شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

فلا يحذف منها حرف المد ، سواء كانت مع التاء أولا ، إذ وضعها إذن على الثقل فلا يستنكر الثقل العارض فى الوضع الثانى ، أعنى وضع النسبة ، لكن مع قرب بناء فعيل وفعيل من البناء الثلاثى ليسا مثله ، إذ ذاك موضوع فى الأصل على غاية الخفة ، دون هذين ، فلا جرم لم يفرق فى الثلاثى بين فعل وفعلة نحو نمر ونمرة ، وفتح العين فى النسب إليهما ، وأما ههنا فلكون البناءين موضوعين على نوع من الثقل بزيادتهما على الثلاثى لم يستنكر الثقل العارض فى النسب غاية الاستنكار حتى يسوّى بين المذكر والمؤنث ، بل نظر ، فلما لم يحذف فى المذكر حرف لم يحذف حرف المد أيضا ، ولما حذف فى المؤنث التاء كما هو مطرد فى جميع باب النسب صار باب الحذف مفتوحا ، فحذف حرف اللين أيضا ، إذ الحذف يذكر الحذف ، فحصل به مع التخفيف الفرق بين المذكر والمؤنث ، وكذا ينبغى أن يكون : أى يحذف للفرق بين المذكر والمؤنث ، لأن المذكر أول ، وإنما حصل الالتباس بينهما لما وصلوا إلى المؤنث ؛ ففصلوا بينهما بتخفيف الثقل الذى كانوا اغتفروه فى المذكر وتناسوه هناك ، وإنما ذكروه ههنا بما حصل من حذف التاء مع قصد الفرق ، فكان على ما قيل :

* ذكّرتنى الطّعن وكنت ناسيا* (١)

__________________

(١) قال الميدانى فى مجمع الأمثال (١ : ٤٥ طبع بولاق): «قيل إن أصله أن رجلا حمل على رجل ليقتله وكان فى يد المحمول عليه ومح فأنساه الدهش والجزع ما فى يده ؛ فقال له الحامل : ألق الرمح ، فقال الآخر : إن معنى رمحا لا أشعربه؟! ذكرتنى الطعن ـ المثل ، وحمل على صاحبه فطعنه حتى قتله أو هزمه. يضرب فى تذكر الشىء بغيره ، يقال : إن الحامل صخر بن معاوية السلمى والمحمول عليه يزيد بن الصعق ، وقال المفضل : أول من قاله رهيم بن حزن الهلالى ـ رهيم ككميت ، وحزن كفلس ـ وكان انتقل بأهله وماله من بلده يريد بلدا آخر فاعترضه قوم من بنى تغلب فعرفوه ، وهو لا يعرفهم ، فقالوا له : خل ما معك

٢١

ويذكرون التخفيف أيضا بسبب آخر غير حذف التاء ، وهو كون لام الفعل فى فعيل وفعيل ياء نحو على وقصى ، خففوا لأجل حصول الثقل المفرط لو قيل عليّىّ وقصيّىّ فى البناء القريب من الثلاثى ، ولم يفرقوا فى هذا السبب. لقوته بين ذى التاء وغيره ، فالنسبة إلى على وعلية علوى ، وكذا قصى وأمية ، كما استوى فى نمر ونمرة ؛ خففوا هذا بحذف الياء الأولى الساكنة لأن ما قبل ياء النسبة لا يكون إلا متحركا بالكسر كما مر ، والأولى مد فلا يتحرك ، وتقلب الياء الباقية واوا لئلا يتوالى الأمثال ؛ فان الواو وإن كانت أثقل من الياء

__________________

وانج ، قال لهم : دونكم المال ولا تتعرضوا للحرم ، فقال له بعضهم : إن أردت أن نفعل ذلك فألق رمحك ، فقال : وإن معى لرمحا؟! فشد عليهم فجعل يقتلهم واحدا بعد واحد وهو يرتجز ويقول :

