شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

وجاء الراء بدلا من اللام شاذا ، كقولهم فى الدّرع : نثرة (١) ونثلة (٢) وذلك لأنهم قالوا : نثل عليه درعه ، ولم يقولوا : نثرها ، فاللام أعم تصرفا ، فهى الأصل ، والفاء تكون بدلا من الثاء ، حكى أبو على عن يعقوب : قام زيد فمّ عمرو ، وقالوا : جدث وجدف (٣) والفاء بدل ، لقولهم : أجداث ، ولم يقولوا :

أجداف ، وجاء الكاف بدلا عن القاف ، يقال : عربى كحّ (٤) وقحّ وجاء فى

__________________

أبان بن الوليد البجلى ، وقد رجعنا إلى ديوانه فوجدنا هذه القصيدة ، وأولها

إنّى على جنابة التّنحّى

وعضّ ذاك المغرم الملحّ

لا أبتغى سيب اللّئيم القحّ

قد كان من نحنحة وأحّ

*يحكى سعال الشّرق الأبحّ*

ولكنا لم نجد بيت الشاهد فى هذه القصيدة ، ووجدناه فى زيادات الديوان من أبيات هكذا :

فابتكرت عاذلة لا تلحى

قالت ولم تلح وكانت تلحى

عليك سيب الخلفاء البجح

غمر الأجارىّ كريم السّنح

أبلج لم يولد بنجم الشّحّ

بكلّ خشباء وكلّ سفح

والغمر ـ بفتح فسكون ـ : الماء الكثير الساتر ، والأجارى : جمع إجريا ـ بكسر الهمزة والراء بينهما جيم ساكنة وبعد الراء ياء مشددة ـ وهو ضرب من الجرى ، والسنح ـ بكسر فسكون ـ : الأصل ، وأصله السنخ ـ بالخاء ـ فأبدل منها حاء مهملة. وهو محل الاستشهاد بالبيت ، والشح : البخل

(١) النثرة : الدرع السلسلة الملبس ، أو الواسعة ، ومثلها النثلة : الراء بدل من اللام ، قالوا : نثل الدرع ينثلها ـ من باب ضرب ـ إذا ألقاها عنه ، ولم يقولوا : نثرها.

(٢) الجدث : القبر ، وجمعه أجدث وأجداث ، وقالوا فيه : جدف ، فأبدلوا من الثاء فاء ، كما قالوا : فوم فى ثوم

(٣) الكح : هو القح ـ بالقاف ـ وهو الخالص من كل شىء ، يقولون : لئيم قح ؛ إذا كان معرقا فى اللؤم ، وأعرابى قح ، إذا لم يدخل الأمصار ولم يختلط بأهلها.

٢٠١

الجمع أقحاح ، ولم يقولوا : أكحاح ، وجاء الكاف بدلا من التاء ، قال :

١٥٩ ـ يا ابن الزّبير طالما عصيكا

وطالما عنّيتنا إليكا

*لنضربن بسيفنا قفيكا (١)*

ويجوز أن يكون وضع الضمير المنصوب مقام المرفوع ، وتكون العين فى تميم بدلا من الهمزة فى أن وهى عنعنة تميم ، قال :

__________________

(١) هذا البيت من الرجز المشطور ، أنشده أبو زيد فى نوادره ، ونسبه لراجز من حمير ولم يعينه ، وأنشده صاحب اللسان غير منسوب إلى أحد ، وابن الزبير : أراد به عبد الله بن الزبير بن العوام حوارى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، و «عصيكا» أراد به عصيت ، و «عنيتنا» من العناء وهو الجهد والمشقة ، و «قفيكا» أراد به قفاك فأبدل الألف ياء مع الأضافة إلى الكاف كما تبدلها هذيل عند الأضافة إلى ياء المتكلم ، نحو قول أبى ذؤيب

سبقوا هوىّ وأعنقوا لهواهمو

فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع

وعليها قرىء قوله تعالى (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ). والاستشهاد بالبيت فى قوله «عصيكا» وقد اختلف العلماء فى تخريجه ؛ فذهب بعضهم إلى أنه من وضع ضمير النصب موضع ضمير الرفع ، كما تراهم فعلوا ذلك فى قولهم «لولاى ولولاك ولولاه» وفى قولهم «عساك وعساه» من نحو قول رؤبة.

تقول بنتى قد أنى أناكا

يا أبتا علّك أو عساكا

وذهب أبو الفتح ابن جنى تبعا لشيخه أبى على الفارسى إلى أنه من إبدال الحرف مكان الحرف إبدالا تصريفيا ، قال ابن جنى : «أبدل الكاف من التاء لأنها أختها فى الهمس ، وكان سحيم إذا أنشد شعرا قال : أحسنك والله ، يريد أحسنت» ا ه

٢٠٢

١٦٠ ـ أعن ترسّمت من خرقاء منزلة

ماء الصّبابة من عينيك مسجوم (١)

وإنما لم يعدّ المصنف هذه الأشياء لقلتها وكونها شواذ

قوله «وزيادة السين» قالوا : السين بدل من الشين فى السّدّة والشّدّة ورجل مشدود ومسدود ، والشين أصل ، لكونها أكثر تصرفا ، وقالوا فى استخذ : إن أصله اتخذ من التخذ ، فهى بدل من التاء ، وقيل أيضا : أصلها استخذ فاذن لا حجة فيه ، وبمثله تمسّك الزمخشرى ، لا باسّمع كما قال المصنف ، وإنما لم يعدّ سين نحو اسّمع والذال والظاء فى اذّكر واظّلم فى حروف البدل لأن البدل فى هذه الأشياء ليس مقصودا بذاته ، بل لما كان السين والذال والظاء مقاربة للتاء فى المخرج وقصد الإدغام ولم يمكن فى المتقاربين إلا بجعلهما متماثلين قلبت التاء سينا وذالا وظاء ، لما سيجىء فى باب الإدغام ، فلما كان البدل لأجل الإدغام لم يعتد به.

