شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

العبلات ؛ فانه بسكون الباء لأنه نسب إلى الواحد كما ذكرنا ، وكذا يحذف من المجموع بالواو والنون علما الحرفان ، إن لم يجعل النون معتقب الإعراب ، ولا يرد إلى الواحد ، فلهذا قيل فى المسمى بأرضين : أرضىّ ، بفتح الراء ، وإن جعل النون معتقب الاعراب لم يحذف منه شىء ، كما مر فى أول الباب (١)

قال : «وما جاء على غير ما ذكر فشاذّ»

أقول : اعلم أنه قد جاءت ألفاظ كثيرة على غير ما هو قياس النسب ، بعضها مضى نحو جذمى وقرشى وحرورى ، ولنذكر الباقى ؛ قالوا فى العالية ـ وهو موضع بقرب المدينة ـ علوىّ ، كأنه منسوب إلى العلو ، وهو المكان العالى ضد السفل ؛ لأن العالية المذكورة مكان مرتفع ، والقياس عالىّ أو عالوى ، فهو منسوب إليها على المعنى ، وقالوا فى البصرة : بصرى ، بكسر الباء ؛ لأن البصرة فى اللغة حجارة بيض وبها سميت البصرة ؛ والبصر بكسر الياء من غير تاء بمعنى البصرة ، فلما كان قبل العلمية بكسر الباء مع حذف التاء ومع النسبة بحذف التاء كسرت الباء فى النسب ، وقيل : كسر الباء فى النسب إتباعا لكسر الراء ،

__________________

(١) هذا الذى ذهب إليه الرضى وابن الحاجب من رد الجمع إلى الواحد هو الذى عليه جمهور علماء العربية ، وقد ذهب قوم إلى جواز النسب إلى لفظ الجمع ، قال السيوطى فى همع الهوامع (٢ : ١٩٧): «وأما الجمع الباقى على جمعيته وله واحد مستعمل فانه ينسب إلى الواحد منه فيقال فى الفرائض : فرضى ، وفى الحمس : أحمسى ، وفى الفرع : أفرعى ، قال أبو حيان : بشرط ألا يكون رده إلى الواحد يغير المعنى ، فان كان كذلك نسب إلى لفظ الجمع كأعرابى ، إذ لو قيل فيه عربى ردا إلى المفرد لالتبس الأعم بالأخص ، لاختصاص الأعراب بالبوادى وعموم العرب ، وأجاز قوم أن ينسب إلى الجمع على لفظه مطلقا وخرج عليه قول الناس فرائضى وكتبى وقلانسى ، وذهب هؤلاء إلى أن القمرى والدبسى منسوب إلى الجمع ، من قولهم : طيور قمر ودبس ، وعند الأولين هو منسوب إلى القمرة ، وهى البياض ، والدبسة ، أو مثل كرسى مما بنى على الياء التى تشبه ياء النسب» اه والدبسة : لون بين السواد والحمرة

٨١

ويجوز بصرى بفتح الباء على القياس ، وقالوا : بدوىّ ، والقياس إسكان العين لكونه منسوبا إلى البدو ، وإنما فتح ليكون كالحضرى لأنه قرينه ، وقالوا : دهرى بضم الدال للرجل المسن فرقا بينه وبين الدّهرى الذى هو من أهل الالحاد ، وقالوا فى النسب إلى السهل وهو ضد الحزن : سهلى ، بضم السين فرقا بينه وبين المنسوب إلى سهل اسم رجل ، وقيل فى بنى الحبلى حى من الأنصار : حبلى ، بفتح الباء فرقا بينه وبين المنسوب إلى المرأة الحبلى ، وإنما قيل لأبيهم حبلى لعظم بطنه ، وقالوا فى الشّتاء : شتوى ، بسكون التاء ، قال المبرد : شتاء جمع شتوة كصحاف جمع صحفة فعلى هذا شتوى قياس ؛ لأن الجمع فى النسب يرد إلى واحده ، وإطلاق الشتاء على ما يطلق عليه الشتوة يضعف (١) قوله ، وقالوا فى الخريف : خرفىّ بفتح العين كما قالوا فى ثقيف : ثقفى ، وقالوا : خرفى أيضا بسكون العين بالنسبة إلى المصدر ، والخرف : قطع الشىء ، وقالوا : بحرانى ، فى النسبة إلى البحرين المجعول نونه معتقب الإعراب ، والقياس بحرينىّ ووجهه أن نون البحرين بالياء تجعل معتقب الإعراب ، وقياس المثنّى المجعول نونه معتقب الإعراب أن يكون فى الأحوال بالألف كما مر فى باب العلم ، فالزام البحرين الياء شاذ إذن

__________________

(١) هذه مسألة ثار فيها خلاف طويل بين العلماء ، قال فى اللسان : «الشتاء معروف : أحد أرباع السنة ، وهى الشتوة ، وقيل : الشتاء جمع شتوة. قال ابن برى : الشتاء اسم مفرد لا جمع بمنزلة الصيف ، لأنه أحد الفصول الأربعة ، ويدلك على ذلك قول أهل اللغة : أشتينا دخلنا فى الشتاء وأصفنا دخلنا فى الصيف ، وأما الشتوة فانما هى مصدر شتا بالمكان شتوا وشتوة للمرة الواحدة ، كما تقول : صاف بالمكان صيفا وصيفة واحدة ، والنسبة إلى الشتاء شتوى على غير قياس ، وفى الصحاح النسبة اليها شتوى (بفتح فسكون) وشتوى (بفتح الشين والتاء جميعا) مثل خرفى وخرفى قال ابن سيده : وقد يجوز أن يكونوا نسبوا إلى الشتوة ورفضوا النسب إلى الشتاء» اه

