شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

الإدغام ، وهى من تركيب التسديس ، وقال :

١٧٥ ـ يا قاتل الله بنى السّعلاة

عمرو بن يربوع شرار النّات

*غير أعفّاء ولا أكيات (١)*

وهو نادر

قوله «ذعالت» قال :

١٧٦ ـ صفقة ذى ذعالت سمول

بيع امرىء ليس بمستقيل (٢)

أى : ذعالب ، قال ابن جنى : ينبغى أن تكونا لغتين ، قال : وغير بعيد أن تبدل التاء من الباء ؛ إذ قد أبدلت من الواو ، وهى شريكة الباء فى الشفة ،

__________________

(١) هذه أبيات من الرجز المشطور ، وهى لعلباء بن أرقم اليشكرى يهجو فيها بنى عمرو بن مسعود ، وقيل بنى عمرو بن يربوع ويقال لهم : بنو السعلاة ، وذلك أنهم زعموا أن عمرو بن يربوع تزوج سعلاة : أى غولا ؛ فأولدها بنين ، وقوله «يا قاتل الله» المنادى فيه محذوف ، والجملة بعده دعائية ، وقوله عمرو بن يربوع ـ بالجر ـ بدل من السعلاة ، وكأنه قال بنى عمرو بن يربوع ، وأعفاء : جمع عفيف ، وأكيات : أصله أكياس جمع كيس ـ بتشديد الياء مكسورة ـ والاستشهاد بالبيت فى قوله «النات» وفى قوله «أكيات» حيث أبدل السين تاء

(٢) هذا الشاهد من الرجز المشطور ، وقائله أعرابى من بنى عوف بن سعد ، هكذا ذكروه ولم يعينوه. وصفقة : منصوب على أنه مفعول مطلق ، وتقول : صفقت له بالبيع صفقا ؛ إذا أنفذت البيع وأمضيته ، وكانوا إذا أبرموا بيعا صفق أحد المتبايعين بيده على يد الآخر : أى ضرب ، فكان ذلك علامة على إمضائه ، والذعالت : الذعالب ، وهى جمع ذعلبة ـ بكسرتين بينهما سكون ـ وهو طرف الثوب أو ما تقطع منه ، وسمول : جمع سمل ـ كأسد وأسود ـ وهو الخلق البالى والمستقيل : الذى يطلب فسخ البيع. والاستشهاد بالبيت فى قوله «ذعالت» حيث أبدل الياء تاء على ما بيناه

٢٢١

هذا كلامه ، والأولى أن أصلها الباء ؛ لأن الذعالب أكثر استعمالا ، وهو بمعنى الذعاليب ، واحدها ذعلوب ، وهى قطع الخرق الأخلاق

وقالوا فى لص : لصت ، وجمعوه على اللّصوت أيضا ، قال :

١٧٧ ـ فتركن نهدا عيّلا أبناؤها

وبنى كنانة كاللصوت المرّد (١)

وجاء بدلا من الطاء ، قالوا فستاط فى فسطاط (٢)

قال : «والهاء من الهمزة والألف والياء والتّاء ، فمن الهمزة مسموع فى هرقت وهرحت وهيّاك ولهنّك وهن فعلت ، فى طيىء ، وهذا الّذى فى أذا الّذى ، ومن الألف شاذّ فى أنه وحيّهله وفى مه مستفهما ، وفى ياهناه على رأى ، ومن الياء فى هذه ، ومن التّاء فى باب رحمة وقفا»

أقول : يقال هنرت الثوب : أى أنرته (٣) وهرحت الدابة : أى أرحتها ،

__________________

(١) هذا البيت من بحر الكامل ، وقد نسبه الصاغانى فى العباب إلى عبد الأسود ابن عامر بن جوين الطائى ، ونهد : أبو قبيلة من اليمن ، وعيل : جمع عائل ـ كصوم جمع صائم ـ من عال يعيل عيلة ؛ إذا افتقر ، ومرد : جمع مارد ، من مرد من باب نصر ؛ إذا خبث وعتا ، وربما كان من مرد بمعنى مرن ودرب. ومعنى البيت أنهم تركوا أبناء هذه القبيلة فقراء ؛ لأنهم قتلوا آباءهم ، وكذلك قتلوا آباء بنى كنانة فجعلوهم فقراء حتى صاروا من شدة الفقر كاللصوص المرد. والاستشاد بالبيت فى قوله «كاللصوت» حيث أبدل الشاعر الصاد تاء

(٢) الفسطاط : ضرب من الأبنية دون السرادق يكون فى السفر ، وانظر (ح ١ ص ١٧)

(٣) يقال : نرت الثوب أنيره ـ من باب باع ـ وأنرته ، ونيرته ـ بالتضعيف ـ إذا جعلت له علما ، ويقال للعلم : النير ـ بالكسر ـ روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال : لو لا أن عمر نهى عن النير لم نر بالعلم بأسا ، ولكنه نهى عن النير

٢٢٢

وحكى اللّحيانى : هردت الشىء : أى أردته ، أهريده ، بفتح الهاء ، كهرقته أهريقه ، وقال :

١٧٨ ـ فهيّاك والأمر الّذى إن توسّعت

موارده ضاقت عليك المصادر (١)

والهاء بدل ؛ لأن إيّاك أكثر ، وقد مضى الكلام فى لهنّك فى الحروف المشبهة بالفعل (٢) وطيىء تقلب همزة إن الشرطية هاء ، وحكى قطرب : هزيد

__________________

(١) هذا البيت من الطويل ، وقد أورده أبو تمام فى باب الأدب من الحماسة ونسبه فى كتاب مختار أشعار القبائل إلى طفيل الغنوى ، والموارد : جمع مورد ، وهو المدخل ، والمصادر : جمع مصدر ، وهو المخرج. والاستشهاد بالبيت فى قوله «فهياك» حيث أبدل الهمزة هاء

(٢) قال المؤلف فى شرح الكافية (ج ٢ ص ٣٣٢): «واعلم أن من العرب من يقول : لهنّك لرجل صدق ، قال :

لهنّا لمقضىّ علينا التّهاجر

قال :

لهنّى لأشقى النّاس إن كنت غارما

وقد يحذف اللام ، وهو قليل ، قال :

