شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام المتقين ، قائد الغر المحجلين ، سيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

٣

الإمالة

تعريف الأمالة وسببها

قال : «الإمالة : أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة ، وسببها قصد المناسبة لكسرة أو ياء ، أو لكون الألف منقلبة عن مكسور أو ياء ، أو صائرة ياء مفتوحة ، وللفواصل أو لإمالة قبلها على وجه.

فالكسرة قبل الألف في نحو عماد وشملال ، ونحو در همان سوّغه خفاء الهاء مع شذوذه ، وبعدها فى نحو عالم ، ونحو من الكلام قليل ؛ لعروضها ، بخلاف نحو من دار ؛ للرّاء ، وليس مقدّرها الأصلىّ كملفوظها على الأفصح كجادّ وجوادّ ، بخلاف سكون الوقف».

أقول : «ينحى بالفتحة» أى : تمال الفتحة نحو الكسرة : أى جانب الكسرة ، ونحو الشىء : ناحيته وجهته ، و «ينحى» مسند إلى «نحو» ومعناه يقصد ، والباء فى «بالفتحة» لتعدية ينحى إلى ثانى المفعولين ، وهو المقدم على الأول ههنا ، وإنما لم يقل «ينحى بالفتحة نحو الكسرة ، وبالألف نحو الياء» لأن الإمالة على ثلاثة أنواع : إمالة فتحة قبل الألف إلى الكسرة ؛ فيميل الألف نحو الياء ، وإمالة فتحة قبل الهاء إلى الكسرة ، كما فى رحمة ، وإمالة فتحة قبل الراء إليها ، نحو الكبر ، فإمالة الفتحة نحو الكسرة شاملة للأنواع الثلاثة ، ويلزم من إمالة فتحة الألف نحو الكسرة إمالة الألف نحو الياء ؛ لأن الألف المحض لا يكون إلا بعد الفتح المحض ، ويميل إلى جانب الياء بقدر إمالة الفتحة إلى جانب الكسرة ضرورة ، فلما لزمتها لم يحتج إلى ذكرها.

وليست الإمالة لغة جميع العرب ، وأهل الحجاز لا يميلون ، وأشدهم حرصا عليها بنو تميم ، وإنما تسمى إمالة إذا بالغت فى إمالة الفتحة نحو الكسرة ، وما لم تبالغ فيه يسمى «بين اللفظين» و «ترقيقا». والترقيق إنما يكون فى الفتحة التى قبل الألف فقط.

٤

وسبب الإمالة إما قصد مناسبة صوت نطقك بالفتحة لصوت نطقك بالكسرة التى قبلها كعماد ؛ أو بعدها كعالم ، أو لصوت نطقك بياء قبلها كسيال (١) وشيبان ، أو قصد مناسبة فاصلة لفاصلة ممالة ، أو قصد مناسبة إمالة لإمالة قبل الفتحة ، أو قصد مناسبة صوت نطقك بالألف بصوت نطقك بأصل تلك الألف ، وذلك إذا كانت منقلبة عن ياء أو واو مكسورة كباع وخاف ، أو لصوت ما يصير إليه الألف فى بعض المواضع كما فى حبلى ومعزى ؛ لقولك حبليان ومعزيان ، والأولى أن تقول فى إمالة نحو خاف وباع : إنها للتنبيه على أصل الألف ، وما كان عليه قبل ، وفى نحو حبلى ومعزى : إنها للتنبيه على الحالة التى تصير إليها الألف بعد فى بعض الأحوال.

قوله «أو لكون الألف منقلبة عن مكسور» عبارة ركيكة ؛ لأن تقدير الكلام قصد المناسبة لكون الألف منقلبة عن مكسور ؛ إذ هو عطف على قوله «للكسرة» فيكون المعنى أنك تقصد مناسبة صوتك بالفتحة والألف الممالتين لكون الألف عن ياء أو لكون الألف صائرة ياء.

قوله «أو لإمالة قبلها على وجه» يجىء فى موضعه.

اعلم أن أسباب الإمالة ليست بموجبة لها ، بل هى المجوزة لها عند من هى فى لغته ، وكل موضع يحصل فيه سبب الإمالة جاز لك الفتح ؛ فأحد الأسباب الكسرة ، وهى إما قبل الألف أو بعدها ، والحرف المتحرك بالكسر لا يجوز أن يكون هو الحرف الذى يليه الألف ؛ لأنها لا تلى إلا الفتحة ، فالحرف المتحرك بالكسرة إما أن يكون بينه وبين الألف حرف أو حرفان ، والأول أقوى فى اقتضاء الإمالة لقربها ، وإذا تتابع كسرتان كحلبلاب (٢) ، أو كسرة وياء نحو

__________________

(١) السيال : اسم جنس جمعى ، واحدته سيالة ـ كسحابة ـ وهو شجر له شوك أبيض طويل ، إذا نزع خرج منه اللبن ، أو ما طال من السمر

(٢) الحلبلاب ـ بكسرتين بعدهما سكون ـ : نبت ينبسط على الأرض وتدوم خضرته فى القيظ ، وله ورق أعرض من الكف ، انظر (ح ١ ص ٦٣)

