شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

لكنه مع ذلك غير مطرد ، إلا فى باب افتعل ؛ لما يجىء ، نحو تراث وتجاه وتولج وتترى (١) من المتواترة ، والتّلج (٢) والتّكأة (٣) وتقوى من وقيت ، وتوراة (٤) عند البصريين فوعلة من ورى الزند ، كتولج ؛ فان كتاب الله نور

__________________

بحرف اللين الساكن مع التاء لما بينهما من مقاربة المخرج ومنافاة الوصف ؛ لأن حرف اللين من الجمهور والتاء من المهموس» ا ه. هذا على المصطلح عليه فى معنى الهمس ، ولعله يريد منه معنى أوسع من المعنى : الاصطلاحى كالذى ذكره صاحب اللسان عن شمر حيث قال : «قال شمر : الهمس من الصوت والكلام : مالا غرر له فى الصدر ، وهو ما همس فى الفم»

(١) قال فى اللسان : «وجاءوا تترى ، وتترى (الأول غير منون والثانى منون) : أى متواترين ، التاء مبدلة من الواو ؛ قال ابن سيده : وليس هذا البدل قياسا ، إنما هو فى أشياء معلومة ، ألا ترى أنك لا تقول فى وزير : تزير ، إنما تقيس على إبدال التاء من الواو فى افتعل وما تصرف منها إذا كانت فاؤه واوا ؛ فأن فاءه تقلب تاء وتدغم فى تاء افتعل التى بعدها ، وذلك نحو اتزن ، وقوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) من تتابع الأشياء وبينها فجوات وفترات ؛ لأن بين كل رسولين فترة ، ومن العرب من ينونها فيجعل ألفها للالحاق بمنزلة أرطى ومعزى ، ومنهم من لا يصرف ، يجعل ألفها للتأنيث بمنزلة ألف سكرى وغضبى ؛ قال الأزهرى : قرأ أبو عمرو وابن كثير تترى منونة ، ووقفا بالألف ، وقرأ سائر القراء تترى غير منونة» ا ه

(٢) التلج : فرخ العقاب ، وهو مأخوذ من الولوج ، فأصله ولج كصرد

(٣) التكأة ـ كتخمة ـ : العصا ، وما يتكأ عليه ، والرجل الكثير الاتكاء ، وأصله وكأة ، بدليل توكأت

(٤) اختلف النحويون فى التوراة ؛ فقال البصريون تاؤها بدل من الواو ، وأصلها ووراة على وزن فوعلة ، وذهبوا إلى أن اشتقاقها من ورى الزند ؛ إذا أخرج النار ، وذلك لأن كتاب الله تعالى يهتدى به ، والنار مصدر النور الذى يهتدى به ؛ ونصر هذا المذهب أبو على الفارسى ؛ لأن فوعلة فى الكلام أكثر من تفعلة مثل الحوصلة والجوهرة والدوخلة والحوقلة ، وهو مصدر قياسى لكل فعل على

٨١

وعند الكوفيين هما تفعلة وتفعل ، والأول أولى ؛ لكون فوعل أكثر من تفعل

والتاء أقل مناسبة للياء منها للواو ، فلذلك قل إبدالها منها ، وذلك فى ثنتان وكلتا على قول (١)

وإبدال التاء من الواو [فى الأول] أكثر منه فى غيره ، نحو أحت وبنت ، ولو لا أداؤها لشىء من معنى التأنيث لم تبدل من الواو فى الآخر ، فلما كثر إبدال التاء من الواو فى الأول واجتمع معه فى نحو أوتعد واوتصل داع إلى قلبها مطلقا ، صار قلبها تاء لازما مطردا ، وذلك الداعى إلى مطلق القلب حصول التخالف فى تصاريفه بالواو والياء لو لم يقلب ، إذ كنت تقول : ايتصل ، وفيما لم يسم فاعله اوتصل ، وفى المضارع واسم الفاعل والمفعول يوتصل موتصل موتصل ، وفى الأمر ايتصل ، فلما حصل هذا الداعى إلى مطلق قلبها إلى حرف جلد لا يتغير فى الأحوال ـ وللواو

__________________

مثال فوعل ، والحمل على الكثير أولى ، وذهب قوم منهم أبو العباس المبرد إلى أن توراة تفعلة ـ بكسر العين ـ وأصلها تورية مصدر ورى ـ بالتضعيف ـ ثم نقلت حركة الياء إلى ما قبلها ثم قلبت الياء ألفا على لغة طيىء الذين يقولون : باداة وناصاة وجاراة وتوصاة فى بادية وناصية وجارية وتوصية ؛ فصار توراة والاشتقاق عندهم كالاشتقاق عند الفريق الأول ، إلا أن فعل هذا مضعف العين ، وضعف النحاة هذا المذهب بأن تفعلة فى الأسماء قليل ؛ وأنت لو تدبرت ما ذكرناه لعلمت أن أبا العباس لم يحمله على القليل ؛ إذ القليل إنما هو تفعلة من الأسماء ، فأما المصادر فأكثر من أن يبلغها الحصر ، وهذا الوزن قياس مطرد فى مصدر فعل المضعف العين المعتل اللام كالتزكية والتعزية والتوصية ومهموز اللام كالتجزئة والتهنئة ، ويأتى قليلا فى صحيح اللام نحو التقدمة ، ومن القليل فى الأسماء التدورة وهو المكان المستدير تحيط به الجبال والتتوبة وهى اسم بمعنى التوبة ، ولو لا ما فيه من قلب الياء ألفا اكتفاء بجزء العلة لكان مذهبا قويا

(١) انظر فى الكلام على هاتين الكلمتين (ج ١ ص ٢٢١)

٨٢

بانقلابها تاء عهد قديم ـ كان انقلابها تاء ههنا أولى ، ولا سيما [و] بعدها تاء الافتعال ، وبانقلابها إليها يحصل التخفيف بالإدغام فيها ، والياء وإن كانت أبعد عن التاء [من الواو] وإبدالها منها أقل ، كما ذكرنا ، لكن شاركت الواو ههنا فى لزوم التخالف لو لم تقلب ، إذ كنت تقول ايتسر ، وفى المبنى للمفعول اوتسر ، وفى المضارع ييتسر ، وفيما لم يسم فاعله يوتسر ، وفى الفاعل والمفعول موتسر وموتسر ، فأتبعت الياء الواو فى وجوب القلب والإدغام فقيل : اتّسر ،

