شرح شافية ابن الحاجب

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

قوله «ومن قال اشهباب» يعنى أن باب افعلال مقصور افعيلال فى بعض الكلمات ، : يقال احميرار واحمرار ، واشهيباب واشهباب (١) ، فيقال على ذلك فى احويواء : احوواء ، فيجتمع الواوان كما يجتمع التاءان فى اقتتال ، وإن لم يكن احوواء من باب اقتتال ، وسيجىء فى باب الإدغام أنه قد يدغم نحو اقتتل يقتتل اقتتالا فيقال : قتّال ، فيقال أيضا هنا : حوّاء ، والواوان المدغم إحداهما فى الأخرى لا يستثقلان فى الوسط كما يستثقلان فى الطرف ، فيقال حوّى يحوّى ، بفتح الحاء فيهما ، أو حوّى يحوّى ، بكسر الحاءين (٢) ، حوّاء نحو قتل يقتل قتالا

__________________

اختارها متأخر والنحاة كابن مالك وشراح كلامه ، ولكن ابن الحاجب ذكر فى باب الادغام أن عدم القلب فى سوير وعدم الادغام فى قوول خوف الالتباس بنحو سير مبنيا للمجهول من نحو قوله تعالى : (وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) وبنحو قول مبنيا للمجهول من قول ـ بالتضعيف ـ وأيد المؤلف كلامه هناك حيث قال «وعند سيبويه والخليل أن سوير وقوول لم يدغما لكون الواوين عارضين ، وقول المصنف أولى ، وهو أنهما لم يدغما ؛ لخوف الالتباس ؛ لأن العارض إذا كان لازما فهو كالأصلى ، ومن ثم يدغم إينة ـ كامعة ـ وأول ـ كابلم ـ مع عروض الواو والياء» ا ه ، وخلط بين العلتين فى الكلام على قلب الواو ياء إذا اجتمعت مع الياء وسبقت إحداهما ساكنة.

(١) الشهبة : البياض الذى غلب على السواد ، وقد قالوا : اشهب الفرس اشهبابا واشهاب اشهيبابا ، إذا غلب بياضه سواده ، هذا قول أكثر أهل اللغة ، وقال أبو عبيدة : الشهبة فى ألوان الخيل : أن تشق معظم ألوانها شعرة أو شعرات بيض كمتا كانت أو شقرا أودهما.

(٢) وجه كسر الحاء فى «حوى» أنه لما قصد الادغام سكن أول المثلين فالتقى ساكنان : الحاء التى هى فاء الكلمة ، والواو التى هى عينها ؛ فحرك أول الساكنين بالكسر الذى هو الأصل فى التخلص من التقاء الساكنين ، وحذفت همزة الوصل استغناء عنها ، وأما «حوى» بفتح الحاء فوجهه أنه لما أريد الادغام نقلت حركة أول المثلين إلى الساكن قبله وحذفت همزة الوصل استغناء عنها.

١٢١

وإذا بنيت من حيى ورمى مثل احمرّ قلت : احييا وارميا ، والإعلال قبل الادغام.

وإذا بنيت مثل احمارّ منهما قلت : احيايا وارمايا ، وفى المثنى احيييا وارمييا واحياييا وارماييا ، ولا يجوز الإدغام لعروض الحركة فى الأخيرة ، لأجل ألف المثنى ، وتقول فى الجمع : احييوا ، واحيايوا ، فاذا لزمت الحركة ـ وذلك فيما لم يسم فاعله نحو احييى وارميى واحيويى وارمويى واحيييا واحيييوا واحيوييا واحيوييو ـ جاز الادغام ، فتقول : أحيىّ وأصله أحيىّ كسرت الياء المضمومة كما فى مسلمىّ ، واحييّا واحييّوا واحيوىّ واحيويّا واحيويّوا ، وفى المضارع : يحييى ويرميى ويحيايى ويرمايى ، ولا يجوز إدغام الواو فى احيويى كما لم يدغم فى سوير ، كما ذكرنا ، وتقول فى اسم الفاعل : محييية ومحيايية ، ولا يجوز الإدغام ؛ لعروض الحركة ، بل إخفاء الكسر أولى من الاظهار كما بينا وتقول فى مصدر احييا : احيياء ، وفى مصدر احيايا احييّاء بالادغام ، ومن لم يدغم فى احويواء لكون الياء بدلا من الألف ينبغى أن لا يدغم أيضا ههنا ، لكنه مستثقل ، ومن أدغم فى اقتتل يقتتل اقتتالا قال ههنا : حيّا يحيّى حيّاء.

قوله «وجاز الادغام فى أحيى واستحيى» من أدغم قال : أحىّ أحيّا أحيّوا واستحىّ استحيّا استحيّوا ، وذلك للزوم الحركة ، ومن لم يدغم قال أحيى أحييا أحيوا ، نحو أرمى أرميا أرموا ، وفى استحيى ثلاث لغات ، هذه أصلها ، وثانيتها الادغام ؛ وثالثتها حذف الياء الأولى كما فى استحى عند بنى تميم ، وتقول فى مضارع أحيا واستحيا : يحيى ويستحيى ، من غير إدغام ، لعدم لزوم الحركة.

قوله «ومن ثم لم يبن من باب قوى» أى : من مضاعف الواو «فعل»

١٢٢

بالفتح كراهة اجتماع الواوين إذا اتصل بالماضى الضمير المرفوع ، وأما فعل ـ بالضم ـ فلو بنى منه لحصلت الواوان من دون اتصال الضمير ، إذ لم يكن تقلب الواو التى هى عين لما لم تكن علة القلب فى اللام حاصلة ، كما ذكرنا فى حيى وطوى ، ولم تكن تقلب الثانية ياء لضمة ما قبلها كما فى الأدلى ؛ لأن ذلك فى الاسم كما يأتى ، ألا ترى إلى نحو سرو؟

قوله «ونحو القوّة والصّوّة (١)» جواب سؤال ، كأنه قيل : فإذا لم يبنوا من باب قوى مخافة الواوين ، فلم احتملوا ذلك فى القوة؟ فقال : لأن الإدغام ههنا حاصل ، فخفت الكلمة به ، ولو كان الإدغام مقدما على الإعلال أيضا لم يجز ذلك فى الفعل كما جاز فى الاسم ؛ لثقل الواوين فى الفعل الذى هو ثقيل

