شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

تقلب واوا ؛ لثقل البناء ، ولزوم اكتناف الألفين ؛ فيلزم الواو لو قلبت إليها ؛ وقد جاء فى جمع هديّة هداوى كما فى حمراوان ، وهذا شاذ ، إلا عند الأخفش ؛ فانه رآه قياسا كما فى حمراوان

وخولف الأصل المذكور فى موضعين : أحدهما إذا كان فى مفرده ألف بعده همزة نحو شائية من شأوت أو من شئت ، فتركت الهمزة والياء بحالهما ، فقيل :

هؤلاء الشّوائى ، مراعاة فى الجمع للمفرد ، كما روعى فى نحو حبالى وخناثى ، كما مر فى باب الجمع ؛ وثانيهما إذا كان فى مفرده ألف ثالثة بعدها واو ، نحو أداوى وعلاوى فقلبت الهمزة ، لكن إلى الواو لا إلى الياء ؛ لمراعاة المفرد أيضا ، وكان على هذا حق ما فى مفرده ألف ثانية بعدها واو ، كشوايا جمع شاوية ، أن يراعى مفرده فيقال : شواوى ، لكن لما كان أصله شواوى ؛ فقلبت الواو التى بعد الألف همزة كما فى أواول ؛ لاكتناف حرفى العلة لألف الجمع ؛ لم يقلب الهمزة بعده واوا ؛ لئلا يكون عودا إلى مافر منه ، فرجع فيه من مراعاة المفرد إلى الجرى على الأصل من قلب الهمزة ياء ، فقيل : شوايا ، فى جمع شاوية ، وكذا فى الجمع الذى فى مفرده ألف بعده الياء كالدّواية والسّقاية لو جمعتا هذا الجمع قيل : دوايا وسقايا ، والياء فى هذا اولى لوجهين : لمراعاة المفرد ، وللجرى على الأصل ، وكذا تقول فى الجمع الذى ليس فى مفرده ألف بعده همزة أو ياء أو واو فقلبت الهمزة ياء والياء ألفا ، كخطايا وبلايا وبرايا فى جمع خطيئة وبليّة وبريّة ، وقد جاء فيه هدية وهداوى ، كما ذكرنا

فاذا تقرر هذا فاعلم أن الألف فى هذه الجموع كلها مجتلبة للجمع ، ولم تكن فى المفرد ، والهمزة بعد الألف فى شواء جمع شائية من شأوت هى الأصلية التى

__________________

حبل واحد تشد بأحد طرفيه إحدى يدى البعير وبالآخر الأخرى ؛ قال فى اللسان : «وعلقت البعير بثنايين غير مهموز ؛ لأنه لا واحد له ، وذلك إذا علقت يديه جميعا بحبل أو بطرفى حبل ، وإنما لم يهمز لأنه لفظ جاء مثنى لا يفرد واحده فيقال ثناء ؛ فتركت الياء على الأصل» ا ه

٦١

كانت فى المفرد ، وفى شواء من شئت عارضة فى الجمع عروضها فى المفرد ، والألف التى كانت فى مفرديهما قلبت فى الجمع واوا ، وكذا ألف شاوية قلبت فى الجمع واوا ، أعنى شوايا ، وقلبت واو المفرد التى كانت بعد الألف همزة كما فى أوائل ، ثم قلبت الهمزة ياء مفتوحة كما ذكرنا ، والألف التى كانت فى إداوة قلبت فى الجمع همزة كما فى رسائل وقلبت واوه ياء لانكسار ما قبلها ، ثم قلبت الهمزة ياء (١) مفتوحة والياء ألفا ، كما فى سقاية لو قيل : سقايا ، والياء فى خطيئة تقلب همزة عند سيبويه ؛ كما فى صحائف ، فيجتمع همزتان ؛ فتقلب الثانية ياء ، وتقلب الأولى ياء مفتوحة ، كما فى بلايا ونحوها ، وتقلب الياء التى بعدها ألفا ؛ لأن الياء المنقلبة عن همزة على وجه الوجوب حكمها حكم الياء الأصلية ، والهمزة الثانية ههنا واجبة القلب إلى الياء ؛ لكونها متطرفة ، كما سبق تحقيقه فى هذا الباب ، فخطايا كهدايا ، قلبت ياؤهما ـ أى الحرف الأخير ـ ألفا ، وقال الخليل : أصله خطايىء بالهمزة بعد الياء التى كانت فى الواحد ، فجعلت الياء فى موضع الهمزة والهمزة فى موضع الياء ، ثم قلبت الهمزة التى كانت لام الكلمة ياء مفتوحة ، فوزنه (٢) فوالع ، فقول المصنف «ومنه خطايا على القولين» أى : من باب قلب الهمزة المفتوحة ياء مفتوحة على قول الخليل وسيبويه

واعلم أنه إذا توالى فى كلمة أكثر من همزتين أخذت فى التخفيف من الأول

__________________

(١) قوله «قلبت الهمزة ياء مفتوحة .. إلخ» ليس بصحيح ؛ فأن الهمزة فى جمع إداوة قلبت واوا حملا على المفرد ، لا ياء ، وهذا أحد الموضعين اللذين خولف فيهما الأصل الذى أصله المؤلف من قبل ، والعجب منه أنه صرح بذكر الموضعين اللذين خولف فيهما هذا الأصل ثم غفل عنه

(٢) قوله «فوزنه فوالع» ليس صحيحا ؛ بل وزن خطايا فعائل عند سيبويه وفعالى ـ كعذارى ـ : عند الخليل والكوفيين ، على اختلاف بينهما فى التقدير ، ولعله من تحريف النساخ

٦٢

فخففت الهمزة الثانية ، ولم تبتدىء فى التخفيف من الآخر ، كما فعلت ذلك فى حروف العلة فى نحو طوى ونوى ؛ وذلك لفرط استثقالهم لتكرار الهمزة ، فيخففون كل ثانية إذ نشأ منها الثقل ، إلى أن يصلوا إلى آخر الكلمة

فان بنيت من قرأ مثل سفرجل قلت : قرأيأ ، حقّقت الأولى ، وقلبت الثانية التى منها نشأ الثقل ، وإنما قلبتها ياء ، لا واوا ؛ لكونها أقرب مخرجا إلى الهمزة من الواو ، وصححت الأخيرة لعدم مجامعتها إذن للهمزة

