شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

وغيره ، فلا يقال : خطاء وجياء وسواء ، على شىء من المذاهب ؛ لأن آحادها ليست كذلك

قوله «مطايا وركايا» جمع مطيّة (١) وركيّة (٢) فعيلة من الناقص ، وهما مثالان لشىء واحد ، وأما خطايا فهو جمع خطيئة فعيلة من مهموز اللام ، ففى مطايا كان بعد الألف همزة بعدها ياء ؛ لأن ياء فعيلة تصير فى الجمع الأقصى همزة ، وكذا فى خطايا على المذهبين : أما على مذهب سيبويه فلأنك تقلب ياء فعيلة فى الجمع همزة ، فيجتمع همزتان متحركتان أولاهما مكسورة ، فتقلب الثانية ياء وجوبا ، وأما على مذهب الخليل فلأن أصله خطايىء بياء بعدها همزة ، ثم قلبت الهمزة إلى موضع الياء ، فقوله خطايا «على القولين» أى : على قولى الخليل وسيبويه ، فتقلب على المذهبين الهمزة ياء ؛ والياء ألفا ؛ لأن واحده : أى خطيئة ؛ لم يكن فيه ألف بعده همزة بعدها ياء ، حتى يطابق به الجمع

قوله «وصلايا جمع المهموز وغيره» أى : صلاية وصلاءة ؛ لأن جمع فعالة فعائل بالهمز (٣) كحمائل ، فيصير جمع صلاءة بهمزتين كجمع خطيئة عند غير الخليل ، فتقلب الثانية ياء مثلها ، وجمع صلاية صلائى بهمزة بعدها ياء

قوله «فيهما» أى : فى شواء جمع شائية من شئت مشيئة ، وفى جواء جمع جائية من جئت مجيئا ، وكلاهما من باب واحد ؛ إذ هما أجوفان

__________________

(١) المطية : الدابة ، سميت بذلك لأنها تمطو فى سيرها ، أو لأن الراكب يعلو مطاها ، وهو ظهرها ، فعلى الأول هى فعيلة بمعنى فاعلة ، وعلى الثانى هى فعيلة بمعنى مفعولة ، وأصلها على الوجهين مطيوة ، قلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون ، ثم أدغمتا

(٢) الركية : البئر ، فعيلة بمعنى مفعولة من ركاها يركوها ، أى : حفرها

(٣) الحمائل : جمع حمالة ـ بزنة سحابة ـ وهى الدية ، سميت بذلك لأن أقارب القاتل يتحملونها

١٨١

مهموزا اللام ، فلم يحتج إلى قوله «فيهما» وليس القولان فى شواء جمع شائية من شأوت ؛ إذ لا قلب فيه عند الخليل ؛ لأنه إنما يقلب خوفا من اجتماع الهمزتين

قوله «وقد جاء أداوى» كل ما كان فى واحده ألف ثالثة بعدها واو وجمعته الجمع الأقصى قلبت ألفه همزة ، كما تقلب فى جمع رسالة ، وقلبت الواو ياء ، ثم قلبت الهمزة واوا ، تطبيقا للجمع بالمفرد ، وقد قالوا : هداوى فى جمع هديّة ، قلبوا الهمزة واوا لوقوعها بين الألفين كما فى حمراوان ، وهو عند الأخفش قياسى ، وعند غيره شاذ

قال : «وتسكّنان فى باب يغزو ويرمى مرفوعين ، والغازى والرّامى مرفوعا ومجرورا ، والتّحريك فى الرّفع والجرّ فى الياء شاذّ ، كالسّكون فى النّصب والإثبات فيهما وفى الألف فى الجزم»

أقول : إنما سكن الواو فى نحو يغزو ، وهذا مختص بالفعل ؛ لا يكون فى الاسم ، كما ذكرنا ، لاستثقال الواو المضمومة بعد الضمة ؛ إذ يجتمع الثقلاء فى آخر الفعل مع ثقله ، فخفف الأخير ، وهو الضمة ؛ لأن الحركة بعد الحرف ، وكذا تسكن الياء المضمومة بعد الكسرة ، وهذا أقل ثقلا من الأول ، ويكون فى الاسم والفعل ، نحو هو يرمى ، وجاء الرّامى ، وإنما ذكر الغازى والرامى ليبين أن الياء التى أصلها الواو كالأصلية ، وكذا تسكن الياء المكسورة بعد الكسرة ؛ لاجتماع الأمثال ، كما فى الواو المضمومة بعد الضمة ، والأول أثقل ، وهذا يكون فى الاسم نحو بالرّامى ، وفى الفعل كارمى ، وأصله ارميى

قوله : «والتحريك فى الرفع والجر فى الياء شاذ» أما الرفع فكقول الشاعر :

١٤٩ ـ *موالى ككباش العوس سحّاح (١)*

__________________

(١) هذا عجز بيت من البسيط لجرير بن عطية ، وصدره قوله :

*قد كاد يذهب بالدّنيا وبهجتها* ـ

١٨٢

وقوم من العرب يجرون الواو والياء مجرى الصحيح فى الاختيار ؛ فيحركون ياء الرامى رفعا وجرا ، وياء يرمى رفعا ، وكذا واو يغزو رفعا ، قال :

١٥٠ ـ *كجوارى يلعبن بالصّحراء* (١)

قوله «كالسكون فى النصب» أما فى الواو فكقوله :

١٥١ ـ فما سوّدتنى عامر عن وراثة

أبى الله أن أسمو بأمّ ولا أب (٢)

وأما فى الياء فكقوله :

فلو أنّ واش باليمامة داره

ودارى بأعلى حضرموت اهتدى ليا (٣)

__________________

وقوله «كاد» يروى فى مكانه «كان» وقوله : «وبهجتها» يروى فى مكانه «ولذتها» والموالى : جمع مولى ، وله معان كثيرة منها السيد ـ وهو المراد هنا ـ والعبد وابن العم والناصر. والكباش : جمع كبش ، والعوس : اسم مكان أو قبيلة ، وسحاح : جمع ساح ، وهو السمين ؛ تقول : سحت الشاء تسح ـ بالكسر ـ سحوحا : أى سمنت. والاستشهاد بالبيت فى قوله «موالى» حيث حرك الياء بالضم شذوذا