٥

كيزان ؛ كان المقتضى أقوى ، والتى بينها وبين الألف حرفان لا تقتضى الإمالة إلا إذا كان الحرف الذى بينها وبين حرف الألف ساكنا نحو شملال (١) ؛ فإن كان متحركا نحو عنبا ؛ أو كان بين الكسرة والألف ثلاثة أحرف لم يجز الإمالة وإن كان أحد الأحرف ساكنا ، نحو ابنتا زيد وفتلت قنّبا (٢) ؛ بلى إن كان الحرف المتحرك أو حرف الألف فى الأول هاء نحو يريد أن يسفّهنا ، وينزعها ؛ فإن ناسا من العرب كثيرا يميلها ؛ لخفاء الهاء ، فكأنها معدومة ، فكأنه يسفّنا وينزعا ، وإذا كان ما قبل الهاء التى هى حرف الألف فى مثله مضموما لم يجز فيه الإمالة أحد ، نحو هو يضربها ؛ لأن الهاء مع الضمة لا يجوز أن تكون كالعدم ، إذ ما قبل الألف لا يكون مضموما ، ولخفة الهاء أجازوا فى نحو مهارى مهارى ، بإمالة الهاء والميم ؛ لأنك كأنك قلت : مارى ، وكذلك إن كان فى الثانى أحد الثلاثة الأحرف التى بين الكسرة والألف هاء جازت الإمالة لكن على ضعف وشذوذ ، نحو : درهما زيد ، ودرهمان ، وحبرها. فإن كانت الكسرة المتقدمة من كلمة أخرى نظر : فإن كانت إحدى الكلمتين غير مستقلة أو كلتاهما كانت الإمالة أحسن منها إذا كانتا مستقلتين ؛ فالإمالة فى بنا بؤسى وبنّا ومنّا أحسن منها فى لزيد مال ، وبعبد الله.

واعلم أن الإمالة فى بعبد الله أكثر من إمالة نحو لزيد مال ؛ لكثرة لفظ الله فى كلامهم.

وإذا كان سبب الإمالة ضعيفا ـ لكون الكسرة بعيدة كما فى نحو أن ينزعها ، أو فى كلمة أخرى نحو منّا وإنا ومنها ـ وكانت الألف موقوفا عليها كان إمالتها

__________________

(١) تقول : ناقة شملال ـ كقرطاس ـ وشمليل ـ كقنديل ـ إذا كانت سريعة

(٢) القنب ـ بكسر أوله أو ضمه مع تشديد ثانيه مفتوحا ـ : ضرب من الكتان ، انظر (١ ح ص ٦٢)

٦

أحسن منها إذا كانت موصولة بما بعدها ؛ لما ذكرنا فى باب الوقف فى قلبهم ألف أفعى فى الوقف ياء دون الوصل ، وهو كون الألف فى الوصل يظهر جوهرها ، بخلاف الوقف ، فتقلب إلى حرف أظهر منها ، فلذا كان ناس ممن يميل نحو أن يضربها ومنّا وبنا ومنها إذا وصلوها لم يميلوها ، نحو أن يضربها زيد ، ومنا ذلك ، وأما الكسرة التى بعد الألف فإنما تكون سببا للإمالة إذا وليت الألف وكانت لازمة نحو عابد وعالم ومفاتيح وهابيل ، قيل : والمنفصل فى هذا كالمتصل نحو ثلثا درهم ، وغلاما بشر ، والظاهر أنها أضعف لعدم لزومها للألف ، فهى كالكسرة العارضة للإعراب فى كلمة الألف ، نحو على بابه ، ومن ماله ، فإنه يجوز الإمالة لأجلها ، لكنه أضعف من جواز إمالة نحو عابد وعالم ، ويجوز فى نحو بباب أن تكون الإمالة للكسرة المتقدمة أو للمتأخرة أو لكلتيهما ، وأما إن كانت الكسرة الإعرابية على الراء فهى كالكسرة اللازمة فى كلمة الألف ، نحو عالم ، وذلك لأنها وإن ضعفت بالعروض لكن تكرار الراء جبر وهنها فكأن الكسرة عليها كسرتان ، وذلك نحو : من الدّار ، وفى الدار ، وإن كان بين الألف والكسرة المتأخرة عنها حرف ، نحو : على آخر ، وعلى قاتل ؛ فإن الكسرة لاتؤثر ، وإنما أثرت المنفصلة عن الألف قبل ولم تؤثر بعد لأن الصعود بعد الهوىّ أشق من العكس ، فإن زالت الكسرة التى بعد الألف لأجل الإدغام نحو جادّ وجوادّ فالأفصح أن لا يعتد بها ، فلا تميل الألف لأنها ساقطة فى اللفظ لزوما ، وقد اعتبرها قوم نظرا إلى الأصل ، كما أميل نحو «خاف» نظرا إلى كسرتها الأصلية ، كما يجىء ، فأمالوا نحو جادّ وجوادّ ، رفعا ونصبا وجرّا ، وبعضهم أمالها إذا كانت المدغم فيها مكسورة فقط لصيرورة الحرفين بالإدغام كحرف واحد. فيكون «من جادّ» مثل «من مال» وإن ذهبت الكسرة لأجل الوقف ـ نحو راع ، وماش ـ اختلف أيضا فى الإمالة

٧

وتركها ، والأكثر يميلونه ، والفرق بينه وبين الأول أن سكون الوقف عارض يزول فى الوصل ، بخلاف سكون الحرف المدغم ، وإن كانت الكسرة المقدرة فى الوقف فى الراء ـ نحو من النار ، ومن دار ـ فجواز الإمالة فيه أقوى لقوة الكسرة على الراء كما ذكرنا ، فصارت لفرط القوة تؤثر مقدرة تأثيرها ظاهرة.

