شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

أقول : اعلم أن كل واحد من الستة المذكورة أولا يدغم فى الخمسة الباقية ، وفى الثلاثة المذكورة أخيرا ،

فإدغام الطاء فرط دّارم (١) أو ذابل أو ظالم أو تاجر أو ثامر (٢) أو صابر أو زاجر أو سامر

وإدغام الدال جرد طّارد أو ذابل أو ظالم أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر

وإدغام الذال نبذ طّارد أو دارم أو ذابل أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.

وإدغام الظاء غلظ طّارد أو دارم أو ذابل أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.

وإدغام التاء سكت طّارد أو دارم أو ذابل أو ظالم أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.

وإدغام الثاء عبث طّارد أو دارم أو ذابل أو ظالم أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.

فإذا أدغمت حروف الاطباق فيما لا إطباق فيه فالأفصح إبقاء الاطباق لئلا تذهب فضيلة الحرف ، وبعض العرب يذهب الاطباق بالكلية ، قال سيبويه : ومما أخلصت فيه الطاء تاء سماعا من العرب حتّهم أى حطتهم ، وقال : ذهاب

__________________

(١) دارم : أصله اسم فاعل من درم القنفذ يدرم ـ من باب ضرب ـ إذا قارب الخطو فى عجلة ، وسموا به ، فممن سمى به دارم بن مالك بن حنظلة أبو حى من تميم ، وكان يسمى بحرا ؛ لأن أباه أتاه قوم فى حمالة فقال له : يا بحرا يتنى بخريطة المال ؛ فجاءه يحملها وهو يدرم تحتها

(٢) الثامر : الذى خرج ثمره

٢٨١

إطباق الطاء مع الدال أمثل قليلا من ذهاب إطباقها مع التاء ؛ لأن الدال كالطاء فى الجهر والتاء مهموسة ، ومع بقاء الاطباق تردد المصنف فى أنه هل هناك إدغام صريح أو إخفاء لحرف الاطباق مسمى بالادغام لتقاربهما ، فقال : إن كان الإطباق مع الادغام الصريح فذلك لا يكون إلا بأن يقلب حرف الاطباق ـ كالطاء مثلا فى فرّطت ـ تاء وتدغمها فى التاء إدغاما صريحا ، ثم تأتى بطاء أخرى ساكنة قبل الحرف المدغم ، وذلك لأن الإطباق من دون حرف الإطباق متعذر فيلزم الجمع بين ساكنين ، قال : وليس كذلك إبقاء الغنة مع النون المدغمة فى الواو والياء إدغاما صريحا ؛ لأن الغنة قد تكون لا مع حرف الغنة ، وذلك بأن تشرب الواو والياء المضعفين غنة فى الخيشوم ، ولا تقدر على إشراب التاء المضعفة إطباقا ، إذ الإطباق لا يكون إلا مع حرف الاطباق ، قال : والحق أنه ليس مع الإطباق إدغام صريح بل هو إخفاء يسمى بالادغام لشبهه به كما يسمى الاخفاء فى نحو (لبعض شّأنهم) و (العفو وّ أمر) إدغاما

واعلم أنه إذا كان أول المتقاربين ساكنا والثانى ضمير مرفوع متصل فكانهما فى الكلمة الواحدة التى لا يلبس الادغام فيها ، وذلك لشدة اتصال الضمير. ثم إن اشتد تقارب الحرفين لزم الادغام كما فى عدت وزدت ، بخلاف الكلمتين المستقلتين نحو أعد تّمرك فانه يجوز ترك الادغام إذن ، والادغام أحسن ، وبخلاف ما لم يشتد فيه التقارب نحو عذت

واعلم أن الأحرف الستة المذكورة أعنى الطاء والظاء والدال والذال والتاء والثاء تدغم فى الضاد والشين المعجمتين أيضا ، لكن إدغامها فيهما أقل من إدغام بعضها فى بعض ، ومن إدغامها فى الصاد والزاى والسين ؛ لأن الضاد والشين ليستا من طرف اللسان كالتسعة الأحرف المذكورة ، وإنما جاز ذلك لأن الضاد والشين كما ذكرنا استطالتا حتى قربتا من حروف طرف اللسان ، وإدغام هذه

٢٨٢

الحروف فى الضاد أقوى من إدغامها فى الشين ؛ لأن الضاد قريب من الثنية باستطالتها ، وهذه الحروف من الثنايا ، بخلاف الشين ، وأيضا الضاد مطبقة والاطباق فضيلة تقصد أكثر مما يقصد إلى التفشى ، وأيضا لم تتجاف الضاد عن الموضع الذى قربت فيه من الظاء تجافى الشين ، بل لزمت ذلك الموضع وقد جاء فى القراءة إدغام التاء فى الجيم نحو (وجبت جّنوبها)

قوله «والصاد والزاى والسين يدغم بعضها فى بعض» فإن أدغمت الصاد فى أختيها فالأولى إبقاء الاطباق كما مر ، قال سيبويه : إدغام حروف الصفير بعضها فى بعض أكثر من إدغام الظاء والثاء والذال بعضها فى بعض ؛ لأن الثلاثة الأخيرة إذا وقفت عليها رأيت طرف اللسان خارجا عن أطراف الثنايا ، بخلاف حروف الصفير ، والاعتماد بالادغام على الحرف المنحصر بالأسنان أسهل منه على الحرف الرخو الخارج عن رءوس الأسنان

قوله «والباء فى الميم والفاء» هو نحو اضرب مّالكا أو فاجرا

قال : «وقد تدغم تاء افتعل فى مثلها فيقال : قتّل وقتّل ، وعليهما مقتّلون ومقتّلون ، وقد جاء مردّفين إتباعا ، وتدغم الثّاء فيها وجوبا على الوجهين نحو اثّأر واتّأر ، وتدغم فيها السّين شاذّا على الشّاذّ نحو اسّمع ، لامتناع اتّمع ، وتقلب بعد حروف الإطباق طاء ، فتدغم فيها وجوبا فى اطّلب وجوازا على الوجهين فى اظطلم ، وجاءت الثّلاث فى *ويظلم أحيانا فيظطلم* وشاذّا على الشّاذّ فى اصّبر واضّرب ، لامتناع اطّبر واطّرب ، وتقلب مع الدّال والذّال والزّاى دالا فتدغم وجوبا فى ادّان ، وقويّا فى ادّكر ، وجاء اذّكر واذ دكر ، وضعيفا فى ازّان ، لامتناع ادّان ، ونحو خبطّ وحصط وفزد وعدّ فى خبطت وحصت وفزت وعدت شاذّ»

