شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

ويغزيان ويرضيان ، بخلاف يدعو ويغزو ، وقنية وهو ابن عمّى دنيا شاذّ ، وطيّىء تقلب الياء فى باب رضى وبقى ودعى ألفا

وتقلب الواو طرفا بعد ضمّة فى كلّ متمكّن ياء فتنقلب الضّمّة كسرة كما انقلبت فى التّرامى والتّجارى ـ فيصير من باب قاض ، نحو أدل وقلنس ، بخلاف قلنسوة وقمحدوة ، وبخلاف العين كالقوباء والخيلاء ، ولا أثر للمدّة الفاصلة فى الجمع إلّا فى الإعراب ، نحو عتىّ وجثىّ ، بخلاف المفرد ، وقد تكسر الفاء للاتباع فيقال : عتىّ وجثىّ ، ونحو نحوّ شاذّ ، وقد جاء نحو معدىّ ومغزىّ كثيرا ، والقياس الواو»

أقول : اعلم أن الواو المتحركة المكسور ما قبلها لا تقلب ياء لتقويها بالحركة إلا بشرطين : أحدهما أن تكون لاما ؛ لأن الآخر محل التغيير ، فهى إذن تقلب ياء ، سواء كانت في اسم كرأيت الغازى ، أو فعل : مبنيا للفاعل كان كرضى من الرضوان ، أو للمفعول كدعى ، وسواء صارت فى حكم الوسط بمجىء حرف لازم للكلمة بعدها نحو غزيان على فعلان من الغزو ، وغزية على فعلة منه ، مع لزوم التاء كما فى عنصوة ، أو لم تصر كما فى غازية ، وقولهم مقاتوة فى جمع مقتوىّ شاذ (١) ووجه تصحيحه

__________________

(١) تقول : قتوت أقتو قتوا ومقتى مثل غزوت أغزو غزوا ومغزى ، ومعناه كنت خادما للملوك. قال الشاعر :

إنّى امرؤ من بنى فزارة لا

أحسن قتو الملوك والخببا

وقد قالوا للخادم : مقتوى ـ بفتح الميم وتشديد الياء آخره ـ وكأنهم نسبوه إلى المقتى الذى هو مصدر ميمى بمعنى خدمة الملوك ، وقالوا : مقتوين بمعنى خدم الملوك ، مثل قول عمرو بن كلثوم التغلبى :

بأىّ مشيئة عمرو بن هند

نكون لقيلكم فيها قطينا؟

تهدّدنا وأوعدنا رويدا ،

متى كنّا لامّك مقتوينا؟

١٦١

__________________

وقد اختلف العلماء فى ضبطه وتخريجه ؛ فضبطه أبو الحسن الأخفش بضم الميم وكسر الواو ، على أنه جمع مقتو اسم فاعل من اقتوى ، وأصله مقتوو بوزن مفعلل قلبت الواو الأخيرة ياء ؛ لنطرفها إثر كسرة ، ثم يعل ويجمع كما يعل ويجمع قاض ، وأصل اقتوى اقتوو ، قلبت الواو الثانية ألفا ؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ولم يدغموا كما يدغمون فى احمر ؛ لأن الاعلال مقدم على الادغام ، وذلك كما فى ارعوى ، ويدل لصحة ما ذهب إليه أبو الحسن قول يزيد بن الحكم يعاتب ابن عمه :

تبدّل خليلا بى كشكلك شكله

فإنّى خليلا صالحا بك مقتوى

وذهب غير واحد من الأئمة إلى أن مقتوين بفتح الميم وكسر الواو ، ولهم فيه تخريجان ستسمعهما بعد فيما نحكيه من أقوالهم ، وحكى أبو زيد وحده فتح الواو مع أن الميم مفتوحة

قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٥٣) فى الكلام على مواضع تاء التأنيث : «السادس أن تدخل أيضا على الجمع الأقصى دلالة على أن واحده منسوب كالأشاعثة والمشاهدة فى جمع أشعثى ومشهدى ، وذلك أنهم لما أرادوا أن يجمعوا المنسوب جمع التكسير وجب حذف ياءى النسب ؛ لأن ياء النسب والجمع لا يجتمعان ؛ فلا يقال فى النسبة إلى رجال : رجالى بل رجلى كما يجىء فى باب النسبة إن شاء الله ؛ فحذفت ياء النسبة ثم جمع بالتاء فصار التاء كالبدل من الياء كما أبدلت من الياء فى نحو فرازنة وجحاجحة كما يجىء ، وإنما أبدلت منها لتشابه الياء والتاء فى كونهما للوحدة كتمرة ورومى ، وللمبالغة كعلامة ودوارى ، ولكونهما زائدتين لا لمعنى فى بعض المواضع كظلمة وكرسى ، وقد تحذف ياء النسب إذا جمع الاسم جمع السلامة بالواو والنون لكن لا وجوبا كما فى جمع التكسير ، وإنما يكون هذا فى اسم تكسيره ـ لو جمع ـ على وزن الجمع الأقصى كالأشعرون والأعجمون فى جمع أشعرى وأعجمى وكذا المقتوون والمقاتوة فى جمع مقتوى ؛ قال :

*متى كنّا لأمّك مقتوينا*

والتاء فى مثل هذا المكسر لازمة ؛ لكونها بدلا عن الياء ولو كان جمع المعرب أو جمع المنسوب غير الجمع الأقصى لم تأت فيه بالتاء فلا تقول فى جمع فارسى :

١٦٢

__________________

فرسة ؛ بل فرس ، ولا فى جمع لجام : لجمة ؛ بل لجم ، وكأن اختصاص الأقصى بذلك ليرجع الاسم بسبب التاء إلى أصله من الانصراف» ا ه. وقال أيضا فى باب جمع السلامة (ح ٢ ص ١٧٢) ما نصه : «وحكى عن أبى عبيدة وأبى زيد جعل نون مقتوين معتقب الاعراب ، ولعل ذلك لأن القياس مقتويون ـ بياء النسب ـ فلما حذف ياء النسب صار مقتوون كقلون ، وقوله :