قال «وصحّ باب ما أفعله لعدم تصرّفه ، وأفعل منه محمول عليه أو للّبس بالفعل ، وازدوجوا واجتوروا ؛ لأنّه بمعنى تفاعلوا ، وباب اعوارّ واسوادّ للّبس ، وعور وسود ؛ لأنّه بمعناه ، وما تصرّف ممّا صحّ صحيح أيضا كأعورته واستعورته ومقاول ومبايع وعاور وأسود ، ومن قال : عار قال : أعار واستعار وعائر ، وصحّ تقوال وتسيار للّبس ، ومقوال ومخياط للّبس ، ومقول ومخيط محذوفان منهما ، أو [لأنّهما] بمعناهما ، وأعلّ نحو يقوم ويبيع ومقوم ومبيع بغير ذلك ؛ للّبس ، ونحو جواد وطويل وغيور للألباس بفاعل أو بفعل أو لأنّه ليس بجار على الفعل ولا موافق ، ونحو الجولان والحيوان والصّورى والحيدى ؛ للتّنبيه

__________________

(١) الصوة : جماعة السباع ، وهى أيضا حجر ينصب فى الفيافى والمفازة المجهولة ليستدل به على الطريق ، وتجمع على صوى ، نظير مدية ومدى ، كما جاء فى حديث أبى هريرة (إنّ للأسلام صوى ومنارا كمنار الطّريق) أراد أن للاسلام طرائق وأعلاما يهتدى بها.

١٢٣

بحركته على حركة مسمّاه ، والموتان ؛ لأنّه نقيضه ، أو لأنّه ليس بجار ولا موافق ، ونحو أدور وأعين للإلباس ، أو لأنّه ليس بجار ولا مخالف ، ونحو جدول وخروع وعليب ؛ لمحافظة الإلحاق أو للسّكون المحض»

أقول : قد تبين بما قدمت فى أول هذا الباب علة تركهم إعلال الأشياء المذكورة ، ولنفسر ألفاظ المصنف

قوله «لعدم تصرفه» يعنى أن الأصل فى الإعلال الفعل ؛ لما ذكرنا من ثقله ، ولم يعل باب التعجب نحو ما أقوله وأقول به ـ وإن كانا فعلين على الأصح ـ لمشابهتهما بعدم التصرف للأسماء ؛ فصارا كأفعل التفضيل وأفعل الصفة

قوله «وأفعل منه» أى : أفعل التفضيل محمول عليه : أى مشابه لأفعل التعجب ؛ لأن التعجب من الشىء لكونه أفضل فى معنى من المعانى من غيره ، ولذلك تساويا فى كثير من الأحكام كما تبين فى بابيهما ، ولا وجه لقوله «محمول عليه» لأنه اسم ، وأصل الاسم أن لا يعل هذا الإعلال كما ذكرنا ، وقد يعل من جملة الأسماء الأقسام المذكورة كما مر ، وشرط القسم المزيد فيه الموازن للفعل إذا قصدنا إعلال عينه أن يكون مخالفا للفعل بوجه كما تقدم ، وهذا لا يخالف الفعل بشىء ؛ فكان يكفى قوله «أو للبس بالفعل»

قوله «وباب اعوار واسواد للبس» أى : لو قلبت الواو ألفا ونقلت حركتها إلى ما قبلها لكان يسقط همزة الوصل وإحدى الألفين ؛ فيبقى سادّ وعارّ فيلتبس بفاعل المضاعف ، ولا وجه لقوله «للبس» لأنه إنما يعتذر لعدم الإعلال إذا حصل هناك علته ولم يعل ، وعلة الإعلال فيما سكن ما قبل واوه أو يائه كونه فرعا لما ثبت إعلاله ، كما فى أقام واستقام ، ولم يعل عور وسود حتى يحمل اعوارّ واسوادّ عليهما ؛ بل الأمر بالعكس ؛ بلى لو سئل كيف لم يعل اعوار واسواد

١٢٤

وظاهرهما أنهما مثل أقوم ؛ فالجواب أن بينهما فرقا ، وذلك أن العلة حاصلة فى أقوم دون اعوارّ

قوله «وما تصرف ... إلى آخره» أى : لم يعل نحو استعور وأعور وإن كانا فى الظاهر كاستقوم وأقوم ؛ لأن أصلهما ليس معلا حتى يحملا فى الإعلال عليه ، وكذلك عاور ومقاول ومبايع لم يعل إعلال نحو قائل وبائع ؛ لأن إعلال نحو قائل للحمل على فعله المعل ، وأفعال هذه الأشياء غير معلة

قوله «وتقوال وتسيار للبس» يعنى أن نحوه وإن كان مصدرا لفعل معل لم يعل ولم يجر مجراه كما أجرى إقامة واستقامة مجرى أقام واستقام ؛ لئلا يلتبس بعد الإعلال بفعال ، هذا قوله ، والوجه ما تقدم من أن المصدر لا يعل عينه هذا الإعلال إلا أن يكون مصدرا مطردا مساويا لفعله فى ثبوت الزيادة فيه فى مثل موضعها من الفعل ، كإقامة واستقامة ، وليس نحو تقوال وتسيار كذا ، وأما إعلال نحو قيام وعياذ بقلب الواو ياء وإن لم يساو الفعل بأحد الوجهين فلما ذكرنا من أن علة قلب الواو ياء لكسرة ما قبلها أمتن من علة قلب الواو ألفا لفتحة ما قبلها.

قوله «ومقوال ومخياط للبس» يعنى أنه آلة جارية على الفعل فكان سبيله فى الاعلال سبيل الفعل ، لكنه لم يعل للبس بفعال ، والحق أن يقال : لم يثبت فيه علة الاعلال ، وهى موازنة الفعل ، فكيف يعل؟ وليس كل اسم متصل بالفعل يعل هذا الاعلال.

قوله «ومقول ومخيط» هذا يحتاج إلى العذر ؛ لأنه موازن للأمر نحو اذهب واحمد ، وفيه المخالفة بالميم المزيدة فى الأول ؛ فكان الوجه الإعلال ؛ فالعذر أنه مقصور من مفعال ؛ فأجرى مجرى أصله ، ولنا أن لا نقول : إنه فرعه ، بل نقول :

هما أصلان ، ومفعل محمول على مفعال فى ترك الاعلال ؛ لكونه بمعناه ، وهذا

١٢٥

أولى ؛ إذ موافقته لمعناه لا تدل على أنه فرعه.

