بحوث في الملل والنّحل - ج ٥

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٤٢

الأزارقة ، الاباضية ، البيهسية ، وأمّا الصفرية والنجدية فكانوا يقولون بقول ابن أباض (١).

ولعلّ ما ذكره الأشعري في بيان اُصول فرقهم أقرب ، كما يظهر من دراسة مذهبهم ونحن نذكر الفرق الأربعة التي ذكرها الأشعري ، ونحيل بيان سائر الفرق إلى كتب المقالات والفرق ، خصوصاً المقالات للأشعري ، والفَرق بين الفِرق للبغدادي ، والملل والنحل للشهرستاني ، وانّا ضربنا الصفح عن بيان فرقهم عامّة لأنّهم قد هلكوا ولم يبق منهم على أديم الأرض سوى فرقة واحدة هي الاباضية وأقاويلها أقرب إلى أقاويل سائر المسلمين. ولأجل ذلك نرى أنّ أبا بيهس يصف نافعاً بأنّه غلى ، ويصف عبد الله بن اباض بأنّه قصَّر ، وسوف يظهر غلوّ الأوّل وتقصير الثاني حسب تعبير أبي بيهس ، وسيوافيك نصّه في محلّه.

والعجب أنّ هذه الفرق ظهرت في زمان واحد ، فصار للقوم أئمّة أربعة ، كلّ يدعو إلى نفسه.

وكانت الخوارج على رأي واحد إلى عصر ابن الزبير وبعد افتراقهم عنه حصل هناك اختلاف بين الأزارقة والنجدية كما ستعرف وصارت فرقتين ذاتي أمامين ، ولم يكن لهم إلى عهد عبدالله بن الزبير إلاّ اُصول بسيطة وهي :

١ ـ اكفار مرتكب الكبيرة.

٢ ـ انكار مبدأ التحكيم.

٣ ـ تكفير عثمان وعليّ ومعاوية وطلحة والزبير ومن سار على دربهم ورضى بأعمال عثمان وتحكيم عليّ ، على هذه الاُصول نشأوا إلى عهد ابن الزبير.

____________

١ ـ المبرّد : الكامل ٢ / ٢١٤.

١٨١

قال الكعبي : إنّ الذي يجمع الخوارج إكفار عليّ وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكلّ من رضى بتحكيم الحكمين ، والخروج على الإمام الجائر وإكفار من ارتكب الذنوب (١).

وقال الأشعري : أجمعت الخوارج على إكفار عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لأنّه حكّم ، وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا. وأجمعوا على أنّ كلّ كبيرة كفرٌ إلاّ النجدات ، فإنّها لاتقول بذلك ، وأجمعوا على أنّ الله سبحانه يعذّب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً إلاّ النجدات (٢).

وما ذكره من الاستثناء دليل على أن أكثر هذه الاُصول برزت بينهم في العصر الزبيري وما بعده ، لا في عهد الإمام علي ولا في عهد معاوية.

إذا وقفت على ذلك فلنشرع في بيان الفرق الأربعة التي ذكرها الأشعري ونترك بيان عداها إلى الكتب المعدّة لذلك.

__________________

١ ـ البغدادي : الفّرق بين الفِرق ١ / ٧٣ نقلا عن الكعبي.

٢ ـ الأشعري : مقالات الاسلاميين ١ / ٨٦.

١٨٢

الفرقة الاُولى :

الازارقة

أتباع نافع بن الأزرق المقتول سنة ٦٥ :

لمّا هلك معاوية ، تنّفس أهل الكوفة الصعداء ، فاجتمعت شيعتهم على تسليم مقاليد الخلافة للحسين عليه‌السلام فبايعوه وكاتبوه ، واستقدموه حتى يتسلّم الأمر ، فلمّا غادر الحسين المدينة ومكّة ، متوجّهاً إلى العراق خذلته الشيعة وقصّروا في نصرته ، فلمّا بلغهم قتل الحسين واستشهاده ، قام أهل المدينة بخلع يزيد عن الخلافة وأخرجوا واليه مروان بن الحكم عن المدينة ، ثمّ إنّ عبدالله بن الزبير استغلَّ الظروف ، فدعا إلى البيعة لنفسه من داخل البيت الحرام ، وكانت نتيجة ذلك أن طرد عمّال يزيد من أرض الحجاز ، فخضعت المنطقة كلّها لعبدالله بن الزبير ، ثمّ إنّ يزيد بن معاوية لمّا وقف على خطورة الموقف بعث بأشقى عُمّالِه وأغلظهم « مسلم بن عقْبَة » إلى المدينة فلمّا

١٨٣

ورد مدينة الرسول ، استباح أموالهم ونفوسهم وأعراضهم ثلاثة أيام ، فقتل في ذلك آلافاً من الأبرياء ونهبت الأموال واستبيحت الأعراض إلى درجة لم يذكر التاريخ إلى يومه مثيلا لها ، ثمّ توجّه مسلم إلى مكّة للسيطرة عليها ، فلم يصل إليها حيّاً. ومات في أثناء الطريق ، فتولّى القيادة بعده الحصين بن النمير السكوني ، وحاصر مكّة ، وفي أثناء المحاصرة ورد نعي يزيد في ربيع الآخر عام ٦٤ ، فاضطرّ الحصين إلى العودة إلى الشام ، ولمّا هلك يزيد ، قام بأعباء الخلافة معاوية بن يزيد ، ولكّنه مات بعد أن خلع نفسه عن الخلافة ، فرأى البيت الأموي خطورة الموقف ، فأجمعوا على البيعة لمروان بن الحكم ، وانتقل الملك من البيت السفياني إلى البيت المرواني عام ٦٥ ، وكان ابن الزبير مستولياً على الحجاز عامّة وفي ضمن ذلك ، الحرمان الشريفان.

