شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على إمام المتقين ، قائد الغر المحجلين ، سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين

٣

المنسوب

قال : «المنسوب الملحق بآخره ياء مشدّدة ليدلّ على نسبته إلى المجرّد عنها ، وقياسه حذف تاء التّأنيث مطلقا ، وزيادة التّثنية والجمع إلّا علما قد أعرب بالحر كات ؛ فلذلك جاء قنّسرىّ وقنّسرينىّ»

أقول : قوله : «على نسبته إلى المجرد عنها» يخرج ما لحقت آخره ياء مسددة للوحدة كرومىّ وروم ، وزنجىّ وزنج ، وما لحقت آخره للمبالغة كأحمرىّ ودوّارىّ (١) ، وما لحقته لا لمعنى كبردىّ (٢) وكرسىّ ، فلا يقال لهذه الأسماء : إنها منسوبة ، ولا ليائها : إنها ياء النسبة (٣) ، كما يقال لتمرة والتاء فيه للوحدة ،

__________________

(١) قال فى اللسان : «والدهر دوار بالانسان ودوارى : أى دائر به على إضافة الشىء إلى نفسه. قال ابن سيده : هذا قول اللغويين. قال الفارسى : هو على لفظ النسب وليس بنسب ، ونظيره بختى وكرسى» وقد قال العجاج :

والدّهر بالإنسان دوّارىّ

أفنى القرون وهو قعسرىّ

أى : أنه يدور ويتقلب بالانسان حالا بعد حال وأنه يفنى قرونا كثيرة وهو باق على شدته وقوته ، وأصل القعسرى الجمل الضخم الشديد ، فشبه الدهر به فى قوته وشدته

(٢) البردى : إما أن يكون بضم فسكون ، وإما أن يكون بفتح فسكون ، وهو على الأول نوع من تمر الحجاز جيد ، وعلى الثانى نبت معروف واحدته بردية. (انظر ج ١ ص ٢٠٣) من هذا الكتاب

(٣) قد اختلفت عبارات المؤلف فى هذه الياء ، فهو أحيانا يذكر أنها ياء النسبة كما فى قوله (ح ١ ص ٢٠٣): «وكان على المصنف أن يذكر ياء النسبة أيضا نحو بريدى فى بردى» وأحيانا يذكر أنها ليست للنسبة كما هنا ، وقد حل هو

٤

ولعلّامة وهى فيه المبالغة ، ولغرفة ولا معنى لتائها : إنها أسماء مؤنثة وتاءها تاء التأنيث ؛ وذلك لجريها مجرى التأنيث الحقيقى فى أشياء ، كتأنيث ما أسند إليها ، وكصيرورتها غير منصرفة فى نحو طلحة ، وانقلاب تائها فى الوقف هاء

قوله «حذف تاء التأنيث مطلقا» أى : سواء كان ذو التاء علما كمكة والكوفة ، أو غير علم كالغرفة والصفرة ، بخلاف زيادتى التثنية والجمع ؛ فإنهما قد لا يحذفان فى العلم كما يجىء ، وسواء كانت التاء فى مؤنث حقيقى أولا كعزّة وحمزة ، فى العلم كما يجىء ، وسواء كانت التاء فى مؤنث حقيقى أولا كعزّة وحمزة ، وسواء كانت بعد الألف فى جمع المؤنث نحو مسلمات ، أولا ،

وأما نحو أخت وبنت فان التاء تحذف فيه ، وإن لم تكن للتأنيث ، بدليل صرف أخت وبنت إذا سمى بهما (١) ، وذلك لما فى مثل هذه التاء من رائحة

__________________

هذا الاشكال بقوله فى هذا الباب فى شان ياء الوحدة كرومى : «ولقائل أن يقول : ياء الوحدة أيضا فى الأصل للنسبة ، لأن معنى زنجى شخص منسوب إلى هذه الجماعة بكونه واحدا منهم فهو غير خارج عن حقيقة النسبة ، إلا أنه طرأ عليه معنى الوحدة» وملخص هذا أنه ينظر أحيانا إلى الأصل فيعتبرها باء نسبة ، وينظر أحيانا أخرى إلى ما طرا من معنى الوحدة فينفى عنها ذلك ، وما قاله فى ياء الوحدة يجرى مثله تماما فى ياء المبالغة ، لكن ياء نحو الكرسى والبردى ، وهى المزيدة لا لغرض ، لا يجرى فيها مثل ذلك ، ولا عذر له فى تسميتها ياء نسبة إلا أن صورتها صورة ياء النسبة

(١) قال سيبويه فى الكتاب (ح ٢ ص ١٣): «وإن سميت رجلا ببنت أو أخت صرفته ؛ لأنك بنيت الاسم على هذه التاء وألحقتها ببناء الثلاثة كما ألحقوا سنبتة بالأربعة ، ولو كانت كالهاء لما سكنوا الحرف الذى قبلها ، فأنما هذه التاء فيها كتاء عفريت ، ولو كانت كألف التأنيث لم ينصرف فى النكرة ، وليست كالهاء لما ذكرت لك ، وإنما هذه زيادة فى الاسم بنى عليها وانصرف فى المعرفة ، ولو أن الهاء التى فى دجاجة كهذه التاء انصرف فى المعرفة» اه وكتب أبو سعيد السيرافى فى شرح كلامه هذا فقال : «التاء فى بنت وأخت منزلتها عند سيبويه منزلة التاء فى

٥

التأنيث (١)

وإنما حذفت تاء التأنيث حذرا من اجتماع التاءين : إحداهما قبل الياء ، والأخرى بعدها ، لو لم تحذف ، إذا كان المنسوب إلى ذى التاء مؤنثا بالتاء (٢) إذ كنت تقول : امرأة كوفتية ، ثم طرد حذفها فى المنسوب المذكر ، نحو رجل كوفى قبل : إنما حذفت لأن الياء قد تكون مثل التاء على ما ذكرنا ، فى إفادة الوحدة والمبالغة ، وفى كونها لا لمعنى ، فلو لم تحذف لكان كأنه اجتمع ياءان أو تاآن ، ويلزمهم على هذا التعليل أن لا يقولوا نحو كوفية وبصرية ، إذ هذا أيضا جمع بينهما.

