شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

والهمزة من الزيادات اتفاقا ، وقد تقدم أن عدم النظير فى أبنية المزيد فيه بالتقديرين معا ليس بمرجح ؛ فعلى هذا لم يعرف زيادة همزة ألنجوج بعدم النظير ؛ لأنه مزيد فيه بالاتفاق ؛ إذ الواو فيه زائد من غير تردد ، بل عرفنا زيادة همزته وهمزة ألنجج بشبهة الاشتقاق والغلبة ؛ إذ فيهما ثلاثة غوالب : الهمزة ، والنون ، والتضعيف ، ولا يجوز الحكم بزيادتها معا ؛ لئلا يبقى الكلمة على حرفين ، فحكمنا بزيادة اثنين منها ، ولا يجوز الحكم بزيادة النون والتضعيف ، ولا بزيادة الهمزة والتضعيف ؛ لأن ألج ولنج مهملان ، فحكمنا بزيادة الهمزة والنون ؛ فهو من لجّ ، كأنه يلج فى نشر الرائحة ، وألنجج : ملحق بسفرجل بزيادة الهمزة والنون

قال : «فإن خرجتا معا فزائد أيضا ، كنون نرجس وحنطأو ، ونون جندب إذا لم يثبت جخدب ، إلّا أن تشذّ الزّيادة ، كميم مرزنجوش دون نونها ، إذ لم تزد الميم أوّلا خامسة ، ونون برناساء. وأمّا كنابيل فمثل خزعبيل»

أقول : الحنطأو : العظيم البطن ، والبرناساء والبرنساء : الإنسان ، يقال : ما أدرى أى البرناساء هو ، والجندب : ضرب من الجراد ، وهو من الجدب ، واشتقاقه ظاهر ؛ فلم يكن لإيراده فيما لا اشتقاق فيه وجه ، والجخدب : الجراد الأخضر الطويل الرجلين ، وكنابيل : أرض معروفة ، وهو غير منصرف

قوله : «فإن خرجتا معا» أى : خرجت الزنتان معا بتقدير أصالة الحرف وزيادته عن الأوزان الأصول حكمنا بالزيادة أيضا ؛ لما قلنا من كثرة المزيد فيها وقلة المجرد عن الزائد ؛ فنقول فى نرجس : نفعل ، وإن لم يأت فى الأسماء نفعل كما لم يأت فعلل ـ بكسر اللام ـ وأما حنطأ وفقال السيرافى : الأولى أن يحكم

٣٦١

بأصالة جميع حروفه فيكون كجردحل ، ومثله كنتأو (١) ، وسندأو (٢) ، وقندأو (٣) ، وقال الفراء فى مثلها : الزائد إما النون وحدها فهو فنعلّ ، وإما النون مع الواو فهو فنعلو ، وإما النون مع الهمزة فهو فنعأل ، وجعل النون زائدة على كل حال ، وقال سيبويه : الواو مع ثلاثة أصول من الغوالب فيحكم بزيادتها ، وكل واحدة من النون والهمزة رسيلتها (٤) فى الأمثلة المذكورة ؛ فيجعل حكم إحداهما فى الزيادة حكم الواو ، وإن لم يكونا من الغوالب ، والحكم بزيادة النون أولى من الحكم بزيادة الهمزة ؛ لكون زيادة النون فى الوسط أكثر من زيادة الهمزة ؛ قال : وإنما لزم الواو الزائدة فى الأمثلة المذكورة بعد الهمزة لأن الهمزة تخفى عند الوقف والواو تظهرها ، فوزنه عند سيبويه فنعلو ، وإليه ذهب المصنف ؛ إذ لو ذهب إلى ما ذهب إليه السيرافى من أصالة الواو ، لم يكن يزيد فى الأبنية المجردة وزن بتقدير أصالة النون ؛ إذ يصير فعللّا كجردحل ؛ فعلى ما ذهب إليه ليس عدم النظير بمرجح فى هذا الوزن ؛ لأنه من ذوات الزوائد بالتقديرين كما قلنا فى ألنجوج وخنفساء

قوله «ونون جندب إذا لم يثبت جخدب» يعنى إذا ثبت جخدب ـ بفتح الدال ـ فلا يخرج جندب بأصالة النون عن الأصول ، والأولى أن جندبا فنعل ثبت جخدب أولا ؛ للاشتقاق ؛ لأن الجراد يكون سبب الجدب ، ولهذا سمى جرادا لجرده وجه الأرض من النبات

__________________

(١) قال فى القاموس : «والكنتأو ـ كسندأو : الجمل الشديد والعظيم اللحية الكثها ، أو الحسنها» اه

(٢) السندأو : الخفيف ، وقيل : هو الجرىء المقدم ، وقيل : هو القصير ، وقيل : هو الرقيق الجسم مع عرض رأس ، والسندأو من الابل : الفسيح فى مشيه

(٣) القندأو : السىء الخلق ، والقصير من الرجال ، والصغير العنق الشديد الرأس ، والجرى المقدم

(٤) يريد أن كلا من الهمزة والنون تبع للواو فى الحكم

٣٦٢

قوله «إلا أن تشذ الزيادة» يعنى لو أدى الحكم بزيادة الحرف إلى شذوذ الزيادة لم نحكم بزيادته ولو خرجت الكلمة بأصالته عن الأوزان أيضا ، فلا يحكم بزيادة ميم مرزنجوش (١) ؛ لأن الميم تشذ زيادتها فى أول اسم غير جار إذا كان بعده أربعة أحرف أصول ، أما فى الجارى كمدحرج فثابت

قوله «دون نونها» أى : النون لا تشذ زيادتها فلما ثبت أصالة الميم وجب زيادة النون ؛ لأن الاسم لا يكون فوق الخماسى فهى فعلنلول

قوله «ونون برناساء» أى : أن وزنه فعنالاء وإن كان غريبا غرابة فعلالاء ؛ إذ عدم النظير لا يرجح فى المزيد فيه بالتقديرين ، كما مر فى خنفساء ونحوه.

