شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

وذلك إذا كانت مبتدأ بها كتبت بصورتها الأصلية المشتركة أعنى هذه (ا) نحو إبل وأحد وأحد ، وكذلك تكتب بهذه الصورة إذا خففت بقلبها ألفا ، نحو راس

ثم نقول : إذا كانت الهمزة وسطا ساكنة متحركا ما قبلها كتبت بمقتضى حركة ما قبلها نحو يؤمن ويأكل وبئس ؛ لأنها تخفف هكذا (ا) إذا خففت وتكتب الوسط المتحركة المتحرك ما قبلها نحو مؤجّل بالواو وفئة بالياء والخمسة بحرف حركته نحو سأل ولؤم ويئس ومن مقرئك ورؤوس ، وأما الاثنان الباقيان نحو سئل ويقرئك فعلى مذهب سيبويه بحرف حركته ، وعلى مذهب الأخفش بحرف حركة ما قبله ، كل ذلك بناء على التخفيف ، كما تقدم فى باب تخفيف الهمزة

وكذا يكتب الوسط الذى قبله ألف باعتبار حركته ؛ لأن تخفيفه باعتبارها فيكتب نحو ساأل بالألف والتساؤل بالواو وسائل بالياء ، والأكثرون على ترك صورة الهمزة المفتوحة بعد الألف استثقالا للألفين ؛ فيكتبون ساءل بألف واحدة وكذا المقروء والنبىء ، وكذا يتركون صورة الهمزة التى بعدها الواو إذا كان حق الهمزة أن تكتب واوا لو لا ذلك الواو نحو رءوس ، وكذا فى نحو سئامة ومستهزءين ، إلا إذا أدى إلى اللبس ، نحو قرأا ويقرأان ومستهزئين كما يجىء ،

ويكتب الأخير المتحرك ما قبله بحرف حركة ما قبله سواء كان متحركا كما فى يقرأ ويردؤ ويقرىء ، أو ساكنا كما فى لم يقرأ ولم يردؤ ولم يقرىء ، وذلك لأن الحركة تسقط فى الوقف ، ومبنى الخط على الوقف فتدئّر الهمزة بحركة ما قبلها

وأما إن كانت الأخيرة فى حكم الوسط وهو إذا اتصل بها غير مستقل فهى فى حكم المتوسطة ، نحو يقرؤه ويقرئه ونحو ذلك ؛ وكان قياس نحو السماء والبناء أن تكتب همزته بالألف لأن الأكثر قلب مثلها ألفا فى الوقف كما مر فى باب

٣٢١

تخفيف الهمزة (١) ، لكنه استكره صورة ألفين ، كما مر ، ولذا لم تكتب فى نحو قولك : علمت نبئا ؛ صورة للهمزة

هذا كله حكم كتابتها إذا كانت مما تخفف بالقلب بلا إدغام ، فإن كانت تخفف بالحذف ، فإن كانت أخيرا فانها تحذف فى الخط أيضا نحو خبء ، وجزء ودفء ، وذلك لأن الآخر محل التخفيف بالحذف خطا كما هو محل التخفيف لفظا ، وإن كان فى الوسط كيسأل ويسئم ويلؤم ، أو فى حكم الوسط باتصال غير مستقل بها نحو جزأك وجزؤك وجزئك ، فالأكثر أنها لا تحذف خطّا وإن كان التخفيف بحذفها ، وذلك لأن حذفك فى الخط لما هو ثابت لفظا خلاف القياس اغتفر ذلك فى الآخر الذى هو محل التخفيف ، فيبقى الوسط ثابتا على أصله ، فلما لم يحذف ولم تبن كتابتها على التخفيف أعيرت صورة حرف حركتها ؛ لأن حركتها أقرب الأشياء إليها فكتبت مسألة ويلؤم ويسئم وسوءة وجزأك وجزؤك وجزئك بتدبير حركة الهمزات ، وإن كانت تخفف بالقلب مع الإدغام حذفت فى الخط سواء كانت فى الطرف كالمقروء والنبىء ، أو فى الوسط كالقروآء على وزن البروكاء (٢) أو فى حكم الوسط كالبريّة والمقروّة ، وذلك لأنك فى اللفظ تقلبها إلى الحرف الذى قبلها وتجعلها مع ذلك الحرف بالإدغام كحرف واحد ، فكذا جعلت فى الخط