ألا ياسنا برق على قلل الحمى

لهنّك من برق علىّ كريم

وفيه ثلاثة مذاهب : أحدها لسيبويه ، وهو أن الهاء بدل من همزة إن كاياك وهياك ، فلما غيرت صورة إن بقلب همزتها هاء جاز مجامعة اللام إياها بعد الامتناع ، والثانى قول الفراء ، وهو أن أصله : والله إنك ، كما روى عن أبى أدهم الكلابى :

له ربّى لا أقول ذلك ، بقصر اللام ، ثم حذف حرف الجر ، كما يقال : الله لأفعلن ، وحذفت لام التعريف أيضا ، كما يقال : لاه أبوك ، أى لله أبوك ، ثم حذفت ألف فعال كما يحذف من الممدود إذا قصر ، كما يقال : الحصاد ، والحصد ، قال :

ألا لا بارك الله فى سهيل

إذ ما الله بارك فى الرّجال

٢٢٣

منطلق ، فى ألف الاستفهام ، أنشد الأخفش :

١٧٩ ـ وأتت صواحبها فقلن هذا الّذى

منح المودّة غيرنا وجفانا (١)

أى : أذا الذى ، ويقال فى أيا فى النداء : هيا ، وفى أما والله : هما

قوله «أنه» قيل : الهاء بدل من الألف فى الوقف ؛ لأن الألف فى الوقف ، أكثر استعمالا من الهاء ، وقد ذكر فى الوقف أن الهاء للسكت كما فى قه وره ، وكذا فى حيّهله ؛ وأما قولهم «مه» فالأولى كون هائها بدلا من الألف ، كما فى قوله :

١٨٠ ـ قد وردت من أمكنه

من ههنا ومن هنه (٢)

ويجوز أن يقال : جذف الألف من ما الاستفهامية غير المجرورة كما يحذف من ما المجرورة. نحو فيم وإلام ، ثم دعم بهاء السكت كما فى ره وقه

__________________

ثم حذفت همزة إنك ، وفيما قال تكلفات كثيرة ، والثالث : ما حكى المفضل ابن سلمة عن بعضهم أن أصله لله إنك ، واللام للقسم ، فعمل به ما عمل فى مذهب الفراء ، وقول الفراء أقرب من هذا ، لأنه يقال : لهنك لقائم ، بلا تعجب» ا ه

(١) هذا بيت من الكامل ، قال البغدادى : «وقائله مجهول ، ويشبه أن يكون من شعر عمر بن أبى ربيعة المخزومى ؛ فأنه فى غالب شعره أن النساء يتعشقنه» ا ه.

وقد راجعنا ديوان عمر بن أبى ربيعة فوجدنا له قصيدة على هذا الروى أولها :

يا ربّ إنّك قد علمت بأنّها

أهوى عبادك كلّهم إنسانا

ولم نجد فيها هذا البيت كما لم نجد على هذا الروى غير هذه القصيدة. وقد قال فى اللسان : «أنشده اللحيانى عن الكسائى لجميل. وقوله «وأتت صواحبها» هو فى اللسان «وأتى صواحبها». والصواحب : جمع صاحبة ، والاستشهاد به فى قوله «هذا الذى» حيث أبدل الهمزة التى للاستفهام هاء ، وأصله «أذا الذى»

(٢) هذا بيت من الرجز المجزوء لم نعرف قائله ، والضمير فى وردت للابل. والاستشهاد بالبيت فى قوله «هنه» حيث أبدل الألف هاء للوقف ، وأصله هنا

٢٢٤

قوله «فى يا هناه» قد ذكرنا الخلاف (١) فيه وأن الهاء فيه للسكت عند أبى زيد والأخفش والكوفيين ، وبدل من الواو عند البصريين ، وأصله عندهم هناو لقولهم هنوات ، وقيل : الهاء أصل ، وهو ضعيف لقلة باب سلس وقلق ، وهاء هذه بدل من الياء كما ذكرنا فى الوقف عند بنى تميم ، فليرجع إليه فى معرفته (٢) ولا يطرد هذا فى كل ياء ؛ فلا يقال فى الذى : الذه

قوله «ومن التاء فى رحمة وقفا» مضى فى الوقف (٣)

__________________

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٢٩): «ومنه (يريد من كنايات الأعلام) يا هناه للمنادى غير المصرح باسمه تقول فى التذكير : ياهن ، وياهنان ، وياهنون ، وفى التأنيث : ياهنة ، ويا هنتان ، ويا هنات ، وقد يلى أواخرهن ما يلى أواخر المندوب وإن لم تكن مندوبة ، تقول : يا هناه ـ بضم الهاء ـ فى الأكثر ، وقد تكسر كما ذكرنا فى المندوب ، وهذه الهاء تزاد فى السعة وصلا ووقفا مع أنها فى الأصل هاء السكت ، كما قال :

*يا مرحباه بحمار ناجيه*

وقال :

*يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل*

فى حال الضرورة ، هذا قول الكوفيين وبعض البصريين ، ولما رأى أكثر البصريين ثبوت الهاء وصلا فى السعة أعنى فى هناه مضمومة ظنوا أنها لام الكلمة التى هى واو فى هنوات كما أبدلت هاء فى هنيهة ، وقال بعضهم : هى بدل من الهمزة المبدلة من الواو إبدالها فى كساء ـ وإن لم يستعمل هناه ـ كما أبدلوا فى «إياك» فقالوا : هياك ، ومجىء الكسر فى هاء هناه يقوى مذهب الكوفيين ، وأيضا اختصاص الألف والهاء بالنداء ، وأيضا لحاق الألف والهاء فى جميع تصاريفه وصلا ووقفا ـ على ما حكى الأخفش ـ نحو يا هناه ، ويا هناناه أو يا هنانيه ، كما مر فى المندوب ، ويا هنوناه ، ويا هنتاه ، ويا هنتاناه أو يا هنتانيه ، ويا هناتاه» ا ه

(٢) انظر (ح ٢ ص ٢٨٦ ، ٢٨٧)

(٣) انظر (ح ٢ ص ٢٨٨ وما بعدها)

٢٢٥

قال : «والّلام من النّون والضّاد فى أصيلال قليل ، وفى الطجع ردىء»