٨٢

وإذا جعل نون المثنى معتقب الإعراب لم يحذف فى النسب لا هو ولا الألف فقيل : بحرانى ، على أنه منسوب إلى البحران المجعول نونه معتقب الإعراب لكونه هو القياس فى المثنى المجعول نونه كذلك ، وإن قل استعماله كما مر فى باب العلم ، وقيل : أفقىّ بفتحتين ، فى النسبة إلى الأفق ؛ لأنهم قالوا فيه أفق بضم الهمزة وسكون الفاء وهو مخفف الأفق كعنق وعنق ، ثم جوزوا فيه الأفقى لاشتراك الفعل والفعل فى كثير من الأسماء كالعجم والعجم والعرب والعرب والسّقم والسّقم ، وقالوا : خراسى ، تشبيها للألف والنون بألف التأنيث التى قد تشبه بتاء التأنيث فتحذف وإن كان شاذا كما فى جلولىّ وحرورى ، ومن قال خرسى بحذف الألف وسكون الراء فقد خفف ، وقالوا : طلاحيّة ، بضم الطاء ، للابل التى ترعى الطّلح ، وإنما بنى على فعال لأنه بناء المبالغة فى النسب كأنا فى للعظيم الأنف كما يجىء ، ويروى طلاحيّة بكسر الطاء بالنسب إلى الجمع كما قالوا عضاهى منسوب إلى عضاه جمع عضه ، وقيل : هو منسوب إلى عضاهة بمعنى عضه وهو قليل الاستعمال ، أعنى عضاهة ، والجنس عضاه كقتادة وقتاد ، وقيل : إبل حمضية بفتح الميم ، قال المبرد يقال حمض وحمض ، فعلى هذا ليس بشاذ. وقالوا : يمان وشآم وتهام ، ولا رابع لها ، والأصل يمنى وشأمى وتهمى ، والتّهم تهامة ؛ فحذف فى الثلاثة إحدى ياءى النسبة وأبدل منها الألف ، وجاء يمنىّ وشأمى على الأصل وجاء تهامىّ بكسر التاء وتشديد الياء منسوبا إلى تهامة ، وجاء يمانى وشآمىّ وكأنهما منسوبان إلى يمان وشآم المنسوبين بحذف ياء النسبة دون ألفها إذ لا استثقال فيه كما استثقل النسبة إلى ذى الياء المشددة لو لم تحذف ، والمراد بيمان وشآم فى هذا موضع منسوب إلى الشأم واليمن فينسب الشىء إلى هذا المكان المنسوب ، ويجوز أن يكون يمانى وشآمى جمعا بين العوض والمعوض منه ، وأن

٨٣

يكون الألف فى يمانىّ للاشباع كما فى قوله :

* ينباع من ذفرى غضوب جسرة* (١)

وشآمى محمول عليه ، وقيل فى طهيّة : طهوى ، بسكون الهاء على الشذوذ ، وطهوىّ على القياس ، وقيل : طهوى ، بفتح الطاء وسكون الهاء وهو أشذ ، وقالوا فى زبينة قبيلة من باهلة : زبانى ، والقياس زبنى كحنفى فى حنيفة ، وقالوا فى مرو : مروزىّ وفى الرّىّ رازى

واعلم أنك إذا نسبت إلى الأسماء المذكورة بعد أن تجعلها أعلاما إن لم تكن كدهر وطلح أو جعلتها أعلاما لغير ما كانت له فى الأول كما إذا سميت بزبينة ابنا لك ؛ فانك تجرى جميعها على القياس نحو دهرى وطلحى وزبنى ؛ لأن هذه الأسماء شذت فى المواضع المذكورة ، وجعلها أعلاما لما يقصد وضع لها ثان ، فيرجع فى هذا الوضع إلى القياس

وقد يلحق ياء النسب أسماء أبعاض الجسد للدلالة على عظمها : إما مبنية على فعال كأنافى للعظيم الأنف ، أو مزيدا فى آخرها ألف ونون كلحيانى ورقبانى وجمّانى للطويل الجمّة ، وليس البناءان بالقياس ، بل هما مسموعان ، وإذا سميت بهذه الأسماء ثم نسبت إليها رجعت إلى القياس ، إذ لا تقصد المبالغة إذن ، فتقول جمّى ولحيىّ على قول الخليل ولحوىّ على قول يونس

قال : «وكثر مجىء فعّال فى الحرف كبتّات وعوّاج وثوّاب وجمّال ، وجاء فاعل أيضا بمعنى ذى كذا كتامر ولابن ودارع ونابل ، ومنه عيشة راضية وطاعم كاس».

أقول : اعلم أنه يجىء بعض ما هو على فعّال وفاعل بمعنى ذى كذا ، من

__________________

(١) قد مضى قولنا على هذا الشاهد ، فارجع إليه فى الجزء الأول (ص ٧٠)

٨٤

غير أن يكون اسم فاعل أو مبالغة فيه ، كما كان اسم الفاعل نحو غافر ، وبناء المبالغة فيه نحو غفّار ؛ بمعنى ذى كذا ، إلا أن فعّالا لما كان فى الأصل لمبالغة الفاعل ففعّال الذى بمعنى ذى كذا لا يجىء إلا فى صاحب شىء يزاول ذلك الشىء ويعالجه ويلازمه بوجه من الوجوه ، إما من جهة البيع كالبقّال (١) ، أو من جهة القيام بحاله كالجمال والبغال ، أو باستعماله كالسّيّاف ، أو غير ذلك ، وفاعل يكون لصاحب الشىء من غير مبالغة ، وكلاهما محمولان على اسم الفاعل وبناء مبالغته ، يقال لابن لصاحب اللبن ، ولبّان لمن يزاوله فى البيع أو غيره ، وقد يستعمل فى الشىء الواحد اللفظان جميعا كسيّاف وسائف ، وقد يستعمل أحدهما دون صاحبه كقوّاس (٢) وترّاس (٣) وفعّال فى المعنى المذكور أكثر استعمالا من فاعل ، وهما مع ذلك مسموعان ليسا بمطردين ، فلا يقال لصاحب البر : برّار ، ولا لصاحب الفاكهة : فكّاه ، قال النحاة : إنهما فى المعنى المذكور بمعنى النسبة ؛ لأن ذا الشىء منسوب إلى ذلك الشىء ، وأيضا جاء فعّال والمنسوب بالياء بمعنى واحد كبتى وبتّات لبائع البت ، وهو الكساء ،

