شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

وكذا تقول فى لا : لائى ، لأنك إذا ضعفت الألف واحتجت إلى تحريك الثانى فجعله همزة أولى ، كما فى صحراء وكساء ، وكذا تقول فى اللات (١) : لائى ، لأن التاء للتأنيث ، لأن بعض العرب يقف عليها بالهاء نحو اللّاه ، وتقول فى كى وفى : كيوىّ وفيوى ، لأنك تجعلهما كيّا وفيّا كحىّ ، ثم تنسب إليهما كما تنسب إلى حىّ وطىّ ، ومبنى ذلك كله على أنّ ياء النسبة فى حكم الكلمة المنفصلة

وفى الثانى : أى المجعول علما لغير لفظه ؛ لا تضعّف ثانى حرفيه الصحيح (٢) ، نحو جاءنى منىّ وكمىّ ، بتخفيف الميم والنون ، كما تبين فى باب الأعلام ، وإذا كان الثانى حرف علة ضعفته عند جعله علما قبل النسبة كما مر فى باب الأعلام

والقسم الثانى الذى كان له ثالث فحذف ان قصدت تكميله ثلاثة ثم نسبت إليه ردّ إليه ذلك الثالث فى النسبة ؛ لأن ما كان من أصل الكلمة أولى بالرد من المجىء بالأجنبى

فنقول : لا يخلو المحذوف من أن يكون فاء ، أو عينا ، أو لاما

__________________

بذلك الاشارة إلى ما حكى عن بعض العرب من أنه يجعل الزيادة المجتلبة بعد حرف العلة همزة على الاطلاق ، فيقول : لائى ، وكيئى ، ولوئى ، وما أشبه ذلك

(١) اللات : اسم صنم ، واختلف فى تائه ، فقيل : أصلية مشددة ، سمى الضم برجل كان يلت السويق عنده للحاج ، فلما مات هذا الرجل عبد الصنم وسمى بوصفه ، وقيل : هذه التاء زائدة للتأنيث ، وهى مخففة ، قال فى اللسان : «وكان الكسائى يقف عليها بالهاء ، قال أبو إسحاق : هذا قياس ، والأجود اتباع المصحف والوقوف عليها بالتاء» اه بتصرف

(٢) وجه الفرق بين ما جعل علما للفظه وما جعل علما لغير لفظه أن الأول لم يبعد عن أصله ؛ لأنه إنما نقل من المعنى إلى اللفظ ، فلا بأس بتغيير لفظه بتضعيف ثانيه ليصير على أقل أوزان المعربات ، وأما الثانى ـ وهو ما جعل علما لغير لفظه ـ فقد انتقل من المعنى إلى معنى آخر أجنبى منه فلو غير لفظه بالتضعيف لكان تغييرا فى اللفظ والمعنى جميعا فيبعد جدا

٦١

فان كان فاء ، والمطرد منه المصدر الذى كان فاؤه واوا ومضارعه محذوف الفاء ، نحو عدة ومقة ودعة وسعة وزنة ؛ فان كان لامه صحيحا لم ترد فى النسب فاؤه نحو عدىّ وسعىّ ، لأن الحذف قياسى لعلة ، وهى إتباع المصدر للفعل ، فلا يرد المحذوف من غير ضرورة مع قيام العلة لحذفه ، وأيضا فالفاء ليس موضع التغيير كاللام حتى يتصرف فيه برد المحذوف بلا ضرورة ، كما كانت فى التصغير ، وإن كان لامه معتلا كما فى شية وجب رد الفاء ؛ لأن ياء النسب كالمنفصل كما تكرر ذكره ، واتصاله أوهن من اتصال المضاف إليه ، ألا ترى أنك تقول : ذو مال ، وفو زيد ، فلا ترد اللام من ذو ، ولا تبدل عين فو ميما ، فاذا نسبت قلت : ذووى وفمىّ ، وأوهن اتصالا من التاء أيضا ، لأنك تقول : عرقوة وقلنسوة وعرقىّ وقلنسىّ وسقاية بالياء لا غير وسقائىّ بالهمزة عند بعضهم ، ولو لا أن الواو قبل ياء النسب أولى من الهمزة وأكثر لناسب أن يقال فى شقاوة شقائى أيضا بالهمزة ، فنقول : جاز حذف الفاء فى شية وإن لم يكن فى الكلمات المعربة الثنائية ما ثانيه حرف علة لأن التاء صارت كلام الكلمة فلم يتطرف الياء بسببها وكذا فى الشاة والذات واللات ، فلما سقطت التاء فى شية وخلفتها الياء وهو أوهن اتصالا منه كما مر بقيت الكلمة المعربة على حرفين ثانيهما حرف لين كالمتطرف ؛ إذ الياء كالعدم ، ولا يجوز فى المعرب تطرف حرف اللين ثانيا ، إذ يسقط بالتقاء الساكنين إما لأجل التنوين أو غيره ، فيبقى الاسم المعرب على حرف ؛ فلما لم يجز ذلك رددنا الفاء المحذوفة أعنى الواو حتى تصير الكلمة على ثلاثة آخرها لين كعصا وعم ، فلما رد الفاء لم تزل كسرة العين عند سيبويه ، ولم تجعل ساكنة كما كانت فى الأصل ؛ لأن الفاء وإن كانت أصلا إلا أن ردها ههنا لضرورة كما ذكرنا ، وهذه الضرورة عارضة فى النسب غير لازمة فلم يعتدّ بها فلم تحذف كسرة العين اللازمة لها عند

٦٢

حذف الفاء ، فصار وشيىّ كإبلى ، ففتح العين كما فى إبلى ونمرى ، فانقلبت الياء ألفاء ثم واوا أو انقلبت من أول الأمر واوا كما ذكرنا فى حيوى ، وأما الأخفش فانه رد العين إلى أصلها من السكون لما رد الفاء فقال وشبيّ كظبيّ ولا تستثقل الياآت مع سكون ما قبلها ، والفراء يجعل الفاء المحذوفة فى هذا الباب من الصحيح اللام كان أو من المعتله ، بعد اللام ، حتى يصير فى موضع التغيير : أى الآخر ، فيصح ردها ، فيقول : عدوى وزنوى وشيوى ، فى عدة وزنة وشية ، وحمله على ذلك ما روى عن ناس من العرب عدوى فى عدة فقاس عليه غيره

