شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

الكشكشة (١) إذ لا فرق بينهما فيلزم كون الشين من حروف الزيادة ، وليس منها بالاتفاق

قال : «وأمّا اللّام فقليلة كزيدل وعبدل ، حتّى قال بعضهم فى فيشلة : فيعلة ، مع فيشة ، وفى هيقل مع هيق ، وفى طيسل مع طيس للكثير ، وفى فحجل ـ كجعفر ـ مع أفحج»

أقول : اعلم أن الجرمى أنكر كون اللام من حروف الزيادة ، ولا يرد عليه لام البعد فى نحو ذلك وهنالك ؛ لكونه حرف معنى كالتنوين ، فذهب إلى أن فيشلة (٢) وهيقلا وطيسلا فيعل ، والهيقل : الذكر من النعام ، ومثله الهيقم ، والهيق والهقل : الفتىّ من النعام ، والأنثى هقلة ، وقال : إنه قد يكون لفظان بمعنى يظن بهما أنهما متلاقيان اشتقاقا للتقارب فى اللفظ ويكون كل واحد من

__________________

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ٣٨١): «وأما سين الكسكة ـ وهى فى لغة بكر بن وائل ـ فهى السين التى تلحقها بكاف المؤنث فى الوقف ؛ إذ لو لم تلحقها لسكنت الكاف فتلتبس بكاف المذكر ، وجعلوا ترك السين فى الوقف علامة للمذكر ، فيقولون : أكرمنكس ، فأذا وصلوا لم يأتوا بها ، لأن حركة الكاف إذن كافية فى الفصل بين الكافين ، وقوم من العرب يلحقون كاف المؤنث الشين فى الوقف فأذا وصلوا حذفوا ، وغرضهم ما مر فى إلحاق السين» اه ، وقد نسب صاحب القاموس الكسكة لتميم لا لبكر ، فقال : «والكسكة لتميم لا لبكر : إلحاقهم بكاف المؤنث سينا عند الوقف ، يقال : اكرمتكس وبكس» اه وقد نسب فى القاموس الكشكشة لبنى أسد أو ربيعة ، وعرفها بأوسع مما عرف المؤلف ، فقال : «والكشكشة الهرب ، وكشيش الأفعى ، وقد كشكشت ، وفى بنى اسد أو ربيعة إبدال الشين من كاف الخطاب للمؤنث ، كعليش فى عليك ، أو زيادة شين بعد الكاف المجرورة ، تقول : عليكش ولا تقول : عليكش بالنصب ، وقد حكى كذا كش بالنصب» اه

(٢) الفيش ، والفيشلة : رأس الذكر ، قال فى اللسان : «وقال بعضهم : لامها زائدة كزيادتها فى زيدل وعبدل وأولى لك ، وقد يمكن أن تكون «فيشلة» من غير لفظ «فيشة» فتكون الياء فى «فيشلة»

٣٨١

تركيب آخر ، كما فى ثرّة وثرثار ، ودمث ودمثر (١) ، كما يجىء ، وكذا يقول فى فحجل : إنه فعلل كجعفر ، وهو بمعنى الأفحج : أى الذى يتدانى صدرا قدميه ويتباعد عقباهما ، والطيسل والطيس : الكثير من كل شىء ، وكل ذلك تكلف منه ، والظاهر زيادة اللام فى جميع ذلك ؛ فإن زيادتها ثابتة مع قلتها ، كما فى زيدل وعبدل ، بمعنى زيد وعبد ، وليس كذا نحو دمث ودمثر ؛ إذ زيادة الراء لم تثبت فألجئنا إلى الحكم بأصالتها

قال : «وأمّا الهاء فكان المبرّد لا يعدّها ولا يلزمه نحو اخشه فإنّها حرف معنى كالتّنوين وباء الجرّ ولامه وإنّما يلزمه [نحو] أمّهات ونحو * أمّهتى خندف والياس أبى (٢) * وأمّ فعل بدليل الأمومة ، وأجيب بجواز

__________________

زائدة ، ويكون وزنها فيعلة ، لأن زيادة الياء ثانية أكثر من زيادة اللام ، وتكون الياء فى فيشة عينا فيكون اللفظان مفترنين والأصلان مختلفين ، ونظير هذا قولهم : رجل ضياط (بفتح أوله وتشديد ثانيه) وضيطار (بفتح أوله)» اه كلامه. والضياط : المتمايل فى مشيته ، وقيل الضخم الجنبين العظيم الاست ، والضيطار بمعناه ، ووزن ضياط فعال ، من ضاط الرجل يضيط ضيطا ، والضيطار فيعال من ضطر ، فالأصلان مختلفان والمعنى واحد

(١) انظر (ص ٣٥٠ من هذا الجزء)

(٢) البيت من مشطور الرجز ، وهو لقصى بن كلاب جد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقبله :

إنّى لدى الحرب رخىّ اللّبب

عند تناديهم بهال وهب

* معتزم الصّولة عالى النّسب*

والرخى : المرتخى. واللبب : ما يشد على ظهر الدابة ليمنع السرج والرحل من التأخر ، وارتخاء اللبب إنما يكون من كثرة جرى الدابة ، وهو كناية عن كثرة مبارزته للأقران. وهال : اسم فعل تزجر به الخيل. وهب : اسم فعل تدعى به الخيل ، والصولة : من قولهم : صال الفحل صولة ؛ إذا وثب على الابل يقاتلها ،