استغلال الخوارج الظروف الحَرِجَة :

وقد استغلّت الخوارج تلك الظروف الحرجة بعدما لاقوا من عبيدالله بن زياد مالاقوا وقرّروا الانظمام لعبدالله بن الزبير لمحاربة الشاميين :

قال الطبري : لمّا ركب ابن زياد من الخوارج بعد قتل أبي بلال ماركب ، وقد كان قبل ذلك لايكف عنهم ولايستبقيهم ، غير أنّه بعد ما قتل أبا بلال ، تجرّد لاستئصالهم وهلاكهم واجتمعت الخوارج حين ثار ابن الزبير بمكة ... فقال نافع بن الأزرق للخوارج : إنّ الله قد أنزل عليكم الكتاب ، وفرض عليكم فيه الجهاد ، واحتجّ عليكم بالبيان ، وقد جرّدَ فيكم السيوف أهلُ الظلم ، واُولوا العدى والغشم ، وهذا من قد ثار بمكة ، فاخرجوا بنا نأتي البيت ، ونلقي هذا الرجل فإن يكن على رأينا جاهدنا معه العدو ، وإن كان على غير رأينا ، دافعنا عن البيت ما استطعنا ، ونظرنا بعد ذلك في اُمورنا ، فخرجوا حتى قدموا على

١٨٤

عبدالله بن الزبير ، فسرّ بمقدمهم ونبَّأهم أنّه على رأيهم ، وأعطاهم الرضا من غير توقّف ولا تفتيش ، فقاتلوا معه حتى مات يزيد بن معاوية وانصرف أهل الشام عن مكّة.

ثمّ إنّ القوم لقى بعضهم بعضاً فقالوا : إنّ الذي صنعتم أمس بغير رأي ولا صواب من الأمر ، تقاتلون مع رجل لاتدرون لعلّه ليس على رأيكم ، إنّما كان أمس يقاتلكم هو وأبوه ينادي : يالثارات عثمان ، وسلوه عن عثمان ، فإن برئ منه كان وليّكم ، وإن أبى كان عدوّكم. فمشوا له فقالوا له : أيّها الإنسان إنّا قاتلنا معك ولم نفتّش عن رأيك ، أمنّا أنت أم من عدوّنا فأخبرنا : ما مقالتك في عثمان؟

فنظر فإذا من حوله من أصحابه قليل ، فقال لهم : إنّكم أتيتموني ، فصادفتموني حين أردت القيام ، ولكن روحوا إليّ العشيّة ، حتى اعلمكم من ذلك الذي تريدون ، فانصرفوا ، وجاءت الخوارج وقد أقام أصحابه حوله وعليهم السلاح ، وقامت جماعة منهم عظيمة على رأسه ، بأيديهم الأعمدة ، فقال ابن الأزرق لأصحابه : خشى الرجل غائلتكم وقد ازمع بخلافكم ، واستعدّ لكم ماترون. فدنا منه ابن الأزرق فقال له : يا ابن الزبير اتّق الله ربّك وابغض الخائن المستأثر ، وعادِ أوّل من سنّ الضلالة وأحدث الأحداث ، وخالف حكم الكتاب ، فإنّك إن تفعل ذلك ، ترضي ربّك ، فتنج من العذاب الأليم نفسك ، فإن تركت ذلك ، فأنت من الذين استمتعوا بخلاقهم وأذهبوا في الحياة الدنيا طيّباتهم.

ثمّ أمر ابن الأزرق عبيدة بن هلال أن يتكلّم عنهم بما يريدون ، فقال : إنّ الناس استخلفوا عثمان بن عفان فحمى الحمى ، فآثر القربى ، واستعمل الفتى ، ورفع الدرة ، ووضع السوط ، ومزّق الكتاب ، وحقَّر المسلم ، وضرب منكري

١٨٥

الجور ، وآوى طريد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضرب السابقين بالفضل وسيّرهم وحرمهم ، ثم أخذ في الله الذي آفاءه عليهم فقسّمه بين فسّاق قريش ، ومُجّان العرب ، فصارت إليه طائفة من المسلمين أخذ الله ميثاقهم على طاعته ، لايبالون في الله لومة لائم ، فقتلوه ، فنحن لهم أولياء ، ومن ابن عفان وأوليائه براء ، فما تقول أنت يا ابن الزبير؟