قال : «فالهمزة تبدل من حروف اللّين والعين والهاء ؛ فمن اللّين إعلال لازم فى نحو كساء ورداء وقائل وبائع وأواصل ، وجائز فى أجوه وأورى ، وأمّا نحود أبّة وشأبّة والعألم وبأز وشئمة ومؤقد فشاذ ، وأباب بحر أشذّ ، وماء شاذ»

أقول : قوله «فى نحو كساء ورداء» ضابطه كل واو وياء متطرفتين ، أصليتين كانتا ككساء ورداء ، أولا كعلباء (٢) ورداء ، فى ترخيم رداوىّ ،

__________________

(١) هذا بيت من البسيط ، وهو مطلع قصيدة لذى الرمة غيلان بن عقبة ، وأعن : يروى فى مكانه أ أن ـ بهمزة استفهام داخلة على أن المصدرية ، ومن رواه أعن فقد أبدل الهمزة عينا ، وترسمت : تبينت ونظرت ، والأصل فيه ترسم الدار : أى تعرف رسمها. وخرقاء : لقب مية صاحبته ، والصبابة : رقة الشوق ، ومسجوم : سائل منسكب. والاستشهاد بالبيت فى «أعن» حيث أبدل الهمزة عينا

(٢) علباء : انظر (ص ١٧٧ من هذا الجزء)

٢٠٣

واقعتين بعد ألف زائدة ، فانهما تقلبان ألفين ، ثم تقلب الألف همزة ، كما تقدم.

قوله «وقائل وبائع» ضابطه كل واو وياء هى عين فاعل المعلّ فعله أو فاعل الكائن للنسب كسائف (١) ؛ لكونه كاسم الفاعل من ساف يسيف ، فإنه تقلب الواو والياء ألفا ثم تقلب الألف همزة ، كما تبين قبل.

قوله «وأواصل» ضابطه كل واوين فى أول الكلمة ليست ثانيتهما زائدة منقلبة عن حرف آخر ، نحو أواصل وأوعد من وعد على وزن جورب وأوعاد على وزن طومار (٢) فانه تقلب أولاهما همزة

قوله «أجوه وأورى» ضابطه كل واو مضمومة ضمة لازمة : فى الأول كانت ، أوفى الوسط ، والتى فى الأول سواء كانت بعدها واو زائدة منقلبة عن حرف كأورى ، أولا كأجوه ، قولنا «ضمة لازمة» احتراز عن ضمة الاعراب ، والضمة للساكنين ، وعند المازنى هذا القلب مطرد فى الواو المتصدرة المكسورة أيضا نحو إفادة وإشاح

قوله «نحو دأبّة» ذكرنا حاله فى باب التقاء الساكنين ، وكذا حال المشتئق فى قوله :

*صبرا فقد هيّجت شوق المشتئق (٣)*

فقد حرك الشاعر الألف بعد قلبها همزة للضرورة ، وحكى الفراء فى غير الضرورة رجل مئل : أى كثير المال ، وقالوا : لبّأ الرجل بالحج ، وعن العجاج أنه كان يهمز العالم والخاتم ، وليس ذلك فرارا من الساكنين ، ولكن لتقارب مخرجى الألف والهمزة ، وأنشد قوله :

__________________

(١) سائف : انظر (ص ١١٢ من هذا الجزء)

(٢) الطومار : الصحيفة ، انظر (ج ١ ص ١٩٨ ، ٢١٧)

(٣) قد مضى شرح هذا البيت فارجع إليه فى (ج ٢ ص ٢٥٠)

٢٠٤

١٦١ ـ يادار سلمى يا سلمى ثمّ اسلمى

فخندف هامة هذا العألم (١)

بالهمز ، وذلك لأن ألف عالم تأسيس لا يجوز معها إلا مثل السّاحم (٢) اللازم ، فلما قال : اسلمى همز العألم ؛ ليجرى القافية على منهاج واحد فى عدم التأسيس ، وحكى اللحيانى عنهم بأز وأصل ألفه واو ؛ بدليل أبواز ، وقالوا : الشّئمة (٣) ، أصلها الياء ، كما قالوا : قطع الله أديه : أى يديه فردوا اللام (٤)

__________________

(١) هذا الشاهد من الرجز ، وهو للعجاج ، وليس البيتان اللذان أنشدهما المؤلف متصلين فى الأرجوزة ، والأول منهما مطلعها ، وبعده :

*بسمسم أو عن يمين سمسم*

وإنما يذكر النحاة هذين البيتين معا ـ وإن لم يكونا متصلين ـ ليبينوا أن الأرجوزة مبنية من أولها على غير التأسيس. والاستشهاد به فى قوله «العألم» بالهمز ، وأصله العالم ؛ فهمزه لئلا يكون بعضها مؤسسا وبعضها غير مؤسس ، وقد همز «الخاتم» فى هذه الأرجوزة أيضا فى قوله :

عند كريم منهمو مكرّم

معلّم آى الهدى معلّم

*مبارك من أنبياء خأتم*

(٢) الساجم : اسم فاعل من قولك : سجمت الدمع : أى صببته ، ويقولون :

سجمت العين الدمع وسجمت السحابة المطر ، فالدمع والمطر مسجومان ، وربما قالوا :

دمع ساجم على النسب

(٣) الشئمة : الطبيعة ، وأصله الشيمة بالياء فهمز

(٤) قولهم «قطع الله أديه» هو بفتح الهمزة وسكون الدال ، وأصلها قطع الله يديه ، برد اللام فقلبوا الياء همزة ، قال ابن جنى فى المحتسب : «وقلبت الياء همزة فى قولهم : قطع الله أديه ، يريدون يده ؛ فردوا اللام المحذوفة ، وأعادوا العين إلى سكونها»

٢٠٥

وأبدلوا الياء الأولى همزة ، كذا قال ابن جنى ، ويقال : فى أسنانه ألل : أى يلل.