(١) هذا عجز بيت من الكامل لم نعرف قائله ، وصدره قوله :

*ما إن رأيت ولا أرى فى مدّتى*

ومعنى مفرداته واضح. والاستشهاد به فى قوله «كجوارى» حيث حرك الياء بالكسر شذوذا

(٢) هذا بيت من الطويل لعامر بن الطفيل العامرى الجعدى ، وسودتنى جعلتنى سيدا ، وعامر قبيلة. والاستشهاد به فى قوله : «أن أسمو» حيث سكن الواو فى حال النصب وذلك شاذ

(٣) قد سبق شرح هذا البيت فارجع إليه فى (ح ١ ص ١٧٧). والاستشهاد به هنا فى قوله «واش» حيث حذف الياء فى حالة النصب كما تحذف فى حالة

١٨٣

وقوله :

١٥٢ ـ كأنّ أيديهنّ بالقاع القرق

أيدى جوار يتعاطين الورق (١)

قوله «والإثبات فيهما» أما فى الواو فكقوله :

١٥٣ ـ هجوت زبّان ثمّ جئت معتذرا

من هجو زبّان لم تهجو ولم تدع (٢)

وأما فى الياء فكقوله :

١٥٤ ـ ألم يأتيك والأنباء تنمى

بما لاقت لبون بنى زياد (٣)

__________________

الرفع والجز ، ونريد أن ننبهك هنا على أن ابن قتيبة قد روى هذا البيت فى الشعراء (ص ٣١٤). وكذلك أبو الفرج الأصفهانى فى الأغانى (ح ٢ ص ٦٩ دار الكتب)

*فلو كان واش باليمامة داره*

فلا شاهد فى البيت على هذه الرواية

(١) نسب ابن رشيق هذا الشاهد إلى رؤبة بن العجاج ، والضمير فى «أيديهن» يرجع إلى الابل ، والقاع : المكان المستوى ، والقرق ـ ككتف ـ :

الأملس ، ويقال : هو الخشن الذى فيه الحصى. ويتعاطين : يناول بعضهن بعضا والورق : الفضة ، والمراد الدراهم ، والاستشهاد بالبيت فى قوله «كأن أيديهن» حيث سكن الياء فى حال النصب كما تسكن فى خال الرفع ، وهو شاذ

(٢) ينسب هذا البيت لأبى عمرو بن العلاء ، واسمه زبان ، ويروى على هذا «هجوت» و «لم تهجو» بالخطاب ، ومن الناس من ينسبه لشاعر كان يهجو أبا عمرو بن العلاء ، ويرويه «هجوت» و «لم أهجو ولم أدع». والاستشهاد بالبيت فى قوله «لم أهجو» حيث أثبت الواو ساكنة مع الجازم وذلك شاذ

(٣) هذا البيت مطلع قصيدة لقيس بن زهير العبسى ، والأنباء : جمع نبأ

١٨٤

فتقدر لأجل الضرورة الضمة فى الواو والياء ليحذفها الجازم ؛ لأن الجازم لا بدّ له من عمل ، وتقديرها فى الياء أكثر وأولى ؛ لأن الضمة على الواو أثقل منها على الياء.

قوله «وفى الألف فى الجزم» أى : إثبات الألف فى الجزم كإثبات الواو والياء فى الجزم كقوله :

١٥٥ ـ *ولا ترضّاها ولا تملّق (١)*

وتقدير الضم فى الألف أبعد ؛ لأنها لا تحتمل الحركة

قال : «وتحذفان فى نحو يغزون ويرمون واغزنّ وإغزنّ وارمنّ وارمنّ»

أقول : أصل يغزون يغزو ، لحقه واو الجمع ، فحذف الواو الأولى للساكنين وأصل يرمون يرمى ، لحقه واو الجمع ، فحذف الياء للساكنين ، ثم ضمت الميم لتسلم الواو ؛ إذ هى كلمة تامة لا تتغير ، وأصل اغزنّ اغزوا ، لحقه النون المشدّدة ، فسقطت الواو للساكنين ، وكذا اغزنّ وارمنّ وارمنّ ؛ لأن الأصل

__________________

وهو الخبر وزنا ومعنى ، ويقال : النبأ خاص بما كان ذا شأن والخبر عام ، وتنمى تزيد وتكثر ، والباء فى بما لاقت يقال : هى زائدة ، و «ما» فاعل يأتى ، ويقال هى أصلية متعلقة بتنمى وفاعل «يأتى» على هذا ضمير مستتر عائد على مفهوم من المقام : أى ألم يأتيك هو : أى الخبر ، واللبون : الناقة ذات اللبن. والاستشهاد بالبيت فى قوله «ألم يأتيك» حيث أثبت الياء ساكنة مع الجازم الذى يقتضى حذفها ، وهو شاذ

(١) هذا بيت من مشطور الرجز ، ينسب لرؤبة ، وقبله :

*إذا العجوز غضبت فطلّق*

وترضاها : أصله تترضاها فحذف إحدى التاءين. والاستشهاد به فى هذا اللفظ حيث أثبت الألف مع لا الناهية الجازمة التى تقتضى حذف حرف العلة ، وذلك شاذ

١٨٥

ارموا وارمى ، ولا تقول : إن الأصل ارميوا وارميى ؛ لأن الفاعل يدخل على الفعل بعد إعلاله ، كما تقدم.