وروى المبرّد في الكامل : ان ابن الأزرق سأل ابن الزبير في الغداة الذي جاء إليه وقال : ما تقول في الشيخين؟ قال : خيراً ، قالوا : فما تقول في عثمان الذي أحمى الحمى ، وآوى الطريد ، وأظهر لأهل مصر شيئاً ، وكتب بخلافه وأوطأ آل أبي معيط رقاب الناس وآثرهم بفيء المسلمين؟

وما تقول في الذي بعده ، الذي حكّم في دين الله الرجال وأقام على ذلك غير تائب ولانادم؟

وما تقول في أبيك وصاحبه وقد بايعا عليّاً وهو إمام عادل مرضي لم يظهر منه كفر ، ثم نكثا بِعَرَض من أعراض الدنيا واخرجا عائشة تقاتل ، وقد أمرها الله وصواحبها أن يقرن في بيوتهن ، وكان لك في ذلك ما يدعوك إلى التوبة ، فإن أنت كما نقول فلك الزلفة عندالله.

ثمّ إنّ ابن الزبير ترك التقية وأصحر بالعقيدة بما يخالف عليه الخوارج في حق عثمان وحق أبيه ، فلمّا سمع ذلك الخوارج تفرّقوا عنه (١).

فأقبل نافع بن الأزرق الحنظلي وعبدالله بن صفار السعدي من بني صريم ، وعبدالله بن اباض أيضاً من بني صريم ، وحنظلة بن بيهس ، وبنو الماحوز ، عبدالله وعبيدالله والزبير من بني سليط ، حتى أتوا البصرة.

وانطلق أبو طالوت وعبدالله بن ثور (أبوفديك) وعطية بن الأسود

__________________

١ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٤٣٦ ـ ٤٣٨. المبرد : الكامل : ٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٨.

١٨٦

اليشكري إلى اليمامة فوثبوا باليمامة مع أبي طالوت ، ثم أجمعوا بعد ذلك على إمامة نجدة بن عامر الحنفي وذلك في سنة ٦٤ (١).

وقال الشهرستاني : كان نجدة بن عامر ونافع بن الأزرق قد اجتمعا بمكّة مع الخوارج على ابن الزبير ثم تفرّقا عنه ، فذهب نافع إلى البصرة ثم الأهواز ، وذهب نجدة إلى اليمامة. قال نافع : التقيّة لاتحلّ ، والقعود عن القتال كفر ، فخالفه نجدة ، وقال بجواز التقية متمسّكاً بقوله تعالى : ( إلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاة ) (٢). وبقوله تعالى : ( وقالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ اِيمانَهُ ) (٣) وقال : القعود جائز والجهاد إذا أمكنه أفضل. قال الله تعالى : ( وفضَّلَ اللهُ الُمجاهِدِيْنَ عَلَى القاعِدِيْنَ اَجْراً عَظِيماً ) (٤). (٥)

ولمّا أظهر نافع أراء شاذّة عن الكتاب والسنّة والفطرة الإنسانية ، فارقته جماعة كانوا معه ، منهم « أبو فديك » وعطية الحنفي وراشد الطويل ، وتوجّهوا شطر اليمامة ، فأخبروا نجدة باحداثه وبدعه. فكتب إليه نجدة بكتاب نَقِمَ عليه احداثه واستدلّ بآيات واضحة المعنى ، وأجاب نافع بكتاب وأوّل ما استدلّ به زميله من الآيات ، وكان هو هذا انشقاقاً عظيماً بين الخوارج ، ويعرب عن وحشيّة الأزارقة ، وجمود قلبهم ، ونزع الرحمة منهم ، فكأنّهم جمادات متحرّكة شريرة سجّلوا لأنفسهم في التاريخ أكبر العار ، وأفظع الأعمال إلى حدّ تبّرأ عنهم ، سائر الفرق وليس ذلك ببعيد ، فهؤلاء أتباع المحكّمة الاُولى الذين ذبحوا عبدالله بن خباب وبقروا بطن زوجته المقرب المتم ، تلمس حدّ الشقاء

__________________

١ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٤٣٨.

٢ ـ آل عمران : ٢٨.

٣ ـ غافر : ٢٨.

٤ ـ النساء : ٩٥.

٥ ـ الشهرستاني : الملل والنحل ١ / ١٢٥.

١٨٧

من كتاب نجدة إلى نافع ومن اجابة الثاني.

قال المبرّد : إنّ أصحاب « نجدة » رأوا أنّ نافعاً قد كفَّر القعدة ورأى الاستعراض وقتل الأطفال ، انصرفوا مع نجدة ، فلمّا صار نجدة باليمامة كتب إلى نافع.