وأما افتعل من المهموز الفاء ـ نحو ائتزر وائتمن ـ فلا تقلب ياؤه تاء ؛ لأنه وإن وجب قلب همزته مع همزة الوصل المكسورة ياء ، وحكم حروف العلة المنقلبة عن الهمزة انقلابا واجبا حكم حروف العلة ، لا حكم الهمزة ، كما تبين فى موضعه ، لكن لما كانت همزة الوصل لا تلزم ؛ إذ كنت تقول نحو «قال ائتزر» فترجع الهمزة إلى أصلها ؛ روعى أصل الهمزة ، وبعض البغاددة جوّز قلب يائها تاء فقال : اتّزر واتّسر ، وقرىء شاذا (الّذى اتّمن أمانته)

وبعض أهل الحجاز لا يلتفت إلى تخالف أبنية الفعل ياء وواوا ، فيقول : ايتعد وايتسر ، ويقول فى المضارع : ياتعد وياتسر ، ولا يقول يوتعد وييتسر ، استثقالا للواو والياء بين الياء المفتوحة والفتحة ، كما فى ياجل وياءس ، واسم الفاعل موتعد وموتسر ، والأمر ايتعد وايتسر ، هذا عندهم قياس مطرد

قال : «وتقلب الواو ياء إذا انكسر ما قبلها ، والياء واوا إذا انضمّ ما قبلها ، نحو ميزان وميقات ، وموقظ وموسر»

أقول : اعلم أن الواو إذا كانت ساكنة غير مدغمة وقبلها كسرة ، فلا بد من قلبها ياء ، سواء كانت فاء كميقات ، أو عينا نحو قيل (١) ؛ وأما إذا كانت

__________________

(١) لا خلاف بين العلماء فى أن أصل قيل قول ـ بضم القاف وكسر الواو ، وقد اختلفوا فى الطريق التى وصلت بها هذه الكلمة إلى ذلك ، واستمع للمؤلف

٨٣

لاما فتقلب ياء وإن تحركت كالداعى ؛ لأن اللام محل التغيير ، وإن كانت فاء متحركة مكسورا ما قبلها لم تقلب ياء ، نحو إوزّة ، وأصله إوززة ، وكذا العين نحو عوض ، إلا أن تكون عين مصدر معلّ فعله ، نحو قام قياما ، أو عين جمع معل واحده كديم (١) ، كما يجىء بعد ، وإنما لم تقلب المتحركة التى ليست لاما ياء لكسرة ما قبلها لقوتها بالحركة ، فلا تجذبها حركة ما قبلها إلى

__________________

فى شرح الكافية (ج ٢ ص ٢٥١) حيث يقول : «فى ما اعتل عينه من الماضى الثلاثى نحو قال وباع فيما بنى للمفعول منه ثلاث لغات : قيل وبيع باشباع كسرة الفاء ـ وهى أفصحها ، وأصلهما قول وبيع ، استثقلت الكسرة على حرف العلة فحذفت عند المصنف ولم تنقل إلى ما قبلها ، قال : لأن النقل إنما يكون إلى الساكن دون المتحرك ؛ فبقى قول وبيع ـ بياء ساكنة بعد الضمة ـ فبعضهم بقلب الياء واوا لضمة ما قبلها ؛ فيقول : قول ونوع ، وهى أقل اللغات ، والأولى قلب الضمة كسرة فى اليائى فيبقى بيع ؛ لأن تغيير الحركة أقل من تغيير الحرف ، وأيضا لأنه أخف من بوع ، ثم حمل «قول» عليه لأنه معتل عين مثله ؛ فكسرت فاؤه ، فانقلبت الواو الساكنة ياء. وعند الجزولى استثقلت الكسرة على الواو والياء فنقلت إلى ما قبلهما ؛ لأن الكسرة أخف من حركة ما قبلهما ، وقصدهم التخفيف ما أمكن ؛ فيجوز على هذا نقل الحركة إلى متحرك بعد حذف حركته إذا كانت حركة المنقول أخف من حركة المنقول إليه ، فبقى قول وبيع ، فقلبت الواو الساكنة ياء كما فى ميزان ؛ قال : وبعضهم يسكن العين ولا ينقل الكسرة إلى ما قبلها ؛ فيبقى الواو على حالها ، ويقلب الياء واوا ؛ لضمة ما قبلها ، وهذه أقلها ؛ لثقل الضمة والواو ، والأولى أولى ؛ لخفة الكسرة والياء ، وقول الجزولى أقرب ؛ لأن إعلال الكلمة بالنظر إلى نفسها أولى من حملها فى العلة على غيرها ، والمصنف إنما اختار حذف الكسرة لاستبعاد نقل الحركة إلى متحرك ، ولا بعد فيه على ما بينا» ا ه

(١) الديم : جمع ديمة ـ ككسرة وكسر ـ وهى المطر الدائم فى سكون ليس فيه رعد ولا برق. انظر (ح ٢ ص ١٠٤)

٨٤

ناحيتها ، مع كونها فى غير موضع التغيير ، وكذا إذا كانت مدغمة ، نحو اجلوّاذ (١) ، لأنها إذن قوية فصارت كالحرف الصحيح ، وقد تقلب المدغمة ياء ، نحو اجليواذ ، وديوان ، كما تقلب الحروف الصحيحة المدغمة ياء ، نحو دينار

قوله «والياء واوا إذا انضم ما قبلها» إذا انضم ما قبل الياء فان كانت ساكنة متوسطة فلا يخلو : إما أن تكون قريبة من الطرف ، أو بعيدة منه.

فان كانت بعيدة منه بأن يكون بعدها حرفان قلبت الياء واوا ، سواء كانت زائدة كما فى بوطر (٢) أو أصلية كما فى كولل ، على وزن سودد من الكيل ، وكذا فعلل يفعلل منه ، نحو كولل يكيلل ، وسواء كانت الياء فاء كموقن وأوقن ، أو عينا نحو كولل ، إلا فى فعلى صفة نحو كيصى (٣) وضيزى (٤) وفى فعلان جمعا نحو بيضان ، كما يجىء حكمهما ، ولا تقلب الضمة لأجل الياء كسرة ، وذلك لأن الياء بعيدة من الطرف ؛ فلا يطلب التخفيف بتبقيتها بحالها ، بل تقلب واوا إبقاء على الضمة ؛ إذ الحركات إذا غيرت تغير الوزن ، وبإبدال

__________________

(١) الاجلواذ : مصدر اجلوذ الليل ؛ إذا ذهب ، واجلوذ بهم السير ؛ إذا دام مع السرعة فيه. انظر (ح ١ ص ٥٥ و ١١٨)