هذا ، وبعضهم يبنى الكتابة فى الوسط أيضا على التخفيف فيحذفها خطا فى كل ما يخفف فيه لفظا بالحذف أو الإدغام ، وبعضهم يحذف المفتوحة فقط لكثرة مجيئها نحو مسلة ويسل ، وإنما لم تكتب الهمزة فى أول الكلمة إلا بالألف وإن كانت قد تخفف بالحذف كما فى الأرض وقد افلح لأن مبنى الخط على الوقف

__________________

(١) انظر (ص ٤٣ ، ٤٤ من هذا الجزء)

(٢) البروكاء : الثبات فى الحرب ، وانظر (ح ١ ص ٢٤٨)

٣٢٢

والابتداء ، وإذا كانت الكلمة التى فى أولها الهمزة مبتدأ بها لم تخفف همزتها فتكتب بالصورة التى كانت لها فى الأصل وإن كانت مشتركة

فان قيل : إذا اتصل بآخر الكلمة غير مستقل نحو جزؤه وبجزئه تجعل الهمزة التى حقها الحذف كالمتوسطة فهلا تجعل المصدرة التى حقها هذه الصورة (ا) إذا اتصل بها غير مستقل نحو الأرض وبأحد ولأحد كالمتوسطة

قلت : لأنى إذا جعلت الهمز الذى حقه الحذف ذا صورة فقد رددته من الحذف الذى هو أبعد الأشياء من أصله أعنى كونه على هذه الصورة (ا) إلى ما هو قريب من أصله وهو تصوره بصورة ما وإن لم تكن صورته الأصلية ، وإذا غيرت ما حقه هذه الصورة أى المصورة بالحذف أو باعارتها صورة الواو والياء فقد أخرجت الشىء عن أصله إلى غيره ؛ فلهذا لم تجعل المصدرة فى الخط كالمتوسطة إلا فى لئلّا كما يجىء

قوله «فيما لا صورة له تخصه» إنما قال ذلك لأن هذه الصورة (ا) مشتركة فى أصل الوضع بين الهمزة والألف كما مضى

قوله «فيما خولف» : أى خولف به عن أصل الكتابة الذى كان حق الخط أن يكون عليه

قوله «الأول الألف مطلقا» : أى مضمومة كانت أو مفتوحة أو مكسورة ، وذلك لما قلنا

قوله «يكتب بحرف حركته» إلا أن يكون تخفيفه بالإدغام كسؤّال على وزن طومار (١) فانه يحذف كما ذكرنا

قوله «ومنهم من يحذف المفتوحة» أى : يحذف من جملة ما يخفف بالنقل

__________________

(١) الطومار : الصحيفة. وانظر (ح ١ ص ١٩٨ ، ٢١٧) ثم انظر (ص ٧٦ من هذا الجزء)

٣٢٣

المفتوحة فقط نحو يسئل ومسئلة ، ولا يحذف نحو يلؤم ويسئم

قوله «والأكثر على حذف المفتوحة» أى : أن الأكثرين يحذفون المفتوحة فقط بعد الألف نحو ساءل ، ولا يحذفونها بعد ساكن آخر ، ولا يحذفون غير المفتوحة بعد ساكن

قوله «ومنهم من يحذفها فى الجميع» أى : يحذف الهمزة المتوسطة الساكن ما قبلها ، سواء خففت بالقلب أو بالحذف أو بالادغام

قوله «كيف كان» أى : متحركا أو ساكنا

قوله «إلا فى نحو مقروة وبرية» إذ حقها الإدغام كما ذكرنا

قوله «لئلا لكثرته» أى لكثرة استعماله صار لام لئلا متصلا بالهمزة وإن كان متصلا بلا ، فصارت الثلاثة ككلمة واحدة نحو فئة

قوله «أو لكراهة صورته» أى لو كتب هكذا (لألا)

