شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

من وايت وخففت الهمزة بالقلب قلت : وىّ (١) ووىّ ، وكذا فعل من شويت شىّ وشىّ ، وأما حيوة فقلبت الياء الثانية واوا فى العلم خاصة ؛ لأن الأعلام كثيرا ما تغير إلى خلاف ما يجب أن تكون الكلمة عليه ؛ تنبيها على خروجها عن وضعها الأصلى كموهب (٢) وموظب (٣)

__________________

(١) أصل وى وؤى ـ كقفل ـ فخففت الهمزة بقلبها واوا كما فى لوم وسوت ؛ فصار وويا ـ بواوين أولاهما مضمومة والثانية ساكنة ـ أما ابن الحاجب فيرى فى ذلك عدم وجوب قلب أولى الواوين همزة ؛ لسكون الثانى ، ويجوز عنده بقاء الواوين ؛ لأن الثانية منقلبة عن همزة انقلابا جائزا فحكمها حكم الهمزة ؛ فلا يجب قلبها ياء ، ويجوز قلب الواو الثانية ياء ؛ لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون على مذهب من يقيس من النحاة على قول العرب ريا ورية ـ مخففى رؤيا ورؤية ـ وأما المؤلف فانه أوجب قلب أولى الواوين همزة فى هذا ، وحكاه عن الخليل وجمهور النحويين ، وندد على المصنف انفراده باشتراط تحرك ثانية الواوين ، ثم بعد هذا : إما أن لا تقلب الواو الثانية ياء وإما أن تقلب على نحو ما قدمنا ، فاذا علمت هذا تبين لك أن قول المؤلف «وى بضم الواو وكسرها» غير مستقيم على ما ارتضاه هو فيما سبق فى فصل قلب الواو همزة ، وهو مستقيم على أحد الوجهين اللذين يجوز ان عند ابن الحاجب

(٢) موهب : اسم رجل ، قال أباق الدبيرى :

قد أخذ تنى نعسة أردنّ

وموهب مبز بها مصنّ

قال سيبويه : «جاءوا به على مفعل لأنه اسم ليس على الفعل ؛ إذ لو كان على الفعل لكان مفعلا» ا ه. يريد أنهم بنوه على مفعل بفتح العين لما ذكر ، ولو انهم جاءوا به على مذهب الفعل لقالوا موهب ـ بالكسر ـ كما هو قياس المصدر واسم الزمان والمكان من المثال الواوى ، وقال فى اللسان : «وقد يكون ذلك لمكان العلمية ؛ لأن الأعلام مما تغير عن القياس» ا ه

(٣) قال فى اللسان : «وموظب ـ بفتح الظاء ـ أرض معروفة ، وقال أبو العلاء : هو موضع مبرك إبل بنى سعد مما يلى أطراف مكة ، وهو شاذ كمورق ،

١٤١

ومكوزة (١) وشمس (٢) ، ونحو ذلك ، وعند المازنى واو حيوة أصل ، كما ذكرنا فى الحيوان ،

وأما نهوّ فأصله نهوى لأنه فعول من النهى ، يقال : فلان نهوّ عن المنكر : أى مبالغ فى النهى عنه ، وقياسه نهىّ

__________________

وكقولهم : ادخلوا موحد موحد ، قال ابن سيده : وإنما حق هذا كله الكسر ؛ لأن آتى الفعل منه إنما هو على يفعل كيعد ، قال خداش بن زهير :

كذبت عليكم أوعدونى وعلّلوا

بى الأرض والأقوام قردان موظبا

أى عليكم بى وبهجائى يا قردان موظب ، إذا كنت فى سفر فاقطعوا بذكرى الأرض ، قال : وهذا نادر ، وقياسه موظب (بالكسر)» ا ه. وقال ياقوت :

«القياس أن كل ما كان من الكلام فاؤه حرف علة فان المفعل منه مكسور العين مثل موعد ومورد وموحل إلا ما شذ مثل مورق اسم موضع ، وموزن وموكل موضع ، وموهب وموظب اسمان لرجلين ، وموحد فى العدد» ا ه. ومورق اسم رجل ؛ قال الأعشى :

فما أنت إن دامت عليك بخالد

كما لم يخلّد قبل ساسا ومورق

ومن ذلك موزع ، وهو موضع باليمن من مدن تهائم اليمن ، ومنها موزن ، وهو تل ، ويقال : بلد بالجزيرة وفيه يقول كثير :

كأنّهم قصرا مصابيح راهب

بموزن روّى بالسّليط ذبالها

(١) قال فى اللسان : «وكويز ومكوزة اسمان ، شذ مكوزة عن حد ما تحتمله الأسماء الأعلام من الشذوذ ؛ نحو قولهم : محبب ورجاء بن حيوة ، وسمت العرب مكوزة ومكوازا» ا ه. ووجه الشذوذ فى مكوزة أنه لم يعل بالنقل والقلب على نحو ما فى مقالة ومنارة ، وهذا عند غير المبرد ، وأما عنده فلا شذوذ ؛ لأن شرط الاعلال أن يكون الاسم متضمنا معنى الفعل

(٢) شمس ـ بضم فسكون ـ : هو شمس بن مالك ؛ قال تأبط شرا :

وإنّى لمهد من ثنائى فقاصد

به لابن عم الصّدق شمس بن مالك ـ

١٤٢

قوله «وصيّم وقيّم شاذ» يعنى أن حق الواو إذا جامعت الياء وأولاهما ساكنة قلبها ياء ، وههنا اجتمعت الواوان وأولاهما ساكنة فقلبتا ياءين ، فلذا شذ ، والأولى أن يذكر شذوذ مثله بعد ذكر فصل دلىّ ومرضىّ ، وذلك لأن الواو المشددة ـ وإن قربت من الحرف الصحيح ـ لكنها تقلب ياء إذا وقعت فى الجمع طرفا ؛ لثقل الجمع ، وكون الطرف محل التخفيف ، فهى فى قوّم وصوّم لم تقع طرفا ، ومع ذلك قلبت ياء ؛ فهو شاذ ، ووجه القلب فيه ـ مع ذلك ـ قربه من الطرف فى الجمع ، ويجىء بعد أن القلب فى مثله قياسى ، وإنما كان النّيّام أشذ لكونه أبعد من الطرف ، قال

١٤٥ ـ ألا طرقتنا ميّة ابنة منذر

فما أرّق النّيام إلّا سلامها (١)