قال : «ولا تؤثّر الكسرة فى المنقلبة عن واو ، ونحو من بابه وماله والكبا شاذ ، كما شذّ العشا والمكاوباب ومال والحجّاج والنّاس لغير سبب.

وأمّا إمالة الرّبا ومن دار فلأجل الرّاء»

أقول أظن قوله : «ولا تؤثر الكسرة فى المنقلبة عن واو» وهما نشأ له من قول صاحب المفصل «إن إمالة الكبا شاذ» قال : أى الزمخشرى : «أما إمالة الربا فلأجل الراء» هذا قوله ، وقال سيبويه : «ومما يميلون ألفه قولهم : مررت ببابه وأخذت من ماله فى موضع الجر ، شبهوه بكاتب وساجد ، قال : والإمالة فى هذا أضعف ؛ لأن الكسرة لا تلزم ؛ فضعفها سيبويه لأجل ضعف الكسرة لا لأجل أن الألف عن واو ، ولو لم تؤثر الكسرة فى إمالة الألف منقلبة عن واو لم يقل إن الإمالة ضعيفة لضعف الكسرة ، بل قال : ممتنعة ؛ لكون الألف عن واو ؛ قال ـ أعنى سيبويه ـ : إنما يمال مال إذا كسرت اللام بعدها ، فتبين أنه لم يفرق فى تأثير الكسرة بين الألف المنقلبة عن واو وبين غيرها ، ولم أر أحدا فرق بينهما إلا الزمخشرى والمصنف.

والعشا : مصدر الأعشى والعشواء ، والكبا : الكناسة ، وهوواوى لتثنيته على كبوان ، والمكا ـ بوزن العصا ـ : جحر الضب ، (١) وبمعناه المكو.

__________________

(١) قال فى اللسان : «والمكو (بفتح فسكون والمكا ـ بالفتح مقصورا ـ : جحر الثعلب والأرنب ونحوهما ، وقيل : بحثمهما» ا ه. وقال سيبويه (ح ٢ ص ٢٦٠): «وقد قالوا الكبا ، والعشا ، والمكا ، وهو جحر الضب» ا ه

٨

وأما باب ومال فإنما تشذ إمالتهما فى غير حال جر لاميهما ، قال سيبويه : قال ناس يوثق بعربيتهم : هذا باب ، وهذا مال ، ورد المبرد ذلك ، قال السيرافى : حكاية سيبويه عن العرب لا ترد ، ويمال الحجّاج علما ، على الشذوذ ، وأما إن كان صفة فلا ، وإمالة الحجاج علما والناس أكثر من إمالة نحو «هذا باب ، ومال» وأما إمالة نحو «بالناس» فليست بشاذة لأجل الكسرة.

قال : «والياء إنّما تؤثّر قبلها فى نحو سيال وشيبان»

أقول : الياء : إما أن تكون قبل الألف ، أو بعدها :

فالتى قبلها إنما تؤثر إذا اتصلت بالألف كسيال ، وهو شجر ذو شوك ؛ لأن الحركة بعد الحرف ؛ فالفتحة بعد الياء ، فصارت الياء المفتوحة كالكسرة قبل الفتحة فى نحو عماد ، وتؤثر أيضا إذا اتصلت بحرف الألف : إما ساكنة [نحو شيبان](١) أو متحركة كالحيوان والحيدان ، وإذا كانت الياء التى هى قبل حرف الألف مدغما فيها كالكيّال ، أو كانت قبل الياء التى هى حرف ألف كسرة كالعيان كانت الإمالة أقوى ، ودونها الياء المخففة التى هى حرف الألف الكائنة بعد فتحة كشوك السيّال ، أو بعد ضمة كالهيام ، ودونها الياء الساكنة المتصلة بحرف الألف كشيبان ، ودونها المتصلة بها المتحركة كالحيدان ، وإنما كان نحو الحيدان فى الإمالة دون شيبان ـ وإن كانت الفتحة متعقبة للياء ـ لأن الحركة بعد الحرف ، كما تكرر ذكره ، ففتحة ياء حيدان فاصلة بين الياء وفتحة الدال المراد إمالتها ، بخلاف شيبان ؛ فإنه لا حركة فاصلة فى الأول بين الياء وفتحة الياء ، وإنما أثرت الكسرة فى نحو شملال مع أن بينها وبين حرف الألف حرفا ، ولم تؤثر الياء كذلك فى نحو ديدبان (٢) وكيذبان (٣) ؛ لأن ذلك الحرف

__________________

(١) الزيادة عن الخطية

(٢) الديدبان : حمار الوحش ، والرقيب ، والطليعة ، قال فى القاموس إنه معرب

(٣) الكيذبان ـ بفتح الكاف وسكون الياء بعدها ذال معجمة مضمومة أو مفتوحة ـ : الكذاب

٩

الفاصل بين الكسرة وحرف الألف يشترط سكونه كما مر ؛ فلم يفصل إذن بين الكسرة والفتحة الممالة ما يضاد الياء من الفتحة والضمة ، وأما فى نحو ديدبان وكيذبان فالفتحة والضمة فاصلتان بين الياء والفتحة المراد إمالتها ، وإذا أضعفت الفتحة (١) حركة الياء فى نحو الحيدان تأثير الياء مع أنها على نفس الياء فكيف إذا كانت على حرف فاصل؟ وأمال بعضهم «يدها» لخفاء الهاء كما ذكرنا فى درهمان.