ويعرف أنه ليس باسم فاعل ولا للمبالغة فيه : إما بأن لا يكون له فعل ولا مصدر كنابل وبغّال ، ومكان آهل : أى ذو أهل ، أو بأن يكون له فعل ومصدر لكنه إما بمعنى المفعول : كماء دافق وعيشة راضية ، وإما مؤنث مجرد عن التاء : كحائض

__________________

(١) لم نقف على كلمة بقال بمعنى بائع البقل فى اللسان ولا فى الصحاح ، وقد نص المجد فى القاموس (ب د ل ، ب ق ل) على أن البقال بمعنى بائع المأكولات عامية ، وصوابها بدال

(٢) القواس : الذى يبرى القوس ، وقد قالوا فيه «قياس» أيضا ، شذوذا

(٣) التراس : صاحب الترس ، وهى ما يتقى بها وقع السلاح ، وقد جاء عنهم فى هذا المعنى تارس ، فتمثيل المؤلف به لما جاء على وجه واحد غير مستقيم إذن.

٨٥

وطالق ، وقالوا فى نحو مرضع (١) ومطفل (٢) والسماء منفطر (٣) به : إنه على

__________________

(١) المرضع : التى لها ولد فى سن الرضاع ، والمرضعة ـ بالتاء ـ التى ترضع وإن كان الرضيع ليس ولدها.

قال ثعلب : «إذا أردت الفعل أدخلت الهاء وجعلته نعتا ، وإذا أردت الاسم لم تدخل الهاء» اه ، ومراده بالفعل اسم الفاعل ، إذ هو دال على الحدث. ومراده بالاسم المنسوب ، وفى اللسان : «وفى التنزيل العزيز : (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) اختلف النحويون فى دخول الهاء فى المرضعة ، فقال الفراء :

المرضعة والمرضع التى معها صبى ترضعه ، قال : ولو قيل فى الأم مرضع لأن الرضاع لا يكون إلا من الاناث كما قالوا : امرأة حائض وطامث ، كان وجها ، قال : ولو قيل فى التى معها صبى مرضعة كان صوابا ، وقال الأخفش : أدخل الهاء فى المرضعة لأنه أرادو الله أعلم الفعل ، ولو أراد الصفة لقال : مرضع ، وقال أبو زيد : المرضعة التى ترضع وثديها فى فم ولدها ، وعليه قوله تعالى : (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ).) قال : وكل مرضعة أم ، قال : والمرضع التى دنا لها أن ترضع ولم ترضع بعد ، والمرضع التى معها الصبى الرضيع ، وقال الخليل : امرأة مرضع ذات رضيع كما يقال : امرأة مطفل ذات طفل بلاهاء ، لأنك تصفها بفعل منها واقع أو لازم ، فاذا وصفتها بفعل هى تفعله قلت مفعلة كقوله تعالى : (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) وصفها بالفعل فأدخل الهاء فى نعتها ، ولو وصفها بأن معهار ضيعا قال : كل مرضع ، قال ابن برى : أما مرضع فهو على النسب ، أى ذات رضيع ، كما تقول : ظبية مشدن : أى ذات شادن ، وعليه قول امرىء القيس :

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعا

فألهيتها عن ذى تمائم مغيل

فهذا على النسب ، وليس جاريا على الفعل ، كما تقول : رجل دارع وتارس. معه درع وترس ، ولا يقال منه درع ولا ترس ، فلذلك يقدر فى مرضع أنه ليس بجار على الفعل وإن كان قد استعمل منه الفعل ، وقد يجىء مرضع على معنى ذات إرضاع أى لها لبن وإن لم يكن لها رضيع» اه.

(٢) المطفل : ذات الطفل من الانسان والوحش : أى معها طفلها ، وهى قريبة عهد بالنتاج ، ويقال : ليلة مطفل ، إذا كانت تقتل الأطفال ببردها.

(٣) حكى عن الفراء أن السماء تذكر وتؤنث ، فان كان ذلك صحيحا فقوله

٨٦

معنى النسبة لهذا أيضا ، وهذا يقدح فى قولهم : إن ما هو بمعنى النسبة من المجرد عن الياء إما على فعّال أو فاعل فقط ، وإما جار (١) على ما تضمنه على وجه المبالغة نحو : عزّ عزيز ، وذلّ ذليل ، وشعر شاعر ، وموت مائت ، وهمّ ناصب ؛ فإن جميع ذلك معنى أطلق عليه اسم صاحب ذلك المعنى مبالغة ، إذ العزيز والذليل والشاعر والمائت والهامّ (٢) صاحب العز والذل والشعر والموت والنصب ؛ كما يطلق على صاحب المعنى اسم ذلك المعنى مبالغة نحو رجل صوم وعدل وماء غور : جعل الشعر كأنه صاحب شعر آخر ، كما قال المتنبى :

وما أنا وحدى قلت ذا الشّعر كلّه

ولكن لشعرى فيك من نفسه شعر (٣)

__________________

تعالى : (مُنْفَطِرٌ بِهِ) اسم فاعل جار على موصوفه ولا تأويل فيه ، وأكثر العلماء على أن السماء مؤنث ولهذا احتاجوا إلى التأويل فى هذه الجملة ، فمنهم من أول فى السماء فذكر أنها بمعنى السقف أو الشىء المرتفع ، فلهذا جاء الخبر عنها مذكرا ، ومنهم من أول فى منفطر فذكر أنه نسب وليس اسم فاعل كالمؤلف ، وليس بجيد.

(١) هذا معطوف على قوله : «إما بمعنى المفعول الخ».