قوله «وكل همزة بعدها حرف مد» فى الوسط كانت كرءوف ونئيم وسئال أو فى الطرف نحو خطئا فى النصب ومستهزءون ومستهزءين ؛ حذفت إذا لم يلتبس لاجتماع المثلين ، والأكثر على أن الياء لا تحذف ؛ لأن صورتها ليست مستقلة كنئيم ومستهزئين ، وهذا معنى قوله «وقد يكتب الياء» وأما فى الطرف فقد يكتب الياءان لاختلاف صورتيهما نحو ردائى

قوله «بخلاف قرأا ويقرأان» فانهما لو كتبا بألف واحدة لالتبس قرأا بالمسند إلى ضمير الواحد ويقرأان بالمسند إلى ضمير جمع المؤنث

قوله «بخلاف مستهزئين في المثنى لعدم المد» ليس بتعليل جيّد ؛ لأن المد لا تأثير له فى الخط ، بل إنما كان الحذف لاجتماع المثلين خطا ، وهو حاصل : سواء كان الثانى مدا أو غير مد ، بل الوجه الصحيح أن يقال : إن الأصل ان لا تحذف الياء كما ذكرنا لخفة كتابتها على الواو كما ذكرنا ، بخلاف الواوين والألفين مع

٣٢٤

أن أصل مستهزئين وهو مستهزئان ثبت فيه للهمز صورة ، فحمل الفرع عليه فى ثبوتها ، وأما أصل مستهزءين فى الجمع فلم يكن للهمز فيه صورة نحو مستهزءون لاجتماع الواوين فحمل الفرع عليه

قوله «أو للفتح الأصلى» يعنى لم يكن فى الأصل مدا ، وقد ذكرنا ما عليه ، وكذا قوله «للتشديد» أى : لم يكن مدا

قوله «واللبس» أى : يلتبس بلم تقرى من القرى

قال : «وأمّا الوصل فقد وصلوا الحروف وشبهها بما الحرفيّة ، نحو إنّما إلهكم إله وأينما تكن أكن وكلّما أتيتنى أكرمتك ، بخلاف إنّ ما عندى حسن وأين ما وعدتنى وكلّ ما عندى حسن ، وكذلك عن ما ومن ما فى الوجهين ، وقد تكتبان متّصلتين مطلقا لوجوب الإدغام ، ولم يصلوا متى ؛ لما يلزم من تغيير الياء ، ووصلوا أن النّاصبة للفعل مع لا بخلاف المخفّفة نحو علمت أن لا يقوم ، ووصلوا إن الشّرطيّة بلا وما ، نحو إلّا تفعلوه وإمّا تخافنّ ، وحذفت النّون فى الجميع ؛ لتأكيد الاتّصال ، ووصلوا نحو يومئذ وحينئذ فى مذهب البناء فمن ثم كتبت الهمزة ياء ، وكتبوا نحو الرّجل على المذهبين متّصلا ؛ لأنّ الهمزة كالعدم ، أو اختصارا للكثرة».

أقول : قوله «الحروف وشبهها» أى : الأسماء التى فيها معنى الشرط أو الاستفهام نحو أينما وحيثما وكلما ، وكان ينبغى أن يقول : بما الحرفية غير المصدرية ؛ لأن «ما» المصدرية حرفية على الأكثر ومع هذا تكتب منفصلة نحو إن ما صنعت عجب : أى صنعك عجب ، وإنما كتبت المصدرية منفصلة مع كونها حرفية غير مستقلة أيضا تنبيها على كونها مع ما بعدها كاسم واحد ؛ فهى من تمام ما بعدها لا ما قبلها

قوله «فى الوجهين» أى : إن كان «ما» حرفا نحو عما قليل ومما خطيئاتهم

٣٢٥

وصلت ؛ لأن الأولى والثانية حرفان ولهما اتصال آخر من حيث وجوب إدغام آخر الأولى فى أول الثانية ، وإن كانت «ما» اسمية نحو بعدت عن ما رأيت ، وأخذت من ما أخذت ، فصلت لانفصال الاسمية لسبب استقلالها ، وقد تكتب الاسمية أيضا متصلة ؛ لكونها كالحرفية لفظا على حرفين ، ولمشابهتها لها معنى ، ولكثرة الاستعمال ، ولاتصالها اللفظى بالإدغام ، وهو معنى قوله «لوجوب الادغام» وقوله «مطلقا» أى : اسمية كانت أو حرفية