وإن تأخرت الياء عن الألف ؛ فإن كانت مكسورة كمبايع (٢) فالمقتضى للإمالة فى مثله أقوى من المقتضى فى نحو عابد ، وإن كانت مفتوحة أو مضمومة كالمبايع والتّبايع فلا تؤثر ؛ لأن الحركة لشدة لزومها للحرف وإن كانت متعقبة لها تفتّ فى عضدها ، وتشربها شيئا من جوهر نفسها ، وتميلها إلى مخرجها شيئا.

قال : «والمنقلبة عن مكسور نحو خاف ، وعن ياء نحو ناب والرّحى وسال ورمى»

أقول : قوله «عن مكسور» أى : عن واو مكسور ؛ ليس ذلك على الإطلاق ، بل ينبغى أن يقال : عن مكسور فى الفعل ؛ لأن نحو رجل مال ونال (٣) وكبش (٤) صاف أصلها مول ونول وصوف ، ومع هذا لا يمال

__________________

(١) يريد أن الفتحة التى هى حركة الياء فى نحو الحيدان تضعف تأثير الياء فى الأمالة مع أنها حركة الياء نفسها ؛ فهى أقوى على إضعاف تأثيرها إذا كانت على حرف فاصل ؛ فقوله «حركة الياء» حال من الفتحة مثلا

(٢) مبايع اسم فاعل من المبايعة ، ووقع فى بعض النسخ «كبايع» وهو فعل أمر من المبايعة أيضا

(٣) يقال : رجل مال ؛ إذا كان كثير المال ، ويقال : رجل نال ؛ إذا كان كثير النوال : أى العطاء ،

(٤) يقال : كبش صاف ؛ إذا كان كثير الصوف

١٠

قياسا ، بل إمالة بعضها لو أميلت محفوظة ، وذلك [لأن الكسرة] قد زالت بحيث لا تعود أصلا : أما فى الفعل نحو خاف فإن الكسرة لما كانت فى بعض المواضع تنقل إلى ما قبل الألف نحو خفت وخفنا أجيز إمالة ما قبل الألف ، والألف المنقلبة عن واو مكسورة فى الاسم والفعل لا تقع إلا عينا ، أما المنقلبة عن الياء فتمال ، سواء كانت الياء مفتوحة أو غيرها فى الاسم أوفى الفعل : عينا أو لاما ، كتاب وغاب وطاب وباع وهاب ورحى ورمى ، وهى إذا كانت عين فعل ـ فى الأفعال ـ أولى بالإمالة منها عين فعل فى الأسماء ؛ لأنه ينضم إلى انقلابها عن الياء انكسار ما قبلها فى بعض التصاريف كهبت وبعت ، وإذا كانت لاما كانت أولى بالإمالة منها عينا ؛ لأن التغيير فى الأواخر أولى ، قال سيبويه : وكره بعض العرب إمالة نحو رمى لكراهة أن يصيروا إلى ما فروا منه : يعنى أنهم قلبوا الياء ألفا أولا فلم يقلبوا الألف بعد ذلك ياء ، قلت : وينبغى على هذا أن يكرهوا إمالة نحو باب وعاب وباع وهاب ؛ لحصول العلة المذكورة.

قال : «والصّائرة ياء مفتوحة ، نحو دعا وحبلى والعلى ، بخلاف جال وحال»

أقول : اعلم أن الألف إذا كانت فى الآخر ؛ فإما أن تكون فى آخر الفعل ، أو آخر الاسم

فالأولى جاز إمالتها مطلقا ؛ لأنها إن كانت عن ياء فلها أصل فى الياء وتصير ياء عند اتصال الضمائر بها ، نحو رميت ويرميان ، وإن كانت عن واو فإن تلك الألف تصير ياء مكسورا ما قبلها قياسا ، وذلك فيما لم يسم فاعله ، نحو دعى فى دعا ؛ فهو كالألف الممالة مع كون الألف فى الآخر ، والآخر محل التغيير ، ولذلك لم يمل فى قال وحال مع قولهم : قيل وحيل

١١

والثانية : أى التى فى آخر الاسم إن كانت عن ياء نحو الفتى والرحى جاز إمالتها ؛ لكونها عن ياء وصيرورتها ياء فى التثنية ، وإن كانت عن واو : فإن كانت رابعة فما فوقها جاز إمالتها ؛ لصيرورتها فى المثنى ياء كالأعليان والمصطفيان ، وكذا الألف الزائدة ، كالحبلى ، والذّفرى (١) ، والأرطى (٢) ، والكمّثرى ، والقبعثرى (٣) ؛ لأنها تنقب ياء فى المثنى ، على ما مضى فى باب المثنتى ، وكذا ألف سكارى وحبالى وصحارى ؛ لأنك لو سميت بها (٤) وثنيتها قلبت ألفاتها ياء ، وإن كانت ثالثة لم تمل قياسا ، بل شاذا ، كالمكا والعشا ؛ لأنها تصير ياء كما فى الفعل ، بل تصير فى التصغير ياء قياسا كعصيّة [ولا تؤثر] ؛ لكون سكون ما قبلها يبعدها عن صورة الألف الممالة ، بخلاف نحو دعى وأعليان ، وأما نحو القوى والعلى والضّحى ـ فى القرآن ـ فإنما جاز إمالتها لكونها رءوس الآى ؛ فتناسب سائر الكلم التى هى رءوس الآى ، وفيها سبب الإمالة