(٢) الذى تقدم التمثيل به «ناصب» فكان الواجب أن يقول ههنا : «والناصب» على أن نفس التمثيل بقوله «هم ناصب» ليس متفقا مع ما قبله من الأمثلة ولا مع ما ذكره من الأصل الذى مثل له ، إلا أن يتمحل له بأن الهم بمعنى النصب فكأنه قال : «ونصب ناصب» أو قال «وهم هام» فيكون متفقا ، ثم إن صاحب اللسان نقل عن العلماء أنهم جعلوا قولهم : «هم ناصب» من قبيل «ماء دافق» و «عيشة راضية» فكأن الهم ينصب فيه : أى فهو اسم فاعل بمعنى اسم المفعول

(٣) هذا البيت من قصيدة لأبى الطيب المتنبى يمدح بها على بن أحمد بن عامر الأنطاكى أولها قوله :

أطاعن خيلا من فوارسها الدّهر

وحيدا ، وما قولى كذا ومعى الصّبر

ومعنى هذا البيت ـ كما قال العكبرى ـ أنا ما انفردت بعمل هذا الشعر ، ولكن

٨٧

والموت كأنه يستصحب موتا آخر ، والنصب كأنه يستلزم نصبا آخر : أى ليس هو شعرا واحدا ، ولا الموت موتا واحدا ، ولا الهم همّا واحدا ، بل كل منها مضاعف مكرر ، وقد يستعمل الفعل أيضا بهذا المعنى نحو قولهم : جدّ جدّه ، وتمّ تمامه ، وأما قولهم : شغل شاغل ؛ فليس من هذا ، بل هو اسم فاعل على الحقيقة : أى شغل يشغل المشتغل به عن كل شغل آخر لعظمه فلا يتفرغ صاحبه لشىء آخر

وكما استعملوا فعّالا. لما كان فى الأصل للمبالغة فى اسم الفاعل فى معنى ذى الشىء الملازم له استعملوا فعلا أيضا ، وهو بناء مبالغة اسم الفاعل ، نحو عمل للكثير العمل ، وطعن ولبس ولسن فى معنى النسبة ، فاستعملوه فى الجوامد نحو رجل نهر لصاحب العمل بالنهار ، ورجل حرح وسته بمعنى حرىّ واستىّ : أى الملازم لذلك الشغل ؛ فعلى هذا ليس معنى النسب مقصورا على فاعل وفعّال ، بل يجىء عليه اسم الفاعل من الثلاثى وغيره نحو مرضع ومنفطر ، ويجىء من أبنية مبالغة اسم الفاعل فعّال وفعل ؛ قال الخليل : وقالوا طاعم كاس على ذا : أى على النسبة : أى هو ذو كسوة وذو طعام ، وهو مما يذم به ، أى ليس له فضل غير أن يأكل ويلبس ، قال :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنّك أنت الطّاعم الكاسى (١)

__________________

شعرى أعاننى على مدحك ، لأنه أراد مدحك كما أردته ، وهو مأخوذ من قول أبى تمام :

تغاير الشّعر فيه إذ أرقت له

حتّى ظننت قوافيه ستقتتل

(١) هذا البيت من قصيدة للحطيئة هجا فيها الزبرقان بن بدر ، وأولها :

علام كلّفتنى مجد ابن عمّكم

والعيس تخرج من أعلام أوطاس

وقال السكري فى شرح بيت الشاهد : يقول : حسبك أن تأكل وتشرب. وقد استشهد بالبيت على أنهم قالوا : إن الطاعم الكاسى من باب النسبة ، ثم رد

٨٨

ولا ضرورة لنا إلى جعل طاعم بمعنى النسبة ، بل الأولى أن نقول : هو اسم فاعل من طعم يطعم مسلوبا منه معنى الحدوث ، وأما كاس فيجوز أن يقال فيه ذلك ؛ لأنه بمعنى مفعول : كماء دافق ، ويجوز أن يقال : المراد الكاسى نفسه ، والأظهر هو الأول ؛ لأن اسم الفاعل المتعدى إذا أطلق فالأغلب أن فعله واقع على غيره

* قال : «الجمع ؛ الثّلاثىّ : الغالب فى نحو فلس على أفلس وفلوس ، وباب ثوب على أثواب ، وجاء زناد فى غير باب سيل ، ورئلان وبطنان وغردة وسقف وأنجدة شاذ».

أقول : اعلم أن جموع التكسير أكثرها محتاج إلى السماع ، وقد يغلب بعضها فى بعض أوزان المفرد ؛ فالمصنف يذكر أولا ما هو الغالب ، ويذكر بعد ذلك غير الغالب الذى هو كالشاذ.

قوله : «الجمع» لا إعراب له ، ولا لقوله : «الثلاثى» ؛ لأنهما اسمان غير مركبين. كما تقول : باب ، فصل ، ويجوز أن يرتفعا على أن كل واحد منهما خبر

__________________

المؤلف ذلك فى الطاعم وسلمه فى الكاسى على ما تراه. ونقول : لا وجه لانكار أن يكون الطاعم من باب النسبة ويكون من باب «عيشة راضية» و «ماء دافق» كما قاله فى الكاسى. وكأنه رأى الفراء قد ذكر هذا فى الكاسى وسكت عنه فى الطاعم فظن أن له حكما آخر ، قال الفراء : «الكاسى بمعنى المكسو ، كما أن العاصم فى قوله تعالي (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) بمعني المعصوم ، ولا تنكرن أن يخرج المفعول على فاعل. ألا ترى أن قوله تعالى (مِنْ ماءٍ دافِقٍ) بمعنى مدفوق ، و (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) بمعنى مرضية ، يستدل على ذلك بأنك تقول : رضيت هذه العيشة ، ودفق الماء ، وكسى العريان ، بالبناء للمفعول. ولا تقول ذلك بالبناء للفاعل» اه

٨٩

المبتدأ. أى : هذا باب الجمع ؛ وهذا باب الثلاثى كيف يجمع ، ثم ابتدأ وقال : «الغالب فى نحو فلس أن يجمع على أفلس»