__________________

سنتة وعفريت ، فهى فيهما زائدة للالحاق بجذع وقفل ، فاذا سمينا بواحدة منهما رجلا صرفناه لأنه بمنزلة مؤنث على ثلاثة أحرف ليس فيها علامة تأنيث كرجل سميناه بفهر وعين ، والتاء الزائدة التى للتأنيث هى التى يلزم ما قبلها الفتحة وبوقف عليها بالهاء كقولنا دجاجة وما أشبه ذلك» اه ملخصا. والمراد فى كلام سيبويه والسيرافى من التاء المزيدة للالحاق فى سنبتة التاء الأولى لا الثانية كما هو ظاهر

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ١ ص ٤٣): «ونريد بتاء التأنيث تاء زائدة فى آخر الاسم مفتوحا ما قبلها تنقلب هاء فى الوقف ، فنحو أخت وبنت ليس مؤنثا بالتاء ، بل التاء بدل من اللام ، لكنه اختص هذا الابدال بالمؤنث دون المذكر لمناسبة التاء للتأنيث ، فعلى هذا لو سميت ببنت وأخت وهنت مذكرا لصرفتها» اه. وقوله «لكنه اختص هذا الابدال بالمؤنث الخ» هو مراده بقوله هنا» لما فى مثل هذه التاء من رائحة التأنيث» ، يدلك على أن هذا مراده قوله فى هذا الباب كما يأتى قريبا : «فان أبدل من اللام فى الثلاثى التاء وذلك فى الأسماء المعدودة المذكورة فى باب التصغير نحو أخت وبنت وهنت وثنتان وكيت وذيت فعند سيبويه تحذف التاء وترد اللام ، وذلك لأن التاء وإن كانت بدلا من اللام الا أن فيها رائحة من التأنيث لاختصاصها بالمؤنث فى هذه الأسماء» اه

(٢) قيد المؤنث المنسوب إلى ذى التاء بكونه بالتاء فى جميع النسخ ، والصواب

٦

ويحذف الألف والتاء فى نحو مسلمات (١) لإفادتهما معا للتأنيث كإفادتهما للجمع ، فيلزم من إبقائهما اجتماع التاءين فى نحو عرفاتية ، ولا ينفصل إحدى الحرفين من الأخرى ثبوتا وزوالا ؛ لكونهما كعلامة واحدة ، تقول فى أذرعات وعانات : أذرعىّ (٢)

__________________

حذف هذا القيد ، لأن اجتماع التاءين لازم فى المنسوب إلى ذى التاء ولو كان المنسوب مؤنثا بغير تاء كزينب فانك كنت تقول فى نسبها الى البصرة : بصرتية

(١) ظاهر عبارة ابن الحاجب والرضى هنا أن جمعى التصحيح الباقيين على الجمعية إذا أريد النسبة إليهما حذفت منهما علامة الجمع : أى الألف والتاء فى جمع المؤنث والواو والنون والياء والنون فى جمع المذكر ، مع أن الذى يقتضيه كلام الرضى عند شرح قول ابن الحاجب : «والجمع يرد إلى الواحد» ويقتضيه تعليل النحويين رد الجمع إلى الواحد عند النسبة إليه : أن يرد جمعا التصحيح عند النسبة إليهما الى الواحد لا أن تحذف منهما علامة الجمع ، وفرق بين الرد إلى الواحد وحذف علامة الجمع فإن أرضين مثلا إذا نسبت إليه وهو باق على جمعيته قلت : أرضى بسكون الراء ـ وإذا نسبت إليه مسمى به حاكيا إعرابه الذى كان قبل التسمية به قلت : أرضى بفتح الراء وحذف علامة الجمع ، وكذلك تمرات فى جمع تمرة : إذا نسبت إليه جمعا قلت تمرى ـ باسكان الميم ـ أى : برده إلى واحده ، وإذا نسبت إليه مسمى به قلت : تمرى ـ بفتح الميم وحذف علامة الجمع : أى الألف والتاء ـ. وتحقيق المقام أنك إذا نسبت إلى المثنى والجمع مطلقا : أى سواء أكان جمع تصحيح أم جمع تكسير ، فان كانت غير مسمى بها ردت إلى واحدها ، وإن كانت مسمى بها ففى المثنى وجمع المذكر السالم التفصيل الذى ذكره الرضى هنا ، أما جمع المؤنث السالم فليس فيه إلا حذف علامة الجمع أى الألف والتاء للعلة التى ذكرها المحقق الرضى