وقال بعضهم : كل ما كان على فعل ـ بضم الفاء ـ جاز إمالة ألفه ؛ إذ لو منعت لكان الثلاثى المطلوب فى وضعه الخفة أوله وآخره ثقيلين ؛ إذ يكون أوله ضمة وآخره ألفا غير ممالة ، وترك إمالتها صريح فى أنها عن واو ؛ فيكون كأن فى أوله ضمة وآخره واو ، ولهذا يكتب الكوفيون كل ثلاثى مقصور مضموم

__________________

(١) الذفرى ـ بكسر فسكون مقصورا ـ : الموضع الذى يعرق من الابل خلف الأذن ، انظر (ح ١ ص ٧٠ ، ١٩٥)

(٢) الأرطى ـ بفتح فسكون ـ : شجر ينبت فى الرمل ، واحدته ارطاة ، انظر (ح ١ ص ٥٧)

(٣) القبعثرى : الجمل الضخم الشديد الوبر ، انظر (ح ١ ص ٩ ، ٥٢)

(٤) لعل المؤلف لاحظ أن الأصل فيما يثنى أن يكون مفردا فقيد تثنية هذه الألفاظ بالتسمية بها ، وإلا فان تثنية الجمع على إرادة الجماعتين غير عزيزة فى كلام العرب

١٢

الأول بالياء ، ويثنيه بعض العرب بالياء ، كما مر فى باب المثنى ؛ فتقول : العليان ؛ فعلى هذا لا يختص إمالة مثل هذه الكلم برءوس الآى ، ولا يحتاج فى إمالة العلى إلى أن يعلل بكون واحده العليا ؛ بل يجوز إمالة العلى الذى هو مصدر أيضا ، وقال بعضهم : طلبنا وطلبنا زيد ؛ تشبيها لألفها بألف نحو حبلى حيث كانت أخيرا ، وجوزوا على هذا رأيت عبدا وأكلت عنبا

«قوله والصائرة ياء مفتوحة» احتراز عن نحو قيل وحيل ، قال المصنف : لأن هذا صار ياء ساكنة والساكنة ضعيفة ؛ فهى كالمعدوم ، ولقائل أن يقول : لو كان ضعفها لأجل انقلابها ياء ساكنة لوجب إمالة نحو العصا ؛ لأنها تنقلب ياء متحركة قوية بسبب الإدغام فيها نحو العصىّ فى الجمع والعصيّة فى التصغير.

قوله «دعا وحبلى والعلى» لقولك : دعى وحبليان والعليان

قال : «والفواصل نحو والضّحى ، والإمالة قبلها نحو رأيت عمادا»

أقول : اعلم أن الإمالة فى الفواصل هى فى الحقيقة إمالة للإمالة أيضا ، وذلك لأنه يمال الضّحى لإمالة قلى ؛ لتناسب رءوس الآى ؛ فالإمالة للإمالة على ضربين :

أحدهما أن تمال فتحة فى كلمة لإمالة فتحة فى تلك الكلمة أو فيما هو كالجزء لتلك الكلمة ، فالأول على ضربين : إما أن يمال الثانى لإمالة الأول ، نحو عمادا ، أميلت فتحة الدال وقفا ؛ لامالة فتحة الميم ، وجاز ذلك وإن كان الألف ألف تنوين ؛ لأن الأواخر محل التغيير ، ولبيان الألف وقفا كما فى أفعى على ما مر فى بابه ؛ أو يمال الأول لإمالة الثانى ، وذلك إذا كان الثانى فتحة على الهمزة نحو رأى ونأى ، أمال بعضهم فتحتى الراء والنون لإمالة فتحة الهمزة ، وذلك لأن الهمزة حرف مستثقل فطلب التخفيف معها أكثر بتعديل الصوت فى مجموع الكلمة. وأما مهارى فإمالة الميم لأجل خفاء الهاء لا للإمالة. والثانى : أى إمالة فتحة فى كلمة لإمالة فتحة فيما هو كجزء تلك الكلمة نحو قولك : معزانا ،

١٣

أملت فتحة نون «نا» لإمالة فتحة الزاى ، وجاز ذلك وإن كانت «نا» كلمة برأسها لكونها ضميرا متصلا ، ولكون الألف فى الآخر وهو محل التغيير ، ولم يمل ألف مال فى ذا مال ؛ لكونه وسطا ، ولكون مال كلمة منفصلة لا كجزء الأول بخلاف «نا» فى معزانا.

وثانيهما أن تمال فتحة فى كلمة لإمالة مثل تلك الفتحة فى نظير تلك الكلمة فى الفواصل ، كقوله تعالى (وَالضُّحى) ، أميل ليزاوج (قلى) ، وسهل ذلك كونه فى أواخر الكلام ومواضع الوقف كما ذكرنا فى نحو أفعى قال : «وقد تمال ألف التّنوين فى نحو رأيت زيدا»

أقول : قال سيبويه : يقال : رأيت زيدا ، كما يقال : رأيت شيبان ، لكن الإمالة فى نحو رأيت زيدا أضعف ؛ لأن الألف ليست بلازمة لزوم ألف شيبان ؛ وسهل ذلك كون الألف موقوفا عليها ، فيقصد بيانها بأن تمال إلى جانب الياء كما فى حبلى ، ولا يقال : رأيت عبدا إلا عند بعضهم ـ كما مر ـ تشبيها بنحو حبلى ؛ إذ لا ياء قبل الألف ولا كسرة

قال : «والاستعلاء فى عير باب خاف وغاب وصغا مانع قبلها يليها فى كلمتها ، وبحرفين على رأى ، وبعدها يليها فى كلمتها ، وبحرف وبحرفين على الأكثر»

