفس المولى ، فإن كان من هذا القبيل ، يجب عليه إعلامه حتى لا يقتصر في رفع اليد عن الأوامر بحصول متعلّقاتها في الخارج ولو من دون قصد الإطاعة ، وإلّا فيقبح عقابه لو اقتصر في رفع اليد عنها بذلك ، معتذرا بجهله بالمقصود.

والحاصل : أنّه كما يقبح العقاب على التكاليف إلّا بعد بيانها ، كذلك يقبح العقاب على تفويت الغرض الباعث على التكليف لو كانت معرفته محتاجة إلى بيان زائد مغاير لبيان أصل التكاليف.

وتوهّم : عدم الحاجة إلى بيان زائد فيما نحن فيه بعد استقلال العقل بوجوب الإطاعة ، مدفوع : بما عرفت من أنّ حكم العقل بوجوب الإطاعة للتوصّل إلى حصول ذات الأمور به ، الموجب لارتفاع الطلب وسقوط التكليف ، فلا يعقل بقاؤه بعد حصول الواجب في الخارج ، بل ولا مع الشكّ فيه ما لم يكن أصل موضوعي يحرز به بقاء الأمر ، إذ لا يعقل أن يحكم العقل بوجوب إيجاد شي‌ء بقصد الامتثال ما لم يحرز كونه بالفعل مأمورا به.

١٣٣

إن قلت : لا يجوز رفع اليد عن الإطاعة التي استقلّ العقل بوجوبها بمجرّد احتمال سقوط الأمر وحصول الغرض ، بل لا بدّ من القطع بالفراغ ، لقاعدة الشغل ، فما نحن فيه من قبيل الشبهات المصداقية التي يجب فيها الاحتياط.

قلت : إن أريد بذلك إعمال القاعدة بالنسبة إلى وجوب الإطاعة ، الذي هو حكم عقلي ، فقد عرفت أنّ بقاءه على تقدير حصول المأمور به بل ومع الشكّ فيه الموجب للشكّ في بقاء الطلب غير معقول ما لم يحرز موضوعه ولو بالأصل.

وإن أريد إعمالها في متعلّقه بدعوى : أنّه متى ثبت تعلّق التكليف بشي‌ء ، لا يجوز رفع اليد عنه ما لم يحصل القطع بحصول المكلّف به على نحو تعلّق به غرض الآمر ، لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة ، ففيه : أنّه لا شكّ ولا شبهة في سقوط التكليف وارتفاع الطلب على تقدير انحصار غرضه من أوامره فيما يكون بيانه وافيا ببيانه.

واحتمال تعلّق غرضه بأمر يقصر عن إفادته ما بيّنه من التكاليف المستلزم لبقاء الأمر ، مدفوع بالأصل.

إن قلت : مقتضى الأصل : بقاء التكليف ، وعدم سقوط الطلب بمجرّد حصول متعلّقه في الخارج كيفما اتّفق ، فاستصحاب التكليف حاكم على قاعدة البراءة.

قلت : الشكّ في بقاء التكليف مسبّب عن الشكّ في تعلّق الطلب النفس الأمري والتكليف الواقعي بما يقصر عن إفادته الخطاب الشرعي ،

١٣٤

وهو منفي بالأصل والقاعدة ، فلا يبقى معهما مجال لاستصحاب التكليف ، كما لا يخفى على المتأمّل.

ثمّ إنّ في المقام توهّمات أخر مقتضية لوجوب الاحتياط ، وكون الأصل في الواجبات التعبّدية ، كلزوم تحصيل القطع بحصول غرض المولى إمّا لكون الغرض عنوانا في الواجبات ، أو لكون القطع بحصوله من وجوه الإطاعة ، وسيأتي بعض الكلام فيه وفي غيره من التوهّمات التي لا اختصاص لها بالمقام ، بل لو تمّت ، لعمّت الأجزاء والشرائط المشكوكة مطلقا ، وتمام الكلام فيها موكول إلى محلّه ، والمقصد الأهمّ في المقام إثبات عدم الفرق بين هذا الشرط وبين غيره من الشرائط المعتبرة في الواجبات التي يرجع فيها مع الشكّ إلى البراءة ، كما تقرّر في محلّه ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح في الفروع الآتية إن شاء الله.

الأمر الثالث ممّا يستدلّ به للقول بأنّ الأصل في الواجبات التعبّديّة : الأدلّة السمعية من الكتاب والسنّة : مثل قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (١) وقوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٣).

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٥٤.

(٢) سورة البيّنة ٩٨ : ٥.

(٣) أمالي الطوسي ٢ : ٢٣١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ١٠ بتفاوت يسير.

١٣٥

وقوله عليه‌السلام «لا عمل إلّا بنيّة» (١).

