مصباح الفقيه - ج ٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

«إنّهما لا يطهّران» (١).

وحيث لا يكون مثل هذه الروايات حجّة عندنا ، لا يهمّنا التعرّض لتنقيح مفاده وتحقيق ما يقتضيه الجمع بينه وبين غيره من الأخبار ، فالأقوى ما عرفت ، والله العالم.

(الثالث : في سنن الخلوة ، وهي مندوبات ومكروهات ،) (فالمندوبات) أمور :

منها : التستّر عن الناس بالبعد منهم أو الدخول في بيت ونحوه ، كما عرفته فيما سبق (٢).

ومنها : ارتياد موضع مناسب للبول ، فإنّه من فقه الرجل ، كما في رواية السكوني (٣) ومرسلة سليمان الجعفري (٤).

وفي خبر ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشدّ الناس توقّيا عن البول ، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهة أن ينضح عليه البول» (٥).

__________________

(١) سنن الدار قطني ١ : ٥٦ ـ ٩.

(٢) سبق في ص ٥٠.

(٣) الكافي ٣ : ١٥ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ١ : ٣٣ ـ ٨٦ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب أحكام الخلوة الحديث ٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٦ ـ ٣٦ ، التهذيب ١ : ٣٣ ـ ٨٧ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

١٠١

ومنها : (تغطية الرأس) اتّفاقا ، كما عن المعتبر والذكرى وغيرهما (١) ، لما روي عن المفيد في المقنعة أنّه قال : إنّ تغطية الرأس إن كان مكشوفا عند التخلّي سنّة من سنن المرسلين (٢).

ويظهر من غير واحد من الأخبار : استحباب التقنّع ، وهو بحسب الظاهر أخصّ من التغطية.

ولا منافاة بينهما ، لاحتمال استحبابهما معا. ويحتمل كونهما من قبيل تعدّد المطلوب ، بأن يكون الثاني أفضل فردي المستحب.

وكيف كان ، ففي مرسلة علي بن أسباط عمّن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه كان يعمله إذا دخل الكنيف يقنّع رأسه ، ويقول سرّا في نفسه : «بسم الله وبالله» (٣) الحديث.

وعن المجالس في رواية أبي ذر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيّته له ، قال : «يا أبا ذر استحي من الله فإنّي والذي نفسي بيده لأظلّ حين أذهب إلى الغائط متقنّعا بثوبي استحياء من الملكين اللذين معي» (٤). (و) منها : (التسمية) عند الدخول ، كما يدلّ عليه خبر علي بن

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٧٦ ، وحكاه عن المعتبر ١ : ١٣٣ ، والذكرى : ٢٠ صاحب الجواهر فيها ٢ : ٥٥.

(٢) حكاه عنه الحرّ العاملي في الوسائل ، الباب ٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١ ، وانظر : المقنعة : ٣٩.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤ ـ ٦٢ ، والفقيه ١ : ١٧ ـ ٤١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٤) أمالي الطوسي ٢ : ١٤٧ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

١٠٢

أسباط وغيره.

ويستحب الاستعاذة بعدها بالمأثور ، وكذا التسمية عند الخروج.

ففي صحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :«إذا دخلت المخرج ، فقل : بسم الله ، اللهم إنّي أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم ، فإذا خرجت ، فقل : بسم الله ، الحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث ، وأماط عنّي الأذى» (١).

وفي مرفوعة سعد بن عبد الله إلى الصادق عليه‌السلام : «من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلاء : بسم الله وبالله ، أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» (٢). (و) منها : (تقديم الرّجل اليسرى عند الدخول) واليمنى عند الخروج ، كما نصّ عليه جماعة ، بل في المدارك : أنّه مشهور بين الأصحاب (٣) ، بل عن الغنية : الإجماع عليه (٤) ، وكفى به دليلا لإثبات الحكم الاستحبابي بناء على جواز المسامحة في دليله ، كما هو المختار. (و) منها : (الاستبراء) من البول على المشهور ، بل في الجواهر :لا خلاف فيه بين المتأخّرين (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥ ـ ٦٣ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٧ ـ ٤٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٨.

(٣) مدارك الأحكام ١ : ١٧٤.

(٤) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٢ : ٥٧ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) :٤٨٧.

(٥) جواهر الكلام ٢ : ٥٨.

١٠٣

وعن ظاهر الغنية والوسيلة والاستبصار : الوجوب (١).

