شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

فإن يونس جعلها كالرابعة فى جواز الإبقاء والحذف ، فمعلّى عنده كأعلى وألزمه سيبويه أن يجوز فى الخامسة للتأنيث القلب أيضا نحو عبدّى (١) كما أجاز فى الرابعة للتأنيث كحبلى ، ولا يجيزه يونس ولا غيره ، ولا يلزم ذلك يونس ؛ لان أصل الرابعة التى للتأنيث الحذف كما تقدم فلزم فيما هو كالرابعة ، بخلاف المنقلبة فان أصل الرابعة المنقلبة القلب (٢) ، وألزمه سيبويه أيضا أنه لو

__________________

(١) انظر (١ : ٢٤٥ ه‍ ٢) من هذا الكتاب

(٢) حاصل هذا الكلام أن العلماء أجمعوا فى الألف الرابعة على جواز القلب والحذف إذا كان ثانى الكلمة ساكنا بلا فرق بين الألف المنقلبة عن أصل كملهى والتى للتأنيث كحلى ، تقول : ملهى وملهوى وحبلى وحبلوى ، اتفاقا ، ومع اتفاقهم على جواز الوجهين اتفقوا على أن القلب فى المنقلبة أرجح من الحذف وعلى أن الحذف فى ألف التأنيث أرجح من القلب ، فأما إذا كانت الألف خامسة ليس فيما قبلها حرف مشدد فقد أجمعوا أيضا على وجوب حذفها فى النسب مطلقا تقول فى حبارى ومصطفى : حبارى ومصطفى ، فان كانت الألف خامسة وفيما قبلها حرف مشدد فان كانت للتأنيث فقد أجمعوا على وجوب الحذف ، تقول فى عبدى وكفرى وزمكى : عبدى وكفرى وزمكى ، وإن كانت الألف فى هذه الحال لغير التأنيث مثل معدى ومصلى ومعلى (بضم ففتح فتشديد الثالث فيهن) فيونس يجوز فيها القلب والحذف حملا لها على الرابعة لأن الحرف المشدد بمنزلة الحرف الواحد ، وسيبويه يوجب فيها حينئذ الحذف اعتدادا بالحرف المشدد كحرفين ، وقد قال سيبويه : إنه يجب إذا اعتبرنا الحرف المشدد حرفا واحدا أن يجوز فى ألف التأنيث فى هذه الحال الوجهان لوجود العلة التى اقتضت الجواز فيها كوجودها فى المنقلبة ، مع أنهم أجمعوا فى التى للتأنيث على وجوب الحذف ، وقد ذكر المؤلف رحمه‌الله أن ذلك لا يلزم يونس ، لأن بين ألف التأنيث الرابعة والألف التى لغير التأنيث فرقا ، لأن الأصل فى ألف التأنيث الحذف والأصل فى التى لغير التأنيث القلب ، فلما حملت الخامسة التى قبلها حرف مشدد على الرابعة أعطى كل نوع ما هو الأصل فيه فجعل حكم التى للتأنيث الحذف وحكم غيرها جواز القلب ، ونقول : كان مقتضى هذا

٤١

جاء مؤنث على مثل معدّ وخدبّ (١) ونحو ذلك فسمى به مذكر يصرف ؛ لأنه يكون إذن كقدم إذا سمى به مذكر (٢) ولا قائل به

قوله : «كحبلىّ وجمزىّ» الألف فيهما رابعة للتأنيث ؛ إلّا أن جمزى متحرك الثانى بخلاف حبلى ، وألف مرامى خامسة منقلبة ، وفى قبعثرى سادسة لتكثير البنية فقط

قال : «وتقلب الياء الأخيرة الثّالثة المكسور ما قبلها واوا ويفتح ما قبلها كعموىّ وشجوىّ ، وتحذف الرّابعة على الأفصح كقاضىّ ، ويحذف ما سواهما ، كمشترىّ ، وباب محىّ جاء على محوىّ ومحيىّ كأميّىّ»

أقول : اعلم أن الياء الأخيرة فى المنسوب إليه لا تخلو من أن تكون ثانية محذوفة اللام كما إذا سمى بفى زيد وذى مال ، أو ثانية لا لام لها وضعا كفى وكى ، وقد ذكرنا حكم القسمين ، أو ثانية حذفت فاؤها كشية (٣) ، ويجىء حكمها ،

__________________

الذى ذكره من الفرق أن يجب فى المنقلبة القلب لأنه أصل فى الذى حمل عليه وهو الرابعة المنقلبة ، كما وجب الحذف فى التى للتأنيث لأنه أصل فى المحمول عليه وهو الرابعة التى للتأنيث

(١) أنظر (١ : ٥٩ ه‍ ٦) من هذا الكتاب

(٢) حاصل هذا الوجه الذى ألزم به سيبويه يونس أن علم المؤنث إذا سمى به مذكر يشترط فى منع صرفه الزيادة على ثلاثة أحرف ، فلو جعلنا احرف المشدد بمنزلة حرف واحد كما يقتضيه جعل يونس نحو معلى بمنزلة أعلى فى جواز الحذف والابقاء لزمنا أن نصرف علم المؤنث الذى سمينا به مذكرا وكان على أربعة أحرف وفيه حرف مشدد ، والاجماع على وجوب منع صرف مثل هذا

(٣) الشية ـ بكسر الشين وفتح الياء مثل عدة ـ مصدر وشى الثوب يشيه وشيا وشية ، مثل وعد يعد وعدا وعدة ، إذا حسنه ونمقه وجعله ألوانا

٤٢

أو تكون ثالثة ، وهى إما متحرك ما قبلها ولا تكون الحركة إلا كسرة كالعمى والشّجى ، أو ساكن ما قبلها ، وهو إما حرف صحيح كظبى ورقية (١) وقنية (٢) أو ألف كراى وراية ، أو ياء مدغم فيها كطىّ وحىّ ، أو تكون رابعة ، وهى إما أن ينكسر ما قبلها كالقاضى والغازى ، أو يسكن ، والساكن إما ألف كسقاية أو ياء مدغم فيها كعلىّ وقصىّ ، أو غير ذلك كقرأى (٣) ، وكذا الخامسة : إما أن ينكسر ما قبلها كالمرامى ، أو يسكن ، والساكن إما ألف كدرحاية (٤) وحولايا ، أو ياء مدغم فيها ككرسى ومرمىّ ، أو غير ذلك كإنقضى على وزن إنقحل (٥) من قضى.