قوله «بغير ذلك» أى : لم تقلب عينها ألفا كما قلبت فى أصولها لئلا يلتبس وزن بوزن كما تكرر ذكرنا له

قوله «للالباس بفاعل» أى : لو حركت الألف الثانية بعد الاعلال كما فى قائل لالتبس فعال وفعول وفعيل بفاعل ، ولو حذفت الألف بعد قلبها لالتبس بفعل ـ المفتوح العين والفاء ـ والحق أن يقال : إنها لم تعل ؛ لأنها ليست مما ذكرنا من أقسام الاسم التى تعل

قوله «ونحو الجولان» هذا عجيب ؛ فإن حركة اللفظ لا تناسب حركة المعنى إلا بالاشتراك اللفظى ؛ إذ معنى حركة اللفظ أن تجىء بعد الحرف بشىء من الواو والياء والألف كما هو مشهور ، وحركة المعنى على فراسخ من هذا ، فكيف ينبه بإحداهما على الأخرى؟ فالوجه قوله «أو لأنه ليس بجار» أى كإقامة واستقامة كما ذكرنا من مناسبته للفعل ، ولا موافق : أى موازن له موازنة مقام ومقام وباب ودار.

قوله «للالباس» أى : بالفعل.

قوله «ولا مخالف» لأن شرط الموازن الموازنة المذكورة مخالفته بوجه حتى لا يلتبس بالفعل.

قوله «لمحافظة الإلحاق» فإن الملحق لا يعل بحذف حركة ولا نقلها ولا حذف حرف لئلا يخالف الملحق به ، فيبطل غرض الإلحاق إلا إذا كان الإعلال فى الآخر فإنه يعل لأن الأواخر محل التغيير ، ولأن سقوط حركة الآخر كالمعزى لا يخل بالوزن كما ذكرنا فى أول الكتاب (١) ، وسقوط الحرف الأخير لأجل التنوين كلا سقوط كمعزى لأن التنوين غير لازم للكلمة.

__________________

(١) انظر (ح ١ ص ٥٨)

١٢٦

قوله «عليب» (١) وهو عند الأخفش ملحق بجخدب ، وعند سيبويه للالحاق أيضا كسودد ، وإن لم يأت عنده فعلل كما يجىء بعد.

قوله «أو للسكون المحض» هذا هو العذر الحق لا الأول ؛ لأن الواو والياء الساكن ما قبلهما إنما تقلبان ألفا لكون ذلك الساكن مفتوحا فى أصل تلك الكلمة ، ولم يثبت فيما نحن فيه حركة فى الأصل.

قال : «وتقلبان همزة فى نحو قائم وبائع المعتلّ فعله بخلاف نحو عاور ، ونحو شاك وشاك شاذ ، وفى نحو جاء قولان ؛ قال الخليل : مقلوب كالشّاكى وقيل : على القياس ؛ وفى نحو أوائل وبوائع ممّا وقعتا فيه بعد ألف باب مساجد وقبلها واو أو ياء ، بخلاف عواوير وطواويس ، وضياون شاذّ ؛ وصحّ عواور ، وأعلّ عيائيل لأنّ الأصل عواوير فحذفت وعيائل فأشبع ، ولم يفعلوه فى باب معايش ومقاوم للفرق بينه وبين باب رسائل وعجائز وصحائف ، وجاء معائش بالهمز على ضعف ، والتزم همز مصائب.»

أقول : كل ما فى هذا الفصل قد تقدم ذكره بتعليله ، وقول النحاة فى هذا الباب : تقلب الواو والياء همزة ، ليس بمحمول على الحقيقة ، وذلك لأنه قلبت العين ألفا ثم قلبت الألف همزة ، فكأنه قلبت الواو والياء همزة.

__________________

(١) العليب ، بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه ـ : موضع بتهامة. قال جرير :

غضبت طهيّة أن سببت مجاشعا

عضّوا بصمّ حجارة من عليب

ويقال : هو واد فيه نخل ، قال أبو دهبل :

فما ذرّ قرن الشّمس حتّى تبيّنت

بعليب نخلا مشرفا ومخيّما

وذلك لأن النخل لا يكون فى رءوس الجبال ؛ فانه يطلب الدف.

١٢٧

قوله «بخلاف نحو عاور» يعنى أن اسم الفاعل محمول على الفعل فى الإعلال كما تقدم ؛ فلما صح فعله صح هو أيضا

قوله «ونحو شاك وشاك شاذ» يعنى أن بعض العرب يقلب العين إلى موضع اللام فى بعض أسماء الفاعلين من الأجوف ؛ فيعله إعلال قاض ، قال :

١٤١ ـ *لاث به الأشاء والعبرىّ* (١)

وقال :

١٤٢ ـ فتعرّفونى ؛ إنّنى أنا ذا كم

شاك سلاحى فى الحوادث معلم (٢)

__________________

(١) هذا بيت من الرجز المشطور ، وهو للعجاج يصف أيكة ، وقبله :

فى أيكة فلا هو الضّحىّ

ولا يلوح نبته الشّتىّ

لاث به ..... البيت

فتمّ من قوامها القومىّ

الأيكة : غيضة تنبت السدر والأراك ، والضحى : البارز للشمس ، وهو فعيل من ضحى يضحى ـ كرضى يرضى ـ ، ولاث : أصله لائث ، تقول : نبات لائث ، ولاث ؛ إذا التف واجتمع بعضه على بعض ، وأصله من لاث يلوث ، إذا اجتمع والتف ، والأشاء ـ بالفتح والمد ـ : صغار النخل ، واحدته أشاءة ، والعبرى : ما لا شوك فيه من السدر. وما فيه شوك منه يسمى الضال ، ويقال : العبرى ما نبت على شطوط الأنهار. والقوام ـ بالفتح ـ : الاعتدال ، والقومى : القامة وحسن الطول. والاستشهاد بالبيت فى قوله «لاث» على أن أصله لاوث فقدمت الثاء على الواو فصار لاثو ، ثم قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسرة ، ثم أعل إعلال قاض.