قوله «متى» يعنى فى قولهم : متى ما تركب أركب

قوله «لما يلزم من تغيير الياء» يعنى لو وصلت كتبت الياء ألفا فيكتب متى ما كعلام وإلام وحتّام ، ولا أدرى أى فساد يلزم من كتب ياء متى ألفا كما كتبت فى علام وإلام؟ ، والظاهر أنها لم توصل لقلة استعمالها معها ، بخلاف علام وإلام

قوله «أن الناصبة للفعل» فى لئلا ، بخلاف المخففة ؛ لأن الناصبة متصلة بما بعدها معنى من حيث كونها مصدرية ولفظا من حيث الادغام ، والمخففة وإن كانت كذلك إلا أنها منفصلة تقديرا بدخولها على ضمير شأن مقدر بخلاف الناصبة.

قوله «ووصلوا إن الشرطية بلا وما دون المخففة والزائدة» نحو أن لا أظنك من الكاذبين ، وأن ما قلت حسن ، لكثرة استعمال إن الشرطية وتأثيرها فى الشرط بخلافهما

قوله «وحذفت النون فى الجميع» أى : لم يكتب هكذا : منما وعنما ولئنلا وإنلا وإنما ، بنون ظاهرة ، بل أدغم مع الاتصال المذكور لتأكيد الاتصال ، وإنما ذكر هذا لأنه لم يذكر قبل إلا الاتصال ، والاتصال غير الادغام كما صورنا.

قوله «فى مذهب البناء» أى : إذا بنى الظرف المقدم على إذ ؛ لأن البناء دليل شدة اتصال الظرف بإذ ، والأكثر كتابتهما متصلين على مذهب الإعراب

٣٢٦

أيضا ، حملا على البناء ؛ لأنه أكثر من الإعراب

قوله «فمن ثم» أى : من جهة اتصال الظرف بإذ وكون الهمزة متوسطة كتبت ياء كما فى سئم ، وإلا فالهمزة فى الأوّل ؛ فكان حقها أن تكتب ألفا كما فى بأحد ولإبل

قوله «على المذهبين» أى : مذهب الخليل وسيبويه : أما على مذهب سيبويه فظاهر ؛ لأن اللام وحدها هى المعرفة ، فهى لا تستقل حتى تكتب منفصلة ، وأما على مذهب الخليل وهو كونها كبل وهل ، فإنما كتبت متصلة أيضا لأن الهمزة وإن لم تكن للوصل عنده لكنها تحذف فى الدرج فصارت كالعدم ، أو يقال : الألف واللام كثيرة الاستعمال فخفف خطّا بخلاف هل وبل

قال : «وأمّا الزّيادة فإنّهم زادوا بعد واو الجمع المتطرّفة فى الفعل ألفا نحو أكلوا وشربوا فرقا بينها وبين واو العطف بخلاف يدعو ويغزو ، ومن ثمّ كتب ضربوا هم فى التّأكيد بألف ، وفى المفعول بغير ألف ، ومنهم من يكتبها فى نحو شاربوا الماء ، ومنهم من يحذفها فى الجميع ، وزادوا فى مائة ألفا فرقا بينها وبين منه ، وألحقوا المثنّى به ، بخلاف الجمع ، وزادوا فى عمرو واوا فرقا بينه وبين عمر مع الكثرة ، ومن ثمّ لم يزيدوه فى النّصب ، وزادوا فى أولئك واوا فرقا بينه وبين إليك ، وأجرى أولاء عليه ، وزادوا فى أولى واوا فرقا بينه وبين إلى ، وأجرى أولو عليه».