وهو ضعيف ، لعدم الدليل عليه ، بل ليس في شي‌ء من أخبار الاستبراء ما يشعر بوجوبه ، فضلا عن الدلالة ، فإنّها مسوقة لبيان ما هو الأصلح بحال السائل بحيث لا يبالي بالبلل الخارج بعد الاستبراء عقيب البول ، بل لو لا فتوى الأصحاب باستحبابه ، لأمكن المناقشة فيه أيضا لو لا استحباب الاحتياط والتورّع في الدين.

وممّا يدلّ على عدم وجوبه ـ مضافا إلى الأصل ـ : خلوّ أخبار الاستنجاء عن التعرّض لذكره ، بل ينفي وجوبه إطلاق الأمر بصبّ الماء في صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا انقطعت درّة البول فصبّ الماء» (٢).

وأمّا كيفية الاستبراء : ففيها خلاف ، وسيأتي تفصيلها إن شاء الله عند تعرّض المصنّف ـ رحمه‌الله ـ لذكرها في باب الجنابة.

والظاهر اختصاص الاستبراء بالرجل ، لفقد موضوعه الذي يستفاد من الأخبار بالنسبة إلى المرأة.

وقيل : بثبوته للأنثى ، وأنّها تستبرئ عرضا (٣).

__________________

(١) حكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥١ ، وصاحب الجواهر فيها ٢ : ٥٨ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٦ ـ ٧٧ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٨٧ ، والوسيلة : ٤٧ ، والاستبصار ١ : ٤٨ عنوان الباب ٢٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٧ ـ ٨ ، التهذيب ١ : ٣٥٦ ـ ١٠٦٥ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٣) كما في الحدائق الناضرة ٢ : ٥٨ ، وانظر : روض الجنان : ٢٥ ، وذخيرة المعاد : ٢١.

١٠٤

وعن المنتهى : أنّ الرجل والمرأة سواء (١) ، والله العالم.

ومنها : أن لا ينقطع الاستجمار إلّا على وتر ، لرواية عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جدّه عن علي عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء» (٢). (و) منها : (الدعاء) بالمأثور (عند الاستنجاء).

ففي رواية عبد الرحمن بن كثير في حكاية وضوء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : ثم استنجى وقال : «اللهمّ حصّن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرّمني على النار» (٣). (وعند الفراغ) بما رواه أبو بصير عن أحدهما عليه‌السلام : «إذا فرغت فقل : الحمد لله الذي عافاني من البلاء وأماط عنّي الأذى» (٤).

ومنها : البدأة في الاستنجاء بالمقعدة ، لموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بالماء يبدأ بالمقعدة أو بالإحليل؟ قال : «بالمقعدة ثم بالإحليل» (٥).

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة : ٢ : ٥٨ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٢.

(٢) التهذيب ١ : ٤٥ ـ ١٢٦ ، الإستبصار ١ : ٥٢ ـ ١٤٨ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٧٠ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦ ـ ٨٤ ، التهذيب ١ : ٥٣ ـ ١٥٣ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥١ ـ ١٠٣٨ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٥) الكافي ١٧٣ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٢٩ ـ ٧٦ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

١٠٥

(و) منها : (تقديم) الرّجل (اليمنى عند الخروج) كما عرفت وجهه ، مع ما فيه من المسامحة. (و) منها : (الدعاء بعده) بما رواه ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن آبائه عن علي عليه‌السلام ، أنّه «كان إذا خرج من الخلاء قال : الحمد الله الذي رزقني لذّته وأبقى قوّته في جسدي وأخرج عنّي أذاه ، يا لها [من] (١) نعمة يقوله ثلاثا» (٢).

وأرسل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه إذا دخل الخلاء يقول : «الحمد لله الحافظ المؤدّي» وإذا خرج مسح بطنه وقال : «الحمد الله الذي أخرج عنّي أذاه وأبقى قوّته ، فيا لها من نعمة لا يقدر القادرون قدرها» (٣).

ويستحب لمن دخل الخلاء تذكّر ما يوجب الاعتبار والتواضع والزهد وترك الحرام.

ففي مرسلة الصدوق : كان علي عليه‌السلام يقول : «ما من عبد إلّا وبه ملك موكّل يلوي عنقه حتى ينظر إلى حدثه ، ثم يقول له الملك : يا ابن آدم هذا رزقك فانظر من أين أخذته وإلى ما صار ، فينبغي للعبد عند ذلك أن يقول : اللهم ارزقني الحلال ، وجنّبني الحرام» (٤).