(٢) هذا البيت من الكامل ، وهو لطريف بن تميم العنبرى. وقبله قوله :

أو كلّما وردت عكاظ قبيلة

بعثوا إلىّ عريفهم يتوسّم

وعكاظ : سوق من أسواق العرب قريبة من عرفات كانوا يجتمعون فيها من نصف ذى القعدة إلى هلال ذى الحجة ، والعريف : النقيب ، وهو دون الرئيس الأعلى ، ويتوسم : يتفرس ، وشاك : أصله شاوك فقدمت الكاف على الواو ، ثم

١٢٨

وهذا هو الذى غر الخليل حتى ارتكب فى جميع اسم الفاعل من الأجوف المهموز اللام القلب ؛ فقال : إذا كانوا يقلبون فى الصحيح اللام خوفا من الهمزة الواحدة بعد الألف فهم من اجتماع همزتين أفر ، وهكذا لما رآهم قالوا فى جمع شائع : شواع (١) بالقلب ، قال : فهو فى نحو خطايا ومطايا وجواء وشواء أولى ، والجواب أنهم إنما التجئوا إلى القلب فى لاث وشاك خوفا من الهمزة بعد الألف ، وأما فى نحو جاء فيلزم همزة واحدة بعد الألف ، سواء قلبت اللام إلى موضع العين أولا ، قال سيبويه : وأكثر العرب يقولون : لاث وشاك ـ بحذف العين ـ فكأنهم قلبوا العين ألفا ثم حذفوا العين للساكنين ، ولم يحركوها فرارا من الهمزة ، والظاهر أن المحذوفة هى الثانية ؛ لأن الأولى علامة الفاعلية ، ويجوز أن يكون أصل لاث وشاك لوث وشوك مبالغة لائث كعمل فى عامل ولبث فى لابث ،

__________________

أعلت بقلب الواو ياء ، ثم عومل معاملة قاض ، ومعلم بزنة اسم الفاعل أو المفعول الذى أعلم نفسه فى الحرب بعلامة ليعرف بها ، وكانوا لا يأتون عكاظ إلا ملثمين مخافة الأسر. والاستشهاد بالبيت فى قوله «شاك» على أنه اسم فاعل من شاك يشوك لأنه من الشوكة ، ويقال : هو اسم فاعل من شك فى نحو قول عنترة :

فشككت بالرّمح الأصمّ ثيابه

ليس الكريم على القنا بمحرّم

وأصله على هذا شاكك ؛ فقلبوا ثانى المثلين ياء ، كما قالوا : أمليت فى أمللت ، ثم عومل معاملة قاض ، ويقال : هو بزنة فعل ـ بفتح فكسر ـ وأصله شوك قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ووجه رابع وهو أن أصله شاوك على وزن فاعل فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها مع عدم الاعتداد بالألف ثم حذفت الألف الثانية التى هى عين الكلمة ، وعلى الثالث والرابع تجرى حركات الاعراب على الكاف ، بخلاف الوجهين الأولين فانه عليهما يعرب إعراب المنقوص ؛ فان كانت رواية البيت بكسر الكاف لم يجر فيه إلا الوجهان : الأول والثانى ، وإن كانت الرواية بضمها لم يجر فيه إلا الثالث والرابع

(١) انظر (ح ١ ص ٢٢)

١٢٩

فيكونان ككبش صاف ويوم راح ، وقد مضى البحث فى جاء فى أول الكتاب (١)

قوله «وفى نحو أوائل» يعنى إذا اكتنف حرفا علة ألف باب مساجد قلبت الثانية ألفا ؛ للقرب من الطرف واجتماع حرفى علة بينهما فاصل ضعيف ، ثم تقلب الثانية همزة كما فى قائل وبائع ، على ما تقدم ، سواء كان كلاهما واوا كما فى أواول ، أو كلاهما باء كما فى بيّع وبيايع ، أو الأول واوا والثانى ياء كما فى بوايع جمع بويعة فوعلة من البيع ، أو بالعكس نحو عيايل جمع عيّل ، وأصله عيول ؛ لأنه من عال يعول ، وكان قياس ضياون (٢) ضيائن ، بالهمز ، لكنه شذ فى الجمع كما شذ فى المفرد ، وليس ذلك بمطرد ، ألا ترى أنك تقول : بنات ألببه (٣) بفك الإدغام ، فإذا جمعت قلت بنات الابّه مدغما ، والمسموع من جميع ذلك

__________________

(١) انظر (ح ١ ص ٢٥)

(٢) الضياون : جمع ضيون ، والضيون : السنور الذكر ،

(٣) «بنات ألببه» أجمع العلماء فى رواية هذه الكلمة على الفك ، واختلفوا فى ضبطها ؛ فرواها جماعة بفتح الباء الأولى على أنه أفعل تفضيل من قولهم : رجل لب ـ كسمح ـ إذا كان عاقلا ، والضمير عائد على الحى والقبيلة ؛ فكأنه قيل : بنات أعقل هذا الحى ، ورواها قوم بضم الباء الأولى على أنه جمع لب ، نحو قول الكميت :

إليكم ذوى آل النّبىّ تطلّعت

نوازع من قلبى ظماء وألبب

وبنات ألبب ـ على هذا الوجه الأخير ـ : اسم لعروق متصلة بالقلب تكون منها الرقة ، وقد قالت أعرابية : تأبى له ذاك بنات ألببى ، انظر (ح ١ ص ٢٥٤) ثم اعلم أن هذا الذى ذكره المؤلف ههنا من أنك تدغم فى الجمع هو ما ذكره فى التصغير ، وظاهر عبارته يفيد أنه ليس لك إلا الادغام فى التصغير والجمع ؛ لأن الفك فى الواحد والمكبر شاذ ، والشاذ لا يلجىء إلى شاذ مثله ، ولكن العلماء قد نقلوا فى الجمع والتصغير جميعا الوجهين : الادغام ، والفك ، وارجع ثانيا إلى الموضع الذى أحلناك عليه من الجزء الأول

١٣٠

ما اكتنف ألف الجمع فيه واوان ، وقاس سيبويه الثلاثة الباقية عليه ؛ لاستثقال الياءين والياء والواو كاستثقال الواوين ، وقال الأخفش : القياس أن لا يهمز فى الياءين ، ولا فى الياء والواو ؛ لأن اجتماعهما ليس كاجتماع الواوين ، وأما بوائع جمع بائعة ، فإنما همز لكونه جمع ما همز عينه ، فإذا بنيت اسم الفاعل من حيى وشوى قلت حاى بالياء وشاو كقاض ، وتقول فى جمعهما لغير العقلاء : حوايا وشوايا عند سيبويه ؛ لوقوع ألف الجمع بين واو وياء فى جمع حاى وبين واوين فى جمع شاو ، ولا تتبع جمع شاو واحده (١) كما فعلت فى جمع إداوة إذ لو أتبعت لقلت شواوى ، فكان فرارا إلى ما فرمنه ، على ما ذكرناه فى تخفيف الهمزة ؛ وتقول على مذهب الأخفش : حواى بالياء ، وأما شوايا فلا خلاف فيه لاجتماع الواوين