قال : «وتسكّنان وتنقل حركتهما فى نحو يقوم ويبيع ؛ للبسه بباب يخاف ، ومفعل ومفعل كذلك ، ومفعول نحو مقول ومبيع كذلك ، والمحذوف عند سيبويه واو مفعول ، وعند الأخفش العين ، وانقلبت واو مفعول

__________________

وشمس بن مالك هو الشنفرى الأزدى العداء صاحب تأبط شرا وعمرو بن براق فى اللصوصية والعدو ، ويقال : بطن من الأزد من مالك بن فهم

(١) هذا بيت من الطويل ، قائله ذو الرمة ، وروى صدره

*ألا خيّلت مىّ وقد نام صحبتى*

وروى عجزه

*فما أرّق التّهويم إلّا سلامها*

طرقتنا : زارتنا ليلا ، والتخييل : بعث الخيال ، ومى : معشوقة الشاعر ، والتأريق : التسهيد ، والتهويم : أصله النوم الخفيف ، وأراد به هنا النائمين. والاستشهاد بالبيت فى الرواية المشهورة على أن النيام أشذ من صيم ، وذلك لأن الواو فى صوم قريبة من الطرف ؛ فعو ملت معاملة الواو الواقعة طرفا ، كما فى عتى وجثى جمعى عات وجاث ، بخلافها فى النيام فانها بعيدة من الطرف ؛ فلم يكن لمعاملتها معاملة الواو الواقعة طرفا وجه

١٤٣

عنده ياء للكسرة فخالفا أصليهما ، وشذّ مشيب ومهوب ، وكثر نحو مبيوع ، وقلّ نحو مصوون ، وإعلال تلوون ويستحيى قليل ، وتحذفان فى نحو قلت وبعت وقلن وبعن ، ويكسر الأوّل إن كانت العين ياء أو مكسورة ، ويضمّ فى غيره ، ولم يفعلوه فى لست ؛ لشبه الحرف ، ومن ثمّ سكّنوا الياء ، وفى قل وبع ؛ لأنه عن تقول وتبيع ، وفى الإقامة والاستقامة ، ويجوز الحذف فى نحو سيّد وميّت وكيّنونة وقيّلولة»

أقول : إذا تحرك الواو والياء وسكن ما قبلهما فالقياس أن لا يعلا بنقل ولا بقلب ؛ لأن ذلك خفيف ، لكن إن اتفق أن يكون ذلك فى فعل قد أعل أصله باسكان العين أو فى اسم محمول عليه سكّن عين ذلك الفعل والمحمول عليه ؛ إتباعا لأصله ، وبعد الإسكان تنقل الحركة إلى ذلك الساكن المتقدم ، تنبيها على البنية ؛ لأن أوزان الفعل إنما تختلف بحركات العين ، وإنما كان الأصل فى هذا الإسكان الفعل دون الاسم لكونه أثقل ، على ما مر فى أول الباب ، ويشترط أن يكون الساكن الذى ينقل الحركة إليه له عرق فى التحرك : أى يكون متحركا فى ذلك الأصل ؛ فلذا لم ينقل فى نحو قاول وبايع وقوّل وبيّع ، ونقل فى أقام ويقيم ، فإن لم يسكن فى الأصل لم يسكن فى الفرع أيضا ؛ فلذا صح العين فى يعور وأعور ويعور واستعور ويستعور ، فإذا نقلت الحركات إلى ما قبل الواو والياء نظر : فان كانت الحركة فتحة قلبت الواو والياء ألفا ، لأنه إذا أمكن إعلال الفرع بعين ما أعل به الأصل فهو أولى ، وإن كانت كسرة أو ضمة لم يمكن قلبهما ألفا ، لأن الألف لا تلى إلا الفتح فيبقيان بحالهما ؛ إلا الواو التى كانت مكسورة فانها تقلب ياء ؛ لصيرورتها ساكنة مكسورا ما قبلها ، نحو يطيح وأصله يطوح (١) ويقيم وأصله يقوم ،

__________________

(١) أنظر الجزء الأول من هذا الكتاب (ص ٨١ و ١١٥)

١٤٤

فعلى هذا تقول : يخاف ويهاب ويقوم ويبيع ويطيح ويقيم

قوله «للبسه بباب يخاف» يعنى أنه لم يعلا بإعلال ماضيهما مع أن الماضى أصل المضارع ، وذلك بأن يقال : إن الواو والياء متحركان وما قبلهما فى تقدير الفتح بالنظر إلى الأصل الذى هو الماضى ، فيقلبان ألفا ، فيقال : يقام ويباع ، وذلك لأنه لو أعلّا كذلك لالتبسا بباب يخاف

واعلم أن الاسم الذى يحمل على الفعل فى هذا النقل نوعان :

أحدهما : الثلاثى المزيد فيه الموازن للفعل الموازنة المذكورة قبل فى قلب الواو والياء ألفا ، مع مباينته للفعل : إما بحرف زائد لا يزاد فى الفعل كميم مقام ومقام ومقوم ، على وزن مدهن من قام ومقيم ، فانها على وزن يفعل ويفعل وافعل أمرا ويفعل ، أو بحرف يزاد مثله فى الفعل متحرك بحركة لا يحرّك فى الفعل بمثلها ، نحو تباع وتبيع ؛ فان التاء المكسورة لا تكون فى أول الفعل ، إلا على لغة ، وقد ذكرنا الوجه فيه ، وعند المبرد يشترط مع الموازنة والمخالفة المذكورتين شرط آخر ، وهو أن يكون من الأسماء المتصلة بالأفعال ؛ فلذا لم يعل مريم ومدين ، وليسا عنده بشاذين ، فلا يعل عنده تقول وتبيع المبنيان من القول والبيع وغير ذلك ؛ إذ ليس فيهما معنى الفعل ، فان لم يكن مخالفا بما ذكرنا نحو أطول منك وأسود وتقول وتقول وأقول على وزن تنصر وتضرب واقتل ، وكذا أعين وأدور ؛ لم يعلّ الإعلال المذكور لئلا يلتبس بالفعل عند التسمية ، كما مر قبل ، وإنما لم ينقل فى نحو أخونة وأصونة وإن صيره التاء مباينا للفعل كالميم فى الأول لأن التاء وإن كانت ههنا لازمة فوضعها على عدم اللزوم ، فهى ههنا كما فى أسودة تأنيث أسود فى الحية ، فكأن التاء معدوم ، ولم ينقل فى نحو أهوناء وأبيناء لأن ألف التأنيث للزومه وكونه كجزء الكلمة أخرجها عن موازنة الفعل المذكورة كإخراج الألف فى الصّورى والحيدى ، والألف والنون فى

