بحوث في الملل والنّحل - ج ٥

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٤٢

أمران :

أحدهما : معرفة الله تعالى ، ومعرفة رسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ، وتحريم دماء المسلمين ـ يعنون موافقيهم ـ والاقرار بما جاء من عند الله جملة ، فهذا واجب على الجميع ، والجهل به لايعذر فيه.

والثاني : ما سوى ذلك ، فالناس معذورون فيه إلى أن تقوم عليه الحجّة في الحلال والحرام.

قالوا : ومن جوّز العذاب على المجتهد المخطئ في الأحكام قبل قيام الحجّة عليه فهو كافر.

د ـ تولّى أصحاب الحدود من موافقيه وقال : لعلّ الله يعذّبهم بذنوبهم في غير نار جهنّم ويدخلهم الجنّة ، وزعم أنّ من خالفه في دينه يدخل النار.

هـ ـ أسقط حدّ الخمر (١).

ومن نظر نظرة صغيرة ، أو كذب كذبة صغيرة ، وأصرّ عليها فهو مشرك ، ومن زنى وسرق وشرب الخمر غير مصرّ عليه فهو مسلم ، إذا كان من موافقيه على دينه.

ولهذه البدع ، استتابه أكثر أتباعه وقالوا : اُخرج إلى المسجد ، وتب من احداثك في الدين ، ففعل ذلك.

ثمّ إنّ قوماً منهم ندموا على استتابته ، وانضمّوا إلى العاذرين له ، وقالوا له : أنت الإمام ولك الإجتهاد ولم يكن لنا أن نستتيبك ، فتب من توبتك ، واستتب الذين استتابوك وإلاّ نابذناك ، ففعل ذلك ، فافترق عليه أصحابه ، وخلعه أكثرهم ، وقالوا له : اختر لنا إماماً ، فاختار « أبافديك ». وصار « راشد الطويل »

__________________

١ ـ هذا ما يقوله البغدادي ، ويقول الشهرستاني : غلظ على الناس من حد الخمر تغليظاً شديداً ، والظاهر صحّة الثاني لكون نجدة من الخوارج.

٢٠١

( أحد رؤساء الخوارج ) مع « أبي فديك » يداً واحدة ، فلمّا استولى أبو فديك على اليمامة علم أنّ أصحاب نجدة إذا عادوا من غزواتهم أعادوا نجدة إلى الإمارة فطلب نجدة ليقتله فاختفى نجدة في دار بعض عاذريه ، ينتظر رجوع عساكره الذين كان قد فرّقهم في سواحل الشام ونواحي اليمن ، ونادى منادي « أبي فديك » : من دلّنا على « نجدة » فله عشرة آلاف درهم ، وأي مملوك دلَّنا عليه فهو حر ، فدلّت عليه أمة ، فأنفذ أبوفديك « راشد الطويل » في عسكر إليه فكبسوه وحملوا رأسه إلى « أبي فديك ».

ولما قُتِلَ نجدة فصارت النجدات بعده ثلاث فرق :

١ ـ فرقة اكفرته وصارت إلى أبي فديك ، كراشد الطويل ، وأبي بيهس ، وأبي الشمراخ وأتباعهم.

٢ ـ فرقة عذَّرته فيما فعل ، وهم النجدات.

٣ ـ وفرقة من النجدات هاجروا من اليمامة ، وكانوا بناحية البصرة شكوا فيما حكي من احداث نجدة وتوقّفوا في أمره وقالوا : لاندري هل أحدث تلك الاحداث أم لا؟ فلانبرأ منه إلاّ باليقين.

وبقى أبوفديك بعد قتل نجدة إلى أن بعث إليه عبدالملك بن مروان ، عمربن عبيدالله بن معمر التميمي في جند فقتلوا أبا فديك ، وبعثوا برأسه إلى عبدالملك بن مروان ، فهذه قصة النجدات (١).

وبالامعان فيما نقلنا عنه من الآراء يظهر مذهب النجدية ، وأنّهم كانوا أخف وطأة من الأزارقة وتتلخّص الأفكار التي امتازوا بها عن غيرهم من فرق الخوارج في الاُمور التالية :

__________________

١ ـ البغدادي : الفَرق بين الفِرق ٨٧ ـ ٩٠ ; الأشعري : مقالات الإسلاميين ١ / ٨٩ ; الشهرستاني : الملل والنحل ١ / ١٢٢ ـ ١٢٥.

٢٠٢

١ ـ التقيّة جائزة (١).

٢ ـ تعذير قَعَدة المسلمين وضَعَفَتهم.

٣ ـ تحريم قتل الأطفال.

٤ ـ لزوم رد أمانة المخالف (٢).

٥ ـ لا حاجة للناس إلى إمام قط ، وإنّما عليهم أن يتناصحوا فيما بينهم ، فإن هم رأوا أنّ ذلك لايتم إلاّ بإمام يحملهم عليه فأقاموه ، جاز (٣).