قوله «بخلاف عواوير وطواويس» يعنى إذا بعدت حروف العلة التى بعد ألف الجمع عن الطرف لم تقلبها ألفا ، سواء كان المكتنفان واوين كطواويس ، أو ياءين كبياييع جمع بيّاع ، أو مختلفين كقياويم جمع قيّام وبواييع جمع بياع على وزن توراب من باع ، لو جمعت الأسماء المذكورة هذه الجموع ، وأما عواور جمع عوّار وهو القذى فلأن أصله عواوير فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة ، قال :

١٤٣ ـ وكحّل العينين بالعواور (٢)

__________________

(١) فى نسخة «ولا تتبع الجمعين واحديهما ، كما فعلت فى جمع إداوة ؛ إذ لو أتبعت جمع حاى واحده لقلت أيضا حوايا ، ولو أتبعت جمع شاو لقلت شوآيا ؛ فكان فرارا ـ الخ»

(٢) هذا البيت من مشطور الرجز ، وهو لجندل بن المثنى الطهوى يخاطب فيه امرأته ، وقبله قوله :

غرّك أن تقاربت أباعرى

وأن رأيت الدّهر ذا الدّوائر

*حنى عظامى وأراه ثاغرى*

وقوله «تقاربت أباعرى» قيل : معناه دنت من منازلنا ، وهو كناية عن لزوم

١٣١

وعيائيل بالهمز لأن أصله عيائل ؛ إذ هو جمع عيّل كسيد ، وهو الفقير ، فأشبع الكسرة ؛ قال

١٤٤ ـ فيها عيائيل أسود ونمر (١)

__________________

الدار وعدم خروجه للنجعة واستمناح الملوك ؛ لضعفه وكبره ، ويقال : معناه قلت فهو كناية عن الفقر ، والدوائر : جمع دائرة ، وهى اسم فاعل من دار يدور ، وأراد بها المصائب والنوائب ، وحنى عظامى : قوسها ، وإنما يكون ذلك عند الشيخوخة والكبر ، وثاغرى : اسم فاعل من ثغره : أى كسر ثغره : أى أسنانه ، والعواور : جمع عوار ـ بضم العين وتشديد الواو ـ وهو القذى يسقط فى العين فيؤذيها. والاستشهاد بالبيت فى قوله «بالعواور» حيث صحح الواو الثانية مع قربها من الآخر ، وذلك لأن أصله العواوير ؛ فلما اضطر الشاعر حذف الواو ـ

(١) هذا البيت من مشطور الرجز ، وهو لحكيم بن معية الربعى من بنى تميم ، وقبله قوله :

أحمى قناة صلبة ما تنكسر

صمّاء تمّت فى نياف مشمخرّ

حفّت بأطواد عظام وسمر

فى أشب الغيطان ملتفّ الحظر

أحمى : مضارع حمى قومه ـ كرمى ـ حماية ؛ إذا منعهم ودافع عنهم ، والقناة : الرمح ، والصلبة : الشديدة القوية ، والصماء : التى يكون جوفها غير فارغ ، وتمت : كملت واستوت فى منبتها ، والنياف ـ ككتاب ـ : العالى المرتفع ، وأراد جبلا ، وأجود منابت الرماح قمم الجبال ، وأصله نواف فقلبت الواو ياء شذوذا ؛ لأنه ليس بمصدر ولا بجمع ، ومشمخر : اسم فاعل من اشمخر : أى علا وارتفع ، وحفت : أحيطت ، والأطواد : جمع طود ، وهو الجبل ، والسمر : اسم جنس جمعى واحدته سمرة ، وهو نوع من الشحر عظيم طويل ، والأشب ـ بفتح فكسر ـ : الملتف الذى لا يمكن الدخول فيه إلا بشدة ، والحظر : يقال : هو بفتح الحاء وكسر الظاء ، وهو الموضع الذى يحيط به الشجر ، ويقال : هو بضمتين ، وهو جمع حظيرة ، والعيائيل : جمع عيل ـ بتشديد الياء وكسرها ـ وهو فيعل من عال يعيل إذا تبختر أو من عال الفرس يعيل إذا تكفأ فى مشيه وتمايل ، وذلك لكرمه ، ويقال : اشتقاقه من عال يعيل إذا افتقر ، والنمر ـ بضمتين ـ : جمع نمر ـ بفتح فكسر ـ وقياسه

١٣٢

روعى الأصل فى الجمعين

هذا كله فى الجمع ، وأما إن وقع مثل ذلك فى غير الجمع فإن سيبويه يقلب الثانى أيضا ألفا ثم همزة ، فيقول : عوائر وقوائم ، على وزن فواعل من عور وقام ، وكذا يقول فى مطاء ورماء وحياء وشواء من مطا ورمى وحيى وشوى ، فيصير ثانى المكتنفين فى الجميع (١) همزة ؛ لأنه وإن فات ثقل الجمع إلا أن ضم أوله ألحقه ثقلاما ، قال : لا تقلب الهمزة ههنا ياء مفتوحة ، والياء بعدها ألفا ، كما فعل فى الجمع ، فلا يقال مطايا ورمايا وحيايا وشوايا ؛ لئلا يلتبس ببناء شكاعى (٢) وحبارى ، ويجوز أن يقال : إن ثقل

__________________

نمور ؛ فحذفت الواو. والاستشهاد بالبيت فى قوله «عيائيل» حيث أبقى الهمزة المنقلة عن الياء ؛ لأنه لم يعتد بالمدة التى قبل الطرف ؛ لأنها للاشباع وليست فى مقابلة حرف فى المفرد

(١) قوله «فيصير ثانى المكتنفين فى الجميع همزة» غير مستقيم ، وذلك أنه لم يكتنف الألف حرفا علة إلا فى حياى وشواى ، وأما مطاء ورماء فليسا كذلك كما هو ظاهر ، والذى أوقع المؤلف فى ذلك أنه نقل عبارة سيبويه فخلط بين نوعين من الأمثلة ميز سيبويه أحدهما عن الآخر ، وهاك عبارته (ح ٢ ص ٣٨٥) : «وفواعل منهما (يريد : حوى وشوى) بمنزلة فواعل (يريد الجمع) فى أنك تهمز ولا تبدل من الهمزة ياء ، كما فعلت ذلك فى عورت ، وذلك قولك عوائر ، ولا يكون أمثل حالا من فواعل وأوائل ، وذلك قولك : شواء ، وأما فعائل من بنات الياء والواو فمطاء ورماء ؛ لأنها ليست همزة لحقت فى جمع ، وإنما هى بمنزلة مفاعل من شأوت وفاعل من جئت ؛ لأنها لم تخرج على مثال مفاعل ، وهى فى هذا المثال بمنزلة فاعل من جئت ؛ فهمزتها بمنزلة همزة فعال من حييت ، وإن جمعت قلت : مطاء ؛ لأنها لم تعرض فى الجمع» ا ه