أقول : اعلم أنه إذا كان فاء افتعل تاء وجب إدغامها فى التاء ؛ لما قدمنا أن

٢٨٣

المثلين إذا التقيا وأولهما ساكن وجب الادغام : فى كلمة كانا ، أو فى كلمتين ، وذلك نحو اتّرك واتّرس ، وإذا كان عينه تاء جاز الادغام وتركه ؛ لما قدمنا أن المثلين المتحركين إذا لم يكونا فى الأخير لم يجب الادغام ، فتقول : اقتتل وقتّل ، وقال سيبويه : إنما لم يلزم الادغام فى نحو اقتتل لأن التاء الثانية لا تلزم الأولى ، ألا ترى إلى نحو اجتمع وارتدع؟ فالمثلان فيه كأنهما فى كلمتين من حيث عدم التلازم ، فإذا أدغمت فإما أن تنقل حركة أولهما إلى فاء الكلمة كما هو الرسم فى نحو يمد ويعض ويفر فتستغنى عن همزة الوصل ، وإنما وجب حذف الهمزة ههنا ولم يجب فى باب ألحمر لأن أصل لام التعريف السكون وأصل فاء الكلمة الحركة كما قلنا فى سل (١) ، وإما أن تحذف حركة أولهما فيلتقى ساكنان : فاء الفعل ، وتاء افتعل ؛ فتكسر الفاء ؛ لأن الساكن إذا حرك فالكسر أولى ؛ فتسقط همزة الوصل بتحرك ما بعدها ، وإنما لم يجز حذف حركة أول المثلين فى نحو يردّ ويعض ويفرّ لما ذكرنا فى باب الاعلال (٢) من أنه يجب المحافظة على حركة العين فى الفعل ؛ إذ بها يتميز بعض أبوابه عن بعض ، وقال سيبويه : إنما جاز حذف الحركة ههنا دون نحو يرد ويعض لأنه يجوز فى نحوه الاظهار والاخفاء والادغام : أى فى نحو اقتتل ، بخلاف نحو يردّ ويعضّ ويفرّ ، فإنه يجب فيه الادغام ، وكذا فى ردّ وعضّ وفرّ عند بنى تميم ، فلما تصرفوا فى الأول بالأوجه الثلاثة أجازوا التصرف فيه بحذف حركة أول المثلين أيضا ، قال الفراء : بل لا بد من نقل حركة أولهما إلى الفاء ، فأما كسرة قتّل فهي الفتحة ليكون دليلا على همزة الوصل المكسورة المحذوفة ، وإنما قال ذلك لأنه رأى امتناع حذف الحركة فى باب يردّ ويعضّ ، والجواب عنه ما مضى

__________________

(١) انظر (ص ٥١ من هذا الجزء)

(٢) انظر (ص ١٠٠ و ١٤٥ من هذا الجزء) ثم انظر (ج ١ ص ٧٦ و ٨٠ و ٨١)

٢٨٤

وتقول فى مضارع اقتتل المدغم يقتّل ـ بنقل الفتحة إلى القاف ـ كما فى الماضى ، ويقتّل ـ بكسر القاف ـ كما فى الماضى سواء ، وأجاز بعضهم حذف حركة أولهما من غير أن يحرك القاف بحركة ، فيجمع بين ساكنين ، وهو وجه ضعيف ينكره أكثر الناس ، والأولى أن ما روى من مثله عن العرب اختلاس حركة ، لا إسكان تام ؛ ويجوز فى نحو يقتّل ـ بكسر القاف ـ أن تكسر الياء إتباعا للقاف ، فتقول : يقتّل كما فى منخر ومنتن ، ومنه القراءة (أم من لا يهدّى) بكسر الياء والهاء

وتقول فى اسم الفاعل : مقتّل ـ بكسر القاف وفتحها ـ ولا يجوز كسر الميم اتباعا كما جاز كسر حرف المضارع ؛ لأن حرف المضارع متعوّد للكسر لغير الاتباع أيضا نحو إعلم ونعلم ، لكن لا يكسر الياء إلا لداع آخر كما فى ييجل ويقتّل ، وأما نحو منتن فى منتن فشاذ ، وقد قرأ أهل مكة (مردّفين) بإتباع الثانى للأول كما فى ردّ ولم يردّ ، وذلك بحذف حركة أول المتقاربين وتحريك ما قبله بحركة الاتباع لازالة الساكنين

وإذا كان عين افتعل مقاربا للتاء لم تدغم التاء فيه إلا قليلا ؛ لأن الادغام فى غير الآخر خلاف الأصل كما ذكرنا ، ولا سيما إذا أدى إلى تحريك الساكن بعد تسكين المتحرك ، وأما الادغام فى نحو ادّكر فإنه وإن كان فى غير الآخر لكنه لم يؤد إلى تحريك ولا تسكين ، وفى نحو ازّمّل أدى إلى تسكين فقط ، وإذا جاز إظهار المثلين فى مثل اقتتل وكان هو الأكثر فكيف بالمتقاربين ، وإنما جاز الادغام إذا كان العين دالا كيهدّى ومردّفين ، أوصادا كيخصّمون ، ولا يمنع القياس من إدغام تاء افتعل فيما يدغم فيه التاء من التسعة الأحرف المذكورة كالزاى فى ارتزق ، والسين فى اقتسر ، (١) والثاء فى اعتثر ، (٢) والطاء فى

__________________

(١) تقول : قسره على الأمر ، واقتسره عليه ؛ إذا قهره وغلبه عليه

(٢) اعتثر : اتخذ لنفسه عاثورا ، والعاثور : البئر ، وما أعد ليقع فيه غيره

٢٨٥

ارتطم ، (١) والظاء فى اعتظل ، (٢) والذال فى اعتذر ، والصاد والدال فى اختصم واهتدى ، والضاد فى اختضر (٣)