٦ ـ تولّي أصحاب الحدود والجنايات من موافقيه.

٧ ـ من نظر نظرة صغيرة ، أو كذب كذبة صغيرة وأصرّ عليها فهو مشرك (ولعلّه في حقّ مخالفيهم) ومن زنى ، وسرق ، وشرب الخمر غير مصرّ عليه فهو مسلم ، إذا كان من موافقيه على دينه (٤).

هذه آراؤهم وسوف نرجع إلى دراسة هذه الموضوعات في فصل خاص.

وأخيراً نعيد ما ذكرناه : انقسمت النجدية بعد « نجدة » إلى ثلاث فرق هم : النجدية والفديكية ، والعطوية (٥).

وهذا يدل على أنّ كثيراً من الفرق كانت فرقاً سياسية ، لادينية.

__________________

١ ـ ولو صحّ ذلك كما هو صريح كتاب نجدة لايصحّ ما نسب إليهم الأشعري في مقالاته من أنّهم استحلّوا دماء أهل المقام وأموالهم في دار التقيّة وبرأوا ممّن حرمّها ، الأشعري : مقالات الاسلاميين ١ / ٩١.

٢ ـ لاحظ في هذا الاُصول الأربعة كتاب نجدة إلى نافع تجد فيه تلك الآراء.

٣ ـ الشهرستاني : الملل والنحل ١ / ١٢٤.

٤ ـ الأشعري : مقالات الإسلاميين ١ / ٩١.

٥ ـ الأشعري : مقالات الإسلاميين ١ / ٩٢.

٢٠٣
٢٠٤

الفرقة الثالثة :

البيهسية

البيهسية من الخوارج ينسبون إلى أبي بيهس واسمه هيصم بن جابر وهي فرقة مستقلّة ، لاصلة لها بالإبراهيمية والميمونية ، وإنّما تدخّلت في الخلاف الذي حدث بين تلك الفرقتين ، والفرقتان من الاباضية كما سنبيّن :

قد وقفت عند الكلام في الأزارقة على أنّ أبابيهس هيصم بن جابر الضبعي وعبدالله بن اباض كانا في وقت واحد ، وكان لنافع قيادة روحية مثلما كان لعبدالله بن اباض أو أقوى ، وإنّما خرج أبوبيهس بمنهج عندما ظهر له غلوّ نافع وتقصير عبدالله بن اباض ، حيث إنّ نافع غلا في البراءة من المسلمين وجوّز استعراضهم والتفتيش عن عقائدهم واستحلّ أماناتهم وقتل أطفالهم.

بينما عبدالله بن اباض قد قصّر (أي في التطرّف) حيث إنّ المخالفين عندهم كفّار ولكن كفّار في النعم كما عدّ سبحانه وتعالى تارك الحج مع

٢٠٥

الاستطاعة كافراً وقال : ( وَلِلّه عَلَى النّاسِ حجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ اِلَيْهِ سَبِيلا ومنْ كَفَرَ فَإنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنِ العالمين ) (١) وجوّز مناكحهم ومواريثهم والاقامة في بلدهم.

عند ذلك أدلى أبو بيهس بأوّل رأيه حيث اعتبر أنّ هناك إفراطاً وتفريطاً والحق الوسط ، يقول : إنّ أعداءنا كأعداء رسول الله ، تحلّ لنا الاقامة فيهم ، خلافاً لنافع كما فعل المسلمون خلال اقامتهم بمكة وأحكام المسلمين تجري عليهم ، وزعم أنّ مناكحهم ومواريثهم تجوز لأنّهم منافقون يظهرون الإسلام ، وانّ حكمهم عند الله حكم المشركين.

قال المبرّد : فصارت الخوارج في هذا الوقت على ثلاثة أقاويل :

١ ـ قول نافع في البراءة والاستعراض واستحلال الأمانة وقتل الأطفال.

٢ ـ قول أبي بيهس الذي ذكرناه.

٣ ـ وقول عبدالله بن اباض وهو أقرب الأقوال إلى السنّة من أقاويل الضلال (٢).

ثمّ إنّ البيهسية انقسمت إلى فرق :

١ ـ العوفية.

٢ ـ أصحاب التفسير.

٣ ـ أصحاب السؤال ، وهم أصحاب شبيب النجراني.

ولنذكر المشتركات بين هاتيك الفرق ، ثمّ نذكر المميّزات ، أمّا الاُولى فقال أبو بيهس : لا يسلم أحد حتّى يقرّ بمعرفة الله ، ومعرفة رسوله ، ومعرفة ما جاء به محمّد جملة ، والولاية لأولياء الله سبحانه ، والبراءة من أعداء الله وما

__________________

١ ـ آل عمران : ٩٧.