والواو الأخيرة إما أن تكون ثانية محذوفة اللام كفو زيد وذو مال ، أو ثانية لا لام لها وضعا كلو وأو ، وقد ذكرنا حكم هذين القسمين أيضا ، أو تكون ثالثة ساكنا ما قبلها كغزو وغزوة ورشوة وعروة ، أو متحركا ما قبلها بالضم نحو سروة من سرو على مثال سمرة من غير طريان التاء ، وكذا الرابعة يكون

__________________

(١) الرقية : العوذة التى يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات ، قال عروة بن حزام.

فما تركا من عوذة يعرفانها

ولا رقية إلا بها رقيانى

(٢) القنية (بكسر فسكون ، وبضم فسكون ويقال قنوة وقنوة) ما يتخذه الانسان من الغنم وغيرها لنفسه لا للتجارة

(٣) يريد ما أخذته من قرأ على وزان قمطر ، وأصله بهمزتين أولاهما ساكنة فأبدلت ثانيتهما ياء ، لأن ثانية الهمزتين الواقعتين طرفا تبدل ياء

(٤) الدرحاية ـ بكسر فسكون ـ الرجل الكثير اللحم القصير الضخم البطن اللئيم الخلقة ، ووزنه فعلاية ، وهو ملحق بفعلالة كجعظارة ، والجعظارة : القصير الرجلين الغليظ الجسم

(٥) الانقحل ـ بكسر الهمزة وسكون النون وفتح القاف وسكون الحاء

٤٣

ما قبلها ساكنا كشقاوة ، أو مضموما كعرقوة وقرنوة (١) ، وكذا الخامسة ما قبلها إما ساكن كحنطأو (٢) ومغزوّ ، أو مضموم كقلنسوة.

ولو انفتح ما قبل الياء والواو طرفين لانقلبتا ألفا ، ولو انكسر ما قبل الواو الأخيرة لانقلبت ياء ، ولو انضم ما قبل الياء طرفا فى الاسم لانقلبت الضمة كسرة كما يجىء فى ناب الاعلال.

فكل ما ذكرنا أو نذكر من أحكام الياءات والواوات المذكورة فى باب النسب فهو على ما ذكر ، وما لم نذكر حكمه منها لا يغير فى النسب عن حاله.

فنقول : إن الياء الثالثة المكسور ما قبلها تقلب واوا لاستثقال الياءات مع حركة ما قبل أولاها ، وتجعل الكسرة فتحة ، وإذا فتحوا العين المكسورة فى الصحيح اللام فهو فى معتلها أولى ، لئلا تتوالى الثقلاء.

وإذا كانت المكسور ما قبلها رابعة ، فان كان المنسوب إليه متحرك الثانى كيتقى مخفف يتّقى (٣) فلا بد من حذف الياء ، وكذا إن كان الثانى ساكنا عند سيبويه والخليل كقاضىّ ويرمىّ لأن الألف المنقلبة والأصلية رابعة جاز

__________________

المهملة ـ الذى يبس جلده على عظمه من الكبر (أنظر ج ١ ص ٦١ ه‍ ١)

(١) القرنوة ـ بفتح القاف وسكون الراء وضم النون ، ولا نظير لها سوى عرقوة وعنصوة وترقوة وثندوة ـ وهى نوع من العشب وقال فى اللسان : «القرنوة نبات عريض الورق ينبت فى ألوية الرمل ودكادكه. ورقها أغبر يشبه ورق الحندقوق» اه ، وفيه عن أبى حنيفة «قال أبو زياد : من العشب القرنوة ، وهى خضراء غبراء على ساق يضرب ورقها إلى الحمرة ولها ثمرة كالسنبلة ، وهى مرة يدبغ بها الأساقى ، والواو فيها زائدة للتكثير ، لا للمعنى ولا للالحاق ، ألا ترى أنه ليس فى الكلام مثل فرزدقة» اه

(٢) الحنطأو ـ بكسر الحاء المهملة وسكون النون وبعدها طاء مهملة أو ظاء مشالة ـ وهو القصير (انظر ج ١ ص ٢٥٦ ه‍ ٢)

(٣) أنظر (ج ١ ص ١٥٧ ه‍ ١)

٤٤

حذفها مع خفتها ، كما ذكرنا ؛ فحق الياء مع ثقلها بنفسها وبالكسرة قبلها وجوب الحذف إذا اتصل بها ياء النسبة

فان قلت : افعل به ما فعلت بالثلاثى نحو العمى من قلب الكسرة فتحة والياء واوا ، (١) وقد استرحت من الثقل ؛ لأنه يصير كالأعلى ،

قلت : ثقل الرباعى فى نفسه إلى غاية التخفيف : أى الحذف ، أدعى منه إلى ما دون ذلك (٢) ، وهو ما ذكر السائل من القلب ، بخلاف الثلاثى ؛ فان خفته فى نفسه لا تدعو إلى مثل ذلك ، ومن أجرى فى الصحيح نحو تغلبيّ مجرى نمرىّ ـ وهو المبرد ـ لكون الساكن كالميت المعدوم ؛ يجرى أيضا فى المنقوص نحو قاض مجرى عم ؛ فيقول : قاضوىّ ويرموىّ ،

وأما الياء المكسور ما قبلها إذا كانت خامسة فصاعدا فلا كلام فى حذفها ، نحو مستقىّ ومستسقىّ ؛ إذ الألف مع خفتها تحذف وجوبا فى هذا المقام كما مر

قوله «وباب محىّ» الياء الأخيرة فى محىّ خامسة يجب حذفها ، كما فى مستق ، فيبقى محىّ بعد حذفها كقصىّ ، وإن خالف الياء الياء ، فيعامل معاملته ، كما قلنا فى تحيّة ، وليس محىّ مثل مهيّيم لوجوب حذف الياء الخامسة ، فتلتقى الياءان المشددتان ، بخلاف نحو مهيّيم ، قال أبو عمرو : محوىّ أجود ، وقال المبرد : بل محيّىّ بالتشديدين أجود (٣) ، وإذا وقع الواو ثالثة أو فوقها مضموما

__________________

(١) الذى فى الأصول «والواو ياء» وهو خطأ صوابه ما أثبتناه

(٢) معنى هذه العبارة أن الاسم الرباعى الذى هو بطبعه ثقيل محتاج إلى التخفيف أكثر من الثلاثى فلم يكتف فيه بما دون منتهى التخفيف وهو الحذف بخلاف الثلاثى الذى لم يبلغ مبلغه فى الثقل ، فأنه اكتفى فيه بأول مراتب التخفيف وهو قلب الياء واوا ، فقوله «إلى غاية التخفيف» متعلق بأدعى ، وكذلك قوله «منه» وقوله «إلى ما دون ذلك» متعلق كذلك بأدعى ، و «أدعى» هو خبر المبتدأ