وإن بنيت مثل سفرجل من الهمزات قلت : أوأيأ ، على قول النحاة ، وأيأيأ ، على قول المازنى ، كما ذكرنا فى قولك : هو أيمّ منك ؛ فتحقيق الأولى هو القياس ؛ إذ الهمزة الأولى لا تخفف ، كما مر ، وأما تحقيق الثالثة فلأنك لما قلبت الثانية صارت الثالثة أولى الهمزات ، ثم صارت الرابعة كالثانية مجامعة للهمزة التى قبلها ؛ فخففت بقلبها ياء ، كما ذكرنا فى قرأيأ ، ثم صارت الخامسة كالأولى

ولو بنيت منها مثل قرطعب (١) قلت : إيئاء ؛ قلبت الثانية ياء كما فى ايت ، والرابعة ألفا كما فى آمن ، وتبقى الخامسة بحالها كما فى راء وشاء

ولو بنيت منها مثل جحمرش قلت : أاأيىء ، قلبت الثانية كما فى آمن ، والرابعة كما فى أيمة ، وتبقى الخامسة بحالها ؛ لعدم مجامعتها الهمزة

ولو بنيت مثل قذعمل قلت : أوأيىء ؛ قلبت الثانية كما فى أويدم ، والرابعة كما فى قرأى ، وتبقى الخامسة بحالها

فإن اجتمعت الهمزتان فى كلمتين والثانية لا محالة متحركة ؛ إذ هى أول الكلمة ، فإن كانت الأولى مبتدأ بها ، كهمزة الاستفهام ، فحكمهما حكم الهمزتين

__________________

(١) القرطعب ـ بكسر فسكون ففتح فسكون ـ : السحابة ، وقيل : دابة ، انظر (ح ١ ص ٥١)

٦٣

فى كلمة إذا كانت الأولى مبتدأ بها كأيمة وايتمن ، فلا تخفف الأولى إجماعا ، وتخفف الثانية كما ذكرنا من حالها فى كلمة سواء ، إلا أن تحقيق الثانية ههنا أكثر منه إذا كانتا فى كلمة ؛ لأن همزة الاستفهام كلمة برأسها ، وإن كانت من حيث كونها على حرف كجزء مما بعدها ، فمن فصل هناك بالألف بين الهمزتين المتحركتين : المحققتين ، أو المسهلة ثانيتهما نحو أيّمة ؛ فصل ههنا أيضا ، ومن لم يفصل هناك لم يفصل ههنا أيضا. قال :

١٣٦ ـ أيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم (١)

وقال :

١٣٧ ـ حزقّ إذا ما النّاس أبدوا فكاهة

تفكّر آإيّاه يعنون أم قردا (٢)

وإذا كانت الأولى همزة استفهام والثانية همزة وصل ؛ فإن كانت مكسورة أو مضمومة حذفت ، نحو أصطفى وأصطفى ، وإلا قلبت الثانية ألفا ، أو سهلت كما

__________________

(١) هذا بيت من الطويل من فصيدة طويلة لذى الرمة غيلان بن عقبة ، وقبله قوله :

أقول لدهناويّة عوهج جرت

لنا بين أعلى عرفة فالصّرائم

والدهناوية : المنسوبة إلى الدهناء ، وهو موضع فى بلاد تميم ، وأراد ظبية ، والعوهج ـ كجوهر ـ : الطويلة العنق ، وجرت : أراد به سنحت ، وعرفة ـ بضم العين وسكون الراء المهملتين ـ : القطعة المرتفعة من الرمل ، والصرائم : جمع صريمة ، وهى القطعة من الرمل أيضا ، وبيت الشاهد كله مقول القول ، والوعساء : الأرض اللينة ذات الرمل ، وجلاجل ـ بجيمين ، أو بمهملتين ـ : اسم مكان بعينه ، والنقا : التل من الرمل ، وأم سالم : كنية محبوبته مية. والاستشها بالبيت فى قوله «آأنت» حيث فصل بين الهمزتين بألف زائدة

(٢) هذا البيت من الطويل ، وهو من كلمة لجامع بن عمرو بن مرخية الكلابى ، والحزق ـ كعتل ـ : القصير العظيم البطن الذى إذا مشى أدار أليته ، وأبدوا : أظهروا ، والاستشهاد بالبيت فى قوله «آإياه» حيث زاد بين همزة الاستفهام والهمزة التى فى أول الكلمة ألفا ، على نحو ما فى الشاهد السابق

٦٤

تقدم ، وإن لم تكن الأولى ابتداء ـ وذلك فى غير همزة الاستفهام ، ولا تكون الثانية إلا متحركة كما قلنا ـ فالأولى : إما أن تكون ساكنة أو متحركة ، وفى كلا الوجهين قال سيبويه : إن أهل التحقيق ـ يعنى غير أهل الحجاز ـ يخففون إحداهما ويستثقلون التحقيق فيهما ، كما يستثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة ، قال : ليس من كلام العرب أن تلتقى الهمزتان فتحققا ؛ فإن كانتا متحركتين فمنهم من يخفف الأولى دون الثانية ؛ لكونها آخر الكلمة والأواخر محل التغيير ، وهو قول أبى عمرو ، ومنهم من يخفف الثانية دون الأولى ؛ لأن الاستثقال منها جاء ، كما فعلوا فى الهمزتين فى كلمة ، وهو قول الخليل ، وقد اختار جماعة وهم قرّاء الكوفة وابن عامر التحقيق فيهما معا ، كما فعلوا ذلك بالهمزتين فى كلمة ، وهو ههنا أولى ، لافتراق الهمزتين تقديرا ، وأما أهل الحجاز فيستعملون التخفيف فيهما معا كما فعلوا ذلك فى الهمزة الواحدة ، فمن خفف الأولى وحدها فكيفيته ما مر من الحذف أو القلب أو التسهيل ، كما مر فى الهمزة المفردة فليرجع إليه ، ومن خفف الثانية وحدها كانت كالهمزة المتحركة بعد متحرك ، فيجىء الأوجه التسعة المذكورة ، فليرجع إلى أحكامها ، فهى هى بعينها ؛ فيجىء فى «يشاء إلى» المذاهب الثلاثة فى الثانية : بين بين المشهور ، والبعيد ، وقلبها واوا ، وفى نحو هذاءأمّك (١) : التسهيل المشهور ، والبعيد ، وقلبها ياء. ونقل عن أبى عمرو حذف أولى المتفقتين ، نحو أولياء أولئك ، و (جاء أشراطها) ، ومن السّماء إن. ونقل عن ورش وقنبل (٢) فى ثانية

__________________

(١) وقع فى جميع الأصول «هذا إمك» وهو من تحريف النساخ والغفلة عن مراد المؤلف ؛ فان غرضه التمثيل لاجتماع همزتين من كلمتين ، و «ذاء» بهمزة مكسورة بعد الألف لغة فى «ذا» اسم الاشارة ؛ قال الراجز :

هذائه الدّفتر خير دفتر

(٢) قنبل ـ كقنفذ ـ : أصله الغلام الحاد الرأس الخفيف الروح ، وقد لقب به محمد بن عبد الرحمن أحد القراء

٦٥

المتفقتين قلبها حرف مد صريحا : أى ألفا إن انفتحت الأولى ، وواوا إن انضمت ، وياء إن انكسرت ، وهذا معنى قوله «وجاء فى المتفقتين حذف إحداهما ، وقلب الثانية كالساكنة» ومن خففهما معا ـ وهم أهل الحجاز ـ جمع بين وجهى التخفيف المذكورين الآن.