أقول : قوله «المتطرفة» احتراز عن نحو ضربوهم وضربوك وضربوه ، والأصل أن لا تكتب الألف إلا فى واو الجمع المنفصلة ، نحو مرّوا ؛ وعبروا إذ المتصلة لا تلتبس بواو العطف ؛ إذ هى لا تكتب إلا منفصلة ، لكنه طرد الحكم فى الجميع ، كما أنه كتب فى نحو عبروا وإن لم يأت بعده ما يمكن أن يكون

٣٢٧

معطوفا ؛ لما كان يلبس فى بعض المواضع ، نحو إن عبروا ضربتهم

قوله «بخلاف يدعو ويغزو» ؛ لأن الواو التى هى اللام لا تنفصل عن الكلمة كواو الجمع حتى لا تلتبس بواو العطف ، وهى من تمام الكلمة : متصلة كانت فى الخط كيدعو ، أو منفصلة كيغزو

قوله «فى التأكيد بألف» لأن الواو إذن متطرفة ، بخلاف واو ضربوهم ، إذا كان «هم» مفعولا ، والأكثرون لا يكتبون الألف فى واو الجمع الاسمى نحو شاربوا الماء ؛ لكونه أقلّ استعمالا من الفعل المتصل به واو الجمع ، فلم يبال اللبس فيه إن وقع لقلته ، ومنهم من يحذف الألف فى الفعل والاسم لندور الالتباس فيهما ، وإنما ألحق مائتان بمائة فى إلحاق الألف دون مئات ومئين وإن لم يحصل اللبس لا فى المثنى ولا فى المجموع ؛ لأن لفظ المفرد باق فى المثنى ، بخلاف الجمع ؛ إذ تاء المفرد تسقط فيه

قال : «وأمّا النّقص فإنّهم كتبوا كلّ مشدّد من كلمة حرفا واحدا نحو شدّ ومدّ وادّكر ، وأجرى نحو قتتّ مجراه ، بخلاف نحو وعدت واجبهه ، وبخلاف لام التّعريف مطلقا نحو اللّحم والرّجل ؛ لكونهما كلمتين ، ولكثرة اللّبس ، بخلاف الّذى والّتى والّذين لكونها لا تنفصل ، ونحو اللذين فى التّثنية بلامين للفرق ، وحمل اللّتين عليه ، وكذا اللاءون وأخواته ، ونحو عمّ وممّ وإمّا وإلّا ليس بقياس ، ونقصوا من بسم الله الرّحمن الرّحيم الألف لكثرته بخلاف باسم الله وباسم ربّك ونحوه ، وكذلك الألف من اسم الله والرّحمن مطلقا ، ونقصوا من نحو للرّجل وللرّجل وللدّار وللدّار جرّا وابتداء الألف لئلّا يلتبس بالنّفى ، بخلاف بالرّجل ونحوه ، ونقصوا مع الالف واللّام ممّا فى أوّله لام نحو للّحم وللّبن كراهية اجتماع ثلاث لامات ، ونقصوا من نحو أبنك بارّ فى الاستفهام وأصطفى البنات ألف الوصل ، وجاء

٣٢٨

فى الرّجل الأمران ، ونقصوا من ابن إذا وقع صفة بين علمين ألفه مثل هذا زيد بن عمرو ، بخلاف زيد ابن عمرو ، وبخلاف المثنّى ، ونقصوا ألف ها مع اسم الإشارة نحو هذا وهذه وهذان وهؤلاء ، بخلاف هاتا وهاتى لقلّته ، فإن جاءت الكاف ردّت ، نحوها ذاك وهاذانك ؛ لاتّصال الكاف ونقصوا الألف من ذلك وأولئك ، ومن الثّلث والثّلثين ، ومن لكن ولكنّ ، ونقص كثير الواو من داود والألف من إبراهيم وإسمعيل وإسحق وبعضهم الألف من عثمان وسليمان ومعاوية»

أقول : قوله «كل مشدد من كلمة» احتراز من نحو اشكر ربّك

قوله «شد ومد» مثال لمثلين فى كلمة

قوله «ادكر» مثال المتقاربين فى كلمة

وإنما كتب المشدّد حرفا فى كلمة للزوم جعلهما فى اللفظ كحرف بالتشديد ، فجعلا فى الخط حرفا ، وأما إذا كانا فى كلمتين فلا يلزم جعلهما كحرف فى اللفظ فلم يجعلا أيضا حرفا فى الخط ، وأيضا فإن مبنى الكتابة على الوقف والابتداء ، وإذا كان كذا فلا يلتقى إذن مثلان ولا متقاربان حتى يكتبا حرفا