٣٨٢

أصالتها ، بدليل تأمّهت ، فتكون أمّهة فعّلة كأبّهة ثمّ حذفت الهاء ، أو هما أصلان كدمث ودمثر وثرّة وثرثار ولؤلؤ ولأّل ويلزمه نحو أهراق إهراقة ، وأبو الحسن يقول : هجرع للطّويل من الجرع للمكان السّهل وهبلع للأكول من البلع ، وخولف ، وقال الخليل : الهركولة للضّخمة هفعولة ؛ لأنّها تركل فى مشيها ، وخولف»

أقول : «والياس أبى» يريد «إلياس» فوصل الهمزة المقطوعة ضرورة ، قالوا : الأغلب استعمال الأمّات فى البهائم والأمهات فى الإنسان ، وقد يجىء العكس ؛ قال :

١٢٤ ـ إذا الأمّهات قبحن الوجوه

فرجت الظّلام بأمّاتكا (١)

وقال :

١٢٥ ـ قوّال معروف وفعّاله

عقّار مثنى أمّهات الرّباع (٢)

__________________

وخندف ـ بكسر الخاء المعجمة والدال بينهما نون ساكنة ـ ام مدركة بن إلياس بن مضر ؛ فهى جدة قصى ، وكذا إلياس بن مضر جده ؛ فيكون قد نزل الجدة منزلة الأم ونزل الجد منزلة الأب فسماهما أما وأبا والاستشهاد بالبيت فى قوله «أمهتى» حيث زاد الهاء على أم التى هى بوزن فعل بدليل الأمومة

(١) البيت لمروان بن الحكم ، و «قبحن الوجوه» بمعنى أخزينها وأدللنها ، من قولهم : قبحه يقبحه ـ بفتح العين فى الماضى والمضارع ـ إذا أخزاه. و «فرجت الظلام» بمعنى كشفته ، لغة فى فرجه تفريجا : يعنى كشفه ؛ يريد أن أمهات المخاطب نقيات الأعراض لم يتدنس عرضهن بالفجور إذا ما تدنس عرض أمهات الناس بالفجور فأخزين أولادهن بذلك. والاستشهاد بالبيت فى قوله «أماتكا» حيث استعمل الأمات فى الانسان ، على خلاف الغالب ؛ إذ الغالب استعمال الأمهات فى الانسان والأمات فى البهائم

(٢) البيت من قصيدة للسفاح بن بكير اليربوعى رثى بها يحيى بن ميسرة صاحب مصعب بن الزبير ، وقبله :

يا سيّدا ما أنت من سيّد

موطّإ البيت رحيب الذّراع

٣٨٣

حكى صاحب كتاب العين «تأمّهت فلانة» : أى اتخذتها أمّا ، والمشهور : تأمّمتها بالميم ، أشار المصنف بقوله «أجيب بجواز أصالتها» إلى أن أصل الأم يجوز أن يكون أمّهة فحذف الهاء التى هى لام وقدر تاء التأنيث ، كما فى قدر ونار ، ولا يتمشى مثل هذا العذر فى لفظ الأمومة ، إذ هو فعولة بلا خلاف ، ولا يجوز أن يكون فعوعة ؛ بحذف الهاء التى هى لام ، والأصل أمومهة ؛ إذ فعوعلة غير موجود ؛ فهذا الجواب منه غير تام ؛ بلى قوله «أو هما أصلان» جواب آخر أقرب من الأول مع بعده ؛ لأن نحو دمث ودمثر ولؤلؤ ولاءّل من الشاذ النادر ، والمتنازع فيه لا يحمل على الشاذ ؛ فالأولى القول بزيادة الهاء فى الأمهة والأمهات ، والدّمث والدّمثر : المكان اللين ذو الرمل وعين ثرّة وثرثارة : أى كثيرة الماء ، وعند الكوفيين الثاء الثانية فى «ثرثارة» زيادة ، كما قلنا فى زلزل وصرصر ودمدم ؛ فثرة وثرثارة على قولهم من أصل واحد

قوله «ويلزمه نحو أهراق» ليس هاهنا شىء آخر حتى يقول المصنف نحو أهراق

اعلم أن اللغة المشهورة أراق يريق ، وفيها لغتان أخريان : هراق بإبدال الهمزة هاء ، يهريق ـ بابقاء الهاء مفتوحة ؛ لأن الأصل يؤريق : حذفت الهمزة لاجتماع الهمزتين فى الحكاية عن النفس ؛ فلما أبدلت الهمزة هاء لم يجتمع الهمزتان ؛ فقلت : يهريق مهريق مهراق ، والمصدر هراقة ؛ هرق ، لا تهرق ،

__________________

وقوله «موطأ البيت» ـ وما بعده ، صفات لسيد ؛ فهى مجرورة وقوله «عقار» مبالغة فى عاقر ، من العقر ، وهو ضرب قوائم الابل بالسيف ، والرباع ـ بكسر الراء ـ : جمع ربع ـ بضم ففتح ـ وهو ما يولد من الابل فى الربيع ، يريد أن المرثى لا يقول إلا فعل ، ولا يعد إلا وفى ، وأنه كريم ينحر أطايب الابل واحدة بعد أخرى. والاستشهاد بالبيت فى قوله «أمهات» حيث استعمله فى البهائم على خلاف الغالب فى الاستعمال