وأما إن كانت الأولى ساكنة نحو اقرأ آية ، وأقرىء أباك السلام ، ولم يردؤ أبوك ؛ ففيه أيضا أربعة مذاهب : أهل الحجاز يخففونهما معا ، وغيرهم يحققون : إمّا الأولى وحدها ، أو الثانية وحدها ، وجماعة يحققونهما معا ـ كما ذكرنا فى المتحركتين ـ وهم الكوفيون ، وحكى أبو زيد عن العرب مذهبا خامسا ، وهو إدغام الأولى فى الثانية كما فى سائر الحروف ، فمن خفف الأولى وحدها قلبها ألفا إن انفتح ما قبلها ، وواوا إن انضم ، وياء إن انكسر ، ومن خفف الثانية فقط نقل حركتها إلى الأولى الساكنة وحذفها ، وأهل الحجاز المخففون لهما معا قلبوا الأولى ألفا أو ياء أو واوا ، وسهلوا الثانية بين بين إذا وليت الألف ؛ لامتناع النقل إلى الألف ، وحذفوها بعد نقل الحركة إلى ما قبلها إذا وليت الواو والياء ؛ لإمكان ذلك ؛ فيقولون : اقرا آية ؛ بالألف فى الأولى والتسهيل فى الثانية ، وأقري اباك ؛ بالياء المفتوحة بفتحة الهمزة المحذوفة ، ولم يردو أبوك ، بالواو المفتوحة ، وعليه قس نحو لم تردو امّك ، ولم تردو ابلك ، وغير ذلك ، وكذا إذا كانت الثانية وحدها ساكنة ، نحو من شاء ائتمن ، فلا بد من تحريك أولاهما فيصير من هذا القسم الأخير.

قال : «الإعلال : تغيير حرف العلّة للتّخفيف ، ويجمعه القلب ، والحذف ، والإسكان. وحروفه الألف ، والواو ، والياء. ولا تكون الألف أصلا فى المتمكّن ولا فى فعل ، ولكن عن واو أو ياء»

أقول : اعلم أن لفظ الإعلال فى اصطلاحهم مختص بتغيير حرف العلة : أى

٦٦

الألف والواو والياء ، بالقلب أو الحذف ، أو الإسكان. ولا يقال لتغيير الهمزة بأحد الثلاثة : إعلال ، نحو راس ومسلة والمراة ؛ بل يقال : إنه تخفيف للهمزة ، ولا يقال أيضا لإبدال غير حروف العلة والهمزة ، نحو هيّاك وعلجّ (١) فى إيّاك وعلىّ ، ولا لحذفها نحو حر فى حرح ، ولا لإسكانها نحو إبل فى إبل ، ولفظ القلب مختص فى إصطلاحهم بإبدال حروف العلة والهمزة بعضها مكان بعض ، والمشهور فى غير الأربعة لفظ الإبدال ، وكذا يستعمل فى الهمزة أيضا

قوله : «للتخفيف» احتراز عن تغيير حرف العلة فى الأسماء الستة نحو أبوك وأباك وأبيك ، وفى المثنى وجمع السلامة المذكر نحو مسلمان ومسلمين ، ومسلمون ومسلمين ؛ فإن ذلك للاعراب لا للتخفيف ، وقد اشتهر فى إصطلاحهم الحذف الاعلالى للحذف الذى يكون لعلة موجبة على سبيل الاطراد ، كحذف ألف عصا وياء قاض ، والحذف الترخيمىّ والحذف لا لعلة للحذف غير المطرد ، كحذف لام يدودم وإن كان أيضا حذفا للتخفيف

قوله «ويجمعه القلب ، والحذف ، والإسكان» تفسيره كما ذكرنا فى تخفيف الهمزة فى قوله «يجمعه الإبدال ، والحذف ، وبين وبين»

قوله : «وحروفه الألف ، والواو ، والياء» أى : حروف الاعلال ، تسمى

__________________

(١) هذا التمثيل غير صحيح ، وذلك لأن هياك أصله إياك ، فهو من إبدال الهمزة ، وعلج أصله على ؛ فهو من إبدال الياء ، وهو أحد حروف العلة ، وبعيد أن يكون غرضه المبدل لا المبدل منه ، وخير من هذا أن يمثل بأصيلال ، وأصله أصيلان ، فأبدل النون لاما ، ومنه قول النابغة الذبيانى

وقفت فيها أصيلالا أسائلها

عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد

والتمثيل بالطجع ، وأصله اضطجع ، فأبدلت الضاد لاما ، ومنه قول الرجز :

لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع

مال إلى أرطاة حقف فالطجع

٦٧

الثلاثة حروف العلة ؛ لأنها تتغير ولا تبقى على حال ، كالعليل المنحرف المزاج المتغير حالا بحال ، وتغيير هذه الحروف لطلب الخفة ليس لغاية ثقلها بل لغاية خفتها ، بحيث لا تحتمل أدنى ثقل ، وأيضا لكثرتها فى الكلام ؛ لأنه إن خلت كلمة من أحدها فخلوها من أبعاضها ـ أعنى الحركات ـ محال ، وكلّ كثير مستثقل وإن خف

قوله «ولا تكون الألف أصلا فى المتمكن» : أما فى الثلاثى فلأن الابتداء بالألف محال والآخر مورد الحركات الإعرابية ، والوسط يتحرك فى التصغير ؛ فلم يمكن وضعها ألفا ، وأما فى الرباعى فالأول والثانى والرابع لما مر فى الثلاثى ، والثالث لتحركه فى التصغير ، وأما فى الخماسى فالأول والثانى والثالث لما مر فى الثلاثىّ والرباعىّ ، والخامس لأنه مورد الإعراب ، والرابع لكونه معتقب الإعراب فى التصغير والتكسير ، وأما فى الفعل الثلاثى فلتحرك ثلاثتها فى الماضى ، وأما فى الرباعى فلإتباعه الثلاثىّ