(٢) أذرعات ـ بفتح فسكون فراء مكسورة ـ وقال ياقوت : «كأنه جمع أذرعة جمع ذراع جمع قلة ، وهو بلد فى أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان ينسب إليه الخمر ، وقال الحافظ أبو القاسم : أذرعات مدينة بالبلقاء ، وقال النحويون : بالتثنية والجمع تزول الخصوصية عن الأعلام فتنكر وتجرى مجرى النكرة من أسماء الأجناس فاذا أردت تعريفه عرفته بما تعرف به الأجناس ، وأما نحو أبانين وأذرعات وعرفات فتسميته ابتداء تثنية وجمع ، كما لو سميت رجلا بخليلان أو مساجد ، وإنما عرف مثل ذلك بغير حرف تعريف وجعلت أعلاما لأنها

٧

وعانىّ (١)

__________________

لا تفترق فنزلت منزلة شىء واحد فلم يقع إلباس ، واللغة الفصيحة فى عرفات الصرف ، ومنع الصرف لغة ، تقول : هذه عرفات وأذرعات (بالرفع منونا) ورأيت عرفات وأذرعات (بالكسر منونا) ومررت بعرفات وأذرعات (بالجر منونا) لأن فيه سببا واحدا ، وهذه التاء التى فيه للجمع لا للتأنيث ، لأنه اسم لمواضع مجتمعة فجعلت تلك المواضع اسما واحدا وكأن اسم كل واحد منهما عرفة وأذرعة ، وقيل : بل الاسم جمع والمسمى مفرد ، فلذلك لم يتنكر ، وقيل : إن التاء فيه لم تتمحض للتأنيث ولا للجمع ، فأشبهت التاء فى بنات وثبات ، وأما من منعها الصرف فانه يقول : إن التنوين فيها للمقابلة أى يقابل النون التى فى جمع المذكر السالم ، فعلى هذا غير منصرفة ... وينسب إلى أذرعات أذرعى» اه

وفى اللسان : «وقال سيبويه : أذرعات بالصرف وغير الصرف ، شبهوا التاء بهاء التأنيث ولم يحفلوا بالحاجز لأنه ساكن والساكن ليس بحاجز حصين ، إن سأل سائل فقال : ما تقول فى من قال هذه أذرعات ومسلمات وشبه تاء الجماعة بهاء الواحدة فلم ينون للتعريف والتأنيث فكيف يقول إذا نكر أينون أم لا ، فالجواب أن التنوين مع التنكير واجب هنا لا محالة لزوال التعريف فأقصى أحوال أذرعات إذا نكرتها فى من لم يصرف أن تكون كحمزة إذا نكرتها ، وكما تقول : هذا حمزة وحمزة آخر (بالتنوين) فتصرف النكرة لا غير فكذلك تقول : عندى مسلمات ونظرت إلى مسلمات أخرى (بالتنوين) فتنون مسلمات لا محالة ، وقال يعقوب أذرعات ويذرعات موضع بالشأم حكاه فى المبدل» اه

وفى القاموس : «وأذرعات بكسر الراء وتفتح : بلد بالشأم والنسبة أذرعى بالفتح» اه ومثل قوله : «والنسبة أذرعى بالفتح» فى اللسان عن ابن سيده ،

نقول : أما النسبة بفتح الراء إلى أذرعات (بفتح الراء) فواضحة ، فانها لا تعدو حذف تاء التأنيث ثم تحذف الألف لكونها خامسة كألف خوزلى ، مثلا ، وأما النسبة بفتح الراء إلى أذرعات بكسر الراء فانها بعد حذف علامة الجمع ، وهى الألف والتاء صار الاسم على أربعة أحرف ثالثها مكسور فلو بقى على حاله لاجتمع كسرتان بعدهما ياءان فخففوا ذلك بفتح الراء كما قالوا فى تغلب تغلبى بفتح اللام وأبو العباس محمد بن يزيد المبرد يطرد ذلك ويقيسه ، وغيره يقصره على السماع

(١) عانات : جمع عانة ، وعانة بلد مشهور بين الرقة وهيت يعد فى أعمال

٨

ويحذف أيضا كل ياء مشددة مزيدة فى الآخر (١) ، سواء كانت للنسب أو للوحدة أو للمبالغة أو لا لمعنى (٢) ؛ فتقول فى المنسوب إلى بصرى ورومى وأحمرى وكرسى : بصرىّ ورومى وأحمرى وكرسى ؛ كراهة لاجتماعهما

قوله : «وزيادة التثنية والجمع» أى : جمع السلامة ، زيادة التثنية الألف والنون أو الياء والنون ، فى نحو مسلمان ومسلمتان ومسلمين ومسلمتين ، وزيادة الجمع الواو والنون أو الياء والنون ، فى نحو مسلمون ومسلمين ، والألف والتاء فى نحو مسلمات.

__________________

الجزيرة ، وربما قالوا فى الشعر : عانات ، كأنهم جمعوها بما حولها. قال الشاعر [نسبه ابن برى إلى الأعشى]

تخيّرها أخو عانات شهرا

ورجّى خيرها عاما فعاما

وعانه أيضا : بلد بالأردن

(١) احترز المؤلف بالياء المشددة المزيدة عن ياء القاضى فان فيها خلافا سيأتى تفصيله ، وحاصله أن منهم من يرى حذفها ومنهم من يرى جواز حذفها وقلبها واوا ، وعن الياء المشددة المكونة من ياءين إحداهما أصل والأخرى زائدة كما فى اسم المفعول من الثلاثى الناقص اليائى نحو مكنى ومرمى ومبغى عليه ، فان هذه الياء المشددة لا يتحتم حذفها ، بل يجوز حذفها وهو الراجح ويجوز حذف الزائدة من الياءين وقلب الأصلية واوا ، فيقال : مكنى أو مكنوى ، ومرمى أو مرموى ومبغى أو مبغوى ، وسيأتى إتمام بحث ذلك