٢ ـ المبرّد : الكامل ٢ / ٢١٤ وأضاف انّ الصفرية والنجدية في ذلك الوقت يقولون بقول ابن اباض.

٢٠٦

حرّم الله سبحانه ممّا فيه الوعيد ، فلا يسع الإنسان إلاّ علمه ومعرفته بعينه ، وتفسيره.

ومنه ما ينبغي أن يعرفه باسمه ولايبالي أن لايعرف تفسيره وعينه حتى يبتلى به ، وعليه أن يقف عند ما لا يعلم ، ولا يأتي شيئاً إلاّ بعلم.

وفي مقابل البيهسية من قال : قد يسلم الإنسان بمعرفة وظيفة الدين ، وهي شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله ، والاقرار بما جاء من عندالله جملة (١) ، والولاية لأولياء الله ، والبراءة من أعداء الله وإن لم يعرف ما سوى ذلك فهو مسلم.

ثمّ إنّه مسلم حتى يبتلى بالعمل ، فمن واقع شيئاً من الحرام ، ممّا جاء فيه الوعيد ، وهولايعلم أنّه حرام ، فقد كفر ، ومن ترك شيئاً من كبير ما افترضه الله سبحانه عليه وهو لا يعلم فقد كفر ، فإن حضر أحد من أوليائه مواقعة من واقع الحرام وهو لا يدري أحلال أم حرام ، أو اشتبه عليه ، وقف فيه ، فلم يتولّه ولم يبرأ منه حتى يعرف أحلال ركب أم حرام؟.

قالت البيهسية : الناس مشركون بجهل الدين (٢) ، مشركون بمواقعة الذنوب ، وإن كان ذنب لم يحكم الله فيه حكماً مغلظاً ولم يوقفنا على تغليظه فهو مغفور ، ولا يجوز أن يكون أخفى أحكامه عنّا في ذنوبنا ، ولو جاز ذلك جاز في الشرك (٣).

وقالوا : التائب في موضع الحدود ، وفي موضع القصاص ، والمقرّ على

__________________

١ ـ الفرق بين الفرقتين : هو أنّ البيهسية التزموا بالمعرفة جملة ، وهؤلاء اكتفوا بالاقرار جملة ، والفرق بينهما واضح ، فإنّ المعرفة تستلزم المعرفة التفصيلية دون الاقرار.

٢ ـ ذلك لازم الأصل الأوّل من اشتراط تحقّق الإسلام بمعرفة ما جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣ ـ يريد أنّ المعاصي الكبيرة لا تكون خفيّة علينا ، ولو جاز خفاؤها لجاز خفاء حكم الشرك.

٢٠٧

نفسه يلزمه الشرك إذا أقرّ من ذلك بشيء وهو كافر ، لأنّه لايحكم بشيء من الحدود والقصاص إلاّ على كل كافر يشهد عليه بالكفر عندالله (١).

هذه هي الأحكام المشتركة بين جميع فرق البيهسية ولب الجميع عبارة عن أمرين :

١ ـ لزوم معرفة ما جاء به النبي على وجه التفصيل.

٢ ـ إنّ مرتكب الكبائر مشرك خصوصاً فيما إذا كان في موضع الحد.

نعم هناك فِرق من البيهسية اختصّوا ببعض الأحكام ، نذكر منها ما يلي :

الف ـ العوفية : وهم فرقتان : فرقة تقول : من رجع من دار هجرتهم ومن الجهاد إلى حال القعود نبرأ منهم.

وفرقة تقول : لا نبرأ منهم ، لأنّهم رجعوا إلى أمر كان حلالا لهم. وكلا الفريقين من العوفية يقولون : إذا كفر الإمام فقد كفرت الرعية ، الغائب منهم والشاهد.

والبيهسية يبرأون ، منهم وهم جميعاً يتولّون أبا بيهس ، وقالت العوفية : السكر كفر ، ولا يشهدون أنّه كفر حتى يأتي معه غيره كترك الصلاة ، وما أشبه ذلك ، لأنّهم إنّما يعلمون أنّ الشارب سكر إذا ضمّ إلى سكره غيره ممّا يدلّ على أنّه سكران (٢).

ب ـ أصحاب التفسير : كان صاحب بدعتهم رجل يقال له الحكم بن مروان من أهل الكوفة ، زعم أنّه من شهد على المسلمين لم تجز شهادتهم إلاّ بتفسير الشهادة كيف هي. قال : ولو أنّ أربعة شهدوا على رجل منهم بالزنا لم تجز شهادتهم حتى يشهدوا كيف هو ، وهكذا قالوا في سائر الحدود ، فبرأت

__________________

١ ـ وهذا مبني على كون ارتكاب الكبائر كفراً.

٢ ـ إنّ العلم بالسكر يعلم بأدنى شيء ولا يتوقّف على ترك الصلاة.

٢٠٨

منهم البيهسية على ذلك وسمّوهم أصحاب التفسير.