وإذا كان فاء افتعل مقاربا فى المخرج لتائه وذلك إذا كانت الفاء أحد ثمانية الأحرف التى ذكرنا أن التاء تدغم فيها لكونها من طرف اللسان كالتاء ، وهى الدال والذال والطاء والظاء والثاء والصاد والسين والزاى ، وتضم إلى الثمانية الضاد ؛ لما ذكرنا من أنها باستطالتها قربت من حروف طرف اللسان ، وأما الشين فبعيدة منها كما ذكرنا ، فإذا كان كذا جاز لك إدغام فاء افتعل فى تائه أكثر من جواز إدغام تائه فى عينه ، تقول فى الدال : ادّان ، وفى الذال : اذّكر ، وفى الطاء : اطّلب ، وفى الظاء : اظّلم ، وفى الثاء : اثّرد (٤) ، وفى الصاد : اصّبر ، وفى السين : اسّمع ، وفى الزاى : إزّان ، وفى الضاد : اضّجع ، وإنما قلبت التاء فى هذه الأمثلة إلى الفاء خلافا لما هو حق إدغام أحد المتقاربين من قلب الأول إلى الثانى ؛ لأن الثانى زائد دون الأول ، وفى الطاء والظاء والصاد والضاد والسين والزاى لا يجوز قلب الأول إلى الثانى ؛ لئلا تذهب فضيلة الاطباق والصفير.

ويجوز مع الثاء المثلثة قلب الأول إلى الثانى كما هو حق الادغام ، تقول : اثّأر (٥) ، واتّرد

__________________

(١) ارتطم : مطاوع رطمت الرجل ؛ إذا أوقعته فى أمر لا يقدر على الخروج منه

(٢) تقول : اعتظلت الكلاب والجراد ؛ إذا ركب بعضها بعضا

(٣) تقول : اختضرت الكلأ ؛ إذا جززته وهو أخضر ؛ وقد قالوا من ذلك : اختضر الرجل ؛ إذا مات فى طراءة السن

(٤) تقول : اثرد الخبز ؛ إذا فته ليصنعه ثريدا

(٥) اثأر : أدرك ثأره

٢٨٦

ومع الحروف المذكورة يجوز أن لا تخفف الكلمة بالادغام ، لكون المتقاربين فى وسط الكلمة ، والغالب فى الادغام آخر الكلمة ، كما مر ، فتخففها بقلب التاء إلى حرف يكون أقرب إلى فاء الكلمة من التاء فتقربها إلى حروف الاطباق الثلاثة : أى الصاد والضاد والظاء المعجمة ، بأن تجعل فى التاء إطباقا فتصير طاء ؛ لأن الطاء هو التاء بالاطباق ، وتقربها إلى الزاى والذال المعجمة بأن تجعل التاء دالا ، لأن الدال مجهورة شديدة كالزاى والذال ، والتاء مهموسة ، والدال أقرب حروف طرف اللسان إلى التاء ، فتقول : ازدان واذدكر ـ على ما روى أبو عمرو ـ ومنع سيبويه اذدكر وأوجب الادغام ، وقال : إنما منعهم أن يقولوا مذدكر كما قالوا : مزدان ، أن كل واحد من الدال والذال قد يدغم فى صاحبه فى الانفصال فلم يجز فى الكلمة الواحدة إلا الادغام.

ويجوز مع السين والثاء أن تبقى تاء الافتعال بحالها ، لأن السين والثاء مهموستان كالتاء ، فتقول : اثتأر واستمع ، فليسا بمتباعدين حتى يقرّب أحدهما من الآخر

وإنما وجب تخفيف الكلمات مع غير الثاء والسين إما بالادغام أو بغيره كما مضى لكثرة استعمال افتعل ؛ فيستثقل فيه أدنى ثقل ، ويجوز ـ بعد قلب التاء التى بعد الظاء المعجمة طاء وقلب التى بعد الذال المعجمة دالا نحو اظطلم واذدكر ـ أن تدغم الظاء فى الطاء والذال فى الدال بقلب الأول إلى الثانى فى الموضعين كما هو حق إدغام المتقاربين ، فتقول : اطّلم وادّكر ـ بالطاء والدال المهملتين ـ قال سيبويه : وقد قال بعضهم : مطّجع فى مضطجع ، يدغم الضاد فى الطاء مع أنها من حروف (ضوى مشفر)

وقال : قد شبه بعض العرب ممن ترضى عربيته الصاد والضاد والطاء والظاء مع تاء الضمير بهن فى افتعل ؛ لشدة اتصال تاء الضمير بالفعل كاتصال تاء الافتعال بما

٢٨٧

قبلها ؛ فتقول : فحصط برجلى ، وحصط عنه ، وخبطّه ، وحفطّه ؛ فتقلب فى جميعها تاء الضمير طاء مهملة

قال : وكذا يقول بعضهم : عدّه ـ بقلب التاء دالا ـ كما فى ادّان ، قال السيرافى : وقياس هذه اللغة أن تقلب تاء الضمير دالا إذا كان قبلها دال أو ذال أو زاى كما فى افتعل ، لكن سيبويه لم يحكه عنهم إلا فى الدال المهملة

ولشدة اتصال تاء الضمير بما قبله كان الادغام فى نحو أخذت وبعثت وحفظت أولى وأكثر منه فى نحو احفظ تلك ، وخذ تلك ، وابعث تلك ، وقلب ما قبل تاء الافتعال أكثر من قلب ما قبل تاء الضمير طاء أو دالا نحو فحصط وحفطّ وفزد وعدّ ؛ لأنها على كل حال كلمة وإن كانت كالجزء

واعلم أنه لم يدغم التاء فى استطاع واستدان لأن الإدغام يقتضى تحريك السين التى لا تتحرك ولا حظ لها فى الحركة ، وأيضا فان الثانى فى حكم السكون ؛ لأن حركته عارضة منقولة إليه مما بعده ، وقراءة حمزة اسطاع بالادعام شاذ