وما يوجد فى النسخ «وأما كنأبيل (٢) فمثل خزعبيل (٣)» الظن أنه وهم : إما من المصنف ، أو من الناسخ ؛ لأن كنابيل بالألف لا بالهمزة ، والألف فى الوسط عنده لا يكون للالحاق كما تقدم

قال : «فإن لم تخرج فبالغلبة كالتّضعيف فى موضع أو موضعين مع ثلاثة أصول للالحاق وغيره كقردد ومرمريس وعصبصب وهمّرش ، وعند

__________________

(١) قال فى اللسان : المرزجوش : نبت ، وزنه فعللول ، بوزن عضرفوط والمرزنجوش لغة فيه» اه

(٢) قال ياقوت فى معجم البلدان : «كنابيل بالضم ، وبعد الألف باء موحدة ثم ياء مثناة من تحت ، ولام ـ : موضع ، عن الخارزنجى وغيره

وقال الطرماح بن حكيم ، وقيل : ابن مقبل.

دعتنا بكهف من كنابيل دعوة

على عجل دهماء والرّكب رائح

وهو من أبنية الكتاب» اه

(٣) الخزعبيل والخزعبل ـ باسقاط الياء ـ : الباطل ، والفكاهة والمزاح ، ومن أسماء العجب ، وقال ابن دريد : الخزعبيل الأحاديث المستظرفة

٣٦٣

الاخفش أصله هنمرش كجحمرش ؛ لعدم فعّلل ، قال : ولذلك لم يظهروا»

أقول : اعلم أنهم [إنما] حكموا بزيادة جميع الحروف الغالبة فى غير المعلوم اشتقاقه لأنه علم بالاشتقاق زيادة كثير من كل واحد منها ؛ فحمل ما جهل اشتقاقه على ما علم فيه ذلك ؛ إلحاقا للفرد المجهول حاله بالأعم الأغلب ، وقد ذكرنا الكلام على تقديم المصنف المعرفة بعدم النظير على المعرفة بغلبة الزيادة ، فلا نعيده

القردد : الأرض المستوية ، المرمريس : الداهية ، وهو من الممارسة ، لأنها تمارس الرجال ، ففيه معنى الاشتقاق وإن كان خفيا ، والمرمريس أيضا : الأملس ، والعصبصب : الشديد ، وفيه اشتقاق ظاهر ؛ لأنه بمعنى عصيب ، والهمّرش : العجوز المسنة ، وهو عند الخيل وسيبويه ملحق بجحمرش بتضعيف الميم ، وقال الأخفش : بل هو فعللل ، والأصل هنمرش ، وليس فيه حرف زائد ، قال : النون الساكنة إنما وجب إدغامها فى الميم إذا كانتا فى كلمتين نحو من مالك ، وأما فى كلمة واحدة نحو أنملة فلا تدغم ، وكذا لو بنيت من عمل مثل قرطعب بزيادة النون قبل الميم قلت : عنملّ ، بالإظهار ؛ لئلا يلتبس بفعّل لكنه أدغم فى هنمرش ؛ لأنه لا يلتبس بفعّلل ؛ لأن فعّللا لم يثبت فى كلامهم ، قال : والدليل على أنه ليس مضعف العين للالحاق أنا لم نجد من بنات الأربعة شيئا ملحقا بجحمرش ، قال السيرافى : بل جاء فى كلامهم جرو نخورش (١) : أى يخرش ؛ لكونه قد كبر

__________________

(١) تقول : جرونخورش ـ كجحمرش ـ إذا تحرك وخدش ، ويقال : هو الخبيث المقاتل ، ذكره فى القاموس مادة (ن خ ر ش) فيدل على أن النون أصلية وذكره مرة أخرى فى مادة (خ ر ش) فقال : «كلب نخورش كنفوعل ـ وهو من أبنية أغفلها سيبويه ـ : كثير الخرش» اه والقول بزيادة النون هو ما ذهب

٣٦٤

وأما همّقع (١) فلم يختلف فيه أنه مضعف العين لا هنمقع لعدم فعللل ، فإذا صغرت همّرشا عند الأخفش قلت : هنيمر ، وعند سيبويه : هميرش.

قوله «لعدم فعّلل» الأخفش لا يخص فعّللا ، بل يقول : لم يلحق من الرباعى بجحمرش شىء ، لا على فعّلل ولا على غيره.

قوله «ولذلك لم يظهروا» أى : لعدم التباسه بفعلل إذ لم يوجد.

قال : «والزّائد فى نحو كرّم الثّانى ، وقال الخليل : الأوّل ، وجوّز سيبويه الأمرين».

أقول : قال سيبويه : سألت الخليل عن الزائد فى نحو سلّم ، فقال : الأول لأن الواو والياء والألف يقعن زوائد ثانية كفوعل وفاعل وفيعل ، وكذا قال فى نحو جلبب وخدبّ ، لوقوع الواو والياء والألف زائدة ثالثة كجدول وعثير وشمال ، وكذا فى نحو عدبّس (٢) لكونه كفدوكس (٣) وعميثل (٤) ، وكذا قفعدد (٥) لكونه ككنهور (٦) ، وغير الخليل جعل الزوائد هى الأخيرة فى

__________________

إليه ابن سيده ، وتبعه أبو الفتح محمد بن عيسى العطار ، وقالا : ليس فى الكلام نفوعل غيره ، والاشتقاق يؤيد ما ذهبا إليه ، فان الخرش هو الخدش

(١) الهمقع ـ بضم الهاء وتشديد الميم مفتوحة بعدها قاف مكسورة فعين مهملة ـ : الأحمق ، وأنثاه همقعة ، وهو أيضا ثمر التنضب ، ولا نظير له فى الوزن إلا زملق ، ويقال : همقع ـ كعلبط ، والزملق : من يقضى شهوته قبل أن يفضى إلى المرأة ، ويقال فيه : زملق ، وزمالق ـ كعلبط وعلابط

(٢) العدبس ـ كعملس ـ : الشديد الموثق الخلق من الأبل وغيرها ، والشرس الخلق ، والضخم الغليظ ، وكنوا أبا العدبس

(٣) الفدوكس ـ كسفرجل ـ : الأسد ، والرجل الشديد ، وجد الأخطل التغلبى

(٤) عميثل ـ كسفرجل ـ : البطىء ، والضخم الشديد ، والجلد النشيط

(٥) القفعدد ـ كسفرجل ـ : القصير ، مثل به سيبويه وفسره السيرافى

(٦) أنظر (ح ١ ص ٥٦)

٣٦٥

المضعف ، فجعل السّلّم كجدول (١) وعثير ، ونحو مهدد (٢) كتترى (٣) وخدبّا (٤) كخلفنة (٥) وقفعددا كحبركى (٦) ، وقرشبّا (٧) كقندأو (٨) وصوب سيبويه كلا الوجهين ، وقال المصنف : لما ثبت فى نحو قردد (٩) أن الزائد هو الثانى لأنه جعل فى مقابلة لام جعفر ، وأما الأول فقد كان فى مقابلة العين ، فلم يحتج إلى الزيادة لها ، وحكم سائر المضعفات حكم المكرر للالحاق ـ حكمنا فى الكل أن الزائد هو الثانى ، وفيه نظر ، لأن سائر المكررات لا يشارك المكرر للالحاق فى كون المزيد فى مقابلة الأصلى حتى تجعل مثله فى كون الزائد هو الثانى ، فالأولى الحكم بزيادة الثانى فى المكرر للالحاق ، والحكم بزيادة أحدهما لا على التعيين فى غيره ، وأما استدلال الخليل ومعارضيه فليس بقطعى كما رأيت.