وفي رواية السكوني عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليه‌السلام قال : سألته

__________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ٢٩ ـ ٧٧ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٧ ـ ٤٠ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٦ ـ ٣٨ ، الوسائل الباب ١٨ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

١٠٦

عن الغائط ، فقال : «تصغير لابن آدم لكي لا يتكبّر وهو يحمل غائطه معه» (١).

ورواية العيص ، قال : شهدت أبا عبد الله عليه‌السلام وسأله عمرو بن عبيد ، فقال : ما بال الرجل إذا أراد أن يقضي حاجته إنّما ينظر إلى سفله وما يخرج من ثمّ؟ فقال عليه‌السلام : «إنّه ليس أحد يريد ذلك إلّا وكل الله عزوجل ملكا يأخذ بعنقه ليريه ما يخرج منه إحلال أو حرام» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

(و) أمّا (المكروهات) فهي أيضا أمور :

منها : (الجلوس في الشوارع) جمع شارع ، وهو : الطريق الأعظم كما في المجمع (٣) ومحكي الصحاح (٤) (والمشارع) وهو مورد الماء ، كشطوط الأنهار (وتحت الأشجار المثمرة) للنهي عنها في جملة من الأخبار.

منها : صحيحة عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رجل لعلي بن الحسين عليه‌السلام : أين يتوضّأ الغرباء؟ قال : تتّقي شطوط الأنهار والطرق النافذة وتحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن ، فقيل له :

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٧٥ ، الباب ١٨٣ ، الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٢) علل الشرائع : ٢٧٥ ، الباب ١٨٤ ، الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

(٣) مجمع البحرين ٤ : ٣٥٢ «شرع».

(٤) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ١٧٦ ، وانظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٦ «شرع».

١٠٧

أين مواضع اللعن؟ قال : أبواب الدور» (١).

(و) الظاهر أنّ (مواطن النزّال) وشفير بئر الماء والتخلّي على القبر أو بين القبور (و) نحوها من (مواضع اللّعن) المنصوص عليه في الصحيحة ، وقوله عليه‌السلام : «أبواب الدور» من باب المثال.

وكيف كان ، فيدلّ على كراهة الجلوس في جميع هذه الموارد :وقوع التصريح بها في جملة من الأخبار :ففي مرفوعة علي بن إبراهيم ، قال : خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله عليه‌السلام وأبو الحسن موسى عليه‌السلام قائم وهو غلام ، فقال له أبو حنيفة :يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال : «اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزّال ، ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول ، وارفع ثوبك وضع حيث شئت» (٢).

وفي رواية السكوني عن أبي جعفر عليه‌السلام عن آبائه عليه‌السلام ، قال :«نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتغوّط على شفير بئر ماء يستعذب منها أو نهر يستعذب أو تحت شجرة فيها ثمرتها» (٣).

وفي رواية الاحتجاج عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام أنّ أبا حنيفة قال

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥ ـ ٢ ، الفقيه ١ : ١٨ ـ ٤٤ ، التهذيب ١ : ٣٠ ـ ٧٨ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٦ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠ ـ ٧٩ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٣٥٣ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

١٠٨

له وهو صبي : يا غلام أين يضع الغريب في بلدتكم هذه؟ قال : «يتوارى خلف الجدار ، ويتوقّى أعين الجار وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، فحينئذ يضع حيث يشاء» (١).

وفي وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام ، قال : «وكره البول على شط نهر جار ، وكره أن يحدث إنسان تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت ، وكره أن يحدث الرجل وهو قائم» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

وظاهر غير واحد منها : اختصاص كراهة البول تحت الشجرة بما إذا كانت الثمرة فيها بالفعل.

ولعلّ وجه الاختصاص في هذه الأخبار : كون الكراهة حينئذ أشدّ ، فلا تنافي كراهته مطلقا ، كما هو مقتضى إطلاق بعض النصوص والفتاوي.