(٢) ياء الوحدة ياء تدخل على اسم الجنس الجمعى لتكون دالة على الواحد منه نحو روم ورومى ، وعرب وعربى وفرس وفرسى ، وعجم وعجمى ، وترك وتركى ، ونبط ونبطى ، وياء المبالغة ياء تلحق الآخر للدلالة على نسبة الشىء إلى نفسه ، فيكون المنسوب والمنسوب إليه شيئا واحدا كأحمر وأحمرى ، ودوار ودوارى ، ووجه المبالغة أنهم لما رأوا المنسوب كاملا فى معناه ولم يجدوا شيئا ينسبونه إليه أكمل منه فى معناه نسبوه إلى نفسه. وأما الياء الزائدة لا لمعنى فهى ياء بنى عليها الاسم وليس له معنى بدونها نحو كرسى

٩

أما حذف النون فواضح ؛ لدلالتها على تمام الكلمة ، وياء النسبة كجزء من أجزائها ، وأما حذف الألف والواو والياء المذكورة فلكونها إعرابا ولا يكون فى الوسط إعراب ، وأيضا لو لم تحذف لاجتمع العلامتان المتساويتان فى نحو مسلمانيان ومسلمونيون ، وعلامتا التثنية والجمع فى نحو مسلمونيان ومسلمانيون ، فيكون للكلمة إعرابان ، فان جعلت المثنى والمجموع بالواو والنون علمين فلا يخلو من أن تبقى الإعراب فى حال العلمية كما كان ، أولا (١) ؛ فان أبقيته وجب الحذف أيضا فى النسبة ؛ إذ المحذور باق ، ولهذا إذا سميت شخصا بعشرين أو مسلمين لم يجز أن تقول عشرونان وعشرونون ومسلمونان ومسلمونون ، وإن أعربتهما بالحركات وجعلت النون بعد الألف فى المثنى والنون بعد الياء فى الجمع معتقب الإعراب كما عرفت فى شرح الكافية لم يكن الألف والياء للإعراب ، ولم يفد النون تمام الكلمة ، بل كانت الكلمة كسكران وغسلين (٢) فيجب أن

__________________

(١) للعلماء فى إعراب المثنى وجمع المذكر السالم بعد التسمية بهما أقوال : أما المثنى فمنهم من يعربه بالحروف كما كان قبل التسمية ، ومنهم من يلزمه الألف والنون ويعربه إعراب ما لا ينصرف كحمدان ، ومنهم من يلزمه الألف والنون ويصرفه كسرحان. وأما جمع المذكر السالم فمنهم من يعربه بالحروف كما كان قبل العلمية ، ومنهم من يجريه مجرى غسلين : أى يلزمه الياء ويعربه بالحركات على النون ويصرفه ، ومنهم من يجريه مجرى هرون : أى يلزمه الواو والنون ويمنعه من الصرف للعلمية وشبه العجمة ، ومنهم من يجريه مجرى عربون ـ بضم العين وسكون الراء أو بفتحهما ـ أى : يلزمه الواو والنون ويصرفه ، ومنهم من يلزمه الواو مع فتح النون ويعربه بحركات مقدرة على الواو منع من ظهورها حكاية أصله حالة رفعه التى هى أشرف حالاته

(٢) الغسلين : ما يخرج من الثوب بالغسل ، ومثله الغسالة ، والغسلين فى القرآن العزيز : ما يسيل من جلود أهل النار من قيح وغيره ، وقال الليث : الغسلين : شديد الحر (يريد أنه وصف). وقيل : شجر فى النار

١٠

ينسب إليهما بلا حذف شىء ، نحو بحرانىّ وقنّسرينىّ (١) وأما إذا نسبت

__________________

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٣١) : «إذا أردت التسمية بشىء من الألفاظ : فان كان ذلك اللفظ مثنى أو مجموعا على حده كضاربان وضاربون ، أو جاريا مجراهما كائنان وعشرون ، أعرب فى الأكثر إعرابه قبل التسمية ، ويجوز أن تجعل النون فى كليهما معتقب الاعراب بشرط ألا يتجاوز حروف الكلمة سبعة ، لأن حروف قرعبلانة غاية عدد حروف الكلمة ، فلا تجعل النون فى مستعتبان ومستعتبون معتقب الاعراب ، فاذا أعربت النون ألزم المثنى الألف دون الياء ، لأنها أخف منها ، ولأنه ليس فى المفردات ما آخره باء ونون زائدتان وقبل الياء فتحة ، قال (ابن أحمر وقيل ابن مقبل)

* ألا يا ديار الحىّ بالسّبعان*

وألزم الجمع الياء دون الواو لكونها أخف منها وقد جاء البحرين فى المثنى على خلاف القياس ، يقال : هذه البحرين بضم النون ودخلت البحرين (بفتحها). قال الأزهرى : ومنهم من يقول البحران على القياس ، لكن النسبة إلى البحران الذى هو القياس أكثر ، فبحرانى أكثر من بحرينى وإن كان استعمال البحرين مجعولا نونه معتقب الأعراب أكثر من استعمال البحران كذلك ، وجاء فى الجمع الواو قليلا مع الياء ، قالوا : قنسرين وقنسرون ، ونصيبين ونصيبون ، ويبرين ويبرون ، لأن مثل زيتون فى كلامهم موجود ، وقال الزجاج نقلا عن المبرد : يجوز الواو قبل النون المجعول معتقب الأعراب قياسا ، قال : ولا أعلم أحدا سبقنا إلى هذا قال أبو على : لا شاهد له وهو بعيد عن القياس» اه