٣٨٤

الهاء فى كلها متحركة ، وقد جاء أهراق ـ بالهمزة ثم بالهاء الساكنة ـ وكذا يهريق إهراقة ، مهريق ، مهراق ، أهرق ، لا تهرق ـ بسكون الهاء فى كلها ـ قال سيبويه : الهاء الساكنة عوض من تحريك العين الذى فاتها كما قلنا فى أسطاع ، وللمبرد أن يقول : بل هذه الهاء الساكنة هى التى كانت بدلا من الهمزة ، ولما تغير صورة الهمزة ـ واللغة من باب أفعل ، وهذا الباب يلزم أوله الهمزة ـ استنكروا خلو أوله من الهمزة ؛ فأدخلوها ذهولا عن كون الهاء بدلا من الهمزة ، ثم لما تقرر عندهم أن ما بعد همزة الإفعال ساكن لا غير أسكنوا الهاء فصار أهراق ، وتوهّمات العرب غير عزيزة ، كما قالوا فى مصيبة : مصائب ـ بالهمزة ـ وفى مسيل : مسلان (١)

الجرع ـ بفتح الراء ـ : المكان السهل المنقاد ، وهو يناسب معنى الطول ، ولا شك أن هذا اشتقاق خفى ، وهبلع للاكول من البلع أظهر اشتقاقا ، وكذا سلهب بمعنى السّلب ، وهما بمعنى الطويل

والهركولة : الضخمة الأوراك ، وجاء فى الهركولة الهرّكلة ـ بكسر الهاء وضمها ، وتشديد الراء ، بسكون الكاف ـ والضخامة تناسب الركل لأنها لضخامتها لا تقدر أن تمشى مشيا خفيفا ؛ بل تركل الأرض برجلها

وأكثر الناس على ما قال ابن جنى ، وهو أن الهجرع والهبلع فعلل ، وهركولة فعلولة ؛ لقلة زيادة الهاء

__________________

(١) يريد أن مصيبة «مفعلة» وأصلها مصوبة ، من صاب يصوب ؛ إذا نزل نقلت كسرة الواو إلى الصاد الساكنة قبلها فقلبت الواو ياء ، والقياس فى جمعها أن يقال : مصاوب بتصحيح العين ، إلا أنهم توهموا زيادتها فى المفرد فقالوا فى الجمع : مصائب بالهمزة ومسيل أصله مسيل على مفعل من سال يسيل ، فنقلوا كسرة الياء إلى السين الساكنة قبلها ، توهموا فيه أنه على فعيل ـ كقفيز ـ فجمعوه على مسلان كقفزان ، والقياس أن يقال فى جمعه : مسايل ؛ لأن مفعلا لا يجمع على فعلان قياسا

٣٨٥

قال : «فإن تعدّد الغالب مع ثلاثة أصول حكم بالزّيادة فيها أو فيهما كحبنطى ؛ فإن تعيّن أحدهما رجّح بخروجها كميم مريم ومدين وهمزة أيدع ، وياء تيّحان ، وتاء عزويت ، وطاء قطوطى ولام اذلولي ، دون ألفهما لوجود فعوعل وافعوعل ، وعدم افعؤلى وافعولى ، وواو حولايا دون يائها ، وأوّل يهيرّ والتّضعيف دون الثّانية ، وهمزة أرونان دون واوها وإن لم يأت إلّا أنبجان ، فإن خرجتا رجّح بأكثرهما كالتّضعيف فى تئفّان ، والواو فى كوألل ، ونون حنطأو وواوها ، فإن لم تخرج فيهما رجّح بالإظهار الشّاذّ ، وقيل : بشبهة الاشتقاق ، ومن ثمّ اختلف فى يأجج ومأجج ، ونحو محبب علما يقوّى الضّعيف ، وأجيب بوضوح اشتقاقه ، فإن ثبتت فيهما فبالإظهار اتّفاقا ، كدال مهدد ، فإن لم يكن إظهار فبشبهة الاشتقاق كميم موظب ومعلى ، وفى تقديم أغلبهما عليها نظر ، ولذلك قيل رمّان فعّال ؛ لغلبتها فى نحوه ، فإن ثبتت فيهما رجّح بأغلب الوزنين ، وقيل : بأقيسهما ، ومن ثمّ اختلف فى مورق دون حومان ، فإن ندرا احتملهما كأرجوان ، فإن فقدت شبهة الاشتقاق فيهما فبالأغلب كهمزة أفعى ، وأوتكان ، وميم إمّعة ، فإن ندرا احتملهما كاسطوانة إن ثبتت أفعوالة ، وإلا ففعلوانة ، لا أفعلانة ، لمجىء أساطين»

أقول : اعلم أن الحرف الغالب زيادته إذا تعدد مع عدم الاشتقاق : فإما أن يمكن الحكم بزيادة الجميع ، وذلك أن يبقى دونها ثلاثة أصول فصاعدا ، أولا يمكن ؛ فإن أمكن حكم بزيادة الجميع. اثنين كانا كحبنطى ، أو أكثر كقيقبان ، وهو شجر ، وإن لم يمكن الحكم بزيادة الجميع لبقاء الكلمة بعدها على أقل من ثلاثة ، فإما أن لا يخرج وزن الكلمة عن الأوزان المشهورة بتقدير زيادة شىء من تلك الغوالب ، أو يخرج عنها بتقدير زيادة كل واحد منها ، أو