وإن كان المحذوف عينا ، وهو فى اسمين فقط (١) : سه اتفاقا ، ومذ عند قوم ، لم ترده فى النسب ؛ إذ ليس العين موضع التغيير كاللام ، والاسم المعرب يستقل بدون ذلك المحذوف

وإن كان المحذوف لاما فان كان الحذف للساكنين كما فى عصا وعم فلا كلام فى رده فى النسبة ؛ لزوال التنوين قبل ياء النسب فيزول التقاء الساكنين ، وإن كان نسيا لا لعلة مطردة نظر : إن كان العين حرف علة لم يبدل منها قبل النسب حرف صحيح وجب رد اللام كما فى شاة وذو مال ، تقول : شاهى ، وذووى ، وإن أبدل منها ذلك لم يرد اللام نحو فمى فى «فوزيد» ، كما مر قبل ، وإن لم يكن العين حرف علة قال النحاة : نظر ؛ فان كان اللام ثبت رده من غير ياء النسبة فى موضع من المواضع ـ وذلك إما فى المثنى ، أو فى المجموع بالألف والتاء ، أو فى حال الاضافة وذلك فى الأسماء الستة ـ ردّ فى النسبة وجوبا ؛ لأن النسبة يزاد لها فى موضع اللام ما لم يكن فى الأصل كما قلنا فى كمية ولائى ، فكيف

__________________

(١) أورد على هذا الحصر رب المخففة ، بناء على أن المحذوف عينها كما هو رأى جماعة من العلماء ، وليس ذلك بوارد على المؤلف لأنه يرى أن المحذوف من رب هو اللام على ما سيأتى له

٦٣

بلام كان فى الأصل وثبت عوده فى الاستعمال بعد الحذف؟ وقد ذكرنا فى باب المثنى ضابط ما يرد لامه فى التثنية من هذا النوع ، وهو أب وأخ وحم وهن ، وأما الجمع بالألف والتاء فلم يذكر لما يرد لامه فيه من هذا النوع ضابط ، بلى قد ذكرنا فى باب الجمع أن مضموم الفاء نحو ظبة لا يرد لامه نحو ظبات ، ويرد من المكسورة الفاء قليل نحو عضوات ، والمفتوح الفاء يرد كثير منه (١) نحو سنوات وهنوات وضعوات ، وبعضه لا يجمع بالألف والتاء استغناء عنه بالمكسر ، نحو شفة وأمة ، قالوا : فإن لم يثبت رد اللام فى موضع فأنت فى النسب مخير بين الرد وتركه نحو غدىّ وغدوىّ وحرىّ وحرحىّ وابنى وبنوىّ ودمىّ ودموىّ ، ولا اعتبار بقوله :

٤٨ ـ * جرى الدّميان بالخبر اليقين (٢) *

__________________

(١) انظر تعليل ذلك وضوابطه فى شرح الكافية للمؤلف (ج ٢ ص ١٦٣) و (ج ٢ ص ١٧٥)

(٢) هذا عجز بيت لعلى بن بدال السلمى ، وقد نسبه قوم إلى الفرزدق ، وآخرون إلى المئقب العبدى ، ونسبه جماعة إلى الأخطل ، وليس ذلك بشىء ، وصدر البيت قوله :

* فلو أنّا على جحر ذبحنا*

والجحر : الشق فى الأرض ، وقوله «جرى الدميان الخ» قال ابن الأعرابى : معناه لم يختلط دمى ودمه من بغضى له وبغضه لى بل يجرى دمى يمنة ودمه يسرة ، اه وكلام الشاعر إشارة إلى ما اشتهر عند العرب من أن دم المتباغضين لا يمتزج ، وقد ذكر المؤلف هذا البيت على أن رد اللام فى تثنية الدم شاذ ، والقياس دمان ، ومن العلماء من يخرج ذلك البيت ونحوه على أنه

ثناه على لغة من قال «دما» مثل الفتى ،

فقال دميان كما يقال فتيان

٦٤

وبقوله :

٤٩ ـ * يديان بيضاوان عند محلّم (١) *

لشذوذهما ، قالوا : فمن قال هنك وهنان وهنات جوز هنيّا وهنويّا ، ومن قال هنوك وهنوان وهنوات أوجب هنويّا ، وقال المصنف : إن الرد إلى المثنى والمجموع إحالة على جهالة ، فأراد أن يضبط بغير ذلك ، فقال : إن لم يكن العين حرف علة نظر فإن كان فى الأصل متحرك الأوسط ولم يعوض من اللام المحذوفة همزة وصل وجب ردها لئلا يلزم فى النسب الإجحاف بحذف اللام وحذف حركة العين ، مع أن الحذف فى الآخر الذى هو محل التغيير أولى ، فمن ثم لم يجز إلا أبوى وأخوى ، وإن كان فى الأصل ساكن العين جاز الرد وتركه ، نحو غدى وغدوى وحرى وحرحى ؛ إذ لا يلزم الإجحاف ، وكذا إن عوض الهمزة من اللام جاز رد اللام وحذف الهمزة وجاز الاقتصار على المعوض نحو ابنى وبنوى واستى وستهى.

قلت : الذى التجأ إليه خوفا من الرد إلى جهالة ليس فى الاحالة عليها بدون ما قال النحاة ، لأن كثيرا من الأسماء الذاهبة اللام مختلف فيها بين النحاة هل

__________________

(١) هذا صدر بيت ، وعجزه قوله :

* قد تمنعانك أن تذلّ وتقهرا*

ولم نقف لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين ، ومحلم : اسم رجل يقال : إنه من ملوك اليمن ، ويروى فى مكانه «محرق» و «عند» فى قوله «عند محلم» بمعنى اللام ، فكأنه قد قال يديان بيضاوان لمحلم. وقد ذكر المؤلف هذا البيت على أن رد لام يد فى التثنية شاذ ، وكان القياس أن يقول يدان ، ومن العلماء من يقول : إنه ثناه على لغة من قال «يدى» مثل الفتى مقصورا ، فكما تقول فى تثنية الفتى فتيان تقول فى تثنية اليدى بديان ، فاعرف ذلك

٦٥

هو فعل بالسكون أو فعل كيد ودم ، وأكثر ما على نحو ظبة ومائة وسنة (١) مجهول الحال هل هو ساكن العين أو متحركها.