قال ياقوت : «البحرين : هكذا يتلفظ بها فى حال الرفع والنصب والجر ، ولم يسمع على لفظ المرفوع من أحد منهم إلا أن الزمخشرى قد حكى أنه بلفظ التثنية ، فيقولون : هذه البحران وانتهينا إلى البحرين ، ولم يبلغنى من جهة أخرى ... وهو اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان. قيل : هى قصبة هجر ، وقيل : هجر قصبة البحرين ، وقد عدها قوم من اليمن ، وجعلها آخرون قصبة برأسها» اه ، وقنسرين بكسر أوله وفتح ثانيه وتشديده ـ وقد كسره قوم ـ ثم

١١

إلى نحو سنين وكرين غير علمين (١) فإنه يجب رده إلى الواحد كما سيجىء

__________________

سين مهملة : مدينة من مدن الشام تقع على خط تسع وثلاثين درجة طولا وخمس وثلاثين درجة عرضا قرب حمص ، افتتحها أبو عبيدة بن الجراح سنة سبع عشرة من الهجرة. ونصيبين ـ بالفتح ثم الكسر ثم ياء علامة الجمع الصحيح : مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام ، وفيها وفى قراها بساتين كثيرة ، بينها وبين الموصل ستة أيام ، وعليها سور كانت الروم بنته ، ويبرين ـ بالفتح ثم السكون وكسر الراء وياء ثم نون ، ويقال فيه أبرين : اسم قرية كثيرة النخل والعيون العذبة بحذاء الأحساء من بنى سعد بالبحرين ، وقال الخارزنجى رمل أبرين ويبر بن بلد قيل هى فى بلاد العماليق (اليمامة). ويبرين أيضا : قرية من قرى حلب ثم من نواحى عزاز. قال أبو زياد الكلبى

أراك إلى كثبان يبرين صبّة

وهذا لعمرى لو قنعت كثيب

وإنّ الكثيب الفرد من أيمن الحمى

إلىّ وإن لم آته لحبيب

وقال جرير :

لمّا تذكّرت بالدّيرين أرّقنى

صوت الدّجاج وضرب بالنّواقيس

فقلت للرّكب إذ جدّ الرّحيل بنا

يا بعد يبرين من باب الفراديس

(١) سنين : جمع سنة ، وكرين : جمع كرة ، وهما ملحقان بجمع المذكر السالم فى الاعراب بالواو والنون أو الياء والنون لكونهما غير علمين ولا وصفين لمذكر عاقل ولكون بناء واحدهما لم يسلم فى الجمع ، إذ قد حذفت لامه وأكثر هذا النوع يغير بعض حركات واحده ، ومراد المؤلف من «نحو سنين وكرين» كل ثلاثى

١٢

من وجوب رد الجموع فى النسب إلى آحادها ، سواء جعلت النون معتقب الإعراب ، أو لا

قوله «جاء قنّسرىّ» يعنى فى المنسوب إلى ما لم يجعل نونه معتقب الإعراب «وقنسرينى» [يعنى] فى المنسوب إلى المجعول نونه معتقب الإعراب.

واعلم أن علامة النسبة ياء مشددة فى آخر الاسم المنسوب إليه يصير بسببها الاسم المركب منها ومن المنسوب إليه شيئا واحدا منسوبا إلى المجرد عنها فيدل على ذات غير معينة موصوفة بصفة معينة وهى النسبة إلى المجرد عنها فيكون كسائر الصفات : من اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، فإن كلا منها ذات غير معينة موصوفة بصفة معينة ، فيحتاج إلى موصوف يخصص تلك الذات ، إما هو أو متعلقه نحو : مررت برجل تميمى ، وبرجل مصرى حماره ، فيرفع فى الأول ضمير الموصوف وفى الثانى متعلقه ، مثل سائر الصفات المذكورة ، ولا يعمل فى المفعول به ، إذ هو بمعنى اللازم : أى منتسب أو منسوب ، ولعدم مشابهته للفعل لفظا لا يعمل إلا فى مخصّص تلك الذات المبهمة المدلول عليها إما ظاهرا كما فى «برجل مصرى حماره» أو مضمرا كما فى «برجل تميمى» ولا يعمل فى غيره إلا فى الظرف الذى يكفيه رائحة الفعل ، نحو «أنا قريشىّ أبدا» أو فى الحال (١) المشبه له ، كما

__________________

حذفت لامه وعوض عنها فى المفرد تاء التأنيث ولم يسمع له جمع تكسير على أحد أبنية جموع التكسير المعروفة ، وهذا النوع كما يعرب إعراب جمع المذكر السالم يعرب بالحركات الظاهرة على النون ، وقد ورد من ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعاء على أهل مكة «اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف» وغرض المؤلف مما ذكر دفع ما يتوهم من أن نحو سنين كالجمع والمثنى المسمى بهما إذا أعربا بالحركات فين أن هذا النوع يرد إلى واحده فى كل حال

(١) نريد أن نبين لك أولا : أن قول المؤلف المشبه له ليس للاحتراز وإنما هو صفة كاشفة الغرض منها التعليل لعمل المنسوب فى الحال كعمله فى الظرف الذى يكفيه رائحة الفعل ، وثانيا : أن وجه الشبه بين الحال والظرف من ناحية أن معناهما

١٣

مضى فى بابه ، قال عمران بن حطّان :