(٣) قال ابن جماعة : «قال مبرمان : سألت أبا العباس (يعنى المبرد) هل

٤٥

ما قبلها كسروة وقرنوة فالواجب فى النسب قلب الواو ياء والضمة كسرة حتى يصير كعم وقاض ، ثم ينسب إليه الثلاثى : بفتح العين وقلب الياء واوا ، وذلك لأنك تحذف التاء للنسبة ، وقد ذكرنا أن ياء النسبة كالاسم المستقل من جهة أن المنسوب إليه قبلها ينبغى أن يكون بحيث يصح أن يستقل ويعرب فبعد حذف التاء يتطرف الواو المضموم ما قبلها فى الاسم المتمكن ، فتقلب ياء كما فى الأدلى ، وتقول فيما واوه رابعة أو فوقها نحو عرقوة وقمحدوة (١) : عرقىّ وقمحدىّ كما تقول قاضىّ ومشترىّ وبعض العرب يجعل الياء قائما مقام التاء حافظا للواو من التطرف لأن فى الياء جزئية ما بدليل انتقال الإعراب إليها كما فى تاء التأنيث فيقول : قرنوىّ وقمحدوىّ ، ويقول أيضا : سروىّ فى سروة ، وبعض العرب يقول فى الرابعة :

عرقوىّ بفتح القاف كقاضوىّ ، فأما فى الخامسة وما فوقها : فليس إلا الحذف كقمحدىّ ، كما فى مشترىّ ومستسقىّ

قال : (ونحو ظبية وقنية ورقية وغزوة وعروة ورشوة

__________________

يجوز أن يحذف من المحيى ياء لاجتماع الياءات؟ فقال : لا ، لأن محييا (الذى هو اسم فاعل حيى بالتضعيف) جاء على فعله ، واللام تعتل كما تعتل فى الفعل ، قال : والاختيار عندى محيى (أى بأربع ياءات) لأنى لا أجمع حذفا بعد حذف» إه كلامه ، وقوله «واللام تعتل كما تعتل فى الفعل» يريد أن الياء فى محى الذى هو اسم فاعل تعل بحذفها لأنها تعل فى الفعل بالاسكان فى المضارع والقلب ألفا فى الماضى ، فالاعلال فى الفعل سبب الاعلال فى المشتق وإن اختلف نوع الاعلال ، وقوله «لأنى لا أجمع حذفا بعد حذف» معناه أن الياء الخامسة قد حذفت ، فلو حذف الثالثة وقلب الرابعة واوا كما فى نحو على فقالوا محوى لكانوا قد جمعوا على الكلمة؟؟؟ جحاف بها ، فأما قول أبى عمرو «محوى أجود» فوجهه الخفة إذ لا يلزم عليه اجتماع الأمثل الثقلاء وهى الياءات

(١) القمحدوة : العظم الناتىء فوق القفا خلف الرأس (انظر ج ١ ص ٢٦١ ه‍ ٣)

٤٦

على القياس عند سيبويه ، وزنويّ وقروىّ شاذّ عنده ، وقال يونس ظبوىّ وغزوىّ ، واتّفقا فى باب غزو وظبى ، وبدويّ شاذّ»

أقول : الذى ذكر قبل هذا حكم الواو والياء لامين إذا تحرك ما قبلهما ، وهذا حكمهما ساكنا ما قبلهما ، فنقول : إذا كان قبل الواو ساكن صحيحا كان أولا لم يغير الواو فى النسب اتفاقا : ثالثة كانت كغزوى ودوّىّ (١) وساوى (٢) فى ساوة وقصيدة واوية ، أو رابعة كشقاوىّ ، أو خامسة كحنطأوىّ ومغزوّىّ ، إذ الواو لا تستثقل قبل الياء إذا سكن (٣) ما قبلها ، إذ تغاير حرفى العلة وسكون ما قبل أولاهما يخففان أمر الثقل ، وإذا كان يلتجأ إلى الواو مع تحرك ما قبلها فى نحو عموىّ وقاضوىّ عند بعضهم فما ظنّك بتركها على حالها مع سكون ما قبلها؟ فعلى هذا لا بحث فى ذى الواو الساكن ما قبلها إلا فى نحو عروة فان فى فتح عينه وإسكانها خلافا كما يجىء ؛ وإنما البحث فى ذى الياء الساكن ما قبلها

__________________

(١) دوى : منسوب إلى الدو (بفتح الدال المهملة وتشديد الواو) وهو الفلاة الواسعة ، وقيل : الأرض المستوية ، وقال :

قد لفّها اللّيل بعصلبىّ

أروع خرّاج من الدّوّىّ

* مهاجر ليس بأعرابىّ*

وقال العجاج :

دوّيّة لهولها دوىّ

للرّيح فى أقرابها هويّ

وفى القاموس أنه أيضا اسم بلد ، وفى المعجم أنه اسم أرض بعينها

(٢) ساوى : منسوب لساوة ، وهى مدينة بين الرى وهمذان بينها وبين كل منهما ثلاثون فرسخا

(٣) ليس لقوله «إذا سكن ما قبلها» مفهوم ، لأن الواو لا تستثقل قبل ياء النسب سكن ما قبلها أو تحرك ، فهذا القيد لبيان الواقع لا للاحتراز

٤٧

فنقول : إن كانت الياء ثالثة والساكن قبلها حرف صحيح فلا يخلو من أن يكون مع التاء كظبية أولا كظبى ؛ فالمجرد لا تغيير فيه اتفاقا لحصول الخفة بسكون العين وصحتها ، ولعدم ما يجرىء على التغيير من حذف التاء ، وأما الذى مع التاء فسيبويه والخليل ينسبان إليه أيضا بلا تغيير سوى حذف التاء ، فيقولان : ظبيّ وقنييّ ورقيىّ ، وكذا فى الواوىّ غزوىّ وعروى ورشوىّ ؛ لسكون عين جميعها ، إذ التخفيف حاصل والأصل عدم التغيير ، وكان يونس يحرك عين جميع ذلك واويا كان أو يائيا بالفتح ، أما فى اليائى فلتخفّ الكلمة بقلب الياء واوا ، وخص ذلك بالثلاثى ذى التاء ، أما الثلاثى فلأن مبناه على الخفة فطلبت بقدر الممكن ، فلا تقول فى إنقضية (١) إلّا إنقضيىّ ، وأما ذو التاء فلأن التغيير بحذف التاء جرّا على التغيير بالفتح ، مع قصد الفرق بين المذكر والمؤنث كما ذكرنا فى فعيل وفعيلة ، وأما الفتح فى الواوى فحملا على اليائى ، والذى حمل يونس على ارتكاب هذا في اليائى والواوى مع بعده من القياس قولهم فى القرية قروىّ وفى بنى زنية وبنى البطية ـ وهما قبيلتان (٢) ـ زنوىّ وبطوىّ ، وكان الخليل يعذر يونس فى ذوات الياء دون ذوات الواو ، لأن ذوات الياء بتحريك عينها تنقلب ياؤها واوا ، فتخف شيئا ، وإن كان يحصل بالحركة أدنى ثقل ، لكن ما يحصل بها من الخفة أكثر مما يحصل من الثقل ، وأما ذوات الواو فيحصل بتحريك عينها ثقل من دون خفة ، ولم يرد به أيضا سماع كما ورد فى اليائى قروى وزنوى وبطوى ، ومع ذلك فاختيار الخليل ما ذكرنا أولا