واعلم أن بعض هذه الأسماء المحذوفة اللام لامها ذو وجهين كسنة لقولهم سانهت وسنوات ، وكذا عضة لقولهم عضيهة وعضوات ، قال السيرافى : من قال سانهت قال سنهىّ وسنىّ لأن الهاء لا ترجع فى الجمع لا يقال سنهات (٢) ، ومن قال سنوات يجب أن يقول سنوى ، وكذا من قال عضيهة قال عضهىّ وعضىّ إذ لم يأت عضهات ، ومن قال عضوات قال عضوىّ لا غير ، قال سيبويه : النسبة إلى فم فمى وفموى لقولهم فى المثنى فمان ، قال : ومن قال فموان كقوله :

٥٠ ـ * هما نفثا فى فىّ من فمويهما (٣) *

قال : فموىّ لا غير ، قال المبرد : إن لم تقل فمىّ فالحق أن ترده إلى أصله وتقول فوهىّ.

وعلى أى ضابط كان فاعلم أن ما تردّ لامه وأصل عينه السكون نحو دموى ويدوى وغدوى وحرحىّ يفتح عينه عند سيبويه ، إلا أن يكون مضاعفا ،

__________________

(١) المراد بنحو ظبة ومائة وسنة كل ثلاثى حذفت لامه وعوض منها تاء التأنيث سواء أكان مضموم الأول أم مكسوره أم مفتوحه ، وأما المختلف فيه فهو الثلاثى المحذوف اللام الذى لم يعوض منها شيئا

(٢) قد حكى صاحب القاموس أنه يجمع على سنهات وسنوات ، وحكاه فى اللسان عن ابن سيده

(٣) هذا صدر بيت للفرزدق ، وعجزه قوله :

* على النابح العاوى أشدّ رجام*

ونفثا : ألقيا على لسانى ، وضمير التثنية يرجع إلى إبليس وابنه ، وأراد بالنابح من تعرض لهجوه من الشعراء وأصله الكلب ، وكذلك العاوى ، والرجام : المراماة بالحجارة ، وقد ذكر المؤلف هذا الشاهد على أنه قد قيل فى تثنية فم فموان

٦٦

لمثل ما ذكرنا فى تحريك عين شية ، وذلك أن العين كانت لازمة للحركة الإعرابية ، فلما رددت الحرف الذاهب قصدت أن لا تجردها من بعض الحركات تنبيها على لزومها للحركات قبل ، والفتحة أخفها ، ففتحتها ، وأبو الحسن يسكن ما أصله السكون ردا إلى الأصل ، كما ذكرنا فى شية ، فيقول : يديىّ ودميىّ وغدوىّ وحرحىّ باسكان عيناتها ، وأما إذا كان مضاعفا كما إذا نسبت إلى رب المخففة فانك تقول : ربّىّ باسكان العين للادغام اتفاقا ، تفاديا من ثقل فك الادغام ، وقد نسبوا إلى قرة وهم قوم من عبد القيس والأصل قرّة فخفف فقالوا قرّى مشددة الراء

واعلم أن كل ثلاثى محذوف اللام فى أوله همزة الوصل تعاقب اللام فهى كالعوض منها ، فان رددت اللام حذفت الهمزة ، وإن أثبتّ الهمزة حذفت اللام ، نجوا بنى وبنوى ، واسمى وسموى بكسر السين أو ضمه لقولهم سم وسم وجاء سموى بفتح السين أيضا ، وأما امرؤ فلامه موجودة ، فلا يكون الهمزة عوضا من اللام فلذا قال سيبويه لا يجوز فيه إلا امرئى قال وأما مرئىّ فى «امرىء القيس» فشاذ ، قال السيرافى : هذا قياس منه ، وإلا فالمسموع مرئى فى امرىء القيس ، لا امرئى ؛ واعلم أن الراء فى مرئى المنسوب إلى امرىء مفتوح ، وذلك لأنك لما حذفت همزة الوصل على غير القياس بقى حركة الراء بحالها ، وهى تابعة لحركة الهمزة التى هى اللام ، والهمزة لزمها الكسر لأجل ياء النسب ، فكسرت الراء أيضا ، فصار مرئى كنمرى ، ثم فتحت كما فى نمرى ، وحكى الفراء فى امرىء فتح الراء على كل حال وضمها على كل حال ، وأما ابنم فكأن الهمزة مع الميم عوضان من اللام ؛ فاذا رددت اللام حذفتهما ، قال الخليل : ولك أن تقول ابنمى ؛ قال سيبويه : ابنمى قياس من الخليل لم تتكلم به العرب

فان أبدل من اللام فى الثلاثى التاء ، وذلك فى الأسماء المعدودة المذكورة فى

٦٧

باب التصغير نحو أخت (١) وبنت وهنت وثنتان وكيت وذيت ، فعند سيبويه تحذف التاء وترد اللام ، وذلك لأن التاء وإن كانت بدلا من اللام إلا أن فيها رائحة من التأنيث لاختصاصها بالمؤنث فى هذه الأسماء ، والدليل على أنها لا تقوم مقام اللام من كل وجه حذفهم إياها فى التصغير نحو بنية وأخية ، وكذا فى الجمع نحو بنات وأخوات وهنات ، فاذا حذفت التاء رجع إلى صيغة المذكر ؛ لأن جميع ذلك كان مذكرا فى الأصل ، فلما أبدلت التاء من اللام غيرت الصيغة بضم الفاء من أخت وكسرها من بنت وثنتان ، وإسكان العين فى الجميع تنبيها على أن هذا التأنيث ليس بقياسى كما كان فى ضارب وضاربة وأن التاء ليست لمحض التأنيث بل فيها منه رائحة ، ولذا ينصرف أخت علما ، فتقول فى أخت : أخوى كما قلت فى أخ ، وفى بنت وثنتان بنوى وثنوىّ ، والدليل على أن مذكر بنت فعل فى الأصل بفتح الفاء والعين قولهم بنون فى جمعه السالم وأبناء فى التكسير (٢) وكذا قالوا فى جمع الاثنين أثناء ، قال سيبويه (٣) : إن قيل إن بنات لم يرد اللام