٤٤ ـ يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن

وإن لقيت معدّيّا فعدنانى (١)

__________________

واحد ، ألا ترى أن قولك جاء زيد راكبا مثل قولك جاء زيد وقت ركوبه ، ولهذا صح أن كل شىء دل على معنى الفعل يعمل فيهما فاسم الفاعل واسم المفعول وسائر الصفات وأسماء الأفعال والحروف المتشبهة للفعل ، كل ذلك يعمل فى الظرف والحال جميعا ، وثالثا : أنهما وإن تشابها فيما ذكرنا فان بينهما فرقا ، ألا ترى أن الحال لا يجوز أن تتقدم على عاملها المعنوى إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا على الصحيح والظرف يتقدم عليهما ، ومثال عمل المنسوب فى الحال أنت قرشى خطيبا وهو تميمى متفاخرا

(١) هذا البيت لعمران بن حطان السدوسى الخارجى وهو أحد المعدودين من رجالات الخوارج علما ومعرفة وحفظا وكان عبد الملك بن مروان قد أهدر دمه فطلبه عماله على الجهات فكان دائم النقلة وكان إذا نزل على قوم انتسب لهم نسبا قريبا من نسبهم ، والبيت من كلمة له يقولها لروح بن زنباع الجذامى وكان عمران قد نزل عليه ضيفا وستر عنه نفسه وانتسب له أزديا ، فلما انكشفت حاله ترك له رقعة مكتوبا فيها :

يا روح كم من أخى مثوى نزلت به

قد ظنّ ظنّك من لخم وغسّان

حتّى إذا خفته فارقت منزله

من بعد ما قيل عمران بن حطّان

قد كنت جارك حولا ما تروّعنى

فيه روائع من إنس ومن جان

حتّى أردت بى العظمى فأدركنى

ما أدرك النّاس من خوف ابن مروان

١٤

أما سائر الصفات المذكورة فلمشابهتها للفعل لفظا أيضا تتعدّى فى العمل إلى غير مخصّص تلك الذات المدلول عليها من الحال والظرف وغيرهما.

فان قيل : فاسم الزمان والمكان أيضا نحو المضرب والمقتل واسم الآلة يدلان على ذات غير معينة موصوفة بصفة معينة ؛ إذ معنى المضرب مكان أو زمان يضرب فيه ، ومعنى المضرب آلة يضرب بها ، فهلّا رفعا ما يخصص تينك الذاتين أو ضميره.

فيقال : صمت يوما معطشا : أى معطشا هو ، وصمت يوما معطشا نصفه ، وسرت فرسخا معسفا : (١) أى معسفا هو ، وسرت فرسخا معسفا نصفه.

فالجواب أن اقتضاء الصفة والمنسوب لمتبوع يخصّص الذات المبهمة التى يدلّان عليها وضعىّ بخلاف الآلة واسمى الزمان والمكان فانها وضعت على أن تدل على ذات مبهمة متصفة بوصف معين غير مخصصة بمتبوع ولا غيره ، فلما لم يكن لها مخصص لم تجر عليه ، ولم ترفعه ، ولم تنصب أيضا شيئا ، لأن النصب

__________________

فاعذر أخاك ابن زنباع فإنّ له

فى النّائبات خطوبا ذات ألوان

يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن

وإن لقيت معدّيّا فعدنانى

لو كنت مستغفرا يوما لطاغية

كنت المقدّم فى سرّى وإعلانى

لكن أبت لى آيات مطهّرة

عند الولاية فى طه وعمران

ولم يشرح البغدادى هذا البيت فى شرح شواهد الشافية وقد ذكر قصة عمران وأبياته فى شرح شواهد الكافية (ش ٣٩٧)

انظر خزانة الأدب (٢ : ٤٣٥ ـ ٤٤١) وكامل المبرد ح ٢ ص ١٠٨ وما بعدها)

(١) المعسف : اسم مكان من العسف ، وهو الأخذ فى غير الجادة ، وأصله السير على غير الطريق ، وبابه ضرب

١٥

فى الفعل الذى هو الأصل فى العمل بعد الرفع فكيف فى فروعه ، فمن ثم أوّلوا قوله :

٤٥ ـ كأنّ مجرّ الرّامسات ذيولبا

عليه قضيم نمّقته الصّوانع (١)

__________________

(١) هذا البيت للنابغة الذبيانى من قصيدة طويلة أولها

عفا ذو حسا من فرتنى فالفوارع

فجنبا أريك فالتّلاع الدّوافع

وقبل البيت المستشهد به قوله :

توهّمت آيات لها فعرفتها

لستّة أعوام وذا العام سابع

رماد ككحل العين ما إن تبينه

ونؤى كجذم الحوض أثلم خاشع

وذو حسا ، وفرتنى ، وأريك : مواضع. ويروى* عفا حسم من فرتنى* وهو موضع أيضا. وتوهمت : تفرست ، والآيات : العلامات ، واللام فى قوله «لستة أعوام» بمعنى بعد ، وما فى قوله «ما إن تبينه» نافية ، وإن بعدها زائدة ، وتبينه : تظهره ، والنؤى ـ بضم فسكون ـ : حفيرة تحفر حول الخباء لئلا يدخله المطر ، والجذم ـ بكسر فسكون ـ : الأصل ، والخاشع : اللاصق بالأرض ، والضمير فى عليه راجع إلى النؤى ، والرامسات : الرياح الشديدة الهبوب وهى مأخوذة من الرمس وهو الدفن ، ومنه سمى القبر رمسا ، لأنها إذا هبت أثارت الغبار فيدفن ما يقع عليه ، والمراد من ذيولها أواخرها التى تكون ضعيفة ، والقضيم ـ بفتح فكسر ـ : الجلد الأبيض ، ويقال : هو حصير خيوطه من سيور. ونمقته : حسنته. والصوانع : جمع صانعة وهى اسم فاعل من الصنع ، والاستشهاد بالبيت على أن مجر الرامسات مصدر ميمى بمعنى الجر ، وإضافته إلى الرامسات من إضافة المصدر لفاعله ، وذيولها مفعوله والكلام على تقدير مضاف ، وكأنه قد قال : كأن أثر جر الرامسات ذيولها ، فأما أن مجر