قال : «ونحو يد ودم واسم وابن وأخ وأخت ليس بقياس»

أقول : يعنى حذف اللام فى هذه الأسماء ليس لعلة قياسية ، بل لمجرد التخفيف ؛ فلهذا دار الإعراب على آخر ما بقى ، وأما أخت فليس بمحذوف اللام ، بل التاء بدل من لامه

هذا آخر باب الإعلال ، ولنضف إليه ما يليق به ؛ فنقول :

إذا اجتمع ياءان ؛ فإن لم تكن الأخيرة لاما ، فإن سكنت الأولى أدغمت كبيّع وبيّاع ، وإن سكنت الثانية أو تحركتا فحكم كل واحدة منهما حكمها مفردة كبيت ، وكما إذا بنيت من يين مثل باع قلت : يان ، وإن بنيت مثل هيام (١) قلت : ييان

وإن كانت الأخيرة لاما ، فإن سكنت أولاهما أدغمت فى الثانية كحىّ ؛ وإن سكنت الأخيرة سلمتا كحييت ، وإن تحركتا : فإن جاز قلب الثانية ألفا قلبت نحو حياة ، وإن لم يجز : فإما أن تلزم حركة الثانية ، أولا ؛ فإن لزمت فإن لم يجز إدغام الأولى فى الثانية فالأولى قلب الثانية واوا كما فى حيوان ، وإنما لم يجز الإدغام لأن فعلان من المضاعف نحو رددان لا يدغم ، كما يجىء فى باب الإدغام ، وإنما لم يجز قلب الثانية ألفا لعدم موازنة الفعل كما مر ، وإنما قلبت واوا لاستثقال اجتماع الياءين المتحركتين وامتناع تغيير ذلك الاستثقال بالوجه الأخف من الإدغام أو قلب الثانى ألفا ، وإنما قلبت الثانية دون الأولى لأن استثقال الاجتماع بها حصل ، وإنما جاز قلب اللام واوا مع أن الأخير ينبغى أن يكون حرفا خفيفا

__________________

(١) الهيام ـ كسحاب وغراب ـ : ما لا يتماسك من الرمل ؛ فهو ينهار أبدا ، وكغراب : شدة العشق ، وداء يصيب الأبل من ماء تشربه مستنقعا

١٨٦

لأن لزوم الألف والنون جعلها متوسطة ، كما قالوا فى عنفوان (١) وعنصوة (٢) كما مر ، وقال سيبويه : القياس حييان ، فلم يقلب الثانية ، وحيوان عنده شاذ ، وكذا قال فى فعلان من القوّة قووان ، كما يجىء ، وكذا تقول : حيوى كجفلى (٣) وقياس سيبويه حييى ، وكذا تقول على وزن السبعان من حىّ حيوان ، وإنما لم تدغم كما أدغمت فى رددان فقلت : ردّان على ما يجىء فى باب الإدغام ؛ لأن الإعلال قبل الإدغام ، وقياس سيبويه حيّان ـ بالإدغام ـ لأنه لا يقلب فى مثله ، وإن جاز الإدغام فلك الإدغام وتركه كحيى وحىّ وحييان ـ بالكسر ـ وحيّان ، والإدغام أكثر كما مر (٤) ؛ إذ هو أخف ، وإن لم تلزم حركة الثانى نحو لن يحيى وجب تصحيحهما مظهرين ، وإخفاء كسرة الأولى أولى

وإن اجتمع ثلاث ياءات : فإما أن تكون الأخيرة لاما ، أولا

فإن كانت لاما : فإما أن تكون الأولى مدغمة فى الثانية ، أو الثانية فى الثالثة ، أو لا يكون شىء منهما مدغما فى شىء

فإن كانت الأولى مدغمة فى الثانية : فإما أن يكون ذلك فى الفعل أو الجارى

__________________

(١) عنفوان الشىء : أوله أنظر (ح ١ ص ٢٥١)

(٢) العنصوة ـ مثلثة العين ـ : القليل المتفرق من النبت والشعر وغيرهما ، أنظر (ص ١٠١ من هذا الجزء)

(٣) فى بعض المطبوعات «كتملى» بالتاء المثناة ، وبعضها «كثملى» بالمثلثة وكلاهما خطأ ، والصواب ما أثبتناه ، والجفلى : الدعوة العامة ، ويقابلها «النقرى» قال طرفة :

نحن فى المشتاة ندعو الجفلى

لا ترى الأدب فينا ينتقر

يقال : دعى فلان فى النقرى لا فى الجفلى : أى دعى فى الدعوة الخاصة لا فى الدعوة العامة.

(٤) أنظر (ص ١١٤ من هذا الجزء)

١٨٧

عليه ، أولا ، فإن كان فى أحدهما جعلت الثانية كأنها لم تسبقهاياء ، نحو حيّا وحيّيت ويحيّى ، والمحيّى ، والمحيّى. هو مثل عزّى ، يعزّى ، المعزّى ، المعزّى ، وإنما لم تحذف الثالثة المكسور ما قبلها فى الفعل نسيا نحو يحيّى مع استثقال ذلك كما حذفت فى معيّية إبقاء على حركة العين فى الفعل ؛ إذ بها تختلف أوزان الفعل ، ووزن الفعل تجب مراعاته ، كما مرّ فى تعليل امتناع قلب واو نحو يدعو ياء ، ثم أجرى الجارى على الفعل كالمحيّى مجرى الفعل فى ترك حذف الياء الثالثة نسيا ، وإن لم يكن ذلك فى الفعل ولا فى الجارى عليه فإن جاز قلب الثالثة ألفا ـ وذلك إذا كانت المشددة مفتوحة والأخيرة طرفا ـ قلبت ، كما فى إيّاة على وزن إوزّة من أويت ، والأصل إئوية ، ثم إيوية ، ثم إيّية ، ثم إيّاة ، وإن لم يجز ذلك ، وهو لأمرين : أحدهما أن تتوسط الأخيرة مع انفتاح المشددة لمجىء حرف موضوع على اللزوم فى كل موضع ، كالألف والنون التى لغير المثنى ؛ فإذا كان كذا قلبت الثالثة واوا كما تقول إذا بنيت على فيعلان من حيى : حيّوان ؛ لأنه أثقل من حيوان مخففا ، وعند سيبويه حيّيان كما مر ، وثانيهما أن تنضم المشددة أو تنكسر ، فإذا كان كذا كسرت المضمومة وحذفت الثالثة نسيا ؛ لاستثقال الياءات فى الطرف مع انكسار المشددة منها نحو معيّة ، والأصل معيّية ، ونحو حنىّ على وزن كنهبل (١) من حيى ، والأصل حنّيى ثم حنيّى ، وكذا تحذف الأخيرة نسيا وان جاء بعدها حرف لازم ، كما تقول فى تصغير أشويان : على وزن انبجان (٢) من الشّىّ أشيويان ، ثم أشيّيان ، ثم أشيّان ، وخالف أبو عمرو فيما وازن الفعل ، وأوله زيادة كزيادته ، فلم يحذف

__________________

(١) الكنهبل : شجر من أشجار البادية ، انظر (ح ٢ ص ٣٥٩)

(٢) يقال : عجين أنبجان ـ بفتح الباء ـ إذا كان منتفخا ، ولا نظير له فى هذا الوزن إلا يوم أرونان ، وهو الشديد. انظر (ح ٢ ص ٣٩٧)

١٨٨

الثالثة نسيا ، فقال أحىّ فى نصغير أحوى كما مر فى التصغير (١).