وقد ذكر بعضهم أن الألف فى نحو حاحيت وعاعيت غير منقلبة كما مر فى باب ذى الزيادة (١)

__________________

(١) لم يذكر المؤلف النسبة بين الابدال والقلب والاعلال وتخفيف الهمزة والتعويض ، وهذه الأشياء بين بعضها وبعض مناسبات وفروق ؛ فيجمل بالباحث معرفة ما بينها من الصلات وما بينها من الفروق ، وسنذكر لك حقيقة كل واحد من هذه الأنواع ثم نبين وجوه الاتحاد والاختلاف فنقول :

(ا) الابدال فى اللغة مصدر قولك : أبدلت الشىء من الشىء ؛ إذا أقمته مقامه ويقال فى هذا المعنى : أبدلته ، وبدل ، وتبدلته ، واستبدلته ، وتبدلت به ، واستبدلت به ، قال سيبويه : «ويقول الرجل للرجل : اذهب معك بفلان ؛ فيقول : معى رجل بدله : أى رجل يغنى غناءه ويكون فى مكانه» ا ه

والابدال فى اصطلاح علماء العربية : جعل حرف فى مكان حرف آخر ، وهو

٦٨

__________________

عندهم لا يختص بأحرف العلة وما يشبه أحرف العلة ، سواء أكان للادغام أم لم يكن ، وسواء أكان لازما أم غير لازم ، ولا بد فيه من أن يكون الحرف المبدل فى مكان الحرف المبدل منه

وإذا تأملت هذا علمت أنه لا فرق بين الابدال فى اللغة والابدال فى اصطلاح أهل هذه الصناعة إلا من جهة أن الاصطلاح خصه بالحروف ، وقد كان فى اللغة عاما فى الحروف وفى غيرها

(ب) وللعلماء فى تفسير القلب ثلاث طرق : الأولى ـ وهى التى ذكرها الرضى هنا ـ أنه جعل حروف العلة والهمزة بعضها مكان بعض ، وهو على هذا التفسير يشمل تخفيف الهمزة فى نحو بير وسوتم وراس ، ويخرج منه إبدال الواو والياء تاء فى نحو اتعد واتسر. والطريق الثانية ـ وهى التى سلكها ابن الحاجب ـ أنه جعل حرف مكان حرف العلة للتخفيف ؛ فهو عنده خاص بأن يكون المقلوب حرف علة ، وأن يكون القلب للتخفيف ، وهو من ناحية أخرى عام فى المقلوب إليه حرف العلة ؛ فيخرج عنه تخفيف الهمزة فى نحو بير وسوتم وراس وخطايا ، ويدخل فيه قلب الواو والياء تاء نحو اتعد واتسر ، وهمزة نحو أواصل وأجوه وأقتت والأول. والطريق الثالثة ـ وهى التى سلكها غير هذين من متأخرى الصرفيين كالزمخشرى وابن مالك ـ أنه جعل حروف العلة بعضها مكان بعض ؛ فيخرج عنه تخفيف الهمزة وقلب حرف العلة تاء أو همزة أو غيرهما من الحروف الصحيحة ، ويدخل هذان النوعان عند هؤلاء فى الابدال

(ح) الاعلال فى اصطلاح علماء العربية : تغيير حرف العلة بالقلب أو التسكين أو الحذف قصدا إلى التخفيف

(د) تخفيف الهمزة : تغييرها بحذفها أو قلبها إلى حرف من حروف العلة ، أو جعلها بين الهمزة وحروف العلة

(ه) التعويض فى اللغة : جعل الشىء خلفا عن غيره ، وفى الاصطلاح : جعل الحرف خلفا عن الحرف. وللعلماء فيه مذهبان : أحدهما أنه يشترط كون الحرف المعوض فى غير مكان الحرف المعوض منه ، وهذا ضعيف وإن اشتهر عند الكثيرين ،

٦٩

__________________

والثانى أنه يجوز فيه أن يكون الحرف المعوض فى غير مكان المعوض منه ، وهو الغالب الكثير ، نحو صفة وعدة ، ونحو ابن واسم بناء على أنه من السمو ، ويجوز أن يكون المعوض فى مكان المعوض منه ، كالتاء فى أخت وبنت بناء على رأى ، وكالألف فى اسم بناء على أنه من الوسم ، وكالياء فى فرازيق وفريزيق ؛ فانهما فى مكان لأول من فرزدق.

فاذا علمت هذا تبين لك ما يأتى :

أولا : أن بين الابدال والقلب ـ على الطريق الأولى ـ العموم والخصوص المطلق ؛ إذ يجتمعان فى إبدال حروف العلة والهمزة ، وينفرد الابدال فى ادكر أو الطجع ونحوهما مما ليس فى حروف العلة والهمزة

ثانيا : أن بين الابدال والقلب ـ على الطريق الثانية ـ العموم والخصوص المطلق أيضا ؛ إذ يجتمعان فى نحو قال وباع وميزان وكساء ورداء واتصل واتسر ، وينفرد الابدال فى تظنى وتقضى وفى أصيلال ونحوها

ثالثا : أن بين الابدال والقلب ـ على الطريق الثالثة ـ العموم والخصوص المطلق أيضا ؛ إذ يجتمعان فى نحو قال وباع وميزان وسيد وميت ، وينفرد الابدال فى نحو دينار وقيراط وعلج وتميمج

رابعا : أن بين الابدال والاعلال عموما وخصوصا وجهيا ، إذ يجتمعان فى نحو قال ورمى ، وينفرد الابدال فى نحو ادكر وازدحم واصطبر واضطجع ، وينفرد الاعلال فى نحو يقول ويبيع ويذكو ويسمو ويرمى ويقضى ، ويعد ويصف ، وعد وصف : أمرين من وعد ووصف

خامسا : أن بين الابدال وتخفيف الهمزة عموما وخصوصا وجهيا ؛ إذ يجتمعان فى نحو راس وبير ولوم ، وينفرد الابدال فى هراق فى أراق ، وهياك فى إياك ، وينفرد تخفيف الهمزة فى نحو مسلة فى مسألة وجيل فى جيأل ، وضو فى ضوء ، وشى فى شىء

سادسا : أن بين الابدال والتعويض على المشهور التباين ؛ إذ يشترط فى الابدال كون المبدل فى مكان المبدل منه ، ويشترط فى التعويض أن يكون العوض فى غير مكان المعوض منه. وعلى غير المشهور يكون بينهما العموم والخصوص المطلق ؛ فكل