اعلم أن الغالب أن يجمع فعل المفتوح الفاء الساكن العين فى القلة على أفعل ، إلا أن يكون أجوف واويا أو يائيا ، فإن الغالب فى قلته أفعال : كثوب واثواب وسوط وأسواط وبيت وأبيات وشيخ وأشياخ ، وذلك لأنهم لو قالوا فيه أيضا أفعل نحو أسوط وأبيت لثقلت الضمة على حرف العلة وإن كان قبلها ساكن ؛ لأن الجمع ثقيل لفظا ومعنى فيستثقل فيه أدنى ثقل ، وقد جاء فيه أفعل قليلا نحو أقوس وأثوب وآير وأعين ؛ وقد يجىء غير الأجوف فى القلة على أفعال أيضا قليلا كفرخ وأفراخ وفرد وأفراد ، لكن الأغلب فى الأجوف وفيما سواه ما ذكرناه أولا ، والغالب فى كثرة فعل أن يكون على فعول وفعال ككعوب (١) وكعاب وقد ينفرد أحدهما عن صاحبه كبطن وبطون وبغل وبغال ، وكذا المضاعف نحو صكّ وصكوك (٢) وصكاك ، والناقص : كدلو ودلىّ ودلاء ، وثدى وثدى (٣) وظبى وظباء ، وأما الأجوف فإن كان واويا ففعول فيه قليل ، والأكثر الفعال لاستثقال الضمة على الواو فى الجمع وبعده الواو ، ولا يستثقل ذلك فى المصدر

__________________

(١) الكعوب : جمع كعب ، وهو العظم الناشز فوق القدم ، وكل مفصل للعظام كعب.

(٢) الصك : الكتاب ، وذكر فى القاموس أنه جمع فى القلة على أصك (بفتح الهمزة وضم الصاد : وأصله أصكك مثل أفلس ، ثم نقلت صمة أول المثلين إلى الساكن قبله وأدغم المثلان) وعلى صكوك وصكاك كما قال المؤلف.

(٣) الثدى : بفتح فسكون ، أو بزنة العصا ـ خاص بالمرأة ، وقيل : عام ، ويجمع على أثد ، مثل أدل ، وعلى فعول فيقال ثدي ـ بكسر الدال ، وثاؤه مضمومة أو مكسورة.

٩٠

كالغؤور (١) والسّؤور (٢) ، وقد يجىء فى الجمع كالفؤوج فى جمع الفوج ، فأما إذا جمعته على فعال فإن الكلمة تخف بانقلاب الواو ياء ، ولما استبد الواوى بأحد الجمعين المذكورين استبد اليائى بالآخر ، أعنى فعولا ، فلم يجىء فيه فعال ، وأيضا لو قيل فيه بيات كحباض لالتبس الواوى باليائى [وشذّ ضياف فى جمع ضيف] وقد يزاد التاء على فعول وفعال لتأكيد معنى الجمعية كعمومة وخؤولة وخيوطة وعيورة وفحالة.

فالوجه على ما قررنا أن يقال : الغالب فى قلة فعل أفعل فى غير باب بيت وثوب ، فانهما على أثواب وأبيات ، وفى كثرته فعول ، فى غير باب ثوب ؛ فانه على ثياب ، وفعال ، فى غير باب سيل ، فانه على سيول

قال سيبويه : القياس فى فعل ما ذكرناه ، وما سوى ذلك يعلم بالسمع ، فلو اضطر شاعر أو ساجع فى جمع فعل إلى شىء مما ذكرنا أنه قياسه فلا عليه أن يجمعه عليه ، وإن لم يسمع

فالمسموع فى قلة فعل فى غير الأجوف أفعال كأنف وآناف ، وفى كثرته فعلان كجحشان ورئلان (٣) وفعلان كظهران وبطنان (٤). قال سيبويه : وفعلان ـ بالكسر ـ أقلهما ، وفعلة كغردة فى غود ، وهو الكمأة ، وكذا جبأة وفقعة فى جبء وفقع للكمأة أيضا ، وفعل بضمتين كسقف ودهن (٥)

__________________

(١) الغؤور : مصدر غار يغور ، ومثله الغور ، ومعناه الدخول فى الشيء ، وذهاب الماء فى الأرض ، وإتيان الغور ، وغروب الشمس.

(٢) السؤور : مصدر سار الشراب فى رأس شار به يسور ، ومثله السور ، والسؤور ، إذا دار وارتفع

(٣) الرئلان (بكسر فسكون) جمع رأل (بفتح فسكون) وهو ولد النعام

(٤) انظر (١ : ١١ و ١٦) من هذا الكتاب

(٥) الدهن (بفتح فسكون) وقد تضم داله : هو قدر ما يبل وجه الأرض

٩١

ويجوز أن يخفف عند بنى تميم كما فى عنق ، وهو فى الجمع لثقله أولى ، وأفعلة في جمع فعل شاذ كأنحدة فى نجد ، وهو المكان المرتفع ، قال الجوهرى : هو جمع نجود جمع نجد ، جمع فعول على أفعلة تشبيها له بفعول بفتح الفاء فانه يجمع عليه كعمود وأعمدة ، وأما نحو الكليب والمعيز فهو عند سيبويه جمع ، وعند غيره اسم الجمع ، ففعيلّ فى فعل أقل من فعلة. وفعلة أقل من فعلان ، بالكسر ، وهو أقل من فعلان بالضم

وربما اقتصر فى فعل على أفعل وأفعال فى القلة والكثرة. كالأكفّ والأرآد (١)

واعلم أن جمع القلة ليس بأصل فى الجمع ، لأنه لا يذكر إلا حيث يراد بيان القلة ، ولا يستعمل لمجرد الجمعية والجنسية كما يستعمل له جمع الكثرة. يقال فلان حسن الثياب ، فى معنى حسن الثوب ، ولا يحسن حسن الأثواب ، وكم عندك من الثوب أو الثياب ، ولا يحسن من الأثواب ، وتقول : هو أنبل الفتيان ، ولا تقل أنبل الفتية ، مع قصد بيان الجنس

قال : «ونحو حمل (٢) على أحمال وحمول ، وجاء على قداح (٣) وأرجل

__________________

من المطر ، ويجمع على دهان مثل رجال ، ولم نقف فيما بين أيدينا من كتب اللغة على أنه يجمع على فعل كما قال المؤلف ، ولعل ما ذكر المؤلف أنه جمع ليس كما توهمه بل هو مفرد ، وأصله دهن مثل قفل فأتبعت عينه لفائه فصار بضمتين كعنق كما هو مذهب عيسى بن عمر فى نحو عسر ويسر.