أقول : أصل أصيلال أصيلان ، وهو إن كان جمع أصيل كرغيف ورغفان ، وهو الظاهر ؛ فهو شاذ من وجهين : أحدهما إبدال اللام من النون ، والثانى تصغير جمع الكثرة على لفظه ، وإن كان أصلان واحدا كرمّان وقربان ، ـ مع أنه لم يستعمل ـ فشذوذه من جهة واحدة ، وهى قلب النون لاما ، قال الأخفش : لو سميت به لم ينصرف ؛ لأن النون كالثابتة ، يدل على ذلك ثبات الألف فى التصغير كما فى سكيران ، وكذا هراق إذا سميت به غير منصرف ؛ لأن الهمزة فى حكم الثابت

قوله «الطجع» من قوله :

لمّا رأى أن لادعه ولا شبع

مال إلى أرطاة حقف فالطجع (١)

قال : «والطّاء من التّاء لازم فى اصطبر ، وشاذّ فى فحصط»

أقول : قوله «فى اصطبر» يعنى إذا كان فاء افتعل أحد الحروف المطبقة المستعلية ، وهى الصاد والضاد والطاء والظاء ، وذلك لأن التاء مهموسة لا إطباق فيها ، وهذه الحروف مجهورة مطبقة ؛ فاختاروا حرفا مستعليا من مخرج التاء ، وهو الطاء ، فجعلوه مكان التاء ؛ لأنه مناسب للتاء فى المخرج والصاد والضاد والظاء فى الإطباق

قوله «وشذّ فى فحصط» هذه لغة بنى تميم ، وليست بالكثيرة ، أعنى جعل الضمير طاء إذا كان لام الكلمة صادا أو ضادا ، وكذا بعد الطاء والظاء ، نحو فحصط برجلى ، (٢)

__________________

(١) قد سبق شرح هذا البيت فارجع إليه فى (ح ٢ ص ٣٢٤)

(٢) فحصط : أصلها فحصت ؛ فأبدلت تاء الضمير طاء ، والفحص : البحث ، وفعله من باب فتح

٢٢٦

وحصط عنه (١) : أى حدت وأحطّ (٢) وحفطّ (٣) وإنما قلّ ذلك لأن تاء الضمير كلمة تامة ، فلا تغير ، وأيضا هو كلمة برأسها ، فكان القياس أن لا تؤثر حروف الإطباق فيها ، ومن قلبه فلكونه على حرف واحد كالجزء مما قبله ، بدليل تسكين ما قبله ، فهو مثل تاء افتعل

قال : «والدّال من التّاء لازم فى نحو ازدجر وادّكر ، وشاذّ فى نحو فزد واجدمعوا واجدزّ ودولج»

أقول : إذا كان فاء افتعل أحد ثلاثة أحرف : الزاى ، والدال ، والذال ؛ قلبت تاء الافتعال دالا ، وأدغمت الدال والذال فيها ، نحو ادّان وادّكر ، كما يجىء ، وقد يجوز أن لا يدغم الذال نحو اذدكر ، والقلب الذى للإدغام ليس مما نحن فيه ، كما ذكرنا فى أول هذا الباب ، والحروف الثلاثة مجهورة ، والتاء مهموسة ؛ فقلبت التاء دالا ؛ لأن الدال مناسبة للذال والزاى فى الجهر ، وللتاء فى المخرج ؛ فتوسط بين التاء وبينهما ، وإنما أدغمت الذال فى الدال دون الزاى لقرب مخرجها من مخرج الدال وبعد مخرج الزاى منها

قوله «وادّكر» قلب التاء دالا بعد الذال المعجمة لازم ، وبعد القلب الإدغام أكثر من تركه ، فإن أدغمت فإما أن تقلب الأولى إلى الثانية ، أو بالعكس ، كما يجىء فى باب الإدغام

__________________

(١) حصط : أصلها حصت ، فأبدلت تاء الضمير طاء ، وتقول : حاص عن الشىء يحيص حيصا وحيصة وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا ؛ إذا حاد عنه وعدل.

(٢) أصل أحط : أحطت ، فأبدلت تاء الضمير طاء ، ثم أدغمت الطاء فى الطاء ، وتقول : أحاط بالشىء يحيط به إحاطة ؛ إذا أحدق به كله من جوانبه ، وكل من أحرز الشىء كمله وبلغ علمه أقصاه فقد أحاط به

(٣) أصل حفط : حفظت ، فأبدلت التاء طاء ، ثم أبدلت الظاء المعجمة طاء مهملة ، ثم أدغمت الطاء فى الطاء

٢٢٧

قوله «وشاذ فى فزد» حاله كحال فحصط ، وقد ذكرناه ، وكذا شذّ قلبه بعد الدال ، نحو جدد فى جدت ، وقد شذ قلب تاء الافتعال بعد الجيم ؛ لأن الجيم وإن كانت مجهورة والتاء مهموسة إلا أنها أقرب إلى التاء من الزاى والذال ؛ فيسهل النطق بالتاء بعد الجيم ، ويصعب بعد الزاى والذال ، قال :

١٨١ ـ فقلت لصاحبى لا تحبسانا

بنزع أصوله واجدزّ شيحا (١)

ولا يقاس على المسموع منه ؛ فلا يقال اجدرأ (٢) واجدرح (٣) ، والدولج :

__________________

(١) هذا البيت من الوافر ، وهو من كلمة لمضرس بن ربعى الفقعسى ، وأولها قوله :

وضيف جاءنا واللّيل داج

وريح القرّ تحفز منه روحا

وقوله «والليل داج» معناه مظلم ، والقر ـ بالضم ـ : البرد ، وتحفز : تدفع ، وقوله «فقلت لصاحبى الخ» خاطب الواحد بخطاب الاثنين فى قوله «لا تحبسانا» ثم عاد إلى الافراد فى قوله «واجدز شيحا» وليس هذا بأبعد من قول سويد ابن كراع العكلى :

فإن تزجرانى يا ابن عفّان انزجر

وإن تدعانى أحم عرضا ممنّعا

ويروى فى بيت الشاهد :

*فقلت لحاطبى لا تحبسنّى*

والكلام على هذه الرواية جار على مهيع واحد. والمعنى لا تؤخرنا عن شى اللحم بتشاغلك بنزع أصول الحطب ، بل اكتف بقطع ما فوق وجه الأرض منه ، والاستشهاد بالبيت فى قوله «واجدز» وهو افتعل من الجز ، وأصله اجتز ، وبه يروى ، فأبدل التاء دالا إبدالا غير قياسى

(٢) اجدرأ : هو افتعل من الجرأة التى هى الاقدام على الشىء ، وأصله اجترأ فأبدل التاء دالا

(٣) اجدرح : هو افتعل من الجرح ، وأصله اجترح ؛ فأبدل التاء دالا ،

٢٢٨

الكناس ، من الولوج ، قلبت الواو تاء ، ثم قلبت التاء دالا ، وذلك لأن التولج أكثر استعمالا من دولج ، وقلبت التاء دالا فى ازدجر واجد مع لتناسب الصوت ، كما فى صويق ، بخلاف دولج.