٧٠

قال : «وقد اتّفقتا فاءين كوعد ويسر ، وعينين كقول وبيع ، ولامين كغزو ورمى ، وعينا ولاما كقوّة وحيّة ، وتقدّمت كلّ واحدة على الاخرى : فاء وعينا كيوم وويل ، واختلفتا فى أنّ الواو تقدّمت عينا على الياء لاما ، بخلاف العكس ، وواو حيوان بدل من الياء ، وأنّ الياء وقعت فاء وعينا فى يين ،

__________________

إبدال تعويض ولا عكس ؛ إذ يجتمعان فى نحو فرازيق ، وينفرد التعويض فى نحو عدة وزنة وابن

سابعا : أن بين الاعلال وتخفيف الهمزة التباين ؛ إذ الاعلال خاص بحروف العلة ، وتخفيف الهمزة خاص بالهمزة بداهة ، ومن أدخل الهمزة فى حروف العلة أو نص عليها فى تعريف الاعلال ؛ فقال : «إنه تغيير حروف العلة أو الهمزة بالقلب أو الحذف أو الاسكان» كان بين الاعلال وتخفيف الهمزة عنده العموم والخصوص الوجهى ؛ إذ يجتمعان فى نحو سال ومقرو ، ونبى على أنه من النبأ ، وينفرد الاعلال فى نحو قال وباع ويقول ويبيع وقل وبع ، وينفرد تخفيف الهمزة فى جعلها بين بين

ثامنا : أن بين الاعلال والقلب ـ على الطريق الأولى ـ العموم والخصوص الوجهى ؛ إذ يجتمعان فى نحو قال ، وينفرد الاعلال فى نحو يقول وقل ، وينفرد القلب فى نحو بير وراس ، وهذا على الرأى المشهور. أما على رأى من يجعل الهمزة من حروف العلة فيكون بين القلب والاعلال ـ على الطريق المذكورة ـ العموم والخصوص المطلق ؛ إذ ينفرد الاعلال عن القلب فى الحذف والتسكين ، ويكون بينهما ـ على الطريق الثانية والثالثة ـ العموم والخصوص المطلق ؛ إذ يجتمعان فى نحو قال ورمى وأواصل واتعد واتسر ، وينفرد الاعلال فى الحذف والاسكان

تاسعا : أن بين الاعلال والتعويض التباين

عاشرا : أن بين القلب ـ على الطريق الأولى ـ وتخفيف الهمزة العموم والخصوص الوجهى ؛ إذ يجتمعان فى نحو بير ، وينفرد تخفيف الهمزة فى نحو مسلة ، وينفرد القلب فى نحو قال. أما على الطريق الثانية والثالثة فبينهما التباين ؛ إذ شرط القلب أن يكون المقلوب حرفا من حروف العلة ، وتخفيف الهمزة خاص بها

حادى عشر : أن بين تخفيف الهمزة والتعويض التباين ، وهو واضح

٧١

وفاء ولاما فى يديت ، بخلاف الواو ، إلّا فى أوّل على الأصحّ ، وإلّا فى الواو على وجه ، وأنّ الياء وقعت فاء وعينا ولاما فى ييّبت ، بخلاف الواو إلّا فى الواو على وجه»

أقول : اعلم أن كون الفاء ياء والعين واوا لم يسمع إلا فى يوم ويوح (١) ، ولم يسمع العكس إلا فى نحو ويل (٢) وويح (٣) وويس (٤) وويب (٥) ، واتفقتا أيضا فى كونهما عينا ولاما كقو (٦) وبوّ (٧) وحىّ وعىّ (٨) ، وكلاهما قليلان قلة كون العين واللام حلقيين كلحح (٩) وبعّ (١٠) وبخ (١١) ، وأهمل كونهما

__________________

(١) يوح ، ويوحى ـ كطوبى ـ : من أسماء الشمس ، انظر (ح ١ ص ٣٥)

(٢) الويل : كلمة يراد بها الدعاء بالعذاب. انظر (ح ١ ص ٣٥)

(٣) ويح : كلمة رحمة. انظر (ح ١ ص ٣٥)

(٤) ويس : كلمة تستعمل فى الرحمة ، وفى استملاح الصبى. انظر (ح ١ ص ٣٥) ، والويس أيضا : الفقر ، وما يريده الانسان ، فهو من أسماء الأضداد

(٥) ويب : كلمة بمعنى الويل. انظر (ح ١ ص ٣٥). وتستعمل أيضا بمعنى العجب ؛ يقال : ويبا لهذا : أى عجبا له

(٦) القو : موضع بين فيد والنباج ، وهما فى طريق مكة من الكوفة ، وقيل : هو واد بين اليمامة وهجر ، وقيل : منزل ينزله الذاهب من البصرة إلى المدينة بعد أن يرحل من النباج ؛ قال الشاعر :

سمالك شوق بعد ما كان أقصرا

وحلت سليمى بطن قوّ فعرعرا

(٧) البو ـ بفتح الباء وتشديد الواو ـ : الحوار ، وهو ولد الناقة ، وقيل : البو : جلد الحوار يحشى تبنا أو ثماما أو حشيشا ثم يقرب إلى أم الفصيل لترأمه فتدر عليه ، وقيل فى المثل : «حرّك لها حوارها تحنّ»

(٨) العى ـ بكسر العين المهملة وتشديد الياء ـ : مصدر عيى ـ كرضى ـ وهو الحصر

(٩) لحح : بوزن فرح ، يقال : لححت عينه ، إذا لصقت بالرمص والقذى

(١٠) يقال : بع السحاب ، إذا كثر نزول مطره

(١١) يقال : بخ الرجل ؛ إذ سكنت ثورة غضبه ، ويقال : بخ فى نومه ؛ إذا غط

٧٢

همزتين ، وندركونهما هاءين ، نحو قهّ (١) وكهّ (٢) فى وجهى ، وكون الواو عينا والياء لاما نحو طويت أكثر من كون العين واللام واوين كقوّة ، فالحمل على الأول عند خفاء الأصل أولى ؛ فيقال : إن ذا فى اسم الإشارة أصله ذوى لا ذوو (٣)

قوله «الواو تقدمت عينا على الياء لاما» هو كثير : [نحو] طويت ونويت وغويت ، بخلاف العكس : أى لم يأت العين ياء واللام واوا ؛ لأن الوجه أن يكون الحرف الأخير أخف مما قبله ؛ لتثاقل الكلمة كلما ازدادت حروفها ، والحرف الأخير معتقب الإعراب

قوله «وواو حيوان بدل من ياء» عند سيبويه وأصحابه ، أبدلت منها لتوالى الياءين ، وأبدلت الثانية ؛ لأن استكراه التتالى إنما حصل لأجلها ، وأيضا لو أبدلت العين واوا لحمل على باب طويت الكثير ، وظن أنها أصل فى موضعها ؛ لكثرة هذا الباب ، فلما قلبت الثانية واوا صارت مستنكرة فى موضعها ، فيتنبه بذلك على كونها غير أصل ، وقال المازنى : واو حيوان أصل ، وليس فى حييت دليل على كون الثانية ياء ، لجواز أن يكون كشقيت ورضيت ؛ قلبت ياء لانكسار ما قبلها ، لكن سيبويه حكم بما حكم لعدم نظيره فى كلامهم لو جعل الواو أصلا.