(٢) بوطر : مبنى للمجهول ، ومعلومه بيطرت الدابة ، والياء فيه زائدة للألحاق بدحرج ، والبيطرة : معالجة الدواب ، وانظر (ح ١ ص ٣)

(٣) يقال : رجل كيصى ؛ إذا كان ينزل وحده ويأكل وحده ، وأصله كيصى ـ بالضم ـ قلبت الضمة كسرة لتسلم الياء ، وإنما قلنا : أصله الضم ؛ لأن فعلى ـ بالكسر ـ لا يكون وصفا ، وفعلى ـ بالضم ـ كثير فى الصفات

(٤) يقال : ضاز فى الحكم ؛ إذا جار ، وضازه حقه يضيزه ضيزا ؛ إذا نقصه وبخسه ، وقسمة ضيزى : أى جائرة ، وأصلها ضيزى ـ بالضم ـ أبدلت الضمة كسرة لما قلنا فى كيصى

٨٥

الحرف لا يتغير ، والإبقاء على الوزن أولى إذا لم يعارض ذلك موجب لابقاء الياء على حالها مثل قربها من الطرف الذى هو محل التخفيف ، كما فى بيض ، وإذا كانت الضمة التى قبلها من كلمة والياء الساكنة من كلمة أخرى ، نحو يا زيد اوأس ، قال سيبويه : يقول بعض العرب : يا زيد ايأس ، بالياء ، تشبيها بقيل مشمّا ، واستضعفه سيبويه ، وقال : يلزم أن يقال : يا غلام اوجل ، بالواو ، مع كسرة ما قبلها ، ولهم أن يفرقوا باستثقال الواو فى أول الكلمة مع كسرة ما قبلها ، بخلاف الياء المضموم ما قبلها ، إذ ثبت له نظير نحو قيل ؛

وإن كانت قريبة من الطرف بأن يكون بعدها حرف ؛ فإن كان جمع أفعل كبيض وجب قلب الضمة كسرة إجماعا ؛ لاستثقالهم الجمع مع قرب الواو من الطرف الذى هو محل التخفيف ، وحمل فعلان عليه ؛ لكونه بمعناه ، مع أن فعلا أكثر كبيض وبيضان ، وجعل ياء فعلى صفة كحيكى (١) وضيزى كالقريبة من الطرف ؛ لخفة الألف مع قصد الفرق بين فعلى اسما وبينها صفة ، والصفة أثقل والتخفيف بها أولى ، فقيل طوبى فى الاسم وضيزى فى الصفة ، وأما بيع فأصله بيع ، حذفت كسرته ثم قلبت الضمة كسرة ، وبعضهم يقول بوع بتغيير الحرف دون الحركة حملا على قول ، وإن لم تكن القريبة من الطرف شيئا من هذه الأشياء كفعل من البيع وتفعل منه فقد يجىء الخلاف فيها ، وإن كانت الياء المضموم ما قبلها لاما فإنه يكسر الضم نحو الترامى ، وإن كانت متحركة أيضا ، ولا تقلب واوا ؛ لأن آخر الكلمة ينبغى أن يكون خفيفا ، حتى لو كان واوا قبلها ضمة قلبت ياء والضمة كسرة كالتّغازى

__________________

(١) يقال : امرأة حيكى ؛ إذا كان فى مشيها تبختر واختيال ، قال سيبويه : «أصلها حيكى فكرهت الياء بعد الضمة ، وكسرت الحاء لتسلم الياء ، والدليل على أنها فعلى أن فعلى (بكسر الفاء) لا تكون صفة البتة» اه

٨٦

وإن كانت الياء المضموم ما قبلها خفيفة متحركة ؛ فإن كانت فاء أو عينا سلمت : سواء كانت مفتوحة كميسّر وهيام (١) وعيبة (٢) أو مضمومة نحو تيسّر وعين فى جمع عيان (٣) وبيض فى جمع بيوض (٤) كما ذكرنا فى باب الجمع ، وإن كانت لاما كسرت الضمة كما ذكرنا ؛ لأن الآخر محل التخفيف

وإن كانت الياء المضموم ما قبلها مشددة سلمت نحو سيّل (٥) وميّل (٦) وإن كانت أخيرا : فإن كانت الكلمة على فعل كلىّ فى جمع ألوى (٧) جاز إبقاء الضمة وجعلها كسرة ، وإن لم يكن كذلك وجب قلب الضمة كسرة ؛ لثقل الكلمة مع قرب الضمة من الآخر نحو سلىّ

قال : «وتحذف الواو من [نحو] يعد ويلد ؛ لوقوعها بين ياء وكسرة أصليّة ، ومن ثمّ لم يبن مثل وددت ـ بالفتح ـ لما يلزم من إعلالين فى يدّ ، وحمل أخواته نحو تعد ونعد وأعد وصيغة أمره عليه ، ولذلك حملت فتحة يسع ويضع على العروض ، ويوجل على الأصل ، وشبّهتا

__________________

(١) الهيام ـ كغراب ـ : أن يصير العاشق هائما متحيرا كالمجنون

(٢) يقال : رجل عيبة ـ كهمزة ـ إذا كان كثير العيب للناس

(٣) العيان ـ ككتاب ـ : حديدة تكون فى متاع الفدان وجمعها عين ـ ككتب ـ وقد تسكن العين تخفيفا ، كما قالوا فى رسل : رسل ، انظر (ح ٢ ص ١٢٧)

(٤) تقول : دجاجة بيوض وبباضة ، إذا كانت كثيرة البيض ، ودجاجات بيض ـ بضمتين ـ انظر (ح ٢ ص ١٢٨)

(٥) سيل : جمع سائل اسم فاعل من سال الماء يسيل

(٦) ميل : جمع مائل اسم فاعل من مال يميل إذا عدل عن الشىء وانحرف

(٧) يقال : قرن ألوى ؛ إذا كان ملتويا معوجا ، والألوى أيضا : الشديد من الرجال وغيرهم ؛ قال امرؤ القيس :

ألا ربّ خصم فيك ألوى رددته

نصيح على تعذاله غير مؤتل

٨٧

بالتّجارى والتّحارب ، بخلاف الياء فى نحو ييسر وييئس ، وقد جاء يئس ، وجاء ياءس كما جاء ياتعد ، وعليه جاء موتعد وموتسر فى لغة الشّافعىّ ، وشذّ فى مضارع وجل ييجل وياجل وييجل ، وتحذف الواو من نحو العدة والمقة ، ونحو وجهة قليل»