١٤٥

الطّيران والجولان ، كما ذكرنا قبل ، ومن العرب من ينقل كسرة الياء فى أبيناء ؛ فيقول : أبيناء ، لا لمشابهة الفعل ، وإلا نقل فى أهوناء أيضا ، بل لكراهة الكسر على الياء ، وهما مثلان ، كما حذفت الضمة فى نور جمع نوار استثقالا للضمة على الواو ، فأعل بالنقل : فى نحو أبيناء خاصة مع عدم الموازنة المذكورة ، لشدة الاستثقال ، وعدم الإعلال فى نحو أبيناء أكثر ، بل النقل شاذ ، بخلاف نحو نور فى جمع نوار فان الإسكان فيه أكثر لكون الواو المضمومة أثقل من الياء المكسورة حتى عد شاذا فى نحو قوله :

*بالأكفّ اللّامعات سور (١)*

وهو جمع سوار ،

وأصل مفعول أن يكون مفعلا فيوازن يفعل ، زيدت الواو لما ذكرنا فى بابه (٢) ،

__________________

(١) قد مضى شرح هذا الشاهد فى (ح ٢ ص ١٢٧ ، ١٢٨)

(٢) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٨٩): «وكان قياسه (يريد اسم المفعول) أن يكون على زنة مضارعه ، كما فى اسم الفاعل ؛ فيقال : ضرب يضرب فهو مضرب ، لكنهم لما أداهم حذف الهمزة فى باب أفعل إلى مفعل قصدوا تغيير أحدهما للفرق ؛ فغيروا الثلاثى لما ثبت التغيير فى أخيه ، وهو اسم الفاعل ؛ لأنه وإن كان فى مطلق الحركات والسكنات كمضارعه ، لكن ليس الزيادة فى موضع الزيادة فى الفاعل ولا الحركات فى أكثرها كحركاته ، نحو ينصر فهو ناصر ، ويحمد فهو حامد ، وأما اسم الفاعل من أفعل فهو كمضارعه فى موضع الزيادة وفى عين الحركات فغيروه بزيادة الواو ؛ ففتحوا الميم لئلا يتوالى ضمتان بعدهما واو ، وهو مستثقل قليلا كمغرود وملمول وعصفور ؛ فبقى اسم المفعول من الثلاثى بعد التغيير المذكور كالجارى على الفعل ؛ لأن ضمة الميم مقدرة والواو فى حكم الحرف الناشىء من الاشباع كقوله : أدنو فأنظور» ا ه وقوله «أدنو فأنظور» قطعة من بيت هو :

وأنّنى حيثما يثنى الهوى بصرى

من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور

١٤٦

فلما كان أصله الموازنة أعل بإسكان العين ، ولو لا ذلك لم يعل ، وأما سائر أسماء المفعولين فتوازن أفعالها المبنية للمفعول مع المباينة بالميم المصدرة

واعلم أن أصل مقول مقوول ، نقلت حركة العين إلى ما قبلها ؛ فاجتمع ساكنان ؛ فسيبويه يحذف الثانية دون الأولى ، وإن كان القياس حذف الأولى إذا اجتمع ساكنان والأولى مدة ، وإنما حكم بذلك لأنه رأى الياء فى اسم المفعول اليائى ثابتا بعد الإعلال نحو مبيع ، فحدس أن الواو هى الساقطة عنه ، ثم طرد هذا الحكم فى الأجوف الواوى ، وإنما خولف عنده باب التقاء الساكنين ههنا بحذف الثانى لأن الكلمة تصير به أخفّ منها بحذف الأول ، وأيضا يحصل الفرق بين المفعولين الواوى واليائى ، ولو حذف الأول لالتبسا ، فلما حذف واو مبيوع كسرت الضمة لتسلم الياء كما هو قياس قول سيبويه فى نحو تبيع من البيع ، وأما الأخفش فانه يحذف الساكن الأول فى الواوى واليائى ، كما هو قياس التقاء الساكنين ؛ فقيل له : فينبغى أن يبقى عندك مبوع ، فما هذه الياء فى مبيع؟ فقال : لما نقلت الضمة إلى ما قبلها كسرت الضمة لأجل الياء قبل حذف الياء ، ثم حذفت الياء للساكنين ، ثم قلبت الواو ياء للكسرة ، وفيه نظر ؛ لأن الياء إنما تستحق قلب ضمة ما قبلها كسرة إذا كانت مما يبقى ، لا مما يحذف ، فالأولى أن يقال على مذهبه : حذفت الياء أولا ، ثم قلبت الضمة كسرة ، فانقلبت الواو ياء ، وذلك للفرق بين الواوى واليائى ،

قوله «فخالفا أصليهما» أما مخالفة سيبويه فلأنه حذف ثانى الساكنين ، وأصله وأصل غيره حذف أولهما (١) وأما مخالفة الأخفش أصله فلأن أصله

__________________

(١) اعلم أن الأصل عند سيبويه فى التقاء الساكنين حذف أولهما إذا كان حرف مد ، وحرف المد هو حرف العلة المسبوق بحركة تجانسه ، نحو لم يخف ولم ببع

١٤٧

أن الياء الساكنة تقلب واوا لانضمام ما قبلها ، وإن كانت الياء مما يبقى ، وقد كسر ههنا ضم ما قبل الياء مع أن الياء مما يحذف

قوله «وشذ مشيب» فى مشوب من شاب يشوب (١) ومنيل فى منول (٢) من نال ينول : أى أعطى ، ومليم فى ملوم (٣) ، كأنها بنيت على شيب ونيل

__________________

ولم يقل ، وههنا فى اسم المفعول من الأجوف اليائى بعد أن نقلت حركة الياء إلى الساكن الصحيح قبلها لا تبقى الياء حرف مد ؛ لأن ما قبلها ضمة ، وهى حركة غير مجانسة ؛ فاذا حذف الياء لا يقال : إنه خالف أصله ؛ لأنه حذف حرفا ساكنا غير مد ، وإنما دعاه إلى ذلك خوف الالباس بين الواوى واليائى ؛ فإن قلت : ففى الأجوف الواوى أول الساكنين بعد نقل حركته إلى ما قبله واو مضموم ما قبلها فهو حرف مد ، وقد قدر سيبويه حذفه فخالف أصله ههنا. قلنا : إنه لما حذف واو مفعول من اليائى لقصد الفرق بين الواوى واليائى لم يكن بد من حذف واو مفعول فى الواوى أيضا ؛ لئلا يلزم الفرق بين المتجانسين وطردا للباب على غرار واحد. وانظر (ج ٢ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٧)