أقول : يعنى أن حروف الاستعلاء ، وهى ما يرتفع بها اللسان ، ويجمعها قظ خصّ ضغط (١) تمنع الإمالة على الشرائط التى تجىء ، وذلك لمناقضتها

__________________

(١) قال ملا على قارى فى شرح الجزرية : «قظ : أمر من قاظ بالمكان ؛ إذا أقام به فى الصيف ، والخص ـ بضم الخاء المعجمة ـ : البيت من القصب ، والضغط : الضيق ، والمعنى أقم فى وقت حرارة الصيف فى خص ذى ضغط : أى الدنيا بمثل ذلك وما قاربه» ا ه

١٤

للإمالة ؛ لأن اللسان ينخفض بالإمالة ويرتفع بهذه الحروف ؛ فلا جرم لا تؤثر أسباب الإمالة المذكورة معها ، لأن أسباب الإمالة تقتضى خروج الفتحة عن حالها وحروف الاستعلاء تقتضى بقاءها على أصلها ؛ فترجح الأصل ، ولا تغلب حروف الاستعلاء أسباب الإمالة فى باب خاف وغاب وصغا ، يعنى فى الألفات التى ينكسر ما قبلها فى بعض التصرفات ، وهى ألفات الفعل إذا كانت عينا فى الماضى الثلاثى ، وهى منقلبة عن واو مكسورة كخاف أو ياء : سواء كانت فى الأصل مكسورة كهاب ، أولا كغاب ، وكذا إذا كانت لاما فى ماضى الفعل الثلاثى : سواء كانت واوا كغزا ، أو ياء كبغى ، وذلك لأنك تقول : خفت وغبت وغزى وبغى ، فأجيزت الإمالة مع حروف الاستعلاء لقوة السبب : أى انكسار ما قبل الألف فى بعض التصرفات ، مع كون ذلك فى الفعل الذى هو أحمل للتصرفات من أخويه ، وكذا الألفات التى تنقلب فى بعض التصرفات ياء ، وهى الألفات الأخيرة : الرابعة فما فوقها : فى الفعل كانت كأعطى ويعطى ، أو فى الاسم كالمعطى والوسطى ؛ لقولك : أعطيا ويعطيان والمعطيان والوسطيان ؛ فتنقلب الألف فى البنية التى فيها الألف من غير تغيير تلك البنية ، وأما الياء فى نحو العصيّة والعصىّ فلا تعتبر ؛ لأنها عرضت فى بناء آخر ؛ فجميع الألفات المذكورة تمال ، ولا تنظر إلى حروف الاستعلاء ؛ لأن انقلاب الألف ياء لغير الإمالة مطردا والبينة باقية سبب قوى للإمالة ، فتجرى عليها مع حروف الاستعلاء أيضا

قوله «قبلها يليها فى كلمتها» كقاعد وخامد (١) وصاعد وغائب

__________________

(١) يقال : خمدت النار تخمد ـ من باب قعد ـ خمودا ؛ إذا سكن لهبها ، ويقال : قوم خامدون لا تسمع لهم حسا ، مأخوذ من خمود النار. وفى التنزيل

١٥

وطائف (١) وضامر وظالم ، وكذا إذا كان بعدها يليها فى كلمتها كناقد وعاطس وعاصم وعاضد وعاطل وباخل (٢) وواغل (٣) ، وإذا كانت حروف الاستعلاء قبل حرف الألف فإن كانت مكسورة كالقفاف (٤) والغلاب والطّباب (٥) والضّباب (٦) والصّحاب والخداع والظّماء (٧) ؛ فلا أثر لحرف الاستعلاء ، [بل تمال الفتحة والألف ؛ لأن الكسرة المقتضية لإمالة الفتحة والألف بعد حرف الاستعلاء] على

__________________

العزيز (إن كانت إلّا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) قال الزجاج : فاذا هم ساكتون قد ماتوا وصاروا بمنزلة الرماد الخامد الهامد

(١) يقال : طاف به الخيال يطوف طوفا وطوفانا ؛ إذا ألم به فى النوم ، قال تعالى (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ) ويقال : طاف حول الشى يطوف طوفا وطوفانا ؛ إذا دار حوله ، ورجل طائف وطاف ، أصله طوف على صيغة المبالغة

(٢) الباخل : البخيل ، وفى اللسان «ذو البخل» يريد أنه للنسب ، وإنما يستقيم قوله هذا إذا سلب منه معنى الحدوث ، وإلا فهو اسم فاعل وليس للنسب ،

(٣) الواغل : الذي يدخل على القوم فى طعامهم وشرابهم من غير أن يدعوه لذلك ، أو من غير أن يشترك معهم فى النفقة ، قال عدى بن زيد العبادى :

فمتى واغل ينبهم يحيّو

ه وتعطف عليه كفّ السّاقى

وقد وقع فى الأصول «واغد» بالدال ، وهو تصحيف

(٤) القفاف : جمع قف ـ كخف ـ وهم الأوباش والأخلاط من الناس ؛ وحجارة غاص بعضها ببعض

(٥) الطباب : جمع طبة ـ بكسر أوله وتشديد ثانية ـ وهى المستطيل من الأرض والثوب والسحاب

(٦) الضباب ـ كرحال ـ : جمع ضب ، وهو حيوان برى يشبه الورل إلا أنه دونه ، والورل حيوان يشبه التمساح ويعيش فى البر