قوله «وأن الياء وقعت فاء وعينا فى يين» هو واد ولا أعلم له نظيرا

__________________

(١) يقال : قه الرجل ، إذا رجع فى ضحكه ، أو اشتد ضحكه ، أو قال فى ضحكه : قه

(٢) يقال : استنكهت السكران فكه فى وجهى ، إذا طلبت منه أن يخرج نفسه لتشم رائحته فأخرجه ، وهو مثل جلس يجلس جلوسا

(٣) انظر (ج ٢ ص ٣٦) ثم (ج ١ ص ٢٨٥) فقد أشبعنا الكلام عليها هناك

٧٣

قوله «إلا فى أوّل على الأصح» يعنى أن فاءه وعينه واوان أيضا على الأصح ؛ كما مر (١) ، فالحق أن الواو والياء متفقتان ههنا فى كون كل واحدة منهما فاء وعينا ؛ كل واحدة منهما فى كلمة واحدة فقط (٢) ، وكون الفاء والعين من جنس واحد قليل نادر فى غير حروف العلة أيضا نحو ببر (٣) لالتقاء مثلين مع تعذر إدغام أولهما فى الثانى ، وتقل الكراهة شيئا بوقوع فصل نحو كوكب ، وبحصول موجب الإدغام كما فى أوّل

قوله «وفاء ولا ما فى يديت» أى : أصبت يده ، وأنعمت

قوله «إلا فى الواو على وجه» ذهب أبو على إلى أن أصل واو ويو لكراهة بناء الكلمة عن الواوات ؛ ولم يجىء ذلك فى الحرف الصحيح إلا لفظة ببّه (٤) ، وذلك لكونها صوتا ، وذهب الأخفش إلى أن أصله ووو ، لعدم تقدم الياء عينا على الواو لاما ؛ فتقول على مذهب أبى على : ويّيت واوا ، قلبت الواو الأخيرة ياء كما فى أعليت ، وتقول فى مذهب الأخفش : أوّيت ، وقال ثعلب : ووّيت ، ورده ابن جنى ، وهو الحق ، وذلك لأن الاستثقال فى ووّيت أكثر منه فى وواصل ؛ لاجتماع ثلاث واوات

واعلم أن تماثل الفاء واللاء فى الثلاثى قليل ، وإن كانا صحيحين أيضا كقلق وسلس.

قوله «وأن الياء وقعت فاء وعينا ولاما فى ييّيت» مذهب أبى على أن

__________________

(١) انظر (ج ٢ ص ٣٤٠ و ٣٤١).

(٢) هذه الجملة حال من الواو والياء

(٣) الببر : ضرب من السباع شبيه بالنمر انظر (ج ٢ ص ٣٦٧)

(٤) ببة : حكاية صوت صى ، ولقب لعبد الله بن الحارث وقالت أمه هند بنت أبى سفيان وهى ترقصه :

لأنكحنّ ببّه

جارية خديّه

مكرمة محبّه

تجبّ أهل الكعبه

٧٤

أصل الياء يوى ، فتقول : يوّيت ياء حسنة : أى كتبت ياء ، وعند غيره أصله ييي ، وكذا الخلاف بينهم فى جميع ما هو على حرفين من أسماء حروف المعجم ثانيه ألف ، نحو باتاثا را ، فهم يقولون : بيّيت وتيّيت وثيّيت ، إلى آخرها ، وقال أبو على : بوّيت إلى آخرها ، وعند أبى على جمعها : أبواء وأتواء ، وعند غيره : أبياء وأتياء ، وإنما حكموا بذلك لورود الإمالة فى جميعها ، وليس بشىء ؛ لأنه إنما تمال هذه الأسماء وهى غير متمكنة فألفاتها فى ذلك الوقت أصل ، كألف ماولا ، وإنما يحكم على ألفاتها بكونها منقلبة إذا زيد على آخرها ألف أخرى وصيرت همزة ؛ قياسا على نحو رداء وكساء ، وذلك عند وقوعها مركبة معربة ، فألحقوا إذن ألفاتها بألفات سائر المعربات فى كونها منقلبة ، وهى لا تمال ألفها إذن ، كما مر فى باب الإمالة (١) ، فلا دلالة إذن فى إمالتها قبل التركيب على كون ألفاتها بعد التركيب فى الأصل ياء ، وإنما حكم أبو على بكونها واوا وبأن لامها ياء لكثرة باب طويت ولويت ، وكونه أغلب من باب قوّة وحييت ، وأما حيوان فواوه ياء على الأصح ، كما مر ، وما ثانيه ألف من هذه الأسماء وبعده حرف صحيح نحو دال ذال صاد ضاد كاف لام فقبل إعرابها وتركيبها لا أصل لألفاتها ؛ لكونها غير متمكنة فى الأصل ، كما مر ، وأما بعد إعرابها فجعلها فى الأصل واوا أولى من جعلها ياء ؛ لأن باب دار ونار أكثر من باب ناب وغاب ، فتقول : ضوّدت ضادا ؛ وكوّفت كافا ، ودوّلت دالا ، والجمع أضواد وأكواف وأدوال ، وأما جيم وشين وعين فعينها ياء نحو بيت وديك ؛ إذ الياء موجودة ، ولا دليل على كونها عن الواو ، ويجوز عند سيبويه أن يكون أصل جيم فعلا ـ بضم الفاء ، وفعلا ـ بكسرها ـ خلافا للأخفش (٢)

__________________

(١) انظر (ص ٢٦) من هذا الجزء

(٢) اعلم أن سيبويه والأخفش قد اختلفا فى الياء الساكنة المضموم ما قبلها إذا لم تكن عينا لفعلى ولا عينا لجمع : هل تقلب الضمة كسرة لتسلم الياء؟ أو تقلب

٧٥

قال : «الفاء : تقلب الواو همزة لزوما فى نحو أواصل وأو يصل ، والأول ؛ إذا تحرّكت الثّانية ، بخلاف وورى ، وجوازا فى نحو أجوه وأورى ، وقال المازنىّ : وفى نحو إشاح ، والتزموه فى الأولى حملا على الاول ، وأما أناة وأحد وأسماء فعلى غير القياس».

