شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

قوله «واللّاق على اللفظ» أى : بإدغام اللام فى اللام كما فى لفظة الله ، لكن سهل أمر الإدغام فى لفظة الله كثرة استعماله ، بخلاف الإلاق

قوله «والألق على وجه» يعنى به أحد مذهبى سيبويه ، وهو أن أصل الله اللّيه ، من لاه : أى تستر ؛ لتستر ماهيته عن البصائر وذاته عن الأبصار ؛ فيكون وزنه فعلا ؛ فالألق عليه ، وليس فى «الألق» علة قلب العين ألفا كما كانت فى الله

قال : «وأجاب فى باسم بالق أو بالق على ذلك»

أقول : أى على أن أولقا فوعل قيل له : كيف تقول مثل باسم من أولق ، قال : بالق أو بالق ؛ لأن أصل اسم سمو أو سمو ، حذفت اللام شاذا وجىء بهمزة الوصل ، وأبو على لا يحذف فى الفرع ما حذف فى الأصل غير قياس

قال : «وسأل أبو علىّ ابن خالويه عن مثل مسطار من آءة فظنّه مفعالا ، وتحيّر فقال أبو علىّ مسئاء فأجاب على أصله وعلى الأكثر مستئاء»

أقول : المسطار : الخمر ، قيل : هو معرب ، وإذا كان عربيا فكأنه مصدر مثل المستخرج ، بمعنى اسم الفاعل من استطاره : أى طيّره قال :

١٩٣ ـ متى ما تلقنى فردين ترجف

روادف أليتيك وتستطارا (١)

ويجوز أن يكون اسم مفعول ، قيل : ذلك لهديرها وغليانها ، وأصله

__________________

(١) هذا الشاهد من بحر الوافر ، وهو من كلمة لعنترة بن شداد العبسى يهجو فيها عمارة بن زياد العبسى. وقوله «ترجف» يروى مكانه «ترعد» بالبناء للمجهول ، وقوله «فردين» حال من الفاعل والمفعول فى «تلقنى» وقوله «روادف» يروى فى مكانه «روانف» والروانف : جمع رانفة ، وهى طرف الألية ، وقوله «تستطار» فعل مضارع مبنى للمجهول ماضيه المبنى للمعلوم استطار ، وتقول : استطار هذا الأمر فلانا ؛ إذا طيره وأهاجه. والاستشهاد بالبيت فى قوله «وتستطارا» والمراد معناه الذى ذكرناه

٣٠١

مستطار ، والحق أن الحذف فى مثله ليس بمطرد ؛ فلا يقال : اسطال يسطيل واسطاب يسطيب ، وآءة فى الأصل أوأة ، لأن سيبويه قال : إذا أشكل عليك الألف فى موضع العين فاحمله على الواو ؛ لأن الأجوف الواوى أكثر فتصغيرها أويأة ، فقوله : مستئاء فى الأصل مستأوو

قوله «على أصله» يعنى حذفه فى الفرع ما حذف فى الأصل قياسا وإن لم يثبت فى الفرع علة الحذف ، فحذفت التاء فى مسئاء كما حذفت فى مسطار ، لاجتماع التاء والطاء ، والأولى ـ كما قلنا ـ أن حذف التاء فى مسطاع ليس بقياس ، فلا يحذف فى مستطاب ولا مستطيل ونحوهما ، وآءة نبت على وزن عاعة ، وهو من باب سلس وقلق ، وهو باب قليل وخاصة إذا كان الأول والآخر همزة مع ثقلها ، ومثلها أجاء والإءة (١) وأشاءة (٢) عند سيبويه ، وحمله على ذلك أنه لم يسمع ألاية وأشاية ، وقلّ ألاوة وأشاوة كعباية وشقاوة ، وقالوا فى أباءة ، وهى الأجمة : إن أصلها أباية وإن لم يسمع ، لأن فيها معنى الإباء لامتناعها بما ينبت فيها من القصب وغيره من السلوك ، وليس فى أشاءة وألاءه مثل هذا الاشتقاق

قوله «وعلى الأكثر» أى على القول الأكثر ، وهو أنه لا يحذف ولا يزاد فى الفرع إلا إذا ثبتت علته ، ولو كان مسطار مفعالا من السّطر لقلت من آءة مؤواء

قال : «وسأل ابن جنّى ابن خالويه عن مثل كوكب من وأيت مخفّفا مجموعا جمع السّلامة مضافا إلى ياء المتكلّم فتحيّر أيضا فقال ابن جنّى : أوىّ»

__________________

(١) الألاءة ـ مثل سحابة ـ واحدة الألاء ـ كسحاب ـ وهو شجر مر

(٢) الأشاءة ـ مثل سحابة ـ واحدة الأشاء ، وهو صغار النخل ، قال ابن القطاع : همزته أصلية ، عن سيبويه. وتوهم الجوهرى أنها مبدلة فأتى بها فى المعتل

٣٠٢

أقول : إذا بنيت من وأيت مثل كوكب قلت : ووأى ، أعلت الياء كما فى فتى ، فقلت : ووأى فاذا خففت همزته بنقل حركتها إلى ما قبلها وحذفها قلت : ووى ، قلبت الواو الأولى همزة كما فى أواصل صار أوى

قال المصنف : الواو الثانية فى تقدير السكون ، فلو قلت ووى من غير قلب جاز

قلت : لو كانت الواو الثانية ساكنة أيضا نحو ووأى وجب الإعلال كما مر تحقيقه فى باب الإعلال (١) ؛ فإذا جمع أوى وهو كفتى جمع السلامة بالواو والنون صار أوون ؛ فإذا أضفته إلى ياء المتكلم سقطت النون وبقى أووى ، تقلب الواو وتدغم كما فى مسلمىّ