قال : «ولا تضاعف الفاء وحدها ، ونحو زلزل وصيصية وقوقيت وضوضيت رباعىّ وليس بتكرير لفاء ولا عين للفصل ، ولا بذى زيادة لأحد حرفى لين لدفع التّحكّم ، وكذلك سلسبيل خماسىّ على الأكثر. وقال الكوفيون : زلزل من زلّ وصرصر من صرّ ودمدم من دمّ لاتّفاق المعنى».

__________________

(١) العثير ـ كدرهم ـ : الغبار

(٢) أنظر (ح ١ ص ١٤)

(٣) أنظر (ح ١ ص ١٩٥ ه‍ ١)

(٤) أنظر (ح ١ ص ٥٩)

(٥) يقال : فى خلقه خلفته : وخلفنات : أى خلاف

(٦) الحبركى : القراد الطويل الظهر القصير الرجلين

(٧) أنظر (ح ١ ص ٦١)

(٨) القندأو ـ كجردحل ـ : السىء الخلق ، وقيل : الجرىء المقدم (انظر ص ٣٦٢ من هذا الجزء)

(٩) أنظر (ح ١ ص ١٣)

٣٦٦

أقول : قوله «ولا تضاعف الفاء وحدها» أى : لا يقال مثلا فى ضرب : ضضرب ، وذلك لعلمهم أنه لا يدغم ، لامتناع الابتداء بالساكن ، فيبقى الابتداء بالمستثقل ، ولهذا قلّ الفاء والعين مثلين نحو ببر وددن (١) ، ويقل الكراهة شيئا إذا حصل هناك موجب الإدغام كما فى أوّل ، أو فصل بينهما بحرف زائد نحو كوكب وقيقبان (٢) ، [و] ليس أحد المثلين فيه زائدا ، بل هما أصلان ، وقد أجاز بعضهم تكرير الفاء وحدها مع الفصل بحرف أصلى ، كما يجىء ، بل يضاعف الفاء والعين معا كما فى مرمريس (٣) كما مر فى أول الكتاب.

وقال الكوفيون فى نحو زلزل (٤) وصرصر (٥) مما يفهم المعنى بسقوط ثالثه : إنه مكرر الفاء وحدها ، بشهادة الاشتقاق ، وهو أقوى ما يعرف به الزائد من الأصلى ، واستدل المصنف على أنه ليس بتكرير الفاء بأنه لا يفصل بين الحرف وما كرر منه بحرف أصلى ، وهذا استدلال بعين ما ينازع فيه الخصم ، فيكون مصادرة ؛ لأن معنى قول الخصم إن زلزل من زل أنه فصل بين الحرف ومكرره الزائد بحرف أصلى ، ولم يقل أحد : إن العين مكرر مزيد فى نحو زلزل وصيصية (٦) ، لكن المصنف أراد ذكر دليل يبطل به ما قيل من تكرير الفاء وحدها ، وما لعله [يقال] فى تكرير العين وحدها ، وبعض النحاة يجوز تكرير الفاء وحدها ، سواء كان العين مكررا كما فى زلزل وصيصية ، أو لم يكن كما فى

__________________

(١) الببر : ضرب من السباع شبيه بالنمر ، وانظر (ح ١ ص ٣٤)

(٢) القيقبان : خشب تتخذ منه السروج ، ويطلق على السرج نفسه

(٣) أنظر (ح ١ ص ٦٣)

(٤) أنظر (ح ١ ص ١٥)

(٥) أنظر (ح ١ ص ٦٢)

(٦) الصيصية ـ بكسر الصادين وسكون الياء ، والياء الثانية مخففة ـ شوكة الحائك التى يسوى بها السداة واللحمة ، وصيصية البقرة : قرنها ، وكل شىء امتنع به وتحصن فهو صيصية ، وهى أيضا الوتد الذى يقلع به التمر

٣٦٧

سلسبيل (١) ، إذا فصل بين المثلين حرف أصلى ، ولم يجوز أحد تكرير الفاء من غير فصل بحرف أصلى بين المثلين.

هذا ، وإن كان ثانى الكلمة ياء والثالث والرابع كالأول والثانى نحو صيصية لم يقل : إن إحدى الياءين من الغالبة ، وتكون زائدة ؛ لأن معها ثلاثة أصول ، وذلك لأن هذا القول يؤدى إلى التحكم ؛ إذ ليس إحدى الياءين أولى من الأخرى ، وأيضا لو قلنا إن الأولى زائدة لكان الكلمة من باب يين (٢) وببر ، ولو قلنا بزيادة الثانية لكانت من باب قلق ، وكلاهما قليل ، ولا يمكن الحكم بزيادتهما معا ؛ لئلا تبقى الكلمة على حرفين ، وكذا لا نحكم فى نحو قوقيت بزيادة إحدى حرفى العلة ؛ لدفع التحكم ، وكذا فى عاعيت (٣)

__________________

(١) انظر (ح ١ ص ٩ ، ٥٠)

(٢) يين ـ بفتح الياء الأولى وسكون الثانية ـ : عين بواد يقال له : حورتان. قاله الزمخشرى ، وقال غيره بين : اسم واد بين ضاحك وضويحك ، وهما جبلان أسفل الفرش ، ذكره ابن جنى ، وقال نصر : يين : ناحية من أعراض المدينة على بريد منها ، وهى منازل أسلم بن خزاعة ، وقال ابن هرمة :