أقول : اعلم أن الفعل فرع على الاسم فى اللفظ كما فى المعنى ؛ لأنه يحصل بسبب تغيير حركات حروف المصدر ؛ فالمصدر كالمادة والفعل كالمركب من الصورة والمادة ، وكذا اسم الفاعل والمفعول والموضع والآلة ، وجميع ما هو مشتق من المصدر ، وعادتهم جارية بتخفيف الفروع كما ظهر لك فيما لا ينصرف ؛ لأنها لاحتياجها إلى الأصول فيها ثقل معنوى ؛ فخففوا ألفاظها تنبيها عليه ، وفى الفعل ثقل من وجه آخر وهو أن ثلاثيه ـ وهو أكثره ـ لا يجىء ساكن العين ، وأنه يجر عيالا كالفاعل ضرورة ، والمفعول والحال والتمييز كثيرا ، وأيضا يتصل بآخر الفعل كثيرا ما يكون الفعل معه كالكلمة الواحدة ـ أعنى الضمائر المتصلة المرفوعة ـ والمضارع فرع الماضى بزيادة حرف المضارعة عليه ؛ فلذا يتبع الماضى فى الإعلال كما سنبين ، والأمر فرع المضارع ؛ لأنه أخذ منه على ما تقدم ؛ فعلى هذا صار الفعل أصلا فى باب الإعلال ؛ لكونه فرعا ولثقله ، ثم تبعه المصدر الذى هو أصله فى الاشتقاق كالعدة والإقامة والاستقامة والقيام ، وسائر الأسماء المتصلة بالفعل كاسم الفاعل والمفعول والموضع كقائم ومقيم ومقام على ما سيتبين بعد ، وخفف المضارع لأدنى ثقل فيه ، وذلك كوقوع الواو فيه بين ياء مفتوحة وكسرة : ظاهرة كما فى يعد ، أو مقدرة كما فى يضع ويسع ؛ فحذف الواو لمجامعتها للياء على وجه لم يمكن معه إدغام إحداهما فى الأخرى كما أمكن فى طىّ ، ولا سيما مع كون الكسرة بعد الواو ، والكسرة بعض الياء ، ومع كون حركة ما قبل الواو غير موافقة له كما وافقت فى يوعد مضارع أوعد ، وإنما حذفت الواو دون الياء لكونها أثقلهما ، مع أن الياء علامة المضارعة ، وأن

٨٨

الثقل حصل من الواو ؛ لكونها الثانية ، ثم تحذف الواو مع سائر حروف المضارعة من تعد وأعد ونعد ؛ طردا للباب ، والأمر مأخوذ من المضارع المحذوف الواو نحو تعد ؛ ولو أخذناه أيضا من توعد الذى هو الأصل لحذفناها أيضا ؛ لكونه فرعه.

وأما المصدر فلما كان أصل الفعل فى الاشتقاق لم يجب إعلاله باعلال الفعل ، إلا إذا كان جزء مقتضى الإعلال فيه ثابتا كالكسرة فى قيام ، أو كان مناسبا للفعل فى الزيادة المصدرة كإقامة واستقامة ، فلهذا جاز حذف الواو من مصدر يعد وإثباتها نحو عدة ووعد ؛ إذ ليس فيه شىء من علة الحذف ولا المناسبة المذكورة ، وإذا حذفت منه شيئا بالإعلال لم تذهل عن المحذوف رأسا ؛ بل تعوض منه هاء التأنيث فى الآخر كما فى عدة واستقامة ، وذلك لأن الإعلال فيه ليس على الأصل ؛ إذ هو إتباع الأصل للفرع ، وإنما كسر العين فى عدة وأصله وعد لأن الساكن إذا حرك فالأصل الكسر ، وأيضا ليكون كعين الفعل الذى أجرى هو مجراه (١) ؛ فلهذا لم يجتلب همزة الوصل بعد حذف الفاء ، وإذا فتحت العين فى المضارع لحرف الحلق جاز أن يفتح فى المصدر أيضا ، نحو يسع سعة ، وجاز فى بعضها أن لا يفتح نحو يهب هبة ، وقولهم فى الصّلة صلة بالضم شاذ ، وقد يجرى مصدر فعل يفعل ـ بضم عينهما ـ إذا كان اللام حلقيا مجرى مصدر يسع ، نحو ودع (٢)

__________________

(١) هذا الذى ذهب إليه المؤلف غير ما ذهب إليه أكثر النحويين ، فانهم ذكروا أن أصل عدة وعد ـ بكسر الواو ـ فحذفت الواو ونقلت كسرتها إلى الساكن بعدها ، وعوضت منها التاء ، يدل على هذا أنهم قالوا : وتره وترا ووترة ـ بكسر الواو ـ حكاه أبو على فى أماليه. قال الجرمى : ومن العرب من يخرجه على الأصل فيقول : وعدة ووثبة أى بالكسر

(٢) يقال : ودع الرجل ، إذا سكن واستقر ولان خلفه ، فهو وادع ووديع

٨٩

يودع دعة ، ووطؤ (١) يوطؤ طئة وطأة ، وذلك للتنبيه على أن حق واو مضارعه أن تكون محذوفة ؛ لاستثقال وقوعها بين ياء مفتوحة وضمة ، ولكنها لم تحذف تطبيقا للفظ بالمعنى ؛ إذ معنى فعل للطبائع اللازمة المستمرة على حال ، وكذا كان حق عين مضارعه أن تكون مفتوحة ؛ لكون اللام حلقية ، وقولهم لدة أصله المصدر (٢) ، جعل اسما للمولود : كقولهم ضرب الأمير : أى مضروبه ، وأما الجهة (٣) والرّقة (٤) فشاذان ؛ لأنهما ليسا بمصدرين ؛ فليس تاؤهما بدلا من الواو ، وإنما لم يحذف الواو فى نحو يوعيد على مثال (٥) يقطين من الوعد لضعف

__________________

(١) وطؤ ـ بالضم ـ : سهل ولان ، فهو وطىء

(٢) يقال : فلان لدة فلان ، إذا كان مثله فى السن ، قال الشاعر :

لم تلتفت للداتها

ومضت على غلوائها

ومن العلماء من نظر إلى عارض الاستعمال فى لدة فحكم بأن حذف الواو منها شاذ ؛ لأنها ليست مصدرا