قال : «ومثل عنكبوت من بعت بيععوت»

أقول : لا إشكال فيه ؛ لأنك جعلت العين وهو لام الكلمة ككاف العنكبوت مكررا وجعلت مكان الواو والتاء الزائدتين مثلهما فى الفرع كما مر فى أول الكتاب (٢)

قال : «ومثل اطمأنّ ابيعّع مصحّحا»

أقول : أصل اطمأن اطمأنن بدليل اطمأننت واطمأنن فى الأمر

قوله «مصححا» فيه نظر ؛ لأن نحو اسودّ وابيضّ إنما امتنع من الإعلال لأن ثلاثيه ليس معلا حتى يحمل عليه كما حمل أقام على قام ، أو لأنا لو أعللناهما لصارا سادّ وباضّ فالتبسا بفاعل ، وليس الوجهان حاصلين فى ابيعّع ؛ إذ ثلاثيه معل ، ولا يلتبس لو قيل باعّع ، وأما سكون ما بعد الياء فليس بمانع ؛ إذ مثل هذين الساكنين جائز اجتماعهما ، نحو الضالين ، والأخفش يقول فى مثله : ابيععّ

__________________

(١) انظر (ص ٧٧ من هذا الجزء)

(٢) انظر (ج ١ ص ١٢ وما بعدها)

٣٠٣

بتشديد العين الثانية كما ذكرنا فى أول مسائل التمرين

قال : «ومثل اغدودن من قلت اقووّل ، وقال أبو الحسن : اقويّل ، للواوات ، ومثل اغدودن من قلت وبعت اقووول وابيويع مظهرا»

أقول : قد ذكرنا الخلاف فى نحو اقووّل فى آخر باب الإعلال (١) ، وإنما لم يدغم نحو اقووول وابيويع ؛ لأن الواو فى حكم الألف التى هى أصلها فى المبنىّ للفاعل كما ذكرنا من قول الخليل فى قوول وبويع ، ولو عللنا بما علل المصنف هناك وهو خوف الالتباس كما مر فى باب الإعلال (٢) لجاز إدغام اقووول وابيويع إذ لا يلتبسان بشىء إلا أن تذهب فى نحو اضربّب على وزن اقشعرّ مذهب المازنى من تشديد الباء الأولى ، فإنه يقع اللبس إذن بالمبنى للمفعول منه.

قال : «ومثل مضروب من القوّة مقوىّ ، ومثل عصفور قوّىّ ، ومن الغزو غزوىّ ، ومثل عضد من قضيت قض ، ومثل قذعملة قضيّة كمعيّة فى التصغير ، ومثل قذعميلة قضويّة ، ومثل حمصيضة قضويّة فتقلب كرحويّة ، ومثل ملكوت قضووت ، ومثل جحمرش قضيى ، ومن حييت حيّو».

أقول : قد ذكرنا فى آخر باب الاعلال من أحكام الياءات المجتمعة والواوات المجتمعة ما ينحل به مثل هذه العقود.

أصل مقوىّ مقووو ، وكذا أصل غروىّ غزووو ، أدغمت الثانية فى الثالثة وقلبت المشددة ياء ، لاجتماع الواوات كما ذكرنا أنك تقول من قوى على وزن قمدّ : قوىّ وكذا فى قوووو على وزن عصفور ، وهو أولى لاجتماع أربع

__________________

(١) انظر (ص ١٩٣ وما بعدها من هذا الجزء).

(٢) انظر (ص ١٤٥ من هذا الجزء).

٣٠٤

واوات ، وقد مر حكمها ، وأصل قض قضى ، أعل إعلال ترام مصدر نرامينا.

قوله «قضيّة كمعيّة» أصلها قضيّية ، وقد ذكرنا قبل أن الأولى فى المبنى على وزن قذ عميلة من قضى قضيّية ـ بياءين مشددتين ـ

قوله «قضويّة» فى المبنى على وزن حمصيصة قد ذكرناه هناك (١)

قوله «ومثل ملكوت قضووت» قد ذكرنا فى باب الإعلال أن الأصل أن يقال : غزووت ورميوت ورضيوت كجبروت من غزوت ورميت ؛ لخروج الاسم بهذه الزيادة عن موازنة الفعل ؛ فلا يقلب الواو والياء ألفا كما لا يقلب فى الصّورى والحيدى ، وأن بعضهم يقلبهما ألفين ويحذفهما للساكنين ؛ لعدم الاعتداد بالواو والياء.

قوله «ومثل جحمرش قضيى» يعنى تعله إعلال قاض والأولى كما ذكرنا فى آخر باب الإعلال : حذف الثالثة نسيا ، ثم قلب الثانية ألفا ؛ أو قلب الثانية واوا فتسلم الثالثة.

قوله «حيّو» قد ذكرنا هناك أنه يجوز حيّو وحيّا.

قال : «ومثل حلبلاب قضيضاء ، ومثل دحرجت من قرأ قرأيت ، ومثل سبطر قرأى ، ومثل اطمأننت اقرأيأت ، ومضارعه يقرئيىء كيقرعيع»

أقول : العين واللام فى حلبلاب مكررتان على الصحيح ؛ كما ذكرنا فى صمحمح ، فكررتهما مثله فى قضيضاء ، وكذا تقول من الغزو : غزيزاء بقلب الواو والياء المتطرفين ألفا ثم همزة كما فى رداء وكساء ، وكذا تقول على وزن صمحمح : قضيضى وغزوزى ، وأصل قرأيت قرأأت بهمزتين ، قلبت الثانية ألفا كما فى آمن ، ولا يكون الألف قبل تاء الضمير ونونه فى كلامهم ، بل

__________________

(١) انظر (ص ١٩٢ من هذا الجزء).