قوله «مؤقد» أنشد أبو على

١٦٢ ـ *لحبّ المؤقدين إلىّ مؤسى (١)*

بهمز واو الموقدين وموسى ، وقرىء (بالسّؤق والأعناق) مهموزا ، قيل :

وجه ذلك أن الواو لما جاورت الضمة صارت كأنها مضمومة ، والواو المضمومة تهمز ، نحو نؤور وغؤور

__________________

(١) هذا صدر بيت من الوافر ، وعجزه :

*وجعدة إذا أضاءهما الوقود*

وهو لجرير بن عطية الخطفى من قصيدة له يمدح بها هشام بن عبد الملك بن مروان ، ومطلعها قوله :

عفا النّسران بعدك والوحيد

ولا يبقى لحدّته جديد

وقبل بيت الشاهد قوله :

نظرنا نار جعدة هل نراها

أبعد غال ضوءك أم همود

قوله «لحب المؤقدين» رويت هذه العبارة على عدة أوجه : أحدها «أحب المؤقدين» على أنه أفعل تفضيل مضاف إلى جمع المذكر ، وثانيها «لحب المؤقدين» بلام الابتداء وبعدها أفعل تفضيل مضاف إلى جمع المذكر ، وأصله لأحب المؤقدين فحذفت الهمزة كما حذفها الشاعر فى قوله.

وزادنى كلفا بالحبّ أن منعت

وحبّ شىء إلي الانسان ما منعا

وكما حذفت كثيرا فى خير وشر ، وثالثها «لحب المؤقدان» باللام بعدها فعل تعجب كالذى فى قول الشاعر :

فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها

وحبّ بها مقتولة حين تقتل

وموسى وجعدة ابنا الشاعر ، والوقود : مصدر وقدت النار وقودا ، ويقال :

هو اسم لما توقد به النار (انظر ح ١ ص ١٥٩ ، ١٦٠)

٢٠٦

قوله «وأباب بحر أشذ» إنما كان أشذ إذ لم يثبت قلب العين همزة فى موضع بخلاف قلب الواو والياء والألف ؛ فانها تقلب همزة ، أنشد الأصمعى

١٦٣ ـ *أباب بحر ضاحك هزوق (١)*

الهزوق : المستغرق فى الضحك ، قال ابن جنى : أباب من أبّ إذا تهيأ ، قال :

١٦٤ ـ *وكان طوى كشحا وأبّ ليذهبا (٢)*

وذلك لأن البحر يتهيأ للموج ، قال : وإن قلت : هو بدل من العين فهو

__________________

(١) هذا البيت من بحر الرجز لم نقف على نسبته إلى من قاله ، والأباب :

قيل : هو العباب ـ كغراب ـ وهو معظم الماء وكثرته وارتفاعه ؛ وقيل : هو فعال من أب : أى تهيأ وذلك لأن البحر يتهيأ لما يزخر به ؛ فالهمزة على الأول بدل من العين ، كما أبدلها الشاعر منها فى قوله :

أرينى جوادا مات هزلا لألنى

أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا

أراد لعلنى ، وهمزة أباب على الوجه الثانى أصل ، وضاحك : كناية عن امتلاء البحر ، وزهوق : مرتفع ، ويروى هزوق» بتقديم الهاء

(٢) هذا عجز بيت للأعشى ميمون ، وصدره مع بيت سابق عليه هكذا :

فأبلغ بنى سعد بن قيس بأنّنى

عتبت فلمّا لم أجد لى معتبا

صرمت ولم أصرمكم ، وكصارم

أخ قد طوى كشحا وأبّ ليذهبا

ومن هذا تعلم أن النحاة ـ ومنهم المؤلف ـ قد غيروا فى إنشاد هذا الشاهد ، وقوله «طوى كشحا» كناية ، يقولون : طوى فلان كشحه على كذا ؛ إذا أضمره فى قلبه وستره ، ويقولون : طوى فلان كشحه ؛ إذا أعرض بوده ، وأب : تهيأ ، وبابه نصر. والاستشهاد بالبيت فى قوله «أب» بمعنى تهيأ ؛ فأنه يدل على أن الأباب فى قول الشاعر :

*أباب بحر ضاحك زهوق*

فعال وهمزته أصلية

٢٠٧

وجه ، لكنه غير قوى ، ومن قال : إنه بدل منه ؛ فلقرب مخرجيهما ، ولذا أبدل منه العين ، نحو قوله

*أعن ترسّمت من خرقاء منزلة

...... (١) البيت*

قوله «وماء شاذ» هو شاذ لكنه لازم ، وأصله موه ، قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم شبه الهاء بحرف اللين لخفائها ؛ فكأنها واو أو ياء واقعة طرفا بعد الألف الزائدة ، فقلبت ألفا ، ثم همزة ، وقالوا أيضا فى أمواه : أمواء ، لمثل هذا ، قال :

١٦٥ ـ وبلدة قالصة أمواؤها

يستنّ فى رأد الضّحى أفياؤها (٢)

قيل : آل أصله أهل ثم أأل ـ بقلب الهاء همزة ـ ثم آل ـ بقلب الهمزة ألفا ـ وذلك لأنه لم يثبت قلب الهاء ألفا وثبت قلبها همزة ، فالحمل على ما ثبت مثله أولى ، وقال الكسائى : أصله أول ؛ لأنهم يؤولون إلى أصل ، وحكى أبو عبيدة فى هل فعلت؟ : أل فعلت؟ وقيل : إن أصل ألّا فى التحضيض هلّا

قال : «والألف من أختيها والهمزة ؛ فمن أختيها لازم فى نحو قال وباع

__________________

(١) قد سبق قريبا شرح هذا الشاهد فارجع إليه فى (ص ٢٠٣ من هذا الجزء)