__________________

(١) انظر الجزء الأول من هذا الكتاب (ص ٢٢٠)

(٢) الدليل على أن الفاء فى ابن مفتوحة قولهم فى جمع السلامة بنون ، والدليل على أن العين مفتوحة أيضا مجىء تكسيره على أبناء ؛ إذ لو كانت عينه ساكنة لجمع على أفعل مثل فلس وأفلس

(٣) بين عبارة سيبويه وما نقله المؤلف عنه اختلاف ، ونحن نذكر لك عبارة سيبويه ، قال (ج ٢ ص ٨٢): «فان قلت بنى جائز كما قلت بنات ، فانه ينبغى له أن يقول بنى فى ابن كما قلت فى بنون ، فانما ألزموا هذه الرد فى الاضافة لقوتها على الرد ولأنها قد ترد ولا حذف ، فالتاء يعوض منها كما يعوض من غيرها» اه ، وقال أبو سعيد السيرافى فى شرحه : «فان قال قائل فهلا أجزتم فى النسبة إلى بنت بنى من حيث قالوا بنات كما قلتم أخوى من حيث قالوا أخوات فان الجواب عن ذلك أنهم قالوا فى المذكر بنون ولم يقولوا فيه بنى. إنما قالوا بنوى أو ابنى ، فلم

٦٨

فيه فكان القياس أن يجوز فى النسب بنى وبنوىّ لما أصلتم من أن النظر فى الرد فى النسبة إلى المثنى والمجموع بالألف والتاء. فالجواب أنهم وإن لم يردوا فى بنات ردوا فى بنون ، والغرض رجوع اللام فى غير النسب فى بعض تصاريف الكلمة ، وكان يونس يجيز فى بنت وأخت مع بنوى وأخوى بنتىّ وأختىّ أيضا ، نظرا إلى أن التاء ليست للتأنيث ، وهى بدل من اللام ، فألزمه الخليل أن يقول منتى (١) وهنتى أيضا ، ولا يقوله أحد

وتقول فى كيت وذيت : كيوىّ وذيوى ، لأنك إذا رددت اللام صارت كيّة وذيّة كحيّة ، فتقول : كيوى كحيوى

__________________

يحملوه على الحذف ، إذ كانت الاضافة قوية» اه ، وقول سيبويه «فان قلت بنى جائز كما قلت بنات» معناه أنه كان ينبغى جواز حذف اللام فى النسب إلى بنت كما يجوز ذكرها لأن هذه اللام لم ترد فى الجمع ، وكل ما لم يرد فى الجمع ولا فى التثنية فانه يجوز فى النسب رده وعدم رده ، وقوله بعد ذلك «فانه ينبغى له أن يقول بنى فى ابن كما قلت فى بنون» معناه أنه لو كان مدار الأمر على الرد فى الجمع أو التثنية لكان يجوز فى النسب إلى ابن الرد وعدمه لأن جمعه لم يرد فيه اللام وكذا تثنيته ، فلما لم نجدهم أجازوا الرد وعدمه ، بل التزموا الرد أو التعويض فقالوا بنوى أو ابنى ، علمنا أن هناك شيئا وراء الرد فى الجمع والتثنية ، وهو ما ذكره سيبويه بقوله «فانما ألزموا هذه الرد فى الاضافة لقوتها ـ الخ»

(١) أصل منتى «من» ثم زيدت فيه التاء عند الحكاية وقفا فى غير اللغة الفصحى ، واللغة الفصحى إبدال تائه هاء وتحريك نونه ، وبهذا يتبين أن إلزام الخليل ليونس يتم فى هنت لأنه ثلاثى الوضع ، لا فى منت الثنائى الوضع ، إذ كلام يونس فيما حذفت لامه وعوض عنها التاء ، فالظاهر أن منتا يجرى عليه حكم الثنائى الوضع الصحيح الثانى الذى قدمه المؤلف ، على أن ليونس أن يجيب عن هنت بأن كلامه فيما لزمته التاء وقفا ووصلا ، وهنت تلزمه التاء فى الوصل لا فى الوقف

٦٩

والتاء فى «كلتا» (١) عند سيبويه مثلها فى أخت ، لما لم تكن لصريح التأنيث بل كانت بدلا من اللام ولذا سكن ما قبلها وجاز الإتيان بألف التأنيث بعدها وتوسيط التاء ولم يكن ذلك جمعا بين علامتى التأنيث لأن التاء كما ذكرنا ليست لمحض التأنيث بل فيها رائحة منه ، فكلتا عنده كحبلى الألف للتأنيث فهى لا تنصرف لا معرفة ولا نكرة ، فاذا نسبت إليه رددت اللام ، ورددت الكلمة إلى صيغة المذكر ، كما فى أخت وبنت ، فيصير كلوى بفتح العين فيجب حذف ألف التأنيث كما مر فى جمزى ، وفتح عين مذكره ظاهر ، قال السيرافى : من ذهب إلى أن التاء ليس فيه معنى التأنيث بل هو بدل من الواو كما فى ستّ وأصله سدس وكما فى تكلة وتراث قال كلتى ، فيجىء على ما قال السيرافى كلتوى وكلتاوى أيضا كحبلوى وحبلاوى ، وعند الجرمى أن ألف كلتا لام الكلمة ، وليست التاء بدلا من اللام ولا فيه معنى التأنيث ، فيقول : كلتوى كأعلوى ، وقوله مردود لعدم فعتل فى كلامهم ، وليس ليونس فى كلتا قول ، ولم يقل إنه ينسب إليه مع وجود التاء كما نسب إلى أخت وبنت ، وليس ما جوّز من النسب مع وجود التاء فيهما مطردا عنده فى كل ما أبدل من لامه تاء حتى يقال إنه يلزمه كلتىّ وكلتوى وكلتاوى كحبلىّ وحبلوى وحبلاوى ، ولو كان ذلك عنده مطردا لقال منتى وهنتى أيضا ولم يلزمه الخليل ما ألزمه ، فقول المصنف «وعليه كلتوى وكلتى وكلتاوى» فيه نظر ، إلا أن يريد أنك لو نسبت إليه تقديرا على قياس ما نسب يونس إلى أخت وبنت لجاز الأوجه الثلاثة