قوله «وأجرى قتتّ» وذلك لكون التاء بكونه فاعلا وضميرا متصلا كجزء الفعل ؛ فجعلا فى الخط حرفا ؛ لوجوب الإدغام بسبب تماثلهما ، وأما فى وعدت فلم يكتبا حرفا لعدم لزوم الادغام وعدم تماثلهما فى الخط ، ولا اجبهه ؛ لأنهما وإن كانا مثلين والثانى ضمير متصل لكنه ليس كالجزء من الفعل ؛ لكونه فضلة ، إذ هو مفعول

قوله «وبخلاف لام التعريف مطلقا» أى : سواء كان بعدها لام كاللحم ، أو غيرها مما تدغم هى فيه كالرجل ؛ فإنها لا تنقص فى الخط فى الموضعين ؛ لكون لام التعريف وما دخلته كلمتين ، وقد احترز عنه بقوله «فى كلمة» وأما

٣٢٩

اتصال تاء قتتّ فهو أشد من اتصال كل اسم متصل باسم ، لما ذكرنا من الوجهين ، مع أنه قد يكتب قتتّ بثلاث تاءات

قوله «ولكثرة اللبس» يعنى لو كتب هكذا الحم وارجل لالتبس بالمجرد عن اللام إذا دخل عليه همزة الاستفهام أو حرف النداء ، وأما الّذى والّتى والّذين فى الجمع فإنه لا لبس فيها ؛ إذ اللام لازمة لها ، فلا يلتبس بالمجرد الداخل عليه الهمزة ، وإنما يكتب الّلذين فى التثنية بلام وإن كانت فى الأصل لام التعريف أيضا فرقا بين المثنى والمجموع ، وحمل اللذان رفعا عليه ، وكذا اللتان واللّتين ، وإن لم يكن ليس ، إجراء لباب المثنى مجرى واحدا ، وكان إثبات اللام فى المثنى أولى منه فى الجمع ، لكون المثنى أخف معنى من الجمع ؛ فخفف الجمع لفظا دلالة على ثقل معناه

قوله «وكذا اللاءون وأخواته» أى اللاتى ، واللائى ، واللواتى ، واللواء ، وذلك لأنها أجريت مجرى اللاء الذى لو كتب بلام واحدة لالتبس بألا

قوله «ليس بقياس» لأنهما كلمتان ، وكذا لئلا ، وكان حق المشدد أن يكتب حرفين ، وهذا وإن كان على خلاف القياس إلا أن وجه كتابتهما حرفا واحدا ما تقدم فى ذكر الوصل من شدة الاتصال وكثرة الاستعمال

قوله «لكثرته» أى حذف ألف اسم إذا كان فى البسملة لكثرة استعمالها بخلاف نحو باسم ربك ، فإنها ليست كثيرة الاستعمال ، وكذا إذا اقتصرت على باسم الله ، نحو : باسم الله أصول

قوله «الله والرحمن مطلقا» أى : سواء كانا فى البسملة أولا

قوله «جرا وابتداء» أى : سواء كانت اللام جارة أو لام الابتداء

قوله «لئلا يلتبس بالنفى» إذ لو كتب هكذا لا لرجل التبس بلا لرجل ولا للنّفى ، وأما نحو بالرجل وكالرجل فلا يلتبس بشىء

٣٣٠

قوله «كراهية اجتماع ثلاث لامات» يعنى لو كتب هكذا اللّحم ، وفيما قال نظر ؛ لأن الأحوط فى مثله أن يكتب بثلاث لامات ، لئلا يلتبس المعرف بالمنكر

قوله «أبنك بار ، وأصطفى البنات» يعنى إذا دخلت همزة الاستفهام على همزة وصل مكسورة أو مضمومة فانهم يحذفون همزة الوصل خطا كراهة اجتماع ألفين ، ودلالة على وجوب حذفهما لفظا ، بخلاف نحو الرجل ، فإنه يجوز فيه الحذف كراهة اجتماعهما خطا ، ويجوز الإثبات دلالة على إثباتهما لفظا