ويرد على الجميع إجمالا : أنّه لو كان مفادها كما تخيّله المستدلّ ، للزوم فيها تخصيص الأكثر المستهجن ، لأنّ الواجبات التوصّليّة في الشرعيّات أكثر من التعبّديّات بمراتب ، مع أنّ سياقها يأبى عن التخصيص.

وتفصيل الجواب :

أمّا عن آية الإطاعة : فبأنّها مسوقة للإرشاد إلى ما يستقلّ به العقل ، وليس الطلب فيها مولويّا حتى يصلح لتقييد الواجبات الواقعيّة بالإطاعة ، لأنّ الطلب المولويّ إنّما يتعلّق بالموارد القابلة لأن يتعلّق بها تكليف شرعي ، والإطاعة ليست منها ، لأنّه متى أوجب الشارع شيئا ، فقد وجبت إطاعته قهرا بحكم العقل ، وإلّا لم تجب إطاعته في الأمر بالإطاعة أيضا ، كأمره بنفس ذلك الشي‌ء ، وليس له الترخيص في ترك إطاعة أمره بذلك الشي‌ء مع بقاء ذلك الشي‌ء على وجوبه ، لرجوعه إلى التناقض ، فوجوب الإطاعة وحرمة المعصية كطريقيّة العلم وزوجيّة الأربعة وغيرها من لوازم الماهيّات لا يتعلّق بها جعل مستقلّ ، وإنّما تنجعل بنفسها بجعل متعلّقاتها ، فليس أمره بالإطاعة إلّا تأكيدا لما كان العقل حاكما به لو لا هذا الأمر ، وقد عرفت أنّ حكم العقل بوجوب الإطاعة لا يكفي في إفادة كون النيّة شرطا في الواجبات.

هذا ، ولكن لقائل أن يقول : إنّ هذا فيما إذا لم يقصد من الأمر

__________________

(١) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٣ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ٩.

١٣٦

بالإطاعة إلّا البعث والتحريك على الخروج من عهدة تلك الأوامر على حسب ما كان العقل حاكما بوجوبه ، وأمّا لو أريد به الوجوب الغيري وبيان كون المقصود بتلك الأوامر إيجاد متعلّقاتها بعنوان الإطاعة ، كما هو مقصود المستدلّ ، فليس وجوبها إلّا شرعيّا مولويّا ، كما تقدّمت الإشارة إليه في صدر المبحث.

بل وكذا لو أريد إثبات وجوبها لذاتها لا لكونها وصلة إلى حصول المأمور به بأن تكون نفس الإطاعة من حيث هي محبوبة للمولى ، ومتعلّق أوامره أيضا كذلك ، فيجب حينئذ على المكلّف مهما أمكن حفظ أوامر المولى عن السقوط بلا حصول عنوان الإطاعة مقدمّة لامتثال الأمر بالإطاعة ، فلو قصّر في ذلك إلى أن تحقّق ذات المأمور به ، استحقّ المؤاخذة بمخالفة الأمر بالإطاعة دون الأمر المتعلّق بذات الشي‌ء الذي سقط بحصول متعلّقه.

فالأولى في الجواب عن الآية ، هو : ما أشرنا إليه من أنّ المتبادر منها كونها إرشادا إلى ما يستقلّ به العقل ، نظير قول الوعّاظ : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول.

ولو سلم ظهورها في الطلب المولوي ، فالمتبادر منها هو المعنى الثاني ، أي : كونها مطلوبة بالذات لا بالغير ، فإنّ الأصل في الواجبات كونها نفسيّة لا غيريّة ، وهو خلاف مقصد المستدلّ.

وأمّا قوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

١٣٧

حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (١) فهي ظاهرة في إرادة التوحيد ، ونفي الشرك ، كما تشهد به كلمات جماعة من المفسّرين على ما حكاه عنهم شيخنا المرتضى (٢) رحمه‌الله.

ويؤيّده : كون الآية مسوقة في عداد الآيات المسوقة لبيان أحوال الكفّار والمشركين ، فالمراد بالعبادة في الآية ـ ككثير من الموارد التي تعلّق الأمر بها ـ هو الاعتراف والتديّن بالعبوديّة لله بلا شريك ، فاللام إمّا بمعنى الباء ، كما في قوله تعالى (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٣) كما يشهد لذلك عطف إقامة الصلاة وإتيان الزكاة ، فإنّ المنساق إلى الذهن إرادة تعلّق الأمر بهما ، لا كونهما غايتين لسائر الأوامر ، فيكون الحصر إضافيّا ، كما في قوله تعالى (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ) (٤) أو أنّها للغاية.