(٧) الظماء : جمع ظمئان ، كعطاش وعطشان وزنا ومعنى

١٦

ما سبق من كون الحركة بعد الحرف ، ولم يذكر سيبويه فى مثله ترك الإمالة ، وذكر غيره أنه ذهب بعضهم إلى امتناع الإمالة ؛ لأجل حروف الاستعلاء ، وإن كانت مكسورة ، قالوا : وهو قليل ، والإمالة أكثر ، وكذا الإمالة فى نحو «قزحا» (١) كثيرة ، وأما إن كانت حروف الاستعلاء متحركة بغير الكسرة كغوالب وصمات (٢) وخفاف (٣) فإنها تمنع الإمالة ؛ لأنك إنما تتلفظ بالفتحة والألف بعد ثبوت حرف الاستعلاء الطالب للفتح بلا كسر بينها وبين الفتح ، كما كان فى قفاف ، وفى تلك الحال طالب الإمالة ـ أعنى الكسر ـ معدوم متوقع ، ومناسبة الصوت لصوت داخل فى الوجود أولى من مناسبته للمتوقع وجوده ، وأما إن كانت حروف الاستعلاء ساكنة قبل حرف الألف بعد الكسرة ، نحو : مصباح ومقلاع ومخدام ومطعان ، فبعض العرب لا يعتد بحرف الاستعلاء لكونه بالسكون كالميت المعدوم فيميل ، وبعضهم يعتد به ؛ لكونه أقرب إلى الألف من

__________________

(١) القزح ـ بكسر القاف وسكون الزاى ـ : بزر البصل ، والتابل الذى يطرح فى القدر كالكمون والكزبرة ، ومراد المؤلف أنه يجوز إمالة ألفه المبدلة من التنوين وقفا فى حالة النصب ؛ لأن الكسرة بعد حرف الاستعلاء ، فلا أثر لحرف الاستعلاء ، ولا يضر الفصل بين الكسرة والألف بحرفين ؛ لأن أحدهما ساكن ؛ فهو نظير شملال ، وفى النسخ الخطية «قرحاء» بالقاف والراء والحاء ممدودا ، وهو تصحيف ؛ لأن أوله مفتوح ، ويدل على أن المراد ما أثبتناه قول سيبويه (ح ٢ ص ٢٦١) «وقالوا رأيت قزحا ، وهو أبزار القدر ، ورأيت علما ، فيميلون ، جعلوا الكسرة كالياء» ا ه

(٢) الصمات ـ كغراب ـ : الصمت ، وفى الحديث «وإذنها صماتها» أى أن إذن البكر سكوتها

(٣) الخفاف ـ كغراب ـ : الخفيف ، وفعال يشارك فعيلا فى باب الصفة المشبهة كثيرا ؛ إلا أن فى فعال من المبالغة أكثر مما فى فعيل ، ومن ذلك طويل وطوال ، وشجيع وشجاع ، وعجيب وعجاب

١٧

الكسرة الطالبة للامالة ، قال سيبويه : كلاهما عربى له مذهب ، وهذا معنى قول المصنف «وبحرفين على رأى» ، جعل فى نحو مصباح حرف الاستعلاء قبل الألف بحرفين : أحدهما حرف الاستعلاء ، والآخر الباء ، والأظهر أن لا يقال : هذا الحرف قبل ذلك الحرف بحرفين ، إلا إذا كان بينهما حرفان ، كما قال سيبويه فى نحو مناشيط (١). ومعاليق (٢) : إن حرف الاستعلاء ، بعد الألف بحرفين ، وإن كان حرف الاستعلاء بعد الألف وبينهما حرف كنافخ ونابغ ونافق (٣) وشاحط (٤) وناهض وغائظ منع من الإمالة ، ولم تؤثر الكسرة ؛ لأن الحرف أقوى من

__________________

(١) قال سيبويه : «واعلم أن هذه الألفات لا يميلها أحد إلا من لا يؤخذ بلغته ؛ لأنها إذا كانت مما ينصب فى غير هذه الحروف لزمها النصب فلم يفارقها فى هذه الحروف ؛ إذ كان يدخلها مع غير هذه الحروف ، وكذلك إن كان شىء منها بعد الألف بحرفين ، وذلك قولك : مناشيط ، ومنافيخ ، ومعاليق ، ومقاريض ، ومواعيظ ، ومباليغ ، ولم يمنع الحرفان النصب كما لم يمنع السين من الصاد فى صويق ونحوه ، وقد قال قوم المناشيط (يريد بالامالة) حين تراخت ، وهى قليلة» ا ه

وقد بحثنا طويلا فيما بين أيدينا من كتب اللغة فلم نعثر على ما يكون مفردا قياسيا لمناشيط إلا منشطا ـ كمكرم ـ وهو بمعنى النشيط ، أو هو الذى ينشط إبله ، وإن صح أن يكون هذا مفرده كانت الياء فى مناشيط زائدة متولدة من إشباع الكسرة ، مثل دوانيق وخواتيم فى جميع دانق وخاتم ، أو منشطا ـ كمقعد ـ وهو مصدر ميمى بمعنى النشاط ، والياء على هذا الوجه فى الجمع زائدة كما كانت على الوجه السابق

(٢) المعاليق : جمع معلاق ـ بكسر فسكون ـ أو معلوق ـ بضم فسكون ـ وهما يستعملان فيما يعلق عليه الشىء وفى الشىء المعلق نفسه