*متى كنّا لأمّك مقتوينا*

الألف فيه بدل من التنوين إن كان النون معتقب الاعراب ، وإلا فالألف للاطلاق ، وحكيا جميعا : رجل مقتوين ، ورجلان مقتوين ، ورجال مقتوين ، قال أبو زيد : وكذا للمرأة والمرأتين والنساء ، ولعل سبب تجرئهم على جعل مقتوين للمثنى والمفرد فى المذكر والمؤنث مع كونه فى الأصل جمع المذكر كثرة مخالفته للجموع ، وذلك من ثلاثة أوجه : كون النون معتقب الاعراب ، وحذف ياء النسب الذى فى الواحد وهو مقتوى ، وإلحاق علامة الجمع بما بقى منه وهو مقتو مع عدم استعماله ، ولو استعمل لقلب واوه ألفا فقيل : مقتى ، ولجمع على مقتون ـ كأعلون ـ لا على مقتوون ، وإنما قلنا : إن واحده مقتو المحذوف الياء كما قال سيبويه فى المهلبون والمهالبة : إنه سمى كل واحد منهم باسم من نسب إليه ؛ فكان كلا منهم مهلب ؛ لأن الجمع فى الظاهر للمحذوف منه ياء النسب ، ويجوز أن يقال : إن ياء النسب فى مثل مقتوون والأشعرون والأعجمون حذف بعد جمعه بالواو والنون ، وكان الأصل مقتويون وأشعريون وأعجميون ، وحكى أبو زيد فى مقتوين فتح الواو قبل الياء فى من جعل النون معقب الاعراب نحو مقتوين ، وذلك أيضا لتغييره عن صورة الجمع بالكلية لما خالف ما عليه جمع السلامة» ا ه

وقال أبو الحسن الأخفش فى شرح نوادر أبى زيد (ص ١٨٨) : القياس ـ وهو مسموع من العرب أيضا ـ فتح الواو من مقتوين فنقول : مقتوين فيكون الواحد مقتى فاعلم ، مثل مصطفى فاعلم ، ومصطفين إذا جمعت ، ومن قال : مقتوين فكسر الواو فانه يفرده فى الواحد والتثنية والجمع والمؤنث ، لأنه عنده مصدر فيصير بمنزلة قولهم : رجل عدل وفطر وصوم ورضى وما أشبهه ، وذلك أن المصدر لا يثنى ولا

١٦٣

إجراؤه مجرى مقتوين كما ذكرنا فى جمع السلامة ، وقالوا : خنذوة (١) بالواو ؛ لئلا يلتبس فعلوة القليل بفعلية الكثير كعفرية (٢) ونفرية (٣)

__________________

يجمع ؛ لأنه جنس واحد ، فاذا قلت رجل عدل وما أشبهه فتقديره عندنا رجل ذو عدل فحذفت ذو وأقمت عدلا مقامه فجرى مجرى قوله عزوجل (واسأل القرية) وهذا فى المصادر بمنزلة قولهم : إنما فلان الأسد وفلانة الشمس يريدون مثل الأسد ومثل الشمس ، فاذا حذفوا مرفوعا جعلوا مكانه مرفوعا ، وكذلك يفعلون فى النصب والخفض فأما أبو العباس محمد بن يزيد فأخبرنى أن جمع مقتوين عند كثير من العرب مقاتوة ، فهذا يدلك على أنه فى هذه الحكاية غير مصدر وليس بجمع مطرد عليه باب ، ولكنه بمنزلة الباقر والجامل والكليب والعبيد ؛ فهذه كلها وما أشبهها عندنا أسماء للجميع وليست بمطردة ، وهى ـ وإن كان لفظها من لفظ الواحد ـ بمنزلة نفر ورهط وقوم وما أشبهه ، ويقال : مقت الرجل إذا خدم ، فهذا بين فى هذا الحرف» ا ه

(١) قال فى اللسان : «والخنذوة (بضمتين بينهما سكون) : الشعبة من الجبل ، مثل بها سيبويه ، وفسرها السيرافى. قال : ووجدت فى بعض النسخ حنذوة (بالحاء المهملة) ، وفى بعضها جنذوة (بالجيم المعجمة) ، وخنذوة بالخاء معجمة أقعد بذلك يشتقها من الخنذيذ (وهو الجبل الطويل المشرف الضخم) وحكيت خنذوة ـ بكسر الخاء ـ وهو قبيح ؛ لأنه لا يجتمع كسرة وضمة بعدها واو ، وليس بينهم إلا ساكن ؛ لأن الساكن غير معتد به ؛ فكأنه خذوة (بكسر الخاء وضم الذال) وحكيت : جنذوة وخنذوة وحنذوة (بكسر الأول والثالث وسكون الثانى فى الجميع) لغات فى جميع ذلك ، حكاه بعض أهل اللغة ، وكذلك وجد فى بعض نسخ كتاب سيبويه ، وهذا لا يعضده القياس ولا السماع ، أما الكسرة فانها توجب قلب الواو ياء وإن كان بعدها ما يقع عليه الاعراب وهو الهاء ، وقد نفى سيبويه مثل ذلك ، وأما السماع فلم يجىء لها نظير ، وإنما ذكرت هذه الكلمة بالحاء والخاء والجيم ؛ لأن نسخ كتاب سيبويه اختلفت فيها» ا ه

(٢) العفرية : الخبيث المنكر ، وأسد عفرية : شديد. انظر (ح ١ ص ٢٥٥ ، ٢٥٦)

(٣) نفرية : إتباع لعفرية ، يقال : عفرية نفرية ، كما يقال : عفريت نفريت

١٦٤

وهبرية (١) ونحوها ، ولو خففت رضى وغزى قلت : رضى وغزى ، كما تقول فى علم وعصر : علم وعصر ، ولا ترد الياء إلى أصلها من الواو مع زوال الكسرة فى التخفيف ؛ لعروض زوالها ، وقالوا : رضيوا وغزيوا ، فاعتد بالكسرة المقدرة من جهة قلب الواو ياء ، ولم يعتدوا بها من جهة إثبات ضمة الياء ، ولو اعتدوا بها من كل جهة لقيل : رضوا وغزوا ؛ استثقالا لضمة الياء بعد الكسرة ؛ فلم يتبين كون الواو لاحقا برضى وغزى المخففين ، وثانيهما : أن تكون عينا فى اسم محمول على غيره ، كما فى قيام وديار ورياض ، على ما مضى

وأما الياء المتحركة المضموم ما قبلها فإن لم تقع لاما ولم تنكسر كما فى هيام وعيبة وعين (٢) جمع عيان لم تقلب واوا ، لتقويها بالحركة مع توسطها ، وإن انكسرت كما فى بيع فقد مضى حكمها (٣) وإن وقعت لاما فان كان يلزمها الفتح قلبت الياء واوا لانضمام ما قبلها ؛ لأن الآخر محل التغيير ، وبلزوم الفتح لا يستثقل فى الأخير واو مضموم ما قبلها ، كما لم يستثقل فى هو ، وذلك إما فى الفعل كرمو الرجل زيد ، من الرمى ، وإن خففت ضمة العين لم تتغير الواو ، لعروض التخفيف تقول : رمو الرجل ، كما تقول فى ظرف ظرف ، أو فى الاسم ، وإنما يكون ذلك فيه إذا جاء بعدها زائد لازم موجب لفتح ما قبله كأرموان ، من الرمى على وزن أسحمان (٤) فلم يستثقل ، كما لم يستثقل فى عنفوان وأقحوان وقمحدوة لكون الواو كأنها ليست لاما ، وكرموة على وزن فعلة من رميت ، إذا لزم التاء ، وإن لم تلزم قلت رمية ورم ، بقلب الواو ياء والضمة كسرة لكونها