قوله «متحرك الأوسط أصلا» أى فى أصل الوضع

قوله «والمحذوف هو اللام ولم يعوض همزة الوصل» شرط لوجوب الرد

__________________

(١) انظر الجزء الأول من هذا الكتاب (ص ٢٢١)

٧٠

ثلاثة شروط : تحرك الأوسط ، إذ لو سكن لجاز الرد وتركه نحو غدى وغدوى ، وكون اللام هو المحذوف ، إذ لو كان المحذوف هو العين نحوسه لم يجز رده ، وعدم تعويض همزة الوصل ، إذ لو عوضت جاز الرد وتركه نحو ابنى وبنوى

قوله «أو كان المحذوف فاء» هذا موضع آخر يجب فيه رد المحذوف مشروط بشرطين : كون المحذوف فاء ؛ إذ لو كان لاما مع كونه معتل اللام لم يلزم رده كما فى غدى ، وكونه معتل اللام ؛ إذ لو كان صحيحا لم يجب رده كما فى عدىّ

قوله «أبوى وأخوى وستهىّ» ثلاثة أمثلة للصورة الأولى ، وإنما قال فى ست لئلا يلتبس بالمنسوب إلى سه بحذف العين فانه لا يجوز فيه رد المحذوف ، وفى است لغتان أخريان : ست بحذف اللام من غير همزة الوصل ، وسه بحذف العين.

قوله «ووشوىّ فى شية» مثال للصورة الثانية

قوله «وإن كانت لامه» أى : لام الاسم الذى على حرفين

قوله «غيرها» أى : غير اللام ، وهو إما عين كما فى سه ، أو فاء كعدة وزنة

قوله «وليس برد» إذ لو كان ردا لكان فى موضعه ، بل هذا قلب

قوله «وما سواهما» أى : ما سوى المواجب الرد ، وهو الصورتان الأوليان ، والممتنع الرد ، وهو الصورة الثالثة ، يجوز فيه الأمران : أى الرد ، وتركه

قال : «والمركّب ينسب إلى صدره كبعلىّ وتأبّطىّ وخمسىّ فى خمسة عشر علما ، ولا ينسب إليه عددا ، والمضاف إن كان الثّانى مقصودا أصلا كابن الزّبير وأبى عمرو قيل : زبيرىّ وعمرىّ ، وإن كان كعبد مناف وامرىء القيس قيل : عبدىّ ومرئىّ»

أقول : اعلم أن جميع أقسام المركبات ينسب إلى صدرها ، سواء كانت جملة محكية كتأبط شرا ، أو غير جملة ، وسواء كان الثانى فى غير الجملة متضمنا

٧١

للحرف كخمسة عشر وبيت بيت (١) ، أولا كبعلبك ، وكذا ينسب إلى صدر المركب من المضاف والمضاف إليه على تفصيل يأتى فيه خاصة ، وإنما حذف من جميع المركبات أحد الجزءين فى النسب كراهة استثقال زيادة حرف النسب مع ثقله على ما هو ثقيل بسبب التركيب

فان قلت : فقد ينسب إلى قرعبلانة (٢) واشهيباب وعيضموز (٣) مع ثقلها

قلت : لا مفصل فى الكلمة الواحدة يحسن فكه. بخلاف المركب فان له مفصلا حديث الالتحام متعرضا للانفكاك متى حزب حازب

وإنما حذف الثانى دون الأول لأن الثقل منه نشأ ، وموضع التغيير الآخر ، والمتصدر محترم

وأجاز الجرمى النسبة إلى الأول أو إلى الثانى أيهما شئت فى الجملة أو فى غيرها ، فتقول فى بعلبك : بعلى أو بكّى ، وفى تأبط شرا : تأبّطىّ أو شرى

وقد جاء النسب إلى كل واحد من الجزءين ، قال :

٥١ ـ تزوّجتها راميّة هرمزيّة

بفضل الّذى أعطى الأمير من الرّزق (٤)

__________________

(١) تقول العرب : هو جارى بيت بيت ، فيبنونه على فتح الجزين ، ويقولون :

هو جارى بيتا لبيت ـ بنصب الأول ـ ويقولون : هو جارى بيت لبيت ـ برفع الأول ـ ، وعلى أى حال هو فى موضع الحال وفعلى الوجه الأول والثانى هو حال مفرد ، وعلى الثالث هو جملة

(٢) انظر كلمة «قرعبلانة» (ح ١ ص ١٠ و ٢٠٠ و ٢٦٤)

(٣) انظر كلمة «عيضموز» (ح ١ ص ٢٦٣)

(٤) هذا البيت من الشواهد التى لم نقف لها على نسبة إلى قائل معين ولا عثرنا له على سوابق أو لواحق ، والاستشهاد به على أن الشاعر قد نسب إلى المركب

٧٢

نسبها إلى «رامهرمز»

وقد ينسب إلى المركب من غير حذف إذا خفّ اللفظ ، نحو بعلبكّى

وإذا نسبت إلى «اثنى عشر» حذفت عشر كما هو القياس ثم ينسب إلى اثنان اثنىّ أو ثنوىّ ، كما ينسب إلى اسم اسمى أو سموىّ ، ولا يجوز النسب إلى العدد المركب غير علم ؛ لأن النسب إلى المركب بلا حذف شىء منه مؤدّ إلى الاستثقال كما مر ، ولا يجوز حذف أحد جزأى المركب المقصود منه العدد ؛ إذ هما فى المعنى معطوف ومعطوف عليه ، إذ معنى خمسة عشر خمسة وعشر ، ولا يقوم واحد من المعطوف والمعطوف عليه مقام الآخر ، وإنما جاز النسب إلى كل واحد من المضاف والمضاف إليه كما يجىء وإن كان فى الأصل لكل واحد منهما معنى لأنه لا ينسب إلى المركب الإضافى إلا مع العلمية كابن الزبير وامرىء القيس ، والعلم المركب لا معنى لأجزائه أى تركيب كان ، ولو لم ينمح أيضا معناهما بالعلمية لجاز النسب إليهما لأنك إن نسبت إلى المضاف فقلت فى غلام زيد غلامى فقد نسبت إلى ما هو المنسوب إليه فى الحقيقة لأن المضاف إليه فى الحقيقة كالوصف للمضاف ، إذ معنى غلام زيد غلام لزيد ، وإن نسبت إلى المضاف إليه فانه وإن لم يكن هو المنسوب إليه فى الحقيقة لكنه يقوم مقام المضاف فى غير باب النسب كثيرا ، حتى مع الالتباس أيضا ، كقوله :