٣٠٥

يكون قبلهما إما واو أو ياء نحو دعوت ورميت وأغزيت ، ولا يجوز الواو هنا ؛ لكونها رابعة ساكنة وقبلها فتحة ؛ فيجب قلبها ياء كما فى أغزيت ، فقلبت الألف من أول الأمر ياء.

قوله «قرأى» قد ذكرنا فى تخفيف الهمزة أن الهمزتين إذا التقتا وسكنت أولاهما والثانية طرف قلبت ياء.

قوله «اقرأيأت» هذا على مذهب المازنى كما ذكرنا فى باب تخفيف الهمزة عند ذكر اجتماع أكثر من همزتين (١) وعند النحاة اقرأوأت ، وإنما قال فى المضارع يقرئيىء لكونه ملحقا بيطمئنّ بقلب حركة الهمزة الثانية إلى الأولى كما فى الأصل ، ثم قلبت الثانية ياء لكسر الأولى ، ولو أعللناه بما فيه من العلة لقلنا يقرأيىء عند المازنى ، ويقرأوىء عند غيره ، ولم تنقل حركة الياء أو الواو إلى ما قبلها كما قلنا فى يقيم ويبيع ويبين ؛ لأن ذلك لإتباعه للماضى فى الإعلال بالاسكان كما مر فى باب الإعلال (٢) ولم تسكن ههنا الياء فى الماضى.

والحقّ أن بناءهم لأمثال الأبنية المذكورة ليس مرادهم به الالحاق ، بل المراد به أنه لو اتفق مثلها فى كلامهم كيف كانت تعل ، ومن ثم قال المازنى فى نحو اقشعرّ من الضرب : اضربّب ـ بتشديد الباء الأولى ـ ولو كان ملحقا لم يجز ذلك ؛ فالأولى على هذا فى مضارع اقرأيأت أو اقرأوأت يقرأيىء أو يقرأوىء.

هذا آخر ما ذكره المصنف من مسائل التمرين ، ولنضم إليه شيئا آخر فنقول : إذا بنيت من قوى مثل بيقور (٣) قلت : قيّوّ ، والأصل قيووو ، قلبت الواو

__________________

(١) انظر (ص ٥٢ وما بعدها من هذا الجزء).

(٢) انظر (ص ١٤٣ وما بعدها من هذا الجزء).

(٣) البيقور : اسم جمع دال على جماعة البقر ، كالباقر ، والبقير ، وانظر (ص ١٩٣ من هذا الجزء).

٣٠٦

الأولى ياء وأدغمت الياء فيها كما فى سيد ، وأدغمت الواو الثانية فى الثالثة ولم تقلبهما ياءين لكونهما فى المفرد ، كما لم يقلب فى مغزوّ ، ولم تنقل حركة العين إلى ما قبلها كما فعلت ذلك فى مقوول ومبيوع ؛ لأن العين واللام إذا كانا حرفى علة لم تعل العين : سواء أعلت اللام كما فى قوى وثوى (١) أو لم تعل كما فى هوى على ما مضى فى باب الاعلال (٢) وإذا بنيت على وزن صيرف من حوى وقوى قلت حيّا وقيّا ، والأصل حيوى وقيوو ، أدغمت الياء فى الواو بعد قلبها ياء كما فى سيّد ، وقلبت الواو ألفا لحصول علته ، قال السيرافى : اجتمع ههنا إعلالان ، لكن الذى منعنا من اجتماع الإعلالين أن تسكن العين واللام جميعا من جهة الإعلال ، وفيعل ـ بفتح العين ـ فى الأجوف نادر ، كقوله :

*ما بال عينى كالشّعيب العيّن (٣)*

فالوجه أن يبنى من حوى وقوى على فيعل ـ بالكسر ـ فيصير حىّ وقىّ ، فتحذف الياء الثالثة نسيا كما فى معيّة ، وتقول على وزن نزوان (٤) من قوى : قووان ، لا يدغم ؛ لما ذكرنا فى باب الادغام من عدم إدغام نحو رددان (٥) ولم يقلب آخر الواوين ألفا لعدم موازنة الفعل كما ذكرنا فى باب الاعلال ، (٦) هذا قول سيبويه ، والأولى أن يقال : قويان بقلب الثانية ياء كما ذكرنا فى آخر باب الاعلال (٧).

__________________

(١) ثوى يثوى ـ مثل رمى يرمى ـ ثواء ـ بفتح الثاء ـ : أى أقام ، قال :

*ربّ ثاو يملّ منه الثّواء.*

(٢) انظر (ص ١١٢ وما بعدها من هذا الجزء).

(٣) قد مر شرح هذا الشاهد فانظره فى (ج ١ ص ١٥٠).

(٤) النزوان : الوثبان ، ولا يقال إلا للشاة والدواب والبقر فى معنى السفاد ، وانظر (ج ١ ص ١٥٦).

(٥) انظر (ص ٢٤٣ من هذا الجزء).

(٦) انظر (ص ١٤٥ من هذا الجزء).

(٧) انظر (ص ١٩٤ من هذا الجزء).