__________________

(١) هبرية ـ كشرذمة ـ : ما طار من زغب القطن ، وما طار من الريش أيضا ، وما يتعلق بأسفل الشعر من وسخ الرأس

(٢) انظر (ص ٨٧ من هذا الجزء)

(٣) انظر (ص ٨٦ من هذا الجزء)

(٤) انظر (ح ٢ ص ٣٩٥)

١٦٥

فى حكم المتطرفة ، وكذا إذا كانت ضمة ما قبل الياء المتحركة على واو وجب قلب الضمة كسرة ، وإن لزم الحرف الذى يلى الياء ، نحو طويان بكسر الواو على وزن فعلان ـ بضم العين ـ من طوى ومطوية على وزن مسربة منه (١) ؛ لأن نحو قوونا تقلب واوه الأخيرة ياء كما يجىء ، فكيف تقلب ياء طويان واوا؟ وإن لم يلزمها الفتح كالتّجارى والتّمارى قلبت الضمة كسرة ، ولم تقلب الياء واوا ، لاستثقال كون أثقل حروف العلة : أى الواو ، وقبلها أثقل الحركات : أى الضمة ، موردا للإعراب ، وأما بهو الرجل يبهو بمعنى بهى يبهى أى صار بهيّا كما ذكرنا فى أول الكتاب ، فإنما قلبت ياء بهو واوا مع كونه موردا للإعراب ، لما ذكرنا هناك فليرجع (٢) إليه ، وكذا تقلب الضمة كسرة إذا كانت الياء التى هى مورد للاعراب مشدّدة نحو رمىّ ، على وزن قمدّ (٣) من الرمى

قوله «أو رابعة فصاعدا» تقلب الواو الرابعة فصاعدا المفتوح ما قبلها المتطرفة ياء بشرطين : أحدهما أن لا يجوز قلبها ألفا إما لسكون الواو كما فى أغزيت واستغزيت ، أو للإلباس كما فى يغزيان ويرضيان وأعليان ، على ما تقدم ، وذلك أن قصدهم التخفيف ، فما دام يمكنهم قلبها ألفا لم تقلب ياء ؛ إذ الألف أخف ؛ وثانيهما : أن لا يجىء بعدها حرف لازم يجعلها فى حكم المتوسط ، كما جاء فى مذروان (٤) وإنما قلبت الواو المذكورة ياء لوقوعها موضعا يليق به الخفة ؛ لكونها

__________________

(١) المسربة ـ بضم الراء ، وتفتح ـ : الشعر الدقيق النابت وسط الصدر إلى البطن ؛ وفى الصحاح : الشعر المستدق الذى يخرج من الصدر إلى السرة ؛ قال سيبويه «ليست المسربة على المكان ولا المصدر ، وإنما هى اسم للشعر»

(٢) انظر (ح ١ ص ٧٣ ، ٧٦)

(٣) انظر (ح ١ ص ٥٣)

(٤) المذروان : طرفا الألية ، وذلك مما لا يستعمل إلا مثنى ، وتقول : جاء فلان ينفض مذرويه ، إذا جاءك باغيا متهددا ، قال عنترة بن شداد العبسى يخاطب عمارة بن زياد العبسى :

أحولى تنفض استك مذرويها

لتقتلنى فهأنذا عمارا

١٦٦

رابعة ومتطرفة وتعذّر غاية التخفيف ، أعنى قلبها ألفا ؛ [لسكونها لفظا أو تقديرا] كما ذكرنا ، فقلبت إلى حرف أخف من الواو ، وهو الياء ؛ وقيل : إنما قلبت الواو المذكورة ياء لانقلابها ياء فى بعض التصرفات ، نحو أغزيت وغازيت ، فإن مضارعهما أغزى وأغازى ، وأما فى تغزّيت وتغازيت فإنه وإن لم تقلب الواو ياء فى مضارعيهما : أعنى أتغزّى وأتغازى ، لكن تعزّيت وتغازيت فرعا أغزيت وغازيت المقلوب واوهما ياء ، وهذه علة ضعيفة كما ترى لا تطرد فى نحو الأعليان ، ولو كان قلب الواو ياء فى المضارع يوجب قلبها فى الماضى ياء لكان قلبها ياء فى نفس الماضى أولى بالإيجاب ، فكان ينبغى أن يقال غزيت ، لقولهم غزى ، وأيضا المضارع فرع الماضى لفظا فكيف انعكس الأمر؟ فكان على المصنف أن يقول. ولم يضم ما قبلها ولم يجز قلبها ألفا ، ليخرج نحو أغزى ، وليس أيضا قوله «ولم ينضم ما قبلها» على الإطلاق ، بل الشرط أن لا ينضم ما قبلها فى الفعل نحو يغزو ويدعو ، وأما فى الاسم فيقلب ياء نحو الأدلى جمع الدّلو والتغازى ، وكان الأولى به أن يقول مكان قوله ولم ينضم ما قبلها : وانفتح ما قبلها ، وأن يؤخر ذكر نحو يدعو إلى قوله «وتقلب الواو طرفا بعد ضمة» كما نذكر ،

وقوله «وقنية (١) وهو ابن عمى دنيا (٢) شاذ» وذلك لأنك قلبت الواو

__________________

(١) القنية ـ بكسر القاف وضمها ـ : ما يقتنيه الانسان لنفسه لا للتجارة ، ويقال فيه : قنوة ـ بكسر أوله وضمه ، انظر (ح ٢ ص ٤٣). هذا ما ذكره الكوفيون فهى عندهم ذات وجهين ؛ فلا شذوذ فيه ، ولم يحك البصريون إلا الواوى فقنية ـ بالكسر ـ شاذ عندهم ؛ لعدم اتصال الكسرة بالواو. وقنية ـ بضم القاف ـ : فرع قية ـ بكسرها ـ ضموا بعد قلب الواو ياء

(٢) يقولون : هو ابن عمى أو ابن خالى أو عمتى أو خالتى أو ابن أخى أو أختى دنية ودنيا ـ بكسر الدال فيهما مع تنوين المقصور وترك تنوينه ـ ودنيا ـ بضم الدال غير منون ـ : أى لاصق القرابة ، وفى معناه هو ان عمى لحا

١٦٧

التى هى لام ياء مع فصل الساكن بينها وبين الكسرة [قبلها] ، ووجه ذلك مع شذوذه كون الواو لاما وكون الساكن كالعدم ، وقنية من الواوى ، لقولك : قنوت ، والأولى أن يقال : هو من قنيت ، لأن لامه ذات وجهين ، ومنه قنيان بضم القاف.