قوله : «والجيم من الياء المشدّدة فى الوقف ، فى نحو فقيمجّ ، وهو شاذّ ومن غير المشدّدة فى نحو *لا همّ إن كنت قبلت حجّتج* أشذ ، ومن الياء المفتوحة فى نحو قوله *حتّى إذا ما أمسجت وأمسجا* أشذّ»

الجيم والياء أختان فى الجهر ، إلا أن الجيم شديدة ، فإذا شدّدت الياء صارت قريبة غاية القرب منها ، وهما من وسط اللسان ، والجيم أبين فى الوقف من الياء ، فطلب البيان فى الوقف ؛ إذ عنده يخفى الحرف الموقوف عليه ، ولهذا يقال فى حبلى ـ بالياء ـ : حبلو بالواو ـ وقد تقلب الياء المشددة لا للوقف جيما ، قال :

١٨٢ ـ كأنّ فى أذنابهنّ الشّوّل

من عبس الصّيف قرون الإجّل (١)

__________________

ومن هذا تقول : جرح فلان الاثم واجترحه ؛ إذا كسبه ؛ قال تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)

(١) هذا الشاهد بيتان من مشطور الرجز من أرجوزة طويلة لأبى النجم العجلى أولها :

الحمد لله العلىّ الأجلل

الواسع الفضل الوهوب المجزل

والضمير فى أذنابهن عائد للابل ، والشول : جمع شائل ، وتقول : شالت الناقة بذنبها تشول ؛ إذا رفعته للقاح وقد انقطع لبنها ، والعبس ـ بفتحتين ـ : ما يعلق بأذناب الابل من أبعارها وأبوالها فيجف عليها ، وأضافه إلى الصيف ؛ لأنه يكون فى ذلك الوقت أجف وأيبس ، والأجل ـ بكسر الهمزة وضمها مع تشديد الجيم مفتوحة ـ : الوعل ، وهو تيس الجبل. شبه ما يعلق بأذناب النوق فى زمن الصيف بقرون التيس الجبلى فى صلابته ويبسه ، والاستشهاد بالبيت فى قوله «الأجل» حيث أبدل الياء المشددة جيما فى غير الوقف

٢٢٩

وقد جاء فى المخففة فى الوقف ، لكنه أقل من المشددة ، وذلك أيضا لبيان الياء فى الوقف ، وقد جاء من الياء المخففة فى غير الوقف ، قال :

١٨٣ ـ *حتى إذا ما أمسجت وأمسجا (١)*

أى : أمسيت وأمسى ، فلما أبدلت الياء جيما لم ينقلب ألفا ، ولم يسقط للساكنين ، كالياء فى أمست وأمسى ، وفى قوله «فى الياء المخففة أشذ» دلالة على أن ذلك فى المشددة شاذ ، وإنما كان فى المخففة أقل لأن الجيم أنسب بالياء المشددة ، كما قلنا ، وإنما كان فى نحو أمسجت أشذّ لأن الأصل أن يبدل في الوقف لبيان الياء ، والياء فى مثله ليس بموقوف عليه.

قال : «والصّاد من السّين الّتى بعدها غين أو خاء أو قاف أو طاء جوازا ، نحو أصبغ ، وصلخ ، ومسّ صقر ، وصراط»

أقول : اعلم أن هذه الحروف مجهورة مستعلية ، والسين مهموس مستفل ؛ فكرهوا الخروج منه إلى هذه الحروف ؛ لثقله ، فأبداوا من السين صادا ، لأنها توافق السين فى الهمس والصفير ، وتوافق هذه الحروف فى الاستعلاء ؛ فتجانس الصوت بعد القلب ، وهذا العمل شبيه بالإمالة فى تقريب الصوت بعضه من بعض ، فإن تأخرت السين عن هذه الحروف لم يسغ فيها من الإبدال ما ساغ وهى متقدمة ؛ لأنها إذا تأخرت كان المتكلم منحدرا بالصوت من عال ، ولا يثقل ذلك ثقل التصعّد من منخفض ، فلا تقول فى قست : قصت ، وهذه الحروف تجوّز القلب : متصلة بالسين كانت كصقر ، أو منفصلة بحرف نحو صلخ ، أو بحرفين أو ثلاثة

__________________

(١) هذا بيت من الرجز المشطور لم نعثر له على نسبة إلى قائل ولا على سابق أو لاحق ، ونسبه بعض العلماء إلى العجاج ، وقد اختلفوا فى الضمير فى قوله «أمسجت وأمسجا» فقيل : هما عائدان إلى أتان وعير ، وقيل : هما عائدان إلى نعامة وظليم ، والاستشهاد فى قوله «أمسجت وأمسجا» حيث أبدل الياء المخففة جيما فى غير الوقف ، قال فى اللسان : «أبدل مكان الياء حرفا جلدا شبيها بها ، لتصح له القافية والوزن» ا ه

٢٣٠

نحو صملق (١) وصراط ، وصماليق (٢) ، وهذا القلب قياس ، لكنه غير واجب ، ولا يجوز قلب السين فى مثلها زايا خالصة ، إلا فيما سمع نحو الزّراط ، وذلك لأن الطاء تشابه الدال

قوله : «والزّاى من السّين والصّاد الواقعتين قبل الدّال ساكنتين ، نحو يزدل ، وهكذا فزدى أنه»