(٣) اعلم أنهم قد قالوا : جهة ـ بالحذف ـ وقالوا أيضا : وجهة ـ بالاثبات ـ وعلى الثانى جاء قوله تعالى (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) ومن العلماء من ذهب إلى أن المحذوف واوه مصدر والثابت واوه اسم للمكان الذى يتوجه إليه ، وعلى هذا فلا شذوذ فى واحد منهما ، ومنهم من ذهب إلى أنهما جميعا مصدران ، وعليه فالمحذوف واوه قياس والثابت واوه شاذ ، ومنهم من ذهب إلى أنهما جميعا اسمان للمكان الذى تتجه إليه ، وعلى ذلك يكون المحذوف الواو شاذا والثابت الواو قياسا ، ومنهم من ذهب إلى أن الجهة اسم للمكان الذى تتجه إليه والوجهة مصدر ، فهما شاذان ، والذى هو شذوذ وجهة على هذا أنه مصدر غير جار على فعله ، إذ المسموع توجه ـ كتقدس ، واتجه. ـ كاتصل ، ولم يسمع وجه يجه ـ كوعد يعد ـ فلما لم يوجد مضارع محذوف الفاء سهل عليهم إثباتها فى المصدر

(٤) الرقة : اسم للفضة ، ويقال : اسم للنقد : ذهبا كان أو فضة ، وجمعه رقون

(٥) اليقطين : كل نبات انبسط على وجه الأرض نحو الدباء والقرع والبطيخ والحنظل ، ويخصه بعضهم بالقرع فى قوله تعالى (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ)

٩٠

علة الحذف ، وحذفها فى الفعل نحو يعد إنما كان لكونه الأصل فى باب الإعلال كما مر ، وحذف فى يذر حملا على يدع ؛ لكونه بمعناه ، ويدع مثل يسع لكنه أميت (١) ماضيه ، ويجد بالضم عند بنى عامر (٢) شاذ ، وحذف الواو منه : إما لأن أصله يجد ـ بالكسر ـ أو لاستثقال الواو بين الياء المفتوحة والضمة فى غير باب فعل يفعل ـ بضم العين فيهما ـ وإنما حذفت من يضع مضارع وضع ـ بفتح العين ـ لكونه مكسور العين فى الأصل ؛ إذ جميع باب فعل يفعل بفتح العين فيهما : إما فعل يفعل ـ بضم عين المضارع ـ أو فعل يفعل ـ بكسر عينه ـ كما ذكرنا فى أول الكتاب ، ومضارع فعل من المثال الواوى لا يجىء مضموم العين كما مر هناك ؛ فتبين أنه كان يفعل بالكسر ، وأما وسع يسع ووطىء يطأ فقد تبين لنا بحذف الواو أن عينهما كان مكسورا ففتح ؛ لحرف الحلق كما مر ، ولا ثالث لهذين اللفظين ؛ ففتح نحو يوجل أصل ، بدليل بقاء الواو ، وإذا وقع الياء فى المضارع بين ياء مفتوحة وكسرة لم تحذف كالواو ؛ لأن اجتماع الياء بن ليس فى الثقل كاجتماع الواو والياء ، وحكى سيبويه حذف الياء فى لفظين يسر البعير يسره (٣) ـ من اليسر ـ ويئس يئس ، وهما شاذان ، وبعضهم يقلب الواو الواقعة بين الياء المفتوحة والفتحة ألفا ؛ لأن فيه ثقلا ، لكن ليس بحيث يحذف الواو له ، فيقول

__________________

(١) قد أثبتنا ورود الماضى تبعا للمؤلف فارجع إلى ذلك (ح ١ ص ١٣٠)

(٢) قد بينا القول فى ذلك بيانا شافيا ، وذكرنا خلاف العلماء فى هذا الكلام أهو خاص بيجد أم أن بنى عامر يضمون العين فى كل مثال واوى فارجع إلى ذلك التفصيل فى (ح ١ ص ١٣٣)

(٣) قد بحثنا طويلا عن استعمال هذا الفعل محذوف الفاء فى المضارع متعديا فلم نعثر على نص يفيد ذلك ، وكل ما عثرنا عليه هو قولهم : يسر الرجل يسر ـ كوعد يعد ـ فهو ياسر ؛ إذا لعب الميسر

٩١

فى يوجل : ياجل ، وبعضهم يقلبها ياء ؛ لأن الياء أخف من الواو ، وبعضهم يستشنع قلب الواو ياء لا لعلة ظاهرة ؛ فيكسر ياء المضارع ليكون انقلاب الواو ياء لوقوعها بعد كسرة ، وليس الكسر فيه كالكسر فى نعلم وتعلم ، لأن من كسر ذلك لا يكسر الياء ؛ فلا يقول : يعلم

وظاهر كلام السيرافى وأبى علىّ يدل على أن قلب واو نحو يوجل ألفا أو ياء قياس ، وإن قل ؛ قال السيرافى : يقلبون الواو ألفا فى نحو يوجل ويوحل وما أشبه ذلك ، فيقولون : ياجل وياحل ، وقال أبو على : أما فعل يفعل نحو وجل يوجل ووحل يوحل ففيه أربع لغات ، وهذا خلاف ظاهر قول المصنف ـ أعنى قوله «وشذ فى مضارع وجل كذا وكذا» ـ فإنه مفيد خصوصية الوجوه المذكورة بهذا اللفظ.

وبعضهم يقلب الياء الواقعة فى المضارع بين الياء المفتوحة والفتحة ألفا نحو يابس وياءس ، حملا للياء على الواو ، كما حملت فى اتّسر من اليسر ، على ما مر ، ولا يكون ذلك إلا فى المفتوح العين ، كما أن نحو ياحل وياجل كان فيه ، قال سيبويه : وليس ذلك بمطرد ، ولا يكسر الياء ههنا كما كسرت فى ييجل ؛ لأن ذلك فى الواو لقصد عروض علة قلب الواو ياء ، كما مر

قوله «وكسرة أصلية» ليشمل نحو يعد ويقع ؛ فان أصله يوقع ، قال الكوفيون : إنما حذف الواو فى يعد فرقا بين المتعدى واللازم ، وذلك لأنك تقول فى اللازم : يوجل ويوحل ، من غير حذف ، وليس ما قالوا بشىء ؛ إذ لو كان كذلك لم يحذف من وحد يحد (١) ووجد : أى حزن ـ يجد ، وونم (٢) الذباب ينم ، ووكف البيت يكف.

__________________

(١) تقول : وحدت الشىء وحدا ، وأوحدته ؛ إذا أفردته ، وتقول : وحد الشىء يحد حدة ، إذا بان من غيره ، فهو متعد ولازم

(٢) تقول : ونم الذباب ينم ونيما ، إذ اخرىء ، فونيم الذباب خرؤه. قال الفرزدق :

لقد ونم الذّباب عليه حتّى

كأنّ ونيمه نقط المداد

٩٢

قوله «ومن ثم لم يبن مثل وددت» يعنى ومن جهة وجوب حذف الواو الواقعة بين الياء المفتوحة والكسرة الأصلية لم يبن فعل ـ بفتح العين ـ من المضاعف المعتل فاؤه بالواو ؛ إذ كان يلزم إذن أن يكون مضارعه مكسور العين كما ذكرنا فى أول الكتاب ، من أن مضارع فعل مفتوح العين إذا كان مثالا واو يا يفعل بالكسر لا غير ؛ فكان يجب إذن حذف الواو والإدغام ؛ فكان يجتمع إعلالان فى كلمة واحدة.