ردّوا على أقربها الأقاصيا*

إنّ لها بالمشرفىّ حاديا

ذكّرتنى الطّعن وكنت ناسيا» اه

والضمير فى «أقربها» يعود إلى الابل المفهومة من الحال وإن لم يجر لها ذكر فى الكلام ، والأقاصى : جمع أقصى أفعل تفضيل من قصى كدعا ورضى : أى بعد والمشرفى ـ بفتح الميم والراء : منسوب إلى مشارف ، وهى قرى قرب حوران منها بصرى من الشام ثم من أعمال دمشق ، إليها تنسب السيوف المشرفية. قال أبو منصور الأزهرى : قال الاصمعى : السيوف المشرفية منسوبة إلى مشارف ، وهى قرى من أرض العرب تدنو من الريف ، وحكى الواحدى : هى قرى باليمن ، وقال أبو عبيدة : سيف البحر شطه ، وما كان عليه من المدن يقال لها المشارف تنسب إليها السيوف المشرفية ، قال ابن إسحاق : مشارف قرية من قرى البلقاء. نقول : فمن قال إن مشارف قرى فهو جمع لفظا ومعنى ، فالنسبة إليه برده إلى واحده ، فيقال : مشرفى ، وهو قياس ، ومن قال : إن مشارف قرية فهو جمع لفظا مفرد فى المعنى ، فالنسبة إليه تكون على لفظه ، فيقال : مشارفى ، فقولهم مشرفى على هذا الوجه شاذ

٢٢

لو انفردت لكنهم استراحوا إليها من ثقل تتالى الأمثال كما ذكرنا ، ولا تكاد تجد ما قبل ياء النسبة ياء إلا مع سكون ما قبلها نحو ظبيىّ لأن ذلك السكون يقلل شيئا من الثقل المذكور ، ألا ترى أن حركة الياء تستثقل فى قاض إذا كانت ضمة أو كسرة ، بخلاف ظبى ، وليس الثقل فى نحو أميّىّ لا نفتاح ما قبل أولى الياءين المشددتين كالثقل فى نحو عليّيّ ؛ لأن ههنا مع الياءين المشددتين كسرتين ؛ فلهذا كان استعمال نحو أميى بياءين مشددتين أكثر من استعمال نحو عديى كذلك ، وقد جاء نحو أميى وعديى بياءين مشددتين فيهما فى كلامهم كما حكى يونس ، وإن كان التخفيف فيهما بحذف أولى الياءين وقلب الثانية واوا أكثر.

وأما فعول وفعولة فسيبويه (١) يجريهما مجرى فعيل وفعيلة فى حذف حرف اللين فى المؤنث دون المذكر قياسا مطردا ، تشبيها لواو المد بيائه لتساويهما فى المد وفى المحل أعنى كونهما بعد العين ، ولهذا يكونان ردفا فى قصيدة واحدة كما تقول مثلا فى قافية غفور وفى الأخرى كبير ، وقال المبرد شنئىّ فى شنوأة شاذ لا يجوز القياس عليه ، وقال : بين الواو والياء والضم والكسر فى هذا الباب فرق ، ألا ترى أنهم قالوا نمرى بالفتح فى نمر ولم يقولوا فى سمر سمرى اتفاقا ،

__________________

(١) قال العلامة الشيخ خالد الأزهرى : «وما ذكرناه فى فعيلة وفعيلة من وجوب حذف الياء فيهما وقلب الكسرة فتحة فى الأولى فلا نعلم فيه خلافا ، وأما فعولة فذهب سيبويه والجمهور إلى وجوب حذف الواو والضمة تبعا واجتلاب فتحة مكان الضمة ، وذهب الأخفش والجرمى والمبرد إلى وجوب بقائهما معا ، وذهب ابن الطراوة إلى وجوب حذف الواو فقط وبقاء الضمة بحالها» اه ومنه تعلم أن المذهب المنسوب إلى أبى العباس محمد بن يزيد المبرد أصله للأخفش والجرمى ، فأنهما سابقان عليه ، وتعلم أيضا أن فى المسألة رأيا ثالثا وهو مذهب ابن الطراوة

٢٣

وكذا قالوا فى المعتل اللام فى نحو عدىّ عدوى وفى عدو عدوّى اتفاقا ، فكيف وافق فعولة فعيلة ولم يوافق فعل فعلا ولا فعول المعتل اللام فعيلا ، وكذا فعولة المعتل اللام بالواو أيضا ، عند المبرد فعولىّ ، وعند سيبويه فعلى كما كان فى الصحيح.