كتاب نجدة إلى نافع :

أمّا بعد : فإنّ عهدي بك وأنت لليتيم كالأب الرحيم ، وللضعيف كلأخ البّر ـ تعاضد قوي المسلمين ، وتصنع للأخرق منهم ـ لا تأخذك في الله لومة لائم ، ولاترى معونة ظالم ، كذلك كنت أنت واصحابك. أو ما تذكّر قولك : لولا انّي أعلم أنّ للإمام العادل أجر رعيّته ، ماتولَّيتُ أمر رجلين من المسلمين. فلمّا شريت نفسك في طاعة ربّك ابتغاء مرضاته ، وأصبت من الحق فصّه (١) ، وركبت مُرّه ، تجرّد لك الشيطان ، ولم يكن أحد أثقل عليه وطأةً منك ومن أصحابك ، فاستمالك واستهواك وأغواك ، فُغُوِيْتَ ، وأكفرت الذين عذرهم الله تعالى في كتابه ، من قعدة المسلمين وضَعَفَتهم ، قال الله عزّوجلّ ، وقوله الحق ، ووعده الصدق : ( لَيْسَ عَلى الضُّعَفاءِ ولا عَلَى الْمَرْضى ولا عَلَى الَّذِيْنَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذا نَصَحُوا للهِ ورسُولِهِ ) (٢) : ثمّ سمّاهم تعالى أحسن الأسماء فقال : ( ما عَلَى الُْمحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل ) (٣) ثم استحللت قتل الأطفال ، وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قتلهم ، وقال الله جلّ ثناؤه : ( ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرى ) (٤) ، وقال سبحانه في القعدة خيراً ، فقال :

__________________

١ ـ فصّه : كنهه.

٢و٣ ـ التوبة : ٩١.

٤ ـ الاسراء : ١٥.

١٨٨

( وفضَّلَ اللهُ الُمجاهِدِيْنَ عَلَى القاعِدِيْنَ اَجْراً عَظِيماً ) (١) فتفضيله المجاهدين على القاعدين لايدفع منزلة من هو دون المجاهدين ، أو ماسمعت قوله تعالى : ( لا يَسْتَوِى القاعِدُونَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ غَيْرُ أُولِى الضَّرَر ) (٢) فجعلهم من المؤمنين وفضّل عليهم المجاهدين بأعمالهم ، ثمّ إنّك لاتؤدّي أمانةً إلى من خالفك ، والله تعالى قد أمر أن تودّي الأمانات إلى أهلها ، فاتّق الله في نفسك ، واتّق يوماً لا يجزي فيه والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً ، فإنّ الله بالمرصاد ، وحكمه العدل ، وقوله الفصل ، والسَّلام.

اجابة نافع عن كتاب نجدة :

أمّا بعد : أتاني كتابك تعظني فيه ، وتذكّرني وتنصح لي وتزجرني ، وتصف ما كنتُ عليه من الحق ، وماكنتُ اُوثره من الصواب ، وأنا أسأل الله أن يجعلني من القوم الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

وعبت على مادِنْتُ ، من إكفار القعدة وقتل الأطفال ، واستحلال الأمانة من المخالفين ، وساُفسّرلك لِمَ ذلك إن شاء الله ....

أمّا هؤلاء القعدة ، فليسوا كمن ذكرت ممّن كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّهم كانوا بمكّة مقهورين محصورين لا يجدون إلى الهرب سبيلا ، ولا إلى الاتّصال بالمسلمين طريقاً ، وهؤلاء قد تفقّهوا في الدين ، وقرأوا القرآن ، والطريق لهم نهج واضح. وقد عرفت ما قال الله تعالى فيمن كان مثلهم ، قالوا : ( كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأرْضِ ) (٣). فقال : ( ألَمْ

__________________

١و٢ ـ النساء : ٩٥.

٣ ـ النساء : ٩٧.

١٨٩

تَكُنْ اَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ) (١) وقال سبحانه : ( فَرِحَ الُْمخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وكرِهُوا أنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ ) (٢) وقال : ( وجاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرابِ لِيُؤذَنَ لَهُمْ ) (٣) فخبّر بتعذيرهم ، وأنّهم كذبوا الله ورسوله ، ثمّ قال : ( سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أليِمٌ ) (٤) فانظر إلى أسمائهم وسماتهم.

وأمّا الأطفال ، فإنّ نوحاً نبيّ الله ، كان أعلم بالله منّي ومنك ، وقد قال : ( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الكافِرينَ دَيَّاراً * إنَّكَ اِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ ولا يَلِدُوا إلاّ فاجِراً كَفَاراً ) (٥) فسمّاهم بالكفر وهم أطفال ، وقبل أن يولدوا ، فكيف كان ذلك في قوم نوح ، ولاتقوله في قومنا ، والله تعالى يقول : ( اَكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ اُولئِكُمْ اَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فىِ الزُّبُرِ ) (٦) وهؤلاء كمشركي العرب ، لايقبل منهم جزية وليس بيننا وبينهم إلاّ السيف ، والإسلام.

وأمّا استحلال أمانات من خالفنا فإنّ الله تعالى أحلّ لنا أموالهم ، كما أحلّ دماءهم لنا ، فدماؤهم حلال طلق (٧) وأموالهم فيء للمسلمين ، فاتّق الله وراجع نفسك ، فإنّه لا عذر لك الاّ بالتوبة ، ولن يسعك خذلاننا والقعود عنّا وترك ما نهجناه لك من مقالتنا ، والسلام على من أقرّ بالحق وعمل به (٨).

__________________

١ ـ النساء : ٩٧.

٢ ـ التوبة : ٨١.

٣و٤ ـ التوبة : ٩٠.

٥ ـ نوح : ٢٦ ـ ٢٧.

٦ ـ القمر : ٤٣.