٣٠٧

وتقول على وزن فعلان ـ بضم العين ـ من قوى وحيى : قويان وحيّان ، بقلب الواو الثانية ياء والضمة قبلها كسرة ، والأصل قووان ، والألف والنون وإن كانتا لازمتين كتاء عنصوة (١) وقرنوة (٢) إلا أن كون الضمة على الواو هو الذى أوجب القلب كما تقول : غزوية على وزن قرنوة ، وقال سيبويه : تقول : قووان ، وقد غلط فيه ، لموافقته على أنه تقول : غزوية على وزن قرنوة

وتقول فى فعلان ـ بكسر العين ـ من حيى : حيّان بالادغام ؛ لأن رددانا واجب الادغام ، وحييان أيضا ؛ لأن الأصل فى باب الادغام أعنى الفعل فى مثله يجوز فكه ، نحو حيى وحىّ ، وتقول من قوى : قويان ، بقلب الثانية ياء ، لتقدم الاعلال على الادغام كما مر (٣) ولكون الكلمة بالإعلال أخف منها بالادغام ، ومن خفف نحو كبد باسكان العين قال فى قويان : قويان ـ بسكون الواو ـ ولا يعله إعلال طىّ وليّة ؛ لعروض سكون الواو ، ومن قال فى رؤيا المخففة : ريّا فاعتد بالعارض ؛ قال ههنا : قيّان ؛ وتقول من قوى وشوى وحيى على وزن فيعلان ـ بكسر العين ـ : قيّان وشيّان وحيّان ، والأصل فى الأولين قيويان وشيويان ، أعلّا إعلال سيد وحذفت الياء الثالثة من الثلاثة نسيا ، كما فى معيّية ، وتقول فى تصغير أشويان : أشيّيان

وتقول من أويت على وزن فيعلان ـ بكسر العين ـ : أيّيان ، والأصل أيويان وإذا بنيت فعللة من رميت قلت : رميوة ، قلبت الياء الأخيرة واوا لانضمام ما قبلها ، ومثل أسحمان (٤) منه : أرموان ، ومن حيى : أحيوان ، ولا تدغم ؛

__________________

(١) العنصوة : القليل المتفرق من النبت ، انظر (ص ١٠١ و ١٦١ من هذا الجزء).

(٢) القرنوة : نوع من العشب ، انظر (ج ٢ ص ٤٤).

(٣) انظر (ص ١٢٠ من هذا الجزء).

(٤) أسحمان : جبل ، انظر (ج ٢ ص ٣٩٥)

٣٠٨

لأن الإعلال قبل الادغام ، ولا تستثقل الواو فى مثله للزوم الحرف الذى بعدها : أى التاء ، والألف والنون ، كما مر فى باب الاعلال (١)

وتقول فى فوعلّة ـ مشددة اللام ـ من غزوت : غوزوّة ، وفى أفعلّة : اغزوّة ، وفى فعلّ : غزوّ ، لا تقلب الواو المشددة المضموم ما قبلها فى أفعلّة وفعلّ ياء ، كما لم تقلب فى مدعوّ ، بل ترك القلب ههنا أولى ؛ لأن اسم المفعول قد يتبع الفعل الذى هو بمعناه ، نحو غزى (٢) ، وأما نحو أدعيّة (٣) فى أدعوّة فقليل نادر ؛ فان اعتدّ به قيل فى أغزوّة : أغزيّة.

وتقول فى أفعلّة من رميت : أرميّة ـ بكسر الميم ـ كما فى مضىّ ، والأصل مضوى.

وتقول فى فوعلة من الرمى : رومية ، وليست فى الأصل فوعللة ، وإلا قيل : رومياة.

وتقول فى فعلّ : رمىّ ، وليس أصله رمييا ، وإلا قيل : رميا (٤) ، وكذلك نحو هبىّ وهبيّة للصبى والصبية.

وتقول على وزن كوألل (٥) والواو وإحدى اللامين زائدتان من القوة :

__________________

(١) انظر (ص ١٧٦ من هذا الجزء).

(٢) يريد أن اسم المفعول قد يحمل على الفعل المبنى للمجهول كما قالوا من عدا عليه يعدو : معدى عليه ؛ حملا على عدى عليه.

(٣) انظر (ص ١٧١ من هذا الجزء).

(٤) يريد أن رميا ـ بفتح الراء والميم وتشديد الياء ـ ليس أصله رميا ـ بفتح فسكون ـ ؛ لأنه لو كان كذلك لقلبت الياء الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم تعامل معاملة عصى

(٥) الكوألل ـ بزنة سفرجل ـ : القصير مع غلظ وشدة (ج ١ ص ٢٥٦)

٣٠٩

قووّى عند سيبويه ، وقويّا عند الأخفش كما مر (١) ، وعلى وزن (٢) عتول من قوى : قيّا ، والأصل قووو ، قلبت الواو الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، والواو الأولى ياء كما فى ميزان ، والواو الثانية ياء أدغم فيها الياء كما فى سيد.

وإذا بنيت مثل عفرية من غزوت قلت : غزوية ، والأصل غزووة ، ومن الرّمى رميية ، ولا يجوز الادغام كما فى أحيية ، مع لزوم التاء فى الموضعين ؛ لأن رميية كعفرية ، وهو ملحق بزبرجة ، وأحيية ليس ملحقا ، كذا قيل ، والأولى أن هذا البناء ليس للالحاق كما مر ، ولو جمعت هبيّا على فعالل قلت : هباىّ كدوابّ ، ولو بنيت على فعاليل من رميت قلت : رمايىّ ، ويجوز رماوىّ ؛ لاجتماع الياءات كما فى سقاوىّ ، ولا يجوز بالهمز ؛ لعدم تطرف الياء.