فالمبرد يقول فى حلوب وحلوبة حلوبى ، وكذا فى عدوّ وعدوّة عدوّى ، ولا يفرق بين المذكر والمؤنث لا فى الصحيح اللام ولا فى المعتله ، ولا يحذف الواو من أحدهما ، وسيبويه يفرق فيهما بين المذكر والمؤنث ، فيقول في حلوب وعدوّ : حلوبى وعدوى ، وفى حلوبة وعدوة : حلبى وعدوى ، قياسا على فعيل وفعيلة ، والذى غره شنوءة فإنهم قالوا فيها شنئىّ ، ولو لا قياسها على نحو حنيفة لم يكن لفتح العين المضمومة بعد حذف الواو وجه ، لأن فعليا كعضدى وعجزى موجود فى كلامهم ، فسيبويه يشبه فعولة مطلقا قياسا بفعيلة فى شيئين : حذف اللين ، وفتح العين ، والمبرد يقصر ذلك على شنوءة فقط ، وقد خلط المصنف (١) ههنا فى الشرح فاحذر تخليطه ، وقول المبرد ههنا متين كما ترى (٢).

__________________

(١) قال ابن جماعة فى حواشى الجاربردى : «زعم الشارح تبعا للشريف والبدر ابن مالك أن كلام المصنف فى الشرح المنسوب إليه يقتضى أن يكون الحاذف المبرد وغير الحاذف سيبويه ، وإنه خطأ وقع منه ، وساق كلامه على حسب ما وقع فى نسخته ، والذى رأيته فى الشرح المذكور عكس ذلك الواقع موافقا لما فى المتن ، ولعل النسخ مختلفة ، فلنحرر» اه ومنه تعلم أن التخليط الذى نسبه المؤلف إلى ابن الحاجب ليس صحيح النسبة إليه ، وإنما هو من تحريف النساخ ، والشريف الذى يشير اليه هو الشريف الهادى وهو أحد شراح الشافية ، وليس هو الشريف الجرجانى

(٢) قد قوى مذهب أبى العباس المبرد بعض العلماء من ناحية القياس والتعليل والأخذ بالنظائر والأشباه فقد قال العلامة ابن يعيش (٥ : ١٤٧): «وقول أبى العباس متين من جهة القياس ، وقول سيبويه أشد من جهة السماع ، وهو قولهم

٢٤

قوله : «بشرط صحة العين ونفى التضعيف» يعنى إن كان فعولة معتلة العين نحو قوولة وبيوعه فى مبالغة قائل وبائع ، أو كانت مضاعفة نحو كدودة ، وكذا إن كانت فعيلة معتلة العين كحويزة وبييعة من البيع ، أو مضاعفة كشديدة ، لم تحذف حرف المد فى شىء منها ، إذ لو حذفته لقلت قولىّ وبيعىّ وكددىّ وحوزى (١) وبيعىّ وشددىّ ، فلو لم تدغم ولم تقلب الواو ولا الياء ألفا

__________________

شنئى وهذا نص فى محل النزاع» اه ، لكن ابن جماعة قال بعد حكاية الأقوال فى هذه المسألة : «والأول مذهب سيبويه وهو الصحيح ، للسماع ، فان العرب حين نسبت إلى شنوءة قالوا : شنئى ، فان قيل : شنئى شاذ ، أجيب بأنه لو ورد نحوه مخالفا له صح ذلك ، ولكن لم يسمع فى فعولة غيره ، ولم يسمع إلا كذلك ، فهو جميع المسموع منها ، فصار أصلا يقاس عليه» اه ، والذى ذكره ابن جماعة فى مذهب سيبويه وجيه كما لا يخفى

(١) الذى فى القاموس : الحويزة كدويرة : قصبة بخوزستان ، وكجهينة ممن قاتل الحسين ، وبدر بن حويزة محدث» اه والذى فى اللسان : «وبنو حويزة قبيلة قال ابن سيده : أظن ذلك ظنا» اه وليس فيهما حويزة ـ بفتح فكسر ـ كما يؤخذ من كلام المؤلف ، ولكن الذى فى ابن يعيش يقتضى صحة كلام المؤلف ، فانه قال فى (٥ : ١٤٦): «وكذلك لو نسبت إلى بنى طويلة وبنى حويزة وهم فى التيم قلت : طويلى وحويزى ، والتصريف يوجب أن الواو إذا تحركت وانفتح ما قبلها قلبت ألفا كقولهم : دار ، ومال ، وحذف الياء إنما هو لضرب من التخفيف ، فلما آل الحال إلى ما هو أبلغ منه فى الثقل أو إلى اعلال الحرف احتمل ثقله وأقر على حاله» اه وفى كلام سيبويه ما يؤيد صحة ما يؤخذ من كلام ابن يعيش ، فقد قال فى (٢ : ٧١) : «وسألته عن شديدة ، فقال : لا أحذف لاستثقالهم التضعيف ، وكأنهم تنكبوا التقاء الدالين وسائر هذا من الحروف ، قلت : فكيف تقول فى بنى طويلة ، فقال : لا أحذف لكراهيتهم تحريك هذه الواو فى فعل (بفتحتين) ألا ترى أن فعل من هذا الباب العين فيه ساكنة والألف مبدلة فيكره هذا كما يكره التضعيف ، وذلك قولهم فى بنى حويزة حويزى»