٧ ـ يقال : حلال طلق ، أي حلال طيّب.

٨ ـ المبرد : الكامل ٢ / ٢١٠ ـ ٢١٢ ، ونقلهما ابن أبي الحديد في الشرح لاحظ ٤ / ١٣٧ ـ ١٣٩.

١٩٠

هذا هو نافع بن الأزرق ، وهذا غلو منهجه وتطرّفه الفكري ، حيث يجوّز استعراض الناس والتفتيش عن عقائدهم وقتل الأطفال إلى غير ذلك.

وأمّا خروجه فقد بسط الكلام فيه المؤرّخون (١) على وجه لايسعنا نقله وإنّما نكتفي بما لخّصه البغدادي.

قال البغدادي : ثمّ الأزارقة بعد اجتماعها على البدع التي حكيناها عنهم بايعوا نافع بن الأزرق وسمّوه أمير المؤمنين ، وانضمّ إليهم خوارج عمان واليمامة فصاروا أكثر من عشرين ألفاً ، واستولوا على الأهواز وما وراءها من أرض فارس وكرمان وجبوا خراجها.

رسالة نافع إلى محكّمة البصرة (٢) :

وكتب إلى من بالبصرة من المحكِّمة : أمّا بعد فإنّ الله اصطفى لكم الدين فلاتموتنّ إلاّ وانتم مسلمون ، إنّكم لتعلمون أنّ الشريعة واحدة ، والدين واحد ، ففيم المقام بين أظهر الكفّار ، ترون الظلم ليلا ونهاراً ، وقد ندبكم الله عزّوجلّ إلى الجهاد ، فقال : ( وَقاتِلُوا المُشرِكينَ كافَّة ) (٣) ولم يجعل لكم في التخلّف عذراً في حال من الأحوال فقال : ( انْفِرُوا خِفافاً وثقالا ) (٤) وإنّما عذر الضعفاء والمرضى ، والذين لا يجدون ما ينفقون ، ومن كانت اقامته لعلّة ، ثم فضّل عليهم مع ذلك المجاهدين فقال : ( لا يَسْتَوِى القَاعِدُونَ مِنَ المُمؤْمِنِينَ غَيْرُ اُولِى الضَّرَرِ والُمجاهِدُونَ فِى سَبِيلِ الله ) (٥) ، فلا تغتّروا وتطمئنوا إلى الدنيا ، فإنّها غرّارة

____________

١ ـ ذكر ابن أبي الحديد مفصّل حروب الأزارقة في شرحه ، لاحظ ٤ / ١٣٦ ـ ٢٧٨.

٢ ـ المبرّد : الكامل ٢ / ٢١٣.

٣ ـ التوبة : ٣٦.

٤ ـ التوبة : ٤١.

٥ ـ النساء : ٩٥.

١٩١

مكّارة ، لذّتها نافذة ، ونعيمها بائد ، حُفَّتْ بالشهوات اغتراراً ، وأظهرت حَبْرةً (١) وأضمرت عبرة ، فليس آكلُ منها أكلةً تَسرّه ، ولا شاربُ منها شربةً تونقه (٢) إلاّ دنابها درجةً إلى أجله ، وتباعد بها مسافة من أمله ، وإنّما جعلها الله دار المتزوّد منها ، إلى النعيم المقيم ، والعيش السليم ، فليس يرضى بها حازم داراً ولا حليم قراراً ، فاتّقوا الله وتزوّدوا ، فإنّ خير الزاد التقوى ، والسلام على من اتّبع الهدى.

قال المبرّد : لمّا ورد كتابه عليهم وفي القوم يومئذ أبوبيهس هيصم بن جابر الضبعّي ، وعبدالله بن اباض المري ، فأقبل أبوبيهس على ابن أباض فقال : إنّ نافعاً غلا فكفر ، وانّك قصّرت فكفرت تزعم أنّ من خالفنا ليس بمشرك ، وانّما كفّار النعم ، لتمسّكهم بالكتاب ، وإقرارهم بالرسول ، تزعم أنّ مناكحهم ومواريثهم والاقامة فيهم حلّ طلق ، ثم أدلى أبوبيهس برأيه وسيوافيك في محلِّه.

ويظهر من هذا الكتاب والكتاب الذي كتبه إلى عبدالله بن الزبير (٣) : إنّ نافع بن الأزرق كان من المتطرّفين بين الخوارج ، ولم نجد في تاريخ الخوارج أشدّ تطرّفاً منه.

ثمّ إنّ عامل البصرة يومئذ عبدالله بن الحارث الخزاعي من قبل عبدالله بن الزبير ، فأخرج عبدالله بن الحارث جيشاً مع مسلم بن عبس بن كريز بن حبيب بن عبد شمس لحرب الأزارقة ، فاقتتل الفريقان بدولاب الأهواز ، فقتل مسلم بن عبس وأكثر أصحابه ، فخرج إلى حربهم من البصرة عمربن عبيدالله بن معمر التميمي في ألفي فارس ، فهزمته الأزارقة ، فخرج إليهم حارثة بن بدر الغداني

__________________

١ ـ الحبرة : النعمة.

٢ ـ تونقه : تعجبه.