قوله «إذا وقع صفة» احتراز من كونه خبر المبتدأ نحو : زيد ابن عمرو ،

وقوله «بين علمين» احتراز من مثل جاءنى زيد ابن أخينا ، والرجل ابن زيد ، والعالم ابن الفاضل ، وذلك لأن الابن الجامع للوصفين كثير الاستعمال فحذف ألف ابن خطا كما حذف تنوين موصوفه لفظا. على ما ذكرنا فى باب النداء ، ونقص التنوين خطا من كل منون فرقا بين النون الأصلى والنون العارض غير اللازم ، وأما نون اضربن فانما كتبت لعسر تبيها ، عن ما تقدم ، بخلاف التنوين ؛ فانه لازم لكل معرب لا مانع فيه منه ؛ فيعرف إذن ثبوته بعدم المانع ، وإن لم يثبت خطا

قوله «ونقصوا ألف ها مع اسم الإشارة» لكثرة استعمالها معه وأما هاتا وهاتى فقليلان ، فان جاءت الكاف ردت ألف «ها» فيما حذفت منه لقلة استعمال اسم الإشارة المصدر بحرف التنبيه المكسوع بحرف الخطاب

قوله «لاتصال الكاف» يعنى أن الكاف لكونها حرفا وجب اتصالها بالكلمة لفظا ، إذ صارت كجزئها فتثاقلت الكلمة فخففت بحذف ألف ها ، وفيما قال بعد ؛ لأن الكلمة لم تتثاقل خطا ، إذ الألف منفصلة ، فلم يحصل بكون الكاف حرفا امتزاج فى الخط بين ثلاث كلمات ، وكلامنا فى الخط لا فى اللفظ إلا أن يقول : نقصوا فى الخط تنبيها على الامتزاج المعنوى.

٣٣١

قوله «نقصوا الألف من ذلك وأولئك ومن الثلث والثلثين» وذلك لكثرة الاستعمال ، ونقص كثير من الكتاب الواو من داود ، لاجتماع الواوين ، وبعضهم يكتبها ، ونقص بعضهم الألف من عثمان وسليمان ومعاوية ، والقدماء من وراقى الكوفة [كانوا] ينقصون على الاطراد الألف المتوسطة إذا كانت متصلة بما قبلها نحو الكفرون والنّصرون وسلطن ونحوه.

قال : «وأمّا البدل فانّهم كتبوا كلّ ألف رابعة فصاعدا فى اسم أو فعل ياء إلّا فيما قبلها ياء إلّا فى نحو يحيى وريّى علمين ، وأمّا الثّالثة فإن كانت عن ياء كتبت ياء وإلّا فبالألف ، ومنهم من يكتب الباب كلّه بالألف وعلى كتبه بالياء فان كان منوّنا فالمختار أنّه كذلك وهو قياس المبرّد ، وقياس المازنىّ بالألف ، وقياس سيبويه : المنصوب بالألف وما سواه بالياء ، ويتعرّف الواو من الياء بالتّثنية نحو فتيان وعصوان وبالجمع نحو الفتيات والقنوات وبالمرّة نحو رمية وغزوة وبالنّوع نحو رمية وغزوة ، وبردّ الفعل إلى نفسك نحو رميت وغزوت : وبالمضارع نحو يرمى ويغزو ، وبكون الفاء واوا نحو وعى ، وبكون العين واوا نحو شوى إلّا ما شذّ نحو القوى والصّوا ، فإن جهلت : فإن أميلت فالياء نحو متى ، وإلّا فالألف وإنّما كتبوا لدى بالياء لقولهم لديك وكلا كتبت على الوجهين لاحتمالها ، وأمّا الحروف فلم يكتب منها بالياء غير بلى وإلى وعلى وحتّى ، والله أعلم بالصواب».