السين حرف مهموس ، والدال مجهور ؛ فكرهوا الخروج من حرف إلى حرف ينافيه ، ولا سيما إذا كانت الأولى ساكنة ؛ لأن الحركة بعد الحرف ، وهى جزء حرف لين حائل بين الحرفين ؛ فقربوا السين من الدال ؛ بأن قلبوها زايا ، لأن الزاى من مخرج السين ومثلها فى الصفير ، وتوافق الدال فى الجهر ؛ فيتجانس الصوتان ، ولا يجوز ههنا أن تشرب السين صوت الزاى ، كما يفعل ذلك فى الصاد ، نحو يصدر ، لأن فى الصاد إطباقا ، فضارعوا لئلا يذهب الإطباق بالقلب ، وليست السين كذلك ، ويجوز فى الصاد الساكنة الواقعة قبل الدال قلبها زايا صريحة وإشرابها صوت الزاى ، أما الإبدال فلأن الصاد مطبقة مهموسة رخوة وقد جاورت الدال بلا حائل من حركة وغيرها ، والدال مجهورة شديدة غير مطبقة ، ولم يبدلوا الدال كما فى تاء افتعل نحو اصطبر لأنها ليست بزائدة كالتاء ، فتكون أولى بالتغيير ؛ فغيروا الأولى لضعفها بالسكون ، بأن قرّبوها من الدال ، بأن قلبوها زايا خالصة ، فتناسبت الأصوات ، لأن الزاى

__________________

(١) الصملق : السملق ، وهو الأرض المستوية ، وقيل : القفر الذى لا نبات فيه ، والقاع المستوى الأملس ؛ قال جميل :

ألم تسل الرّبع القديم فينطق

وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق

(٢) الصماليق : السماليق ، قال فى اللسان : «وحكى سيبويه صماليق ، قال ابن سيده : ولا أدرى ما كسر إلا أن يكونوا قد قالوا : صملقة ، فى هذا المعنى ، فعوض من الهاء ، كما حكى مواعيظ» ا ه

٢٣١

من مخرج الصاد وأختها فى الصفير ، وهى تناسب الدال فى الجهر وعدم الإطباق ، ومن ضارع : أى نحى بالصاد نحو الزاى ، ولم يقلبها زايا خالصة ، فللمحافظة على فضيلة الاطباق ، كما ذكرنا.

قوله «فزدى أنه» قول حاتم الطائى لما وقع فى أسرقوم فغزا رجالهم وبقى مع النسوة فأمرنه بالفصد فنحر ، وقال : هكذا فزدى (١) أنه ، وأنه تأكيد للياء

قال : «وقد ضورع بالصّاد الزّاى دونها وضورع بها متحرّكة أيضا ، نحو صدر وصدق ، والبيان أكثر فيهما ، ونحو مسّ زقر كلبيّة ، وأجدر وأشدق بالمضارعة قليل»

أقول : قوله «ضورع بالصاد الزاى» أى : جعل الصاد مضارعا للراى ، بأن ينحى بالصاد نحو الزاى ، فقولك «ضارع» كان يتعدى إلى المشابه ـ بفتح الباء ـ بنفسه ، فجعل متعديا إلى المشابه ـ بكسر الباء ـ بحرف الجر

قوله «دونها» أى : دون السين : أى لم تشمّ السين صوت الزاى ، بل قلبت زايا صريحة ، لما ذكرنا من أنه لا إطباق فيه حتى يحافظ عليه

قوله «وضورع بها» أى : بالصاد الزاى متحركة أيضا : أى إذا تحركت الصاد وبعدها دال أشمّ الصاد صوت الزاى ، ولا يجوز قلبها زايا صريحة ، لوقوع الحركة فاصلة بينهما ، وأيضا فإن الحرف يقوى بالحركة ، فلم يقلب ، فلم يبق إلا المضارعة للمجاورة ، والاشمام فيها أقل منه فى الساكنة ، إذ هى محمولة فيه على الساكنة التى إنما غيرت لضعفها بالسكون ، فإن فصل بينهما أكثر من حركة كالحرف والحرفين لم تستمر المضارعة ، بل يقتصر على ما سمع من العرب ، كلفظ الصاد والمصادر والصراط ، لأن الطاء كالدال

قوله «والبيان أكثر فيهما» أى : فى السين الساكنة الواقعة قبل الدال ،

__________________

(١) انظر (ح ٢ ص ٢٩٤ ، ٢٩٥) و (ح ١ ص ٤٣)

٢٣٢

والصاد الواقعة قبلها : سكنت الدال أو تحركت ، ولو روى «منهما» لكان المعنى من المضارعة والقلب ؛ ويعنى بالبيان الإتيان بالصاد والسين صريحين بلا قلب ولا إشراب صوت ؛ ففى الصاد الساكنة قبل الدال البيان أكثر ، ثم المضارعة ، ثم قلبها زايا

قوله «ومسّ زقر كلبيّة» أى : قبيلة كلب تقلب السين الواقعة قبل القاف زايا ، كما يقلبها غيرهم صادا ، وذلك لأنه لما تباين السين والقاف لكون السين مهموسة والقاف مجهورة أبدلوها زايا ، لمناسبة الزاى للسين فى المخرج والصفير ، وللقاف فى الجهر

قوله «وأجدر وأشدق (١)» يعنى إشراب الجيم والشين المعجمتين الواقعتين قبل الدال صوت الزاى قليل ، وهذا خلاف ما قاله سيبويه ، فإنه قال فى إشراب مثل هذا الشين صوت الزاى : «إن البيان أكثر وأعرف ، وهذا عربى كثير» وإنما بضارع بالشين الزاى إذا كانت ساكنة قبل الدال ؛ لأنها تشابه الصاد والسين اللّذين يقلبان إلى الزاى ، وذلك بكونها مهموسة رخوة مثلهما ، وإذا أجريت فى الشين الصوت رأيت ذلك بين طرف لسانك وأعلى الثّنيّتين موضع الصاد والسين ، ثم إن الجيم حملت على الشين وإن لم يكن فى الجيم من مشابهة الصاد والسين مثل ما بينهما وبين الشين ، وذلك لأن الجيم من مخرج الشين ؛ فعمل بها ما عمل بالشين ، ولا يجوز أن يجعل الشين والجيم زايا خالصة كالصاد والسين ؛ لأنهما ليستا من مخرجهما

قال : «الإدغام : أن تأتى بحرفين ساكن فمتحرّك من مخرج واحد

__________________

(١) الأشدق : الواسع الشدق ، وهو جانب الفم ، ويقال : رجل أشدق ؛ إذا كان متفوها ذابيان ، وقد قالوا لعمر بن سعيد : الأشدق ؛ لأنه كان أحد خطباء العرب.