أدار سليمى ، بين يين فمثعر

أبينى فما استخبرت إلّا لتخبرى

ويقال : يين بئر بوادى عباثر ، قال علقمة بن عبدة :

وما أنت أم ما ذكره ربعيّة

تحلّ بيين أو بأكناف شربب

(٣) قال فى القاموس : «وفى كتب التصريف : عاعيت عيعاء ، ولم يفسروه ، وقال الأخفش : لا نظير لها سوى حاحيت وهاهيت» اه ، وتقول : عاعى ، إذا دعا ضأنه بقوله «عا». و «عا» اسم صوت ، وقال الراجز :

يا عنز هذا شجر وماء

عاعيت لو ينفعنى العيعاء

قال فى اللسان : «وقال الليث : عا مقصورة زجر للضئين ، وربما قالوا : عو ، وعاء ، وعاى ، كل ذلك يقال ، والفعل منه عاعى يعاعى معاعاة وعاعاة ، ويقال أيضا : عوعى يعوعى عوعاة ، وعيعى يعيعى عيعاة وعيعاء ، وأنشد :

وإنّ ثيابى من ثياب محرّق

ولم أستعرها من معاع وناعق» اه

٣٦٨

وحاحيت (١) ، والأولى أن يقال فى ياء قوقيت : إنها كانت واوا قلبت ياء كما فى أغزيت وغازيت ، على ما يجىء فى باب الإعلال ، فيكون فى قوقيت فى الأصل واوان ، كما أن فى صيصية ياءين.

وقال الخليل : أصل دهديت دهدهت (٢) ؛ لاستعمالهم دهدهت بمعناه ، ولا منع أن يقال : ياء نحو قوقيت أصلية ، وإنها ليست ببدل من الواو ، وأما نحو حاحى يحاحى فهو عند سيبويه فعلل يفعلل ؛ بدليل أن مصدره حاحاة وحيحاء كزلزلة وزلزال ؛ وقال بعضهم : هو فاعل يفاعل ، بدليل قولهم : محاحاة ومعاعاة ، وقال سيبويه : بل هو مفعللة للمرة كزلزل يزلزل مزلزلة ، والأصل محاحية ، قلبت الياء ألفا ، والألف الأولى عند البصريين فى حاحى وعاعى ياء قلبت ألفا ، وإن كانت ساكنة ، لانفتاح ما قبلها كما قالوا فى ييأس ويوجل : ياءس وياجل ، قالوا : وإنما اطرد قلب الياء الأولى ألفا مع شذوذ ذلك فى ياءس وطائى لأنه استكره

__________________

(١) حاحى : دعا معزاه بقوله : حا ، ويقال : حاحيت حيحاء ومحاحاة ، إذا صحت ، قال أبو زيد : حاح بضأنك وبغنمك : أى ادعها ، وقال :

ألجأنى القرّ إلي سهوات

فيها وقد حاحيت بالذّوات

قال الجوهرى : «حاء : زجر للأبل ، بنى على الكسر لالتقاء الساكنين ، وقد يقصر ، فان أردت التنكير نونت ، قال سيبويه : أبدلوا الألف بالياء لشبهها بها ، لأن قولك : حاحيت ، إنما هو صوت بنيت منه فعلا ، كما أن رجلا لو أكثر من قوله «لا» لجاز أن يقول : لا ليت ، يريد قلت : لا ؛ ويدلك على أنها ليست فاعلت قولهم : الحيحاء والعيعاء بالفتح ، كما قالوا : الحاحاة والهاهاة ، فأجرى حاحيت وعاعيت وهاهيت مجرى دعدعت ؛ إذ كن للتصويت» اه من اللسان بتصرف

(٢) دهدهت الحجر ودهديته : إذا دحرجته ، فتدهده وتدهدى ، كرهوا التضعيف فأبدلوا ثانى المثلين ياء ، كما قالوا : تظنيت فى تظننت ، وتربيت فى تربيت ، وهذا عندهم مقصور على السماع على ما يجىء فى باب الأبدال

٣٦٩

اجتماع ياءين بعد مثلين لو قيل : عيعيت ، وأما فى نحو صيصية فاحتمل فيه ذلك لكونه اسما ، وهو أخف من الفعل ، كما يجىء فى باب الإعلال ، وإنما جاز مجىء الواوين بعد المثلين فى قوقيت وضوضيت لوجوب قلب الثانية ياء ، كما فى أغزيت ، وإنما قالوا فى دهدهت الحجر : دهديته ، تشبيها للهاء لرخاوتها بالياء ، وأما نحو صلصلت وزلزلت فجاز ذلك لأن الثانى حرف صحيح ، وهم لاجتماع حروف العلة المتماثلة أكره ، وإن كانت أخف من الحروف الصحيحة.

وقال بعضهم : الألفان فى حاحى وعاعى وهاهى (١) أصلان ، وليسا بمنقلبين لا عن واو ولا عن ياء ، لأن الأصل فى جميعها الصوت الذى لا أصل لألفاته قلبت الألف الثانية ياء بعد اتصال ضمير الفاعل المتحرك كما قلبت فى حبليان ، وذلك للقياس على سائر الألفات المنقلبة الرابعة فى نحو أغزيت واستغزيت ، وألف الإلحاق نحو سلقيت (٢) ، لأن ضمير الفاعل ، أعنى النون والتاء ، لا يلى الألف فى الماضى فى نحو رميت ودعوت ، لأن بقاءها ألفا دليل على كونها فى تقدير الحركة ، إذ الواو والياء قلبتا ألفين لتحركهما وانفتاح ما قبلهما ، وما قبل الضمائر فى الماضى يلزم سكونها ، فردت ألفا أغزيت واستغزيت إلى الأصل ، أعنى الواو ، ثم قلبت الواو ياء لاستثقالها رابعة فصاعدا مفتوحا ما قبلها ، كما يجىء فى باب الإعلال ، وقد جاء فى بعض اللغات نحو أعطاته وأرضاته بالألف فى معنى أعطيته وأرضيته ومنه قراءة الحسن ولا أدرأتكم به (٣))

__________________

(١) قال فى اللسان : «وهاء زجر الأبل ، ودعاء لها ، وهو مبنى على الكسر إذا مددت ، وقد يقصر ، وتقول : هاهيت بالأبل ، إذا دعوتها» اه

(٢) انظر (ح ١ ص ٥٥ ، ٦٨)

(٣) هذه قطعة من آية كريمة من سورة يونس ونصها الكريم (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا

٣٧٠

قوله «قوقيت» من قوقى الديك قوقاة : أى صاح ، وضوضيت من الضوضاء وهو الجلبة والصياح ، ومن صرف الغوغاء (١) فهو مثل القمقام (٢) ، ومن لم يصرفه فالألف للتأنيث كما فى العوراء ، والألف فى الفيفاة (٣) زائدة لقولهم : فيف

__________________

تَعْقِلُونَ) قال القاضى البيضاوى : وقرئ (ولا أدرأكم ولا أدرأتكم) بالهمز فيهما : على لغة من يقلب الألف المبدلة من الياء همزة ، أو على أنه من الدرء بمعنى الدفع» اه قال العلامة الشهاب «هذه قراءة الحسن وابن عباس رضى الله تعالى عنهما بهمزة ساكنة ، فقيل : إنها مبدلة من ألف منقلبة عن ياء ، وهى لغة عقيل كما حكاه قطرب ؛ فيقولون فى أعطاك : أعطاك ، وقيل : لغة بالحرث ، وقيل : الهمزة أبدلت من الياء ابتداءكما يقال فى لبيت لبأت ، وهذا على كونها غير أصلية ، وقد قرئ بالألف أيضا» اه والمنادر من عبارة المؤلف أن قراءة الحسن بالألف مع تاء المتكلم ، وأصلها أدريتكم : أى أعلمتكم ، فلما وقعت الياء ساكنة مفتوحا ما قبلها قلبت هذه الياء ألفا على لغة عقيل الذين يقولون فى عليك ولديك وإليك : علاك ولداك وإلاك ، وعلى هذا جاء قول راجزهم :

طاروا علاهنّ فطر علاها

ناجية وناجيا أباها

يريد طاروا عليهن فطر عليها ، ولكن فى كلام الشهاب المتقدم النص على أن قراءة الحسن بالهمز ، نعم قد قرىء بالألف ، لكن هذه القراءة ليست قراءة الحسن ثم إنه قد يكون ما فى كلام المؤلف منسوبا إلى الحسن بالهمز على ما هو المشهور من قراءته ، ويكون انقلاب الهمز عن الألف المنقلبة عن الياء ، فيصح الاستشهاد بقراءة الحسن على قلب الياء ألفا إذا كان ما قبلها مفتوحا نظرا إلى أصل الهمزة القريب

(١) انظر (ح ١ ص ١٩٥)

(٢) القمقام : السيد الكثير الخير الواسع الفضل ، والماء الكثير ، وصغار القردان ، وضرب من القمل شديد التشبث بأصول الشعر

(٣) الفيفاة : المفازة لا ماء فيها ، ومثلها الفيف ، وبالفيف استدل سيبويه على أن ألف فيفاة زائدة

٣٧١

بمعناه ، وكذلك الزّيزاء (١) والصّيصاء (٢) ، إذ ليس فى الكلام فعلال إلا مصدرا كزلزال ، وقولهم المروراة (٣) والشّجوجاة (٤) نحو صمحمح (٥) وبرهرهة (٦) ، وليس كعثوثل (٧) ، لأن الأول أكثر.

قال : «وكالهمزة أوّلا مع ثلاثة أصول فقط ، فأفكل أفعل ، والمخالف مخطىء ، وإصطبل فعللّ كقرطعب ، والميم كذلك ، ومطّردة فى الجارى على الفعل ؛ والياء زيدت مع ثلاثة أصول فصاعدا إلا فى أوّل الرّباعىّ إلّا فيما يجرى على الفعل ، ولذلك كان يستعور كعضرفوط ، وسلحفية فعلّية ، والألف والواو زيدتا مع ثلاثة فصاعدا ، إلّا فى الأوّل ؛ ولذلك كان ورنتل كجحنفل»

أقول : لما ثبت لنا بالاشتقاق غلبة زيادة الهمزة أولا إذا كان بعدها ثلاثة أصول فى نحو أحمر وأصغر وأعلم رددنا إليه ما لم نعلم منه ذلك بالاشتقاق ،

__________________

(١) الزيزاء ـ بالكسر وبالفتح ، ومثله الزيزى ، والزازية ، والزبزاءة ، والزيزاة ـ بكسر الأخيرتين ـ : ما غلظ من الأرض ، والأكمة الصغيرة ، والريش أو أطرافه ،

(٢) الصيصاء : الحشف من التمر ، وهو أيضا حب الحنظل الذى ليس فى جوفه لب

(٣) المروراة : الأرض أو المفازة التى لا شىء فيها ، ووزنها فعلعلة لا فعوعلة وهى واحدة المرورى. قال سيبويه (ح ٢ ص ٣٨٦) «هو بمنزلة صمحمح وليس بمنزلة عثوثل ؛ لأن باب صمحمح أكثر من باب عثوثل» اه

(٤) يقال : ريح شجوجى ، وشجوجاة ، إذا كانت دائمة الهبوب ، والشجوجى والشجوجاة أيضا : العقعق ، وهو طائر

(٥) انظر (ح ١ ص ٦٠ ، ٢٥٣)

(٦) انظر (ح ١ ص ٦٣ ، ٢٥٣)

(٧) انظر (ح ١ ص ٦٠)

٣٧٢

كأرنب وأيدع (١) ، وهو قليل بالنسبة إلى الأول

وبعض المتقدمين خالفوا ذلك ، وقالوا : ما لم نعلم بالاشتقاق زيادة همزته المصدرة حكمنا بأصالتها ، فقالوا : أفكل (٢) كجعفر ، ورد عليهم سيبويه بوجوب ترك صرف أفكل لو سمى به ، ولو كان فعللا لصرف ، وأيضا لو كان فعللا لجاء فى باب فعلل يفعلل فعللة ما أوله همزة

قوله «إصطبل فعللّ» لأن بعده أربعة أصول ، ولم يثبت بالاشتقاق غلبة زيادة الهمزة فى مثله حتى يحمل عليه ما جهل اشتقاقه

قوله «والميم كذلك» أى : يغلب زيادتها فى الأول مع ثلاثة أصول بعدها ولا تزاد مع أربعة فصاعدا ؛ فمنبج (٣) محمول فى الزيادة على نحو مقتل ومضرب حمل المجهول على المعلوم ، وأما معدّ ومعزى فقد مضى حكمهما ، ومخالفتهما لهذا