ج ـ أصحاب السؤال : وهم الذين زعموا أنّ الرجل يكون مسلماً إذا شهد أن لا إله إلاّ الله وانّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله ، وتولّى أولياء الله وتبرّأ من أعدائه ، وأقرّ بما جاء من عندالله جملة ، وإن لم يعلم سائر ما افترض الله عليه ممّا سوى ذلك ، أفرض هوأم لا؟ فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل به (فيسأل) (١).

وقالوا : في أطفال المؤمنين : إنّهم مؤمنون أطفالا وبالغين ، حتى يكفروا ، وإنّ أطفال الكفّار كفّار ، أطفالا وبالغين حتى يؤمنوا.

وقالوا بقول المعتزلة في القدر (أي كون الأفعال منسوبةً إلى الإنسان دونه سبحانه).

هذه هي البيهسية وهذه الفرق المتشعّبة عنها.

وهاهنا آراء تنسب إلى بعض البيهسيين ولم يعرف قائلها.

منها قول بعض البيهسية : من واقع زنا ، لم يُشهد عليه بالكفر حتى يرفع إلى الإمام أو الوالي ويحد ، فوافقهم على ذلك طائفة من الصفرية ، إلاّ أنّهم قالوا : نقف فيهم ولا نسمّيهم مؤمنين ولاكافرين.

منها قول بعضهم : إذا كفر الإمام كفرت الرعية ، وإنّ الدار دار شرك وأهلها جميعاً مشركون ، ولا يصلّى إلاّ خلف من يعرف ، وقالوا : بقتل أهل القبلة وأخذ الأموال واستحلال القتل والسبي على كل حال.

__________________

١ ـ قد عرفت أنّ القدر المشترك بين البيهسية هو لزوم معرفة ما جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفصيلا ، ولكن أصحاب السؤال اكتفوا بالاقرار الإجمالي ، فعدّهم من البيهسية موضع تأمّل ، وإن عدّه منهم الأشعري في مقالاته.

ثمّ إنّ الفرق بينهم وبين الفرقة المخالفة للبيهسية التي أوعزنا إليها في صدر البحث هو أنّهم يحكمون بالكفر إذا ابتلى بالعمل وهو لا يعلم أنّه حرام ، وهذا بخلاف أصحاب السؤال فهم لا يحكمون بكفره بل يحكمون عليه بالسؤال.

٢٠٩

منها : السكر من كل شراب ، حلال موضوع عمّن سكرمنه ، وكل ما كان في السكر من ترك الصلاة أوشتم الله سبحانه موضوع فيه ، لاحدّ فيه ، ولا حكم ، ولا يكفّر أهله بشيء من ذلك ماداموا في سكرهم ، وقالوا : إنّ الشراب حلال الأصل ، ولم يأت فيه شيء من التحريم لا في قليله ولا في اكثار أو سكر (١).

وأمّا تدخّل أبي بيهس في الخلاف الذي حدث بين الإبراهيمية والميمونية فحاصله أنّ رجلا من الاباضية يعرف بإبراهيم ، دعا قوماً من أهل مذهبه إلى داره ، وأمر جارية له كانت على مذهبه بشيء ، فأبطأت عليه فحلف ليبيعنّها في الأعراب ، فقال له رجل منهم اسمه ميمون : كيف تبيع جارية مؤمنة إلى الكفرة؟ فقال له إبراهيم : إنّ الله تعالى قد أحلّ البيع وقد مضى أصحابنا وهم يستحلّون ذلك ، فتبرّأ منه ميمون وتوقّف آخرون منهم في ذلك وكتبوا بذلك إلى علمائهم ، فأجابوهم بأنّ بيعها حلال ، وبأنّه يستتاب ميمون ، ويستتاب من توقّف في إبراهيم ، فصاروا في هذا ثلاث فرق : أبراهيمية ، وميمونية ، وواقفة.

ثمّ إنّ البيهسية قالوا : إنّ ميموناً كفر بأن حرّم الأمة في دار التقية من كفّار قومنا ، وكفرت الواقفة بأن لم يعرفوا كفر ميمون وصواب أبراهيم ، وكفر إبراهيم بأن لم يبرأ من الواقفة (٢).

وأمّا مصير أبي بيهس ، فقد طلبه الحجاج أيّام الوليد فهرب إلى المدينة فطلبه بها عثمان بن حيّان المزني فظفربه وحبسه ، وكان يسامره إلى أن ورد كتاب الوليد بأن يقطع يديه ورجليه ثم يقتله ، ففعل ذلك به (٣).

__________________

١ ـ الأشعري : مقالات الإسلاميين ١ / ١١٣ ـ ١١٨ ، والشهرستاني : الملل والنحل ١ / ١٢٥ ـ ١٢٧.

٢ ـ البغدادي : الفرّق بين الفرِق ١٠٧ ـ ١٠٨.