وظاهر النواهي الواردة في هذه الأخبار : حرمة التخلّي في هذه المواضع ، ولكنّه يتعيّن صرفها بقرينة الشهرة ونقل الإجماع ، مضافا إلى ما فيها من الإشعار بكونها مسوقة لبيان الآداب والسنن لا العزائم ، بل لعلّه هو المتبادر إلى الذهن من صحيحة عاصم ، كما يؤيّده التعبير في بعضها بلفظ «الكراهة».

ويؤيّده أيضا : خلوّ مرفوعة علي بن إبراهيم ورواية الاحتجاج عن جملة من الأمور التي تعلّق بها النهي في سائر الأخبار.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٣٨٨ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٧.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٥٨ ـ ٨٢٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٩.

١٠٩

ويؤيّده أيضا : ظهور حكمة النواهي ومناسبتها للكراهة دون التحريم ، والله العالم.

وممّا يدلّ على كراهة التخلّي على القبر وبين القبور : رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : «ثلاثة يتخوّف منها الجنون : التغوّط بين القبور ، والمشي في خفّ واحد ، والرجل ينام وحده» (١).

وخبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «من تخلّى على قبر أو بال قائما أو بال في ماء قائما أو مشى في حذاء واحد أو شرب قائما أو خلا في بيت وحده وبات على غمر (٢) فأصابه شي‌ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء الله ، وأسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان وهو على بعض هذه الحالات» (٣). (و) يكره أيضا (استقبال) قرص (الشمس والقمر بفرجه).

ففي رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام عن آبائه عليه‌السلام ، قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول» (٤).

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٣٤ ـ ١٠ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٢) الغمر ـ بالتحريك ـ : الدسم والزهومة من اللحم. مجمع البحرين ٣ : ٤٢٨ «غمر».

(٣) الكافي ٦ : ٥٣٣ ـ ٢ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ١ : ٥٣٣ ـ ٢ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

١١٠

لا يبولنّ أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به» (١).

وفي حديث المناهي ، قال : «ونهى أن يبول الرجل وفرجه باد للشمس أو القمر» (٢).

وعن الكليني أنّه قال : وروي أيضا : «لا تستقبل الشمس ولا القمر» (٣).

وظاهر المصنّف وغيره : اختصاص الكراهة بالاستقبال دون الاستدبار ، ولكنه روى في الفقيه مرسلا : «لا تستقبل الهلال ولا تستدبره ، يعني في التخلّي» (٤) وصريحها كراهة الاستدبار أيضا ، ولكنه ننقل عن شرح الإرشاد للفخر : دعوى الإجماع على عدم كراهة الاستدبار (٥) ، والأمر سهل ، والله العالم. (و) يكره أيضا استقبال (الريح بالبول) للخبر المروي عن الخصال عن علي عليه‌السلام : «ولا يستقبل ببوله الريح» (٦).

ولا يكره استدبار الريح بالبول عند انفراده ، لعدم الدليل عليها ، وأمّا إذا كان مع الغائط : فالظاهر كراهة الاستدبار أيضا كالاستقبال ، لرواية عبد الحميد ، المسؤول فيها عن حدّ الغائط : «لا تستقبل الريح

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٤ ـ ٩٢ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٢) الفقيه ٤ : ٣ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٤.

(٣) الكافي ٣ : ١٥ ـ ٣ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٥.

(٤) الفقيه ١ : ١٨ ـ ٤٨ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

(٥) كما في الجواهر ٢ : ٦٣.

(٦) الخصال : ٦١٤ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٦.

١١١

ولا تستدبرها» (١).

وفي مرفوعة محمّد بن يحيى ، قال : سئل أبو الحسن عليه‌السلام ما حدّ الغائط؟ قال : «لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها» (٢).

وهاتان الروايتان صريحتان في كراهة الاستدبار ، ولكن المسؤول عنه فيهما حدّ الغائط ، فلا تعمّان خصوص البول عند انفراده ، والله العالم. (و) يكره (البول في الأرض الصلبة) وما بحكمها ممّا ينافي التوقّي من البول ، لما روي من «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أشدّ الناس توقّيا من البول ، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهة أن ينضح عليه البول» (٣).

ولا ينافي كراهة البول في الأرض الصلبة ما تقدّم من استحباب ارتياد موضع البول ولو لأجل التأسّي. (و) يكره البول (في ثقوب الحيوان (٤)) لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه نهى أن يبال في الجحر (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٦ ـ ٦٥ ، الإستبصار ١ : ٤٧ ـ ١٣١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٦.