وإن كانت الثانية مدغمة فى الثالثة : فإن كان ما قبل الأولى ساكنا لم يغير شىء منها نحو ظبيىّ وقرأيىّ فى النسب ، ورميىّ على وزن برطيل (٢) من الرّمى ؛ وإن كان ما قبل الأولى متحركا : فإن كانت الأولى ثانية الكلمة سلمت الياءات ، نحو حيىّ كهجفّ (٣) وحيىّ كقمدّ ، (٤) والأصل حيىّ ـ بضم العين ـ وحيىّ من الحياء ؛ لخفة الكلمة ، وإن كانت ثالثتها جعلت واوا ، سواء كان ما قبلها مفتوحا ، كما إذا بنيت من الرمى مثل حمصيصة ، (٥) تقول : رمويّة ، مثل رحويّة فى النسب ، ولم تقلب الياء الأولى ألفا ، أمّا فى النسب فلعروض الحركة ، وأما فى غير النسب فلعدم موازنته للفعل ، وكما إذا بنيت من الرمى على وزن حلكوك (٦) قلت رموىّ ، والأصل رميوى ثم رميىّ ، ثم رموىّ ، أو كان ما قبلها مكسورا نحو عموىّ فإنك تفتح الكسر لتسلم الواو ، وإنما قلبت إحدى الياءات فى هذه الأمثلة لاستثقال الياءات ، وإنما لم تقلب الأخيرة كما فى حيوان وإن كان التغيير بالأخير أولى لقوتها بالتشديد ، ولهذا لم تحذف الثالثة [نسيا] كما حذفت فى معيّية ، والحذف والقلب فى ياء النسب أبعد ، لكونها علامة ، وإن كانت الأولى رابعة الكلمة : فإن كانت قبل ياء النسب حذفت ، على الأصح ، كما فى قاضىّ ؛ لاجتماع الياءات مع تثاقل الكلمة وكون

__________________

(١) أنظر (ح ١ ص ٢٣٢ ، ٢٣٣)

(٢) البرطيل ـ كقنديل ـ : الرشوة ، وحجر طويل صلب ينقر به الرحى ، والمعول أيضا

(٣) الهجف : الظليم المسن ، والجائع أيضا ، انظر (ح ١ ص ٢٨)

(٤) القمد ـ كعتل ـ : الطويل ، والشديد أيضا. انظر (ح ١ ص ٥٣)

(٥) الحمصيصة : بقلة رملية حامضة ، انظر (ح ١ ص ٢٧٢)

(٦) الحلكوك ـ كقربوس ـ : الشديد السواد

١٨٩

الأولى آخر الكلمة ، إذ ياء النسب عارضة ، ويجوز قاضوى ، كما مر فى النسب (١) ، وإن لم تكن قبل ياء النسب لم تحذف ؛ لأنها ليست آخر الكلمة ، بل تقلب واوا ، كما قلبت وهى ثالثة الكلمة ، تقول على وزن خيتعور (٢) من الرمى : ريموىّ ، والأصل ريميوى ؛ قلبت الواو ياء ، وأدغمتها فى الأخيرة ، ثم كسرت الضمة ، وقلبت الياء واوا ، وكذا إذا بنيت مثل خنفقيق (٣) من بكى قلت : بنكوىّ

وإن لم يكن شىء منهما مدغما فى شىء ؛ فان كانت الثالثة تستحق قلبها ألفا قلبت ، كما إذا بنى من حيى مثل احمرّ ، قلبتها ألفا نحو احييى ، ثم إن أدغمت كما فى اقتتل قلت : حيّى ، وإن لم تدغم قلبت الثانية واوا ، نحو احيوى ، كما فى حيوان ، وإن لم تستحق كما إذا بنى من حيى مثل هدبد (٤) وجندل (٥) جاز لك حذف الثالثة نسيا ، لكون الثقل أكثر مما فى معيّية فتقول : حيا وحيا ، بقلب الثانية ألفا لتحركها طرفا وانفتاح ما قبلها ، وجاز لك قلب الثانية واوا كما فى حيوان ، فتسلم الثالثة (٦) لزوال اجتماع الياءات ، فيصير حيويا

__________________

(١) انظر (ح ٢ ص ٤٤ ، ٤٥)

(٢) الخيتعور : السراب ، وكل ما لا يدوم على حالة ، والمرأة السيئة الخلق ، والدنيا ، والداهية

(٣) الخنفقيق : الداهية ، والسريعة جدا من النوق والظلمان

(٤) الهدبد : اللبن الخائر ، وانظر (ح ١ ص ٤٩)

(٥) الجندل : موضع فيه الحجارة ، انظر (ح ١ ص ٥١)

(٦) المراد بالسلامة ههنا : ما يقابل الحذف نسيا والأدغام والقلب واوا ؛ فشمل الاعلال كاعلال قاض ، ألا ترى أنه قال : فيصير حيويا : أى فى حالة النصب ، وكذا تقول : الحيوى ، كما تقول القاضى ؛ فإن جاء مرفوعا أو مجرورا منونا قلت : حيو ، بحذف الياء الثالثة

١٩٠

وحيويا ، وكما إذا بنيت من قضى مثل جحمرش (١) قلت : قضيا بحذف الأخيرة نسيا ، وقلب الثانية ألفا ، وقضيو ، بقلب (٢) الثانية واوا ، وإنما لم تقلب الثالثة واوا لأن آخر الكلمة بالتخفيف أولى ، وأيضا لو قلبتها إياها لبقى اجتماع الياءين الأوليين بحاله ، وأما الأولى فلم تقلب ؛ لأن الثقل إنما حصل من الثانية والثالثة ، ولم تقلب الأولى فى حيى كجندل ؛ لأنها لم يقلب مثلها ألفا فى الفعل نحو حيى كما مر فكيف تقلب فى اسم لم يوازن الفعل