٢٣٣

من غير فصل ، ويكون فى المثلين والمتقاربين ؛ فالمثلان واجب عند سكون الأوّل إلّا فى الهمزتين إلّا فى نحو السّأاّل والدّأّاث ، وإلّا فى الألفين لتعذّره ، وإلّا فى نحو قوول للإلباس وفى نحو تووى ورييا ـ على المختار ـ إذا خفّفت ، وفى نحو قالوا وما ، وفى يوم ، وعند تحرّكهما فى كلمة ولا إلحاق ولا لبس نحو ردّ يردّ ، إلّا فى نحو حيى فإنّه جائز ، وإلّا فى نحو اقتتل وتتنزّل وتتباعد ، وسيأتى ، وتنقل حركته إن كان قبله ساكن غير لين نحو يردّ ، وسكون الوقف كالحركة ، ونحو مكّننى ويمكّننى ومناسككم وما سلككم من باب كلمتين ، وممتنع فى الهمزة على الاكثر وفى الألف وعند سكون الثّانى لغير الوقف نحو ظللت ورسول الحسن ، وتميم تدغم فى نحو ردّ ولم يردّ ، وعند الإلحاق واللّبس بزنة أخرى نحو قردد وسرر ، وعند ساكن صحيح قبلهما فى كلمتين نحو قرم مالك ، وحمل قول القرّاء على الإخفاء ، وجائز فيما سوى ذلك»

أقول : قوله «الإدغام أن تأتى بحرفين ساكن فمتحرك» يعنى أن المتحرك يكون بعد الساكن (١) ، وإلا فليس بدّ من الفصل : أى فك أحد الحرفين من الآخر ؛ لأن الحركة بعد الحرف

قوله «من غير فصل» أى : فكّ ، احتراز عن نحو رييا (٢) فإنك تأتى

__________________

(١) يريد أن الادغام لا يكون إلا مع سكون الأول ؛ لأنه لو كان متحركا والحركة بعد الحرف فلا يتأتى النطق بالحرفين دفعة واحدة ؛ لأن الحركة فاصلة بينهما ، ولا يكفى أيضا فى تحقق الادغام سكون الأول وتحرك الثانى ، بل لا بد مع ذلك من وصل الحرفين فى النطق لئلا تسكت بعد نطقك بالحرف الأول ، ولذا قال ابن الحاجب : «الادغام أن تأتى بحرفين ساكن فمتحرك من مخرج واحد من غير فصل»

(٢) انظر (ح ١ ص ٢٨)

٢٣٤

بياء ساكنة فياء متحركة ، وهما من مخرج واحد ، وليس بإدغام ؛ لأنك فككت إحداهما عن الأخرى ، وإنما الإدغام وصل حرف ساكن بحرف مثله متحرك بلا سكتة على الأول ، بحيث يعتمد بهما على المخرج اعتمادة واحدة قوية ، ولا يحترز به عن الحرف الفاصل أو الحركة الفاصلة بين المثلين ؛ لخروجه بقوله «ساكن فمتحرك»

والادغام فى اللغة : إدخال الشىء فى الشىء ، يقال : أدغمت اللجام فى فم الدابة : أى أدخلته فيه ، وليس إدغام الحرف فى الحرف إدخاله فيه على الحقيقة ، بل هو إيصاله به من غير أن يفك بينهما

قوله «فى المتماثلين والمتقاربين» لا يمكن إدغام المتقاربين إلا بعد جعلهما متماثلين ؛ لأن الإدغام إخراج الحرفين من مخرج واحد دفعة واحدة باعتماد تام ، ولا يمكن إخراج المتقاربين من مخرج واحد ؛ لأن لكل حرف مخرجا على حدة ، والذى أرى أنه ليس الإدغام الاتيان بحرفين ، بل هو الإتيان بحرف واحد مع اعتماد على مخرجه قوىّ : سواء كان ذلك الحرف متحركا نحو يمدّ زيد ، أو ساكنا نحو يمدّ ، وقفا ، فعلى هذا ليس قوله «ساكن فمتحرك» أيضا بوجه ، لأنه يجوز تسكين المدغم فيه اتفاقا : إما لأنه يجوز فى الوقف الجمع بين الساكنين عند من قال هما حرفان ، وإما لأنه حرف واحد على ما اخترنا ، وإن كان كالحرفين الساكنين أولهما من حيث الاعتماد التام ، وقوله «ساكن فمتحرك» وقوله «من غير فصل» كالمتناقضين ؛ لأنه لا يمكن مجىء حرفين أحدهما عقيب الآخر إلا مع الفك بينهما ، وإن لم تفكّ بينهما فليس أحدهما عقيب الآخر

قوله «فالمثلان واجب عند سكون الأول» جعل الادغام ثلاثة أقسام : واجبا ، وممتنعا ، وجائزا ، فذكر الواجب والممتنع ، وما بقى فجائز ، فالواجب من

٢٣٥

قوله «واجب» إلى قوله «من باب كلمتين» والممتنع من قوله «وممتنع» إلى قوله «على الاخفاء»

قوله «عند سكون الأول» أى يجب الإدغام إذا سكن أول المثلين : كانا فى كلمة كالشدّ والمدّ ، أو فى كلمتين متصلتين نحو اسمع علما

قوله «إلا فى الهمزتين» ليس الإطلاق بوجه ، بل الوجه أن يقال : الهمز الساكن الذى بعده همز متحرك : إما أن يكونا فى كلمة ، أو فى كلمتين ، فإن كانا فى كلمة أدغم الأول إذا كانا فى صيغة موضوعة على التضعيف ، كما ذكرنا فى تخفيف الهمزة (١) ، وفى غير ذلك لا يدغم ، نحو قرأى على وزن قمطر [من قرأ] وإن كانا فى كلمتين نحو اقرأ آية ، وأقرىء أباك ، وليقرأ أبوك ؛ فعند أكثر العرب على ما ذهب إليه يونس والخليل يجب تخفيف الهمزة ، فلا يلتقى همزتان ، وزعموا أن ابن أبى إسحاق كان يحقق الهمزتين ، وأناس معه ، قال سيبويه : وهى رديئة ، وقال : فيجب الإدغام فى قول هؤلاء مع سكون الأولى ، ويجوز ذلك إذا تحركتا نحو قرأ أبوك ، قال السيرافى : توهم بعض القراء أن سيبويه أنكر إدغام الهمزة ، وليس الأمر على ما توهموا ، بل إنما أنكره على على مذهب من يخفف الهمزة ، كما هو المختار عنده ، وقد بين سيبويه ذلك بقوله :

ويجوز الادغام فى قول هؤلاء (٢) ، يعنى على تلك اللغة الرديئة

قوله : «الدأاّث» (٣) اسم واد ، أورده الصّغانى مخفف الهمز على وزن كلام وسلام.