٣ ـ الشهرستاني : الملل والنحل ١ / ١٢٥.

٢١٠

الفرقة الرابعة :

الصفرية

اختلفت كلمة أصحاب المقالات في مؤسّس هذه الفرقة ، فنرى أنّ المبرّد يعرّفهم بأنّهم أصحاب ابن صفار ، وانّهم إنّما سمّوا بصفرة لصفرة عَلَتْهم ويستشهد على ذلك بقول ابن عاصم الليثي ، وكان يرى رأي الخوارج وصار مرجئاً.

فارقتُ نجدة والذين تزرّقوا

وابن الزبير وشيعة الكذّاب

والصفر الآذان (١) الذين تخيّروا

ديناً بلاثقة ولا بكتاب

بينما الأشعري والشهرستاني ينسبانها إلى زياد بن أصفر (٢).

____________

١ ـ قال المبرّد : خفف الهمزة من الاذان ولولاه لانكسر الشعر.(المبرّد : الكامل ٢ / ٢١٤).

٢ ـ الأشعري : مقالات الإسلاميين ١٠١ ، والشهرستاني : الملل والنحل ١ / ١٣٧.

٢١١

ولكن يقول المقريزي : إنّهم أتباع زياد بن الأصفر ويضيف ، ربّما يقال : إنّهم أتباع النعمان بن الصفر ، وقيل : بل نسبوا إلى عبدالله بن صفار ، ويقال لهم أيضاً : الزيادية ... ويقال لهم أيضاً : النُكّار من أجل أنّهم ينقصون نصف علي وثلث عثمان وسدس عائشة (١).

وعل كل تقدير فهم كالأباضية أقرب الفرق إلى المسلمين :

١ ـ يخالفون الأزارقة في عذاب الأطفال ، فإنّهم لا يجيزون ذلك ولا يكفّرونهم ولايخلّدونهم في النار.

٢ ـ لم يكفّروا القعدة عن القتال ـ والمراد قعدة الخوارج ـ.

٣ ـ لم يسقطوا الرجم.

٤ ـ التقية جائزة في القول دون العمل عندهم.

٥ ـ وأمّا إطلاق الكافر والمشرك على مرتكبي الكبائر ، فقد قالوا فيه بالتفصيل الآتي:

ماكان من الأعمال عليه حدّ واقع فلا يتعدّى بأهله ، الاسمُ الذي لزمه به الحدّ كالزنا والسرقة ، والقذف ، فيسمّى زانياً سارقاً ، قاذقاً ، لا كافراً مشركاً.

وماكان من الكبائر ممّا ليس فيه حدّ لعظم قدره مثل ترك الصلاة والفرار من الزحف ، فإنّه يكفّر بذلك.

٦ ـ ونقل عن الضحّاك منهم انّه جوّز تزويج المسلمات من كفّار قومهم (يريد سائر المسلمين) في دار التقيّة دون دار العلانية.

٧ ـ ونقل عن زياد بن الأصفر انّ الزكاة سهم واحد في دار التقيّة (٢).

__________________

١ ـ المقريزي : الخطط ٢ / ٣٥٤ ، والنكّار جمع ناكر.

٢ ـ يريد أنّه لا يجب صرف الزكاة على الأصناف الثمانية الواردة في آية الصدقات ، لعدم بسط اليد في دار التقيّة بل تصرف في مورد واحد.

٢١٢

٨ ـ ويحكى عنه أنّه قال : نحن مؤمنون عند أنفسنا ولاندري أنّنا خرجنا من الإيمان عند الله!

٩ ـ الكفر كفران ، كفر بانكار النعمة ، وكفر بانكار الربوبية.

١٠ ـ البراءة براءتان : براءة من أهل الحدود ، سنّة ، وبراءة من أهل الجحود ، فريضة (١).

وعلى ما ذكره الشهرستاني فهم لايرون ارتكاب الكبيرة موجباً للشرك والكفر إلاّ فيما إذا لم يرد فيه حدّ كترك الصلاة.

لكن الظاهر ممّا نقله البغدادي في الفرق انّ بين الصفرية قولين آخرين :

الف ـ إنّ صاحب كل ذنب مشرك ، كما قالت الأزارقة.

ب ـ إنّ صاحب الذنب لا يحكم عليه بالكفر حتى يرفع إلى الوالي فيحدّه (٢).

وكل الصفرية بل جميع فرق الخوارج حتى الاباضية الذين يتحرّجون من تسميتهم خوارج ، يقولون بموالاة عبدالله بن وهب الراسبي وحرقوص بن زهير واتباعهما من المحكّمة الاُولى.

ويقولون بإمامة أبي بلال مرداس ، الخارج بعد المحكّمة الاُولى ، وبإمامة عمران بن حطان السدوسي بعد أبي بلال.