(٢) هذا الشاهد من الرجز المشطور ، ولم يتيسر لنا الوقوف على قائله ، وقوله «وبلدة» الواو فيه واو رب ، و «قالصة» اسم فاعل من قلص الماء فى البئر إذا ارتفع ، و «أمواؤها» جمع ماء ، و «يستن» معناه يجرى فى السنن ، وهو الطريق و «رأد الضحى» ارتفاعه ، و «أفياؤها» جمع فىء ، وهو الظل. والاستشهاد بالبيت فى قوله «أمواؤها» وللعلماء فيه وجهان : أحدهما أن أصلها أمواهها ؛ فقلب الهاء همزة ، كما قلبها فى المفرد ، والوجه الثانى أن هذه الهمزة هى الهمزة التى فى الواحد

٢٠٨

وآل على رأى ، ونحو ياجل ضعيف ، وطائىّ شاذّ لازم ، ومن الهمزة فى نحو رأس ، ومن الهاء فى آل على رأى»

أقول : قوله «قال وباع» ضابطه كل واو وياء تحركتا وانفتح ما قبلهما ، على الشروط المذكورة فى باب الإعلال ،

قوله «ونحو ياجل ضعيف» أى : وإن كان مطردا فى بعض اللغات ، كما ذكرنا فى باب الإعلال ، وضعفه لقلب الواو الساكنة المفتوح ما قبلها ألفا

قوله «وطائى شاذ» وذلك لما ذكرنا ، لكنه واجب

قوله «فى نحو رأس» مطرد لكنه غير لازم إلا عند أهل الحجاز ، وضابطه كل همزة ساكنة مفتوح ما قبلها ، وفى نحو آدم لازم

ويبدل من النون والتنوين وقفا فى نحو رأيت زيدا ولنسفعا

قال : «والياء من أختيئها ومن الهمزة ومن أحد حرفى المضاعف والنّون والعين والباء والسيّن والثّاء ، فمن أختيها لازم فى نحو ميقات وغاز وأدل وقيام وحياض ومفاتيح ومفيتيح وديم وسيّد ، وشاذّ فى نحو حبلى وصيّم وصبية وييجل ، ومن الهمزة فى نحو ذيب ، ومن الباقى مسموع كثير فى نحو أمليت وقصّيت وفى نحو أناسىّ ، وأمّا الصّفادى والثّعالى والسّادى والثّالى فضعيف»

أقول : قوله «فى نحو ميقات» ضابطه أن يسكن الواو وقبله كسرة ، وضابط نحو غاز أن يتطرف الواو وقبله كسرة ، وضابط نحو أدل أن يتطرف الواو المضموم ما قبلها على الشرط المذكور ، وضابط نحو قيام أن تكون العين واوا مكسورا ما قبلها فى مصدر أعلّ فعله ، وضابط نحو حياض أن تكون العين واوا فى جمع قد سكن عين مفرده ، وقبل الواو كسرة ، وبعده ألف ، وضابط نحو ديم أن تكون الواو عينا قبلها كسرة فى جمع ما قد قلبت عينه ، وضابط نحو سيّد أن

٢٠٩

يجتمع الواو والياء وتسكن أولاهما ، وضابط نحو أغزيت أن تقع الواو رابعة فصاعدا متطرفة مفتوحا ما قبلها على الشرط المذكور

قوله «شاذ فى نحو حبلى وصيّم» قد ذكرنا فى باب الوقف أن حبلى بالياء مطرد عند فزارة ؛ فكان الأولى أن يقول ضعيف لا شاذ ، وكذا ذكرنا أن نحو صيّم مطرد وإن كان ضعيفا ، وكذا نحو ييجل ، قال أبو على : هو قياس عند قوم وإن كان ضعيفا ، وحكم الزمخشرى بشدوذه ، وصبية وثيرة شاذّ كما ذكرنا

قوله «ومن الهمزة» هو واجب فى نحو إيت ، ومطرد غير لازم فى نحو ذيب ، وتبدل الياء مكان الواو والألف فى نحو مسلمان ومسلمون ، وفى نحو [قراطيس و (١)] قريطيس لكسر ما قبل الألف ، وكذا الألف التى بعد ياء التصغير ، نحو حميّر

قوله «كثير فى نحو أمليت وقصّيت» يعنى بنحوه ثلاثيا مزيدا فيه يجتمع فيه مثلان ولا يمكن الإدغام لسكون الثانى ، نحو أمللت ، أو ثلاثة أمثال أو لها مدغم فى الثانى ، فلا يمكن الإدغام فى الثالث ، نحو قصّيت وتقضّى البازى (٢) ؛ فيكره اجتماع الأمثال ، ولا طريق لهم إلى الإدغام فيستريحون إلى قلب الثانى ياء لزيادة الاستثقال ، وإن كان ثلاثيا مجردا لم يقلب الثانى ؛ فلا يقال فى مددت مديت ، أما قولهم «فلا وربيك» أى ربّك فشاذ ، وأبدلوا أيضا من أول حرفى التضعيف فى وزن فعّال ، إذا كان اسما ، لا مصدرا ، ياء ، نحو ديماس (٣)

__________________

(١) هذا المثال غير موجود فى كلام صاحب الشافية فى جميع النسخ التى بين أيدينا ، وإن كان من مواضع قلب الواو ياء.