٣٨٦

يخرج بزيادة بعض دون الآخر ، فإن لم يخرج بتقدير زيادة منها : فإما أن يكون فى الكلمة إظهار شاذ بتقدير زيادة بعضها ، أو لا يكون ، فإن كان فإما أن يعارضه شبهة الاشتقاق أولا ، وأعنى بالمعارضة أن الاجتناب عن الإظهار الشاذّ يقتضى زيادة أحدهما ، وشبهة الاشتقاق تقتضى زيادة الآخر ، كما فى يأجج ومأجج ، فإن التجنب عن الإظهار الشاذ يقتضى أن يكون فعللا ؛ فيكون التضعيف للإلحاق ، فيكون الإظهار قياسا كما فى قردد ، ولو كانا يفعل ومفعلا وجب الإدغام ؛ لأن هذين الوزنين لا يكونان للإلحاق ؛ لما ذكرنا أن الميم والياء مطرد زيادتهما فى أول الكلام لمعنى ، وما اطرد زيادته لمعنى لم يكن للالحاق ، وشبهة الاشتقاق تقتضى أن يكونا يفعل ومفعلا ، لأن يأج ومأج مهملان فى تراكيب كلام العرب ، بخلاف أجج (١)

فنقول : إن عارضت الإظهار الشاذّ شبهة الاشتقاق كما فى المثال المذكور قيل : إن الترجيح للاظهار الشاذ ، فنحكم بأن يأجج فعلل حتى لا يكون الإظهار شاذا ، وقيل : الترجيح لشبهة الاشتقاق ، فنحكم بأنه يفعل ، وهو الأقوى عندى ؛ لأن إثبات تركيب مرفوض فى كلام العرب أصعب من إثبات إظهار شاذ ؛ إذ الشاذ كثير ، ولا سيما فى الأعلام ؛ فان مخالفة القياس فيها غير عزيزة ، كمورق ومحبب وحيوة ، وإن لم تعارضه شبهة الاشتقاق ـ وذلك بأن تكون الشبهة فيهما معا كمهدد ، فإن مهدا وهدّا مستعملان. أو لا تكون فى شىء منهما ، أو تكون [وتكون] حاكمة بزيادة عين ما يحكم بزيادته الإظهار الشاذّ لو اتفق هذان التقديران فى كلامهم ـ حكم بالإظهار الشاذ اتفاقا ، وإن لم يكن فى الكلمة

__________________

(١) يقال : أج فى سيره يئج ويؤج أحا وأجيجا إذا أسرع ، ويقال : أجت النار تئج وتؤج أجيجا ؛ إذا احتدمت وسمع صوت لهيبها ، ويقال للماء الملح الشديد الملوحة : أجاج ـ كدخان ؛ فهذا كله يشهد لما قال المؤلف من استعمال «أ ج ج»

٣٨٧

إظهار شاذ : فإما أن تثبت فى أحد الوزنين شبهة الاشتقاق دون الآخر ، أو فيهما معا ، أو لا تثبت فى شىء منهما ؛ فإن ثبتت فى أحدهما ، فإما أن يعارضها أغلب الوزنين أولا ، فإن عارضها بمعنى أن أغلبهما يقتضى زيادة أحدهما وشبهة الاشتقاق تقتضى زيادة الآخر ؛ فالأولى الحكم بالشبهة ، لأن ارتكاب إثبات تركيب مهمل أصعب ، وقيل : الأولى الحكم بأغلب الوزنين ، وذلك كما فى رمّان ، قال الأخفش : هو فعّال ، وإن كان تركيب (ر م ن) مهملا (١) ، لأن فعّالا أكثر من فعلان ، وإن لم يعارضها ـ وذلك بتساوى الوزنين إن اتفق ذلك ، أو بكون الأغلبيّة مساعدة للشبهة فى الحكم بزيادة حرف كموظب ومعلى فإن مفعلا أكثر من فوعل وفعلى وبجعلهما فوعلا وفعلى يلزم إثبات تركيب مهمل ـ حكم بشبهة الاشتقاق اتفاقا ، فإن ثبتت شبهة الاشتقاق فيهما : فإما أن يكون أحدهما أغلب الوزنين ، أولا ، فان تساويا احتملهما ، كأرجوان (٢) ، فإن أفعلان فى القلة كأسحوان وأقحوان (٣) مثل فعلوان كعنفوان (٤) وعنظوان (٥) ، وإن كان أحدهما أغلب فإما أن يعارضه أقيس الوزنين ، أولا ، فان عارضه اختلف كما فى مورق ، وترجيح الأغلب أولى ، وخاصة فى الأعلام ؛ لأن خلاف الأقيسة

__________________

(١) هذا الذى ذكره المؤلف من أن تركيب (ر م ن) مهمل هو الموافق لما فى كتب اللغة ، لكن نقل الجار بردى عن ابن الحاجب فى شرح المفصل أنه يحتمل أن يكون رمان من «رم م» أو من «رمن» بمعنى أقام ، وعلى ذلك فلا تعارض بين الغلبة وشبهة الاشتقاق فى رمان

(٢) الأرجوان : الأحمر الشديد الحمرة ، وقال الزجاج : الأرجوان صبغ أحمر شديد الحمرة

(٣) انظر (ص ٣٤٢ من هذا الجزء)

(٤) انظر (ص ٢٥١ من الجزء الأول)

(٥) العنظوان ـ بضم أوله ، والعنظيان ـ بكسر أوله ـ : الفاحش من الرجال ، والأنثى عنظوانة وعنظيانة

٣٨٨

فيها كثير ، وإن لم يعارضه رجّح بأغلبهما ، كما فى حومان ، فان فعلان أكثر من فوعال ، كتوراب (١) ؛ فإن فقدت شبهة الاشتقاق فيهما ، فان كان أحدهما أغلب الوزنين رجح به ، كميم إمّعة ، فان فعّلة ، كدنّبة وقنّية (٢) أكثر من إفعلة كإوزّة ، وإن تساويا فى القلة احتملهما ، كأسطوانة (٣)

وإن خرجت عن الأوزان بتقدير زيادة كل واحد منهما ، ولا يكون إذن فى الكلمة إظهار شاذ بأحد التقديرين ؛ لأنه إنما يكون ذلك فى الأغلب إذا كان شاذا بأحدهما قياسيا بالآخر لكونه ملحقا بوزن ثابت ، وفرضنا أنه خارج عن الأوزان على كل تقدير ؛ بلى قد جاءنا الإظهار شاذا فى كليهما ، فى بعض ذلك : روى الرواة يأجج ـ بكسر الجيم ـ فيكون الإظهار فى فعلل شاذا أيضا ، كما هو شاذ فى يفعل ؛ إذ لم يجىء مثل جعفر ـ بكسر الفاء ـ حتى يكون يأجج ملحقا به.