(٢) الشكاعى : نبت دقيق العيدان صغير أخضر وله زهرة حمراء ، والناس يتداوون به. قال عمرو بن أحمر الباهلى ـ وكان قد تداوى به وشفى ـ :

شربت الشّكاعى والتددت الدّة

وأقبلت أفواه العروق المكاويا

١٣٣

الضمة ليس كثقل الجمعية ، فلم يطلب معها غاية التخفيف كما طلبت مع الجمع الأقصى ، بل اقتصر على شىء منه ، وذلك بقلب ثانى المكتنفين ألفا ، ثم همزة ، قال سيبويه : فإن جمعت مطاء قلت : مطاء لا مطايا ؛ لأن الهمزة كانت فى المفرد ولم تعرض فى الجمع ، فهو مثل شواء جمع شائية كما تقدم فى تخفيف الهمزة ، والأخفش والزجاج لا يغيران ثانى المكتنفين فى غير الجمع ، فيقولان : عواور وقواوم ومطاو ورماى وحياى وشواى ؛ لخفة المفرد

قوله «ولم يفعلوه فى باب معايش» أى : فيما وقع بعد ألف الجمع فيه واو أو ياء ليست بمدة زائدة ، سواء كانت أصلية كما فى مقيمة ومقاوم ومريبة ومرايب ، أو زائدة كما فى جداول وعثاير ، فتبقى على حالها : أما الأصلية فلأصالتها ، وأما الزائدة المتحركة فلقوتها بالحركة وكونها للالحاق بحرف أصلى ، وإن كانت الواو والياء مدة زائدة فى المفرد قلبت ألفا ثم همزة ، كما فى تنائف وكبائر ، وقد يهمز معايش ، تشبيها لمعيشة بفعيلة ، والأكثر ترك الهمز ، وكذا قد يهمز المنائر فى جمع منارة ، تشبيها لها بفعالة ، والفصيح المناور ، والتزم الهمز فى المصائب تشبيها لمصيبة بفعيلة ، كما جمع مسيل على مسلان تشبيها له بفعيل أو توهما ، وهى ـ أعنى مصائب ومنائر ومعائش ـ بالهمز شاذة

قال : «وتقلب ياء فعلى اسما واوا فى نحو طوبى وكوسى ، ولا تقلب فى الصّفة ، ولكن يكسر ما قبلها لتسلم الياء ، نحو مشية حيكى وقسمة ضيزى ، وكذلك باب بيض ، واختلف فى غير ذلك ؛ فقال سيبويه : القياس الثّانى ؛ فنحو مضوفة شاذّ عنده ، ونحو معيشة يجوز أن يكون مفعلة ومفعلة ، وقال الأخفش : القياس الأوّل ؛ فمضوفة قياس عنده ، ومعيشة مفعلة ، وإلّا لزم معوشة ، وعليهما لو بنى من البيع مثل ترتب لقيل : تبيع وتبوع»

١٣٤

أقول : قوله «طوبى» إما أن يكون مصدرا كالرّجعى ، قال تعالى : (طُوبى لَهُمْ) أي : طيبا لهم ، كقوله تعالى (تعسا لهم) ، وإما أن يكون مؤنثا للأطيب ؛ فحقه الطّوبى ، باللام ، وحكمه حكم الأسماء ، كما قال سيبويه : هذا باب ما تقلب فيه الياء واوا ، وذلك إذا كان اسما كالطوبى والكوسى ؛ قال : لأنها لا تكون وصفا بغير الألف واللام ؛ فأجرى مجرى الأسماء التى لا تكون وصفا بغير الألف واللام ؛ لأنها لا تستعمل مع «من» كما هو معلوم ، وأما مع الإضافة فإن المضاف إليه يبين الموصوف ؛ لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه ؛ فلا تقول : عندى جارية حسنى الجوارى ؛ لأن الجوارى تدل على الموصوف ، فلما لم تكن فعلى بغير لام صفة ولم تتصرف فى الوصفية تصرف سائر الصفات جرت مجرى الأسماء ، ولقلة معنى الوصف فى أفعل التفضيل انصرف المجرد منه من «من» إذا نكر بعد العلمية اتفاقا ، بخلاف باب أحمر ؛ فان فيه خلافا كما مر فى بابه (١)

يقال : مشية حيكى ، إذا كان فيها حيكان : أى تبختر ، قال سيبويه : هو فعلى بالضم لا فعلى بالكسر ؛ لأن فعلى لا تكون صفة ، وإما عزهاة (٢)

__________________

(١) قد ذكرنا ذلك فيما مضى ونقلنا لك العبارة التى يشير إليها هنا من شرح الكافية فارجع إليه فى (ح ٢ ص ١٦٩)

(٢) العزهاة : الذى لا يطرب للهو. واعلم أن العلماء قد اختلفوا فى مجىء فعلى ـ بكسر فسكون ـ صفة ؛ فأثبته قوم ونفاه شيخ هذه الصناعة سيبويه ، وذكر أنه لا يجىء صفة إلا بالتاء (ح ٢ ص ٣٢١) ، فأما من أثبتوه فقد ذكروا من أمثلته عزهى ، وسعلى ، وكيصى ، وقد رد عليهم أنصار سيبويه بانكار الأولين ، وقالوا : لا نعرفهما إلا بالتاء ، وأما المثال الثالث فلا يلزم أن يكون فعلى ـ بكسر الفاء ـ وإنما يجوز أن يكون أصله فعلى ـ بالضم ـ فقلبت الضمة كسرة لتسلم الياء ، والألف فى الثلاثة للالحاق : أما فى الأولين فللالحاق بدرهم ، وأما فى الثالث فللالحاق بجخدب ـ