(١) من ذلك قول السليك بن السلكة السعدى :

سيكفيك صرب القوم لحم معرّص

وماء قدور فى القصاع مشيب

الصرب : اللبن الحامض ، والمعرص ـ بعين وصاد مهملتين ـ : الموضوع فى العرصة ليجف ، ويروى مغرض ـ بمعجمتين ـ وهو الطرى ، ويروى معرض ـ بمهملة ومعجمة ـ وهو الذى لم ينضج بعد

(٢) قد بحثنا طويلا عن شاهد يدل على استعمال هذه الكلمة على الوجه الذى ذكره المؤلف فلم نعثر عليه ، ولكن سيبويه قد حكى أنهم يقولون : غار منيل ومنول انظر (ح ٢ ص ٣٦٣) وقد نقل ابن جنى فى شرحه على تصريف المازنى عن الفارسى تفسير ذلك حيث قال : معناه ينال فيه

(٣) لم يكن نصيب هذه الكلمة بعد البحث عن شاهد لها أحسن حالا من سابقتها

١٤٨

وليم ، كما شذ مهوب (١) من الهيبة ، كأنه بنى على هوب

قوله «وكثر نحو مبيوع ومخيوط» قال :

١١٦ ـ قد كان قومك يحسبونك سيّدا

وإخال أنّك سيّد مغيون (٢)

وهى لغة تميمية

قوله «وقلّ نحو مصوون» لكون الواوين أثقل من الواو والياء ، ومنع سيبويه ذلك (٣) وقال : لا نعلمهم أتموا الواوات ، وحكى الكسائى خاتم

__________________

(١) من ذلك قول حميد بن ثور الهلالى يصف قطاة :

وتأوى إلى زغب مساكين دونهم

فلا لا تخطّاه الرّفاق مهوب

فلا : اسم جنس جمعى واحدته فلاة

(٢) هذا البيت للعباس بن مرداس السلمى يقوله لكليب بن عيينة السلمى ، وقبله :

أكليب ؛ ما لك كلّ يوم ظالما

والظّلم أنكد غبّه ملعون

أنكد : يعسر الخروج منه ، وغبه : عاقبته ، ومعيون : يروى بالعين المهملة ومعناه المصاب بالعين ، من عانه يعينه ، والقياس أن يقال : هو معين ، والصواب فى الرواية الموافق للمعنى (مغيون) بالغين المعجمة من قولهم : غين عليه ، إذا غطى ؛ وفى الحديث : إنه ليغان على قلبى ، والأصل فيه الغين ، وهو لغة فى الغيم ؛ قال الشاعر :

كأنّى بين خافيتى عقاب

أصاب حمامة فى يوم غين

والاستشهاد بالبيت فى قوله (مغيون) حيث تمم اسم المفعول من الأجوف اليائى ، وهى لغة تميمية ، ومثله قول علقمة :

حتّى تذكّر بيضات وهيّجه

يوم وذاذ عليه الدّجن مغيون

قال سيبويه (ح ٢ ص ٣٦٣): «وبعض العرب يخرجه (يريد اسم المفعول من الأجوف) على الأصل فيقول : مخيوط ومبيوع ، فشبهوها بصيود وغيور ، حيث

١٤٩

مصووغ ، وأجاز فيه كله أن يأتى على الأصل قياسا

قوله «وتحذفان فى قلت وبعت» إلى قوله «ويضم فى غيره» مضى شرحه فى أول الكتاب

قوله «ولم يفعلوه فى لست» أى : لم يكسروا اللام مع أنه يائى من باب فعل المكسور العين ، وأحدهما يكفى للكسر كبعت وخفت ؛ فكيف بهما جميعا؟ وذلك لأنه لما لم يتصرّف حذفت الكسرة نسيا ولم تنقل إلى ما قبل الياء ؛ فصار ليس كليت

قوله «ومن ثم سكنوا الياء» أى : لم يقلبوا الياء ألفا لأن ذلك تصرف ، كما أن نقل حركة الياء إلى ما قبلها تصرف ، فلما كان الفعل غير متصرف لم يتصرف فيه بقلب ولا نقل ؛ بل حذفت الحركة نسيا ، والدليل على أن العين كانت مكسورة أن فتحة العين لا تحذف ؛ فلا يقال فى ضرب : ضرب ، كما يقال فى علم : علم ، وباب فعل ـ بالضم ـ لا يجىء فيه الأجوف اليائى إلا هيؤ ، وهو شاذ

قوله «وفى قل وبع» عطف على نحو قلت وبعت

قوله «لأنه عن تقول وتبيع» يعنى إنما أعل قل وبع بالنقل (١) لكونهما عن تقول وتبيع

__________________

كان بعدها حرف ساكن ولم تكن بعد الألف فتهمز ، ولا نعلمهم أنموا فى الواوات ؛ لأن الواوات أثقل عليهم من الياءات ، ومنها يفرون إلى الياء ، فكرهوا اجتماعهما مع الضمة» ا ه

(١) هكذا وردت هذه العبارة فى جميع أصول الكتاب ، وأنت لو تأملت فى عبارة ابن الحاجب وفى تعليل الرضى تبين لك أن الصواب أن يقال : إنما أعل قل وبع بالحذف ؛ لأن قول ابن الحاجب «وفى قل وبع» معطوف على قوله «فى نحو قلت وبعت» وهو معمول لقوله «وتحذفان» فكأنه قال : وتحذفان فى قل وبع لأنه عن تقول وتبيع. ثم إن أخذ الأمر من المضارع بعد نقل حركة العين إلى الفاء ليس فيه إلا حذف العين للتخلص من التقاء الساكنين ، وعلى الجملة : ليس فى

١٥٠

قوله «وفى الإقامة والاستقامة» هذا هو النوع الثانى مما تنقل حركة عينه إلى ما قبله ، وضابطه ما ذكرنا قبل من كونه مصدرا قياسيا مساويا لفعله فى ثبوت زيادات المصدر بعينها فى مثل مواضعها من الفعل ، والذى ذكره المصنف من حذف الألف المنقلبة عن الواو والياء فى نحو الإقامة والإبانة مذهب الأخفش ، وعند الخليل وسيبويه أن المحذوفة هى الزائدة ، كما قالا فى واو مفعول ، وقول الأخفش أولى (١) قياسا على غيره مما التقى فيه ساكنان