وإن لم تكن الياء الأخيرة لاما بقيت الياءات على حالها بلا قلب ولا حذف ، كما تقول فى تصغير أسوار (٣) أسيّير

وإن اجتمع أربع ياءات كما إذا بنى من حيى على وزن جحمرش قلت : حيّيى ، أدغمت الأولى فى الثانية فيصيران كياء واحدة وقلبت الثالثة واوا كما قلنا فى المبنى على وزن جندل ، فتسلم الرابعة نحو حيّو ، ويجوز لك حذف الأخيرة نسيا لكونها أثقل منها فى نحو معيّية ، فتقلب الثالثة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها نحو حيّا ، كما قلنا قبل. وإذا بنيت مثل (٤) سلسبيل قلت : حيّوىّ ، وإذا

__________________

(١) الجحمرش : العجوز المسنة ، وانظر (ح ١ ص ٥١)

(٢) الياء الثالثة أعلت كاعلال قاض ، فتقول : القضيوى ، ورأيت قضيويا ، وهذا قضيو ، ومررت بقضيو ، ولكون هذا الاعلال من غير موضوع كلام المؤلف وهو مما لا يخفى لم يتعرض لبيانه

(٣) الأسوار ـ بالضم والكسر ـ : قائد الفرس ، والجيد الرمى بالسهام والثابت على ظهر الفرس ، وجمعه أساورة ، وأساور بغير تاء ، والأسوار ـ بالضم أيضا ـ : لغة فى السوار

(٤) السلسبيل : اسم عين فى الجنة ، وهو وصف أيضا ؛ يقال : شراب سلسبيل ؛ إذا كان سائغا سهل المدخل فى الحلق. انظر (ج ١ ص ٩ ، ٥٠)

واعلم أن كلام المؤلف ههنا فيما اجتمع فيه أربع ياءات وأنت لو بنيت من

١٩١

بنيت مثل قرطعب (١) قلت : حيّىّ ، لم تقلب ثانية المشددتين واوا كما فى حيوان ؛ لأنها آخر الكلمة فلا تبدل حرفا أثقل مما كان ، ولم تحذف كما فى معيّية ؛ لأن حذفها حذف حرفين ، واحتمل اجتماعهما ؛ لأن تشديدهما قوّاهما ، وإذا جاز نحو طيّىّ وأميّىّ ـ على قول ـ مع أن الأولين آخر الكلمة إذ ياء النسب عارضة فهذا أجوز ، وإذا بنيت مثل قذعمل (٢) قلت : حيىّ ، أدغمت الثانية فى الثالثة ، وحذفت الرابعة كما فى معيّية ، وهو ههنا أولى ، ولم تقلب المضعفة واوا لصيرورتها بالتضعيف قويّة كالحرف الصحيح ، فيبقى حيىّ ، وتقول على وزن قذعميلة من قضى : قضيّيّة ، والمازنى لم يجوز من قضي إلا قضوية ، كما فى النسب ، وغيره جوّز مع قضوية قضيّيّة بتشديدين أكثر من تجويز أميّىّ ، والذى أرى أنه لا يجوز إلا قضيّيّة ، بياءين مشددتين ؛ إذ الأخيرتان قويتا بالتضعيف ، فلم تحذفا كما حذفت الثالثة فى معيّية ، والأوليان ليستا فى آخر الكلمة حتى يحذف أضعفهما : أى أولهما الساكن ، كما حذفت فى أموىّ ، فإذا بنيت من شوى على وزن عصفور قلت : شويوى ، ثم قلبت الواوين ياءين وأدغمتهما فى الياءين فصار شيّىّ ـ بكسر ضمة المشددة الأولى ـ فيجوز كسر الفاء أيضا ، كما فى عتى ، وقال سيبويه : شووىّ ، قياسا على طووىّ وحيوىّ فى النسب إلى حىّ وطىّ أو شيّىّ ، كما قيل طيّيى ، وكذا إذا بنيت من طوى

__________________

حيى على مثال سلسبيل لاجتمع خمس ياءات ؛ فالصواب أن يقول إذا بنيت من قضى مثل سلسبيل قلت : قضيوى ، والأصل قضييى ، قلبت الثانية واوا كما فى حيوان

(١) القرطعب : السحابة. انظر (ح ١ ص ٥١)

(٢) القذعمل : القصير الضحم من الابل ، وأصله قذعميل ، والقذعملة الناقة القصيرة الضخمة ، ومثلها القذعميلة ، ويقال : ما فى السماء قذعملة : أى شىء من السحاب ، وما أصبت منه قذعميلا : أى شيئا

١٩٢

على وزن بيقور (١) قلت : طيووى ، ثم قلبت الواو الأولى ياء وأدغمت الياء الساكنة فيها ، ثم قلبت الواو الثانية ياء وأدغمتها فى الأخيرة ، ثم كسرت الياء المضمومة فتقول : طيّىّ ، وعند سيبويه طيوىّ أيضا كالمنسوب إلى حىّ ، هذا كله فى الأربع ياءات إذا لم تكن الأخيرتان للنسبة ، فإن كانتا لها كالمنسوب إلى حىّ ، وطىّ ، وعلىّ ، وقصىّ ، وتحيّة ، ومحىّ فقد مضى فى باب النسب حكمها (٢) وقد مضى أيضا أن ياء التصغير تحذف كما فى أموىّ إن دخلت النسبة على التصغير ، وأما إن دخل التصغير على النسبة لم تحذفها نحو أريّية (٣) ـ بياءين مشددتين ـ هذا كله حكم الياءات

فأما حكم الواوات فنقول : إن اجتمع واوان فان سكنت ثانيتهما : فإن كانت طرفا لم يمكن أن تكون الأولى مفتوحة ولا مضمومة إلا والثانية منفصلة ، نحو لم يرووا ومروو زيد ؛ لأنهم يستثقلون الواوين بلا إدغام فى آخر الكلمة الذى هو محل التخفيف ؛ فلذلك لم يبنوا مثل قووت وقووت ؛ فلا بد لو كانا فى كلمة من انكسار الأولى لتنقلب الثانية ياء ، نحو قويت ، وإن كانت الأخيرة وسطا جاز اجتماعهما ، نحو قوول ، وإن تحركتا : فإن كان ذلك فى أول الكلمة قلبت الأولى همزة كما فى أواصل ، وإن كان ذلك فى الوسط فإن جاز الإدغام أدغمت ، كما إذا بنيت من القوّة على فعلان ـ بضم العين ـ قلت :