__________________

(١) يريد ما تبنيه من قضى على مثال إنقحلة ، وهى مؤنث إنقحل ، وقد مضى قريبا (انظر ص ٤٣)

(٢) ذكر فى القاموس واللسان أن بنى زنية حى ، وذكر عن ابن سيده أن البطية لا يدرى موضوعها ، وأن سيبويه قد حكاها ، وخرجها ابن سيده على أن تكون من أبطيت لغة فى أبطأت ، ولم يذكر واحد منهما أن بنى البطية قبيلة

٤٨

قوله «وبدوى شاذّ» لأنه منسوب إلى البدو ، وهو مجرد عن التاء فهو عند الجميع شاذ

قال : «وباب طىّ وحىّ تردّ الأولى إلى أصلها وتفتح نحو طووىّ وحيوىّ بخلاف دوّىّ وكوّىّ وما آخره ياء مشدّدة بعد ثلاثة إن كان نحو مرمىّ قيل مرموىّ ومرمىّ وإن كانت زائدة حذفت ككرسىّ وبخاتىّ فى بخاتى اسم رجل»

أقول قوله «دوّى وكوىّ» (١) إنما ذكر مثالين لبيان أن حكم ذى التاء والمجرد عنها سواء ، بخلاف نحو غزو وغزوة كما تقدم فى الفصل المتقدم ، والذي تقدم حكم الياء الثالثة إذا كان قبلها ساكن صحيح ، فان لم يكن ما قبلها حرفا صحيحا فإما أن يكون ياء أو ألفا ، ولو كان واوا صار ياء كما فى طىّ لما يجىء فى باب الإعلال من أن الواو والياء إذا اجتمعا وسكن سابقهما قلبت الواو ياء

فنقول : إن كانت ثالثة وما قبلها ياء ساكنة ، ولا بد أن تكون مدغمة (٢) فيها فإذا نسب إلى مثله وجب فكّ الإدغام ، لئلا يجتمع أربع ياءات فى البناء الموضوع على الخفة فيحرك العين بالفتح الذى هو أخف الحركات ، فيرجع العين

__________________

(١) الكوى : المنسوب إلى الكوة ، وهى بفتح الكاف أو ضمها مع تشديد الواو فيهما ، ويقال كو أيضا بغير تاء ـ وهى الثقب غير النافذ فى البيت أو الحائط

(٢) محل ما ذكره من وجوب الادغام إذا كانت الياء الساكنة أصلا أو منقلبة عن واو ، فالأول نحو حى وعى ، والثانى نحو طى ولى ؛ فإن كانت الياء الساكنة منقلبة عن همزة لم يكن الإدغام واجبا ، وذلك لأن حكم الياء المنقلبة عن همزة انقلابا غير لازم كحكم الهمزة مثل ريى مخفف رئى (وانظر ج ١ ص ٢٨)

٤٩

إن كانت واوا إلى أصلها لزوال سبب انقلابها ياء ـ وهو اجتماعهما مع سكون الأول ـ فتقول فى طىّ : طووىّ ، ويبقى الياء بحالها نحو حيوىّ لأنه من حيى وتنقلب الياء الثانية فى الصورتين واوا : إما بأن تنقلب أولا ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم تقلب واوا كما فى عصوى ورحوى ، أو تقلب الياء من أول الأمر واوا لاستثقال ياء متحرك ما قبلها قبل ياء النسب ، ولا ينقلب ألفا لعروض حركتها وحركة (١) ما قبلها ، لأنهما لأجل ياء النسبة التى هى كالاسم المنفصل على ما مر ، ولم يقلب العين ألفا : إما لعروض حركتها ، وإما لأن العين لا تقلب إذا كانت اللام حرف علة ، سواء قلبت اللام كما فى هوى أو لم تقلب كما فى طوى على ما يجىء فى باب الإعلال

قال سيبويه ومن قال أميّىّ قال حيّىّ وطيّىّ لأن الاستثقال فيهما واحد ؛ والذى يظهر أن أميّيّا أولى من حيّىّ لأن بناء الثلاثى على الخفة فى الأصل يقتضى أن يجنّب ما يؤدى إلى الاستثقال أكثر من تجنيب الزائد على الثلاثة ، ألا ترى إلى قولهم نمرى بالفتح دون جندلىّ

__________________

(١) أما أن حركة ما قبل اللام فى نحو طووى وحيوى عارضة فمسلم إذ أصلها قبل فك الادغام السكون ، وأما أن حركة اللام نفسها عارضة فغير مسلم لأنها محل الحركة الإعرابية حال الادغام ، على أن عروض حركة العين لا يمنع من قلب اللام إذا كانت واوا أو ياء ألفا ، فان أحدا من العلماء لم يشترط لقلب كل من الياء والواو ألفا أصالة تحرك ما قبلهما ، بل القلب حاصل مع عروض الحركة ، وانظر إلى باب أقام وأجاب واستقام واستضاف ومقام ومجاب ومستقام ومستضاف فانك تجد كلا من الواو والياء قد انقلب ألفا مع طرو حركة ما قبلهما ، ثم هم يقولون : تحركت الواو أو الياء بحسب الأصل وانفتح ما قبلها الآن فانقلبت ألفا ـ وهذا واضح إن شاء الله. نعم التعليل الصحيح لعدم قلب الواو ألفا مع تحركها وانفتاح ما قبلها هو ما ذكره سابقا من أنك لو قلبتها ألفا للمزمك أن تقلبها واوا ثانية للزوم تحرك ما قبل ياء النسب والألف لا تقبل الحركة فيبطل سعيك.