٥٢ ـ * طبيب بما أعيا النّطاسىّ حذيما* (١)

__________________

المزجى بالحاق ياء النسب بكل جزء من جزأيه ـ قال أبو حيان فى الارتشاف : «وتركيب المزج تحذف الجزء الثانى منه فتقول فى بعلبك بعلى ، وأجاز الجرمى النسب إلى الجزء الثانى مقتصرا عليه. فتقول : بكى ، وغير الجرمى كأبى حاتم لا يجيز ذلك إلا منسوبا إليهما (أى إلى الصدر والعجز معا) قياسا على «رامية هرمزية» أو يقتصر على الأول

(١) هذا عجز بيت لأوس بن حجر ، وصدره :

* فهل لكم فيها الىّ فإنّنى*

٧٣

أى ابن حذيم ، فكيف لا يجوز فى النسب وأنت لا تنسب إلى المضاف إليه إلا لدفع الالتباس ، كما يجىء باقامة المضاف إليه مقام المضاف ، وأما إذا نسبت إلى خمسة عشر علما بحذف أحدهما فلا يلزم منه فساد ؛ إذ لا دلالة لأحد الجزأين مع العلمية على معنى ؛ وقد أجاز أبو حاتم السجستانى فى العدد المركب غير علم إلحاق ياء النسب بكل واحد من جزأيه نحو ثوب أحدى عشرى نحو قوله «رامية هرمزية» وفى المؤنث إحدى ـ أو إحدوىّ ـ عشرىّ ـ بسكون شين عشرة ـ أى ثوب طوله أحد عشر ذراعا ؛ وعلى لغة من يكسر شين عشرة فى المركب إحدى عشرىّ ـ بفتح الشين كنمرى ـ وكذا تقول فى اثنى عشر : اثنى عشرى ، أو ثنوىّ عشرى ، إلى آخر المركبات

وإذا نسبت إلى المركب الإضافى فلا بد من حذف أحد الجزأين للاستثقال ولأنك إن أبقيتهما فان ألحقت ياء النسبة بالمضاف إليه فان انتقل إعراب الاسم المنسوب إليه إلى ياء النسب ، كما فى نحو كوفى وبصرى وغير ذلك من المنسوبات ؛ لزم تأثر الياء بالعوامل الداخلة على المضاف وعدم تأثره بها للحاقه بآخر المضاف إليه اللازم جره ، وإن لم ينتقل التبس باسم غير منسوب مضاف إلى اسم منسوب نحو غلام بصرىّ ، وإن ألحقتها بالمضاف نحو عبدىّ القيس توهم أن المنسوب مضاف إلى ذلك المجرور ، مع أن قصدك نسبة شىء إلى الاسم المركب من المضاف والمضاف إليه ، فاذا ثبت أن حذف أحدهما واجب فالأولى حذف الثانى لما ذكرنا

__________________

وكان بنو الحرث بن سدوس بن شيبان اقتسموا معزاه ، وقوله : فهل لكم فيها ، هو على تقدير مضاف ، والأصل فهل لكم فى ردها ، وأعيا : أعجز ، والنطاسى ـ بكسر النون ـ هو العالم الشديد النظر فى الأمور ، وحذيما : يراد به ابن حذيم ، وهو محل الاستشهاد بالبيت ، والمعنى : هل لكم ميل إلى رد معزاى إلى فاننى حاذق خبير بالداء الذى يعجز الأطباء عن مداواته

٧٤

فتقول فى عبد القيس : عبدى ، وفى امرىء القيس : مرئى ، وأيضا فانك لو نسبت إلى المركب الاضافى قبل العلمية فالمنسوب إليه فى الحقيقة هو المضاف كما ذكرنا فالأولى بعد العلمية أن ينسب إليه دون المضاف إليه

فان كثر الالتباس بالنسبة إلى المضاف وذلك بأن يجىء أسماء مطردة والمضاف فى جميعها واحد والمضاف اليه مختلف كقولهم فى الكنى : أبو زيد ، وأبو على ، وأبو الحسن ، وأم زيد ، وأم على ، وأم الحسن ، وكذا ابن الزبير ، وابن عباس ، فالواجب النسبة إلى المضاف إليه نحو زبيرى فى ابن الزبير ، وبكرى فى أبى بكر ، إذ الكنى مطرد تصديرها بأب وأم ، وكذا تصدير الأعلام بابن كالمطرد ، فلو قلت فى الجميع : أبوى ، وأمى ، وابنى ، لا طرد اللبس ، وإن لم يطرد ذلك بل كثر كعبد الدار وعبد مناف وعبد القيس فالقياس النسب إلى المضاف كما ذكرنا نحو عبدى فى عبد القيس ، وقد ينسب للالتباس إلى المضاف إليه فى هذا أيضا نحو منافى فى عبد مناف

وهذا الذى ذكرنا تقرير كلام سيبويه ، وهو الحق ؛ وقال المبرد : بل الوجه أن يقال : إن كان المضاف يعرف بالمضاف إليه والمضاف إليه معروف بنفسه كابن الزبير وابن عباس فالقياس حذف الأول والنسبة إلى الثانى ، وإن كان المضاف إليه غير معروف فالقياس النسبة إلى الأول كعبد القيس وامرىء القيس ، لأن القيس ليس شيئا معروفا يتعرف به عبد وامرؤ ، وللخصم أن يمنع ويقول : بم علمت أن القيس ليس شيئا معروفا مع جواز أن يكون شيئا معروفا إما قبيلة أو رجلا أو غير ذلك أضيف إليه امرؤ وعبد فى الأصل للتخصيص والتعريف كما فى عبد المطلب وعبد شمس وعبد العزى وعبد اللات

قال السيرافى : ويلزم المبرد أن ينسب إلى الأول فى الكنى لأنهم يكنون الصبيان بنحو أبى مسلم وأبى جعفر مثلا قبل أن يوجد لهم ولد اسمه مسلم أو جعفر وقبل أن يمكن ذلك منهم فليس المضاف إليه إذن فى مثله معروفا إذ هو اسم على