__________________

فعل الأمر نقل إلا على فرض أخذه من المضارع قبل نقل حركة العين إلى الفاء ولو قرأت قول الرضى «لكونها عن تقول وتبيع» بسكون الفاء وضم الواو وكسر الياء صح الكلام ؛ لأن فى الامر حينئذ إعلالا بالنقل والحذف ، ولكن هذه القراءة تخالف عبارة ابن الحاجب ، وتخالف أيضا ما قرره الرضى مرارا

(١) قد رجح ابن الحاجب والرضى هنا رأى الأخفش ، وهما تابعان فى هذا لأبى عثمان المازنى حيث رجح مذهب الأخفش فى مفعول وفى إفعال ؛ إذ يقول فى كتابه التصريف : «وزعم الخليل وسيبويه أنك اذا قلت : مبيع ومقول ؛ فالذاهب لالتقاء الساكنين واو مفعول ، وقال الخليل : إذا قلت مبيوع فألقيت حركة الياء على الباء وسكنت الياء التى هى عين الفعل وبعدها واو مفعول فاجتمع ساكنان ؛ فحذفت واو مفعول ، وكانت أولى بالحذف ؛ لأنها زائدة ، وكان حذفها أولى ، ولم تحذف الياء ؛ لأنها عين الفعل ، وكذلك مقول ، الواو الباقية عين الفعل ، والمحذوفة واو مفعول ، وكان أبو الحسن يزعم أن المحذوفة عين الفعل والباقية واو مفعول ؛ فسألته عن مبيع ، فقلت : ألا ترى أن الباقى فى مبيع الياء ولو كانت واو مفعول لكانت مبوع؟ فقال : إنهم لما أسكنوا ياء مبيوع وألقوا حركتها على الباء انضمت الباء وصارت بعدها ياء ساكنة فأبدلت مكان الضمة كسرة للياء التى بعدها ، ثم حذفت الياء بعد أن ألزمت الباء كسرة للياء التى حذفتها ، فوافقت واو مفعول الباء مكسورة ، فانقلبت ياء للكسرة التى قبلها ، كما انقلبت واو ميزان وميعاد ياء للكسرة التى قبلها ، وكلا الوجهين حسن جميل ، وقول الأخفش أقيس ، فاذا قلت من أفعلت مصدرا نحو أقام إقامة وأخاف إخافة فقد حذفت من إقامة وإخافة ألفا ؛ لالتقاء

١٥١

قوله «ويجوز الحذف فى نحو سيّد وميّت وكيّنونة وقيّلولة» فيه نظر ، وذلك لأن الحذف جائز فى نحو سيّد وميّت ، واجب فى نحو كيّنونة ، إلا فى ضرورة الشعر ، قال :

١٤٧ ـ يا ليت أنّا ضمّنا سفينه

حتّى يعود الوصل كيّنونه (١)

اعلم أن نحو سيّد وميّت عند سيبويه فيعل ـ بكسر العين ـ وكينونة وقيلولة ـ عنده كيّنونة وقيّلولة ـ بفتح العين ـ على وزن عيضموز (٢) إلا أن اللام مكررة فى كيّنونة والتاء لازمة ، ولما لم يوجد فى غير الأجوف بناء فيعل ـ بكسر العين ـ ولا فيعلولة فى المصادر حكم بعضهم بأن أصل سيد وميت فيعل ـ بفتح العين ـ كصيرف

__________________

الساكنين ، فالخليل وسيبويه يزعمان أن المحذوفة هى الألف التى تلى آخر الحرف ، وهى نظيرة واو مفعول فى مقول ومخوف ، وأبو الحسن يرى أن موضع العين هو المحذوف ، وقياسه ما ذكرت لك» ا ه. ولأبى السعادات هبة الله بن الشجرى بحث مستفيض فى أماليه ذكره فى المجلس الحادى والثلاثين ثم عاد له مرة أخرى فى المجلس السادس والأربعين ، وقد ذكر فيه حجة سيبويه والخليل وحجج الأخفش ثم رجح مذهب الشيخين ونقض أدلة المخالف لهما فانظره فى الموضع الذى ذكرناه ، ولم يمنعنا من نقله إلا فرط طوله

(١) هذا البيت من الرجز أنشده المبرد وابن جنى وابن برى ، وذكر المبرد قبله :

قد فارقت قرينها القرينه

وشحطت عن دارها الظّعينه

وقرينها : مفعول مقدم على الفاعل ، والقرينة : الزوجة ، وشحطت : بعدت ، والظعينة : المرأة ما دامت فى الهودج ، والمراد هنا المرأة مطلقا ، وكينونة : مصدر كان ، والاستشهاد بالبيت فى قوله «كينونة» بتشديد الياء مفتوحة فان هذا يدل على أن الكينونة ـ بسكون الياء ـ مخفف منه ، ووجه الدلالة على هذا أن الشاعر لما اضطر راجع الأصل المهجور.

(٢) العيضموز : العجوز والناقة الضخمة انظر (ح ١ ص ٢٦٣)

١٥٢

فكسر كما فى بصرى ـ بكسر الفاء ـ ودهرى ـ بالضم ـ على غير القياس قال سيبويه (١) : لو كان مفتوح العين لم يغير ، كما لم يغير هيّبان (٢) وتيّحان (٣)

__________________

(١) قال سيبويه (ح ٢ ص ٣٧١ و ٣٧٢): «وكان الخليل يقول : سيد فيعل وإن لم يكن فيعل فى غير المعتل ؛ لأنهم قد يخصون المعتل بالبناء لا يخصون به غيره من غير المعتل ، ألا تراهم قالوا : كينونة ، والقيدود ؛ لأنه الطويل فى غير السماء ، وإنما هو من قاد يقود ، ألا ترى أنك تقول : جمل منقاد وأقود ، فأصلهما فيعلولة ، وليس فى غير المعتل فيعلول مصدرا ، وقالوا : قضاة ؛ فجاءوا به على فعلة فى الجمع ، ولا يكون فى غير المعتل للجمع ، ولو أرادوا فيعل لتركوه مفتوحا كما قالوا :