وكذا فعاليل ومفاعيل من حيى نحو حيايىّ ، ومحايىّ ، وحياوىّ ، ومحاوىّ ، قال سيبويه : ولو حذفت إحدى الياءات فى جميعها لم يبعد ؛ لأنه قد يستثقل الياءان فى نحو أثافىّ (٣) فيخفف بحذف إحداهما ، فيقال : أثاف ، فما ظنك بالثلاث؟ وحذف ياء مفاعيل ثابت وإن لم يجتمع ياءان نحو قراقير وقراقر (٤)

__________________

(١) انظر (ص ١٩٦ من هذا الجزء)

(٢) هذا الذى ذكره المؤلف ينبغى أن يكون على زنة درهم ليطابق ما ذكره من التصريف ، ولكن الذى وقع فى الأصول عثول ـ بالثاء المثلثة ـ ولا يصح ذلك لأن العثول مشدد الآخر ، فغيرناه إلى عتول ـ بالتاء المثناة ـ وقد ضبطه المجد فى القاموس بزنة درهم ، وإن كان الشارح الزبيدى حكاه مشددا ، وهو الذى لا غناء عنده للنساء

(٣) القراقير : جمع قرقور ، والقرقور ـ بزنة عصفور ـ السفينة مطلقا ، أو الطويلة خاصة ، (انظر ج ٢ ص ١٦٢)

(٤) الأثافى : جمع أثفية ، وهى حجر يوضع فوقه القدر ، انظر (ج ٢ ص ١٦٢)

٣١٠

وجراميز وجرامز (١) ، قال سيبويه : إلا أن من يحذف فى هذه الأمثلة التى اجتمعت [فيها](٢) ثلاث ياءات يلتزم الحذف ؛ لكونها أثقل من أثافىّ وعوارىّ (٣) حتى يكون فرقا بين الياءات والياءين ، وتقول فى فعاليل من غزوت : غزاوىّ فلا تغير الواو لعدم اجتماع الأمثال كما فى رمايىّ

وهذا آخر ما أردنا إيراده ، ولك أن تقس على هذا ما ماثله بعد إتقانك الأصول المتقدمة فى باب الإعلال وغيره والله الموفق للصواب

تمت مقدمة التصريف ؛ والحمد لله رب العالمين

__________________

(١) الجراميز : جمع جمر موز ، والجرموز ـ بزنة عصفور ـ حوض مرتفع النواحى ، أو حوض صغير

(٢) زيادة يقتضيها المقام

(٣) العوارى : جمع عارية ، وهى بتشديد الياء منسوبة إلى العار ، انظر (ج ٢ ص ١٦٤)

٣١١

قال : «الخط تصوير اللّفظ بحروف هجائه إلّا أسماء الحروف إذا قصد بها المسمّى ، نحو قولك : اكتب جيم ، عين ، فا ، را ، فإنّك تكتب هذه الصّورة (جعفر) لأنّها مسمّاها خطّا ولفظا ، ولذلك قال الخليل لمّا سألهم كيف تنطقون بالجيم من جعفر فقالوا : جيم ، فقال : إنّما نطقتم بالاسم ولم تنطقوا بالمسئول عنه ، والجواب جه ؛ لأنه المسمّى ، فإن سمّى بها مسمّى آخر كتبت كغيرها نحو ياسين وحاميم ، وفى المصحف على أصلها على الوجهين ، نحو يس وحم»

أقول : حق كل لفظ أن يكتب بحروف هجائه : أى بحروف الهجاء التى ركب ذلك اللفظ منها إن كان مركبا ، وإلا فبحرف هجائه : سواء كان المراد باللفظ ما يصح كتابته كأسماء حروف التهجى نحو ألف با تا ثا جيم ، وكلفظ الشعر والقرآن ونحو ذلك ، أو ما لا يصح كتابته كزيد والرجل والضرب واليوم وغيرها ، وكذا كان حق حروف أسماء التهجى فى فواتح السور ، لكنها لا تكتب بحروف هجائها ؛ بل تكتب كذا (ن وَالْقَلَمِ) ، (ق وَالْقُرْآنِ) ولا يكتب (نون والقلم) ولعل ذلك لما توهم السفرة (١) الأول للمصاحف أن هذه الأسماء عبارة عن الأعداد كما روى عن بعضهم أن هذه الأسماء كنايات عن أعمار قوم وآجال آخرين ، وذلك أن أسماء حروف التهجى قد تصوّر مسمياتها إذا قصد التخفيف فى الكتابة ، نحو قولهم : كلّ ج ب ، وكذا كتابتهم نحو قولهم : الكلمات ثلاث : ا الاسم ، ب الفعل ، ج الحرف ؛ فعلى هذا فى قوله «إلا أسماء الحروف إذا قصد بها المسمى» نظر ؛ لأن تلك الأسماء مع قصد المسمى تكتب بحروف هجائها أيضا ، ألا ترى أنه تكتب هكذا : اكتب جيم عين فاء راء ، ولا تكتب

__________________

(١) السفرة ـ بفتحات ـ جمع سافر ، وهو اسم دال على النسب ، ومعناه صاحب السفر ، وهو الكتاب الكبير ، وقد يراد منه الكاتب

٣١٢

هكذا : اكتب ج ع ف ر ، والذى يختلف فيه الحال أنك إذا نسبت الكتابة إلى لفظ على جهة المفعولية فإنه ينظر : هل يمكن كتابة مسماه ، أولا ؛ فإن لم يمكن نحو كتبت زيد ورجل ، فالمراد أنك كتبت هذا اللفظ بحروف هجائه ، وإن أمكن كتابة مسماه نحو كتبت الشعر والقرآن وجيم وعين وفاء وراء ، فالظاهر أن المراد به مسمى اللفظ ؛ فتريد بقولك : كتبت الشعر والبيت ، أنك كتبت مثلا :

*قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل* البيت (١)

وبقولك : كتبت القرآن ، أنك كتبت مثلا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، السورة ، وبقولك : كتبت جيم عين فاء راء أنك كتبت جعفر ، ويجوز مع القرينة أن تريد بقولك : كتبت الشعر والبيت والقرآن ؛ أنك كتبت صورة حروف تهجى هذه الألفاظ

والبحث فى أن المراد باللفظ هو الاسم أو المسمى غير البحث فى أن ذلك اللفظ كيف يصور فى الكتابة ، والمراد بقوله «الخط تصوير اللفظ بحروف هجائه» هو الثانى دون الأول