قوله «وتدغم التاء فيها وجوبا» فيه نظر ، لأن سيبويه ذكر أنه يقال : مثترد ، ومتّرد ، ونحوه

قوله «على الوجهين» أى : على قلب الأول إلى الثانى وقلب الثانى إلى الأول

قوله «تدغم فيها السين شاذا على الشاذ» أى : أن إدغام السين فى غير حروف الصفير شاذ ، وقلب ثانى المتقاربين إلى الأول شاذ ، وإنما ارتكب قلب الثانى لامتناع اتّمع ، فانه تذهب إذن فضيلة الصفير ، وقد زال كراهة الشذوذ الأول لسبب الشذوذ الثانى ؛ لأنك إذا قلبت الثانى سينا لم تدغم السين إلا فى حروف الصفير

قوله «وجاءت الثلاث» أى : الطاء والظاء المشددتان ، والظاء المعجمة قبل الطاء المهملة ، وأول البيت :

٢٨٨

١٩٢ ـ *هو الجواد الّذى يعطيك نائله* عفوا (١)

قوله «وشاذا على الشاذ فى اصّبر واضّرب» عطف على قوله «وجوبا فى أطّلب» يعنى يقال : اصّبر واضّرب ـ بصاد وضاد مشددتين ـ والشذوذ الأول إدغام الصاد الذى هو حرف الصفير فى غير الصفير أى الطاء ، وكذا إدغام الضاد المعجمة ، والشذوذ الثانى قلب الثانى إلى الأول ، وقد مر أن الشذوذ الثانى يدفع مضرة الأول ، والأولى أن يقول : إن تاء الافتعال قلبت صادا أو ضادا من أول الأمر ، وأدغمت الصاد والضاد فيها كما ذكر قبل ؛ إذ لا دليل على قلبه طاء أولا ثم قلب الطاء صادا أو ضادا

قوله «لامتناع اطّبر واطّرب» يعنى : إنما قلب الثانى إلى الأول لامتناع قلب الأول إلى الثانى ؛ لئلا يذهب الصفير والاستطالة

قوله «وقويّا فى ادّكر» أى : بالدال المشددة المهملة

قوله «وجاء اذّكر» أى : بالذال المشددة المعجمة

اعلم أنه لما كان الإدغام بقلب الثانى إلى الأول على خلاف القياس كان

__________________

(١) هذا بيت لزهير بن أبى سلمى المزنى ، من قصيدة له يمدح فيها هرم ابن سنان المرى ، وأولها قوله :

قف بالدّيار الّتى لم يعفها القدم

بلى ، وغيّرها الأرواح والدّيم

والجواد : الكريم ، والنائل : العطاء ، وقوله «عفوا» معناه سهلا من غير مطل ولا تسويف ، وقوله «يظلم أحيانا» معناه أنه يطلب منه فى غير وقت الطلب ولا موضعه فيعطى ، فجعل سؤال بره فى غير وقت السؤال ظلما وجعل إعطاءه السائل ما سأله وتكلفه لذلك قبولا للظلم ، والاستشهاد بالبيت فى قوله «فيظلم» فقد روى بثلاثة أوجه أولها «فيظطلم» باظهار كل من الحرفين ، وثانيها «فيظلم» بقلب الطاء المهملة ظاء معجمة والادغام ، وثالثها «فيطلم» بقلب الظاء المعجمة طاء مهملة والادغام ، وحكى ابن جنى فى سر الصناعة أنه روى بوجه رابع ، وهو «فينظلم» بالنون على ينفعل من الظلم ، ورواه سيبويه بالادغام على الوجهين

٢٨٩

الأغلب مع الصاد والضاد والظاء المعجمة قلب تاء الافتعال طاء بلا إدغام ؛ لأن قلب الأول إلى الثانى فيها ممتنع ، واظطلم واضطرب واصطبر أولى من غيرها ، وكذا ازدان ـ بالدال ـ أولى من أزّان ـ بالزاى ـ وادّكر ـ بالدال المهملة ـ أولى من اذّكر ـ بالذال المعجمة ، وكذا اتّغر ـ بالتاء ـ أولى من اثّغر ـ بالثاء المثلثة ـ وإبقاء التاء بحالها فى استمع أولى من اسّمع ، ولا منع من إدغام اللام فى التاء ، وإن لم يسمع نحو اتّمع فى التمع ؛ لأن اللام يدغم فى التاء كما تقدم

قال : «وقد تدغم تاء نحو تتنزّل وتتنابزوا وصلا وليس قبلها ساكن صحيح ، وتاء تفعّل وتفاعل فيما تدغم فيه التّاء ، فتجلب همزة الوصل ابتداء نحو اطّيّروا وازّيّنوا واثّاقلوا وادّارأوا ، ونحو اسطّاع مدغما مع بقاء صوت السّين نادر»

أقول : إذا كان فى أول مضارع تفعّل وتفاعل تاء فيجتمع تاءان جاز لك أن تخففهما وأن لا تخففهما ، والتخفيف بشيئين : حذف أحدهما ، والادغام ، والحذف أكثر ، فإذا حذفت فمذهب سيبويه أن المحذوفة هى الثانية ؛ لأن الثقل منها نشأ ، ولأن حروف المضارعة زيدت على تاء تفعّل لتكون علامة ، والطارىء يزيل الثابت إذا كره اجتماعهما ، وقال سيبويه : لأنها هى التى تدغم فى تترّس ، وتطيّر ، وقال الكوفيون : المحذوفة هى الأولى ، وجوز بعضهم الأمرين ، وإذا حذفت لم تدغم التاء الباقية فيما بعدها وإن ماثلها ، نحو تتارك ، أو قاربها نحو تذكّرون ؛ لئلا يجمع فى أول الكلمة بين حذف وإدغام مع أن قياسهما أن يكونا فى الآخر ، وإذا أدغمت فإنك لا تدغم إلا إذا كان قبلها ما آخره متحرك نحو قال تنزّل ، وقال تّنابزوا ، أو آخره مد نحو قالوا تّنزّل قالا تّنابزوا ، وقولى تّابع ، ويزاد فى تمكين حرف المد ، فإن لم يكن قبلها شىء