(٢) تقضى البازى : مصدر تقضض ، بمعنى انقض وقد وقع ذلك فى قول العجاج :

إذا الكرام ابتدروا الباع بدر

تقضّى البازى إذا البازى كسر

(٣) الديماس ـ بكسر الدال ، وتفتح ـ : الكن ، والحمام ، وجمعوه على دماميس ودياميس

٢١٠

وديباج (١) ودينار وقيراط وشيراز ، فيمن قال : دماميس ودبابيج ودنانير وقراريط وشراريز ، وهذا الإبدال قياس ، إذ لا يجىء فعّال غير المصدر إلا وأول حرفى تضعيفه مبدل ياء ، فرقا بين الاسم والمصدر ، ولا يبدل فى المصدر نحو كذّب كذّابا ؛ فإن كان الاسم بالهاء كالصّنّارة (٢) والدّنّامة (٣) لم يبدل ؛ للأمن من الالتباس ، وأما من قال دياميس وديابيج فيجوز أن يكون لم يردهما إلى الأصل وإن زالت الكسرة للزوم الياء فى آحادهما ويجوز أن يكون آحادهما على وزن فيعال فى الأصل من غير أن يكون الياء بدلا من حرف التضعيف ، وأما قولهم شواريز بالواو فى جمع شيراز فمبنى على أن أصله شوراز ، وإن لم يكن فوعال فى كلامهم ، ويجوز أن يكون شواريز أصلها شياريز فأبدلت الياء واوا تشبيها للياء بالألف فى نحو خاتم وخواتم فيكون أصله شيراز ، وجاز اجليواذ (٤) واخريواط (٥) فى مصدر اجلوّذ واخروّط

قوله «أناسىّ» يجوز أن يكون جمع إنسىّ فلا تكون الياء بدلا من النون ، كذا قال المبرد ، وأن يكون جمع إنسان ، والأصل أناسين ، وقد

__________________

(١) الديباج ـ بكسر الدال ، وتفتح ـ : الثياب المتخذة من الابريسم ، وتجمع على دبابيج وديابيج

(٢) الصنارة ـ بكسر الصاد المهملة وتشديد النون ـ : شجرة تعظم وتتسع وليس لها نور ولا ثمر ، وهو واسع الورق ، وورقه شبيه بورق الكرم ، والأكثر فيه تخفيف النون ، وجمعه صنار

(٣) الدنامة والدنمة : القصير من كل شىء

(٤) اجلوذ الليل : ذهب ، واجلوذ بهم السير ؛ إذا دام مع السرعة ، انظر (ح ١ ص ٥٥ ، ١١٢)

(٥) اخروط : أسرع. انظر (ح ١ ص ١١٢)

٢١١

يستعمل أيضا ، فيكون كالظّرابى فى جمع الظّربان (١)

وأما العين والباء والسين والثاء ، فكقوله :

١٦٦ ـ ومنهل ليس له حوازق

ولضفادى جمّه نقانق (٢)

وقوله :

١٦٧ ـ لها أشارير من لحم تتمّره

من الثّعالى ووخز من أرانيها (٣)

__________________

(١) الظربان ـ بفتح فكسر ، والظرباء ـ : دابة تشبه القرد على قدر الهر. انظر (ح ١ ص ١٩٨)

(٢) هذا الشاهد من الرجز المشطور ، ولم نقف له على قائل ، ويقال : صنعه خلف الأحمر ، والمنهل : أصله اسم مكان من نهل بمعنى شرب ، ثم استعمل فى المورد من الماء ، والحوازق : يروى بالحاء المهملة والزاى ، وهى الجوانب ، ويقال : الحوازق : الجماعات ، يريد أنه بعيد مخوف لا يجسر أحد على الدنو منه ، والضفادى : الضفادع ، واحدها ضفدعة ، والجم : أصله الكثير ، وما اجتمع من الماء فى البئر ، ويراد به هنا ماء المنهل لأضافته إلى الضمير العائد إليه ، والنقانق : جمع نقنقة ، وهو الصوت المتكرر. والاستشهاد بالبيت فى قوله «ضفادى» حيث قلب العين ياء وأصله ضفادع

(٣) هذا بيت من البسيط من قصيدة لأبى كاهل اليشكرى ـ وقبله :

كأنّ رحلى على شغواء حادرة

ظمياء قد بلّ من طلّ خوافيها

والشغواء : العقاب التى فى رأسها بياض ، وحادرة : نازلة من عال ، ويروى حاذرة ، ومعناه المتيقظة ، والظمياء : العطشى إلى دم الصيد ، والطل : المطر الضعيف ، والخوافى : جمع خافية ، وهن أربع ريشات فى جناح الطائر ، والأشارير : جمع إشرارة ـ بكسر الهمزة ـ وهى اللحم القديد ، وتتمره : تجففه ، ويروى متمرة ؛ اسم مفعول من ذلك ، وروى منصوبا ومجرورا ، وصحفه المبرد ، فرواه مثمرة بالمثلثة ، والثعالى : الثعالب ، والوخز : قطع اللحم واحدتها وخزة ، والأرانى : الأرانب ، والاستشهاد به فى قوله «من الثعالى» وقوله «أرانيها» حيث قلب الباء فى كل منهما ياء ، وأصله «من الثعالب» «وأرانبها»

٢١٢

وقوله :

١٦٨ ـ إذا ما عدّ أربعة فسال

فزوجك خامس وأبوك سادى (١)

وقوله :

١٦٩ ـ يفديك يازرع أبى وخالى

قد مرّ يومان وهذا الثّالى (٢)

*وأنت بالهجران لاتبالى*

وقد يبدل الياء من الجيم ، يقال : شيرة وشييرة فى شجرة وشجيرة.

قال : «والواو من أختيها ومن الهمزة ؛ فمن أختيها لازم فى نحو ضوارب وضويرب ورحوىّ وعصوىّ وموقن وطوبى وبوطر وبقوى ، وشاذّ ضعيف فى هذا أمر ممضوّ عليه ونهوّ عن المنكر وجباوة ، ومن الهمز فى نحو جؤنة وجؤن»

أقول : قوله «ضوارب وضويرب» ضابطه الجمع الأقصى لفاعل أو فاعل كحائط وخاتم ، أو مصغرهما ، وإنما قلبت واوا فى فواعل حملا على فويعل ؛ لأن التصغير والتكسير من واد واحد ، وبينهما تناسب فى أشياء ، كما مر فى بابيهما ، وكذا تقلب الألف واوا فى ضورب وتضورب.