قوله «إذا قصد بها المسمى» أى : حروف التهجى

قوله «جيم عين فا را» لا تعرب شيئا من هذه الأسماء وإن كانت مركبة مع العامل كما فى قولك : كتبت ماء ، وأبصرت جيما ؛ لئلا يظن أنك كتبت كل واحدة من هذه الأحرف الأربعة منفصلة من البواقى ، ولم تكتب حروف كل واحدة ، فلم تعرب الأسماء ولم تأت بواو العطف نحو اكتب جيم ، وعين ، وفاء ، وراء ، بل وصلت فى اللفظ بعضها ببعض تنبيها على اتصال مسمياتها بعضها ببعض ؛ لكونها حروف كلمة واحدة

__________________

(١) تقدم شرح هذا البيت فانظره فى (ج ٢ ص ٣١٦)

٣١٣

قوله «مسماها خطا» ظاهر ؛ لأن مسمى جيم مثلا هذه الصورة ج ؛ لأنك إذا أمرت بكتابة جيم كتبت هكذا ج ، وكذا هو مسماه لفظا ؛ لأنك إذا أمرت بأن تتلفظ بجيم قلت : جه

قوله «ولذلك قال الخليل» أى : لكون جعفر مسمى جيم عين فا را لفظا رد الخليل على أصحابه لما سألهم عن جيم جعفر كيف تنطقون به : أى كيف تتلفظون بمسمى هذا اللفظ وهو جيم؟ وذلك لأن المراد بكل لفظ مسماه إذا أمكن إرادته نحو ضربت زيدا : أى مسمى هذا اللفظ ، وأما إذا لم يمكن نحو قرأت زيدا وكتبت زيدا فالمراد بأولهما اللفظ وبالثانى حروف هجاء اللفظ

قوله «إنما نطقتم بالاسم» لأن جيم الذى هو على وزن فعل اسم لهذا المسمى ، وهو جه

قوله «فان فإن سمى بها مسمى آخر» أى : سمى بأسماء حروف التهجى ، كما لو سمى بدال مثلا شخص

قوله «كتبت كغيرها» أى : كتبت ألفاظها بحروف هجائها ، فإذا قيل :

اكتب دال يكتب هكذا «دال» كما يكتب : زيد

قوله «وفى المصحف على أصلها» أى : يكتب مسمى أسماء حروف التهجى ، ولا تكتب تلك الأسماء بحروف هجائها

قوله «على الوجهين» أى : سواء كانت هذه الفواتح أسماء لحروف التهجى كما قال الزمخشرى : «إن المراد بها التنبيه على أن القرآن مركب من هذه الحروف كالفاظكم التى تتلفظون بها فعارضوه إن قدرتم» فهى إذن تحدّ لهم ، أو لم تكن ، وذلك بأن تكون أسماء السور كما قال بعضهم ، أو أسماء أشخاص كما قيل : إن يس وطه اسمان للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، وق اسم جبل ، ون اسم للدواة ، وغير ذلك ، أو تكون أبعاض الكلم كما نسب إلى ابن عباس رضى الله

٣١٤

عنه أنه قال فى ألم : إن معناه أنا الله أعلم ، وغير ذلك مما قيل فيها

قال : «والأصل فى كلّ كلمة أن تكتب بصورة لفظها بتقدير الابتداء بها والوقف عليها ؛ فمن ثمّ كتب نحو ره زيدا ، وقه زيدا بالهاء ، ومثل مه أنت ، ومجىء مه جئت ، بالهاء أيضا ، بخلاف الجارّ ، نحو حتّام وإلام وعلام ؛ لشدّة الاتّصال بالحرف ، ومن ثمّ كتبت معها بألفات وكتب ممّ وعمّ بغير نون ، فإن قصدت إلى الهاء كتبتها ورددت الياء وغيرها إن شئت»

أقول : أصل كل كلمة فى الكتابة أن ينظر إليها مفردة مستقلة عما قبلها وما بعدها ، فلا جرم تكتب بصورتها مبتدأ بها وموقوفا عليها ، فكتب من «ابنك» بهمزة الوصل ؛ لأنك لو ابتدأت بها فلا بد من همزة الوصل ، وكتب «ره زيدا» و «قه زيدا» بالهاء ؛ لأنك إذا وقفت على ره فلا بد من الهاء

قوله «ومثل مه أنت؟ ومجىء مه جئت؟» قد ذكرنا فى باب الوقف أن ما الاستفهامية المجرورة بالاسم يجب أن تقف عليها بالهاء ، وفى المجرورة بالحرف يجوز إلحاق الهاء وتركه ، وذلك لأن «ما» شديدة الاتصال بالحرف ؛ لعدم استقلال الحرف دون ما يتصل به

قوله «ومن ثمّ كتبت» أى : من شدة اتصال «ما» بالحرف كتبت حتى وإلى وعلى بألفات ، ولم تكتب بالياء ، وذلك لأن كتابتها بالياء إنما كانت لانقلاب ألف على وإلى ياء مع الضمير ، نحو عليك وإليه ، ومع ما الاستفهامية التى هى كالجزء صارتا نحو غلام وكلام ؛ فلا يدخلان الضمير ، ولأن حتى تمال اسما لكون الألف رابعة طرفا ومع ما الاستفهامية لا تكون طرفا ، وكذا إلى اسما أميلت ؛ لكون ألفها طرفا مع الكسرة قبلها وانقلابها ياء مع الضمير ومع «ما» لا تكون طرفا

٣١٥

قوله «وكتب ممّ وعمّ بغير نون» أى : من جهة اتصال «ما» بالحرف لم يكتب عن مه ومن مه ـ بالنون ـ بل حذفت النون المدغمة خطّا كما يحذف كل حرف مدغم فى الآخر فى كلمة واحدة ، نحو همّرش وأصله هنمرش (١) وامّحى أصله انمحى