قوله «وطيىء تقلب» قد مضى شرحه فى هذا الباب ، وهذا حكم مطرد عندهم : سواء كان أصل الياء الواو ، كما فى رضى ودعى ، أولا ، نحو بقى.

قوله «وتقلب الواو طرفا بعد ضمة» إلى قوله «كالقوباء والخيلاء» إذا وقعت الواو لاما بعد ضمة أصلية طرفا كما فى الأدلو ، أو فى حكم الطرف : بأن يأتى بعدها حرف غير لازم ، كتاء تأنيث غير لازمة نحو التّغازية أو ألف تثنية كالتّغازيان فى مثنى التغازى ، وكان ذلك فى اسم متمكن ، وجب قلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة ، لأن الواو المضموم ما قبلها ثقيل على ثقيل ، ولا سيما إذا تطرفت ، وخاصة فى الاسم المتمكن ، فإنه إذن موطىء أقدام حركات الإعراب المختلفة ، فتقلب الواو ياء ثم تقلب الضمة كسرة ، ولا يبتدأ بقلب الضمة كسرة لأن تخفيف الآخر أولى ، فإذا لم تكن لاما وانفتحت نحو القوباء لم تقلب ياء ، وكذا إذا انضمت فإن سكن ما بعدها نحو الحوول جاز إبقاؤها وجاز قلبها همزة ، وإن تحرك وجب إسكانها كالنّور فى جمع نوار ، وإن انكسرت بقيت بحالها نحو أودّ على وزن أكرم من الود ، وأما قيل ـ وأصله قول ـ فلما مر فى شرح الكافية (١) وكذا إذا كانت لاما لكن بعدها حرف لازم كتاء التأنيث فى نحو عنصوة وقمحدوة ، والألف والنون لغير المثنى كافعوان وأقحوان ؛ لم تقلب ياء ، إلا أن تكون الضمة قبل الواو على واو أيضا ، فإنه تقلب الواو ياء لفرط الثقل ، وإن وليها حرف لازم نحو قوية وقويان على وزن سمرة وسبعان ، ولا يدغم ؛ لأن الإعلال قبل

__________________

(١) قد ذكرنا ذلك قريبا فارجع إليه فى (ص ٨٣ من هذا الجزء)

١٦٨

الإدغام ، وكذا لا تقلب الواو ياء إذا لم تكن الضمة لازمة نحو أبوك وفوك وأخوك ، وكذا خطوات فإن الألف والتاء غير لازمة كتاء تغازية ، لكن ضمة الطاء عارضة فى الجمع ، ويجوز إسكانها ، وكذا لا تقلب إذا كانت فى الفعل كسرو ويسرو ويدعو ؛ وذلك لأن الفعل وإن كان أثقل من الاسم فالتخفيف به أولى وأليق ، كما تكرر ذكره ، ولكن صيرورة الكلمة فعلا ليست إلا بالوزن ، كما تقدم ؛ لأن أصله المصدر كما تقرر ، وهو ينتقل إلى الفعلية بالبنية فقط ؛ فالمصدر كالمادة والفعل كالمركب من المادة والصورة ، فلما كانت الفعلية تحدث بالبنية فقط واختلاف أبنية الأفعال الثلاثية وتمايز بعضها عن بعض بحركة العين فقط ؛ احتاطوا فى حفظ تلك الحركة ، ولذلك لا تحذف إذا لم يتميز بالنقل إلى ما قبلها كما فى قلت وبعت ، بخلاف هبت وخفت وطلت ويقول ويخاف ، على ما تبين فى أول الكتاب ، ولذلك قالوا رمو الرجل ، بخلاف نحو الترامى ، فثبت أنه لا يجوز كسر ضمة سرو ويدعو لئلا يلتبس بناء ببناء ، وكذا لا تقلب ياء إذا كانت فى اسم وتلزمها الفتحة ، نحو هو ، ولم يأت إلا هذا ، وإنما اغتفر ذلك فيه لقلة الثقل ؛ بكونه على حرفين ، ولزوم الفتح لواوه ، والتباسه بالمؤنث لو قلبت. وإنما ذكر الخيلاء مع القوباء ـ مع أن كلامه فى الواو المضموم ما قبلها دون الياء المضموم ما قبلها ـ لأن الياء المضموم ما قبلها فى حكم الواو المضموم ما قبلها ، فى وجوب قلب الضمة معها كسرة ، حيث يجب قلب ضمة ما قبل الواو كالترامى والترامية ، على ما قدمنا ، وعدم وجوب قلبها حيث لا يجب قلبها مع الواو ، وقال الفراء : سيراء (١) فى الأصل فعلاء ، بالضم ، فكسر لأجل الياء ،

__________________

(١) السيراء ـ بكسر السين وفتح الياء ، وتسكن ـ : ضرب من البرود ، وقيل : هو ثوب فيه خطوط كالسيور تعمل من القز ، وقيل : برود يخالطها حرير ، وقيل : هى ثياب من ثياب اليمن ، والسيراء أيضا : الذهب ، وقيل : الذهب الصافى ، وقال

١٦٩

كما تقول بيوت وعيون وبييت وعيين ، فى الجمع والتصغير ، قال السيرافى : الذى قاله ليس ببعيد لأنا لم نر اسما على فعلاء ـ بكسر الفاء ـ إلا العنباء بمعنى العنب والسّيراء والحولاء (١) بمعنى الحولاء ـ بضم الحاء ـ

قوله «ولا أثر للمدة الفاصلة فى الجمع» اعلم أن الواو المتطرفة المضموم ما قبلها فى الاسم المتمكن ، إن كانت مشددة قويت بعض القوة ، ثم : إما أن يجب القلب مع ذاك ، أو يكون أولى ، أو يكون تركه أولى.