أقول : اعلم أنهم استثقلوا اجتماع المثلين فى أول الكلمة ، فلذلك قل نحو ببروددن ، فالواوان إذا وقعتا فى الصدر ـ والواو أثقل حروف العلة ـ قلبت أولاهما همزة وجوبا ، إلا إذا كانت الثانية مدة منقلبة عن حرف زائد ، نحو وورى فى وارى ؛ فانه لا يجب قلب الأولى همزة ؛ لعروض الثانية من جهتين : من جهة الزيادة ، ومن جهة انقلابها عن الألف ، ولكون المد مخففا لبعض الثقل ، وإن لم تكن الثانية مدة : سواء كانت منقلبة عن حرف زائد كأواصل وأو يصل ، أو غير منقلبة عنه كأوعد على جورب من وعد ، وكذا إن كانت مدة لكنها غير منقلبة عن شىء كما تقول من وعد على وزن طومار (١) : أو عاد ، وجب قلب الأولى همزة ، وكذا إذا كانت الثانية منقلبة عن حرف أصلى ، كما قال الخليل فى فعل من وأيت مخففا : أوى (٢) ومن ذلك مذهب الكوفية فى أولى ، فان أصله عندهم وؤلى ، ثم وولى

__________________

الياء واوا لتسلم الضمة؟ ذهب سيبويه إلى الأول والأخفش إلى الثانى ، وسيأتى هذا الخلاف مبوسطا ومعللا فى كلام المؤلف فى هذا الباب ، فقول المؤلف «ويجوز عند سيبويه أن يكون أصل جيم فعلا ـ بضم الفاء ـ وفعلا ـ بكسرها ـ خلافا للأخفش» معناه أنه يتعين على قول الأخفش أن تكون على فعل ـ بالكسر ـ إذ لو كانت فعلا ـ بالضم ـ لوجب عنده قلب الياء واوا ؛ فكان يقال : جوم ، وأما على مذهب سيبويه فيجوز أن تكون الكسرة أصلية ؛ فهو فعل ـ بالكسر ـ ويجوز أن تكون الكسرة منقلبة عن ضمة فأصله فعل ـ بالضم ـ

(١) الطومار : الصحيفة. وانظر (ح ١ ص ١٩٨ ، ٢١٧)

(٢) أصل أوى وؤى ـ كقفل ـ ثم خفف بقلب همزته الساكنة واوا كما تخفف سؤلا : فصار وويا ؛ فاجتمع واوان فى أول الكلمة فوجب قلب أولاهما همزة.

٧٦

ثم أولى ، وعليه قراءة قالون (عاد لؤلى) (١) بالهمزة عند نقل حركة همزة أولى إلى لام التعريف ، ورد المازنى على الخليل بأن الواو فى مثله عارضة غير لازمة ؛ إذ تخفيف الهمزة فى مثله غير واجب ، فقال : يجوز أوى وووى ؛ لضمة الواو ، لا لاجتماع الواوين ، كما فى وجوه وأجوه

وإن كانت الثانية أصلية غير منقلبة عن شىء وجب قلب الأولى همزة : سواء كانت الثانية مدة كما فى الأولى عند البصرية وأصله وولى ، أو غير مدة كالأول عندهم.

وقول المصنف «إذا تحركت الثانية» هذا شرط لم يشترطه الفحول من النحاة كما رأيت من قول الخليل : أوى ، فى ووى ، وقال الفارسى أيضا إذا اجتمع الواوان أبدلت الأولى منهما همزة كأويصل ، ثم قال : ومن هذا قولهم الأولى فى تأنيث الأول ، ثم قال : وإن كانت الثانية غير لازمة لم يلزم إبدال الأولى منهما همزة كما فى وورى ، وقال سيبويه : إذا بنيت من وعد مثل كوكب قلت : أوعد ، فقد رأيت كيف خالفوا قول المصنف ، وبنى المصنف على مذهبه أن قلب الأولى فى أوى (٢)

__________________

(١) أنظر (ح ٢ ص ٣٤١)

(٢) أصل أوى ـ كفتى ـ : ووأى ـ ككوكب ـ من وأى يئى ، ثم خفف بالقاء حركة الهمزة على الساكن قبلها وحذف الهمزة ؛ فصار ووى ـ كفتى ـ وعند المصنف أن الواوين المجتمعتين فى أول الكلمة إن كانت الثانية متحركة بحركة أصلية وجب قلب الأولى همزة ، وإن كانت الثانية ساكنة أو متحركة بحركة عارضة جاز قلب الأولى همزة وجاز بقاؤها ؛ فيجوز عنده على هذا أن تقول : ووى ، وأن تقول : أوى ، وذلك لأن حركة الواو الثانية عارضة بسبب تخفيف الهمزة ، وخالفه فى ذلك المؤلف المحقق تبعا لمن ذكرهم من فحول النحاة ؛ فأوجب قلب أولى الواوين المصدرتين همزة : سواء أكانت الثانية ساكنة أم متحركة بحركة أصلية أو عارضة بشرط ألا تكون الثانية مدة منقلبة عن حرف زائد ، كما فى وورى ؛ فيقول فى مثل كوكب من وأيت مخففا : أوى ، لا غير

٧٧

ـ كما يجىء فى مسائل التمرين ـ غير واجب ، وأن واو أولى قلبت همزة وجوبا ، حملا للواحد على الجمع

هذا ، وإنما قلبت الواو المستثقلة همزة لا ياء لفرط التقارب بين الواو والياء ، والهمزة أبعد شيئا ؛ فلو قلت ياء لكان كأن اجتماع الواوين المستثقل باق.

قوله «وجوازا فى نحو أجوه وأورى» كل واو مخففة غير ما ذكرنا مضمومة ضمة لازمة : سواء كانت فى أول الكلمة كوجوه ، ووعد ، ووورى ، أو فى حشوها كأدؤر وأنؤر والنّؤور (١) فقلبها همزة جائز جوازا مطردا لا ينكسر ، وذلك لأن الضمة بعض الواو ، فكأنه اجتمع واوان ، وكان قياس الواوين المجتمعين غير أول نحو طووىّ جواز قلب الأولى همزة ، لكن لما كان ذلك الاجتماع لياء النسبة وهى عارضة كالعدم ـ كما تقرر فى باب النسبة ـ صار الاجتماع كلا اجتماع.