١٦

بقولهم : كان أثر مجر أو موضع ، على حذف المضاف ، وعلى أن مجر بمعنى جر مصدر.

وأما المصغر فموضوع لذات مخصوصة بصفة مخصوصة ؛ إذ معنى رجيل رجل صغير ، فليس هناك مخصص غير لفظ المصغر حتى يرفعه ،

هذا ، واعلم أن المنسوب إليه يلزمه بسبب ياء النسب تغييرات : بعضها عام فى جميع الأسماء ، وبعضها مختص ببعضها ؛ فالعام كسر ما قبلها ليناسب الياء ، والمختص : إما حذف الحرف ، كحذف تاء التأنيث وعلامتى التثنية والجمعين وياء فعيلة وفعيلة وفعيل وفعيل المعتلى اللام وواو فعولة ، وإما قلب الحرف كما فى رحوى وعصوى وعموى فى عم ، وإما رد الحرف المحذوف كما فى دموى ، وإما إبدال بعض الحركات ببعض كما فى نمرى وشقرى (١) ، وإما زيادة الحرف كما فى كمّى ولائى ، وإما زيادة الحركة كما فى طووى وحيوى ، وإما نقل بنية إلى أخرى كما تقول فى المساجد مسجدى ، وإما حذف كلمة كمرئى فى امرىء القيس ، هذا هو القياسى من التغييرات ، وأما الشاذ منها فسيجىء فى أماكنه.

قال : «ويفتح الثّانى من نحو نمر والدّئل بخلاف تغلبىّ على الأفصح»

__________________

مصدر فلما ذكره المؤلف من أن اسم المكان والزمان لا ينصبان المفعول ، لأنهما لا يرفعان وعمل النصب فرع عمل الرفع ، وأما تقدير المضاف فليصح المعنى ، لأنك لو لم تقدره لكنت قد شبهت الحدث وهو الجر بالذات وهو القضيم ، وإنما يشبه الحدث بالحدث أو الذات بالذات ، وهذا واضح بحمد الله إن شاء الله

(١) شقرى ـ بفتح الشين والقاف جميعا ـ : منسوب إلى شقرة ـ بفتح فكسر ـ وهى شقائق النعمان ، وشقائق النعمان : نبات له نور أحمر ، يقال : أضيفت إلى النعمان بن المنذر لأنه حماها ، وقيل : إنها أضيفت إلى النعمان بمعنى الدم لأنها تشبهه فى اللون ، وهو الأظهر عندنا

١٧

أقول : أعلم أن المنسوب إليه إذا كان على ثلاثة أحرف أوسطها مكسور وجب فتحه فى النسب ، وذلك ثلاثة أمثلة : نمر ، ودئل ، وإبل ، تقول : نمرى ودؤلى وإبلى ، وذلك لأنك لو لم تفتحه لصار جميع حروف الكلمة المبنية على الخفة : أى الثلاثيّة المجردة من الزوائد ، أو أكثرها ، على غاية من الثقل ؛ بتتابع الأمثال : من الياء ، والكسرة ، إذ فى نحو إبلى لم يخلص منها حرف ، وفى نحو يمرى ودئلىّ وخربى (١) لم يخلص منها إلا أول الحروف ، وأما نحو عضدى وعنقى فإنه وإن استولت الثقلاء أيضا على البنية المطلوبة منها الخفة إلا أن تغاير الثقلاء هون الأمر ، لأن الطبع لا ينفر من توالى المختلفات وإن كانت كلها مكروهة كما ينفر من توالى المتمائلات المكروهة ، إذ مجرد التوالى مكروه حتى فى غير المكروهات أيضا ، وكل كثير عدو للطبيعة.

وأما إذا لم يكن وضع الكلمة على أخف الأبنيه بأن تكون زائدة على الثلاثة فلا يستنكر تتالى الثقلاء الأمثال فيها ، إذ لم تكن فى أصل الوضع مبنية على الخفة ، فمن ثمّ تقول تغلبى ومغربى وجندلىّ (٢) وعلبطى (٣) ومستخرجى ومدحرجى وجحمرشى.