٥٠

والياء الثالثة إذا كان قبلها ألف ، ولا تكون تلك الألف زائدة ، بل تكون منقلبة عن العين نحو آية وآى وغاية وغاى وراية وراى ، (١) فالأقيس ترك الياء بحالها ، كما فى ظبيىّ ، ومن فتح هناك فى ظبية وقال ظبوى لم يفتح العين ههنا ؛ لأنه لا يمكنه إلا بقلبها همزة أو واوا أو ياء فيزيد الثقل ، وإنما لم يقلب الياء فى آى وراى ألفا ثم همزة كما فى رداء لأن الألف قبلها ليست بزائدة ، وهو شرطه كما يجىء فى باب الاعلال.

ويجوز ههنا فى النسبة قلب الياء همزة لأن الياء لم تستثقل قبل المجىء بباء النسب ، فلما اتصلت حصل الثقل فقلبت همزة قياسا على سائر الياآت المتطرفة المستثقلة بعد الألف ، وإن كان بين الألفين فرق ، فإنها تقلب ألفا ثم همزة فقلبت هذه أيضا همزة ، فقيل : رائى ، فى راى وراية.

__________________

(١) هذا الذى ذكره المؤلف من أن الألف أصلية لا زائدة فى هذه الكلمات مبنى على رأى غير الكسائى رحمه‌الله من العلماء ، فأما على رأيه فهى زائدة ، وحاصل الكلام فى هذه الكلمات أن العلماء اختلفوا فى أصلهن ووزنهن ، فقال الجمهور أصل آية أبية (بوزن شجرة) قلبت العين ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وكان القياس يقتضى بقاء العين وقلب اللام فيقال أياة ؛ لأن اللام طرف وهى أولى بالاعلال والتغيير ، وقال قوم : أصل آية أبية كشجرة أيضا ، ثم قلبت اللام ألفا على ما يقتضيه القياس فصار أياة مثل حياة ، ثم قدمت اللام على العين فصار آية ، فوزنها على الأول فعلة وعلى الثانى فلعة (بفتحات فيهما) وقال قوم : أصلها أييه بوزن سمرة ثم أعلت العين ألفا على خلاف القياس أيضا ، ووزنها فعلة (بفتح فضم) وقيل : أصلها أوية أو أوية (كتمرة فى الأول وكشجرة فى الثانى) ثم أعلت العين على خلاف القياس ، وقال الفراء أصلها أية كحية ثم قلبت العين ألفا لانفتاح ما قبلها كقلبهم إياها فى طائى وياجل ، وقال الكسائى : أصلها آيية على مثال ضاربة ، فكرهوا اجتماع الياءين مع انكسار أولاهما فحذفت الأولى فزنتها فالة ، ومثل ذلك يجرى فى غير آية من هذه الكلمات

٥١

ويجوز قلبها واوا أيضا لأن الياء الثالثة المتطرفة المستثقلة لأجل ياء النسب بعدها تقلب واوا كما فى عموى وشجوى.

هذا كله إذا كانت الياء الساكن ما قبلها ثالثة ؛ فإن كانت رابعة نظرنا : فإن كانت بعد ألف منقلبة. ولا تكون إلا عن الهمزة ، نحو قراى فى تخفيف قرأى ؛ لأن العين لا تقلب ألفا مع كون اللام حرف علة كما فى هوى وطوى ، فلا تغير الياء فى النسب عن حالها ؛ لأن قلب الهمزة ألفا إذن غير واجب ، فالألف فى حكم الهمزة ، وإن كانت الألف زائدة ـ وهو الكثير الغالب كما فى سقاية (١) ونقاية (٢) ـ قلبت الياء همزة فى النسب لأن القياس كان قلبها ألفا ثم همزة لو لا التاء المانعة من التطرف ، فلما سقطت التاء للنسبة وياء النسبة فى حكم المنفصل كما تقدم صارت الياء كالمتطرفة ، ومع ذلك هى محتاجة إلى التخفيف بمجامعتها لياء النسب ، فقلبت ألفا ثم همزة كما فى رداء ، ولم تقلب لمجرد كونها كالمتطرفة كما فى رداء وسقاء (٣) لأن لياء النسب نوع اتصال ، بل قلبت لهذا ولاستثقال اجتماع الياآت فمن ثم لم يقلب واو شقاوة فى شقاوىّ إذ لا استثقال كما

__________________

(١) السقاية ـ بكسر السين ـ الاناء الذى يشرب به ، ومنه قوله تعالى : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) وهى أيضا البيت الذى يتخذ مجمعا للماء ويسقى منه الناس ، وهى أيضا مصدر بمعنى السقى ، ومنه قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ) الآية.

(٢) نقاية الشىء (بضم النون) خياره ، ونقاية الطعام (بفتح النون وتضم أيضا) رديئه

(٣) السقاء ـ بكسر السين ـ جلد السخلة إذا أجذع ، يقال : لا يكون إلا للماء ، ويقال : إنه يكون للماء وللبن ، والوطب للبن خاصة ، والنحى للسمن خاصة ، قال :

يجبن بنا عرض الفلاة وما لنا

عليهنّ إلّا وخدهنّ سقا

٥٢

كان مع الياآت ، وبعضهم يقلب ياء سقاية فى النسب واوا لأن الياء المستثقلة قبل ياء النسب تقلب واوا كما فى عموىّ وشجوى إذا لم تحذف كما فى قاضىّ.

وكذا يجوز لك فى الياء الخامسة التى قبلها ألف زائدة نحو درحاية (١) قلب الياء همزة وهو الأصل أو واوا كما فى الرابعة.

وإن كان الساكن المتقدم على الياء الرابعة ياء نحو علىّ وقصىّ فقد تقدم حكمه

بقى علينا حكم الياء الخامسة إذا كان الساكن قبلها ياء ؛ فنقول : ذلك على ضربين ؛ لأنه إما أن يكون الياءان زائدتين كما فى كرسىّ وبردىّ وكوفى فيجب حذفهما فى النسب فيكون المنسوب والمنسوب إليه بلفظ واحد ، وإما أن يكون ثانيهما أصليا ، فإن سكن ثانى الكلمة نحو مرمىّ وكذا يرمىّ فى النسب إلى يرمى على وزن يعضيد (٢) من رمى ، فالأولى حذفهما أيضا للاستثقال ويجوز حذف الأول فقط وقلب الثانى واوا احتراما للحرف الأصلى فتقول : مرموى ويرموى ، وإنما فتحت ما قبل الواو استثقالا للكسرتين مع اجتماع ثلاثة أحرف معتلة ، فيكون كقاضوىّ عند المبرد ، وإن تحرك ثانى الكلمة فلا بد من حذفهما مع أصالة الثانى ، كما تقول فى النسب إلى قضوية (٣) على وزن حمصيصة من قضى :