أمّا أبو بلال فقد مرّت ترجمته وأنّه خرج في أيّام يزيد بن معاوية بناحية البصرة ، فبعث إليه عبيدالله بن زياد ، عبّاد بن أخضر التميمي ، فقتله مع أتباعه.

وأمّا الثاني فهو من شعراء الخوارج وخطبائهم ، مات سنة ٨٤ ، وبلغ من خبثه في بغض علي عليه‌السلام أنّه رثا عبدالرحمن بن ملجم وقال في ضربه

__________________

١ ـ الشهرستاني : الملل والنحل ١ / ١٣٧. البغدادي : الفَرق بين الفِرق ٩٠. الأشعري : المقالات ١٠١.

٢ ـ البغدادي : الفَرق بين الفِرق ٩١.

٢١٣

عليّاً :

يا ضربة من منيب ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره يوماً فأحسبه

أوفى الربية عند الله ميزانا

قال عبدالقاهر (البغدادي) : وقد اجبناه عن شعره هذا بقولنا :

يا ضربة من كفور ما استفاد بها

إلاّ الجزاء بما يصليه نيرانا

إنّى لألعنه ديناً ، وألعن من

يرجو له أبداً عفواً وغفرانا

ذاك الشقي لأشقى الناس كلّهم

أخفّهم عند ربّ الناس ميزانا (١)

اُصول الفرق للخوارج :

هذه هي اُصول فرق الخوارج المتطرّفين وأمّا سائر الفرق فكلّها مشتقّة منها بسبب اختلاف غير هامّ في التخطيط والتطبيق ، لا في المبدأ والأصل ، وأمّا الاباضية ، فلم يكونوا بهذا التطرّف ، ولأجل ذلك أسماهم سائر الفرق باسم « القعدة » لأنّهم قعدوا عن الجهاد في سبيل الله بمحاربة الولاة والحكّام الظالمين.

يقول « الدكتور رجب محمّد » : قد تطّورت الأحوال في جماعة المحكّمة الذين ظلّوا على عدائهم وصدامهم مع الدوله الأموية إلى الانقسام إلى فرق ثلاث : هي الأزارقة ، والنجدات ، والبيهسية منذ عام ٦٤ ، واُضيفت إليها الفرقة الرابعة وهي الفرقة المعروفة باسم الصفرية منذ عام ٧٥ ، واتّفقت هذه الفرق الأربع فيما بينهم على آراء ، وكفّر بعضهم بعضاً ، واصطدموا بالدولة الأموية مرّات عديدة ، وتصدّت لهم قوات الخلافة وأخضعت شوكتهم وقضت على زعمائهم ، وكان ذلك على يد المهلّب بن أبي صفرة المعاني وعلى يد قومه من

__________________

١ ـ البغدادي : الفَرق بين الفِرق ٩٣.

٢١٤

الأزد العمانيين ، وعندما حاول بعض زعمائهم اللجوء إلى عمان ، تصدّى لهم العمانيون وقاتلوهم وقتلوهم (١).

وعلى كل تقدير فالفرقة الباقية من الخوارج تلعن الفرق الأربع وتتبرّأ منها ، وإليك نصّ بعضهم في هذا الشأن :

لقد حرص ابن اباض في رسالته إلى عبدالملك بن مروان أن يقرّر رأيه بصراحة في ابن الأزرق ... فذكر فيها قوله :

« أنا براء إلى الله من ابن الأزرق وصنيعه وأتباعه. لقد كان حين خرج على الإسلام فيما ظهر لنا ، ولكنّه أحدث وارتدّ وكفر بعد اسلامه فنبرأ إلى الله منهم » (٢).

وقد عرض القلهاتي بالتحليل لآراء الأزارقة :

« الأزارقة إمامهم أبو راشد نافع بن الأزرق ، وهو أوّل من خالف اعتقاد أهل الاستقامة ، وشقّ عصى المسلمين ، وفرّق جماعتهم ، وانتحل الهجرة ، وسبى أهل القبلة ، وغنم أموالهم ، وسبى ذراريهم ، وسنَّ تشريك أهل القبلة ، وتبّرأ من القاعد ولو كان عارفاً لأمره تابعاً لمذهبه ، واستحلّ اعتراض الناس بالسيف ، وحرّم مناكحتهم وذبائحهم وموارثتهم ، وابتدع اعتقادات فاسدة وآراء حائدة خالف فيها المسلمين أهل الاستقامة في الدين » (٣).

وقد تعرَّض كذلك لسائر فرق الخوارج الاُخرى فقال :

« وجميع أصناف الخوارج ـ غير أهل الاستقامة (الأباضية) ـ اجتمعوا

__________________

١ ـ الدكتور رجب محمّد عبدالحليم (استاذ التاريخ بجامعة القاهرة وجامعة السلطان قابوس) : الاباضية في مصر والمغرب : ١٤.