٢٥

لكنت كالساعى إلى مثعب موائلا من سبل (١) الراعد ، إذ المد فى مثله ليس فى غاية الثقل كما ذكرنا ، ولذلك لم يحذف فى المجرد عن التاء الصحيح اللام ، بل حذفه لأدنى ثقل فيه ، حملا على الثلاثى كما مر ، مع قصد الفرق بين المذكر والمؤنث ، واجتماع المثلين المتحركين فى كلمة (٢) وتحرك الواو والياء عينين مع انفتاح

__________________

(١) أخذ هذه العبارة من بيت لسعيد بن حسان بن ثابت وهو مع بيت قبله :

فررت من معن وإفلاسه

إلى اليزيدىّ أبى واقد

وكنت كالسّاعى إلى مثعب

موائلا من سبل الرّاعد

ومعن المذكور هنا هو معن بن زائدة الشيبانى الذى يضرب به المثل فى الجود ، وإنما أضاف الافلاس إليه لأن الأفلاس لازم للكرام غالبا ، والمراد باليزيدى أحد أولاد يزيد بن عبد الملك ، والمثعب ـ بفتح الميم وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة ـ : مسيل الماء. وموائل : اسم فاعل من واءل إلى المكان مواءلة ووئالا : أى بادر. والسبل ـ بفتحتين ـ : المطر. والراعد : السحاب ذو الرعد

(٢) هذا الذى ذكره المؤلف فى تعليل عدم حذف المد من فعولة وفعيلة المضاعفين مسلم فى فعولة وليس بمسلم فى فعيلة ، لأنه بعد حذف حرف المد من نحو شديدة تفتح العين فيصير شددا كلبب ومثل هذا الوزن يمتنع الأدغام فيه لخفته ولئلا يلتبس بفعل ساكن العين. قال المؤلف فى باب الأدغام : «وإن كان (يريد اجتماع المثلين) فى الاسم ، فأما أن يكون فى ثلاثى مجرد من الزيادة أو فى ثلاثى مزيد فيه ، ولا يدغم فى القسمين إلا إذا شابه الفعل ، لما ذكرنا فى باب الأعلال من ثقل الفعل فالتخفيف به أليق ، فالثلاثى المجرد إنما يدغم إذا وازن الفعل نحو رجل صب. قال الخليل : هو فعل ـ بكسر العين ـ لأن صببت صبابة فأنا صب كقنعت قناعة فأنا قنع ، وكذا طب طبب ، وشذ رجل ضفف ، والوجه ضف ، ولو بنيت مثل نجس (بضم العين) من رد قلت : رد بالأدغام ، وكان القياس أن يدغم ما هو على فعل كشرر وقصص وعدد لموازنته الفعل ، لكنه لما كان الأدغام لمشابهة الفعل الثقيل وكان مثل هذا الاسم فى غاية الخفة لكونه مفتوح

٢٦

ما قبلهما قليلان متروكان عندهم ، ولو أدغمت وقلبت لبعدت الكلمة جدا عما هو أصلها لا لموجب قوى.

فإن قلت : لم تقلب الواو والياء ألفا فى قوول وبيوع وبييع مع تحركهما وانفتاح ما قبلهما ، فما المحذور لو لم تقلبا أيضا مع حذف المد؟

فالجواب أنهما لم تقلبا مع المد لعدم موازنة الفعل معه التى هى شرط فى القلب كما يجىء فى باب الاعلال ؛ ومع حذف المد تحصل الموازنة.

قوله : «ومن فعيلة غير مضاعف» ، إنما شرط ذلك لأنه لو حذف من مديدى فى مديدة (١) لجاء المحذور المذكور فى شديدة ، ولم يشترط ههنا صحة العين لأن [نحو] قويمة (٢) إذا حذف ياؤه لم تكن الواو متحركة منفتحا ما قبلها كما كان يكون فى طويلة وقوولة لو حذف المد.