(٢) الكافي ٣ : ١٥ ـ ٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٣٣ ـ ٨٧ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٤) في «ض ١» : الحيوانات.

(٥) سنن البيهقي ١ : ٩٩ ، سنن النسائي ١ : ٣٣ ، مسند أحمد ٥ : ٨٢ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ١٨٦.

١١٢

(وفي الماء جاريا) كان (أو واقفا).

ويدلّ على الأوّل : مرسلة مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّه نهي أن يبول الرجل في الماء الجاري إلّا من ضرورة ، وقال : إنّ للماء أهلا» (١).

وعن الخصال بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا يبولنّ الرجل من سطح في الهواء ، ولا يبولنّ في ماء جار ، فإن فعل شيئا من ذلك فأصابه شي‌ء فلا يلومنّ إلّا نفسه ، فإنّ للماء أهلا وللهواء أهلا» (٢).

ويدلّ على كراهة البول في الماء الواقف : الأخبار المستفيضة الناهية عنه ، بل يستفاد من بعضها كون الكراهة فيه أشدّ منها في الماء الجاري ، كصحيحة [الفضيل] (٣) : «لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري ، وكره أن يبول في الراكد» (٤) فإنّ مقتضى الجمع بين الروايات : حمل نفي البأس على خفّة الكراهة.

وعليها يحمل نفي البأس عن البول في الماء الجاري في خبر ابن بكير : «لا بأس بالبول في الماء الجاري» (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٤ ـ ٩٠ ، الإستبصار ١ : ١٣ ـ ٢٥ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

(٢) الخصال : ٦١٣ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٦.

(٣) في «ض ١» والطبعة الحجرية : ابن مسلم ، بدل ما أثبتناه ، والنصّ من صحيحة الفضيل. انظر الهامش التالي.

(٤) التهذيب ١ : ٣١ ـ ٨١ و ٤٣ ـ ١٢١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٥) التهذيب ١ : ٤٣ ـ ١٢٢ ، الإستبصار ١ : ١٣ ـ ٢٤ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣.

١١٣

ورواية ابن مصعب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يبول في الماء الجاري ، قال : «لا بأس به إذا كان جاريا» (١).

ويحتمل أن يكون المراد من نفي البأس في هذه الأخبار عدم تنجسه بالبول ، بخلاف الراكد ، فإنّه يتنجّس ولو في الجملة حتى فيما إذا كان كثيرا ، فإنّ فتح هذا الباب يوجب تغيّره ولو بعد حين باعتبار توارد البول عليه.

وعن أكثر الأصحاب إلحاق الغائط بالبول (٢).

ولعلّه لفحوى ما يستفاد من تعليل كراهة البول في بعض الأخبار :ب «أنّ للماء أهلا». (و) يكره (الأكل والشرب) حال التخلّي ، كما عن بعض (٣) ، أو ما دام في بيت الخلاء ، كما عن آخرين.

واستدلّ له : بما أرسله في الفقيه عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه دخل الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر ، فغسلها ، ودفعها إلى مملوك معه ، فقال :«تكون معك لآكلها إذا خرجت» فلمّا خرج قال للمملوك : «أين اللقمة؟» فقال : أكلتها يا ابن رسول الله ، فقال : «إنّها ما استقرّت في جوف أحد إلّا وجبت له الجنّة ، فأنت حرّ ، وأنا أكره أن أستخدم رجلا من أهل

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣ ـ ١٢٠ ، الإستبصار ١ : ١٣ ـ ٢٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

(٢) كما في جواهر الكلام ٢ : ٦٩.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٧٠ عن القاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٠ ، والعلّامة في منتهى المطلب ١ : ٤١.

١١٤

الجنّة» (١).

وروي هذه القصّة أيضا عن الحسين بن علي عليه‌السلام (٢).

ولعلّها اتّفقت بالنسبة إليهما صلوات الله عليهما.

وتقريب الاستدلال بها : أنّ تأخير الأكل وترك المبادرة مع ما فيه من الثواب الجزيل يدلّ على الكراهة في بيت الخلاء.

وفي دلالته على الكراهة في خصوص المورد فضلا عن مطلق الأكل والشرب نظر من وجوه.