٧٥

معدوم مع أنه ينسب إليه ، فكأن المصنف أجاب السيرافى نيابة عن المبرد ، وقال : الثانى فى أمثال هذه الكنى فى الأصل مقصود ، وذلك أن هذه الكنى على سبيل التفاؤل فكأنه عاش إلى أن ولد له مولود اسمه ذلك ، فالثانى وإن لم يكن مقصودا الآن ولا معرّفا للأول إلا أنه مقصود فى الأصل : أى الأصل أن لا يقال أبو زيد مثلا إلا لمن له ولد اسمه زيد ، وللسيرافى أن يقول : إن الأصل أن لا يقال عبد القيس إلا فى شخص هو عبد لمن اسمه قيس ، فقول المصنف «وإن لم يكن الثانى مقصودا فى الأصل كما فى عبد القيس وامرىء القيس فالنسبة إلى الأول» مردود بما مر من الاعتراض على قول المبرد

هذا ، وقد جاء شاذا مسموعا فى «عبد» مضافا إلى اسم آخر أن يركب من حروف المضاف والمضاف إليه اسم على فعلل بأن يؤخذ من كل واحد منهما الفاء والعين ، نحو عبشمى فى عبد شمس ، وإن كان عين الثانى معتلا كمل البناء بلامه نحو عبقسى وعبد رى فى عبد القيس وعبد الدار ، وجاء مرقسى فى امرىء القيس (١) من كندة وكل من اسمه امرؤ القيس من العرب غيره يقال فيه مرئى ، والعذر فى هذا التركيب مع شذوذه أنهم إن نسبوا إلى المضاف بدون المضاف إليه التبس ، وإن نسبوا إلى المضاف إليه نسبوا إلى ما لا يقوم مقام المضاف ولا يطلق اسمه عليه مجازا ، بخلاف ابن الزبير فان اطلاق اسم أحد الأبوين على الأولاد كثير ، نحو قريش وهاشم وخندف (٢) وكذا إطلاق اسم الابن على الأب غير مبتدع

__________________

(١) لم يعين شخص امرىء القيس الكندى الذى قالوا فى النسب إليه : مرقسى ، وقد عينه صاحب القاموس بأنه امرؤ القيس بن حجر الشاعر ، وقد ذكر الشارح المرتضى : أن الصواب أن امرأ القيس الذى ينسب إليه مرقسى هو امرؤ القيس بن الحرث بن معاوية ، وهو أخو معاوية الأكرمين الجد الثالث لامرىء القيس بن حجر

(٢) خندف : لقب امرأة إلياس بن مضر ، واسمها ليلى ، وهى بنت عمران بن الحاف ابن قضاعة ، وإنما لقبت كذلك لأن إبل الياس انتشرت ليلا فخرج مدركة فى طلبها

٧٦

قال سيبويه : وسمعنا من العرب من يقول فى النسب إلى كنت كونىّ ، وذلك لأنه أضاف إلى المصدّر ، فحذف الفاعل وهو التاء ، فانكسر اللام لأجل ياء النسب فرجع العين الساقطة للساكنين ، وهذه الكسرة وإن كانت لأجل الياء التى هى كالكلمة المنفصلة إلا أنه إنما رد العين لأن أصل اللام الحركة وسكونها عارض ، وكان الوجه أن يقال كانىّ ، لأنا قد بينا قبل فى شرح قوله «وأما باب سدته فالصحيح أن الضم كذا» أن الضمائر فى نحو قلت وقلنا تتصل بقال فتحذف الألف للساكنين ، لكنه أبقى الفاء فى كونىّ على أصل ضمه قبل النسبة ، تنبيها على المنسوب إليه ، قال الجرمىّ : يقال رجل كنتىّ لكون الضمير المرفوع كجزء الفعل فكأنهما كلمة واحدة وربما قالوا كنتنىّ بنون الوقاية ليسلم لفظ كنت بضم تائه ، قال :

٥٣ ـ وما أنا كنتىّ وما أنا عاجن

وشرّ الرّجال الكنتنىّ وعاجن (١)

الكنتى : الشيخ الذى يقول كنت فى شبابى كذا وكذا ، والعاجن :

الذى لا يقدر على النهوض من الكبر إلا بعد أن يعتمد على يديه اعتمادا تاما كأنه يعجن

قال : «والجمع يردّ إلى الواحد ، يقال فى كتب وصحف ومساجد وفرائض : كتابىّ وصحفىّ ومسجدىّ وفرضىّ ، وأما باب مساجد علما فمساجدىّ ككلابىّ وأنصارىّ»

__________________

فردها فسمى مدركة ، وخندفت الأم فى أثره : أى أسرعت ، فلقبت خندف

(١) لم نقف لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين ، ويروى صدره :

* فأصبحت كنتيّا وأصبحت عاجنا*

وقد فسر المؤلف مفرداته ، والاستشهاد فيه فى قوله فأصبحت كنتيا ، وفى قوله الكنتنى حيث نسب إلى المركب الاسنادى على لفظه وجاء من غير نون الوقاية فى الأول ومعها فى الثانى

٧٧

أقول : اعلم أنك إذا نسبت إلى ما يدل على الجمع فان كان اللفظ جنسا كتمر وضرب أو اسم جمع كنفر ورهط (١) وإبل نسبت إلى لفظه نحو تمرى وإبلى ، سواء كان اسم الجمع مما جاء من لفظه ما يطلق على واحده كراكب (٢) فى ركب أو لم يجىء كغنم وإبل ، وكذا إن كان الاسم جمعا فى اللفظ والمعنى لكنه لم يستعمل واحده لا قياسيا ولا غير قياسى كعباديد (٣) ، تقول : عباد يدى ، قال سيبويه : كون النسب إليه على لفظه أقوى من أن أحدث شيئا لم يتكلم به العرب وإن كان قياسيا نحو عبدودى أو عبد يدى أو عبدادى ، وكذا قولهم أعرابى لأن أعرابا جمع لا واحد له من لفظه ، وأما العرب فليس بواحده الآن ، لأن الأعراب ساكنة البدو ، والعرب يقع على أهل البدو والحضر ، بل الظاهر أن الأعراب فى أصل اللغة كان جمعا لعرب ثم اختص