فما يجب فيه قلبها شيئان : أحدهما : ما تكون الضمة فيه على الواو أيضا كما تقول غزوىّ على وزن عصفور من الغزو ، ومنه مقوىّ مفعول من القوة ،

__________________

الجوهرى : والسيراء ـ بكسر السين وفتح الراء والمد ـ : برد فيه خطوط صفر ، قال النابغة :

صفراء كالسّيراء أكمل خلقها

كالغصن فى غلوائه المتأوّد

وفى الحديث «أهدى إليه أكيدر دومة حلّة سيراء»

قال ابن الأثير : هو نوع من البرود يخالطه حرير كالسيور ، وهو فعلاء من السير القد (أى الجلد). قال : هكذا روى على هذه الصفة. قال : وقال بعض المتأخرين إنما هو على الاضافة ، واحتج بأن سيبويه قال : لم تأت فعلاء صفة لكن اسما ، وشرح السيراء بالحرير الصافى ، ومعناه حلة حرير ، وفى الحديث : أعطى عليا بردا سيراء ، وقال : اجعله خمرا ، وفى حديث عمر : رأى حلة سيراء تباع ، والسيراء أيضا : ضرب من النبت ، والجريدة من جرائد النخل ، ثم انظر (ج ٢ ص ٣٣٠)

(١) الحولاء ـ بكسر الحاء ، وضمها ، مع فتح الواو فيهما ـ : جلدة خضراء مملوءة ماء تخرج مع الولد ، فيها خطوط حمر وخضر ، وقد قالوا : نزلوا فى مثل حولاء الناقة ، يريدون الخصب وكثرة الماء والخضرة ، وفى القاموس : «والحولاء كالعنباء والسيراء ، ولا رابع لها» ا ه

١٧٠

والثانى جمع على فعول كجاث وجثىّ (١) وعصا وعصىّ ، ومنه قسىّ بعد القلب ، وقد شذ نحوّ جمع نحو ، يقال : إنه لينظر فى نحوّ كثيرة : أى جهات ، وكذا نجوّ جمع نجو ، وهو السحاب ، وبهوّ ، جمع بهو وهو الصدر ، وأبوّ وأخوّ ، جمع أب وأخ ، ولا يقاس عليه ، خلافا للفراء.

وما كان القلب فيه أولى ويجوز تركه : فهو كل مفعول ليس الضمة فيه على الواو ، لكنه من باب فعل بالكسر ، نحو مرضىّ ، فإنه أكثر من مرضو ، إتباعا للفعل الماضى.

وما كان ترك القلب فيه أولى كل مصدر على فعول كجثوّ وعتو ، ومن قلب فلاعلال الفعل ، فان لم تتطرف الواو لم تقلب كالأخوة والأبوة

وندر القلب فى أفعول وأفعولة كأغزوّ وأغزوّة ، وقد جاء أدعوّة وأدعيّة (٢) ومنه الأدحىّ (٣) وكذا فى الفعول والفعولة ، ويجوز أن يكون الأليّة بمعنى القسم فعولة وفعيلة ، وهو واوى (٤) ، لقولهم الألوة بمعناه ، وكذا فى اسم مفعول

__________________

(١) جاث : اسم فاعل من جثا يجثو ويجثى ، كدعا وكرمى ـ ومعناه جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه ، والجثى : جمع الجاثى ، وأصله جثوو فقلبت الواو المتطرفة ياء ، ثم قلبت الواو قبلها ياء أيضا لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون ، ثم قلبت ضمة الثاء كسرة

(٢) يقال : بينهم أدعية يتداعون بها ـ بضم الهمزة وسكون الدال وكسر العين مع تشديد الياء ـ والأدعوة : مثله ، وهى الأغلوطه ، وذلك نحو قول الشاعر :

أداعيك ما مستحقبات مع السّرى

حسان وما آثارها بحسان

أراد السيوف

(٣) الأدحى والأدحية ـ بضم الهمزة أو كسرها مع سكون الدال وكسر الحاء ـ ويقال : أدحوة ، وهى مبيض النعام فى الرمل ، سميت بذلك لأن النعامة تدحو الرمل :

أى تبسطه برجلها ثم تبيض فيه ، وليس للنعام عش

(٤) الألية ـ بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد الياء ـ : اليمين ، قال الشاعر :

علىّ أليّة إن كنت أدرى

أينقص حبّ ليلى أم يزيد ـ

١٧١

ليس الضمة فيه على الواو ، ولا هو من باب فعل بالكسر ، كمغزو ، ويقال : أرض مسنوّة (١) ومسنّية ، قال :

١٤٨ ـ *أنا اللّيث معديّا عليه وعاديا (٢)*

وقد يعل هذا الاعلال الذى لامه همزة ، وذلك بعد تخفيف الهمزة ، كقولهم

__________________

ـ وقال الآخر :

قليل الألايا حافظ ليمينه

وإن سبقت منه الأليّة برّت

والألوة : بمعناه ، والذى يتجه عندنا أن الألية فعلية ، وأصلها أليوة ، فقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون ، ثم أدغمتا ، ويبعد عندنا أن تكون فعولة ؛ لأنه كان يجب أن يقال : ألوة ـ كعدوة ـ والقول بأن الواو قلبت ياء شذوذا لا داعى له ما دام للكلمة محمل صحيح

(١) أصل هذه الكلمة من السانية ، وهى الدلو العظيمة التى يستقى بها ، والسانى الساقى ، وتقول : سنا الأرض يسنوها ؛ إذا سقاها ، وأرض مسنوة ومسنية : اسما مفعول من ذلك. قال فى اللسان : «ولم يعرف سيبويه سنيتها ، وأما مسنية عنده فعلى يسنوها ، وإنما قلبوا الواو ياء لخفتها وقزبها من الطرف» ا ه

(٢) هذا عجز بيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثى ، وصدره قوله :

*وقد علمت عرسى مليكة أنّنى*

والبيت من قصيدة طويلة له يقولها وهو أسير عند تيم الرباب يوم الكلاب ، ومطلعها قوله :

ألا لا تلومانى كفى اللوم مابيا

فما لكما فى اللوم خير ولا ليا

وعرس الرجل ـ بكسر فسكون ـ امرأته ، ومليكة : اسمها ، وهو بضم أوله وفتح ثانيه ، والاستشهاد بالبيت فى قوله «معديا» حيث جاء به معلا ، وهو من عدا يعدو ، وكان حقه أن يقول : معدوا ، كما تقول دعوته فهو مدعو وغزوته فهو مغزو ، ولكنه شبهه بالجمع فأعله ، ومنهم من يجعله جاريا على عدى المبنى للمجهول : أى فلما أعل فعله أعل هو حملا عليه كما قالوا : مرضى ، لقولهم رضى : بالاعلال.

١٧٢

مخبىّ (١) ، والأصل مخبوّ وقد جاء فى جمع فتى مع كونه يائيا فتوّ شاذا (٢) ، كما شذ نحوّ لعدم قلب الواو ياء.

ويجوز لك فى فاء فعول : جمعا كان ، أو غيره ، بعد قلب الواو ياء ؛ أن تتبعه العين ، وأن لا تتبعه ، نحو عنىّ ودلىء.