تيحان وهيبان ، وقد قال غيره هو فيعل (بفتح العين) ؛ لأنه ليس فى غير المعتل فيعل (بكسر العين) وقالوا : غيرت الحركة ؛ لأن الحركة قد تقلب إذا غير الاسم ، ألا تراهم قالوا : بصرى ، وقالوا : أموى ، وقالوا : أخت ، وأصله الفتح ، وقالوا :

دهرى؟ فكذلك غيروا حركة فيعل ، وقول الخليل أعجب إلى ؛ لأنه قد جاء فى المعتل بناء لم يجىء فى غيره ، ولأنهم قالوا : هيبان وتيحان فلم يكسروا ، وقد قال بعض العرب :

*ما بال عينى كالشّعيب العيّن*

فانما يحمل هذا على الاضطراد حيث تركوها مفتوحة فيما ذكرت لك ، ووجدت بناء فى المعتل لم يكن فى غيره ولا تحمله على الشاذ الذى لا يطرد ؛ فقد وجدت سبيلا إلى أن يكون فيعلا (بكسر العين) وأما قولهم : ميت وهين ولين فأنهم يحذفون العين كما يحذفون الهمزة من هائر لاستثقالهم الياءات كذلك حذفوها فى كينونة وقيدودة وصيرورة لما كانوا يحذفونها فى العدد الأقل ألزموهن الحذف إذا كثر عددهن وبلغن الغاية فى العدد إلا حرفا واحدا ، وإنما أرادوا بهن مثال عيضموز» ا ه

(٢) الهيبان : الجبان ، وهو أيضا الراعى ، وزيد أفواه الابل ، والتيس ، والتراب ، وسموا به ، وقد حكى صاحب القاموس أنه ورد مكسورا أيضا ، وهو خلاف عبارة سيبويه

(٣) التيحان : الذى يتعرض لكل شىء ويدخل فيما لا يعنيه ، وقال

١٥٣

ولجاز الاستعمال شائعا ، ولم يسمع من الأجوف فيعل إلّا عيّن قال :

ما بال عينى كالشّعيب العيّن (١)

وقال الفراء ـ تجنبا أيضا من بناء فيعل ـ بكسر العين ـ : أصل نحو جيد جويد كطويل ؛ فقلبت الواو إلى موضع الياء والياء إلى موضع الواو ، ثم قلبت الواو ياء وأدغمت كما فى طىّ ، وقال فى طويل : إنه شاذ ، قال : وإنما صار هذا الإعلال قياسا فى الصفة المشبهة لكونها كالفعل وعملها عمله ، فإن لم يكن صفة كعويل لم يعل هذا الإعلال ، وقال فى كينونة ونحوها : أصلها كونونة كبهلول (٢) وصندوق ، ففتحوا الفاء لأن أكثر ما يجىء من هذه المصادر ذوات الياء نحو صار صيرورة ، وسار سيرورة ، ففتحوه حتى تسلم الياء ؛ لأن الباب للياء ، ثم حملوا ذوات الواو على ذوات الياء ؛ فقلبوا الواو ياء فى كينونة حملا على صيرورة ، وهذا كما قال فى قضاة : إن أصله قضّى كغزّى ؛ فاستثقلوا التشديد على العين ؛ فخففوا وعوضوا من الحرف المحذوف التاء ، وقول سيبويه فى ذلك كله هو الأولى ، وهو أن بعض الابواب قد يختص ببعض الأحكام فلا محذور من اختصاص الأجوف ببناء فيعل ـ بكسر العين ـ وغير الأجوف ببناء فيعل ـ بفتحها ـ وإذا جاز عند الفراء اختصاص فعيل الأجوف بتقديم الياء على العين ، وعند ذلك الآخر بنقل فيعل ـ بالفتح ـ إلى فيعل بالكسر فما المانع من اختصاصه ببناء فيعل ، وكذا لا محذور من اختصاص مصدر الأجوف بفيعلولة وحمع الناقص بفعلة ـ بضم الفاء ـ ، وقول الفراء : إنهم حملوا الواو على الياء لأن الباب للياء ؛ ليس بشىء ؛ لأن المصادر على هذا الوزن قليلة ، وما جاء منها

__________________

الأزهرى : هو الذى يتعرض لكل مكرمة وأمر شديد ، ويقال : فرس تيحان ؛ إذا كان شديد الجرى ، وحكى فى اللسان الكسر فيه أيضا

(١) قد سبق شرح هذا الشاهد فارجع اليه (ح ١ ص ١٥٠)

(٢) البهلول : السيد الجامع لكل خير ، والضحاك أيضا

١٥٤

فذوات الواو منها قريبة فى العدد من ذوات الياء أو مثلها ، نحو كينونة ، وقيدودة (١) ، وحال حيلولة ، وإنما لزم الحذف فى نحو كينونة وسيدودة (٢) دون سيّد وميّت لأن نهاية الاسم أن يكون على سبعة أحرف بالزيادة ، وهذه على ستة ، وقد لزمها تاء التأنيث ؛ فلما جاز التخفيف فيما هو أقل منها نحو سيد لزم التخفيف فيما كثر حروفه ، أعنى نحو كينونة ، ويقل الحذف فى نحو فيعلان ، قالوا : ريحان وأصله ريّحان ، وأصله ريوحان من الرّوح

قال : «وفى باب قيل وبيع ثلاث لغات : الياء ، والإشمام ، والواو ، فإن اتّصل به ما يسكّن لامه نحو بعت يا عبد وقلت يا قول ، فالكسر والإشمام والضّمّ ، وباب اختير وانقيد مثله فيها ، بخلاف أقيم واستقيم»

أقول : قد مضى شرح هذا فى شرح الكافية (٣)

قوله «ما يسكن لامه» أى : تاء الضمير ونونه ، فإذا اتصل به ذلك حذفت العين ، ويبقى الفاء مكسورا كسرا صريحا ، وهو الأشهر ، كما هو كذلك قبل الحذف ، ويجوز إشمام الكسرة شيئا من الضم ، كما جاز قبل الحذف ، وضمه

__________________

(١) القيدودة : مصدر قدت الدابة أقودها كالقيادة والمقادة والتقواد والقود ، وقد جاءت القيدودة وصفا بمعنى الطويلة فى غير صعود