__________________

(١) تقدم قريبا شرح هذه الكلمة (انظر : ص ٤٣ من هذا الجزء)

(٢) اليعضيد ـ بفتح الياء وسكون العين المهملة ـ قال ابن سيده : اليعضيد بقلة زهرها أشد صفرة من الورس (الزعفران) وقيل : هى من الشجر ، وقال أبو حنيفة : «اليعضيد بقلة من الأحرار مرة لها زهرة صفراء تشتهيها الابل والغنم والخيل أيضا تعجب بها وتخصب عليها قال النابغة ووصف خيلا :

يتحلّب اليعضيد من أشداقها

صفرا مناخرها من الجرجار

(٣) أصل قضوية قضيية بثلاث ياءات أولاهن مكسورة لأنه من قضيت ، فقلبوا أولى الياءات واوا حين كرهوا اجتماعهن كما فعلوا ذلك فى فتوى

٥٣

قضوىّ ، لا غير ، وهذا بناء على أن أول المكرر هو الزائد كما هو مذهب الخليل على ما يجىء فى باب ذى الزيادة.

وإن كانت الياء المشددة خامسة وجب حذفها بلا تفصيل ، سواء كان الثانى أصلا كما فى الأحاجىّ (١) والأوارىّ (٢) ، أو كانا زائدين كما فى بخاتىّ اسم رجل فهو غير منصرف لكونه فى الأصل أقصى الجموع ، والمنسوب إليه يكون منصرفا لأن ياء النسبة لكونها كالمنفصل لا تعد فى بنية أقصى الجموع كما تقدم فى باب ما لا ينصرف ، ألا ترى إلى صرف جماليّ وكماليّ.

قال : «وما آخره همزة بعد ألف إن كانت للتّأنيث قلبت واوا ، وصنعانىّ وبهرانىّ وروحانىّ وجلولىّ وحرورىّ شاذ ، وإن كانت أصليّة ثبتت على الأكثر كقرّائىّ ، وإلّا فالوجهان ككسائىّ وعلباوىّ».

أقول : اعلم أن الهمزة المتطرفة بعد الألف : إما أن تكون بعد ألف زائدة ، أولا ، فالتى بعد ألف زائدة على أربعة أقسام ؛ لأنها إما أن تكون أصلية

__________________

(١) الأحاجى : جمع أحجية (بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة وكسر الجيم بعدها ياء مشددة) ويقال أحجوة (بتشديد الواو وقبلها ضمة) ، وهى الكلمة التى يخالف معناها لفظها

(٢) الأوارى : جمع الآرى ، وهو الحبل تشد به الدابة فى محبسها ، وهو أيضا عود يدفن طرفاه فى الأرض ويبرز وسطه كالحلقة تشد إليه الدابة ، قال النابغة

إلّا الأوارىّ لأيا ما أبيّنها

والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

٥٤

كقرّاء (١) ووضّاء (٢) ، والأكثر بقاؤها قبل ياء النسب بحالها ، وإما أن تكون زائدة محضة وهى للتأنيث ، ويجب قلبها فى النسب واوا ، لأنهم قصدوا الفرق بين الأصلى المحض والزائد المحض ، فكان الزائد بالتغيير أولى ، ولو لا قصد الفرق لم تقلب ، لأن الهمزة لا تستثقل قبل الياء استثقال الياء قبلها ، لكنهم لما قصدوا الفرق والواو أنسب إلى الياء من بين الحروف وأكثر ما يقلب إليه الحرف المستثقل قبل ياء النسب قلبت إليه الهمزة ، وقد تشبه قليلا حتى يكاد يلحق بالشذوذ الهمزة الأصلية بالتى للتأنيث فتقلب واوا نحو قرّاوىّ ووضّاوى ، وإما أن لا تكون الهمزة زائدة صرفة ولا أصلية صرفة ، وهى على ضربين : إما منقلبة عن حرف أصلى ككساء ورداء ، وإما ملحقة بحرف أصلى كعلباء (٣) ، وحرباء (٤) ، ويجوز فيهما وجهان : قلبها واوا ، وإبقاؤها بحالها ، لأن لها نسبة إلى الأصلى من حيث كون إحداهما منقلبة عن أصلى والأخرى ملحقة بحرف أصلى ،

__________________

(١) القراء (بضم القاف وتشديد الراء مفتوحة) الناسك المتعبد ، والقراء (بفتح القاف وتشديد الراء) الحسن القراءة أو الكثيرها ، والهمزة فى كليهما أصلية

(٢) الوضاء (بضم الواو وتشديد الضاد مفتوحة) الوضىء الحسن الوجه ، قال أبو صدقة الدبيرى

والمرء يلحقه بفتيان النّدى

خلق الكريم وليس بالوضّاء

(٣) العلباء ـ بكسر فسكون ـ عصب عنق البعير ، ويقال : الغليظ منه خاصة. وقال اللحيانى : العلباء مذكر لا غير ؛ وهما علباوان يمينا وشمالا بينهما منبت العنق ، والجمع العلابى

(٤) الحرباء ـ بكسر فسكون ـ ذكر أم حبين ، ويقال : هو دويبة نحو العظاءة أو أكبر يستقبل الشمس برأسه ويكون معها كيف دارت ، ويقال : إنه يفعل ذلك لبقى جسده برأسه ويتلون ألوانا بحر الشمس ، والجمع الحرابى ، والأنثى الحرباءة ، والحرباء أيضا : مسمار الدرع ، ويقال : هو المسمار فى حلقة الدرع.

٥٥

ولها نسبة إلى الزائد الصرف من حيث إن عين الهمزة فيهما ليست لام الكلمة كما كانت فى قرّاء ووضّاء ، لكن الإبقاء فى المنقلبة لشدة قربها من الأصلى أولى منه فى الملحقة ، فنقول : كل ما هى لغير التأنيث يجوز فيه الوجهان ، لكن القلب فى الملحقة أولى منه فى المنقلبة ، والقلب فى المنقلبة أولى منه فى الأصلية ، والقلب فى الملحقة أولى من الإبقاء ، وفى المنقلبة بالعكس ، وهو فى الأصلية شاذ.