(٣) نافق : اسم فاعل من نفقت السلعة تنفق ـ من باب نصر ينصر ـ نفاقا ؛ إذا راجت وغلا سعرها ، أو اسم فاعل من نفق الحيوان ينفق نفوقا ـ كقعد يقعد قعودا ـ بمعنى مات

(٤) الشاحط : اسم فاعل من شحط يشحط ـ كمنع يمنع ، وكفرح يفرح ـ شحطا ـ كمنع ، وشحطا ـ كفرح ؛ إذا بعد

١٨

الحركة ؛ فتصير قوية قائمة مقام قرب الكسرة من الألف ، فلو أملت الألف لكان هناك استفال ظاهر بإمالة الفتحة والألف والكسرة الصريحة بعده إصعاد ، وذلك صعب ، وأما نحو غالب وطالب ففيه إصعاد ظاهر بعده استفال ، وهذا أسهل ، ألا ترى أنهم قالوا : صبقت ، وصقت ، وصويق ، بقلب السين صادا لئلا يصعدوا بعد استفال ، ولم يقولوا : قصوت ، وقصت ؛ فى قسوت وقست

وإن كان بين حرف الاستعلاء المتأخر عن الألف وبينها حرفان كمناشيط ومعاريض (١) ومعاليق ومنافيخ (٢) ومباليغ (٣) منع أيضا عن الإمالة ، وقال سيبويه : قد قال بعضهم المناشيط بالإمالة حين تراخت وهى قليلة.

قوله : «وبحرفين على الأكثر» إن أراد نحو مناشيط فهو مخالف لقوله «وبحرفين على رأى» فى نحو مصباح ، وإن أراد نحو نافخ وفاسق كما صرح به فى الشرح فغلط ؛ لأنه لا خلاف فى منعه إذن للامالة.

قوله : «قبلها يليها فى كلمتها» إنما قال «فى كلمتها» لأن المستعلى إن كان فى كلمة أخرى قبل لم يؤثر نحو ضبط عالم فتميل ؛ لأن المستعلى لما انفصل صار كالعدم مع أن الاستفال بعد الاصعاد سهل.

قوله : «وبعدها يليها فى كلمتها» اعلم أنه إذا كان المستعلى فى كلمة بعد أخرى نحو عماد قاسم وبمال قاسم فبعضهم لا يجعلون للمستعلى المنفصل أثرا وبعضهم

__________________

(١) فى الحديث «إن فى المعاريض لمندوحة عن الكذب» قال ابن الأثير فى النهاية : «المعاريض جمع معراض من التعريض ، وهو خلاف التصريح من القول يقال : عرفت ذلك فى معراض كلامه ومعرض كلامه بحذف الألف» ا ه والمعراض أيضا : سهم بلا ريش دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حده

(٢) المنافيخ : جمع منفاخ ، وهو كير الحداد

(٣) لم نجد هذا الجمع فى كتب اللغة ، ولعله جمع مبلغ مصدرا ميميا من بلغ ، ومعناه البلوغ ، والياء فى الجمع من إشباع الكسرة

١٩

يجعل له تأثيرا ؛ فلا يميل نحو أن يضربها قاسم ؛ لجعله مثل فاقد ، وكذا لا يميل نحو بمال قاسم ؛ لجعله مثل فالق ، وكذا لا يميل نحو أن يضربها ملق (١) ؛ لكونه مثل مناشيط ، وأبعد من هذا إمالة نحو بمال ملق ، وإنما جعلوا للمنفصل المتأخر أثرا دون المتقدم المنفصل ، لما ذكرنا من أن الإصعاد بعد الاستفال أصعب من العكس ، وإذا كان سبب الامالة قويا ، وذلك لكون الكسرة لازمة لم يعزله المستعلى المنفصل عزله للسبب الضعيف ، أعنى الكسرة العارضة ، فيعزل فى «على مال قاسم» أكثر من عزله فى «عماد قاسم» ؛ لأن كسرة لام «على مال» وهى السبب ـ ضعيفة لعروضها ، فالمانع الضعيف : أى المستعلى المنفصل ، يستولى عليها لضعفها ، وأما فى نحو «عماد قاسم» و «عالم قاسم» فالسبب ـ وهو كسرة العين فى الأول واللام فى الثانى ـ قوى للزومه ؛ فلا يستولى عليه المانع الضعيف.

هذا ، وبعضهم يقول : رأيت عرقا ؛ فيميل مع القاف تشبيها له بفعلى ؛ فهو كالوسطى ، وهذا كما أميل نحو عنبا وعبدا ، تشبيها بألف التأنيث ، وذلك فى حيز الشذوذ ؛ لأن ألف التنوين إمالتها قليلة ، فكيف مع المستعلى فى عرقا؟

قال : «والرّاء غير المكسورة إذا وليت الألف قبلها أو بعدها منعت منع المستعلية ، وتغلب المكسورة بعدها المستعلية وغير المكسورة ؛ فيمال طارد وغارم ومن قرارك ، فإذا تباعدت فكالعدم فى للمنع والغلب عند الأكثر ؛ فيمال : هذا كافر ، ويفتح مررت بقادر ، وبعضهم يعكس ، وقيل : هو الأكثر»

أقول : اعلم أن الراء حرف مكرر ؛ فضمتها كضمتين ، وفتحتها كفتحتين ، وكسرتها ككسرتين ؛ فصارت غير المكسورة كحرف الاستعلاء ؛ لأن

__________________

(١) يقال : رجل ملق ؛ إذا كان يعطى بلسانه ما ليس فى قلبه

٢٠