(٢) السيدودة : مصدر ساد الرجل قومه يسودهم ، ومثله السود والسودد والسيادة ، وقد وقع فى أصول الكتاب «سيرورة» براءين فى مكان الدالين ، وذلك غير متفق مع ما سبق للمؤلف (ح ١ ص ١٥٢ ، ١٥٣) حيث ذكر فى مصادر الأجوف اليائى الفعلولة ومثل له بالصيرورة والشيخوخة ، وذكر فى مصادر الواوى منه الفيعلولة ومثل له بالكينونة ، وظاهر هذا أن الذى يخفف هو الواوى. والذى يستفاد من عبارة سيبويه التى قدمناها لك قريبا أن الفيعلولة جاءت فى اليائى والواوى جميعا

(٣) انظر (ح ٢ ص ٢٥٠ ، ٢٥١) من شرح الكافية

١٥٥

صريحا كما كان قبل الحذف ، وإذا قامت قرينة على أن المراد به المعلوم أو المجهول نحو قلت يا قول ، وبعت يا عبد ، وخفت يا هول ، جاز الضم الصريح فى الأول والكسر الصريح فى الأخيرين بناء على القرينة ، وإن لم تقم قرينة فالأولى الكسر أو الإشمام فى الأول والضم أو الإشمام فى الأخيرين

قوله «وباب اختير وانقيد» يعنى باب افتعل وانفعل من الأجوف مثل فعل فى جواز الأوجه الثلاثة ؛ لأن الضم والإشمام إنما جاء من ضم ما قبل الواو والياء ، وأما فى أقيم واستقيم وأصلهما أقوم واستقوم فليس ما قبل حرف العلة مضموما ، فلا يجوز إلا الكسر الصريح

قال «وشرط إعلال العين فى الاسم غير الثّلاثىّ والجارى على الفعل ممّا لم يذكر موافقة الفعل حركة وسكونا مع مخالفة بزيادة أو بنية مخصوصتين فلذلك لو بنيت من البيع مثل مضرب وتحلىء قلت مبيع وتبيع معلّا ومثل تضرب قلت تبيع مصحّحا»

أقول : قوله «غير الثلاثى» لأن الثلاثى لا يشترط فيه مع موازنة الفعل المذكورة مخالفته

قوله «والجارى على الفعل» أى : وغير الجارى ، ونعنى بالجارى المصدر نحو الاقامة والاستقامة ، واسمى الفاعل والمفعول من الثلاثى وغيره ، ويجوز أن يقال فيهما بالموازنة : أما فاعل فعلى وزن يفعل ، باعتبار الحركات والسكنات ؛ وأما مفعول كمقتول فإن الواو فيه على خلاف الأصل ، والأصل فيه مفعل كيفعل على ما ذكرنا

قوله «مما لم يذكر» لم يحتج إليه ؛ لأنه لا بد لكل اسم قلب عينه ألفا ، سواء كان مما ذكر أو لم يذكر ، من الموافقة المذكورة فى الثلاثى والمزيد فيه ، مع المخالفة المذكورة فى المزيد فيه ، وكذا فى نقل حركة العين المزيد فيه إلى

١٥٦

الساكن الذى قبله ، كما ذكرنا ، إلا فى نحو الاقامة والاستقامة ، فإن فيه قلبا ونقلا مع عدم الموافقة المذكورة ، وذلك لما ذكرنا قبل من المناسبة التامة لفعله ، وإلا فى باب بوائع ؛ فإن فيه قلبا مع عدمها أيضا ، وذلك للثقل البالغ كما مر (١)

قال «اللّام ؛ تقلبان ألفا إذا تحرّكتا وانفتح ما قبلهما إن لم يكن بعدهما موجب للفتح ، كغزا ورمى ويقوى ويحيى وعصا ورحى (٢) بخلاف غزوت ورميت وغزونا ورمينا ويخشين ويأبين وغزو ورمى ، وبخلاف غزوا ورميا وعصوان ورحيان للالباس ، واخشيا نحوه ، لأنّه من باب لن يخشيا ، واخشينّ لشبهه بذلك ، بخلاف اخشوا واخشونّ واخشى واخشينّ»

أقول. اعلم أن الواو والياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما وهما لامان قلبتا ألفين ، وإن لم تكونا فى الاسم الجارى على الفعل ، ولا الموازن له ، كربا وزنى ، أو كانا فيما يوازن الفعل بلا مخالفة له ، كما فى أحوى وأشقى ، وإنما اشترط الجريان أو المشابهة المذكورة فى العين دون اللام لأن اللام محل التغيير فيؤثر فى قلبها العلة الضعيفة : أى تحركها وانفتاح ما قبلها

قوله «إن لم يكن بعدهما موجب للفتح» احتراز عن نحو غزوا ورميا فى الماضى وترضيان وتغزوان فى المضارع ، وعصوان ورحيان فى الاسم ، فإن ألف الضمير فى غزوا ويرضيان وألف التثنية فى عصوان ورحيان إنما ألحقتا بالألف المنقلبة عن الواو والياء فردت الألف التى هى لام إلى أصلها من الواو والياء ؛ إذ لو لم ترد لالتبس المثنى فى الماضى بالمفرد ومثنى المضارع ومثنى الاسم

__________________

(١) انظر (ص ١٠١) من هذا الجزء

(٢) كذا فى جميع النسخ المطبوعة من المتن ومن شروح الشافية ، وفى الخطية «وفتى»

١٥٧

بالمفرد ، عند سقوط النون ، فلو قلبت الواو والياء إلى الألف بعد رد الألف إليهما لحصل الوقوع فيما فر منه ، أعنى الالتباس ، وإنما لم يقلب فى اخشيا لكونه فرع يخشيان المؤدى إلى اللبس لو قلبت لامه ، وإنما لم يقلب فى اخشينّ لعروض حركة الياء لأجل النون على ما تقدم ، فالحق أن يقال : لم تقلب حروف العلة المتحركة لأجل إلحاق ألف الضمير فى غزوا ورميا ، وألف المثنى والجمع فى نحو عصوان وصلوات ، ونون التأكيد فى نحو ارضينّ ؛ ألفا ؛ لعروض حركاتها لأجل هذه اللواحق ، فانها وإن كانت أصلها الحركة إلا أنها لو لا هذه اللواحق لم تتحرك ، فحركتها إذن عارضة ، ولا يقلب الواو والياء ألفا إذا تحركتا بحركة عارضة ، ويرضيان ويغزوان وعصوان ورحيان هذه اللواحق كما ذكرنا أوجبت رجوع الألفات إلى أصولها لئلا يلتبس ، ولم يقلب الواو والياء ألفا بعد الرد إلى الأصل لئلا يكون رجوعا إلى ما فر منه