٢٩٠

لم يدغموا ؛ إذ لو أدغم لاجتلب لها همزة الوصل ، وحروف المضارع لا بدلها من التصدر لقوة دلالتها ، وأيضا تتثاقل الكلمة ، بخلاف الماضى ، فانك إذا قلت : اتّابع واتّبع ، لم يستثقل استثقال اتّنزّل ، واتّنابزون ، وكذا لا يدغم إذا كان قبله ساكن غير مد : سواء كان لينا نحو لو تتنابزون ، أو غيره نحو هل تتنابزون ؛ إذ يحتاج إذن إلى تحريك ذلك الساكن ، ولا تفى الخفة الحاصلة من الإدغام بالثقل الحاصل من تحريك ذلك الساكن ، وظهر بما شرحنا أن الأولى أن يقول المصنف : وليس قبلها ساكن غير مدة ، وقراءة النزّىّ (كنتم تّمنّون الموت) و (ألف شهر تّنزّل) ـ بالإدغام فيهما والجمع بين ساكنين ـ ليست بتلك القوة

وإذا كان الفعل المضارع مبنيا للمفعول نحو تتدارك وتتحمّل لم يجز الحذف ولا الإدغام ؛ لاختلاف الحركتين ، فلا تستثقلان كما تستثقل الحركتان المتفقتان ، وأيضا يقع لبس بين تتفعّل وتفعّل من التّفعيل لو حذفت التاء الثانية وبين تتفعّل وتتفعّل لو حذفت الأولى

قوله «وتاء تفعّل وتفاعل فيما تدغم فيه التاء» أى : تاء الماضى من البابين تدغم فى الفاء إذا كانت إحدى الحروف الاثنى عشر التى ذكرنا أن التاء تدغم فيها ، وهى التاء نحو اتّرّس ، والطاء نحو اطّيّر ، والدال نحو ادّارأتم ، والظاء نحو اظّالموا ، والذال نحو اذّاكروا ، والثاء نحو أثّاقلتم ، والصاد نحو اصّابرتم ، والزاى نحو ازّيّن ، والسين نحو اسّمع واسّاقط ، والضاد نحو اضّاربوا واضّرع ، والشين نحو اشّاجروا ، والجيم نحو اجّاءروا (١) ، وهذا الادغام مطرد فى الماضى والمضارع والأمر والمصدر واسمى الفاعل والمفعول

__________________

(١) أصل اجاءروا : تجاءروا ، وهو تفاعل من الجؤار ، والجؤار : رفع الصوت

٢٩١

قوله «ونحو اسطاع» قراءة حمزة (فما اسطّاعوا أن يظهروه) وخطّأه النحاة ، قال أبو على : لما لم يمكن إلقاء حركة التاء على السين التى لا تتحرك أبدا جمع بين الساكنين.

قال : «الحذف الاعلالىّ والتّرخيمىّ قد تقدّم ، وجاء غيره فى تفعّل وتفاعل ، وفى نحو مست وأحست ، وظلت وإسطاع يسطيع ، وجاء يستيع ، وقالوا بلعنبر وعلماء وملماء فى بنى العنبر وعلى الماء ومن الماء ، وأمّا نحو يتسع ويتقى فشاذّ ، وعليه جاء *تق الله فينا والكتاب الّذى تتلو* بخلاف تخذ يتخذ فإنّه أصل واستخذ من استتخذ ، وقيل : أبدل من تاء اتّخذ وهو أشذّ ونحو تبشّرونى وإنّى قد تقدّم»

أقول : يعنى بالحذف الإعلالى ما حذف مطردا لعلة ؛ كعصا وقاض ، وبالترخيمى ما حذف غير مطرد كما فى يد ودم

قوله فى نحو «تفعّل وتفاعل» يعنى فى مضارع تفعّل وتفاعل مع تاء المضارعة ، كما تقدم

قوله «وفى نحو مست وأحسبت وظلت» تقدّم حكمه فى أول باب (١) الادغام قوله «وإسطاع يسطيع» بكسر الهمزة فى الماضى وفتح حرف المضارعة ، وأصله استطاع يستطيع ، وهى أشهر اللغات ، أعنى ترك حذف شىء منه وترك الادغام ، وبعدها إسطاع بسطيع ، بكسر الهمزة فى الماضى وفتح حرف المضارعة وحذف تاء استفعل حين تعذر الادغام مع اجتماع المتقاربين ، وإنما تعذر الادغام لأنه لو نقل حركة التاء إلى ما قبلها لتحركت السين التى لاحظ لها فى الحركة ، ولو لم ينقل لالتقى الساكنان ، كما فى قراءة حمزة ، فلما كثر استعمال هذه اللفظة ـ بخلاف استدان ـ وقصد التخفيف وتعذر الادغام حذف الأول كما فى ظلت

__________________

(١) انظر (ص ٢٤٥ من هذا الجزء)

٢٩٢

وأحست ، والحذف ههنا أولى ؛ لأن الأول ـ وهو التاء ـ زائد ، قال تعالى (فَمَا ـ اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) وأما من قال يسطيع ـ بضم حرف المضارعة ـ فماضيه أسطاع بفتح همزة القطع ، وهو من باب الإفعال ، كما مر فى باب ذى الزيادة (١) ، وجاء فى كلامهم استاع ـ بكسر همزة الوصل ـ يستيع ـ بفتح حرف المضارعة ، قال سيبويه : إن شئت قلت : حذفت التاء ؛ لأنه فى مقام الحرف المدغم ، ثم جعل مكان الطاء تاء ؛ ليكون ما بعد السين مهموسا مثلها ، كما قالوا ازدان ليكون ما بعد الزاى مجهورا مثله ، وإن شئت قلت : حذفت الطاء ؛ لأن التكرير منها نشأ ، وتركت الزيادة كما تركت فى تقيت ، وأصله اتّقيت كما يأتى

قوله «وقالوا بلعنبر» قد ذكرنا حكمه فى أول باب (٢) الادغام ، وأن سيبويه قال : مثل هذا الحذف قياس فى كل قبيلة يظهر فيها لام المعرفة فى اللفظ بخلاف نحو بنى النجار