__________________

(١) هذا بيت من الوافر ، وينسب إلى النابغة الجعدى يهجو فيه ليلى الأخيلية ، وينسب أيضا للحادرة ، والفسال : جمع فسل ، وهو الرذل من الرجال ، وقد فسل الرجل فسالة وفسولة. والاستشهاد به فى قوله «سادى» حيث قلب السين ياء وأصله «سادس»

(٢) هذا الشاهد من الرجز المشطور ، ولم نقف له على قائل ، وزرع ـ بضم فسكون ـ : مرخم زرعة ، والاستشهاد به فى قوله «الثالى» حيث قلب الثاء ياء ، وأصله الثالث.

٢١٣

قوله «عصوىّ ورحوىّ» ضابطه الألف الثالثة أو الرابعة إذا لحقها ياء النسب ؛ فإنك تقلب الألف واوا ، سواء كانت عن واو أو عن ياء ، لمجىء الياء المشددة بعدها ؛ وقد مر (١) فى باب النسب وباب الإعلال وجه قلبها واوا ، ووجه عدم قلبها ألفا مع تحريكها وانفتاح ما قبلها.

قوله : «موقن وطوبى وبوطر» ضابطه كل ياء ساكنة غير مدغمة مضموم ما قبلها بعدها حرفان أو أكثر ، إلا فى نحو بيضان (٢) وحيكى وضيزى (٣) ، وقولنا «حرفان أو أكثر» احتراز عن نحو بيض.

قوله «وبقوى» ضابطه كل ياء هى لام لفعلى اسما ، وكذا يقلب الياء واوا فى نحو عموىّ قياسا.

قوله «أمر ممضوّ عليه» أصله ممضوى ، لأنه من مضى يمضى ، وكذا نهوّ عن المنكر أصله نهوى ، كأنه قلب الياء واوا ليكون موافقا لأمور ، لأنهم يقولون : هو أمور بالمعروف ونهوّ على المنكر ، ولو قلبوا الواو ياء على القياس لكسرت الضمة فصار نهيّا ، فلم يطابق أمورا ، وقالوا : الفتوّة (٤) والندوّة (٥) والأصل الفتوية والنّدوية ، وشربت مشوّا ومشيّا ، وهو الدواء

__________________

(١) قد ذكر المؤلف علة انقلاب الألف فى عصا ورحا واوا فى عصوى ورحوى فى باب النسب (ح ٢ ص ٣٨) وذكر وجه عدم قلب الواو فى عصوى ورحوى ألفا مع تحركها وانفتاح ما قبلها فى باب النسب (ح ٢ ص ٣٨) أيضا ، وفى باب الأعلال (ص ١٥٨ من هذا الجزء)

(٢) انظر (ص ٨٥ من هذا الجزء)

(٣) انظر (ص ٨٥ من هذا الجزء)

(٤) الفتوة : الشباب وحداثة السن ، انظر (ح ٢ ص ٢٥٧ ، ٢٥٨)

(٥) الندوة : مصدر ندى ، يقال : نديت ليلتنا ندى وندوة ، إذا نزل فيها مطر خفيف قدر مايبل وجه الأرض

٢١٤

الذى يمشى البطن ، وقالوا : جبيت الخراج جباية وجباوة ، والكل شاذ

قوله «ومن الهمزة» : وجوبا فى نحو أومن ، وجوازا فى نحو جونة وجون (١) كما مر فى تخفيف الهمز ، ويجب أيضا فى نحو حمراوان على الأعرف ، وحمراوات وحمراوىّ ، وضعف أفعو فى أفعى كما مر فى باب الوقف (٢)

قال : «والميم من الواو والّلام والنّون والباء ، فمن الواو لازم فى فم وحده وضعيف فى لام التّعريف ، وهى طائيّة ، ومن النّون لازم فى نحو عنبر وشنباء ، وضعيف فى البنام وطامه الله على الخير ، ومن الباء فى بنات مخر ومازلت راتما ومن كثم»

أقول : لم يبدل الميم من الواو إلا فى فم ، وهذا بدل لازم ، وقد ذكرنا فى باب الإضافة أن أصله فوه ، بدليل أفواه وأفوه وفويهة وتفوّهت ، حذفت الهاء لخفائها ، ثم أبدلت الواو ميما لئلا تسقط فيبقى المعرب على حرف ، وقال الأخفش : الميم فيه بدل من الهاء ، وذلك أن أصله فوه ، ثم قلب فصار فهو ، ثم حذفت الواو وجعلت الهاء ميما ، واستدل على ذلك بقول الشاعر :

*هما نفثا فى فىّ من فمويهما (٣)*

فهو عنده كقوله :

١٧٠ ـ *لا تقلواها وادلواها دلوا

إنّ مع اليوم أخاه غدوا (٤)

__________________

(١) الجؤنة : سلة مستديرة مغشاة جلدا يجعل فيها الطيب والثياب (انظر ص ٥٦ من هذا الجزء)

(٢) انظر الكلام على هذا فى (ح ٢ ص ٢٨٥ ، ٢٨٦)

(٣) قد مضى شرح هذا الشاهد فى (ح ٢ ص ٦٦)

(٤) هذا بيت من الرجز ، ولم نقف على قائله ، وتقلواها : مضارع مسند لألف الاثنين ، وأصله من قلا الحمار الأتان يقلوها قلوا ، إذا طردها وساقها ،

٢١٥

فى رد المحذوف للضرورة ، والميم والواو شفويتان ، والميم تناسب اللام والنون لكونهما مجهورتين وبين الشديدة والرخوة

قوله «وضعيف فى لام التعريف» قال عليه‌السلام : «ليس من امبرّ امصيام فى امسفر»