وقال سيبويه : نحو قعدد ودخلل ـ بفتح لامهما الأولى ـ ملحق بجندب ، وإن كان جندب عنده فنعلا ؛ لأنه جعل النون كالأصل كما يجىء فى المضاعف لقلة زيادته بين الفاء والعين.

فإذا خرجت الكلمة عن الأوزان بتقدير زيادة كل واحد من الغوالب ـ ولم يكن فى الكلمة إظهار شاذ ـ نظر : فإن ثبتت فى أحدهما شبهة الاشتقاق دون الآخر رجح بها ، كتئفّان ؛ لأن الأفف (٤) مستعمل دون تأف ، وإن

__________________

(١) التوراب ، والتيراب ، والتورب ، والتيرب : التراب

(٢) الدنبة ، والدنابة ، والدنب : القصير ، والقنبة : واحدة القنب ، وهو العبد الآبق ، وضرب من الكتان

(٣) الاسطوانة : السارية ، وقوائم الدابة ، وهو فارسى معرب استون

(٤) الأفف : القلة ، ومثله الأف ـ بضم الهمزة ، والأف أيضا : الوسخ الذى حول الظفر ، وقيل : هو وسخ الأذن

٣٨٩

لم تثبت فى شىء منهما كما فى كوألل ، أو ثبتت فيهما إن اتفق ذلك كالسّير (١) ـ بكسر السين ـ مثلا ، فإن كانت إحدى الزيادتين أغلب رجح بها ، كحولايا ، فإنّ فوعالا وفعلايا خارجان عن الأوزان المشهورة ، إلا أنّ زيادة الواو الساكنة أغلب من زيادة الياء المتحركة ، وإلا احتملهما ، فإن خرجت عن الأوزان بتقدير زيادة بعض دون البعض الآخر ـ ولا يمكن أيضا أن يكون فيه إظهار شاذ باعتبار الوزن الذى لا يخرج به عن الأوزان المشهورة حتى يتعارض هو والخروج عن الأوزان ؛ إذ لو كان باعتباره الإظهار شاذا لكان باعتبار الوزن الذى يخرج به عنها قياسيا : أى للإلحاق كتلبب (٢) مثلا ، وكيف يلحق بما لم يثبت؟ ـ فينظر : هل عارضت الخروج عن الأوزان شبهة الاشتقاق أولا؟ فإن عارضته ـ وذلك بأن تكون فى الوزن الذى يخرج به عن الأوزان شبهة الاشتقاق ، ولا تكون فيما لا يخرج به عنها ، نحو مسيك (٣) ، فإنك إن جعلته فعيلا كان الوزن معدوما ، لكن التركيب أعنى (م س ك) موجود ، وإن جعلته مفعلا فالوزن موجود ، لكن تركيب (س ى ك) مهمل ـ فههنا يحتمل الوجهين ؛ إذ يلزم من كل واحد منهما محذور ، ولا يجوز أن يقال : لا نحكم بزيادة أحدهما فيكون فعللا ؛ إذ داعى الغلبة يستحق أن

__________________

(١) هكذا هو فى جميع النسخ ، ولا يظهر له وجه ؛ لأن الكلام فيما تعددت فيه الزيادة الغالبة ، وليس فيه زيادة ما ، فضلا عن زيادة متعددة ، ولعل الصواب «سيروان» بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه ، وهو اسم بلد

(٢) لم نجد فى القاموس ولا فى اللسان «تلببا» بفك الأدغام ، والذى فيهما تلب ـ كفلز ، وهو اسم رجل

(٣) كلام المؤلف صريح فى أنه بفتح الميم وسكون السين وفتح الياء ، ولم نجد له معنى فى كتب اللغة ، وإنما الذى فيها مسيك ـ كبخيل ـ وزنا ومعنى ، ومسيك ـ كسكير ـ بمعنى بخيل أيضا ، وسقاء مسيك ؛ إذا كان يحبس الماء فلا ينضح

٣٩٠

يجاب ، ولا سيما إذا لزم من جعل الجميع أصولا تركيب مهمل أيضا ، فإن لم يعارض شبهة الاشتقاق الخروج عن الأوزان : بأن تكون شبهة الاشتقاق فيهما معا كما فى مدين (١) أو فى الوزن الثابت كمريم (٢) ؛ رجح بالخروج اتفاقا ؛ فيقال : هما على وزن مفعل.