__________________

(١) الأيدع : صبغ أحمر ، وقيل : هو الزعفران ، وقيل : هو صمغ أحمر يجلب من سقطرى تداوى به الجراحات ، وطائر أيضا

(٢) الأفكل : رعدة تعلو الانسان من برد أو خوف ، ولا فعل له ، واسم الأفوه الأودى الشاعر ، سمى بذلك لرعدة كانت فيه

(٣) منبج ـ بالفتح ثم السكون وباء موحدة مكسورة وجيم ـ قال ياقوت : «هو بلد قديم ، وما أظنه إلا روميا ، إلا أن اشتقاقه فى العربية يجوز أن يكون من أشياء : يقال : نبج الرجل (كضرب) إذا قعد فى النبجة (كالشجرة) وهى الأكمة ، والموضع منبج ، ويقال : نبج الكلب ينبج (من باب ضرب) بمعنى نبح ينبح ، والموضع منبج ، ويجوز أن يكون من النبج (كالضرب) وهو طعام كانت العرب تتخذه فى المجاعة ؛ يخاض الوبر فى اللبن فيجدع ويؤكل ، ويجوز أن يكون من النبج ، وهو الضراط ، فأما الأول وهو الأكمة فلا يجوز أن يسمى به ؛ لأنه على بسيط من الأرض لا أكمة فيه ، فلم يبق إلا الوجوه الثلاثة ؛ فليختر مختار منها ما أراد ... وهى مدينة كبيرة من مدن الشام ، بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ وبينها وبين حلب عشرة فراسخ» اه بتصرف.

٣٧٣

الأصل ، فاذا تقدم على أربعة أصول فصاعدا كما فى مرزنجوش (١) حكم بأصالتها ، إلا إذا كان ما هى فى أوله من الأسماء المتصلة بالأفعال كالمدحرج اسم فاعل من دحرج والمدحرج اسم مفعول ومكانا وزمانا ومصدرا ، وكذا الهمزة الزائدة يكون بعدها أربعة أصول فى الاسم المتصل بالفعل وهى همزة وصل نحو اقشعرار واحرنجام ، والهمزة والميم غير الأولين لا يحكم بزيادتهما إلا بدليل ظاهر ، كشمأل ودلامص (٢) وضهيأ (٣) وزرقم (٤) ، بلى غلب زيادة الهمزة آخرا بعد الألف الزائدة إذا كان معها ثلاثة أصول فصاعدا ، كعلباء (٥) وسوداء وحرباء (٦) وحمراء ، وأصلها الألف كما تقدم ، ولو قال فى موضع «الجارى على الفعل» : المتصل بالفعل ، لكان أعم ؛ إذ لا يقال للموضع والزمان هما جاريان على الفعل.

قوله «والياء زيدت مع ثلاثة» أى : إذا ثبت ثلاثة أصول غير الياء فالياء زائدة ، سواء كانت فى الأول كيلمع (٧) ويضرب ، أو فى الوسط كرحيم وفلّيق (٨) أو فى الآخر كاللّيالى ، وكذا إذا كانت الياء غير المصدرة مع أربعة

__________________

وقال فى اللسان : «ومنبج : موضع ، قال سيبويه : الميم فى منبج زائدة بمنزلة الألف ؛ لأنها إنما كثرت مزيدة أولا ، فموضع زيادتها كموضع الألف وكثرتها ككثرتها إذا كانت أولا فى الاسم والصفة» اه

(١) انظر (ص ٣٦٣ من هذا الجزء)

(٢) انظر (ص ٣٣٤ من هذا الجزء)

(٣) انظر (ص ٣٣٩ من هذا الجزء)

(٤) انظر (ص ٢٥٢ ، ٣٣٤ من هذا الجزء)

(٥) انظر (ص ٥٥ من هذا الجزء)

(٦) انظر (ص ٥٥ من هذا الجزء)

(٧) انظر (ح ١ ص ٥٩)

(٨) يجوز أن تقرأ هذه الكلمة بفتح الفاء وكسر اللام كرحيم ، وهو

٣٧٤

أصول فصاعدا كخيتعور (١) وسلسبيل وسلحفية ، وأما إذا كانت مصدرة مع أربعه أصول بعدها : فان كانت الكلمة فعلا كيدحرج فهى زائدة أيضا ، وإلا فهى أصل كيستعور ، وهو الباطل ، يقال : ذهب فى اليستعور ، وهو أيضا بلد بالحجاز

قوله «إلا فيما يجرى على الفعل» وهم وحقه إلا فى الفعل كيدحرج ، لأن الاسم الجارى على الفعل لا يوجد فى أوله ياء ، والواو والألف مع ثلاثة أصول فصاعدا لا يكونان إلا زائدين فى غير الأول ، فالواو نحو عروض وعصفور وقرطبوس (٢) وحنطأو (٣) ، والألف كحمار وسرداح (٤) وأرطى (٥) وقبعثرى (٦) ، وأما فى الأول فالألف لا يمكن وقوعها فيه ، والواو لا تزاد فيه مطلقا ، ولذلك كان ورنتل (٧) كجحنفل ، يقال : وقع الناس فى ورنتل : أى فى شر ، والجحنفل : العظيم الجحفلة (٨).

__________________

باطن عنق البعير فى موضع الحلقوم ، ويجوز أن تقرأ بضم الفاء وتشديد اللام مفتوحة بعدها ياء ساكنة ، وهو ضرب من الخوخ يتفلق عن نواه (انظر ح ١ ص ٢٥٠)

(١) الخيتعور : السراب ، ودويبة سوداء تكون على وجه الماء لا تلبث فى موضع إلا ريثما تطرف ، والداهية ، وتقول : هذه امرأة خيتعور ؛ إذا كان ودها لا يدوم ، وكل شىء يتلون ولا يدوم على حال فهو خيتعور ، قال الشاعر :

كلّ أنثى وإن بدالك منها

آية الحبّ حبّها خيتعور

(٢) انظر (ح ١ ص ٥١ ، ٢٦٤)

(٣) انظر (ح ١ ص ٢٥٦)

(٤) انظر (ح ١ ص ٥٧)

(٥) انظر (ح ١ ص ٥٧)

(٦) انظر (ح ١ ص ٩)

(٧) انظر (ح ١ ص ٣٣)

(٨) الجحفلة : الشفة الغليظة

٣٧٥

قال : «والنّون كثرت بعد الألف آخرا ، وثالثة ساكنة نحو شرنبث وعرند ، واطّردت فى المضارع والمطاوع ، والتّاء فى التّفعيل ونحوه ، وفى نحو رغبوت ، والسّين اطّردت فى استفعل ، وشذّت فى أسطاع ، قال سيبويه : هو أطاع فمضارعه يسطيع بالضّمّ ، وقال الفرّاء : الشّاذّ فتح الهمزة وحذف التّاء ، فمضارعه بالفتح ؛ وعدّ سين الكسكسة غلط لاستلزامه شين الكشكشة.»