قوله «وأما نحو يتسع ويتقى» قد حذفت التاء الأولى من ثلاث كلمات يتّسع ويتّقى ويتّخذ ؛ فقيل : يتسع ويتقى ويتخذ ، وذلك لكثرة الاستعمال ، وهو مع هذا شاذ ، وتقول فى اسم الفاعل : متق ، سماعا ، وكذا قياس متّخذ ومتّسع ، ولم يجىء الحذف فى مواضى الثلاثة إلا فى ماضى يتقى ، يقال : تقى ، وأصله اتّقى ؛ فحذفت الهمزة بسبب حذف الساكن الذى بعدها ، ولو كان تقى فعل كرمى لقلت فى المضارع يتقى كيرمى ، بسكون التاء ، وفى الأمر اتق كارم (٣) ، وقال الزجاج : أصل تخذ اتّخذ حذفت التاء منه كما فى تقى ، ولو كان كما قال لما قيل تخذ ـ بفتح الخاء ـ بل تخذ يتخذ تخذا كجهل

__________________

(١) انظر (ج ٢ ص ٣٨٠)

(٢) انظر (ص ٢٤٦ ، ٢٤٧ من هذا الجزء)

(٣) انظر (ج ١ ص ١٥٧)

٢٩٣

يجهل جهلا بمعنى أخذ يأخذ أخذا ، وليس من تركيبه ، وفى تقى خلاف ؛ قال المبرد : فاؤه محذوف والتاء زائدة ، فوزنه تعل ، وقال الزجاج : التاء : بدل من الواو كما فى تكأة وتراث ، وهو الأولى

قوله «استخذ» قال سيبويه عن بعض العرب : استخذ فلان أرضا بمعنى اتّخذ ، قال : ويجوز أن يكون أصله استتخذ من تخذ يتخذ تخذا فحذفت التاء الثانية كما قيل فى استاع : إنه حذف الطاء ، وذلك لأن التكرير من الثانى ، قال : ويجوز أن يكون السين بدلا من تاء اتّخذ الأولى ؛ لكونهما مهموستين ، ومثله الطجع بإبدال اللام مكان الضاد لمشابهتها لها فى الانحراف ؛ لأنهم كرهوا حرفى إطباق كما كرهوا فى الأول التضعيف ، وإنما كان هذا الوجه أشذ لأن العادة الفرار من المتقاربين إلى الادغام ، والأمر ههنا بالعكس ، ولا نظير له

قوله «تبشّرونى وإنّى قد تقدم» أى فى الكافية فى باب الضمير فى نون الوقايه. (١)

* * *

قال : «وهذه مسائل التمرين. معنى قولهم : كيف تبنى من كذا مثل كذا : أى إذا ركّبت منها زنتها وعملت ما يقتضيه القياس فكيف تنطق به ، وقياس قول أبى علىّ أن تزيد وتحذف ما حذفت فى الأصل

__________________

(١) إذا اجتمعت نون الرفع ونون الوقاية فى كلمة فلك فيها ثلاث لغات : أولاها : إبقاؤهما من غير إدغام ، نحو تضربوننى ، وعليه قوله تعالى : (لِمَ تُؤْذُونَنِي) وثانيتها : إبقاؤهما مع الادغام ، وعليه قوله تعالى : (أغير الله تأمروننى أعبد) وثالثتها : أن تحذف إحداهما وتكتفى بواحدة ، وهذه اللغة هى التى يشير إليها المؤلف

٢٩٤

قياسا ، وقياس آخرين أن تحذف المحذوف قياسا أو غير قياس ، فمثل محوىّ من ضرب مضربىّ ، وقال أبو علىّ : مضرىّ ، ومثل اسم وغد من دعا دعو ودعو لا إدع ولا دع خلافا للآخرين ، ومثل صحائف من دعا دعايا باتّفاق إذ لا حذف فى الأصل»

أقول : اعلم أن هذه المسائل لأبواب التصريف كباب الإخبار لأبواب النحو

قوله «منها» الضمير راجع إلى «كذا» فى قوله «من كذا» ؛ لأنه بمعنى الكلمه واللفظة ، وفى قوله «زنتها» راجع إلى كذا فى قوله : مثل كذا ؛ لأنه بمعنى الصيغة أو البنية ، وفى قوله «تنطق به» إلى «مثل» : أى كيف تنطق بهذا المبنى بعد العمل المذكور فيه

قوله «وعملت ما يقتضيه القياس» أى : عملت فى هذه الزنة المركبة ما يقتضيه القياس التصريفى من القلب أو الحذف أو الادغام إن كان فى هذه الزنة أسباب هذه الأحكام ، وعند الجرمى لا يجوز بناء ما لم تبنه العرب لمعنى كضربب ونحوه ، وليس بوجه ؛ لأن بناء مثله ليس ليستعمل فى الكلام لمعنى حتى يكون إثباتا لوضع غير ثابت بل هو للامتحان والتدريب (١) ، وقال سيبويه : يجوز صوغ وزن ثبت فى كلام العرب مثله ؛ فتقول : ضربب وضرنبب على وزن جعفر وشرنبث ، بخلاف ما لم يثبت مثله فى كلامهم ؛ فلا يبنى من ضرب وغيره مثل جالينوس ؛ لأن فاعيلولا وفاعينولا لم يثبتا فى كلامهم ، وأجاز الأخفش صوغ وزن لم يثبت فى كلامهم أيضا ؛ للامتحان والتدريب ، بأن يقال : لو ثبت مثل هذا الوزن فى كلامهم كيف كان ينطق به ؛ فيمكن أن يكون فى مثل هذا الصوغ فائدة وهى التدريب والتجريب

__________________

(١) ذهب أبو على الفارسى وأبو الفتح ابن جنى إلى أن تكرير اللام للالحاق أمر مقيس مطرد مقصود به معنى ، وهو زيادة المعنى ، وقد ذكرنا ذلك فى أول هذا الكتاب (انظر ج ١ ص ٦٤)