وقولهم لا يجمع بين إعلالين فى كلمة واحدة فيه نظر ؛ لأنهم يجمعون بين أكثر من إعلالين فى كلمة ، وذلك نحو قولهم من أويت مثل اجرد (١) : إىّ (٢) ، وذلك ثلاث إعلالات ، كما يتبين فى مسائل التمرين ، وكذا فى قولهم إيّاة (٣) ـ مثل إوزّة ـ من أويت ، وفى قولهم : إيئاة (٤) ـ مثل إوزّة ـ من وأيت جمع بين إعلالين ، وكذا قولهم : حيىّ على (٥) فيعل من حويت ، وغير ذلك مما يكثر

__________________

(١) الاجرد نبت يدل على الكمأة ، انظر (ح ١ ص ٥٩)

(٢) أصل «إى» إئوى ، قلبت الهمزة الثانية ياء لسكونها إثر همزة مكسورة كما فى إيمان ، فصار «إيوى» فهذا إعلال ، ثم قلبت الواو ياء ، لاجتماعها مع الياء وسبق أولاهما بالسكون ، ثم أدغمت الياء فى الياء فصار «إيى» وهذا إعلال ثان ، فلما اجتمع ثلاث ياءات فاما أن تحذف الثالثة نسيا كما قالوا فى تصغير على ونحوه ، وإما أن تعلها إعلال قاض ، وهذا إعلال ثالث ؛ فان جعلت الادغام إعلالا مستقلا كان فى الكلمة أربع إعلالات

(٣) أصل «إياه» إئوية ، قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وقلبت الهمزة ياء لسكونها بعد همزة مكسورة ، فصار «إيواة» ثم قلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون ، وأدغمت الياء فى الياء فصار إياة

(٤) أصل «إيئاة» إو أية ، قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وقلبت الواو ياء لسكونها إثر كسرة فصار «إيئاة»

(٥) أصل «حي» حيوى ـ كدحرج ـ قلبت الياء الفا لتحركها وانفتاح

٩٣

تعداده ، ولعلهم قالوا ذلك فى الثلاثى من الاسم والفعل ؛ لأنه لخفته لا يحتمل إعلالا كثيرا ، على أنهم أعلوا نحو ماء (١) وشاء باعلالين ، لكنه قليل ،

واضطرب فى هذا المقام كلامهم ، فقال السيرافى : الإعلال الذى منعنا من جمعه فى العين واللام هو أن يسكن العين واللام جميعا من جهة الإعلال ، وقال أبو على : المكروه منه أن يكون الإعلالان على التوالى ، أما إذا لم يكن كذلك كما تقول فى أيمن الله : من الله ، بحذف الفاء ، ثم تقول بعد استعمالك من الله كثيرا : م الله ، فليس ذلك بمكروه.

ومثل ما منع المصنف من الاعلالين فى يدّ لا يتجنبون منه ، ألا ترى أنك تقول فى أفعل منك من الأمّ : هو أوم أو أيمّ ، على المذهبين (٢) تقلب الفاء وتدغم العين وهما إعلالان ، وكذا فى أيمة قلبوا وأدغموا ، وأما نحو قه وشه فليس فيهما إلا إعلال واحد ؛ لأنه مأخوذ من تقى وتشى ؛ فحذفت اللام للوقف

قوله «ولذلك حمل» يعنى لأن الواو تحذف بين الياء والكسرة

قوله «بخلاف الياء نحو ييسر» أى : بخلاف الياء الواقعة بين الياء المفتوحة والكسرة الأصلية أو الفتحة

قوله «وقد جاء يئس» أى : بحذف الياء بين الياء المفتوحة والكسرة

__________________

(١) انظر (ح ١ ص ٢١٣) و (ح ٢ ص ٥٦ وما بعدها)

(٢) أصل «أومّ» أو «أيمّ» أأمم ـ كأحمد ـ نقلت حركة أول المثلين إلى الساكن قبلهما ، ثم أدغم المثلان فصار أأم ، فاجتمع همزتان متحركتان ثانيتهما مفتوحة ؛ فسيبويه والجمهور يقلبون الثانية واوا اعتبارا بنحو أو ادم ، والمازنى يقلب الثانية ياء نظرا إلى أن الياء أخف من الواو ، وليس له مستند من مستعمل كلام العرب ، وهذان هما المذهبان اللذان يعنيهما المؤلف

٩٤

قال : «العين ، تقلبان ألفا إذا تحرّكتا مفتوحا ما قبلهما أو فى حكمه ، فى اسم ثلاثىّ ، أو فعل ثلاثيّ ، أو محمول عليه ، أو اسم محمول عليهما ، نحو باب وناب وقام وباع وأقام وأباع واستعام ، واستبان ، واستكان منه ، خلافا للأكثر ؛ لبعد الزّيادة ولقولهم استكانة ، ونحو الإقامة والاستقامة ، ومقام ومقام ، بخلاف قول وبيع ، وطائىّ وياجل شاذّ ، وبخلاف قاول وبايع وقوّم وبيّع وتقوّم وتبيّع وتقاول وتبايع ، ونحو القود والصّيد وأخيلت وأغيلت وأغيمت شاذّ»