أقول : أى أن النون كثرت زيادتها إذا كانت أخيرة بعد ألف زائدة ، وقد حصل من دونها ثلاثة أحرف أصول أو أكثر كسكران وندمان وزعفران ، أما فينان (١) فبالاشتقاق علمنا أنه لم يحصل فى الكلمة دونها ثلاثة أصول إذ هو من الفنن ، وكذا قولهم حسّان وحمار قبّان (٢) منصرفين ، فبالصرف عرفنا أن النون أحد الأصول الثلاثة

قوله «واطردت فى المضارع» يعنى نفعل

قوله «والمطاوع» يعنى انفعل وافعنلل وفروعهما من المصدر والأمر والمضارع ؛ وعندى أن حروف المضارعة حروف معنى لا حروف مبنى (٣) كنونى التثنية والجمع

__________________

(١) انظر (ص ٣٣٩ من هذا الجزء)

(٢) انظر (ص ٢٤٨ من هذا الجزء)

(٣) يريد المؤلف بهذا أن يعترض على ابن الحاجب فى عده النون الواقعة فى أول المضارع من حروف الزيادة ، وحاصل الاعتراض أن حروف المضارعة حروف معان كالتنوين ، وسيأتى لابن الحاجب نفسه عدم عد التنوين من حروف الزيادة معللا ذلك بأنه حرف معنى ؛ فلا وجه لعده نون المضارعة من حروف الزيادة ولكنا لو نظرنا لوجدنا أن المؤلف قد سلم لابن الحاجب عد السين فى الاستفعال من حروف الزيادة مع أنها دالة على معنى ، وكذلك سلم له عد النون فى الفعل المطاوع من حروف الزيادة ، مع أنها دالة على معنى ، ولا يستطيع المؤلف ولا غيره أن ينكر أن الهمزة فى أفعل من حروف الزيادة ، وكذا الألف فى فاعل وتفاعل ، والتاء

٣٧٦

والتنوين ؛ على ما تقدم فى أول شرح الكافية

قوله «وثالثة ساكنة» كان ينبغى أن يضم إليه قيدا آخر ، بأن يقول : ويكون بعد النون حرفان ، كشرنبث (١) وقلنسوة (٢)

__________________

فى تفعلل وما أشبه ذلك من الحروف الدالة على المعانى فى الأفعال المزيد فيها ، وكذا الألف فى اسم الفاعل من الثلاثى والميم فى اسم الفاعل واسم المفعول واسم الزمان واسم المكان والمصدر الميمى ؛ وحينئذ لا وجه لأنكاره أن تكون حروف المضارعة من حروف الزيادة محتجا بدلالتها على معنى ، بقى أن يقال : كيف يوفق بين عدم عدهم التنوين وباء الجر ولام الجر وهاء السكت من حروف الزيادة لأنها دالة على معنى وبين عد حروف المضارعة وغيرها من الحروف الداخلة فى الأفعال والاسماء المتصلة بها مما ذكرنا مع أنها دالة على معان فى الكلمات الداخلة فيها ، والجواب : أن الحرف الدال على معنى إن كان مما يتغير به وزن الكلمة ومعناها فهو من حروف الزيادة وإن لم يكن كذلك فليس من حروف الزيادة ؛ بل قد جعل أبو الحسن الأشمونى دلالة الحرف على معنى من جملة أدلة زيادته فقال فى باب التصريف عند قول ابن مالك :

والحرف إن يلزم فأصل والّذى

لا يلزم الزّائد مثل تا احتذى

«تاسعها دلالة الحرف على معنى ، كحروف المضارعة ، وألف اسم الفاعل» اه

(١) الشرنبث ـ كسفرجل ، والشرابث ـ كعلابط ـ : القبيح الشديد ، وقيل : هو الغليظ الكفين والرجلين ، والشرنبث أيضا : الأسد. قال سيبويه : النون والألف يتعاوران الاسم فى معنى ، نحو شرنبث وشرابث

(٢) قال فى اللسان : «والقلسوة (بفتح أوله وسكون ثانيه وضم ثالثه) والقلساة (بفتح أوله وسكون ثانيه) والقلنسوة (بفتح أوله وثانيه وسكون ثالثه وضم رابعه) والقلنسية (بضم أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه وكسر رابعه) والقلنساة (بفتح أوله وثانيه وسكون ثالثه) والقلسية (بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه) من ملابس الرأس ـ معروف ، والواو فى قلنسوة للزيادة غير الالحاق وغير المعنى أما الألحاق فليس فى الأسماء مثل فعللة (بفتح أوله وثانيه ، وثالثه مشدد مضموم) وأما المعنى فليس فى قلنسوة أكثر مما فى قلساة. وجمع القلنسوة والقلنسية

٣٧٧

وحبنطى (١) ، أو أكثر من حرفين كحعنظار (٢) وأما ما ذكر من «عرند (٣)» فليس النون فيه من الغوالب بل إنما عرفنا زيادته بالاشتقاق ، لأنه بمعنى العرندد والعرد : أى الصلب ، وأيضا بأنا لو جعلنا النون فى عرند أصلية لزم زيادة بناء فى أبنية الرباعى المجرد ، وأما زيادة النون فى عنسل (٤) ورعشن (٥) فلم يعرف بالغلبة ، بل بالاشتقاق ، وكذا ذرنوح فى معنى ذرّوح (٦)

الشرنبث : الغليظ الكفين والرجلين ، ومثله الشّرابث ـ بضم الشين

قوله «والتاء فى التفعيل ونحوه» يعنى بنحوه التّفعال والتّفعّل والتّفاعل والتّفعلل والافتعال والاستفعال ، وفروعهن

واعلم أن المصنف كثيرا ما يورد فى هذه الغوالب ما يعلم زيادته بالاشتقاق ؛ فإن بنى جميع ذلك على قوله قبل «فإن فقد» أى : الاشتقاق ؛ فهو غلط ، وإن