نعم ، ربما يساعدها الاعتبار ، ولكنّه لا اعتبار به في الأحكام التعبّدية ، فالعمدة في إثبات كراهته اشتهارها بين الأصحاب ، ولعلّهم عثروا على دليل لم يصل إلينا ، والأمر سهل ، والله العالم. (والسواك) للمرسل عن الكاظم عليه‌السلام : «السواك على الخلاء يورث البخر» (٣).

ويكره البول قائما ، لما في رواية السكوني : «البول قائما من غير علّة من الجفاء» (٤).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨ ـ ٤٩ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٤٣ ـ ١٥٤ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٣٢ ـ ١١٠ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب أحكام الخلوة ، ذيل الحديث ١.

(٤) الخصال : ٥٤ ـ ٧٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٧.

١١٥

ويكره أن يطمع الرجل ببوله في الهواء من سطح أو مرتفع ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عنه في رواية السكوني (١) ، ومرسلة ابن أبي عمير (٢) ، ورواية مسمع (٣). (والاستنجاء باليمين) ففي رواية السكوني : «إنّ الاستنجاء باليمين من الجفاء» (٤).

وفي مرسلة يونس عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستنجي الرجل بيمينه» (٥).

وروي مرسلا : «أنّه لا بأس إذا كانت اليسار معتلّة» (٦).

وكذا يكره مسّ الذكر باليمين وقت البول ، لما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «إذا بال الرجل لا يمسّ ذكره بيمينه» (٧). (و) يكره الاستنجاء (باليسار وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه)

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥ ـ ٤ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٢) لم نعثر على رواية عن ابن أبي عمير تدلّ على ما نحن فيه. ولعلّ ما في المتن من سهو القلم ، والذي يدلّ عليه هي مرسلة الفقيه ، انظر : الفقيه ١ : ٩١ ـ ٥٠ ، والوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٣٥٢ ـ ١٠٤٥ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٨.

(٤) الكافي ٣ : ١٧ ـ ٧ ، الخصال : ٥٤ ـ ٧٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢ و ٧.

(٥) الكافي ٣ : ١٧ ـ ٥ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٦) الفقيه ١ : ١٩ ـ ٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٥.

(٧) الفقيه ١٩ ـ ٥٥ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٦.

١١٦

لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من نقش [على] خاتمه اسم الله فليحوّله من اليد التي يستنجي بها في التوضّؤ» (١).

وعن الصدوق في الخصال أنّه رواه عن علي عليه‌السلام في حديث الأربعمائة (٢).

وعن الكليني أنّه قال : وروي أنّه «إذا أراد أن يستنجي من الخلاء فليحوّله من اليد التي يستنجي بها» (٣).

ولا يعارضها رواية وهب بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :«كان نقش خاتم أبي : العزّة لله جميعا ، وكان في يساره يستنجي بها ، وكان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه‌السلام : الملك لله ، وكان في يده اليسرى يستنجي بها» (٤) لأنّ وهبا ـ على ما قيل ـ عامّي خبيث ، بل من أكذب البريّة (٥) ، كما تؤيّده هذه الرواية.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٧٤ ـ ٩ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٤ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) حكاه عنه الحرّ العاملي في الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الخلوة ، ذيل الحديث ٤ ، وانظر : الخصال : ٦١٢.

(٣) حكاه عنه أيضا الحرّ العاملي في الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الخلوة ، ذيل الحديث ٢ ، وانظر : الكافي ٣ : ٥٦ ذيل الحديث ٨.

(٤) التهذيب ١ : ٣١ ـ ٨٣ ، الإستبصار ١ : ٤٨ ـ ١٣٤ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٨.

(٥) القائل هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٧٨ ، وانظر : اختيار معرفة الرجال :٣٠٩ ـ ٥٥٨ ، وجامع الرواة ٢ : ٣٠٢.

١١٧

وعلى تقدير صدورها عن الإمام عليه‌السلام ، منزّلة على بعض الوجوه المخالفة للظاهر.

وكيف كان ، فربما يظهر من غير واحد من الأخبار : كراهة استصحابه عند التخلّي مطلقا ، بل وكذا استصحاب خاتم عليه شي‌ء من القرآن.

مثل : رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يجامع ويدخل الكنيف وعليه الخاتم فيه ذكر الله أو الشي‌ء من القرآن أيصلح ذلك؟ قال : «لا» (١).

وفي رواية أبي أيّوب : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدخل الخلاء وفي يدي خاتم فيه اسم الله تعالى ، قال : «لا ، ولا تجامع فيه» (٢).