٢٩٥

فنقول : إذا بنيت من كلمة ما يوازن كلمة حذف منها شىء ففيه بعد البناء ثلاثة مذاهب :

مذهب الجمهور أنك لا تحذف فى الصيغة المبنية إلا ما يقتضيه قياسها ، ولا ينظر إلى الحذف الثابت فى الصيغة الممثّل بها : سواء كان الحذف فيها قياسيا كحذف ياءين فى محوىّ ، أو غير قياسى كحذف اللام من اسم ؛ فتقول مضربىّ من ضرب على وزن محوى ، ودعو من دعا على وزن اسم ، ولا تقول : مضرىّ وإدع ؛ إذ ليس فى الصيغتين المبنيتين علة الحذف ، وهذا الذى قالوا هو الحق ؛ إذ لا تعل الكلمة بعلة ثابتة فى غيرها إلا إذا كان ذلك الغير أصلها ، كما فى أقام وقيام

وقال أبو على : تحذف وتزيد فى الصيغة المبنية ما زيد أو حذف فى الصيغة الممثل بها قياسا ؛ فتقول فى مضربىّ : مضرىّ ؛ لأن حذف الياءين فى محوىّ قياس كما مر فى باب النسب ، (١) وأما إن كان الحذف فى الممثل بها غير قياس لم تحذف ولم تزد فى المبنية ؛ فيقال : دعو ، فى المبنى من دعا على وزن اسم ؛ لأن حذف اللام من اسم غير قياس

وقال الباقون : إنه يحذف فى الفرع ما حذف فى الأصل ويزاد فيه ما زيد فى الأصل ، قياسا أو غير قياس ، فيقولون مضرىّ وإدع ودع كاسم وسم ؛ لأن القصد تمثيل الفرع بالأصل

هذا الخلاف كله فى الحذف ، وأما الزيادة فلا خلاف فى أنه يزاد فى الفرع كما زيد فى الأصل إلا اذا كان المزيد عوضا من المحذوف ؛ فيكون فيه الخلاف كهمزة الوصل فى اسم ، وكذا لا خلاف فى أنه يقلب فى الفرع كما يقلب فى الأصل ، فيقال على وزن أيس من الضرب : رضب : وتقول فى دعا على وزن صحائف :

__________________

(١) انظر (ج ٢ ص ٩ و ٢٢) ، ثم انظر (ج ٢ ص ٣٠ و ٣١)

٢٩٦

دعايا ، وأصله دعائو ، فلما لم يكن فى صحائف الذى هو الأصل حذف لم يختلف فى دعايا ؛ بل أعل علة اقتضاها هو ، وهى قلب الهمزة ياء مفتوحة والياء بعدها ألفا كما مر فى بابه (١)

قوله «أن تزيد وتحذف» أى : فى الفرع ، وهو الصيغة المبنية

قوله «فى الأصل» أى : فى الكلمة الممثل بها

قوله «أو غير قياس» أى : أن تزيد وتحذف فى الفرع ما حذفت وزدت فى الأصل : قياسا كان أو غير قياس

قوله «محوىّ» مثال للأصل المحذوف منه شىء قياسا

قوله «اسم وغد» مثال لما حذف منه شىء غير قياس ؛ ففى «اسم» حذف اللام وريد همزة الوصل عوضا منه حذفا غير قياسى ، وفى «غد» حذف اللام غير قياس وأصل غد غدو ـ بسكون العين ـ قال :

لا تقلواها وادلواها دلوا

إنّ مع اليوم أخاه غدوا (٢)

وأما إن كانت فى الأصل علة قلب حرف ليست فى الفرع فلا خلاف فى أنه لا يقلب فى الفرع ، فيقال على وزن أوائل من القتل أقاتل ، وكذا الإدغام

قال : «ومثل عنسل من عمل عنمل ، ومن باع وقال بنيع وقنول بإظهار النّون فيهنّ للألباس بفعّل ، ومثل قنفخر من عمل عنملّ ، ومن باع وقال بنيع وقنولّ بالإظهار ؛ للإلباس بعلّكد فيهنّ ، ولا يبنى مثل جحنفل من كسرت أو جعلت ؛ لرفضهم مثله ؛ لما يلزم من ثقل أو لبس»

أقول : قد ذكرنا أنه لا يدغم أحد المتقاربين فى الآخر فى كلمة إذا أدى إلى اللبس ؛ فلو قيل بيّع وقوّل بالادغام لالتبس بفعّل ، وهو وإن كان

__________________

(١) انظر (ص ٥٩ ـ ٦٢ و ١٣٠ و ١٧٩ من هذا الجزء)

(٢) قد مر شرح هذا البيت ، فارجع إليه فى (ص ٢١٥ من هذا الجزء)

٢٩٧

مختصا بالأفعال لكنه يظن أنه علم منكّر ؛ فلذا يدخله الكسر والتنوين ، والعلّكد : الغليظ

قوله «لما يلزم من ثقل» لأن إدغام النون الساكنة فى الراء واللام واجب ؛ لتقارب المخرجين ، وأما الواو والياء والميم فليس قربها من النون الساكنة كقرب الراء واللام منها ، فلذا جاء صنوان وبنيان وزنماء ، ولم يجىء نحو قنر وقنل كما تقدم

قوله «أو لبس» يعنى يلتبس بنحو شفلّح وهو ثمر الكبر

وإذا بنيت من كسر مثل احرنجم فللمبرد فيه قولان : أحدهما أنه لا يجوز لأنه لا بد من الادغام فيبطل لفظ الحرف الذى به ألحق الكلمة بغيرها ، والآخر الجواز ؛ إذ ليس فى الكلام افعلّل فيعلم أنه افعنلل ، ولا يجوز أن تلقى حركة الراء الأولى إلى الراء التى هى بدل من النون ؛ لئلا يبطل وزن الإلحاق ولئلا يلتبس بباب اقشعرّ