٢ ـ البرادي : الجواهر المنتقاة (رسالة ابن اباض) ١٥٦ ـ ١٦٧. ويأتي نصّ الرسالة في محلّها.

٣ ـ القلهاتي : الكشف والبيان ٢ / ٤٢٣.

٢١٥

على تشريك أهل القبلة ، وسبي ذراريهم ، وغنيمة أموالهم ، ومنهم من يستحل قتل السريرة والعلانية ، واعتراض الناس بالسيف على غير دعوة ، ومنهم من يستحلّ قتل السريرة ، وهم مختلفون فيما بينهم ، يقتل بعضهم بعضاً ، ويغنم بعضهم مال بعض ، ويبرأ بعضهم من بعض ، وانتحلوا الهجرة ، وحرّموا موارثتهم ، ومناكحتهم ، وأكل ذبائحهم » (١).

الخوارج قد شوّهوا محاسن الدين :

إنّ الخوارج قد شوّهُوا محاسنَ الدين الإسلامي تشويهاً غريباً ، فإنَّ هذا الاغراق في التأويل والاجتهاد أخرجهم عن روح الإسلام وجماله واعتداله ، وهم في تعمّقهم قد سلكوا طريقاً ما قال به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا دعا إليه القرآن ، وأمّا التقوى التي كانوا يَظْهرون بها فهي من قبيل التقوى العمياء ، والصلاح ، الذي كانوا يتزينون به في الظاهر ، كان ظاهر التأويل بادئ الزخرفة ، وقد طمعوا في الجنة وأرادوا السعي لها عن طريق التعمق والتشدد والغلوّ في الدين ، غلّواً أخرجهم منه ، ومجاوزة الحدِّ ، تُوقع في الضد (٢).

__________________

١ ـ صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد العماني : ٢١٥ ـ ٢١٦.

٢ ـ عمر ابو النضر : الخوارج في الاسلام : ١١١.

٢١٦

الفرقة الخامسة :

الاباظية

أتباع عبدالله بن اباض (١) م ٨٦

وصفت الاباضية في كلام غير واحد بأنّهم أقرب الناس إلى أهل السنّة (٢) وأنّهم هم الفرقة المعتدلة من الخوارج ، ولأجل هذا اُتيح لهم البقاء إلى يومنا هذا ، فهم متفرّقون في عمان وزنجبار وشمال أفريقيا ، فإذا كان البحث في سائر الفرق بحثاً في طوائف أبادهم الدهر وصاروا خبراً لِكانَ ، فالبحث عن الاباضية بحث عن فرقة موجودة من الخوارج ويعتبر مذهبهم ، المذهب الرسمي في عُمان ، وقد ذكرنا في بداية الكتاب النشاط الثقافي التي تقوم به وزارة الأوقاف عندهم. فنبحث أوّلا عمّا يقول عنهم أصحاب المقالات والتاريخ ، ثم نرجع إلى

__________________

١ ـ إنّ اباضية عمان يقرأونه ـ بالفتح ـ خلافاً لاباضية شمال أفريقيا فيقرأونه ـ بالكسرـ وعلى كل تقدير واباض ـ بضم الهمزة ـ فهي قرية أو واحة باليمامة.

٢ ـ المبرّد : الكامل ٢ / ٢١٤.

٢١٧

كتبهم المنتشرة في هذه الأيام لغاية التعريف بهم.

الاباضية في كتب المقالات والتاريخ :

عبدالله بن اباض المقاعسي المرّي التميمي من بني مرّة بن عبيد بن مقاعس ، رأس الاباضية وإليه نسبتهم ، وقد عاصر معاوية وعاش إلى أواخر أيّام عبدالملك بن مروان ، وكان ممّن خرج إلى مكّة لمنع حرم الله من مسلم بن عقبة المرّي (١) عامل يزيد بن معاوية.

اتّفق عبدالله بن اباض مع نافع واصحابه على أن يسألا عبدالله بن الزبير عن رأيه في عثمان ، لأنّ الخوارج يومذاك كانوا ملتفِّين حول عبدالله بن الزبير ، فلمّا سألوه وجدوه ، مخالفاً للعقيدة فتفرّقوا من حوله ، وذهبت طائفة من الخوارج إلى اليمامة وعدّة اُخرى إلى البصرة ، منهم ابن الأزرق وعبدالله بن اباض وعبدالله بن الصفار (٢).

ثمّ إنّ ابن الأزرق خرج على ثلاثمائة رجل عند وثوب الناس بعبيدالله بن زياد ، وتخلّف عنه عبدالله بن صفّار وعبدالله بن اباض ورجال معهما على رأيه ، وكتب إليهما ما ألقاه لأصحابه في خطابته وهو :

« إنّ الله قد أكرمكم بمخرجكم ، وبصَّركم ما عمى عنه غيركم. ألستم تعلمون أنّكم إنّما خرجتم تطلبون شريعته وأمره ، فأمره لكم قائد ، والكتاب لكم إمام ، وإنّما تتّبعون سننه واثره؟ فقالوا : بلى ، فقال : أليس حكمكم في وليّكم حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وليّه ، وحكمكم في وعدوّكم حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدوّه ، عدوّكم اليوم عدوّالله وعدوّ

__________________

١ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٤٣٨.