(١) الأرآد : جمع رأد ، والرأد : الشابة الحسناء ، وهو أيضا رونق الضحى ، ويقال : هو ارتفاعه ، والرأد أيضا : أصل اللحى الناتىء تحت الأذن.

(٢) الحمل ـ بكسر أوله ـ ما حملته على عاتقك أو نحوه ، فاذا فتحت أوله فهو ما حملته الأنثى فى بطنها.

(٣) القداح : جمع قدح بكسر أوله وسكون ثانيه ، وهو السهم قبل أن يراش وينصل.

٩٢

وصنوان وذؤبان وقردة»

أقول : اعلم أن ما كان على فعل فانه يجمع فى القلة على أفعال ، فى الصحيح كان أو فى الأجوف أو فى غيرهما ، وربما كان أفعال لقلة وكثرة كأخماس (١) وأشبار ، قال سيبويه : وفى الكثرة على فعول وفعال ، والفعول أكثر ، وربما اقتصروا على واحد منهما فى القليل والكثير معا ، فان كان أجوف يائيا لزمه الفعول كالفيول والجيود ، ولا يجوز الفعال كما مر فى فعل ، وإن كان واويا لزمه الفعال ولا يجوز الفعول كريح ورياح ، كما ذكرنا فى فعل ، هذا الذى ذكرناه فى فعل هو الغالب ، وقد يجىء على أفعل كأرجل ، وعلى فعلان كصنوان (٢) وقنوان (٣) وبعضهم يضم فاءهما ، وعلى فعلان كذؤبان وصرمان فى صرم وهو القليل من الابل ، وعلى فعلة كقردة ، وجاء فيه فعيل كضريس (٤)

قال : «ونحو قرء على أقراء وقروء (٥) ، وجاء على قرطة وخفاف وفلك ؛ وباب عود على عيدان»

__________________

(١) الأخماس : جمع خمس ـ بكسر فسكون ـ وهو من أظماء الابل ، وذلك أن ترعي أربعة أيام ثم ترد الماء فى الخامس.

(٢) صنوان : جمع صنو ، وهو الأخ الشقيق ، والابن ، والعم ، والشىء يخرج مع آخر من أصل واحد.

(٣) قنوان : جمع قنو ، وهو من التمر بمنزلة العنقود من العنب.

(٤) الضريس : جمع ضرس ، ويقال : هو اسم جمع له ، مثل المعيز والكليب ؛ والضرس من الأسنان.

(٥) القرء ـ بضم فسكون ـ الحيض والطهر ، وهو من الأضداد ، قال أبو عبيد : القرء يصلح للحيض والطهر ، وأظنه من أقرأت النجوم إذا غابت ، والجمع أقراء ، وفى الحديث «دعى الصلاة أيام أقرائك» وقروء على فعول ، وأقرؤ والأخيرة عن اللحياني ، ولم يعرف سيبويه أقراء ولا أقرؤا ، قال : استغنوا عنه بفعول

٩٣

أقول : اعلم أن فعلا يكسر فى القلة على أفعال ، فى الأجوف كان أو فى غيره ، وقد يجىء للقليل والكثير ، نحو أركان وأجزاء ، وقد شذ فى قلته أفعل كأن كن ، ويكسر فى الكثرة على فعال وفعول ، وفعول أكثر كبروج وبرود وجنود ، وفعال فى المضاعف كثير كقفاف (١) وخفاف وعشاش (٢) ؛ هذا هو الغالب فى فعل.

وقد يجىء فيه فعلة كقرطة (٣) وحجرة (٤) وخرجة (٥) ؛ وفعل كفلك فى فلك ، قال تعالى فى الواحد : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) وفى الجمع : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) وذلك لأن فعلا وفعلا يشتركان فى أنهما جمعا على أفعال كصلب وأصلاب وجمل وأجمال ، وفعل يجمع على فعل كأسد وأسد ، ففعل جمع عليه أيضا ، وفعل وفعل يشتركان فى كثير من المصادر ، كالسّقم والسّقم والبخل والبخل ،

وفَعْل وفِعْل بتفح الفاء وكسرها وسكون عينهما كثيران فى كلامهم فتصرف فى تكسيرهما أكثر من التصرف فى باقى جموع الثلاثى ، وفعل بالضم قريب منهما فى الكثرة

قوله «وباب عود على عيدان» يعنى أن فعلا إذا كان أجوف لا يجمع فى الكثرة إلا على فعلان كعيدان وحيتان ، وأما فى القلة فعلى أفعال كما هو قياس

__________________

(١) القفاف : جمع قف ، وهو ما ارتفع من الأرض وصلبت حجارته ولم يبلغ أن يكون جبلا

(٢) العشاش : جمع عش ، وهو وكر الطائر يجمعه من دقاق الحطب ويجعله فى أفنان الشجر.

(٣) القرطة : جمع قرط ، وهو ضرب من حلى الأذن ، وهو أيضا نبات ، وهو أيضا شعلة النار ، والضرع

(٤) الجحرة : جمع جحر ، وهو ما تحتفره السباع أو الهوام لتسكنه

(٥) الخرجة : جمع خرج ، وهو وعاء ذو جانبين

٩٤

الباب كأكواز وأكواب ، ويشارك الأجوف فى فعلان غيره أيضا كحشّ ـ وهو البستان ـ وحشّان ؛ ويجمع حشّان (١) بالضم على حشاشين كما جمع مصران وهو جمع مصير على مصارين ، ولا يمتنع أن يكون حشّان جمع حشّ بالفتح ؛ لأنه لغة فى الحش بالضم كثور وثيران ، والأول قول سيبويه.