ويمكن الجمع بينهما : بتنزيل إطلاق مثل هاتين الروايتين على ما كان متعارفا في تلك الأزمنة من التختّم باليسار ، كما تشهد بهذا الجمع : رواية الحسين بن خالد عن أبي الحسن الثاني عليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّا روينا في الحديث أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يستنجي وخاتمه في إصبعه وكذلك كان يفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان نقش خاتم رسول الله :محمّد رسول الله ، قال : «صدقوا» قلت : فينبغي لنا أن نفعل ، قال : «إنّ أولئك كانوا يتختّمون في اليد اليمنى ، وأنتم تتختّمون في اليسرى» (٣).

__________________

(١) قرب الاسناد : ٢٩٣ ـ ١١٥٧ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦ ـ ٨ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٦ : ٤٧٤ ـ ٨ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٣.

١١٨

ولكنّه لا يمكن الالتزام بهذا الجمع بالنسبة إلى بعض الأخبار المطلقة ، فإنّه صريح في الإطلاق.

مثل : رواية عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال : «لا يمسّ الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله تعالى ، ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى ، ولا يجامع وهو عليه ، ولا يدخل المخرج وهو عليه» (١).

وفي رواية أبان بن عثمان عن أبي القاسم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى ، فقال عليه‌السلام : «ما أحبّ ذلك» قال : فيكون اسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : «لا بأس» (٢).

وعن الشيخ أنّه حمل نفي البأس على [إدخاله] (٣) الخلاء دون أن يستنجي (٤).

فالأولى والأظهر هو القول بكراهة الاستصحاب مطلقا ، وكونه في اليد التي يستنجي بها أشدّ كراهة.

ولا ينافيه ما يستفاد من رواية الحسين (٥) وغيره من استصحاب

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣١ ـ ٨٢ ، الإستبصار ١ : ٤٨ ـ ١٣٣ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٥.

(٢) التهذيب ١ : ٣٢ ـ ٨٤ ، الإستبصار ١ : ٤٨ ـ ١٣٥ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٦.

(٣) في الطبعة الحجرية و «ض ١» : إدخال. وما أثبتناه كما في الوسائل هو الصحيح.

(٤) حكاه عنه الحرّ العاملي في الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الخلوة ، ذيل الحديث ٦ ، وانظر : التهذيب ١ : ٣٢ ذيل الحديث ٨٤.

(٥) تقدّمت رواية الحسين في ص ١١٨.

١١٩

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليه‌السلام ، بل مداومتهم عليه ، لإمكان كونه من الخصائص ، وكون حكمة الكراهة خوف التلويث سهوا أو خطأ أو مسامحة ، وهي غير مقتضية للكراهة في حقّهم.

وممّا يؤيّد هذا الجمع : ما رواه في الوسائل عن المجالس والعيون عن الحسين بن خالد الصيرفي ، قال : قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : الرجل يستنجي وخاتمه في إصبعه ، ونقشه : لا إله إلّا الله ، فقال : «أكره ذلك له» فقلت : جعلت فداك أوليس كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكلّ واحد من آبائك يفعل ذلك وخاتمه في إصبعه؟ قال : «بلى ولكن أولئك كانوا يتختّمون في اليد اليمنى ، فاتّقوا الله وانظروا لأنفسك» (١) فإنّ ذيل الرواية كالصريح في النهي عن مقايسة حالنا بحالهم ، ووجوب الانتهاء بالنواهي الصادرة عنهم من دون التفاوت إلى أفعالهم التي لم يتّضح لنا وجهها.

ولو قيل : باختصاص كراهة الاستصحاب بما إذا احتمل تلوّثه بالنجس ولو بعيدا غير بعيد بالنظر إلى ما يقتضيه الجمع بين الأخبار ، فعلى هذا ليس الحكم بالنسبة إليهم ـ صلوات الله عليهم ـ من الخصائص ، إلّا أنّ الاطمئنان والوثوق في حقّ غيرهم ربما لا يحصل ، فلذا أطلق النهي عن الاستصحاب ، والله العالم.

ثمّ إنّ القول بالكراهة إنّما هو فيما إذا لم يتلوّث بالاستنجاء ، وإلّا

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٩ ، وانظر : أمالي الصدوق :٣٦٩ ـ ٥ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٥٤ ـ ٢٠٦.

١٢٠