قوله «لشبهه بذلك» يعنى أن النون اللاحق بالفعل من غير توسط ضمير بينهما مثل الألف ، فقولك اخشينّ مثل اخشيا ، وقد ذكرنا ما على هذا الكلام فى آخر شرح (١) الكافية ؛ فالأولى أن عدم القلب فى اخشينّ لأن اللام قد

__________________

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ٣٧٨): «لما كان النون بعد الضمير البارز صار كالكلمة المنفصلة ؛ لأن الضمير فاصل ، ولما لم يكن ضمير بارز كان النون كالضمير المتصل ، هذا زبدة كلامه (يريد ابن الحاجب) ، ويرد عليه أن المتصل ليس هو الألف فقط بل الياء والواو فى ارضوا وارضى متصلان أيضا وأنت لا تثبت اللام معهما كما تثبتها مع الألف ؛ فليس قوله إذن «فكالمتصل» على إطلاقه بصحيح ، وأيضا يحتاج إلى التعليل فيما قاس النون عليه من المتصل والمنفصل إذا سئل مثلا لم لم تحذف اللام فى اخشيا وارميا واغزوا كما حذفت فى اخش وارم واغز ولم ضمت الواو فى ارضوا الرجل وكسرت الياء فى ارضى الرجل ولم تحذفا كما فى ارموا الرجل وارمى الغرض؟ وكل علة تذكرها فى المحمول عليه فهى مطردة فى المحمول فما فائدة الحمل؟ وإنما يحمل الشىء على الشىء إذا لم يكن المحمول

١٥٨

رد كما ذكرنا هناك (١) فلو قلب لوجب حذفه فلم يتبين رده ، وفى اخشيا لكونه فرع يخشيان ، ولا نقول بعروض الحركة ؛ إذ لو لم يعتد بالحركة فى مثله لم يرد العين فى خافا وخافنّ

قوله «كغزا ورمى ويقوى ويحيى وعصا ورحى» أمثلة لما تحرك الواو والياء فيه وانفتح ما قبلهما ولم يكن بعدهما موجب للفتح فقلبا ألفين

قوله «بخلاف غزوت ورميت وغزونا ورمينا ويخشين ويأبين» أمثلة لما انفتح ما قبل الواو والياء فيه وسكنا فلم يقلبا

قوله «وغزو ورمى» مثالان لما تحرك واوه وياؤه وسكن ما قبلهما فلم يقلبا ولم يكن كأقوم أى مفتوح حرف العلة فرعا لما انفتح ما قبلها حتى يحمل عليه

قوله «وبخلاف غزوا ورميا» إلى قوله «لشبهه بذلك» أمثلة لما تحرك واوه وياؤه وانفتح ما قبلهما وكان بعدهما موجب لبقائهما بلا قلب

قوله «بخلاف اخشوا واخشونّ واخشى واخشينّ» يعنى أن أصلها اخشيوا واخشيونّ واخشيى واخشيينّ فقلبت الياء ألفا وحذفت ؛ لأن حذف اللام ههنا لا يلبس كما كان يلبس فى يخشيان لو حذفت ؛ فلم يحذف ، وحمل اخشيا عليه ؛ لأنه فرعه وإن لم يلبس. وحمل اخشينّ على اخشيا لمشابهة النون فى مثله للألف ، ولمانع أن يمنع أن أصل اخشوا اخشيوا ، وأصل اخشى اخشيى ، وذلك لأن الواو

__________________

فى ثبوت العلة فيه كالمحمول عليه ، بل يشابهه من وجه فيلحق به لأجل تلك المشابهة وإن لم تثبت العلة فى المحمول كحمل إن على الفعل المتعدى وإن لم تكن فى إن العلة المقتضية الرفع والنصب كما كانت فى المتعدى» اه

(١) قال فى شرح الكافية (٢ : ٣٧٦): «وإنما ردت اللامات المحذوفة للجزم أو للوقف فى نحو لتغزون واغزون ولترمين وارمين ولتخشين واخشين لأن حذفها كان للجزم أو للوقف الجارى مجراه ، ومع قصد البناء على الفتح للتركيب لا جزم ولا وقف» ا ه

١٥٩

والألف والياء كل واحد منها فاعل يلحق الفعل كما يلحق زيد فى رمى زيد لا فرق بينهما ، إلا أن اتصال الضمير أشد ، ولا يلزم أن يلحق الفاعل أصل الفعل ، بل يلحقه بعد الإعلال ؛ لأنه ما لم ينقّح أصل الكلمة ولم تعط مطلوبها فى ذاتها لم يلحق بها مطلوبها الخارجى

فان قيل : فلم لم يقل غزات ورمات ، فى غزوت ورميت

قلت : تنبيها على عدم تقدير الحركة فى حرف العلة ، كما ذكرنا فى ذى الزيادة (١) والدليل على أن الضمائر تلحق الكلمات بعد تخفيفها قولهم : رضيوا وغزيوا باسكان العين للتخفيف ، كما قيل فى عصر : عصر ، ولو لحق الواو رضى ورمى مكسور العين وجب حذف الياء للساكنين ؛ لأن الضمة على الياء بعد الكسرة تحذف ، فيلتقى ساكنان : الياء ، والواو ، فاذا كان الضمير يلحق الفعل بعد التخفيف النادر القليل فما ظنك بالتخفيف الواجب المطرد؟ ولو سلم أيضا أن الأصل اخشيوا واخشيى فان الحركة عارضة لأجل الضمير فلا تقلب لأجلها الياء ألفا [كما مرمرارا]

والحق أن يقال : إن أصل اخشوا واخشى اخش لحقته الواو والياء ؛ وأصل اخشونّ واخشينّ اخشوا واخشى لحقته النون فحركت الواو والياء للساكنين ، ولم يحذفا ؛ لأنهما ليسا بمدتين كما فى اغزنّ وارمنّ ، ولا يجوز حذف كلمة تامة ، أعنى الضميرين بلا دليل عليهما ، ولم يقلب الواو والياء ألفا فى اخشونّ واخشينّ ؛ لأن كل واحد منهما كلمة برأسها فلا يغيران بالكلية ، وأيضا حركتهما عارضة للساكنين كما ذكرنا

قال : «وتقلب الواو ياء إذا وقعت مكسورا ما قبلها ، أو رابعة فصاعدا ولم ينضمّ ما قبلها ، كدعى ورضى والغازى ، وأغزيت وتغزّيت واستغزيت

__________________

(١) انظر (ج ٢ ص ٣٧٠)

١٦٠