وأما الهمزة التى بعد ألف غير زائدة كماء وشاء فإن الألف فيهما منقلبة عن الواو وهمزتهما بدل من الهاء فحقها أن لا تغير (١) ، فالنسب إلى ماء مائى بلا

__________________

(١) أنت تعرف أنهم جوزوا فى همزة كساء ورداء ونحوهما قلبها واوا وبقاءها فأجازوا أن تقول كساوى أو كسائى ورداوى أو ردائى ، وأوجبوا فى همزة شاء وماء بقاء الهمزة فلم يجيزوا إلا أن تقول شائى ومائى ، قياسا ، مع اشتراك هذين النوعين فى أن الهمزة فى كل منهما منقلبة عن أصل ، ولعل السر فى تغاير الحكمين أن انقلاب حرف العلة إلى الهمزة فى رداء وكساء قياس لعلة اقتضته ، فجعلوا قيام سبب القلب مذكرا بالأصل وهو الألف التى انقلبت عن الواو أو الياء فرجعوا إليه فى النسب ، فأما فى ماء وشاء ونحوهما فالهمزة فيهما منقلبة انقلابا شاذا لغير علة تقتضيه ، فانصرف الذهن عن أصل الهمزة ـ وهو الهاء ـ لعدم قيام سبب الابدال ، فاعتبرت الهمزة كالأصلية فى نحو قراء ووضاء. ولم يرجعوا إلى الأصل الذى هو الهاء فيقولوا ماهى وشاهى ؛ ولأن الهمزة أخف من الهاء لكون الهمزة أخت حروف العلة ، على أنهم ربما قالوا شاوى تشبيها للهمزة المنقلبة عن الهاء بالهمزة المنقلبة عن حرف العلة ، قال الشاعر :

ولست بشاوىّ عليه دمامة

إذا ما غدا يغدو بقوس وأسهم

وأنشد الجوهرى لمبشر بن هذيل الشمخى :

وربّ خرق نازح فلاته

لا ينفع الشّاوىّ فيها شاته

ولا حماراه ولا علاته

إذا علاها اقتربت وفاته

هذا بيان ما ذكره المؤلف ، وهو موافق لما ذكره سيبويه حيث قال (ج ٢ ص

٥٦

تغيير ، وكذا كان القياس أن ينسب إلى شاء ، لكن العرب قالوا فيه شاوىّ على غير القياس ؛ فإن سمى بشاء فالأجود شائى على القياس لأنه وضع ثان ، ويجوز شاوى كما كان قبل العلمية.

__________________

٨٤): «وأما الإضافة إلى شاء فشاوى ، كذلك يتكلمون به ، قال الشاعر : فلست بشاوى عليه دمامة (البيت) وإن سميت به رجلا أجريته على القياس ، تقول : شائى ، وإن شئت قلت شاوى كما قلت عطاوى ، كما تقول فى زبينة وثقيف إذا سميت به رجلا بالقياس» اه ، وحاصل هذا الكلام أن القياس فى نحو شاء ـ من كل همزة أبدلت من غير حرف من حروف العلة وقبلها ألف غير زائدة ـ بقاء الهمزة عند النسب ، لكنهم خالفوا القياس فى كلمة شاء فقالوا شاوى ، وأنت إذا سميت بشاء يجوز لك أن تقول شائى على ما يقتضيه القياس وأن تقول شاوى كما كانوا يقولون قبل التسمية. والذى فى شرح الأشمونى وحواشى الصبان نقلا عن ابن هشام يخالف هذا ويخالف بعضه بعضا ، قال الأشمونى : «إذا نسبت إلى ماء وشاء فالمسموع قلب الهمزة واوا نحو ماوى وشاوى ، ومنه قوله * لا ينفع الشاوى فيها شاته* (البيت) فلو سمى بماء أو شاء لجرى فى النسب إليه على القياس فقيل مائى وماوى وشائى وشاوى» اه ، وهذا يخالف ما ذكره المؤلف من وجهين : الأول أنه ذكر أن العرب قد قالت ماوى بالواو فى النسب إلى ماء ، ولم يحكه المؤلف ، الثانى أنه يؤخذ منه أن القياس فى هذا النوع جواز القلب واوا والابقاء على نحو ما يجوز فى عطاء وكساء ورداء. وقال الصبان فى حاشيته : «قال ابن هشام : إذا نسب إلى ماء نسب إليه كما ينسب إلى كساء فتقول مائى وماوى ، لأن الهمزة بدل ، غاية ما فيه أن المبدل منه مختلف فيهما ، فهو فى كساء واو ، وفى ماء هاء ، لأن أصله موه اه يس : أى فأطلق ابن هشام جواز الوجهين وفصل الشارح بين ما قبل التسمية فيتعين القلب وقوفا على ما سمع ، وما بعدها فيجوز الوجهان» اه. وهذا يخالف ما ذكره المؤلف ههنا كما يخالف ما ذكره الأشمونى ، أما مخالفته ما ذكره مؤلف هذا الكتاب فلأنه جعل القياس فى النسب إلى ماء وشاء جواز القلب والابدال ، سواء أكنت قد سميت به أم لم تكن. وأما مخالفته لما ذكره الأشمونى فقد ذكرها الصبان فى عبارته التى نقلناها لك.

٥٧

صنعاء : بلد فى اليمن ، وبهراء : قبيلة من قضاعة ، وروحاء : موضع قرب المدينة ، وجلولاء : موضع بالعراق ، وكذا حروراء ، وقالوا فى دستواء : دستوانىّ (١) ، ووجه قلب الهمزة نونا وإن كان شاذا مشابهة ألفى التأنيث الألف والنون ، وهل قلبت الهمزة نونا أو واوا ثم قلبت الواو نونا؟ مضى الخلاف فيه فى باب ما لا ينصرف (٢) ، وحذف فى جلولاء وحروراء لطول الاسم ، شبهوا

__________________

(١) كذا فى جميع النسخ ، وكلام المؤلف صريح فى أن الكلمة ممدودة ، والذى فى القاموس والمعجم لياقوت أن الكلمة مقصورة ، قال فى القاموس : «ودستوا بالقصر قرية بالأهواز ، والنسبة دستوانى ودستوائى» اه ، وقال ياقوت : «دستوا بفتح أوله وسكون ثانيه وتاء مثناة من فوق : بلدة بفارس ، وقال حمزة : المنسوب إلى دستبى دستفائى ، ويعرب على الدستوائى ، وقال السمعانى : بلدة بالأهواز ، وقد نسب إليها قوم من العلماء ، وإليها تنسب الثياب الدستوائية» وقد ضبطت التاء المثناة فى مادة (د س ت) من القاموس بالضم بخط القلم ، وفى مادة (د س ا) منه بالفتح بضبط القلم أيضا.