قال : «ونحو جمل على أجمال وجمال ، وباب تاج على تيجان ، وجاء على ذكور وأزمن وخربان وحملان وجيرة وحجلى»

أقول : اعلم أن ما كان على فعل فإنك تقول فى قلته أفعال ، فى الأجوف أو فى غيره ، نحو أجمال (٢) وأتواج وأقواع (٣) وأنياب ، وجاء قلته على أفعل نادرا كأزمن وأجبل وأعص فى عصا ، ويجوز أن يكون أزمن جمع زمان كأمكن فى مكان ، وذلك لحمل فعال المذكر على فعال المؤنث ؛ فإن أفعل فيه قياس ، على ما يجىء ، نحو عناق (٤) وأعنق ، وجاء فى الأجوف اليائى أنيب ، وفى الواوى أدؤر وأنؤر [وأسوق ، قال يونس : إذا كان فعل مونثا بغير تاء فجمعه على أفعل هو القياس](٥) كما أن فعالا وفعيلا إن كانت مؤنثة

__________________

(١) اتصال هذا الكلام بما قبله غير واضح ، والذى نعتقده أن فى الكلام سقطا ، وأن أصل العبارة هكذا : «كحش وهو البستان وحشان بالكسر ، وقد جمع على حشان بالضم ، ويجمع حشان بالضم على حشاشين كما جمع مصران ـ الخ»

(٢) فى نسخة «أجبال» بالباء الموحدة ، وهى صحيحة أيضا

(٣) الأقواع : جمع قاع ، وهو الأرض السهلة المطمئنة التي انفرجت عنها الجبال

(٤) العناق : الأنثي من أولاد المعز

(٥) سقطت هذه العبارة من جميع النسخ المطبوعة وهي فى النسخ الخطية

٩٥

فقياسها أفعل كما يجىء ، قال سيبويه : بل أفعل فيه شاذ ، وإن كان مؤنثا ، ولو كان قياسا لما قيل رحى وأرحاء وقدم وأقدام وغنم وأغنام ، وتقول فى كثرته فعال وفعول فى غير الأجوف ، والفعال أكثر ، وقد تزاد التاء كالحجارة والذّكارة والذّكورة لتأكيد الجمعية ، وأما الأجوف فالقياس فيه الفعلان كالتّيجان والجيران والقيعان والسّيجان (١) وقد جاء فى الصحيح أيضا قليلا كالشّبثان (٢) وقد جاء فى الأجوف فعل أيضا كالدّور والسّوق والنّيب ، كأنهم أرادوا أن يكسّروا على فعول فاستثقلوا ضم حرف العلة فى الجمع وبعدها الواو فبنوه على فعل ، وجاء سؤوق أيضا على الأصل ، لكنه همز الواو للاستثقال ، وكل واو مضمومة ضمة غير إعرابية ولا للساكنين جاز همزها ، فألزمت ههنا للاستثقال ، وكذا جاء نيوب ، وليس فعول فيه مستمرا ، بل بابه فعل كما مر ، وجاء فى غير الأجوف فعل أيضا كأسد ووثن ، وقال بعضهم : لفظ الجمع لا بد أن يكون أثقل من لفظ الواحد ، فأسد أصله أسود ثم أسد ثم أسد فخفف ، والحق أن لا منع من كونه أخف من الواحد كأحمر وحمر ، وحمار [وحمر] وغير ذلك ، وأصل نيب فعل كالسّوق قلبت الضمة كسرة لتصح الياء ، وليس فعل من أبنية الجمع ، ولم يأت فى أجوف هذا الباب فعال ، كأنه جعل فعلان عوض فعال وفعل عوض فعول ، هذا الذى ذكرت قياس هذا الباب ، ثم جاء فى غير الأجوف فعلان أيضا كحملان (٣) وسلقان فى سلق وهو المطمئن من الأرض

__________________

(١) السيجان : جمع ساح ، وهو شجر ، والساج أيضا : الطيلسان الأخضر أو الأسود

(٢) الشبثان : جمع شبث ـ بفتح الشين والباء ـ وهو دوبية ذات ست قوائم طوال : صفراء الظهر وظهور القوائم ، سوداء الرأس ، زرقاء العين

(٣) الحملان : جمع حمل ، وهو الجذع من أولاد الضأن

٩٦

وفعلان كخربان (١) وبرقان (٢) وشبثان ، وفعلة كجيرة وقيعة وإخوة ، وفعلى كحجلى (٣) ، وهو شاذّ لم يأت منه إلا هذا (٤) ، وقال الأصمعى. بل هو لغة فى الحجل ، والصحيح أنه جمع ، ولم يأت فى قلة المضاعف ولا كثرته إلا أفعال كأمداد (٥) وأفنان (٦) ، وألباب (٧) ، كما لم يجاوزوا فى بعض الصحيح ذلك كالأقلام والأرسان (٨) والأغلاق (٩) ، قال سيبويه : فإن بنى المضاعف على فعال أو فعول أو فعلان [أو فعلان] فهو القياس ، ولم يذكر فيه شيئا عن العرب ، فلزوم فعل مفتوح العين لأفعالى أكثر من

__________________

(١) الخربان : جمع خرب ـ بفتحتين ـ وهو ذكر الحبارى ، ويطلق على الشعر يكون فى الخاصرة ووسط المرفق

(٢) البرقان : جمع برق ـ بفتحتين ـ وهو الحمل وزنا ومعنى

(٣) الحجل ـ بفتح الحاء المهملة والجيم ـ : طائر على قدر الحمام كالقطا أحمر المنقار والرجلين ويسمى الكروان أيضا. (انظر ج ١ ص ١٩٩)

(٤) قول المؤلف «وهو شاذ لم يأت منه إلا هذا» إن أراد به أن هذا الوزن من الجموع غريب نادر لم يرد عليه سوى هذه الكلمة فغير مسلم ؛ لأنه قد ورد عليها ظربى فى جمع ظربان ، وهو دويبة منتنة الريح ، وإن أراد أنه لم يأت من فعل ـ بفتح الفاء والعين ـ اسم جمع على فعلى سوى حجل وحجلى فهو كلام مستقيم لا غبار عليه. ومن العلماء من ذهب إلى أن حجلى اسم للجمع

(٥) الأمداد : جمع مدد ، وهو العسكر تلحق بالغزاة

(٦) الأفنان : جمع فنن ، وهو الغصن

(٧) الألباب : جمع لبب ، وهو موضع القلادة من الصدر وما يشد فى صدر الدابة ليمنع تأخر الرحل