__________________

(١) انظر (ح ١ ص ٥٤ ، ٢٥٥)

(٢) يقال : رجل جعنظر ـ كسفرجل ، وجعنظار ؛ إذا كان قصير الرجلين غليظ الجسم ، وإذا كان أكولا قويا عظيما جسيما أيضا

(٣) العرند ، والعرد ـ كعتل ـ : الشديد من كل شىء ؛ قال فى اللسان : «ونون العرند بدل من الدال» اه يريد انها بدل من الدال فى العرد

(٤) انظر (ح ١ ص ٥٩) وكذا (ص ٣٣٣ من هذا الجزء)

(٥) انظر (ح ١ ص ٥٩) وكذا (ص ٣٣٣ من هذا الجزء)

(٦) الذرنوح ، والذروح ـ كعصفور ـ والذرحرح ـ بضم أوله وفتح ثانيه ورابعه وسكون ثالثه ـ. الذرحرح ـ بضم أوله وثانيه ورابعه وسكون ثالثه ـ : دويبة أعظم قليلا من الذباب

٣٧٨

قصد ترك ذلك ، وبيان الغوالب سواء عرف زيادتها بمجرد الغلبة أو بها وبشىء آخر من الاشتقاق وعدم النظير ؛ فصحيح

قوله «وفى نحو رغبوت» يعنى إذا كانت التاء فى آخر الكلمة بعد الواو الزائدة وقبلهما ثلاثة أصول فصاعدا ، وسيبويه لم يجعل ذلك من الغوالب ؛ فلهذا قال فى سبروت (١) فعلول ، بل جعل الزيادة فى مثله إنما تعرف بالاشتقاق كما فى جبروت وملكوت ، لأنهما من الجبر والملك ، وكذا الرغبوت والرحموت والرهبوت ، وكذا لم يجعل سيبويه التاء فى الآخر بعد الياء ـ إذا كان قبلها ثلاثة أصول كعفريت (٢) ـ من الغوالب ، فعفريت عنده عرف زيادة تائه باشتقاقه من العفر ـ بكسر العين ـ وهو الخبيث الداهى ، فهو كما عرفت زيادة التاء فى التّحلىء (٣) باشتقاقه من حلأت ، وفى التّتفل (٤) بالخروج من الأوزان ، وأما تاء التأنيث فحرف معنى لا حرف مبنى

قوله «والسين اطردت» أى : فى باب استفعل كاستكره واستحجر

قوله «وشذت فى أسطاع» اعلم أنه قد جاء فى كلامهم أسطاع ـ بفتح الهمزة وقطعها ـ واختلفوا فى توجيهه : فقال سيبويه : هو من باب الإفعال ، وأصله أطوع كأقوم ، أعلت الواو وقلبت ألفا بعد نقل حركتها إلى ما قبلها ، ثم جعل السين عوضا من تحرك العين الذى فاته ، كما جعل الهاء فى أهراق ـ بسكون الهاء ـ عوضا من مثل ذلك ، كما يجىء ، ولا شك أن تحرك العين فات بسبب تحرك الفاء بحركته ، ومع هذا كله فإن التعويض بالسين والهاء شاذان ؛ فمضارع

__________________

(١) انظر (ص ٣٤٥ من هذا الجزء)

(٢) انظر (ح ١ ص ١٥ ، ٢٥٦)

(٣) التحلىء : القشر على وجه الأديم مما يلى الشعر ، يقال : حلأ الجلد يحلؤه حلئا ، إذا قشره

(٤) انظر (ص ٣٥٧ من هذا الجزء)

٣٧٩

أسطاع عند سيبويه يسطيع ـ بالضم ـ ورد ذلك المبرد ، ظنا منه أن سيبويه يقول : السين عوض من الحركة ، فقال : كيف يعوض من الشىء والمعوض منه باق؟ يعنى الفتحة المنقولة إلى الفاء ، وليس مراد سيبويه ما ظنه ، بل مراده أنه عوض من تحرك العين ، ولا شك أن تحرك العين فات بسبب تحرك الفاء بحركته ؛ وقال الفراء : أصل أسطاع استطاع من باب استفعل ؛ فحذفت التاء لما يجىء فى باب الإدغام (١) ، فبقى إسطاع ـ بكسر الهمزة ـ ففتحت وقطعت شاذا ، فالمضارع عنده يستطيع بفتح حرف المضارعة ، واللغة المشهورة إذا حذفت التاء من استطاع لتعذر الإدغام بقاء الهمزة مكسورة موصولة كما كانت ، قال تعالى (فَمَا اسْطاعُوا)

قوله «وعدسين الكسكسة غلط» رد على جار الله ؛ فإنه عده من حروف الزيادة ، وقال المصنف : هو حرف معنى لا حرف مبنى ، وأيضا لو عدّ للزم شين

__________________

(١) لم يذكر المؤلف شيئا عن حذف التاء فى «أسطاع» فى باب الادغام ، وإنما ذكره فى باب الحذف فقال : «وإسطاع يسطيع ـ بكسر الهمزة فى الماضى وفتح حرف المضارعة ـ وأصله استطاع يستطيع ، وهى أشهر اللغات : أعنى ترك حذف شىء منه وترك الأدغام ، وبعدها إسطاع يسطيع ـ بكسر الهمزة فى الماضى وفتح حرف المضارعة وحذف تاء استفعل حين تعذر الأدغام مع اجتماع المتقاربين ، وإنما تعذر الأدغام لأنه لو نقل حركة التاء إلى ما قبلها لتحرك السين التى لاحظ لها فى الحركة ، ولو لم ينقل لالتقى الساكنان كما فى قراءة حمزة (قراءة حمزة «فما اسطاعوا» بابدال التاء طاء وإدغامها فى الطاء مع بقاء سكون السين) فلما كثر استعمال هذه اللفظة ، بخلاف استدان ، وقصد التخفيف وتعذر الأدغام ؛ حذف الأول ، كما فى ظلت وأحست ، والحذف ههنا أولى ، لأن الأول وهو التاء زائد ، قال تعالى (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) وأما من قال : يسطيع ـ بضم حرف المضارعة ـ فماضيه أسطاع بفتح همزة القطع ـ وهو من باب الأفعال كما مر فى باب ذى الزيادة» اه

٣٨٠