وإن كان الاسم جمعا له واحد لكنه غير قياسى ، قال أبو زيد : ينسب إلى لفظه كمحاسنىّ ومشابهىّ ومذاكيرىّ وبعضهم ينسبه إلى واحده الذى هو غير قياسى نحو حسنى وشبهى وذكرىّ

وإن كان جمعا له واحد قياسى نسبت إلى ذلك الواحد ، ككتابى فى كتب وأما قولهم ربّىّ وربابىّ فى رباب ، وهم خمس قبائل تحالفوا فصاروا يدا واحدة : ضبّة وثور وعكل وتيم وعدى ، واحدهم ربّة كقبّة وقباب ، والرّبّة

__________________

(١) النفر ما دون العشرة من الرجال ومثله النفير ، وقد يطلق على الناس كلهم ، والرهط ـ باسكان ثانيه أو فتحه ـ قوم الرجل وقبيلته ، ويطلق على الجماعة من ثلاثة إلى عشرة أو من سبعة إلى عشرة بشرط أن يكونوا كلهم رجالا

(٢) الركب : الجماعة الراكبون الابل من العشرة فصاعدا ، وله واحد من لفظه وهو راكب وسيأتى الخلاف فى ركب أهو جمع أو اسم جمع فى باب الجمع

(٣) عباديد : انظر (ح ١ ص ٢٦٨)

٧٨

الفرقة من الناس ، فانما جاز النسب إلى لفظ الجمع أعنى ربابا لكونه بوزن الواحد لفظا ، ولغلبته من بين ما يصح وقوعه عليه لغة على جماعة معينين فصار كالعلم نحو مدائنى (١) وأما أبناوى فى النسب إلى أبناء ، وهم بنو سعد بن زيد مناة ، وأنصارى فى النسبة إلى الأنصار ؛ فللغلبة المذكورة ولمشابهة لفظ أفعال للمفرد حتى قال سيبويه إن لفظه مفرد ، ولقوة شبهه بالمفرد كثر وصف المفرد به نحو برمة أعشار (٢) ، وثوب أسمال (٣) ونطفة أمشاج (٤) ورجع ضمير المفرد المذكر إليه فى نحو قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) ولا منع أن يقال : إن الياء فى أنصارى وأبناوى وربابى للوحدة لا للنسبة كما فى رومى وروم وزنجى وزنج فلذا جاز إلحاقها بالجمع ، فلو قلت بعد مثلا : ثوب أنصارى وشيء ربابى أو أبناوى كان منسوبا إلى هذه المفردات بحذف ياء الوحدة كما ينسب إلى كرسى بحذف الياء فيكون لفظ المنسوب والمنسوب إليه واحدا

ولقائل أن يقول : ياء الوحدة أيضا فى الأصل للنسبة لأن معنى زنجى شخص منسوب إلى هذه الجماعة بكونه واحدا منهم ، فهو غير خارج عن حقيقة النسبة ، إلا أنه طرأ عليه معنى الوحدة ، فعلى هذا يكون العذر فى لحاق الياء بهذه الأسماء ما تقدم أولا ، وقالوا فى النسبة إلى أبناء فارس ، وهم الذين استصحبهم سيف بن

__________________

(١) مدائى : منسوب إلى المدائن وهى مدينة كسرى قرب بغداد ؛ سميت بذلك لكبرها

(٢) البرمة : قدر من حجارة ، ويقال : برمة أعشار وقدر أعشار وقدح أعشار ، ذا كانت عظيمة لا يحملها إلا عشرة ، وقيل : إذا كانت مكسرة على عشر قطع

(٣) يقال : ثوب أسمال ، ويقال : ثوب أخلاق ، إذا كان قد صار مزقا. قال الراجز

* جاء الشّتاء وقميصى أخلاق*

(٤) النطفة ـ بالضم ـ الماء الصافى قل أو كثر ، وأمشاج : مختلطة بماء المرأة ودمها

٧٩

ذى يزن إلى اليمن : بنوى ، على القياس ، مع أنهم جماعة مخصوصة كبنى سعد بن زيد مناة ، وقالوا فى النسبة إلى العبلات : عبلى ، بسكون الباء وهم من بنى عبد شمس : أمية الأصغر ، وعبد أمية ، ونوفل ، لأن كل واحد منهم سمى باسم أمه ، ثم جمع ، وهى عبلة بنت عبيد ، من بنى تميم ، وإنما قالوا فى المهالبة والمسامعة مهلّبى ومسمعىّ ؛ لأنك رددتهما إلى واحدهما وحذفت ياء النسبة التى كانت فى الواحد ثم نسبت إليه ، ويجوز أن يقال سمى كل واحد منهم مهلّبا ومسمعا أى باسم الأب ثم جمع كما سمى كل واحد فى العبلات باسم الأم ثم جمع ، فيكون مهلبى منسوبا إلى الواحد الذى هو مهلب ، لا إلى مهلّبى

وإن كان اللفظ جمعا واحده اسم جمع نسبت ايضا إلى ذلك الواحد ، كما تقول فى النسبة إلى نساء : نسوى ، لأن واحده نسوة ، وهو اسم جمع ، وكذا تقول فى أنفار وأنباط : نفرى ونبطىّ

وإن كان جمعا واحده جمع له واحد نسبت إلى واحد واحده ، كما تقول فى النسبة إلى أكالب : كلبى

وإنما يرد الجمع فى النسبة إلى الواحد لأن أصل المنسوب إليه والأغلب فيه أن يكون واحدا ، وهو الوالد أو المولد أو الصنعة ، فحمل على الأغلب ، وقيل : إنما رد إلى الواحد ليعلم أن لفظ الجمع ليس علما لشىء ، إذ لفظ الجمع المسمى به ينسب إليه ، نحو مدائنى وكلابى ، كما يجىء

ولو سميت بالجمع فان كان جمع التكسير نسبت إلى ذلك اللفظ نحو مدائنى وأنمارى وكلابى وضبابى ، وأنمار : اسم رجل ، وكذا ضباب وكلاب

وإن كان جمع السلامة فقد ذكرنا أن جمع المؤنث بالألف والتاء يحذف منه الألف والتاء ، تقول فى رجل اسمه ضربات : ضربى ؛ بفتح العين لأنك لم ترده إلى واحده ، بل حذفت منه الألف والتاء فقط ، بخلاف عبلى فى المنسوب إلى

٨٠