٣ ـ المبرّد : الكامل ٢ / ٢١٢.

١٩٢

في ثلاثة آلاف من جند البصرة ، فهزمتهم الأزارقة ، فكتب عبدالله بن الزبير من مكّة إلى المهلّب بن أبي صفرة (١) وهو يومئذ بخراسان يأمره بحرب الأزارقة وولاّه ذلك ، فرجع المهلّب إلى البصرة ، وانتخب من جندها عشرة آلاف ، وانضمّ إليه قومه من الأزد فصار في عشرين ألفاً ، وخرج وقاتل الأزارقة وهزمهم عن دولاب الأهواز إلى الأهواز ، ومات نافع ابن الأزرق في تلك الهزيمة وبايعت الأزارقة بعده عبيدالله بن مأمون التميمي ، وقاتلهم المهلَّب بعد ذلك بالأهواز فقتل عبدالله بن مأمون في تلك الواقعة ، وقتل أيضاً أخوه عثمان بن مأمون مع ثلاثمائة من أشدّ الأزارقة ، وانهزم الباقون منهم إلى أيدج وبايعوا قطريّ بن الفجاءة (٢) وسمّوه أمير المؤمنين ، وقاتلهم المهلّب بعد ذلك حروباً سجالا (٣) ، وانهزمت الأزارقة في آخرها إلى سابور من أرض فارس ، وجعلوها دار هجرتهم ، وثبت المهلَّب وبنوه وأتباعهم على قتالهم تسع عشرة سنة ، بعضها في أيام عبدالله بن الزبير ، وباقيها في زمان خلافة عبدالملك بن مروان وولاية الحجّاج على العراق ، وقرّر الحجّاج المهلَّب على حرب الأزارقة ، فدامت

__________________

١ ـ هو أبوسعيد : المهلب بن أبي صفرة ـ واسم أبي صفرة ظالم بن سراق ، الأزدي ، من أزد العتيك. كان المهلّب من أشجع الناس. وهو الذي حمى البصرة من الخوارج حتى سمّاها الناس بصرة المهلّب. ولاّه عبدالله بن الزبير خراسان في سنة ٦٥ ، فحارب الأزارقة وأفنى منهم عدداً كثيراً ، ثمّ ولّي قتالهم في عهد عبدالملك ابن مروان ، وفي شهر ذي الحجة من سنة ٨٢ مات (المعارف ٣٩٩ ، العبر : ١ / ٧٢ ـ ٧٥ ـ ٧٧ ـ ٨٨ ـ ٩٢ ـ ٩٥).

٢ ـ هو أبو نعامة : قطري بن الفجاءة ، أحد بني حرقوص بن مازن بن مالك ابن عمرو بن تميم ، خرج في أيام عبدالله بن الزبير وبقي عشرين سنة يسلّم عليه بالخلافة ، وفي أيام عبدالملك بن مروان وجّه إليه الحجاج جيشاً بعد جيش ، وكان آخرها بقيادة سفيان بن الأبرد الكلبي ، فقتله ـ ويقال : عثرت به فرسه فمات ـ وأتى الحجاج برأسه ، وذلك في سنة ٧٩ (المعارف ٤١١ ، العبر : ١ / ٩٠).

٣ ـ تقول « كانت الحرب بين الفريقين سجالا » تعني أنّ النصر يكون لهذا الفريق مرّة ولذلك مرّة اُخرى ، وأصل السجال جمع سجل وهو الدلو.

١٩٣

الحرب في تلك السنين بين المهلّب وبين الأزارقة وفرّوافيما بين فارس والأهواز ، إلى أن وقع الخلاف بين الأزارقة ففارق عبد ربّه الكبير قطرياً وصار إلى واد بجيرفت كرمان في سبعة آلاف رجل ، وفارقه عبد ربّه الصغير في اربعة آلاف ، وصار إلى ناحية اُخرى من كرمان ، وبقي قطري في بضعة عشر ألف رجل بأرض فارس ، وقاتله المهلّب بها ، وهزمه إلى أرض كرمان وتبعه وقاتله بأرض كرمان وهزمه منها إلى الري ، ثم قاتل عبد ربّه الكبير فقتله ، وبعث بابنه يزيدبن المهلّب إلى عبد ربّه الصغير فأتى عليه وعلى أصحابه ، وبعث الحجّاج سفيان ابن الأبرد الكلبي في جيش كثيف إلى قطري بعد أن انحاز من الري إلى طبرستان فقتلوه بها ، وأنفذوا برأسه إلى الحجّاج وكان عبيدة بن هلال اليشكري (١) قد فارق قطريّاً وانحاز إلى قومس ، فتبعه سفيان بن الأبرد وحاصره في حصن قومس إلى أن قتله وقتل أتباعه ، وطهّر الله بذلك الأرض من الأزارقة ، والحمدلله على ذلك (٢).