أقول : إنما كتبت الألف الرابعة المذكورة ياء دلالة على الامالة ، وعلى انقلابها ياء ، نحو يغزيان ويرضيان وأغزيت وأعليان ومصطفيان ونحوها ، وإن كان قبلها ياء كتبت ألفا ، وإن كانت على الصفة المذكورة أيضا نحو أحيا واستحيا ، كراهة لاجتماع ياءين ، وإن اختلفا صورة ، إلا فى نحو يحيى وريّى علمين ،

٣٣٢

وكذا ما أشبههما ، فانه يكتب بالياء ، فرقا بين العلم وغيره ، والعلم بالياء أولى ، لكونه أقل فيحتمل فيه الثقل.

قوله «وأما الثالثة» أى : الألف الثالثة.

قوله «ومنهم من يكتب الباب كله» أى : جميع باب المقصورة : ثالثة كانت ، أو رابعة ، أو فوقها ، عن الياء كانت أو عن غيرها ، بالألف على الأصل ؛ وقد كتبت الصلاة والزكاة بالواو ، دلالة على ألف التفخيم ، كما مر.

قوله «فان كان منونا» أى : اسما مقصورا منونا ؛ لأن الذى فى آخره ألف وهو منون لا يكون إلا اسما مقصورا

قوله «ويتعرف الياء من الواو» لما ذكر فى الثلاثى أنه يكتب بياء إن كانت ألفه عن ياء وإلا فبالألف ذكر ما يعرف به الثلاثى الواوى من اليائى

قوله «بالتثنية» أى : إن سمعت ، وكذا إن سمع الجمع ، وغير ذلك

قوله «وبالمضارع» كما مر فى باب المضارع من أن الناقص الواوى مضموم العين ، واليائى مكسورها

قوله «وبكون الفاء واوا» كما مر فى أول باب الإعلال

قوله «وإنما كتبوا لدى» وإن لم تمل بالياء لقولهم لديك

قوله «لاحتمالها» لأن قلبها فى كلتا تاء مشعر بكون اللام واوا كما فى أخت ، قال المصنف : وإمالتها تدل على الياء ، لأن الكسرة لاتمال لها ألف ثالثة عن واو ، وقد مر الكلام عليه فى باب الإمالة

قوله «غير بلى» وذلك لإمالتها

قوله «وإلى وعلى» وذلك لقولهم : إليك ، وعليك ، وأما حتّى فللحمل على إلى

والله تعالى أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأمى العربى وآله الأطياب ، وسلّم تسليما كثيرا

٣٣٣

قد اعتمدنا فى تصحيح هذا الكتاب ـ سوى جميع النسخ المطبوعة ـ على نسخة خطية فرغ ناسخها من كتابتها فى شهر صفر الخير من عام سبع وخمسين وسبعمائة ، وقد وجد بآخر هذه النسخة ما نصه :

«والحمد لله رب العالمين ، وصلاته على سيدنا محمد وعترته الطاهرين ، وسلم تسليما كثيرا ؛ وفّق الله تعالى لإتمام تصنيفه فى ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وستمائة بالحضرة الشريفة المقدسة الغروية على مشرفها أفضل التحية والسلام».

فنهاية تأليف هذا الشرح هى سنة وفاة الشارح رحمه‌الله ، وبين كتابة النسخة التى اعتمدنا عليها فى تصحيح الكتاب ووفاة المؤلف تسعة وستون عاما. والله الموفق والمستعان ، وهو وحده الذى يجزى المحسنين

٣٣٤

قد تم ـ بعون الله تعالى ، وحسن توفيقه ـ مراجعة الجزء الثالث من كتاب «شرح شافية ابن الحاجب» للعلامة رضى الدين الأستراباذى ، وتحقيقه ، والتعليق عليه ، فى ستة أشهر آخرها ليلة الاثنين المبارك الموافق ٢٤ من شهر رمضان المبارك عام ثمان وخمسين بعد الثلثمائة والألف من هجرة الرسول الأكرم سيدنا محمد ابن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وبه ينتهى هذا الكتاب ، وسنلحقه ـ إن شاء الله تعالى ـ بشرح شواهده للعلامة عبد القادر البغدادى المتوفى فى عام ١٠٩٣ من الهجرة

٣٣٥