ويجوز لك فى عين فعّل جمعا من الأجوف الواوى نحو صوّم وقوّل قلبها ياء ، نحو صيّم وقيّل ، والتصحيح أولى ، وإنما جاز ذلك لكونه جمعا ، ولقرب الواو من الطرف.

ولا يجوز فى حوّل حيّل (٣) لكونه مفردا ، وحكم المصنف قبل هذا بشذوذ قلب واو نحو صوّم ياء هذا القلب ، وكلام سيبويه يشعر بكونه قياسا ، وأما قوله :

*فما أرّق النّيّام إلّا سلامها (٤)*

فشاذ ؛ للبعد من الطرف.

قال : «وتقلبان همزة إذا وقعتا طرفا بعد ألف زائدة نحو كساء ورداء بخلاف راى وثاى ؛ ويعتدّ بتاء التّأنيث قياسا نحو شقاوة وسقاية ، ونحو صلاءة وعظاءة وعباءة شاذّ»

أقول : إنما تقلب الواو والياء المذكورتان ألفا ثم همزة لما ذكرنا قبل فى قلب الواو والياء [ألفا] لتحركهما وانفتاح ما قبلها ، ثم يجتمع الساكنان ، فلا يحذف

__________________

(١) أصل مخبى مخبوء اسم مفعول من خبأته مهموز اللام ، فخففت الهمزة فى اسم المفعول بقلبها واوا ، ثم أدغمت فى واو مفعول فصار مخبوا ، ثم أعل شذوذا بقلب الواو ياء : إما حملا له على الجمع ، وإما إجراء له على خبى مخفف خبىء ، على نحو ما ذكرناه فى معدى

(٢) انظر (ج ٢ ص ٢٥٧ و ٢٥٨)

(٣) الحول ـ كسكر ـ الشديد الاحتيال

(٤) (انظر ص ١٤٣ من هذا الجزء)

١٧٣

الأول مع كونه مدة ؛ لئلا يلتبس بناء ببناء ، بل يقلب الثانى إلى حرف قابل للحركة مناسب للألف ، وهو الهمزة ، لكونهما حلقيين ؛ إذ الأول مدة لاحظ لها فى الحركة ، ولا سبيل إلى قلب الثانى واوا أو ياء ؛ لأنه إنما فرّ منهما ، ولكون تحرك الواو والياء وانفتاح ما قبلهما سببا ضعيفا فى قلبهما ألفا ، ولا سيما إذا فصل بينهما وبين الفتحة ألف يمنعه عن التأثير وقوع حرف لازم بعد الواو والياء ؛ لأن قلبهما ألفا مع ضعف العلة إنما كان لتطرفهما ؛ إذ الآخر محل التغيير ، وذلك الحرف نحو تاء التأنيث إذا لزمت الكلمة كالنّقاوة (١) والنّهاية ، وألف التثنية إذا كان لازما كالثّنايان (٢) إذ لم يأت ثناء للواحد ، والألف والنون لغير التثنية كغزاوان ورمايان على وزن سلامان (٣) من الغزو والرمى ، فإن كانت التاء غير لازمة ـ وهى التاء الفارقة بين المذكر والمؤنث فى الصفات ـ كسقّاءة وغزّاءة لقولهم : سقاء وغزاء ، وتاء الوحدة القياسية نحو استقاءة واصطفاءة ، أو ألف المثنى غير اللازمة نحو كساءان ورداءان ، قلبتا ؛ لكونهما كالمتطرفتين ، وإنما جاز عظاءة وعظاية (٤)

__________________

(١) انظر (ج ١ ص ١٥٦)

(٢) انظر (ص ٦٠ من هذا الجزء)

(٣) سلامان : وردت هذه الكلمة مضبوطة بضبط القلم فى نسخ القاموس بضم السين ، وفى اللسان ضبطت بالفتح بضبط القلم أيضا ، وصرح ياقوت فى المعجم بأنها بفتح السين أو كسرها ، والسلامان : شجر ، واسم ماء لبنى شيبان ، وبطنان : أحدهما فى قضاعة ، والآخر فى الأزد

(٤) العظاءة ـ بظاء مشالة مفتوحة وبالمد ، ويقال فيها عظاية بالياء ـ : دويبة أكبر من الوزغة ، وتسمى شحمة الأرض ، وهى أنواع كثيرة منها الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر ، وكلها منقطة بالسواد ، قال فى اللسان : «قال ابن جنى :

وأما قولهم عظاءة وعباءة وصلاءة فقد كان ينبغى لما لحقت الهاء آخرا وجرى

١٧٤

__________________

الاعراب عليها وقريت الياء بعدها عن الطرف ؛ ألا تهمز ، وأ لا يقال إلا عظاية وعباية وصلاية ؛ فيقتصر على التصحيح دون الاعلال ، وألا يجوز فيه الأمران ، كما اقتصر فى نهاية وغباوة وشقاوة وسعاية ورماية على التصحيح دون الاعلال ، إلا أن الخليل رحمه‌الله قد علل ذلك فقال : إنهم إنما بنوا الواحد على الجمع ، فلما كانوا يقولون عظاء وعباء وصلاء فيلزمهم إعلال الياء لوقوعها طرفا أدخلوا الهاء وقد انقلبت اللام همزة فبقيت اللام معتلة بعد الهاء كما كانت معتلة قبلها ، قال : فان قيل : أو لست تعلم أن الواحد أقدم فى الرتبة من الجمع وأن الجمع فرع على الواحد؟ فكيف جاز للاصل وهو عظاءة أن يبنى على الفرع وهو عظاء؟ وهل هذا إلا كما عابه أصحابك على الفراء فى قوله : إن الفعل الماضى إنما بنى على الفتح لأنه حمل على التثنية ؛ فقيل : ضرب لقولهم : ضربا ، فمن أين جاز للخليل أن يحمل الواحد على الجمع؟ ولم يجز للفراء أمن يحمل الواحد على التثنية؟ فالجواب أن الانفصال من هذه الزيادة يكون من وجهين : أحدهما أن بين الواحد والجمع من المضارعة ما ليس بين الواحد والتثنية ؛ ألا تراك تقول : قصر وقصور ، وقصرا وقصورا ، وقصر وقصور ، فتعرب الجمع إعراب الواحد ، وتجد حرف إعراب الجمع حرف إعراب الواحد ، ولست تجد فى التثنية شيئا من ذلك ، إنما هو قصران أو قصرين ، فهذا مذهب غير مذهب قصر وقصور ، أولا ترى إلى الواحد تختلف معانيه كاختلاف معانى الجمع لأنه قد يكون جمع أكثر من جمع كما يكون الواحد مخالفا للواحد فى أشياء كثيرة ، وأنت لا تجد هذا إذا ثنيت ، إنما تنتظم التثنية ما فى الواحد البتة ، وهى لضرب من العدد البتة ، لا يكون اثنان اكثر من اثنين كما تكون جماعة أكثر من جماعة ، هذا هو الأمر الغالب ، وإن كانت التثنية قد يراد بها فى بعض المواضع أكثر من الاثنين فان ذلك قليل لا يبلغ اختلاف أحوال الجمع فى الكثرة والقلة ، فلما كانت بين الواحد والجمع هذه النسبة وهذه المقاربة جاز للخليل أن يحمل الواحد على الجمع ، ولما بعد الواحد من التثنية فى معانيه ومواقعه لم يجز للفراء أن يحمل الواحد على التثنية ، كما حمل الخليل الواحد على الجماعة» ا ه