قوله «بالزيادة فيها» أى : فى الغوالب ، كما فى قيقبان (٣) وسيسبان (٣)

قوله «أو فيهما» أى : الغالبين ، كما فى حبنطى ، وقد عرفت زيادة النون والألف فيه بالاشتقاق أيضا ؛ لأنه العظيم البطن ، من حبطت الماشية حبطا ، وهو أن ينتفخ بطنها من أكل الذّرق (٤)

قوله «فإن تعين أحدهما» أى : تعين أحدهما للزيادة ولم يجز الحكم بزيادتهما معا ؛ لبقاء الكلمة على أقل من ثلاثة أحرف

قوله «رجّح بخروجها» الفعل مسند إلى الجار والمجرور : أى يكون ترجيح أصالة أحدهما بخروج الزنة عن الأوزان المشهورة ، بتقدير زيادته ؛ فيحكم بزيادة مالا يخرج الزنة عن الأوزان المشهورة إذا قدّر زائدا كميم مريم ؛ فإنك لو حكمت بزيادتها بقى الزنة مفعلا ، وليست بخارجة عن الأوزان ، ولو قدرت الياء زائدا

__________________

(١) مدين : اسم قرية شعيب على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام ، يجوز أن يكون اشتقاقه من مدن بالمكان إذا أقام به ، ويجوز أن يكون من دان ، إذا خضع ، أو من دانه دينا ، إذا جازاه

(٢) قال فى اللسان : «ومريم : مفعل من رام يريم : أى برح ، يقال : ما يريم يفعل ذلك : أى ما يبرح» اه بتصرف ، وهو صريح فى أن زيادة ميم مريم معلومة بالاشتقاق ، لا بالخروج عن الأبنية الأصول على تقدير أصالتها

(٤) السيسبان : شجر

(٥) الذرق ـ كصرد ـ : بقلة

٣٩١

بقيت الزنة فعيلا ، وهى خارجة عن الأوزان (١)

قوله «وهمزة أيدع» ليس بوجه ؛ لأن فيعلا ـ بفتح العين ـ ليس بخارج عن الأوزان فى الصحيح العين ، كصيرف وضيغم ؛ بلى ذلك خارج فى المعتل العين ؛ لم يجىء إلا عيّن ، قال :

* ما بال عينى كالشّعيب العيّن (٢) *

وفيعل ـ بكسر العين ـ كثير فيه ، كسيّد وميّت وبيّن ، مفقود فى الصحيح العين

قوله «وياء تيّحان» هو بفتح الياء كما قال سيبويه ، وقال ابن يعيش : يجوز كسر الياء فى تيّحان (٣) وهيّبان (٤) ؛ فتفعلان غير موجود ، وفعّلان موجود ، كهيّبان ؛ فلذا حكمنا بزيادة ياء تيّحان ، وهذا مما يثبت فيه الاشتقاق الظاهر ، وعرفت الزيادة به ؛ إذ يقال فى معناه : متيح وتيّاح ، ويجوز أن يكون تيّحان وتيّهان وهيّبان فيعلان لا فعّلان ، كقيقبان وسيسبان

قوله «وتاء عزويت» ليس التاء فى نحو عفريت من الغوالب كما ذكرنا ؛

__________________

(١) قال فى اللسان : «العثير (بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه) : العجاج الساطع ... ولا تقل فى العثير التراب : عثيرا ؛ لأنه ليس فى الكلام فعيل بفتح الفاء ، إلا ضهيد ، وهو مصنوع ، ومعناه الصلب الشديد ... والعيثر والعثير (كجعفر) : الأثر الخفى ، مثال الغيهب ، وفى المثل «ماله أثر ولا عثير» ويقال : ولا عيثر ؛ مثال فيعل : أى لا يعرف راجلا فيتبين أثره ، ولا فارسا فيثير الغبار فرسه» اه ؛ فقد أثبت العثير وهو فعيل ، فقول المؤلف وصاحب اللسان إن فعيلا خارج عن الأوزان ولا يوجد فى الكلام غير مسلم ، إلا أن يقال : إن عثيرا مقلوب عيثر وهو فيعل

(٢) انظر (ح ١ ص ١٥٠)

(٣) التيحان : الذى يعرض فى كل شىء ويدخل فيما لا يعنيه ، والطويل أيضا

(٤) الهيبان : الذى يخاف الناس

٣٩٢

فلم يكن للمصنف عدها منها ؛ فنحن إنما عرفنا زيادة تاء عزويت (١) دون واوه بثبوت فعليت كعفريت ، دون فعويل

قوله «وطاء قطوطى» لأن فعوعلا موجود كعثوثل ، وهو المسترخى ، ونحن قد عرفنا زياد طاء قطوطى بالاشتقاق ، لأنه بمعنى القطوان : أى الذى يتبختر فى مشيه ؛ وكذا اذ لولى افعوعل ، كاعشوشب ، وفعولي وافعولى غير موجودين قوله «وواو حولايا دون يائها» قد ذكرنا أن فوعالا وفعلايا لم يثبتا ، إلا أن الحكم بزيادة الواو أولى ، لكون زيادة الواو الساكنة أكثر من زيادة الياء المتحركة ، وأيضا فوعال كتوراب ثابت ، وإن لم يثبت فوعالا بالألف ، وأما فعلاى وفعلايا فلم يثبتا