١٣٥

فهو بالتاء ، وقد أثبت بعضهم رجل كيصى للذى يأكل وحده ، ويجوز أن يكون فعلى بالضم فيكون ملحقا بجخدب ، كما فى سودد وعوطط (١) ، ولا يضر تغيير الضمة بالإلحاق ؛ لأن المقصود من الإلحاق ـ وهو استقامة الوزن والسجع ونحو ذلك ـ لا يتفاوت به ، وإنما قلبت فى الاسم دون الصفة فرقا بينهما ، وكانت الصفة أولى بالياء لثقلها

قوله «وكذلك باب بيض» يعنى جمع أفعل وفعلاء ، وذلك لثقل الجمع وقد يترك فى باب بيض جمع أبيض الضمة بحالها فتقلب الياء واوا ، وذلك لخفة الوزن

قوله «واختلف فى غير ذلك» أى : فى غير فعل وفعلى الجمع والصفة ، سواء كان على فعل كما إذا بنيت على وزن برد من البيع ، أو على غير وزن فعل ؛ فسيبويه يقلب الضمة كسرة ؛ لتسلم الياء ، ولا تقلب الياء واوا ؛ لأن الأول أقل تغييرا ، والأخفش يعكس الأمر ، مستدلا باتفاقهم على قلب الياء ـ إذا كانت فاء ـ واوا لضمة ما قبلها ، نحو موسر ، وأجيب بأن ذلك للبعد من الطرف ، بخلاف ما إذا كانت الياء قريبة من الآخر ، كما فيما نحن فيه

قوله «فمضوفة (٢) شاذ» لأن المضوفة الشدة ، وهى من الضيافة ؛ لأنها تحتاج فى دفعها إلى انضياف بعض إلى بعض ، وهو يائى ؛ لقولهم : ضيّفه

__________________

(١) اختلف العلماء فى هذه الكلمة فجعلها بعضهم جمع عائط ، وأصله على هذا عوط بطاء واجدة ، مثل حائل وحول ، فزيدت الطاء الثانية كما تزيد فى زيد دالا فتقول : زيدد ، وكما تزيد فى خرج جيما فنقول : خرجج ، ونحو ذلك ، وذهب بعض العلماء إلى أن عوططا مصدر عاطت الناقة تعوط عوطا وعوططا ؛ إذا لم تحمل أول عام تطرق فيه ؛

(٢) قد وردت هذه الكلمة فى قول أبى جندب بن مرة الهذلى :

وكنت إذا جارى دعا لمضوفة

أشمّر حتّى ينصف السّاق مئزرى

١٣٦

قال : «وتقلب الواو المكسور ما قبلها فى المصادر ياء نحو قياما وعياذا وقيما ؛ لإعلال أفعالها ، وحال حولا شاذّ كالقود ، بخلاف مصدر نحو لاوذ ، وفى نحو جياد وديار ورياح وتير وديم ؛ لإعلال المفرد ، وشذّ طيال ؛ وصحّ رواء جمع ريّان ؛ كراهة إعلالين ، ونواء جمع ناو ، وفى نحو رياض وثياب ؛ لسكونها فى الواحد مع الألف بعدها ، بخلاف كوزة وعودة ، وأمّا ثيرة فشاذّ»

أقول : كان حق الواو المتحركة المكسور ما قبلها أن لا تقلب ياء ، إلا فى آخر الكلمة ، نحو رأيت الغازى ، كما أن الياء المتحركة المضموم ما قبلها لا تقلب واوا كالتّرامى والهيام والعيبة ، وذلك لأن اقتضاء الكسرة للياء بعدها كاقتضاء الضمة للواو بعدها ، والواو والياء يتقوّيان بالحركة ، فلا يقدر كسرة ما قبل أحدهما وضم ما قبل الآخر على قلبهما ، وإذا كانا مضعفين فهما أشد قوة نحو اجلوّاذ وبيّع ، واجليواذ وديوان شاذان ، لكنه قد يعرض للواو المتحركة غير المتطرفة المكسور ما قبلها ما يقتضى قلبها ياء ، وهو الحمل على غيره كما فى قام قياما ، ولم يثبت ذلك فى الياء المتحركة غير المتطرفة المضموم ما قبلها ، فبقيت على الأصل

فنقول : قلبت الواو المذكورة ياء لثلاثة أشياء :

أحدها : أن تكون الكلمة مصدرا لفعل معل نحو عاذ عياذا واقتاد اقتيادا ؛ ولا نريد كون الفعل معلّا بهذا الإعلال ، بل كون الفعل أعلّ إعلالا ما ، كما أن الواو فى عياذ قلبت ياء لإعلال عاذ بقلب الواو ألفا ، وتصحيح الواو فى حال حولا شاذ كشذوذ تصحيح الواو فى القود ، بخلاف مصدر نحو لاوذ ؛ لأن فعله مصحح ، ولم يقلب نحو عوض ؛ لأنه ليس بمصدر ، وقوله تعالى (دِيناً)(١) قِيَماً) فى الأصل مصدر

__________________

(١) قد وصف بقيم فى الآية الكريمة ، والأصل فى هذه الياء الواو ؛ لأنها

١٣٧

وثانيها : أن تكون الكلمة جمعا لواحد أعلت عينه بقلبها ألفا كما فى تارة وتير ، أو ياء كما فى ديمة وديم وريح ورياح ، وشذ طيال جمع طويل ؛ إذ لم تعل عين واحده ، وصح رواء مع أن واحده معلّ العين ، أعنى ريّان ، كما صح هوى وطوى ؛ كراهة الإعلالين ، وصح نواء جمع ناو : أى سمين (١) ؛ لأنه لم يعل واو واحده ، ولو أعل أيضا لم يجز إعلال الجمع ؛ لاجتماع إعلالين

وثالثها ـ وهو أضعفها ، ومن ثم احتاج إلى شرط آخر ، وهو كون الألف بعد الواو الواقعة بعد الكسر ـ كون الكلمة جمعا لواحد ساكن عينه ، كحياض وثياب ورياض ، وإنما احتيج إلى شرط آخر لأن واو الواحد لم تعل ؛ بل فيها شبه الإعلال ، وهو كونها ساكنة ؛ لأن السكون يجعلها ميتة فكأنها معلة ، وإنما أثر الشرط المذكور لأن كون الواو بين الكسرة والألف كأنه جمع بين حروف العلة الثلاثة ، فيقلب أثقلها : أى الواو ، إلى ما يجانس حركة ما قبلها : أى الياء ، وهذا الشرط ـ وإن لم يكن شرطا فى الأولين نحو قيم وتيروديم ـ لكنه يقويهما ، فلهذا جوّز تصحيح حولا ، وإن كان مصدر فعل فعل معلّ ، وجاز ثيرة