قوله «فان قصدت إلى الهاء» يعنى أنك إذا قلت : ممّ جئت؟ وعمّ يتساءلون؟ وقصدت أنك لو وقفت على ممّ وعمّ ألحقتهما هاء السكت وجب عليك إلحاق هاء السكت فى الكتابة ، لأنك تكون إذا معتبرا لما الاستفهامية مستقلة بنفسها ، فتردّ نون من وعن ، ويكتب هكذا : من مه جئت؟ وعن مه يتساءلون؟

قوله «ورددت الياء» يعنى فى «على مه» و «حتّى مه»

قوله «وغيرها» يعنى النون فى «من مه جئت»

قوله «إن شئت» يرجع إلى رد الياء وغيرها لا إلى كتابة الهاء ؛ لأن كتابتها إذن واجبة ، لكن أنت مخير مع كتبة الهاء بين رد النون والياء ، وترك ردهما ؛ فإن رددتهما فنظرا إلى الهاء ؛ لأنها إنما اتصلت نظرا إلى استقلال «ما» بنفسها ، وإن لم ترد فنظرا إلى عدم استقلال حروف الجر دون ما ، فيكون «علامه» مثل كيفه ، وأينه ، كأن الهاء لحقت آخر كلمة واحدة محركة بحركة غير إعرابية ولا مشبهة لها

قال : «ومن ثمّ كتب أنا زيد بالألف ، ومنه لكنّا هو الله ، ومن ثمّ كتبت تاء التّأنيث فى نحو رحمة وتخمة هاء ، وفيمن وقف بالتّاء تاء ، بخلاف أخت وبنت وباب قائمات وباب قامت هند»

__________________

(١) الهمرش ـ بزنة جحمرش ـ : العجوز المضطربة الخلق ، أو العجوز المسنة انظر (ح ١ ص ٦١) ثم انظر (ح ٢ ص ٣٦٤)

٣١٦

أقول : يعنى ومن جهة أن مبنى الكتابة على الوقف

قوله «ومنه لكنّا» يعنى إذا لم يقرأ بالألف ؛ فإنه يكتب بالألف فى تلك القراءة أيضا ؛ لأن أصله لكن أنا (١)

قوله «وفيمن وقف» مر فى باب الوقف أن بعضهم يقف عليها بالتاء نحو كظهر الجحفت (٢)

قوله «بخلاف أخت» أى : ولا يوقف على تاء أخت وبنت بالهاء لأنها بدل من لام الكلمة وليست بتاء التأنيث ، بل فيها رائحة من التأنيث بكونها بدلا من اللام فى المؤنث دون المذكر ، وكذا تاء قائمات ليست للتأنيث صرفا ؛ بل علامة الجمع ، لكن خصت بجمع المؤنث لكون التاء مناسبة للتأنيث ، ومن قال كيف البنون والبناه ـ بالهاء ـ وجب أن يكتبها بالهاء ، وهو قليل ، ويعنى بباب قائمات جمع سلامة المؤنث ، وبباب قامت الفعل الماضى المتصل به تاء التأنيث

قال : «ومن ثمّ كتب المنوّن المنصوب بالألف ، وغيره بالحذف وإذن بالألف على الأكثر ، وكذا اضربن ، وكان قياس اضربن بواو وألف ، واضربن بياء ، وهل تضربن بواو ونون ، وهل تضربن بياء ونون ، ولكنّهم كتبوه على لفظه لعسر تبيّنه أو لعدم تبيّن قصدها ، وقد يجرى اضربن مجراه»

أقول : قوله «وغيره» أى : غير المنصوب المنون ، وهو إما المرفوع والمجرور

__________________

(١) قد مضى بيان ذلك على التفصيل فى باب الوقف فارجع إليه فى (ح ٢ ص ٢٩٥)

(٢) هذه كلمة من بيت من بحر الرجز ، وهو مع ما قبله :

ما ضرّها أم ما عليها لو شفت

متيّما بنظرة وأسعفت

بل جوز تيهاء كظهر الحجفت

وانظره مشروحا شرحا وافيا فى (ح ٢ ص ٢٧٧ وما بعدها)

٣١٧

المنونان كجاءنى زيد ومررت بزيد ، أو غير المنون : مرفوعا كان أو منصوبا أو مجرورا ؛ كجاءنى الرجل ورأيت الرجل ومررت بالرجل ، أو مبنيا

قوله «وإذن بالألف على الأكثر» وذلك لما تبين فى الوقف أن الأكثر فى إذن الوقف عليه بالألف ، فلذا كان أكثر ما يكتب بالألف ، والمازنى يقف عليه بالنون فيكتبه بالنون ، وأما اضربن فلا كلام فى أن الوقف عليه بالألف ؛ فالأكثر يكتبونه بالألف ، ومن كتبه بالنون فلحمله على أخويه : أى اضربن واضربن ، كما يجىء ، وإنما كان قياس اضربن بالواو والألف لما تقدم فى شرح الكافية أنك إذا وقفت على النون الخفيفة المضموم ما قبلها أو المكسور هو رددت ما حذف لأجل النون : من الواو والياء فى نحو اضربوا واضربى ، ومن الواو والنون فى هل تضربون ، ومن الياء والنون فى هل تضربين ، فكان الحق أن يكتب كذلك بناء للكتابة على الوقف ، لكن لم يكتب فى الحالين إلا بالنون ، لعسر تبيّنه : أى لأنه يعسر معرفة أن الموقوف عليه من اضربن واضربن وهل تضربن وهل تضربن كذلك : أى ترجع فى الوقف الحروف المحذوفة ؛ فانه لا يعرف ذلك إلا حاذق بعلم الإعراب ، فلما تعسر معرفة ذلك على الكتّاب كتبوه على الظاهر ، وأما معرفة أن الوقف على اضربن ـ بفتح الباء ـ بالألف فليست بمتعسرة ؛ إذ هو فى اللفظ كزيدا ورجلا