٢ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٤٣٨.

٢١٨

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أنّ عدوّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ هو عدوّ الله وعدوّكم اليوم؟ فقالوا : نعم ، قال : فقد أنزل الله تبارك وتعالى : ( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وِرَسُولِهِ اِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ ) وقال : ( لا تَنْكِحُوا المُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) فقد حرّم الله ولايتهم ، والمقام بين أظهرهم ، واجازة شهادتهم ، وأكل ذبائحهم ، وقبول علم الدين عنهم ، ومناكحتهم ومواريثهم. قد احتجّ الله علينا بمعرفة هذا ، وحقّ علينا أن نعلم هذا الدين الذين خرجنا من عندهم ، ولانكتم ما أنزل الله ، والله عزّوجلّ يقول : ( إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ البَيِّناتِ والهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيِّنّاهُ لِلنّاسِ فِى الكِتابِ اُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ ويلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ ) (١).

فبعث بالكتاب إلى عبدالله بن صفار وعبدالله بن اباض ، فأتيا به ، فقرأه عبدالله بن صفار ، فأخذه ، فوضعه خلفه فلم يقرأه على الناس خشية أن يتفرّقوا ويختلفوا ، فقال له عبدالله بن اباض : مالك لله أبوك؟ أيّ شي أصبت؟ أن قد اُصيب اخواننا؟ أو اُسر بعضُهم؟ فدفع الكتاب إليه ، فقرأه ، فقال : قاتله الله ، أيّ رأي رأى. صدق نافع بن الأزرق (لكن) لوكان القوم مشركين ، كان أصوب الناس رأياً وحكماً فيما يشير به ، وكانت سيرته كسيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المشركين.

ولكنّه قد كذب وكذبنا فيما يقول : إنّ القوم كفّار بالنعم والأحكام ، وهم براء من الشرك ، ولايحلّ لنا إلاّ دماؤهم ، وما سوى ذلك من أموالهم فهو علينا حرام (٢).

ثمّ إنّ المبرّد نقل كتاب ابن الأزرق إليهما بغير هذه الصورة ، والنقلان

__________________

١ ـ البقرة : ١٥٩.

٢ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٤٣٨ ـ ٤٤٠.

٢١٩

متّفقان في المادة ، وأضاف أنّ الكتاب ورد إلى أبي بيهس وعبدالله بن اباض ، فأقبل أبوبيهس على ابن اباض فقال : إنّ نافعاً غلا فكفر وانّك قصّرت فكفرت (١).

هذا هو عبدالله بن اباض ، وهذه زمالته مع نافع بن الأزرق وهذا فراقه له في مسألة تكفير المسلمين كفر ملّة ودين ، وهذه اباحته دماء المسلمين (بعد اتمام الحجّة) ولأجل هذه المرونة بين الاباضية ، يقول المبرّد : إنّ قول عبدالله بن اباض أقرب الأقاويل إلى أهل السنّة من أقاويل الضلال.

أوهام حول مؤسّس المذهب :

ثمّ إنّ هناك أوهاماً حول الرجل في كتب الفِرق والتواريخ :

١ ـ خرج ابن اباض في أيام مروان بن محمّد (٢) وهذا وهم فقد مات قبل أيام مروان بأربعين عاماً.

٢ ـ وقال الزبيدي : كان مبدأ ظهوره في خلافة مروان الحمار (٣).

٣ ـ وقال المقريزي : إنّه من غلاة المحكّمة وانّه خرج في أيام مروان ، ثمّ قال : ويقال : إنّ نسبة الاباضية إلى اباض ـ بضم الهمزة ـ وهي قرية باليمامة نزل بها نجدة بن عامر(٤).

وكلا الأمرين يدلاّن على أنّه ظهر بين سنتي ١٢٧ ـ ١٣٢ ، أيام حكم مروان وهو لايتّفق مع ما عليه الاباضية على أنّ وفاته كانت في أيام عبدالملك بن مروان.

__________________

١ ـ المبرّد : الكامل ٢ / ٢١٣ ـ ٢١٤ وقد مرّ ـ كتاب ابن الأزرق ـ إليهما عند البحث عن البيهسية ، فلاحظ.

٢ ـ نقله خير الدين الزركلي في الاعلام ٤ / ١٨٤ ، عن هامش الأغاني : ٣٣٠ من المجلد السابع.

٣ ـ الزبيدي : تاج العروس ، مادة ابض.

٤ ـ المقريزي : الخطط ٢ / ٣٥٥.

٢٢٠