ولكنّها أجنبيّة عمّا أراده المستدلّ ، ولو سلّم ظهورها في إرادة العبادة بالمعنى المصطلح ، التي هي أثر التديّن بالعبوديّة ، وكونها بهذا المعنى غاية لجميع الأوامر ، كما أراده المستدلّ ، فهو أيضا لا يجديه في إثبات مطلبه ، لأنّ جعل العبادة بهذا المعنى غاية لجميع الأوامر لا يدلّ على أنّ الغرض تعلّق في الجميع بإيجادها بداعي الأمر ، لصدق القضيّة على الواجبات التوصّليّة التي وجبت مقدّمة للعبادة.

__________________

(١) سورة البيّنة ٩٨ : ٥.

(٢) كتاب الطهارة : ٧٩.

(٣) سورة الأنعام ٦ : ٧١.

(٤) سورة الرعد ١٣ : ٣٦.

١٣٨

هذا ، مع أنّ يكون العبادة عن إخلاص غاية للأمر ـ كما هو مفاد الآية ـ غير كونها شرطا لصحّة المأمور به ، كما هو المدّعى.

اللهم إلّا أن يقال : إنّ قصر الغرض على ذلك ـ كما هو ظاهر الآية ـ يستلزم الاشتراط ، لأنّه إذا لم يكن المقصود بالطلب إلّا إيجاد المطلوب بوجه خاصّ ، يكون إيجاده لا بهذا الوجه مخالفا للمأمور به الواقعي الذي تعلّق به الغرض من الأمر ، فلا يصحّ.

وأمّا الأخبار ففيها : أنّه يتعذّر تطبيقها على ما أراده المستدلّ ، فضلا عن ظهورها فيه.

قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله : وأمّا الأخبار فحملها على ظاهرها ممتنع ، وعلى نفي الصحّة ـ بمعنى ترتّب الأثر ـ موجب للتخصيص الملحق للكلام بالهذل ، إلّا أن يراد من النيّة مطلق قصد الفعل ، فيراد من الروايات أنّ الفعل الغير المقصود لا يعدّ من أعمال الفاعل ، لأنّه صادر من غير قصده وإرادته ، فإنّ من أكرم رجلا لا بقصد أنّه «زيد» لم يكن إكرام «زيد» بهذا العنوان من أفعاله الاختيارية ، فالعمل عمل من حيث العنوان المقصود دون غيره من العناوين الغير المقصودة.

لكن هذا المقدار لا ينفع فيما نحن فيه ، لأنّا نطالب بدليل وجوب كون الوضوء بعنوانه الخاصّ عملا اختياريّا للمكلّف ، لم لا يكتفى ـ كغسل الثوب ـ بحصوله من المكلّف ولو من دون قصد لعنوانه؟ بأن يقصد الفعل لعنوان آخر ، فيتبعه حصول هذا العنوان من دون قصد ، فدعوى : بقاء هذه الأخبار على ظواهرها من إرادة الحقيقة والتمسّك بها

١٣٩

لما نحن فيه خطأ فاحش ، مع أنّ إرادة ظاهرها يشبه الإخبار عن الواضحات ، مع أنّ في بعض تلك الروايات ما يمنع عن ذلك ، مثل : قوله عليه‌السلام :«لا قول إلّا بعمل ، ولا عمل إلّا بنيّة ، ولا نيّة إلّا بإصابة السنّة» (١).

وفي آخر : «لا قول ولا عمل ولا نيّة إلّا بإصابة السنّة» (٢).

فالأظهر في هذه الأخبار حمل النبويّين منها على إرادة نفي الجزاء على الأعمال إلّا بحسب النيّة ، فالعمل لا يكون عملا للعبد يكتب له أو عليه إلّا بحسب نيّته ، فإذا لم تكن له نيّة فيه ، لم يكتب أصلا ، وإذا نوى ، كتب على حسب ما نواه حسنا أو سيّئا.

وأمّا قوله عليه‌السلام : «لا عمل إلّا بنيّة» فالظاهر منه إرادة العمل الصالح ، وهي العبادة المنبعثة عن اعتقاد النفع فيه (٣). انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول : الظاهر أنّ مراده ـ رحمه‌الله ـ من العنوان الخاصّ هو العنوان الذي وقع في حيّز الأمر من حيث كونه مأمورا به ، وإلّا فقد عرفت فيما سبق أنّ إقامة البرهان على إرادة كون الغسل مثلا بعنوان كونه غسلا اختياريّا أيضا لا ينفع المستدلّ في إثبات مدّعاه ، فليتأمّل.

المرحلة الثانية : في بيان ماهيّة النيّة.

(وهي) لغة وعرفا بل وشرعا : إرادة الشي‌ء والعزم عليه والقصد إليه.

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣١ ـ ٤ (الجزء الأوّل) وبحار الأنوار ١ : ٢٦١ ـ ٢٦٢.

(٢) الكافي ١ : ٧٠ ـ ٩ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ٢.

(٣) كتاب الطهارة : ٨٠.

١٤٠