__________________

(١) انظر (ص ٣٣ وما بعدها من هذا الجزء)

(٢) فى أصول هذا الكتاب «ويجب الادغام ... الخ» وهو تحريف ، وما أثبتناه عن كتاب سيبويه (ح ٢ ص ٤١٠) وهو الصواب

(٣) ذكره ياقوت بتشديد ثانيه مفتوحا ، وهو ما ذكره ابن الحاجب ، وقد ذكر أيضا أنه اسم موضع ، ويصح أن تكون الدأاث صيغة مبالغة من دأث الطعام يدأثه ـ كفتح ـ إذا أكله

٢٣٦

قوله : «وإلا فى الألف» لما قال : «واجب عند سكون الأول» ولم يقل : مع تحرك الثانى ، أوهم أن الألف يدغم فى مثله ؛ لأنه قد يلتقى ألفان ، وذلك إذا وقفت على نحو السماء ، والبناء ، بالإسكان كما مر فى تخفيف الهمزة (١) فإنك تجمع فيه بين ألفين ، ولا يجوز الإدغام ؛ لأن الإدغام اتّصال الحرف الساكن بالمتحرك ، كما مر ، والألف لا يكون متحركا ، والحق أنه لم يحتج إلى هذا الاستثناء ؛ لأنه ذكر فى حد الإدغام أنه الإتيان بحرفين : ساكن فمتحرك ، والألف لا يكون متحركا.

قوله : «وإلا فى نحو قوول» اعلم أن الواو والياء الساكنين إذا وليهما مثلهما متحركا ، فلا يخلو من أن يكون الواو والياء مدتين ، أولا ؛ فإن لم يكونا مدتين وجب إدغام أولهما فى الثانى : فى كلمة كانا كقوّل وسيّر ، أو فى كلمتين نحو (تولّوا واستغنى الله) واخشي ياسرا ، وإن كانا مدتين : فإما أن يكون أصلهما حرفا آخر قلب إليهما ، أولا ، فإن لم يكن فان كانا فى كلمة وجب الإدغام ، سواء كان أصل الثانى حرفا آخر ، كمقروّ وبرىّ وعلىّ ، أولا ، كمغزوّ ومرمىّ ، وإنما وجب الإدغام فى الأول : أعنى مقروّا وبريّا وعليّا ـ وإن لم يكن القلب فى الثانى واجبا ـ لأن الغرض من قلب الثانى إلى الأول فى مثله طلب التخفيف بالإدغام ، فلو لم يدغموا لكان نقضا للغرض ، ووجب الإدغام فى الثانى : أعنى نحو مغزوّ ومرمىّ ؛ لأن مدة الواو والياء الأوّلين لم تثبت فى اللفظ قط ، فلم يكن إدغامهما يزيل عنهما شيئا وجب لهما ، بل لم يقع الكلمتان فى أول الوضع إلا مع إدغام الواو والياء فى مثلهما ، وإن كانا فى كلمتين ؛ نحو قالوا وما ، وفى يوم ، وظلموا واقدا ، واظلمى ياسرا ، لم يجز الإدغام ؛ لأنه يثبت للواو والياء إذن فى الكلمتين مد ، وإدغامهما فيما عرض انضمامه إليهما من الواو والياء فى أول الكلمتين مزيل

__________________

(١) انظر (ص ٤٣ وما بعدها من هذا الجزء)

٢٣٧

لفضيلة المد التى ثبتت لهما قبل انضمام الكلمة الثانية إلى الأولى ، وإن كان أصل الواو والياء حرفا آخر قلب إلى الواو والياء ؛ فإن كان القلب لأجل الإدغام وجب الإدغام نحو مرمىّ ، وأصله مرموى ؛ لئلا يبطل الغرض من القلب ، فإن لم يكن القلب لأجل الإدغام فإن كان لازما نظر ؛ فان كانت الكلمة التى فيها المثلان وزنا قياسيا يلتبس بسبب الإدغام بوزن آخر قياسى لم يدغم ، نحو قوول فإنه فعل ما لم يسم فاعله لفاعل قياسا ، ولو أدغم الواو فيه فى الواو لالتبس بفعّل الذى هو فعل ما لم يسم فاعله قياسا لفعّل ، وإن لم يلزم التباس وزن قياسى بوزن قياسى أدغم نحو إيّنة على وزن إفعلة من الأين ، وأوّل على وزن أبلم (١) من الأول ، وذلك لأن القلب لما كان لازما صار الواو والياء كالأصليتين ، والالتباس فى مثله وإن وقع فى بعض الصور لا يبالى به ؛ لأن الوزن ليس بقياسى ، فيستمر اللبس ، وإن لم يكن القلب لازما نحو رييا وتووى فالأصل الاظهار ؛ لأن الواو والياء عارضان غير لازمين كما فى بير وسوت ، فهما كالهمزتين ، والهمز لا يدغم فى الواو والياء ما دام همزا ، وأجاز بعضهم الإدغام نظرا إلى ظاهر اجتماع المثلين ، وعليه قولهم : ريّا وريّة ، فى رؤيا ورؤية ، وعند سيبويه والخليل أن سوير وقوول لم يدغما لكون الواوين عارضين ، وقول المصنف أولى ، وهو أنهما لم يدغما لخوف الالتباس ؛ لأن العارض إذا كان لازما فهو كالأصلى ، ومن ثم يدغم إيّنة وأوّل مع عروض الواو والياء.