وفي الختام نقول : يظهر من كتبه ورسائله أنّ الرجل كان حافظاً للقرآن ، ومقرئاً له ، ويؤيّد ذلك ما نقله السيوطي أنّ نافع بن الأزرق لمّا رأى عبدالله بن عباس جالساً بفناء الكعبة ، وقد اكتنفه الناس ويسألونه عن تفسير القرآن ، فقال لنجدة بن عويمر الحروري : قم بنا إلى هذا الذي يجتري على تفسير القرآن بما لا علم له به ، فقاما إليه فقالا : إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله ، فتفسّرها لنا وتأتينا بمصادقه من كلام العرب ، فإنّ الله تعالى أنزل القرآن بكتاب عربي مبين ، فقال ابن عباس : سلاني عمّا بدالكم ، فقال نافع : أخبرني عن قول

__________________

١ ـ عبيدة بن هلال : أحد بني يشكر بن بكر بن وائل.

٢ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٤٧٦. والجزري : الكامل ٣ / ٣٤٩. ابن عبد ربه : العقد الفريد ١ / ٩٥ ـ ١٢١.

١٩٤

الله تعالى : ( عن الَيمينِ وعنِ الشّمالِ عِزِين ) (١).

قال : العزون حلق الرقاق ، فقال : هل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :

فجاءوا يهرعون إليه حتى

يكونوا حول منبره عزينا

ثم سألاه عن أشياء كثيرة عن لغات القرآن الغريبة ، ففسّرها مستشهداً بالشعر الجاهلي ، وربّما تبلغ الأسئلة والأجوبة إلى مائتين ، ولو صحّت تلك الرواية لدلّت على صلة السائلين بالقرآن صلة وثيقة ، كما تدلّ على نبوغ ابن عباس في الأدب العربي وإلمامه بشعر العرب الجاهلي حيث استشهد على كل لغة فسّرها بشعر عنهم ، فجاءت الأسئلة والأجوبة في غاية الاتقان (٢).

إنّ ابن الأرزق كان يتعلّم من ابن عباس ما يجهله من مفاهيم القرآن ، نقل عكرمة عن ابن عباس انّه بينما كان يحدّث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق ، فقال له : يا ابن عباس تفتي الناس في النملة والقملة؟ صف لي إلهك الذي تعبد ، فأطرق ابن عباس إعظاماً لقوله ، وكان الحسين بن عليّ جالساً ناحية فقال : إليّ يا ابن الأزرق ، قال ابن الأزرق : لست إيّاك أسأل ، قال ابن عباس : يا ابن الأزرق ، إنّه من أهل بيت النبوّة وهم ورثة العلم ، فأقبل نافع نحو الحسين ، فقال له الحسين : يا نافع إنّ من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الالتباس ، سائلا ناكباً عن المنهاج ، ظاعناً بالاعوجاج ، ضالاّ عن السبيل ، قائلا غير الجميل.

يا ابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه واعرّفه بما عرّف به نفسه : لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، قريب غير ملتصق ، وبعيد غير منقص ،

__________________

١ ـ المعارج : ٢٧.

٢ ـ السيوطي الاتقان ١ / ٣٨٢ ـ ٤١٦ ط دار ابن كثير دمشق بيروت ، تحقيق الدكتور مصطفى.

١٩٥

يوحّد ولا يتبعّض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلاّ هو الكبير المتعال.

فبكى ابن الأزرق ، وقال : يا حسين ما أحسن كلامك؟ قال له الحسين : بلغني أنّك تشهد على أبي وعلى أخي بالكفر وعليّ؟ قال ابن الأزرق : أما والله يا حسين لئن كان ذلك لقد كنتم منارالإسلام ونجوم الأحكام. فقال له الحسين : إنّي سائلك عن مسألة. قال : اسأل ، فسأله عن هذه الآية : ( وامّا الْجِدارَ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ ) (١).

يا ابن الأزرق من حفظ في الغلامين؟ قال ابن الأزرق : أبوهما. قال الحسين : فأبوهما خير أم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال ابن الأزرق : قد أنبأنا الله تعالى أنّكم قوم خصمون (٢).

آراء الأزارقة وعقائدهم :

إنّ للأزارقة أهواء متطرّفة وبدعاً فظيعة وقد تشترك في بعضها مع سائر الفرق :

١ ـ قولهم : إنّ مخالفيهم من هذه الاُمّة مشركون ، وكانت المحكّمة الاُولى يقولون : إنّهم كفرة لامشركون.

٢ ـ قولهم : إنّ القعدة ـ ممّن كان على رأيهم ـ عن الهجرة إليهم مشركون.

٣ ـ اوجبوا امتحان من قصد عسكرهم إذا ادّعى أنّه منهم : أن يدفع إليه أسيراً من مخالفيهم ويأمره بقتله ، فإن قتله صدَّقوه في دعواه أنّه منهم ، وإن لم

__________________

١ ـ الكهف : ٨٢.

٢ ـ ابن عساكر : تاريخ مدينة دمشق. قسم حياة الإمام الحسين : ١٥٨. بتحقيق محمد باقر المحمودي ، والمجلسي : بحار الأنوار ٤ / ٢٩٧ (ذيل الحديث يحتاج إلى توضيح).

١٩٦

يقتله قالوا : هذا منافق مشرك ، وقتلوه.

٤ ـ اباحة قتل أطفال المخالفين ونسائهم ، والمقصود : المسلمون ، وزعموا أنّ الأطفال مشركون ، وقطعوا بأنّ أطفال مخالفيهم مخلّدون في النار مع آبائهم.