__________________

من قام يقوم ، وظاهر الأمر أن قلب الواو ياء شاذ ؛ لأن قياس القلب لا يكون إلا فى المصدر أو الجمع ، وقد أراد المؤلف أن يبين أن القلب فى هذه الكلمة قياسى وأن ظاهر الأمر غير مراعى ؛ فحملها على أنها فى الأصل مصدر قام ، مثل الصغر والكبر ، ثم نقل من المصدرية إلى الوصفية ؛ فوصف به كما يوصف بعدل ورضا ، وغور فى نحو قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً ... الآية) وأبقى على أصله من الاعلال

(١) يقال : نوت الناقة تنوى نيا ونواية ونواية ـ بفتح النون وكسرها ـ فهى ناوية من نوق نواء ؛ إذا سمنت ، وكذلك يقال للجمل والرجل والمرأة والفرس ، قال أبو النجم :

أو كالمكسّر لا تؤوب جياده

إلّا غوانم وهى غير نواء

١٣٨

مع ثورة لحمله على ثيران ، وصح خوان (١) وصوان (٢) ؛ لأنه ليس بجمع

قال «وتقلب الواو عينا أو لاما أو غيرهما ياء إذا اجتمعت مع ياء وسكن السّابق ، وتدغم ويكسر ما قبلها إن كان ضمّة ، كسيّد وأيّام وديّار وقيّام وقيّوم ودليّة وطىّ ومرمىّ ونحو مسلمىّ رفعا ، وجاء لىّ فى جمع ألوى ـ بالكسر والضّمّ ـ وأمّا نحو ضيون وحيوة ونهوّ فشاذ ، وصيّم وقيّم شاذ ، وقوله *فما أرّق النّيّام إلّا سلامها* أشذّ»

أقول : قوله «عينا» كما فى طىّ وسيّد وأيّام وديّار وقيّام وقيّوم ؛ إذ أصلها أيوام وقيوام وقيووم ، على فيعال وفيعول ، ولو كانا فعّالا وفعّولا لقيل قوّام وقوّوم

قوله «لاما» كما فى دليّة ، وأصله دليوة

قوله «أو غيرهما» كما فى مرمىّ ومسلمىّ ، إذا الواو فى الأول للمفعول ، والثانى واو الجمع

اعلم أن الواو والياء ـ وإن لم يتقاربا فى المخرج (٣) حتى يدغم أحدهما فى الآخر كما فى ادّكر (٤) واتّعد (٥) ـ لكن لما استثقل اجتماعهما اكتفى

__________________

(١) انظر (ح ١ ص ١١٠ ، ١١١)

(٢) الصوان ـ ككتاب وغراب ـ : ما تصان فيه الثياب ، وقد قالوا فيه : صيان بقلب الواو ياء على غير قياس

(٣) مخرج الواو ما بين الشفتين ، ومخرج الياء وسط اللسان وما يحاذيه من الحنك الأعلى

(٤) أصل ادكر اذتكر بوزن افتعل من الذكر ، استثقل مجىء التاء ، وهى من الحروف المهموسة ، بعد الذال وهى من المجهورة ؛ فأبدلت التاء دالا ؛ لأنها توافق التاء فى المخرج وتوافق الذال فى الصفة : أى الجهر ؛ فصار اذدكر ؛ فيجوز فيه حينئذ ثلاثة أوجه : الاظهار ، والادغام بقلب الدال ذالا ، والادغام بقلب الذال دالا ، وأقل الثلاثة الادغام بقلب الدال ذالا

(٥) أصل اتعد إو تعد فقلبت الواو تاء وأدغمت فى التاء

١٣٩

لتخفيفهما بالإدغام بأدنى مناسبة بينهما ، وهى كونهما من حروف المد واللين ، وجرّأهم على التخفيف الإدغامى فيهما كون أولهما ساكنا ، فان شرط الإدغام سكون الأول ؛ فقلبت الواو إلى الياء ، سواء تقدمت الواو أو تأخرت ، وإن كان القياس فى إدغام المتقاربين قلب الأول إلى الثانى ، وإنما فعل ذلك ليحصل التخفيف المقصود ؛ لأن الواو والياء ليستا بأثقل من الواو المضعفة ، وإنما لم يدغم فى سوير وتبويع ، قال الخليل : لأن الواو ليست بلازمة ، بل حكمها حكم الألف التى هى بدل منها ؛ لأن الأصل ساير وتبايع ، فكما أن الألف التى هى أصل هذه الواو لا تدغم فى شىء ، فكذلك الواو التى هى بدل منها ، ولذلك لم يدغم نحو قوول وتقوول ، وأيضا لو أدغم نحو سوير وتسوير وقوول وتقوول لالتبس بفعّل وتفعّل ، وليس ترك الإدغام فيه لمجرد المد ؛ إذ المد إنما يمنع من الإدغام إذا كان فى آخر كلمة ، نحو قوله تعالى (قالُوا وَأَقْبَلُوا) و (فِي يَوْمٍ) أما فى الكلمة الواحدة فلا ، نحو مغزوّ ومرمىّ ، وذلك لأن الكلمتين بعرض الزوال ، فاجتمع مع خوف زوال المد عدم الاتصال التام ، ولا تدغم أيضا فى نحو ديوان واجليواذ ؛ لأن القلب عارض على غير القياس ، وبزول ذلك فى جمع ديوان وتصغيره نحو دواوين ودويوين ، وتقول فى اجليواذ : اجلواذ [على الأكثر] ولو كان ديوان فيعالا لوجب قلب الواو ياء وإدغام الياء فيها كما فى أيام ، لكنه فعّال ، قلبت الواو ياء على غير القياس كما قلب فى قيراط ، وجمعه قراريط ، وكذا لا تدغم إذا خففت فى نحو رؤيا ورؤية بقلب الهمزة واوا ، بل تقول : رويا وروية ، وبعض العرب يقلب ويدغم فيقول : ريّا وريّة ، ولا يجوز ذلك فى سوير وبويع على حال ؛ لحصول الالتباس بباب فعّل ، بخلاف نحو ريّا وريّة ، ويقيس عليه بعض النحاة فيقول فى تخفيف قوى : قىّ ، وإذا خففت نحو رؤية ونؤى وأدغمت جاز الضم والكسر ، كما فى لىّ جمع ألوى ، كما ذكرنا ، وكذا إذا بنيت مثل فعل

١٤٠