قوله «ومن النون لازم» ضابطه كل نون ساكنة قبل الباء : فى كلمة كعنبر ، أو كلمتين نحو سميع بصير وذلك أنه يتعسر التصريح بالنون الساكنة قبل الباء ؛ لأن النون الساكنة يجب إخفاؤها مع غير حروف الحلق كما يجىء فى الإدغام ، والنون الخفية ليست إلا فى الغنة التى معتمدها الأنف فقط ، والباء معتمدها الشفة ، ويتعسر اعتمادان متواليان على مخرجى النفس المتباعدين فطلبت حرف تقلب النون إليها متوسطة بين النون والباء ، فوجدت هى الميم ، لأن فيه الغنة كالنون ، وهو شفوى كالباء ، وأما إذا تحركت النون نحو شنب (١) ونحوه فليست النون مجرد الغنة ، بل أكثر معتمدها الفم بسبب تحركها ، فلا جرم انقلب ميما ، وضعف إبدالها من النون المتحركة ، كما قال رؤبة :

١٧١ ـ يا هال ذات المنطق التّمتام

وكفّك المخضّب البنام (٢)

__________________

والمراد لا تعنفا فى سوقها ، وادلواها : مضارع مسند لألف الاثنين كذلك ، وتقول : دلوت الناقة دلوا ، إذا سيرتها سيرا رويدا ، يريد لا تشقا على هذه الناقة وارفقا بها ، وغدوا : يريد به غدا ، برد اللام المحذوفة ، ومثله قول لبيد :

وما النّاس إلّا كالدّيار ، وأهلها

بها يوم حلّوها ، وغدوا بلاقع

وكذلك قول عبد المطلب بن هاشم فى بعض الروايات :

لا يغلبنّ صليبهم

ومحالهم غدوا محالك

(١) الشنب : ماء ورقة وعذوبة وبرد فى الأسنان ، وفعله شنب ـ كفرح ـ والفم أشنب ، والمرأة شنباء ، وقد قلبوا النون ميما فقالوا شمباء

(٢) هذا الشاهد من بحر الرجز ، ينسب لرؤبة بن العجاج ، وهال : مرخم ـ ـ هالة ، وأصلها الدائرة حول القمر ، ثم سمى به ، والتمتام : الذى فيه تمتمة : أى تردد فى الكلام. والاستشهاد بالبيت فى قوله «البنام» حيث قلب النون ميما وأصله البنان.

٢١٦

ويقال : طامه الله على الخير : أى طانه ، من الطينة (١) : أى جبله ، قال :

١٧٢ ـ *ألا تلك نفس طين منها حياؤها (٢)*

ولم يسمع لطام تصرف ،

بنات بخر وبنات مخر : سحائب يأتين قبل الصيف بيض منتصبات فى السماء ، وقال ابن السرى : هو مشتق من البخار ، وقال ابن جنى : لو قيل إن بنات مخر من المخر بمعنى الشق من قوله تعالى : (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) لم يبعد.

قال أبو عمرو الشيبانى : يقال : ما زلت راتما على هذا ، وراتبا : أى مقيما ؛ فالميم بدل من الباء ؛ لأنه يقال : رتم مثل رتب ، قال ابن جنى : يحتمل أن تكون الميم أصلا من الرّتمة ، وهى خيط يشد على الإصبع لتستذكر به الحاجة ، وهو أيضا ضرب من الشجر ، قال :

__________________

(١) الطينة : الجبلة والطبيعة

(٢) هذا عجز بيت من الطويل ، أنشده أبو محرز خلف بن محرز الأحمر ، وهو مع بيت سابق عليه قوله :

لئن كانت الدّنيا له قد تزيّنت

على الأرض حتّى ضاق عنها فضاؤها

لقد كان حرّا يستحى أن يضمّه

إلى تلك نفس طين فيها حياؤها

ومنه تعلم أن عجز البيت الذى رواه المؤلف قد صحف عليه من ثلاثة أوجه : الأول «إلى» إذ وضع بدلها «ألا» الاستفتاحية ، الثانى قوله «فيها» الذى وضع بدله «منها». وفى بعض نسخ الشرح «ألا كل نفس» وهى التى شرح عليها البغدادى ، فهذا هو التحريف الثالث. والاستشهاد بالبيت فى قوله «طين» ومعناه جبل ، وهذا يدل على أن قولهم : طانه الله معناه جبله

٢١٧

١٧٣ ـ هل ينفعنك اليوم إن همت بهم

كثرة ما توصى وتعقاد الرّتم (١)

وذلك أنه كان الرجل منهم إذا أراد سفرا عمد إلى غصنين من شجرتين يقرب أحدهما من الآخر ويعقد أحدهما بصاحبه ، فإن عاد ورأى الغصنين معقودين بحالهما قال : إن امرأته لم تخنه ، وإلا قال : إنها خانته.

وقال يعقوب : يقال : رأيناه من كثم : أى كثب : أى قرب ، ويتصرف فى كثب يقال : أكثب الأمر : أى قرب

قال : «والنّون من الواو والّلام شاذّ فى صنعانىّ وبهرانىّ وضعيف فى لعنّ»

أقول : قوله «فى صنعانى وبهرانى» منسوبان إلى صنعاء وبهراء ؛ فعند سيبويه النون بدل من الواو ؛ لأن القياس صنعاوى ، كما تقول فى حمراء : حمراوى ، وهما متقاربان بما فيهما من الغنة ، وأيضا هما بين الشديدة والرخوة وهما مجهورتان ، وقال المبرد : بل أصل همزة فعلاء النون ، واستدل عليه برجوعها إلى الأصل فى صنعانى وبهرانى ، كما ذكرنا فى باب ما لا ينصرف ، (٢)