قوله «وعند تحركهما» عطف على قوله «عند سكون الأول» : أى يجب الإدغام إذا تحرك المثلان فى كلمة

اعلم أنهم يستثقلون التضعيف غاية الاستثقال إذ على اللسان كلفة شديدة فى الرجوع إلى المخرج بعد انتقاله عنه ، ولهذا الثقل لم يصوغوا من الأسماء ولا الأفعال

__________________

(١) الأبلم ـ بضمتين بينهما ساكن ـ هو الخوص (انظر ج ١ ص ٥٦)

٢٣٨

رباعيا أو خماسيا فيه حرفان أصليان متماثلان متصلان ؛ لثقل البناءين ، وثقل التقاء المثلين ، ولا سيما مع أصالتهما ، فلا ترى رباعيا من الأسماء والأفعال ولا خماسيا من الأسماء فيه حرفان كذلك إلا وأحدهما زائد : إما للالحاق أو لغيره ، كما مر فى ذى الزيادة ، (١) ولم يبنوا ثلاثيا فاؤه وعينه متماثلان إلا نادرا نحوددن (٢) وببر (٣) بل إنما ضعفوا حيث يمكنهم الإدغام ، وذلك بتماثل العين واللام ؛ إذ الفاء لو أدغم فى العين وجب إسكانه ، ولا يبتدأ بالساكن ، وليس فى الأسماء التى لا توازن الأفعال ذو زيادة فى أوله أو وسطه مثلان متحركان ؛ إذ لا موجب فى مثله للادغام ؛ لأن الادغام إنما يكون فى الاسم مع تحرك الحرفين إذا شابه الفعل الثقيل وزنا كما يجىء ، وإلا بقى المتماثلان بلا إدغام ، فتصير الكلمة ثقيلة بترك إدغام المثلين ، وبكونها مزيدا فيها ؛ فلم يبن من الأسماء المزيد فيها غير الموازنة للفعل ما يؤدى إلى مثل هذا الثقل ؛ بل يجىء فيما زيد فيه من الأفعال والأسماء الموازنة لها ما فى أوله أو وسطه مثلان مقترنان ، وذلك لكثرة التصرف فى الفعل قياسا ؛ فربما اتفق فيه بسببه مثل ذلك ، فنقول : لا يخلو مثله من أن يكون من ذى زيادة الثلاثى أو من ذى زيادة الرباعى ، فمن ذى زيادة الثلاثى بابان يتفق فى أولهما مثلان متحركان ، نحو تترّس (٤) وتتارك (٥) وباب يتفق فى وسطه مثلان متحركان نحو اقتتل ، ومن ذى زيادة الرباعى باب يتفق فى أوله ذلك نحو تتدحرج ، فأما ذو زيادة الرباعى فلا يخفف بالادغام ؛

__________________

(١) ذكره فى الجزء الأول (ص ٦١ وما بعدها)

(٢) الددن : اللهو واللعب. انظر (ح ١ ص ٣٤)

(٣) الببر : حيوان شبيه بالنمر. انظر (ح ١ ص ٣٤ ، ح ٢ ص ٣٦٧) وفى بعض النسخ يين ، وهو اسم واد. وانظر (ح ٢ ص ٣٦٨)

(٤) يقال : تترس الرجل ؛ إذا لبس الترس يتستر به ، ويقال : تترس القوم بالقوم ؛ إذا جعلوهم أمامهم يتقون بهم العدو

(٥) يقال : تتارك الرجلان الأمر ؛ إذا تركه كل واحد منهما لصاحبه

٢٣٩

إذ لو أدغمت لاحتجت إلى همزة الوصل فيؤدى إلى الثقل عند القصد إلى التخفيف ، بل الأولى إبقاؤهما ، ويجوز حذف أحدهما ، كما يجىء ، وأما ذو زيادة الثلاثى : فإن كان المثلان فى أوله فاما أن يكون ماضيا كتترّس وتتارك ، أو مضارعا كتتنزّل وتتثاقل ؛ فالأولى فى الماضى الإظهار ، ويجوز الادغام مع اجتلاب همزة الوصل فى الابتداء ، وكذا إذا كان فاء تفعّل وتفاعل مقاربا للتاء فى المخرج نحو اطّيّر واثّاقل على ما يجىء ، فاذا أدغمت فى الماضى أدغمت فى المضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل والمفعول وكل اسم أو فعل هو من متصرفاته ، نحو يتّرّس ، ومتّرّس ، ويتّارك ، ومتّارك ، ويطّيّر ، ويثّاقل ومطّيّر ومثّاقل ، وإن كان مضارعا جاز الاظهار والحذف والادغام نحو تتنزّل وتنزّل ، وإذا أدغم لم يجتلب له همزة الوصل كما فى الماضى ؛ لثقل المضارع ، بخلاف الماضى ، بل لا يدغم إلا فى الدرج ليكتفى بحركة ما قبله ، نحو قال تّنزّل ، وإن كان المثلان فى وسط ذى الزيادة الثلاثى فلك الإظهار والإدغام نحو اقتتل وقتّل كما يجىء

هذا ، وإنما جاز الإدغام فى مصادر الأبواب المذكورة وإن لم توازن الفعل لشدة مشابهتها لأفعالها ، كما ذكرنا فى تعليل قلب نحو إقامة واستقامة (١)

هذا حكم اجتماع المثلين فى أول الكلمة وفى وسطها ، وأما إن كان المثلان فى آخر الكلمة وهو الكثير الشائع فى كلامهم ومما يجىء فى الثلاثى وفى المزيد فيه فى الأسماء وفى الأفعال فهو على ثلاثة أقسام : إما أن يتحركا ، أو يسكن أولهما ، أو يسكن ثانيهما ، فان تحركا : فان كان أولهما مدغما فيه امتنع الإدغام ، نحو ردّد ؛ لأنهم لو أدغموا الثانى فى الثالث فلا بد من نقل حركته إلى الأول ، فيبقى رددّ ، ولا يجوز ؛ إذ التغيير إذن لا يخرجه إلى حال أخف من الأولى ، وكذا إن كان التضعيف للالحاق امتنع الادغام : فى الاسم كان كقردد (٢) ، أو

__________________

(١) انظر (ص ١٠٨ من هذا الجزء)

(٢) القردد : ما ارتفع من الأرض ، واسم جبل ، وانظر (ح ١ ص ١٣)

٢٤٠