٥ ـ اسقاط الرجم عن الزاني ، إذ ليس في القرآن ذكره ، واسقاط حدّ القذف عمّن قذف المحصنين من الرجال (١) مع وجوب الحدّ على قاذف المحصنات من النساء.

٦ ـ إنّ التقيّة غير جائزة في قول ولا عمل.

٧ ـ تجويزهم أن يبعث الله نبيّاً يعلم أنّه يكفر بعد نبوّته ، أو كان كافراً قبل البعثة.

٨ ـ اجتمعت الأزارقة على أنّ من ارتكب الكبيرة كفر كفر ملّة ، خرج به عن الاسلام جملة ، ويكون مخلّداً في النار مع سائر الكفّار ، واستدلّوا بكفر ابليس وقالوا : ما ارتكب إلاّ كبيرة ، حيث اُمر بالسجود لآدم عليه‌السلام فامتنع ، وإلاّ فهو عارف بوحدانيّة الله تعالى (٢).

٩ ـ إنّ دار مخالفيهم دار كفر ، وقالوا : إنّ مخالفيهم مشركون فلا يلزمنا اداء أماناتهم إليهم ، وسيوافيك تحليل عقائدهم في فصل خاص.

__________________

١ ـ بحجّة أنّه سبحانه قال : ( والّذين يَرْمُونَ الُمحَصَنات ) (النور : ٤) ولم يقل : والذين يرمون المحصنين.

٢ ـ البغدادي : الفَرق بين الفرِق : ٨٣ ، الشهرستاني : الملل والنحل ١ / ١٢١ ـ ١٢٣.

١٩٧
١٩٨

الفرقة الثانية :

النجديَّة

وهم أتباع نجدة بن عامر الحنفي ، ومن الغريب أنّه كان للخوارج إمامان في وقت واحد ، إمام في البصرة وهو نافع بن الأزرق ، وإمام في اليمامة وأطرافها وهو نجدة بن عامر ، وذلك انّه لمّا أظهر نافع آراءه المستهجنة الشاذّة كالبراءة من القعدة حتّى سمّاهم مشركين ، واستحلّ قتل أطفال مخالفيه ونسائهم ، تبرّأ منه عدّة من الخوارج ، منهم أبو فديك ، وعطية الحنفي ، وراشد الطويل ، ومقلاص ، وأيّوب الأزرق ، فذهبوا إلى اليمامة ، فاستقبلهم نجدة بن عامر في جند من الخوارج يريدون اللحوق بعسكر نافع ، فأخبروهم باحداث نافع وردّوهم إلى اليمامة ، وبايعوا بها نجدة بن عامر ، وكفّروا من قال بإكفار القعدة منهم عن الهجرة إليهم ، وأكفروا من قال بإمامة نافع ، وأقاموا على إمامة نجدة إلى أن اختلفوا عليه في اُمور نقموها منه.

١٩٩

ثمّ الذين اختلفوا عليه بعد ما اجتمعوا حوله صاروا ثلاث فرق :

١ ـ فرقة صارت مع عطيّة بن الأسود الحنفي ففارقهم إلى سجستان ، وتبعهم خوارج سجستان ، ولهذا قيل لخوارج سجستان في ذلك الوقت : عطويّة.

٢ ـ فرقة صارت مع أبي فديك وهم الذين قتلو نجدة.

٣ ـ وفرقة عذروا نجدة في ما أحدثه من البدع وأقاموا على إمامته.

والذين خالفوه نقموا عليه الاُمور التالية :

الف ـ إنّه بعث جيشاً في غزو البّر وجيشاً في غزو البحر ، ففضّل الذين بعثهم في البّر على الذين بعثهم في البحر في الرزق والعطاء.

ب ـ بعث جيشاً فأغاروا على مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصابوا منها جارية من بنات عثمان ، فكتب إليه عبدالملك في شأنها ، فاشتراها نجدة من الذي كانت في يديه ، وردّها إلى عبدالملك بن مروان ، فقالوا له : إنّك رددت جارية لنا على عدوّنا.

ج ـ عذر أهل الخطأ في الاجتهاد إذا كان سببه الجهل وذلك يعود إلى الحادثة التالية:

بعث ابنه المضرج مع جند من عسكره إلى القطيف ، فأغاروا عليها ، وسبوا منها النساء والذرّية وقوَّموا النساء على أنفسهم ، فنكحوهنّ قبل اخراج الخمس من الغنيمة ، وقالوا : إن دخلت النساء في قسمنا فهو مرادنا ، وإن زادت قيمتهنّ على نصيبنا من الغنيمة غرمنا الزيادة من أموالنا ، فلمّا رجعوا إلى « نجدة » وسألوه عمّا فعلوا من وطء النساء ، ومن أكل طعام الغنيمة قبل اخراج الخمس منها ، وقبل قسمة أربعة أخماسها بين الغانمين ، قال لهم : لم يكن لكم ذلك ، فقالوا : لم نعلم أنّ ذلك لا يحلّ لنا ، فعذَّرهم بالجهالة. ثم قال : إنّ الدين

٢٠٠