__________________

(١) خربى : منسوب إلى خربة ـ كنبقة ـ وهى موضع الخراب الذى هو ضد العمران ، أو هو منسوب إلى خرب بزنة كتف ـ وهو جل قرب تعار (جبل ببلاد قيس) ، وأرض بين هيت (بلد بالعراق) والشام ، وموضع بين فيد (قلعة بطريق مكة) والمدينة

(٢) جندلى : منسوب إلى جندل وهو المكان الغليظ الذى فيه الحجارة ، قال ابن سيده : «وحكاه كراع بضم الجيم. قال : ولا أحقه» اه

(٣) العلبط والعلابط : القطيع من الغنم ، ويقال : رجل علبط ، وعلابط ، إذا كان ضخما عظيما ، وصدر علبط ، إذا كان غليظا عريضا ، ولبن علبط ، إذا كان رائبا خاثرا جدا ، وكل ذلك محذوف من فعالل وليس بأصل ، لأنه لا تتوالى أربع حركات

١٨

هذا عند الخليل ، فتغلبى بالفتح عنده شاذ لا يقاس عليه ،

واستثنى المبرد من جملة الزائد على الثلاثة ما كان على أربعة ساكن الثانى نحو تغلبى ويثربى فأجاز الفتح فيما قبل حرفه الأخير مع الكسر ، قياسا مطردا ، وذلك لأن الثانى ساكن والساكن كالميت المعدوم ؛ فلحق بالثلاثى.

والقول ما قاله الخليل ، إذ لم يسمع الفتح إلا فى تغلبي (١).

ومن كسر الفاء إتباعا للعين الحلقى المكسور فى نحو الصّعق قال فى المنسوب صعقى ـ بكسر الصاد وفتح العين ـ قال سيبويه : سمعناهم (٢) يقولون صعقى ـ بكسر الصاد والعين ـ وهو شاذ ، ولعل ذلك ليبقى سبب كسر الصاد بحاله أعنى كسر العين.

__________________

(١) دعوى المؤلف أنه لم يسمع الفتح إلا فى تغلبى غير صحيحة فقد قال صاحب اللسان : «النسب إلى يثرب يثربى ويثربى ، وأثربى وأثربى (بفتح الراء وكسرها فيهما). فتحوا الراء استثقالا لتوالى الكسرات» ، اه وفى حواشى ابن جماعة على الجار بردى : أنهم نسبوا إلى المشرق والمغرب بالفتح والكسر ،

(٢) الصعق ـ بفتح الصاد وكسر العين ـ وبعضهم يقوله بكسرتين ، فيتبع الفاء للعين ، وهو صفة مشبهة ، ومعناه المغشى عليه ، والفعل صعق كسمع صعقا ـ بفتح فسكون أو بفتحين ـ وقد لقب بالصعق خويلد بن نفيل. قال فى القاموس : «ويقال فيه الصعق كابل والنسبة صعقى محركة ، وصعقى كعنبى على غير قياس ، لقب به لأن تميما أصابوا رأسه بضربة فكان إذا سمع صوتا صعق ، أو لأنه اتخذ طعاما فكفأت الريح قدوره فلعنها فأرسل الله عليه صاعقة» اه وقال سيبويه (٢ : ٧٣) «وقد سمعنا بعضهم يقول فى الصعق : صعقى (بكسر الصاد والعين) يدعه على حاله وكسر الصاد لأنه يقول صعق (بكسرتين) والوجه الجيد فيه صعقى (بفتحتين) وصعقى (بكسر ففتح) جيد» اه

وملخص هذا أن من يقول صعقا كابل ينسب إليه على لفظه وقياسه فتح العين مع بقاء كسر الصاد ، وأن خيرا من ذلك أن يقال فى المنسوب إليه صعق ـ بفتح وكسر ـ وينسب إليه صعقى ـ بفتحتين ـ

١٩

قال : «وتحذف الواو والياء من فعولة وفعيلة بشرط صحة العين ونفى التّضعيف كحنفىّ وشنئىّ ، ومن فعيلة غير مضاعف كجهنىّ بخلاف طويلىّ وشديدىّ ؛ وسليقىّ وسليمىّ فى الأزد ، وعميرىّ فى كلب ؛ شاذ ، وعبدىّ وجذمىّ فى بنى عبيدة وجذيمة أشذ ، وخريبىّ شاذّ ، وثقفىّ وقرشىّ وفقمىّ فى كنانة ، وملحىّ فى خزاعة ؛ شاذّ

وتحذف الياء من المعتلّ اللّام من المذكّر والمؤنّث ، وتقلب الياء الأخيرة واوا كغنوىّ وقصوىّ وأموىّ ، وجاء أمّىّ بخلاف غنوىّ ، وأموىّ شاذّ ، وأجرى تحوىّ فى تحيّة مجرى غنوىّ ، وأمّا فى نحو عدوّ فعدوّيّ اتّفاقا ، وفى نحو عدوّة قال المبرّد مثله وقال سيبويه عدوىّ»

أقول : اعلم أن سبب هذا التغيير فريب من سبب الأول ، وذلك أن فعيلا وفعيلا قريبان من البناء الثلاثى ، ويستولى الكسر مع الياء على أكثر حروفها لو قلت فعيلى وفعيلى ، وهو فى الثانى أقل ، وأما إذا زادت الكلمة على هذه البنية مع الاستيلاء المذكور نحو إزميلىّ (١) وسكّيتىّ وسكّيتىّ (٢) بتشديد الكاف فيهما

__________________

(١) إزميلى منسوب إلى إزميل ـ بكسر أوله وثالثه وسكون ثانيه ـ وهو شفرة الحذاء ، والحديدة فى طرف الرمح لصيد البقر ، والمطرقة ، والازميل من الرجال الشديد والضعيف ، فهو من الأضداد

(٢) سكيتى بكسر أوله وتشديد ثانيه وآخره ياء مشددة ـ : منسوب إلى سكيت ، وهو كثير السكوت ، وسكيتى ـ بضم أوله وتشديد ثانيه وآخره ياء مشددة ـ : منسوب إلى سكيت ، وهو الذى يجىء فى آخر الحلبة آخر الخيل

٢٠