(٨) الارسان : جمع رسن ، وهو الزمام إذا كان على الأنف ، ويطلق على الحبل

(٩) الأغلاق : جمع غلق ، وهو مفتاح الباب

٩٧

لزوم فعل ساكن العين لأفعل ، وذلك لخفة فعل وكثرته فتوسعوا فيه أكثر من توسعهم فى فعل ؛ ولذلك كان الشاذ فى جمع فعل مفتوح العين أقلّ من الشاذ فى جمع فعل ساكنه

قال : «ونحو فخذ على أفخاذ فيهما ، وجاء على نمور ونمر»

أقول : يعنى أن فعلا المكسور العين يكسر فى الكثرة والقلة على أفعال ، وذلك لأنه أقل من باب فعل مفتوح العين بكثير ؛ كما أن فعلا مفتوح العين أقل من فعل ساكنه ، والبناء إذا كثر توسع فى جموعه ، فلهذا جاء لمضاعف فعل ساكن العين بناء قلة وكثرة نحو صكّ وأصكّ وصكاك وصكوك ، ولم يأت لمضاعف فعل مفتوح العين إلا أفعال فى القلة والكثرة كأمداد وأفنان وفعل بكسر العين أقل من فعل بفتحها فنقص تصرفه عنه بأن لزم فى جمعه أفعال فى قلة الصحيح وغيره وكثرتهما ، وجاء نمور على التشبيه بباب الأسود ، ونمر مخفف منه.

قال : «ونحو عجز على أعجاز ، وجاء سباع ، وليس رجلة بتكسير»

أقول : اعلم أن فعلا بضم العين أقل من فعل بكسرها ، فهو أولى بأن يكون قلته وكثرته على لفظ واحد ، وهو أفعال ، وقد يجىء على فعال كسباع ورجال ، وذلك لتشبيهه بفعل مفتوح العين.

قوله «رجلة» بفتح الراء وسكون الجيم «ليس بتكسير» بل هو اسم جمع ؛ لأن فعلة ليس من أوزان الجموع وقياسه أرجال كأعجاز ، رجلة للقليل ، ورجال للكثير.

قال : «ونحو عنب على أعناب ، وجاء أضلع وضلوع»

٩٨

أقول : قال سيبويه : باب عنب أكثر من باب عجز ، وباب كبد أكثر من باب عنب ، وباب جبل أكثر من باب كبد ، وباب بحر أكثر من باب جبل ؛ فباب عنب على أفعال فى القلة والكثرة ، وقد يجىء فى القلة على أفعل كأضلع ، قال سيبويه : شبه بالأزمن فى جمع الزّمن ، وقد يجىء فى الكثرة الفعول كالضلوع والأروم (١)

قال : «ونحو إبل على آبال فيهما»

أقول : أى فى القليل والكثير ؛ لقلّة فعل ، وهو لغات معدودة كما ذكرنا.

قال : «ونحو صرد على صردان فيهما ، وجاء أرطاب ورباع فيهما»

أقول : أى فى القلة والكثرة ، لما اختص فعل بنوع من المسميات ، وهو الحيوان كالنغر والصّرد (٢) ، خصّوه بجمع ، وأيضا كأنه منقوص من فعال كغراب وغربان. أو مشبه به ، وشذ منه ربع [وأرباع] ورباع (٣) تشيها بجمل وأجمال وجمال ، لأنه منه ، وأما رطب وأرطاب ورطاب فليس رطب فى الحقيقة من باب فعل الموضوع لواحد ؛ لأنه جنس لرطبة ، وكأنه جمعها ، ومثله مصع ومصعة لجنى العوسج (٤)

قال : «ونحو عنق على أعناق فيهما»

__________________

(١) الأروم : جمع إرم ـ مثل ضلع وعنب ـ والأرم : حجارة تنصب علما فى المفازة ، وفى الحديث «ما يوجد فى آرام الجاهلية وخربها فيه الخمس»

(٢) أنظر (ج ١ ص ٢٨١ ه‍ ١ و ٢) من هذا الكتاب

(٣) الربع : الفصيل ينتج فى الربيع ، وهو أول النتاج

(٤) العوسج : شجر من شجر الشوك ، وثمره أحمر مدور كأنه خرز العقيق

٩٩

أقول : قال سيبويه باب عنق كباب عضد فى القلة ؛ وجمعه أفعال فى القلة والكثرة

قال : «وامتنعوا من أفعل فى المعتلّ العين ، وأقوس وأثوب وأعين وأنيب شاذّ ، وامتنعوا من فعال فى الياء دون الواو ، كفعول فى الواو دون الياء ، وفؤوج وسؤوق شاذّ»

أقول : يعنى أن أفعل لا يجىء فى الأجوف من هذه الأمثلة العشرة المذكورة واو يا كان أو يائيا ، وفعالا لا يجىء فى الأجوف اليائى من جميع الأمثلة المذكورة ؛ وقد يجىء فى الواوى كحياض وثياب ، وفعولا يجىء فى اليائى دون الواوى ، كفيوح (١) وسيول ، وقد ذكرنا ذلك فى شرح جمع فعل

لما فرغ من جموع أبنية الثلاثى المجرد إذا كان اسما مذكرا شرع فى جموعها إذا كانت مؤنثة بالتاء ، فقال :

«المؤنّث : نحو قصعة على قصاع وبدور وبدر ونوب ، ونحو لقحة على لقح غالبا ، وجاء على لقاح وأنعم ، ونحو برقة على برق غالبا ، وجاء على حجوز وبرام»

أقول : اعلم أن فعلة تكسر على فعال غالبا فى الصحيح وغيره ، كقصاع

__________________

(١) الفيوح : جمع فيح ـ بفتح الفاء وسكون الياء المثناة وآخره حاء مهملة ـ وهو خصب الربيع فى سعة البلاد. وفى نسخة «فيوج» ـ بالجيم مكان الحاء ـ وهى صحيحة أيضا ، والفيوج : جمع فيج ، وهو رسول السلطان الذى يسعى على رجله ، أو هو المسرع فى مشيه الذى يحمل الأخبار من بلد إلى بلد ، قيل : هو فارسى معرب.

١٠٠