__________________

(١) البيقور : اسم جمع دال على جماعة البقر ، كالباقر ، والبقير ، والباقور ؛ قال الشاعر :

لادرّ درّ رجال خاب سعيهم

يستمطرون لدى الأزمات بالعشر

أجاعل أنت بيقورا مسلّعة

ذريعة لك بين الله والمطر؟

(٢) انظر فى النسب إلى حى وطى (ح ٢ ص ٤٩ ، ٥٠). وفى النسب إلى علىّ وقصىّ (ح ٢ ص ٢٢). وفى النسب إلى تحية ومحى (ح ٢ ص ٤٥)

(٣) أريية : تصغير أروية ، وانظر (ح ١ ص ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧)

١٩٣

قوّان عند المبرد ، والأولى أن لا تدغم بل تقلب الثانية ياء كما يجىء فى باب الإدغام ، ومن لم يدغم فى حيى جاز أن لا يدغم فى نحو قووان ؛ بل يقلب الثانية ياء ، ويقلب ضمة ما قبلها كسرة ، كما مر فى هذا الباب ؛ لأن الإعلال قبل الإدغام ، وهذا قول الجرمى ؛ وإن لم يجز الإدغام كما إذا بنيت على فعلان ـ بفتح العين ـ من القوة ، قال سيبويه : تقول : قووان ، كما قال من حيى : حييان ، والأولى أن يقال : قويان ؛ لاستثقال الواوين ، فلما لم يجز التخفيف بالإدغام خفف بقلب إحداهما ياء ، وإذا قلبت الياء واوا فى حيوان لكراهة اجتماع الياءين فقلب الثانية ياء فى قووان لكون الواو أثقل أولى ، ولو بنيت على فعلان ـ بكسر العين ـ انقلبت الثانية ياء للكسرة ؛ لأن الإعلال قبل الإدغام كما تقدم ، وإن كان ذلك فى الطرف : فإن انفتحت الأولى لزوما قلبت الثانية ألفا كما فى القوى والصّوى (١) ويقوى وأقوى ، وأما فى طووىّ منسوبا إلى طىّ فلعروض فتحة الأولى ، وأما فى قووىّ منسوبا إلى قوى علما (٢) فلعروض حركة الثانية ، وإن كانت الأولى مكسورة أو مضمومة قلبت الثانية ياء ، كقوى وقوى ـ على وزن عضدو فخذ ـ من القوّة ، وإن سكنت أولى الواوين فإن كانتا فى الوسط سلمتا من القلب كقوول إلا فى نحو قوّل على ما تقدم ، وإن كانتا فى الطرف : فإن كانت الكلمة ثلاثية لم تقلب إلا إذا

__________________

(١) الصوى : جمع ـ صوة ـ كقوة ـ وهى جماعة السباع ، وهى أيضا حجر يكون علامة فى الطريق ، وانظر (ص ١٢٣ من هذا الجزء)

(٢) إنما قيد قوى بكونه علما احترازا عنه جمعا ؛ فأنه يرد فى النسبة إليه إلى واحده فيقال قوى ـ بضم القاف وتشديد الواو ـ وهذا على رأى جمهور النحاة الذين يوجبون رد الجمع إلى واحده عند النسبة إليه ، وأما على رأى من يجيز النسب إلى لفظ الجمع فلا محل لتقييد قوى بكونه علما ، وتكون النسبة إليه حينئذ قووى علما كان أو جمعا

١٩٤

انكسر ما قبلها ، نحو قوّ وقوّ ، وتقول على وزن حبر : قىّ ، وإن كانت الكلمة على أكثر من ثلاثة صحت المفتوح ما قبلها نحو غزوّ ، وانقلبت المكسور ما قبلها ياء وجوبا كغزىّ ـ على وزن فلز (١) ـ والمضموم ما قبلها جوازا فى المذكر المفرد نخو غزوّ ، وغزىّ ، كعتوّ وعتىّ ، ووجوبا فى الجمع كدلىّ

وإن اجتمع ثلاث واوات فإن كانت الأخيرة لاما : فإما أن تكون الأولى مدغمة فى الثانية أو الثانية فى الثالثة أو ليس شىء منها مدغما فى شيء ، ففى الأول تقلب الثالثة ألفا إن انفتح ما قبلها كقوّى والمقوّى ، وياء إن انكسر كيقوّى والمقوّى ، أو انضم كقوّ على وزن برثن (٢) من القوة ، وفى الثانى تقلب المشددة ياء مشددة : انفتح ما قبلها كقوىّ ـ على وزن هجفّ (٣) أو قمطر (٤) ـ أو انكسر كقوىّ ـ على وزن فلزّ ـ أو انضم كقوىّ ـ على وزن قمدّ ـ بكسر ذلك الضم ، ، فيجوز كسر الفاء إتباعا كعتىّ وذلك لثقل الواوات المتحرك ما قبلها بخلاف نحو حيىّ فان الياء أخف ، وكذا إذا كانت أولى الواوات ثالثة الكلمة وتحرك ما قبلها نحو غزوىّ ـ على وزن حلكوك ـ فان سكن ما قبلها : فان انفتحت الأولى سلم الجميع ، نحو غزووّ ـ على وزن قرشبّ (٥) أو قرطعب ـ وإن انضمت أو انكسرت قلبت

__________________

(١) الفلز ـ بكسر الفاء واللام وتشديد الزاى ـ : نحاس أبيض تجعل منه القدور ، أو هو جواهر الأرض كلها ، والرجل الغليظ الشديد والضريبة تجرب عليها السيوف ، وفيه لغتان أخريان : كهجف وعتل ، ومراد المؤلف هنا اللغة الأولى.