هذا ، وإن كان الضم على الواو للاعراب نحو هذه دلوك أو للساكنين نحو اخشوا القوم ؛ لم تقلب همزة ؛ لعروض الضمة ، وإن كانت الواو المضمومة مشددة كالتقوّل لم تقلب أيضا همزة ؛ لقوتها بالتشديد وصيرورتها كالحرف الصحيح

قوله «وقال المازنى وفى نحو إشاح» يعنى أن المازنى يرى قلب الواو المكسورة المصدرة همزة قياسا أيضا ، والأولى كونه سماعيا ، نحو إشاح (٢) وإعاء وإلدة (٣) وإفادة (٤) فى ولدة ووفادة ، وإنما جاء القلب فى المكسورة

__________________

(١) النؤور ـ كصبور ـ : دخان الشحم ، والمرأة النفور من الريبة. أنظر (ح ١ ص ٢٠٧)

(٢) الاشاح : الوشاح ، وهو ما ينسج من أديم عريضا ويرصع بالجواهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها

(٣) الالدة ـ بالكسر ـ : هى الولدة ، وهى جمع ولد ، وظاهر عبارة القاموس أن الالدة لا إبدال فيها ؛ لأنه ذكرها فى (أ ل د) وإن كان قد أعادها فى (ول د)

(٤) الافادة : الوفادة ، وهى مصدر قولهم : وفد عليه يفد وفودا ووفادة ،

٧٨

أيضا لأن الكسرة فيها ثقل أيضا ، وإن كان أقل من ثقل الضمة ، فاستثقل ذلك فى أول الكلمة دون وسطها ، نحو طويل وعويل (١) ؛ لأن الابتداء بالمستثقل أشنع

وأما الواو المفتوحة المصدرة فليس قلبها همزة قياسا بالاتفاق ، بل جاء ذلك فى أحرف ، نحو أناة (٢) فى وناة ، وأجم فى وجم (٣) ، وأحد فى وحد ، وأسماء فى اسم امرأة فعلاء من الوسامة عند الأكثرين ، وليس بجمع ؛ لأن التسمية بالصفة أكثر من التسمة بالجمع ، وقال بعض النحاة : أصل أخذ وخذ ، بدلالة اتخذ كاتّصل (٤)

__________________

قال سيبويه (ج ٢ ص ٣٥٥): «ولكن ناسا كثيرا يجرون الواو إذا كانت مكسورة مجرى المضمومة فيهمزون الواو المكسورة إذا كانت أولا ، كرهوا الكسرة فيها ، كما استثقل فى ييجل وسيد وأشباه ذلك ؛ فمن ذلك قولهم : إسادة ، وإعاء ، وسمعناهم بنشدون البيت لابن مقبل :

إلّا الا فادة فاستولت ركائبنا

عند الجبابير بالبأساء والنّعم» ا ه

(١) العويل : رفع الصوت بالبكاء ، وانظر (ج ٢ ص ١٧٦)

(٢) قال فى اللسان : «امرأة وناة وأناة وأنية : حليمة بطيئة القيام ، الهمزة فيه بدل من الواو. وقال اللحيانى : هى التى فيها فتور عند القيام والقعود والمشى.

وفى التهذيب : فيها فتور لنعمتها» ا ه بتصرف

(٣) الوجوم : السكوت على غيظ ، وقد وجم يجم وجما ووجوما ، وقالوا :

أجم ، على البدل

(٤) يريد أن بعض النحاة لما رأى أن العرب تقول : اتخذ بمعنى أخذ ؛ والمقرر عندهم أن الهمزة لا تقلب تاء ، ولذلك خطأوا المحدثين فى روايتهم «أمرنى رسول الله أن أتزر» تحلل من ذلك بأن ذكر أن أخذ أصله وخذ ، فاتخذ ليس من المقلوب عن الهمزة ، ولكنه عن الواو ؛ وهو رأى غير سديد ؛ لأن اتخذ يجوز أن يكون ثلاثية المجرد تخذ بدليل قول الشاعر وهو جندب بن مرة الهذلى :

تخذت غراز إثرهم دليلا

وفرّوا فى الحجاز ليعجزونى

٧٩

ولم يأت فى كلام العرب كلمة أولها ياء مكسورة كما جاء ما أوله واو مضمومة إلا يسار لغة فى يسار لليد اليسرى ، ويقاظ جمع يقظان.

وربما فروا من اجتماع الواوين فى أول الكلمة بقلب أولاهما تاء كما فى توراة وتولج (١) ، وهو قليل ، كما يفر من واو واحدة فى أول الكلمة بقلبها تاء نحو تراث (٢) وتقوى*

«وتقلبان تاء فى نحو اتّعد واتّسر ، بخلاف ايتزر»

أقول : اعلم أن التاء قريبة من الواو فى المخرج ، لكون التاء من أصول الثنايا ، والواو من الشفتين ، ويجمعهما (٣) الهمس ، فتقع التاء بدلا منها كثيرا ،

__________________

وإذا كانت محتملة لهذا الوجه وهو وجه لا شذوذ فيه سقط الاستدلال بها على ما ذكره ، وقد قرىء قوله تعالى : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً)

(١) التولج : كناس الوحش ، والمكان الذى تلج فيه ، وأصله وولج ـ بزنة كوثر ـ من الولوج

(٢) التراث : المال الموروث ، وانظر (ج ١ ص ٢٠٧ ـ ٢١٦)

(٣) مفاد كلام المؤلف أن الواو من الحروف المهموسة ، وليس كذلك ؛ لأن حروف الهمس هى المجموعة فى قولهم : حثه شخص فسكت ، وليست الواو منها ؛ بل هى من الحروف المجهورة ، ولذلك علل غيره من النحاة بغير هذا التعليل ؛ قال ابن يعيش (ح ١٠ ص ٣٧): «ولما رأوا مصيرهم إلى تغيرها (يريد الواو) بتغير أحوال ما قبلها ؛ قلبوها إلى التاء ؛ لأنها حرف جلد قوى لا يتغير بتغير أحوال ما قبله ، وهو قريب المخرج من الواو ، وفيه همس مناسب لين الواو» ا ه. وقال أبو الحسن الأشمونى فى شرحه للألفية عند قول ابن مالك

ذو اللّين فاتا فى افتعال أبدلا

وشذّ فى ذى الهمز نحو ائتكلا

: «أى إذا كان فاء الافتعال حرف لين : يعنى واوا أو ياء ، وجب فى اللغة الفصحى إبدالها تاء فيه وفى فروعه من الفعل واسمى الفاعل والمفعول لعسر النطق

٨٠