وإذا بنيت من ضرب مثل اقشعرّ ـ وأصله اقشعرر ـ فعند المازنى ، وحكاه عن النحويين ـ : إدغام الباء الأولى الساكنة فى الثانية نحو اضربّب ، بباء مشددة بعدها باء مخففة ، وعند الأخفش اضرببّ ، بباء مخففة بعدها باء مشددة ؛ ليكون كالملحق به : أعنى اقشعرّ ، فاكسرّر على هذا يلتبس باضربّب على قول المازنى ، فلا يصح إذن قول المبرد ؛ إذ ليس فى الكلام افعلّل ، والحق أنه ليس المراد بمثل هذا البناء الالحاق كما يجىء

قال : «ومثل أبلم من وأيت أوء ، ومن أويت أوّ مدغما ؛ لوجوب الواو ، بخلاف تووى ، ومثل إجرد من وأيت إىء ، ومن أويت إىّ فيمن قال : أحىّ ، ومن قال أحىّ قال : إىّ»

أقول : قوله «أوء» أصله أوؤى فأعل إعلال تجار مصدر تجارينا : أى

٢٩٨

قلبت ضمة ما قبل الياء كسرة ، ثم أعل إعلال قاض ، وأوّ أصله أؤوى ، قلبت الهمزة الثانية واوا وجوبا كما فى أومن ، فوجب إدغام الواو كما تقدم فى أول الكتاب (١) أن الواو والياء المنقلبتين عن الهمزة وجوبا كأنهما غير منقلبتين عنها ، وإن كان الانقلاب جائزا فحكمها فى الأظهر حكم الهمزة كرييا وتووى ؛ فصار أوّيا فأعل إعلال تجار

قوله «إجرد» هو نبت يخرج عند الكمأة يستدل به عليها

قوله «إىء» أصله إوئى ، قلبت الواو ياء كما فى ميزان وأعل إعلال قاض

قوله «إىّ» أصله ائوى ، قلبت الهمزة ياء وجوبا كما فى إيت فصار إيويا أعل إعلال معيّية ، بحذف الياء الثالثة نسيا ؛ فتدور حركات الإعراب على الياء المشدّدة ، وعلى ما نسب الأندلسى إلى الكوفيين ـ كما ذكرنا فى باب التصغير ـ وهو إعلالهم مثله إعلال قاض ، تقول جاءنى إىّ ومررت بإىّ ورأيت إيّا

قال : «ومثل إوزّة من وأيت إيثاة ومن أويت إيّاة مدغما»

أقول : أصل إوزّة إوززة كإصبع ، لأن إفعلة ليست بموجودة ، والهمزة زائدة دون التضعيف ، لقولهم وزّ أيضا بمعناها ، فأصل إيئاة إو أية ، قلبت الواو ياء كما في ميزان ، والياء ألفا كما فى مرماة ، وأصل إيّاة إئوية ، قلبت الياء ألفا كما ذكرنا ، وقلبت الهمزة ياء وجوبا كما فى إيت صار إيواة ، أعل إعلال سيّد صار إيّاة

قال : «ومثل اطلخمّ من وأيت إيأيّا ، ومن أويت إيويّا»

أقول : اطلخم واطرخمّ أى تكبر ، أصله اطلخمم بدليل اطلخممت ، وفى الأمر اطلخمم ـ بسكون الخاء فى الموضعين ـ فأصل إيأيّا إو أيّى ، أدغمت الياء الساكنة فى المتحركة وقلبت الياء الأخيرة ألفا وقلبت الواو ياء كما فى ميزان ، صار إيأيّا ، فقد اجتمع فى الكلمة ثلاث إعلالات كما ترى ، وهم

__________________

(١) انظر (ج ١ ص ٢٥ وما بعدها)

٢٩٩

يمنعون من اثنين ، وأصل إيويّا إئويّى ، قلبت الياء ألفا وأدغمت الياء فى الياء وقلبت الهمزة ياء كما فى إيت ولم يعل إعلال سيّد ؛ لأن قلب الهمزة ياء وإن كان واجبا مع الهمزة الأولى لكنها غير لازمة للكلمة ؛ لكونها همزة وصل تسقط فى الدرج نحو قال ائويّا ، فحكم الياء إذن حكم الهمزة

قال : «وسئل أبو علىّ عن مثل ما شاء الله من أولق فقال : ما ألق ألالاق على الأصل واللّاق على اللّفظ ، والألق على وجه ، بنى على أنّه فوعل»

أقول : يعنى أن أبا على جعل الواو من أولق زائدة والهمزة أصلية ، فإذا جعلته على وزن شاء وهو فعل قلت : ألق ، وأصل الله الإلاه عند سيبويه ، فتقول منه : الإلاق ، وحذف الهمزة من الإلاه قياس كما فى الأرض والأسماء ، لكن غلبة الحذف كما فى الإلاه شاذة ، وكذا إدغام اللام فى اللام ؛ لأنهما متحركان فى أول الكلمة ، وخاصة مع عروض التقائهما ، لكن جرأهم على ذلك كون اللام كجزء ما دخلته ، وكونها فى حكم السكون ، إذ الحركة التى عليها للهمزة وأيضا كثرة استعمال هذه اللفظة جوزت فيها من التخفيف فى الأغلب ما لم يكن فى غيرها ، ويجوز عند أبى على أن يقال : ما ألق الإلاق ، من غير تخفيف الهمزة ، بنقل حركتها وحذفها ، وذلك لأن مثل هذا الحذف وإن كان قياسا فى الأصل والفرع ؛ لتحرك الهمزة وسكون ما قبلها ؛ إلا أن مثل هذا الحذف إذا كانت الهمزة فى أول الكلمة نحو قد افلح أقلّ منه فى غير الأول ؛ لأن الساكن إذن غير لازم ، إذ ليس جزء كلمة الهمزة كما كان فى غير الأول ، واللام كلمة على كل حال ، وإن كانت كجزء الداخلة هى فيها ؛ فتخفيف الأرض والأسماء أقل من تخفيف نحو مسئلة وخبء ، ويجوز عنده أيضا أن تنقل حركتها إلى ما قبلها ؛ لأن ذلك قياس فى الفرع وإن قل ، مع كون اللام كالجزء وهو مطرد غالب في الأصل ، فقوله «ما ألق الإلاق» يجوز أن يكون مخففا وغير مخفف ؛ لأن كتابتهما سواء

٣٠٠