(٢) البرثن : هو للسبع والطير كالأصابع للانسان ، وانظر (ح ١ ص ٥١)

(٣) الهجف : الظليم المسن ، وانظر ص ١٨٩ من هذا الجزء)

(٤) القمطر : ما تصان فيه الكتب ، وانظر (ح ١ ص ٣ ، ٥١)

(٥) القرشب : الضخم الطويل من الرجال ، وانظر (ح ١ ص ٦١)

١٩٥

المشددة ياء وكسرت الضمة. كمقويّ وغزوىّ ـ كعصفور ـ من الغزو ، وإن لم تكن إحداهما مدغمة فى الأخرى قلبت الأخيرة ألفا : إن انفتح ما قبلها ، وياء إن انكسر نحو اقووى على وزن احمرر ـ فإن أدغمت قلت قوى ، وإن لم تدغم قلبت الثانية ياء على قياس قويان ، وهو ههنا أولى ، فتقول : اقويا يقويى وتقول فى نحو هدبد وجندل من القوة : قوو ، وقوو ـ بقلب الثالثة ياء ـ لكسرة ما قبلها ، ولا تدغم الأولى فى الثانية مع لزوم حركة الثانية ، محافظة على بناء الإلحاق ، وأيضا لعدم مشابهة الفعل

هذا والأولى أن لا يبنى من الأسماء المزيد فيها غير المتصلة بالفعل ما يؤدى إلى مثل هذا الثقل كما يجىء فى أول باب الإدغام

وإن اجتمعت الثلاث الواوات فى الوسط بقيت على حالها نحو قوّول على وزن سبّوح واقووّل كاغدودن (١) ، والأخفش يقلب الأخيرة فى اقووّل ياء ، فتنقلب الثانية ياء أيضا ، وسيبويه لم يبال بذلك ، لتوسطها ، وينبغى للأخفش أن يقول فى قوول : قويل ، إلا أن يعتذر بخفة واو المد ، وإنما لم يقلب الأخفش فى نحو اقووول لكون الوسطى كالألف ، لأنها بدل منه ، ألا ترى أنه لم يقلب أوّل واوى وورى همزة وجوبا لمثل ذلك؟

واذا اجتمع أربع واوات فالواجب قلب الثالثة والرابعة ياء إن كانت الثالثة مدغمة فى الرابعة نحو قوّىّ ـ على وزن قرطعب ـ من القوة ، لأنه أثقل من نحو غزووّ ، وإن لم تكن مدغمة فيها قلبت الأخيرة ألفا إن انفتح ما قبلها ، وياء إن انكسر ، وتبقى الثالثة بحالها عند سيبويه نحو قوّو ـ على وزن جحمرش ـ ، لأنه إذن كاقووّل وتقول على وزن قذعمل : قووّ ، وعلى وزن اغدودن اقووّى ، والأخفش يقلب الثالثة ياء فتقول قوّى ـ كجحمرش ـ

__________________

(١) اغدودن النبت : طال ، وانظر (ح ١ ص ٦٨ ، ١١٢)

١٩٦

وقوىّ كقذعمل ـ واقويّا ـ كاغدودن ـ لاستثقال الواوات ، فتنقلب القريبة من الطرف ياء ، ولا تقلب الواو الثالثة فى قوّو ـ كجحمرش ـ ألفا ، كما لم تقلب واو قوى كما مر ، والله أعلم بالصواب

قال : «الإبدال : جعل حرف مكان حرف غيره ، ويعرف بأمثلة اشتقاقه كتراث وأجوه ، وبقلّة استعماله كالثّعالى ، وبكونه فرعا والحرف زائد كضويرب ، وبكونه فرعا وهو أصل كمويه ، وبلزوم بناء مجهول نحو هراق واصطبر وادّارك»

أقول : الإبدال فى اصطلاحهم أعم من قلب الهمزة ، ومن قلب الواو ، والياء ، والألف ، لكنه ذكر قلب الهمزة فى تخفيف الهمزة مشروحا ، وذكر قلب الواو والياء والألف فى الإعلال مبسوطا ؛ فهو يشير فى هذا الباب إلى كل واحد منها مجملا ، ويذكر فيه إبدال غيرها مفصلا ، ويعنى بأمثلة اشتقاقه الأمثلة التى اشتقت مما اشتق منه الكلمة التى فيها الإبدال ، كترات (١) فإن أمثلة اشتقاقه فى ورث يرث وارث موروث ، وجميعها مشتق من الوراثة ، كما أن تراثا مشتق منها ، وكذا توجّه ومواجهة ووجيه مشتقة من الوجه الذى أجوه مشتق منه ، فإذا كان فى جميع أمثلة اشتقاقه مكان حرف واحد منه حرف آخر عرفت أن الحرف الذى فيه بدل مما هو ثابت فى مكانه فى أمثلة اشتقاقه.

قوله «وبقلة استعماله» أى : بقلة استعمال اللفظ الذى فيه البدل ، يعنى إذا كان لفظان بمعنى واحد ولا فرق بينهما لفظا إلا بحرف فى أحدهما يمكن أن يكون بدلا من الحرف الذى فى الآخر فإن كان أحدهما أقل استعمالا من الآخر فذلك الحرف فى ذلك الأقل استعمالا بدل من الحرف الذى فى مثل ذلك الموضع

__________________

(١) التراث ـ كغراب ـ : المال الموروث ، انظر (ح ١ ص ٢٠٧)

١٩٧

من الأكثر استعمالا ، كما ذكرنا فى أول الكتاب (١) فى معرفة القلب ، والثعالى والثعالب بمعنى واحد ، والأول أقل استعمالا من الثانى

قوله «وبكونه فرعا والحرف زائد» أى بكون لفظ فرعا للفظ ، كما أن المصغر فرع المكبر ، وفى مكان حرف فى الأصل حرف فى الفرع يمكن أن يكون بدلا منه كما أن واو ضويرب بدل من ألف ضارب ، أو يكون حرف الأصل بدلا من حرف الفرع ، كما أن ألف ماء وهمزته بدلان من الواو والهاء اللذين فى مويه ، فأنت بفرعية لفظ للفظ ومخالفة حرف أحدهما لحرف الآخر لا تعرف إلا أن أحدهما بدل من الآخر ولا تعرف أيّهما بدل من الآخر ، بل معرفة ذلك موقوفة على شىء آخر ، وهو أن ينظر فى الفرع ، فإن زال فيه موجب الإبدال الذى فى الأصل كما زال فى مويه علة قلب الواو ألفا بانضمام ما قبلها ، وعلة قلب الهاء همزة ـ وهى وقوع الهاء التى هى كحرف العلة بعد الألف التى كالزائدة ـ عرفت أن حرف الفرع أصل ، وإن عرض فى الفرع علة الإبدال التى لم تكن فى الأصل كما عرض بضم فاء ضويرب علة قلب ألف ضارب واوا عرفت أن حرف الفرع فرع