١٧٥

وعباءة (١) وعباية وصلاءة وصلاية (٢) بالهمز والياء ـ وإن كانت التاء فيها أيضا للوحدة كما فى استقاءة واصطفاءة ـ لكون تاء الوحدة فى المصدر قياسية كثيرة ؛ فعروضها ظاهر ، بخلاف اسم العين ؛ فان ما يكون الفرق بين مفرده وجنسه بالتاء [منه] سماعى قليل : من المخلوقات كان أو من غيرها ، كتمرة وتفّاحة وسفينة ولبنة ، فجاز الهمزة فى الأسماء الثلاثة نظرا إلى عدم لزوم التاء ؛ إذ يقال : عباء ، وعظاء ، وصلاء ، فى الجنس ، وجاز الياء لأن الأصل لزوم التاء ؛ إذ ليست قياسية كما قلنا ؛ فصارت كتاء النّقاوة والنّهاية ، ولكون تاء الوحدة فى اسم العين كاللازمة جاز قلنسوة (٣) وعرقوة ، (٤) ، وإن كان اسم الجنس منهما قلنسيا وعرقيا ، وليس شقاوة وشقاء كعظاية وعظاء ، إذ ليس شقاوة للواحد وشقاء للجنس ، بل كل منهما للجنس ، وقياس الوحدة الشّقوة ، فليس أصل شقاوة شقاء ثم زيدت التاء ، فلهذا ألزمته الواو دون عباءة وعباية نحو غباوة ، وإنما منع وقوع حرف لازم عن القلب فى باب شقاوة وخزاية (٥) وباب قمحدوة (٦) ولم يمنع فى باب غزيان وغزية فعلان وفعلة ـ بكسر العين ـ وإن جعلنا الألف والتاء فيه لازمين أيضا ؛ لقوة علة القلب فى الأخير دون الأولين ، ولذلك قلبت الواو مع فصل حرف صحيح بين الكسرة وبينها فى نحو دنيا.

قوله «بعد ألف زائدة» لأنها تكون إذن كالعدم ، فيكون الواو والياء

__________________

(١) العباءة والعباية : ضرب من الأكسية واسع فيه خطوط سود كبار

(٢) الصلاية والصلاءة : مدق الطيب ، انظر (ح ٢ ص ١٣٠)

(٣) القلنسوة : من لباس الرأس (انظر ج ٢ ص ٣٧٧)

(٤) العرقوة : خشبة فى فم الدلو يمسك منها

(٥) الخزاية : الاستحياء

(٦) انظر (ج ٢ ص ٤٦)

١٧٦

المتحركتان كأنهما وقعتا بعد فتحة ، وأما راى (١) وثاى (٢) فالألف ـ لانقلابها عن حرف أصلى ـ معتد بها

قوله «ونحو عظاءة وصلاءة وعباءة شاذ» قد ذكرنا ما يخرجها عن الشذوذ ، ولو اتفق غير هذه الثلاثة فى مثل حالها من غير المصادر المزيد فيها لجاز فيه أيضا الوجهان قياسا ، والهمزة فى نحو علباء (٣) وحرباء (٤) من الملحقات أصلها الألف المنقلبة عن الياء الزائدة للالحاق ؛ بدليل تأنيثهم لمثلها كدرحاية (٥) ودعكاية (٦) والتاء لازمة كما فى خزاية ، فلذا لم تقلب الياء ، بخلاف حرباءة (٧).

قال : «وتقلب الياء واوا فى فعلى اسما كتقوى وبقوى ، بخلاف الصّفة ، نحو صديا وريّا ، وتقلب الواو ياء فى فعلى اسما كالدّنيا والعليا ، وشذ نحو القصوى وحروى ، بخلاف الصّفة كالغزوى ، ولم يفرق فى فعلى من الواو نحو دعوى وشهوى ، ولا فى فعلى من الياء نحو الفتيا والقضيا»

أقول : الناقص إن كان على فعلى ـ بفتح الفاء ـ : فإما أن يكون واويا ، أو يائيا ، والواوى لا تقلب واوه ياء ؛ لا فى الاسم كالدّعوى والفتوى ، ولا فى الصفة نحو شهوى مؤنث شهوان ؛ لاعتدال أول الكلمة وآخرها بالفتحة والواو ، فلو قلبت ياء لصار طرفا الكلمة خفيفين ، وأما اليائى منه فقصد فيه التعديل أولا

__________________

(١) الراى : اسم جنس جمعى واحده راية ، وفى بعض النسخ «زاى» وهى صحيحة أيضا

(٢) الثاى : اسم جنس جمعى واحده ثاية ، وهى علم صغير (انظر ص ١١٨ من هذا الجزء)

(٣) العلباء : عصب عنق البعير (انظر ج ٢ ص ٥٥)

(٤) الحرباء : ذكر أم حبين (انظر ج ٢ ص ٥٥)

(٥) الدرحاية : الرجل الكثير اللحم القصير (انظر ج ٢ ص ٤٣)

(٦) الدعكاية : الرجل الكثير اللحم طال أو قصر

١٧٧

فعدّل الاسم الذى هو أسبق من الصفة بقلب يائه واوا ، فلما وصل إلى الصفة خلّيت بلا قلب ؛ للفرق

قوله «البقوى» من الإبقاء ، وهو الرحمة والرعاية ، ولا استدلال فى ريّا ؛ لجواز أن يكون قلب واوه ياء لاجتماع الواو والياء وسكون أسبقهما (١)

وإذا كان الناقص على فعلى ـ بضم الفاء ـ فلا يخلو : إما أن يكون واويا ، أو يائيا ، وكل واحد منهما إما اسم ، أوصفة ، فالثانى لا تقلب لامه : اسما كان أوصفة ، لحصول الاعتدال فى الكلمة بثقل الضمة فى أولها وخفة الياء فى آخرها ، فلو قلبت واوا لكان طرفا الكلمة ثقيلين ، وأما الواوى فحصل فيه نوع ثقل بكون الضمة فى أول الكلمة والواو قرب الآخر ؛ فقصد فيه مع التخفيف الفرق بين الاسم والصفة ، فقلبت الواو ياء فى الاسم ، دون الصفة ؛ لكون الاسم أسبق من الصفة فعدّل بقلب واوه ياء ، فلما وصل إلى الصفة خلّيت ؛ لأجل الفرق بينهما.