أقول : اعلم أن علة قلب الواو والياء المتحركتين المفتوح ما قبلهما ألفا ليست فى غاية المتانة ؛ لأنهما قلبتا ألفا للاستثقال ، على ما يجىء ، والواو والياء إذا انفتح ما قبلهما خفّ ثقلهما ، وإن كانتا أيضا متحركتين ، والفتحة لا تقتضى مجىء الألف بعدها اقتضاء الضمة للواو والكسرة للياء ؛ ألا ترى إلى كثرة نحو قول وبيع ، وعدم نحو قيل وبيع ، بضم الفاء ، وقول وبوع بكسرها ، لكنهما قلبتا ألفا ـ مع هذا ـ لأنهما وإن كانت أخف من سائر الحروف الصحيحة لكنّ كثرة دوران حروف العلة ، وهما أثقلها ، جوزت قلبهما إلى ما هو أخف منهما من حروف العلة : أى الألف ، ولا سيما مع تثاقلهما بالحركة وتهيؤ سبب تخفيفهما بقلبهما ألفا ، وذلك بانفتاح ما قبلهما ؛ لكون الفتحة مناسبة للألف ، ولوهن هذه العلة لم تقلبا ألفا إلا إذا كانا فى الطرف : أى لامين ، أو قريبين منه : أى عينين ، ولم يقلبا فاءين نحو أودّ وأيلّ ، وإن كانت الحركة لازمة بعد العروض ؛ لأن التخفيف بالآخر أولى ، ولوهنها تقف عن التأثير لأدنى عارض ، كما يكون هناك حرف آخر هو أولى بالقلب ، لكن لم يقلب لاختلال بعض شروط إعلاله ، فلا يقلب إذن الحرف الذى ثبت علة قلبه لعدم قلب ما هو أولى منه بالقلب لو لا اختلال شرطه ، وذلك نحو طوى

٩٥

وحيى ، كان اللام أولى بالقلب لو انفتح ما قبلها كما فى روى ونوى ، فلما انكسر ما قبلها لم تعل ، فلم تقلب العين ألفا أيضا ، وإن اجتمع شرائط قلبها.

فاذا تقرر ضعف هذه العلة قلنا : الأصل فى تأثير هذه العلة أن يكون فى الفعل ؛ لما ذكرنا من ثقله ، فتليق به الخفة أكثر ، أو يكون فى آخر الكلمة : إما لفظا كربا ، أو تقديرا كغزاة ، وذلك بأن يكون بعد الأخير حرف أصله عدم اللزوم : اسما كانت الكلمة ، أولا ؛ لأن الكلمة تتثاقل إذا انتهت إلى الأخير ، فتليق به الخفة ، وإن كانت علتها ضعيفة.

فنقول : الفعل فى هذا الإعلال على ضربين : أصل ، ومحمول عليه ؛ والأصل ما يتحرك واوه أو ياؤه وينفتح ما قبلهما ، نحو قول وبيع وغزو ورمى والمحمول عليه ما ينفتح الواو والياء فيه بعد حرف كان مفتوحا فى الماضى الثلاثى ، وذلك : إما فى المضارع المبنى للفاعل كيخاف ويهاب ، أو المبنى للمفعول كيخاف ويهاب ويقال ويباع ، أو الماضى مما بنى من ذى الزيادة : أفعل نحو أقام وأبان ، واستفعل نحو استقام واستبان ، أو ما بنى للمفعول من مضارعهما ، نحو يقام ويستبان ، وشذ أعول (١) وأغيلت المرأة واستحوذ (٢) وأجود (٣)

__________________

(١) يقال : أعول الرجل والمرأة وأعيلا ؛ إذا كثرت عيالها ، ويقال : أعول أيضا ؛ إذا رفع صوته بالبكاء.

(٢) استحوذ : غلب واستولى ؛ قال تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ.) ويقال : استحاذ أيضا على ما يقتضيه القياس. كما ورد فى اللسان وقد ذكر عن ابن جنى مثل ما ذكره المؤلف عن سيبويه ، وهو من الحوذ ، وهو السوق فى الأصل.

(٣) يقال : أجود الفرس فى العدو ، بمعنى أجاد فيه ، ويقال : أجود الشىء ؛ وأجاده إذا جعله جيدا ، ويقال : أجاد الرجل وأجود ؛ إذا صار ذا جواد.

٩٦

وأطول (١) واستروح : أى شم الريح ، وأطيب (٢) وأخيلت السماء وأغيمت (٣) ؛ وأبو زيد جوّز تصحيح باب الإفعال والاستفعال مطلقا قياسا ، إذا لم يكن لهما فعل ثلاثى ، قال سيبويه : سمعنا جميع الشواذ المذكورة معلّة أيضا على القياس ، إلا استحوذ واستروح الريح وأغيلت ، قال : ولا منع من من إعلالها ، وإن لم يسمع ، لأن الإعلال هو الكثير المطرد ، وإنما لم تعل هذه الأفعال دلالة على أن الإعلال فى مثلها غير أصل ، بل هو للحمل على ما أعل ، وإنما لم يحمل باب فعل التعجب على الثلاثى ، نحو ما أقومه وما أبيعه ؛ لكونه بعدم التصرف لاحقا بأفعل الاسمى كأبيض وأسود ، أو لجريه مجرى أفعل التفضيل لمشابهته له معنى ، وإنما لم يحمل باب قاول وتقاول وبايع وتبايع وقوّم وتقوّم وبيّن وتبيّن على الثلاثى كما حمل أقوم وأبين واستقوم واستبين عليه لأنا شرطنا كون الساكن الذى قبل الواو والياء المتحركتين منفتحا فى الماضى الثلاثى

فان قلت : أليس قد أعللت اسم الفاعل فى قائل وبائع بقلب الواو والياء ألفا ، مع أن ما قبل الواو والياء ألف ، ومع أنه فى الاسم الذى إعلاله على خلاف الأصل ، والأول فى الفعل

__________________

(١) تقول : أطول وأطال بمعنى ، قال عمر بن أبى ربيعة :

صددت فأطولت الصّدود وقلّما

وصال على طول الصدود يدوم

(٢) يقال : أطيب الشىء ؛ إذا وجده طيبا. ويقال : أطاب أيضا بمعناه ، وكذا استطيبه واستطابه وطيبه.

(٣) يقال : أغيمت السماء ، إذا صارت ذات غيم ، وأغامت كذلك ، وغامت وتغيمت وغيمت بمعناه ، ويقال : أغيم القوم ؛ إذا أصابهم غيم ، وأخيلت السماء : تهيأت للمطر ، وذلك إذا أرعدت وأبرقت ، وهذا معنى قول المؤلف فيما سيأتى «إذا صارت خليقة بالمطر»

٩٧

قلت : هو كذلك ، إلا أن قائلا وبائعا بمعنى الثلاثى ، ويعمل عمله ، وهو من بابه ، بخلاف قاول وبايع.