(٢) قال المؤلف فى شرح الكافية (ج ١ ص ٥٢): «اعلم أن الألف والنون إنما تؤثران لمشابهتهما ألف التأنيث الممدودة من جهة امتناع دخول تاء التأنيث عليهما ، وبفوات هذه الجهة يسقط الألف والنون عن التأثير ، وتشابهانها أيضا بوجوه أخر لا يضر فواتها ، نحو تساوى الصدرين وزنا ؛ فسكر من سكران كحمر من حمراء ، وكون الزائدين فى نحو سكران مختصين بالمذكر كما أن الزائدين فى نحو حمراء مختصان بالمؤنث ، وكون المؤنث فى نحو سكران صيغة أخرى مخالفة للمذكر ، كما أن المذكر فى نحو حمراء كذلك ، وهذه الأوجه الثلاثة موجودة فى فعلان فعلى غير حاصلة فى عمران وعثمان وغطفان ونحوها ، وتشابهانها أيضا بوجهين آخرين لا يفيدان من دون الامتناع من التاء ، وهما زيادة الألف والنون معا كزيادة زائدى حمراء معا ، وكون الزائد الأول فى الموضعين ألفا ؛ فانه اجتمع الوجهان فى ندمان وعريان مع انصرافهما ، فالأصل على هذا هو الامتناع من تاء التأنيث ، وقال المبرد : جهة الشبه أن النون كانت فى الأصل همزة بدليل قلبها إليه

٥٨

ألف التأنيث بتائه فحذفوها (١)

الحروريّة : هم الخوارج ، سماهم بهذا الاسم أمير المؤمنين على رضى الله تعالى عنه لما نزلوا بحروراء حين قارقوه.

قال : «وباب سقاية سقائىّ بالهمزة ، وباب شقاوة شقاوىّ بالواو ، وباب راى وراية رايىّ ورائىّ وراوىّ».

أقول : يعنى بباب سقاية وشقاوة ما فى آخره واو أو ياء بعد ألف زائدة ، لم تقلب ياؤه وواوه ألفا ثم همزة لعدم تطرفهما بسبب التاء غير الطارئة ، ويعنى بباب

__________________

في صنعانى وبهرانى فى النسب إلى صنعاء وبهراء ، وليس بوجه ، إذ لا مناسبة بين الهمزة والنون حتى يقال إن النون أبدل منها ، وأما صنعانى وبهرانى فالقياس صنعاوى وبهراوى كحمراوى ، فأبدلوا النون من الواو شاذا ، وذلك للمناسبة التى بينهما ، ألا ترى إلى إدغام النون فى الواو ، وجرأهم على هذا الابدال قولهم فى النسب إلى اللحية والرقبة : لحيانى ورقبانى ، بزيادة النون من غير أن تبدل من حرف ، فزيادتها مع كونها مبدلة من حرف يناسبها أولى» اه ، وقال ابن يعيش فى شرح المفصل (ج ١٠ ص ٣٦): «القياس فى صنعاء وبهراء أن يقال فى النسب إليهما صنعاوى وبهراوى ، كما تقول فى صحراء صحراوى ، وفى خنفساء خنفساوى ، تبدل من الهمزة واوا فرقا بينها وبين الهمزة الأصلية ، على ما تقدم بيانه فى النسب ، وقد قالوا صنعانى وبهرانى على غير قياس ، واختلف الأصحاب فى ذلك ، فمنهم من قال : النون بدل من الهمزة فى صنعاء وبهراء ، ومنهم من قال : النون بدل من الواو ، كأنهم قالوا صنعاوى كصحراوى ثم أبدلوا من الواو نونا ، وهو رأى صاحب هذا الكتاب (الزمخشرى) وهو المختار ، لأنه لا مقاربة بين الهمزة والنون ، لأن النون من الفم والهمزة من أقصى الحلق ، وإنما النون تقارب الواو فتبدل منها» اه

(١) بقى أن يقال : هل حذفت ألف التأنيث ـ التى هى الهمزة فى اللفظ ـ أولا ثم حذفت الألف التى قبلها لأنها خامسة وقياس الألف الخامسة أن تحذف فى النسب؟ أم حذفت الهمزة والألف التى قبلها معا لكونهما معا كعلامة وكون زيادتهما فى الكلمة معا على ما تقدم بيانه فى الهامشة السابقة ، والظاهر الأول ، وإن كان الثانى له وجه.

٥٩

راى وراية ما فى آخره ياء ثالثة بعد ألف غير زائدة ، وقد مضى شرح جميع ذلك

قال : «وما كان على حرفين إن كان متحرّك الأوسط أصلا والمحذوف هو اللّام ولم يعوّض همزة الوصل أو كان المحذوف فاء وهو معتلّ اللّام وجب ردّه كأبوىّ وأخوىّ ، وستهىّ فى ست ووشوىّ فى شية ، وقال الأخفش وشيىّ على الأصل ، وإن كانت لامه صحيحة والمحذوف غيرها لم يردّ كعدىّ وزنىّ وسهىّ فى سه وجاء عدوىّ وليس بردّ ، وما سواهما يجوز فيه الأمران نحو غدىّ وغدوىّ وابنىّ وبنوىّ وحرىّ وحرحىّ ؛ وأبو الحسن يسكّن ما أصله السّكون فيقول غدوىّ وحرحىّ ، وأخت وبنت كأخ وابن عند سيبويه وعليه كلوىّ ، وقال يونس أختىّ وبنتىّ وعليه كلتىّ وكلتوىّ وكلتاوىّ»

أقول : اعلم أن الاسم الذى على حرفين على ضربين : ما لم يكن له ثالث أصلا ، وما كان له ذلك فحذف ؛

فالقسم الأول لا بد أن يكون فى أصل الوضع مبنيا ؛ لأن المعرب لا يكون على أقل من ثلاثة فى أصل الوضع ، فاذا نسبت إليه فإما أن تنسب إليه بعد جعله علما للفظه ، أو تنسب إليه بعد جعله علما لغير لفظه ، كما تسمى شخصا بمن أو كم

ففى الأول لا بد من تضعيف ثانيه ، سواء كان الثانى حرفا صحيحا أولا ، كما تبين فى باب الأعلام ، فتقول فى الصحيح : الكمّيّة واللّمّيّة بتشديد الميمين ، وفى غيره : المائية ، وهو منسوب إلى ما ، ولوّىّ ولوئى ، (١) فيمن يكثر لفظة لو ،

__________________

(١) فى بعض النسخ سقطت كلمة «ولوئىّ» والصواب ثبوتها ، وأراد الشارح

٦٠