وذكر سيبويه من فعلى الاسمية الدّنيا والعليا والقصيا ، وإن كانت تأنيث الأدنى والأعلى والأقصى أفعل التفضيل ؛ إذ الفعلى الذى هو مؤنث الأفعل حكمه عند سيبويه حكم الأسماء ؛ لأنها لا تكون وصفا بغير الألف واللام ، فأجريت مجرى الأسماء التى لا تكون وصفا [بغير الألف واللام] ؛ كما تقدم فى هذا الباب ، فعلى هذا فى جعل المصنف القصوى اسما والغزوى [والقضيا] تأنيثى الأغزى والأقضى صفة نظر ، لأن القصوى [أيضا] تأنيث الأقصى ، قال سيبويه : وقد قالوا القصوى فلم يقلبوا واوهاياء ، لأنها قد تكون صفة بالألف واللام ، فعلى مذهب

__________________

(١) نقول : بل يستدل بريا على أن لام الصفة التى على فعلى ـ بالفتح ـ إن كانت ياء لم تقلب واوا ؛ للفرق بين الاسم والصفة ؛ وذلك لأن أصله رويا ، بزنة عطشى ولو قلبت لقيل روى ـ بتشديد الواو ـ ولما لم تقلب اللام واوا قلبت العين التى هى واو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون ؛ فهذا القلب لم يحصل إلا لأنهم لم يقلبوا الياء التى هى لام واوا ، ولو قلبوها لما وجد المقتضى لقلب الواو ياء ـ

١٧٨

سيبويه الغزوى وكل مؤنث لأفعل التفضيل لامه واو قياسه الياء ؛ لجريه مجرى الأسماء ، قال السيرافى : لم أجد سيبويه ذكر صفة على فعلى بالضم مما لامه واو إلا ما يستعمل بالألف واللام ، نحو الدّنيا والعليا ، وما أشبه ذلك ، وهذه عند سيبويه كالأسماء ، قال : وإنما أراد أن فعلى من ذوات الواو إذا كانت صفة تكون على أصلها ، وإن كان لا يحفظ من كلامهم شىء من ذلك على فعلى ؛ لأن القياس حمل الشىء على أصله حتى يتبين أنه خارج عن أصله شاذ عن بابه ، وحزوى : اسم موضع

وأما فعلى بكسر الفاء من الناقص فلا تقلب واوه ياء ، ولا ياؤه واوا ، سواء كان اسما أو صفة ؛ لأن الكسرة ليست فى ثقل الضمة ، ولا فى خفة الفتحة ، بل هى تتوسط بينهما ، فيحصل لها اعتدال مع الياء ومع الواو ، والأصل فى قلب ياء فعلى ـ بالفتح ـ وواو فعلى ـ بالضم ـ إنما كان طلب الاعتدال ، لا الفرق بين الوصف والاسم ، ألا ترى إلى عدم الفرق بينهما فى فعلى الواوى المفتوح فاؤه وفعلى اليائى المضموم فاؤه لما كان الاعتدال فيهما حاصلا؟ وأما أمثلة فعلى الواوى بكسر الفاء اسما وصفة واليائى كذلك فعزيزة

قال : «وتقلب الياء إذا وقعت بعد همزة بعد ألف فى باب مساجد وليس مفردها كذلك ألفا ، والهمزة ياء ، نحو مطايا وركايا ، وخطايا على القولين ، وصلايا جمع المهموز وغيره ، وشوايا جمع شاوية ، بخلاف شواء جمع شائية من شأوت ، وبخلاف شواء وجواء جمعى شائية وجائية على القولين فيهما ، وقد جاء أداوى وعلاوى وهراوى مراعاة للمفرد»

أقول : قد مر فى باب تخفيف الهمزة شرح جميع هذا (١) ، فلنشرح ههنا ألفاظ المصنف

__________________

(١) انظر (ص ٥٩ ـ ٦٢ من هذا الجزء)

١٧٩

قول «فى باب مساجد» أى : فى باب الجمع الأقصى الذى بعد ألفه حرفان

قوله «وليس مفردها كذلك» أى : ليس بعد ألف مفرده همزة بعدها ياء ، احتراز عن نحو شائية وشواء من شأوت أوشئت ، وإنما شرط فى قلب همزة الجمع ياء ويائه ألفا أن لا يكون المفرد كذلك ، إذ لو كان كذلك لترك فى الجمع بلا قلب ، ليطابق الجمع مفرده ، ألا ترى إلى قولهم فى جمع حبلى : حبالى ، وفى جمع إداوة : أداوى (١) ، وفى جمع شائية : شواء ، تطبيقا للجمع بالمفرد؟ وسيبويه لا يشترط فى القلب المذكور أن لا يكون المفرد كذلك ، بل يشترط فيه كون الهمزة فى الجمع عارضة ، فقال بناء على هذا : إن من ذهب مذهب الخليل فى قلب الهمزة فى هذا الباب كما فى شواع (٢) ينبغى أن يقول فى فعاعل من جاء وساء جياء وسواء جمعى جىّء وسىّء كسيّد ؛ لأن الهمزة على مذهب الخليل هى التى فى الواحد ، وليست عارضة وإنما جعلت العين التى أصلها الواو والياء طرفا ، هذا كلامه ؛ ومن لم يذهب مذهب الخليل من قلب الهمزة إلى موضع اللام يقول : جيايا وسوايا

قان قيل : يلزم سيبويه أن يقول فى جمع شائية من شئت : شوايا ؛ لأن الهمزة فى الجمع عارضة عنده ، كما هى عارضة فى المفرد

قلنا : إنه أراد بعروضها فى الجمع أنها لم تكن فى المفرد همزة ، وهمزة شواء من شئت كانت فى المفرد أيضا همزة ، فلم تكن عارضة فى الجمع بهذا التأويل

ويلزم الخليل أن يقول فى جمع خطيئة : خطاء ؛ بناء على شرط سيبويه ، إذ الهمزة على مذهب الخليل غير عارضة فى الجمع ، ولم يقل به أحد ، فظهر أن الأولى أن يقال : الشرط أن لا يكون المفرد كذلك ، حتى يطرد على مذهب الخليل

__________________

(١) أنظر (ج ١ ص ٣١)

(٢) أنظر (ج ١ ص ٢٢)

١٨٠