قوله «أو لعدم تبين قصدها» أى : لو كتبت بالواو والياء ، والواو والنون ، والياء والنون ؛ لم يتبين : أى لم يعلم هل هو مما لحقه نون التوكيد أو مما لم يلحقه ذلك ؛ وأما المفرد المذكر نحو اضربا فلم يلتبس ؛ لأن المفرد المذكر لا يلحقه ألف ، وبعضهم خاف التباسه بالمثنى فكتبه بالنون ، أو يقول : كتبه كذلك حملا على اضربن واضربن ، لأنه من نوعهما ، وهذا معنى قوله «وقد يجرى اضربن مجراه»

٣١٨

قوله «تبيّن قصدها» : أى المقصود منها : أى من الكلمات المكتوبة ؛ فهو مصدر بمعنى المفعول ، أو بمعنى تبيّن أنك قصدتها : أى قصدت النون ؛ فيكون المصدر بمعناه

قال : «ومن ثمّ كتب باب قاض بغير ياء ، وباب القاضى بالياء على الأفصح فيهما ، ومن ثمّ كتب نحو بزيد ولزيد وكزيد متّصلا ؛ لأنه لا يوقف عليه ، وكتب نحو منك ومنكم وضربكم متّصلا ؛ لأنّه لا يبتدأ به»

أقول : إنما لم تكتب الباء واللام والكاف غير متصلة لكونها على حرف ولا يوقف عليه ، ولو كان لعدم الوقف عليها لكتب نحو من زيد وعلى زيد متصلا ، وإنما لم يبتدأ بالمضمرات المذكورة لكونها متصلة ، وأما نحو بكم وبك فقد اجتمع فيه الأمران

قال : «والنّظر بعد ذلك فيما لا صورة له تخصّه ، وفيما خولف بوصل أو زيادة أو نقص أو بدل ؛ فالأوّل الهمزة وهو أوّل ووسط وآخر

الأوّل ألف مطلقا نحو أحد وأحد وإبل ، والوسط : إمّا ساكن فيكتب بحرف حركة ما قبله مثل يأكل ويؤمن وبئس ، وإمّا متحرّك قبله ساكن فيكتب بحرف حركته مثل يسأل ويلؤم ويسئم ، ومنهم من يحذفها إن كان تخفيفها بالنّقل أو الادغام ، ومنهم من يحذف المفتوحة فقط ، والأكثر على حذف المفتوحة بعد الألف ، نحو ساءل ، ومنهم من يحذفها فى الجميع ، وإمّا متحرّك وقبله متحرّك فيكتب على نحو ما يسهّل ؛ فلذلك كتب نحو مؤجّل بالواو ونحو فئة بالياء ، وكتب نحو سأل ولؤم ويئس ومن مقرئك ورؤوس بحرف حركته ، وجاء فى سئل ويقرئك القولان ، والآخر إنّ كان ما قبله ساكنا حذف ،

٣١٩

نحو خبء وخبء وخبئا ، وإن كان متحرّكا كتب بحرف حركة ما قبله كيف كان ، نحو قرأ ويقرىء وردؤ ولم يقرأ ولم يقرىء ولم يردؤ ، والطّرف الّذى لا يوقف عليه لاتّصال غيره كالوسط نحو جزؤك وجزأك وجزئك ، ونحو ردؤك وردأك وردئك ، ونحو يقرؤه ويقرئك ؛ إلّا فى نحو مقروءة وبريئة ، بخلاف الأوّل المتّصل به غيره ، نحو بأحد وكأحد ولأحد ، بخلاف لئلّا ؛ لكثرته ، أو لكراهة صورته ، وبخلاف لئن ؛ لكثرته ، وكلّ همزة بعدها حرف مدّ كصورتها تحذف نحو خطئا فى النّصب ومستهزءون ومستهزءين ، وقد تكتب بالياء ، بخلاف قرأا ويقرأان للّبس ، وبخلاف نحو مستهزئين فى المثنّى لعدم المدّ ، وبخلاف نحو ردائى ونحوه فى الأكثر ، لمغايرة الصّورة ، أو للفتح الأصلىّ ، وبخلاف نحو حنّائىّ فى الأكثر ؛ للمغايرة والتّشديد ، وبخلاف لم تقرئى للمغايرة واللّبس»

أقول : قدم للكتابة أصلا ، وهو كونها مبنية على الابتداء والوقف ، ثم شرع فى التفصيل ؛ فذكر أولا حال لحرف الذى ليس له صورة مخصوصة ، بل له صورة مشتركة ، وتستعار له صورة غيره ، وهو الهمزة ، وذلك أن صورة الألف : أعنى هذه (أ) لمّا كانت مشتركة فى الأصل بين الألف والهمزة ـ ولفظة الألف كانت مختصة بالهمزة ، لأن أول الألف همزة ، وقياس حروف التهجى أن تكون أول حرف من أسمائها كالتاء والجيم وغيرهما ، ثم كثر تخفيف الهمزة ، ولا سيما فى لغة أهل الحجاز ، فإنهم لا يحققونها ما أمكن التخفيف ـ استعير للهمزة فى الخط وإن لم تخفف صورة ما يقلب إليه إذا خففت ، وهى صورة الواو والياء ثم يعلّم على تلك الصورة المستعارة بصورة العين البتراء هكذا (ء) ليتعين كونها همزة ، وإنما جعلت العين علامة الهمزة لتقارب مخرجيهما ، فان لم تكن الهمزة فى موضع التخفيف

٣٢٠