__________________

(١) هذا بيت من الرجز لم نقف له على قائل ، وينفعنك : مضارع مؤكد بالنون الخفيفة ، لوقوعه بعد الاستفهام ، وفاعله قوله «كثرة ما تعطى». وإن :

شرطية ، والرتم : اسم جنس جمعى واحده رتمة ، والرتمة : الخيط الذى يشد فى الأصبع لتستذكر به الحاجة ؛ والاستشهاد به فى قوله «الرتم» وهو مأخوذ من الرتمة ، وذلك يدل على أن الميم أصلية وليست مبدلة من الباء ، وهذا أحد وجهين للعلماء فى قولهم : ما زلت راتما : أى مقيما ، وهو وجه ذكره ابن جنى ونقله عنه المؤلف بتوجيهه ، والوجه الآخر أن الميم بدل من الباء ، وهو وجه ذكره أبو عمرو الشيبانى كما قال المؤلف ؛ لأنهم يقولون : ما زلت راتبا ، وما زلت راتما ، بمعنى واحد.

(٢) قد نقلنا لك عبارته التى يشير إليها ، واستكملنا بحث هذه المسألة فى (ح ٢ ص ٥٨ ، ٥٩)

٢١٨

والأولى مذهب سيبويه ؛ إذ لا مناسبة بين الهمزة والنون

قوله «وضعيف فى لعنّ» قيل : النون بدل من اللام ؛ لأن لعل أكثر نصرفا ، وقيل : هما أصلان لأن الحرف قليل التصرف

قال : «والتّاء من الواو والياء والسّين والباء والصّاد ؛ فمن الواو والياء لازم فى نحو اتّعد واتّسر على الأفصح ، وشاذّ فى نحو أتلجه وفى طست وحده وفى الذّعالت ولصت ضعيف»

أقول : قوله «نحو اتعد واتسر» أى : كل واو أو ياء هو فاء افتعل كما مر فى باب الإعلال

قوله «أتلجه» قال :

١٧٤ ـ ربّ رام من بنى ثعل

متلج كفّيه فى قتره (١)

وضربه حتى أتكأه (٢) ، ومنه تجاه (٣) وتكلة (٤) وتيقور (٥)

__________________

(١) هذا بيت من المديد ، وهو مطلع قصيدة لامرىء القيس بن حجر الكندى بعده :

قد أتته الوحش واردة

فتنحّى النّزع فى يسره

وثعل ـ كعمر ـ : أبو قبيلة من طى يقال : إنه أرمى العرب ، وهو ثعل بن عمرو ابن الغوث بن طى ، ومتلج : اسم فاعل من أولج : أى أدخل ، وأصله مولج ؛ فأبدل من الواو تاء ، والقتر : جمع قترة ـ بضم فسكون ـ وهى حظيرة يكمن فيها الصياد لئلا يراه الصيد فينفر ، ويروى «فى ستره». والاستشهاد بالبيت فى قوله «متلج» حيث بدل التاء من الواو كما ذكرنا

(٢) أتكأه : أصلها أوكأه ؛ فأبدل من الواو تاء ، ومعناه وسده ، وقيل :

معنى أتكأه ألقاه على جانبه الأيسر ، وقيل : ألقاه على هيئة المتكىء

(٣) تقول : قعد فلان تجاه فلان ؛ أى تلقاءه ، والتاء بدل من الواو ، وأصله من المواجهة

(٤) انظر (ج ١ ص ٢١٥)

(٥) التيقور : الوقار ، وهى فيعول ، وأصلها ويقور ؛ فأبدلت الواو تاء ؛ قال العجاج :

*فإن يكن أمسى البلى تيقورى*

٢١٩

من الوقار ، وتخمة (١) وتهمة (٢) وتقوى (٣) وتقاة وتترى (٤) من المواترة وتوراة من الورى (٥) وهو فوعلة لندور تفعلة ، وكذا تولج (٦) وتوأم (٧) وأخت وبنت (٨) وهنت وأسنتوا (٩) من السّنة

قوله «طست» لأن جمعه طسوس لا طسوت

قوله «وحده» إنما قال ذلك مع قولهم ست لأن الإبدال فيه لأجل

__________________

(١) التخمة : الثقل الذى يصيبك من الطعامءانظر (ح ١ ص ٢١٦)

(٢) التهمة : ظن السوء. انظر (ح ١ ص ٢١٦)

(٣) التقوى : اسم من وقيت ، وأصلها الحفظ ، ثم استعملت فى مخافة الله ؛ وأصل تقوى وقوى ، فأبدلت الواو تاء

(٤) تترى : أصلها وترى من المواترة وهى المتابعة ، أبدلت واوها تاء إبدالا غير قياسى ، وانظر (ح ١ ص ١٩٥ وص ٨١ من هذا الجزء)

(٥) انظر (ص ٨١ من هذا الجزء)

(٦) انظر (ص ٨٠ من هذا الجزء)

(٧) التوأم : الذى يولد مع غيره فى بطن : اثنين فصاعدا من جميع الحيوان ، وهو من الوئام الذى هو الوفاق ، سمى بذلك لأنهما يتوافقان فى السن ، وأصله ووءم بزنة فوعل كجوهر ؛ فأبدلت الواو الأولى تاء كراهة اجتماع الواوين فى صدر الكلمة ، وحمله على ذلك أولى من حمله على تفعل ؛ لأن فوعلا أكثر من تفعل ، وانظر (ح ٢ ص ١٦٧)

(٨) قد استوفينا الكلام على هذه الألفاظ فى (١ ص ٢٢٠) وفى (ح ٢ ص ٢٥٥ ـ ٢٥٧) فارجع إليها هناك

(٩) يقال : أسنت القوم ؛ إذا أجدبوا ، وأصلها من السنة ؛ فلامها فى الأصل واو ، وأصل اسنتوا على هذا اسنووا فأبدلت الواو تاء. وانظر (ح ١ ص ٢٢١)

٢٢٠