قوله «وأول يهيرّ والتضعيف» فى يهير ثلاثة غوالب : التضعيف ، والياءان ؛ فهو إما يفعلّ ، أو فعيلّ ، أو يفيعل ، والثلاثة نوادر ، ففى عد المصنف له فيما يخرج بأحدهما عن الأوزان دون الآخر نظر ، بلى إنه يقبله سيبويه ، فانه لم يبال بتشديد الراء وجعله كالمخفف اللام ، وقال : يفعل موجود كيرمع ويلمع (٢) وفعيل معدوم ، والحق أن يقال : إنه يفعلّ من الأوزان الثلاثة المذكورة ؛ إذ لو جعلناه فعيلّا لم يكن فيه شبهة الاشتقاق ، إذ تركيب (ى ه ر) غير مستعمل ، فهو إما يفعلّ من الهير ، أو يفيعل من الهرّ ، والتضعيف فى الأسماء أغلب زيادة من الياء المتحركة فى الأول ، وأيضا يفعلّ قريب من الوزن الموجود وهو يرمع ويلمع ، وأيضا فان يفعلّ ثابت وإن كان فى الأفعال ، كيحمرّ ، بخلاف يفيعل

قوله «وهمزة أرونان» لأن أفعلان جاء ولو لم يكن إلا أنبجان ، وفعولان لم يثبت

__________________

(١) العزويت : قيل هو القصير ، وقال ابن دريد : هو اسم موضع

(٢) انظر فى يلمع (ص ٥٩ من الجزء الأول) واليرمع : الخذروف الذى يلعب به الصبيان ، وهو أيضا حجارة رخوة إذا فتتت انفتت

٣٩٣

قوله «كوألل» فيه غالبان : الواو والتضعيف ، فجعلناهما زائدين ؛ فوزنه فوعلل ، ملحق بسفرجل ، وليست الهمزة غالبة ، ففى عدها من الغوالب نظر ، وفى حنطأو غالب واحد وهو الواو ، وأما النون والهمزة فليستا بغالبتين ، إلا أن النون مساو للهمزة فى مثل هذا المثال ، نحو كنتأو (١) وسندأو ؛ فجعل كالغالب

قوله «فان لم تخرج الزنة فى التقديرين» أى : فى تقدير زيادة كل واحد من الغالبين رجح بالإظهار الشاذ : أى يكون ترجيح أصالة أحدهما بحصول الإظهار الشاذ بزيادته ، ويحكم بزيادة ما لم يثبت بزيادته إظهار شاذ ؛ فيحكم فى مهدد بزيادة الدال ؛ فيكون ملحقا بجعفر ؛ فلا يكون الإظهار شاذا ، ولو جعلته مفعلا من هدد لكان الإظهار شاذا ؛ لأن مفعلا لا يكون ملحقا كما ذكرنا

قوله «وقيل بشبهة الاشتقاق» فقيل : يأجج ومأجج يفعل ومفعل ؛ لأن فى هذين الوزنين شبهة الاشتقاق ، لأن (أ ج ج) مستعمل فى كلامهم ، وقيل : هما فعلل ؛ لئلا يلزم إظهار شاذ ، وقد روى الرواة يأجج ـ بكسر الجيم ـ فان صحت فانه مما يخرج بأحدهما دون الآخر ؛ إذ فعلل ـ بكسر اللام ـ لم يثبت ، والمشهور الفتح فى يأجج ، ومأجج ويأجج غير منصرفين : إما للوزن والعلمية والتأنيث ، وإما للعلمية والتأنيث ، وهى اسم أرض

قوله «ونحو محبب يقوى الوجه الضعيف» يعنى أن محببا من الحب مع أن فيه إظهارا شاذا

قوله «وأجيب بوضوح اشتقاقه» وللخصم أيضا أن يقول : يأجج أيضا واضح الاشتقاق ، من أجّ مثل محبب من حبّ

قوله «وفى تقديم أغلبهما عليها» أى ترجيح أغلب الوزنين على شبهه الاشتقاق

__________________

(١) انظر (ص ٣٦٢ من هذا الجزء)

٣٩٤

فإن موظب ومعلى إن جعلتهما مفعلا ففيهما شبهة الاشتقاق ، وإن جعلتهما فوعلا لم تكن فيهما ؛ فشبهة الاشتقاق وأغلب الوزنين يرجحان زيادة الميم ، وأما رمان فان جعلته فعلان ففيه شبهة الاشتقاق ، لكن ليس أغلب الوزنين ؛ وإن جعلته فعّالا فليس فيه شبهة الاشتقاق ؛ إذ (ر م ن) غير مستعمل ورمّ مستعمل ، لكنه أغلب الوزنين

قوله «لغلبتها فى نحوه» أى لغلبة زنة فعّال فى نحو معنى رمّان ، وهو ما ينبت من الأرض كالقلّام (١) والجمّار (٢) والكرّاث والسّلّاء (٣) والقرّاص (٤) وفعلان قليل فى مثل هذا المعنى

قوله «فإن ثبتت فيهما» أى : ثبتت شبهة الاشتقاق فى الوزنين

قوله «مورق» إن جعلته فوعلا فليس بأغلب الوزنين ، لكنه لا يستلزم مخالفة القياس ، وإن جعلته مفعلا فهو أغلب الوزنين لكن فيه مخالفة القياس ؛ لأن المثال الواوى لا يجىء إلا مفعلا ـ بكسر العين ـ كالموعد ، أما حومان فليس فيه خلاف الأقيسة ، وفعلان أكثر من فوعال ؛ فجعله من (ح و م) أولى

قوله «فإن ندرا» أى : الوزنان «احتملهما» : أى احتمل اللفظ ذينك الوزنين وفى قوله ندرا نظر ، أما أولا فلأنه فى أقسام ما لا يخرج الوزنان فيه عن الأوزان المشهورة ، فكيف يندران؟ وأما ثانيا فلأن أفعلان قد جاء فيه أسحمان وهو جبل ، وألعبان فى اللّعّاب ، وكذا أقحوان ، بدليل قولك : دواء مقحوّ ، وأفعوان لقولهم مفعاة ، وفعوة السم (٥) ، وفعلوان جاء فيه عنفوان وعنظوان ، (٦) ولعله