قوله «وبكونه فرعا» أى : بكون لفظه فرعا «والحرف زائد» : أى الحرف الذى هو مبدل منه زائد كألف ضارب

قوله «وهو أصل» أى : الحرف المبدل منه أصل كواو مويه وهائه ، ولا شك فى انغلاق ألفاظه ههنا

قوله «وبلزوم بناء مجهول» أى : يعرف الإبدال بأنك لو لم تحكم فى كلمة بكون حرف فيها بدلا من الآخر لزم بناء مجهول ، كما أنك لو لم تحكم بأن هاء

__________________

(١) انظر (ح ١ ص ٢٤)

١٩٨

هراق (١) بدل وكذا طاء اصطبر والدال الأولى من ادّارك لزم بناء هفعل وافطعل وافّاعل وهى أبنية مجهولة ، ولقائل أن يمنع ذلك فى افطعل وافّاعل ، وذلك أن كل ما هو من هذين البناءين افتعل وتفاعل ، وفاء الأول حرف إطباق وفاء الثانى دال أو تاء أوثاء أو غير ذلك مما يجىء فى بابه ، فإن بعد فاء الأول طاء وجوبا وقبل فاء الثانى حرفا مدغما فيه جوازا فهما بناءان مطردان لا مجهولان ، بلى يعرف كون الحرفين فى البناءين بدلين بأن الطاء لا تجىء فى مكان تاء الافتعال إلا إذا كان قبلها حرف إطباق ، وهى مناسبة للتاء فى المخرج ولما قبلها من حروف الإطباق بالإطباق فيغلب على الظن إبدال التاء طاء لاستثقالها بعد حرف الإطباق ومناسبة الطاء لحرف الإطباق والتاء ، وكذا الكلام فى الحرف المدغم فى نحو ادّكر واثاقل.

قال : «وحروفه أنصت يوم جدّ طاه زلّ ، وقول بعضهم : استنجده يوم طال وهم فى نقص الصّاد والزّاى لثبوت صراط وزقر ، وفى زيادة السّين ، ولو أورد اسّمع ورد اذّكر واظّلم»

أقول : يعنى بحروف الإبدال الحروف التى قد تكون بدلا من حروف أخر ، فأما الحروف التى هذه الحروف بدل منها فتجىء عند التفصيل.

قوله : «وقولهم استنجده يوم طال» قول صاحب المفصل ، ولم يعد سيبويه فى باب البدل الصاد والزاى ، وعدهما السيرافى فى آخر الباب ، وعد معهما شين الكشكشة التى هى بدل من كاف المؤنث قال :

١٥٦ ـ تضحك منّى أن رأتنى أحترش

ولو حرشت لكشفت عن حرش (٢)

__________________

(١) انظر فى كلمة «هراق» (ح ٢ ص ٣٨٤ ، ٣٨٥)

(٢) هذا البيت من الرجز ، وقد استشهد به المؤلف فى شرح الكافية أيضا (الشاهد ٩٥٦) ولم ينسبه البغدادى فى شرح شواهد الكتابين ، وأحترش : مضارع

١٩٩

وأما التى تزاد بعد كاف المؤنث نحو أكر متكش فليست من هذا ، ولم يعد سيبويه السين كما عدها الزمخشرى ، ولا وجه له ؛ قالوا : وجاء الثاء بدلا من الفاء ، حكى أبو على عن يعقوب ثروغ (١) الدّلو ، وفروغها ، وهو من التفريغ ، وكذا الباء من الميم ، حكى أبو على عن الأصمعى : ما اسبك : أى ما اسمك؟

وقد جاء الحاء فى الشعر بدلا من الخاء شاذا ، قال :

١٥٧ ـ ينفحن منه لهبا منفوحا

لمعا يرى لا ذاكيا مقدوحا (٢)

وقال رؤبة :

١٥٨ ـ غمر الأجارى كريم السّنح

أبلج لم يولد بنجم الشّحّ (٣)

__________________

من الاحتراش ، وهو صيد الضب خاصة ، ويقال : حرشه يحرشه ـ من باب ضرب ـ واحترشه كذلك ، وأصله أن يدخل الحارش يده فى جحر الضب ويحركها فيظنه الضب حية فيخرج ذنبه ليضربها به فيصيده ، وحرشت وكشفت بكسر التاء ، على خطاب الأنثى ، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ، والاستشهاد به فى قوله «حرش» حيث أبدل من كاف خطاب المؤنثة شينا ، وأصله «حرك» وهذه لغة بنى عمرو بن تميم

(١) ثروغ الدلو : جمع ثرغ ـ بفتح فسكون ـ وهو ما بين عراقى الدلو ، والثاء فيه بدل من الفاء ، ويقال : فرغ ، وفراغ ـ ككتاب ـ وفى القاموس : الفرغ مخرج الماء من الدلو بين العراقى

(٢) هذا البيت من الرجز المشطور ، ولم نعرف قائله ، وقد أنشده ابن جنى فى سر الصناعة عن ابن الأعرابى ولم ينسبه ، وينفحن ـ بالحاء المهملة ـ أصله ينفخن ـ بالخاء المعجمة ـ فأبدل الخاء حاء ، واللهب : ما تطاير من ألسنة النيران ، والذاكى : الشديد الوهج. ومقدوح : اسم مفعول ، من قدح الزند ونحوه ، إذا أخرج منه النار ، والاستشهاد بالبيت فى «ينفحن» حيث أبدل الخاء المعجمة حاء مهملة

(٣) هذا بيت لرؤبة بن العجاج ذكر البغدادى أنه من قصيدة له يمدح فيها

٢٠٠