فان قلت : فأقوم واستقوم من باب آخر غير الثلاثى

قلت : بلى ، إلا أن ما قبل حرف العلة هو الذى كان مفتوحا فى الثلاثى ؛

فالمقصود أن الفرع إذا كان من غير باب الأصل يحتاج فى الإعلال إلى كون الساكن قبل حرف العلة هو الحرف المفتوح فى الأصل قبلها ، وإن كان الفرع من باب الأصل أعلّ ، وإن لم يكن الساكن ذاك المفتوح ، بشرط أن يكون الساكن ألفا لفرط خفته

وأما إعلال قوّم وبيّن وتقوّم وتبيّن فأبعد من إعلال تقاول وتبايع وقاول وبايع ؛ لأن إدغام العين فى البابين واجب

وإنما لم يعل نحو عور وحول لأن الأصل فى الألوان والعيوب الظاهرة باب افعلّ وافعال ، كما ذكرنا فى صدر الكتاب ؛ فالثلاثى ـ وإن كان أصلا لذوات الزيادة فى اللفظ ـ لكن لما كان هذان البابان أصلين فى المعنى عكس الأمر ؛ فأجرى الثلاثى مجرى ذى الزيادة فى التصحيح تنبيها على أصالته فى المعنى المذكور.

ولم يعل (١) فى اسودّ واعورّ واصيدّ (٢) لأن إعلال نحو أقوم واستقوم

__________________

(١) ظاهر هذا الكلام يفيد الدور ؛ فانه جعل علة تصحيح الثلاثى نحو عور كونه فرعا فى المعنى عن المزيد فيه نحو اعور. فاذا جعل علة تصحيح المزيد فيه كون ثلاثيه غير معل فقد جعل كل واحد منهما معللا بالآخر ، اللهم إلا أن يقال : إن المزيد فيه فى هذا المعنى هو الموضوع أولا فهو حين الوضع ليس له ثلاثى ألبتة ، فضلا عن أن يكون له ثلاثى معل ، وشرط إعلال المزيد فيه وجود ثلاثى معل له ، فلما أريد وضع الثلاثى بعد ذلك وكان معناه متحدا مع المزيد فيه حمل عليه فى التصحيح.

(٢) يقال : اصيد الرجل ـ كاحمر ـ ، إذا لوى عنقه من كبر ، وأصله من

٩٨

مع كونه خلاف الأصل إنما كان حملا على الثلاثى المعل ، ولا ثلاثى معلا ههنا ، كما بينا ، ومثله فى إتباع لفظ لفظا آخر فى التصحيح تنبيها على كونه تابعا له فى معناه قولهم : اجتوروا واعتوروا (١) واعتونوا ، بمعنى تجاوروا وتعاوروا وتعاونوا ، وإن لم يقصد فى افتعل معنى تفاعل أعللته ، نحو ارتاد (٢) واختان (٣) ولما لم يعلّ عور وحول لما ذكرنا لم يعل فرعاه أيضا نحو أعور واستعور ، وقد يعل باب فعل من العيوب نحو قوله : ـ

١٣٨ ـ *أعارت عينه أم لم تعارا* (٤)

__________________

قولهم : اصيد البعير ، إذا اصابه داء فى رأسه فيخرج من أنفه مثل الزبد فيرفع رأسه عند ذلك.

(١) يقال : اعتور القوم الشىء ، وتعوروه ، وتعاوروه ، إذا تداولوه بينهم.

(٢) ارتاد الشىء وراده : طلبه فى موضعه.

(٣) اختان : خان ، قال الله تعالى (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ). واعلم أن افتعل من الأجوف إما أن تكون عينه ياء أو واوا ، فان كانت عينه ياء أعل : سواء أكان بمعنى التفاعل نحو استافوا وابتاعوا وامتازوا ، أم لم يكن نحو امتار الرجل واكتال واصطاد. وإن كانت عينه واوا : فان كان بمعنى التفاعل صحت عينه نحو ما ذكره المؤلف من الأمثلة ، وإن لم يكن بمعنى التفاعل أعلت عينه نحو اشتار العسل وارتاد واختال ، فاذا علمت هذا تبين لك أن ما ذكره المؤلف من التفصيل خاص بواوى العين.

(٤) هذا عجز بيت من الوافر ، وصدره قوله :

*وربّت سائل عنّى حفىّ*

وهو لعمرو بن أحمر الباهلى ، و «ربت» هى رب الدالة على التقليل أو التكثير وألحق بها التاء لتأنيث اللفظ ، والحفى : المبادر فى السؤال المستقصى له ، وفى التنزيل العزيز (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها). وقوله «أعارت عينه» هو بالعين المهملة وهو محل الاستشهاد بالبيت على أنه قد يعل باب فعل ـ بكسر العين ـ من العيوب

٩٩

فيعل فرعاه أيضا ، نحو أعار واستعار

وإنما حمل على الماضى الثلاثى فى هذا القلب ما انفتح واوه وياؤه ولم يحمل عليه ما انضما فيه أو انكسرا كيقوم ويبيع ويقيم ؛ لأن الحامل على النقل فى جميع ذلك مفتوحا كان العين أو مضموما أو مكسورا إتباع الفرع للأصل فى تسكين العين مع الدلالة على البنية ، كما مر فى أول الكتاب (١) ، ولا يمكن ذلك بقلب الجميع ألفا.

وأما إذا كانت الواو والياء المتحركتان المفتوح ما قبلهما فى آخر الكلمة فانهما تقلبان ألفا ، وإن كان ذلك فى اسم لا يشابه الفعل بوجه ، نحو (٢) ربا وربا قانهما لا يوازنان الفعل ؛ فان وزانه كفتى وعصا فانهما كضرب ، وكمردى (٣) ومبرى (٤) فانهما كاعلم ، فلا كلام فى القلب

وإنما لم يعل نحو النّزوان والغليان للزوم الألف والنون ؛ فأخرجت

__________________

وذلك لأن عارت أصله عورت فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، والأكثر فى هذا الباب والقياس المطرد هو التصحيح ، ويروى فى مكان هذه الكلمة «أغارت» وعليها لا شاهد فيه ، وقوله «لم تعارا» هو مضارع عار الذى أعل ، والألف فى آخره منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة فى الوقف.

(١) انظر (ح ١ ص ٨٠ ، ٨١)

(٢) الربا ـ بكسر الراء ـ : معروف ، والربا ـ بضم الراء ـ : جمع ربوة. وهى المرتفع من الأرض ، ووقع فى بعض النسخ «نحو ربا وزنا» وهى صحيحة أيضا وفيها التمثيل للواوى واليائى ، كما أن فيما أثبتناه التمثيل بوجهين من وجوه عدم موازنة الفعل.

(٣) المردى : الحجر يرمى به ، ويقال : فلان مردى حروب ، إذا كان يرمى به فيها لشجاعته ، وعليه قول أعشى باهلة يرثى أخاه المنتشر بن وهب :

مردى حروب ونور يستضاء به

كما أضاء سواد الظّلمة القمر

(٤) المبرى ـ بكسر الميم وسكون الباء ـ آلة البرى

١٠٠