__________________

(١) القلام : ضرب من الحمض يذكر ويؤنث. قال الشاعر :

أتونى بقلّام وقالوا تعشّه

وهل يأكل القلّام إلّا الأباعر

(٢) الجمار : شحم النخل كأنه قطعة سنام يؤكل بالعسل

(٣) السلاء : شوك النخل

(٤) القراص : نبات له زهر أصفر وحرارة كحرارة الجرجير ، وحب أحمر صغير

(٥) انظر (ص ٣٤١ من هذا الجزء)

(٦) انظر (ص ٣٨٨ من هذا الجزء)

٣٩٥

أراد كون الوزنين لقلتهما فى حدّ النّدرة ؛ وفى أرجوان ثلاثة غوالب : النون ، والهمزة ، والواو ؛ فيحكم بزيادة اثنين منها ، فهو إما أفعلان كاسحمان ، أو فعلوان كعنفوان أو أفعوال ، ولم يثبت ، فبقى الأولان ، واحتملهما ، وفيهما أيضا شبهة الاشتقاق

قوله «وهمزة أفعى» إذا جعلته أفعل ففيه الاشتقاق الظاهر فضلا عن شبهته ؛ لقولهم : فعوة السم وأرض مفعاة ، فكيف أورده فيما ليس فى وزنيه شبهة الاشتقاق؟

قوله «وأوتكان» الألف والنون لا كلام فى زيادتهما ، بقى التعارض بين الواو والهمزة ، ووتك وأتك مهملان ، وأفعلان ثابت وإن كان قليلا ، كأنبجان ، وفوعلان غير موجود ؛ فكان يجب أن يورد هذا المثال فيما تعين فيه أحدهما

قوله «وميم إمّعة» لأن أمع وممع مهملان ، لكنّ فعّلة أكثر كدنّبة للقصير والقنّبة والإمّرة ، وإفعلة كاوزّة قليل ، وكأنه كلمة مركبة من حروف كلمتين ، وهما «أنا معك» كما أن الإمّرة مركبة من «أنا مأمورك»

قوله «فان ندرا احتملها» الكلام فيه كالكلام فى قوله قبل «فان ندرا» والعذر كالعذر

قوله «إن ثبتت أفعوالة» يعنى إن ثبت ذلك احتمل أسطوانة الوزنين :

أفعوالة ، وفعلوانة ، وهما الوزنان اللذان لا شبهة اشتقاق فى الكلمة باعتبارهما ، وإنما قلنا : إن هذين الوزنين هما المحتملان لا أفعلانة كاسحمان مع أن فيه شبهة الاشتقاق لثبوت السطو ؛ لأن جمعه على أساطين يمنعه ؛ إذ لو كان أفعلانة فالطاء عين الكلمة والواو لامها ، وفى الجمع لا يحذف لام الثلاثى ؛ فلا يجوز إذن أن يقال : حذف الواو وقلب الألف ياء حتى يكون وزن أساطين أفاعين ، ولا يجوز أن يقال : حذف الألف وقلب الواو التى هى لام ياء ؛ فوزنه أفاعلن ؛ إذ هو وزن مفقود

٣٩٦

فى الجموع والأفراد ؛ فلم يبق إلا أن يقال : هو فعالين ، من تركيب (أ س ط) المهمل ؛ فأسطوانة فعلوانة كعنفوان ، من اعتنفت الشىء : أى استأنفته ، أو هو أفاعيل من تركيب سطن المهمل أيضا ، فهى أفعوالة ؛ لكن أفعوالة لم تثبت ، فلم يبق إلا أن يكون فعلوانة ، وأساطين فعالين

الحبنطى : العظيم البطن ، يهمز ولا يهمز. القطوطى والقطوان : المتبختر. إذلولى : انطلق فى استخفاء. حولايا : اسم رجل. اليهيرّ واليهيرّى : السراب والباطل. يوم أرونان : أى شديد ، ويقال : ليلة أرونانة. عجين أنبجان : أى سقى ماء كثيرا وأحكم عجنه وبقى زمانا ، فارسى من النّبج وهو الجدرىّ وكل ما ما يتنفّط ويمتلىء ماء ، يقال : جاء على تئفّان ذلك وتئفّته وتفئته أى أوله ، الكوألل : القصير ، الحنطأو : القصير ، وقيل : العظيم البطن. يأجج ومأجج : موضعان ، وأصحاب الحديث يروون يأجج بكسر الجيم ، وقد تقدم ذلك. محبب : اسم رجل. مهدد : اسم امرأة. موظب : اسم أرض ، وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث معلى : اسم رجل ، وكدا مورق. الحومان : الأرض الغليظة. الإمّعة : الذى يكون مع كل أحد

* * *

٣٩٧

قد تم بعون الله تعالى. وحسن توفيقه ـ مراجعة الجزء الثانى من كتاب «شرح شافية ابن الحاجب» للعلامة رضى الدين الأستراباذى ، وتحقيقه والتعليق عليه ، فى خمسة أشهر آخرها الثامن من شهر المحرم الحرام مستهل شهور عام ١٣٥٨ ثمان وخمسين وثلاثمائة وألف ، ويليه ـ إن شاء الله تعالى ـ الجزء الثالث ، ومفتتحه باب «الإمالة». نسأل الله جلت قدرته أن يعين على إكماله بمنه وفضله وحسن تيسيره. آمين

٣٩٨