__________________

الفاء والعين ـ ألا ترى الى تخفيفهم نحو كبد وعضد دون نحو جمل ـ تركوا الأدغام فيه ، وأيضا لو أدغم فعل (بفتح الفاء والعين) مع خفته لالتبس بفعل ساكن العين فيكثر الالتباس ، بخلاف فعل وفعل بكسر العين وضمها فانهما قليلان فى المضعف ، فلم يكترث بالالتباس القليل ، وإنما اطرد قلب العين فى فعل (بفتحتين) نحو دار وباب ونار وناب ولم يجز فيه الأدغام مع أن الخفة حاصلة قبل القلب كما هى حاصلة قبل الأدغام ، لأن القلب لا يوجب التباس فعل (بفتحتين) بفعل (بفتح فسكون) ، إذ بالألف يعرف أنه كان متحرك العين لا ساكنها بخلاف الأدغام» اه

(١) مديدة : تصغير «مدة» ويجوز أن يكون المكبر بضم أوله ومعناه الزمان وما أخذت من المداد على القلم. وبالفتح ومعناه واحدة المد الذى هو الزيادة فى أى شىء. وبالكسر ومعناه ما يجتمع فى الجرح من القبح

(٢) قويمة : تصغير قامة أو قومة أو قيمة ، فأما القامة فمصدر بمعنى القيام ، أو هى جمع قائم كقادة فى جمع قائد ، أو حسن طول الانسان ، أو اسم بمعنى جماعة الناس. وأما القومة فمصدر بمعنى القيام أيضا ، أو المرة الواحدة منه. وأما القيمة فثمن الشىء بالتقويم وأصلها قومة قلبت الواو ياء لسكوتها إثر كسرة

٢٧

قوله «وسليقى شاد» السليقة : الطبيعة ، والسليقى : الرجل يكون من أهل السليقة ، وهو الذى يتكلم بأصل طبيعته [ولغته] ويقرأ القرآن كذلك ، بلا تتبع للقراء فيما نقلوه من القراآت ، قال :

ولست بنحوىّ يلوك لسانه

ولكن سليقىّ أقول فأعرب (١)

قوله «وسليمى فى الأزد وعميرىّ فى كلب» ، يعنى إن كان فى العرب سليمة فى غير الأزد وعميرة فى غير كلب ، أو سميت الآن بسليمة أو عميرة شخصا أو قبيلة أو غير ذلك قلت : سلمى وعمرى على القياس ، والذى شذ هو المنسوب إلى سليمة قبيلة من الأزد ، وإلى عميرة قبيلة من كلب ، كأنهم قصدوا الفرق بين هاتين القبيلتين وبين سليمة وعميرة من قوم آخرين.

قوله «وعبدى وجذمى» قال سيبويه : تقول فى حى من بنى عدى يقال : لهم بنو عبيدة : عبدىّ ، وقال : وحدثنا من نثق به أن بعضهم يقول :

فى بنى جذيمة جذمى فيضم الجيم ويجريه مجرى عبدىّ ؛ فرقا بين هاتين القبيلتين وبين مسمى آخر بعبيدة وجذيمة ، وحذف المضاف : أعنى «بنو» فى الموضعين ؛ لما يجىء بعد من كيفية النسبة إلى المضاف والمضاف إليه ، ولو سميت بعبيدة وجذيمة شيئا آخر جرى النسبة إليه على القياس ، كما قلنا فى عميرة وسليمة.

وإنما كان هذا أشذ من الأول لأن فى الأول ترك حذف الياء كما فى فعيل ، وغايته إبقاء الكلمة على أصلها ، وليس فيه تغيير الكلمة عن أصلها ،

__________________

(١) لم نعثر على نسبة هذا البيت إلى قائل معين ، وهو من شواهد كثير من النحاة ، والمراد أنه يفتخر بكونه لا يتعمل الكلام ولا يتتبع قواعد النحاة ولكنه يتكلم على سجيته ويرسل الكلام إرسالا فيأتى بالفصيح العجيب. و «يلوك لسانه» : يديره فى فمه والمراد يتشدق فى كلامه ويتكلفه

٢٨

وأما ههنا ففيه ضم الفاء المفتوحة ، وهو إخراج الكلمة عن أصلها.

قوله «وخريبىّ شاذ» كل ما ذكر كان شاذا فى فعيلة ـ بفتح الفاء وكسر العين ـ وخريبى شاذ فى فعيلة ـ بضم الفاء وفتح العين ـ وخريبة قبيلة ، والقصد الفرق كما ذكرنا ، إذ جاء خريبة اسم مكان أيضا ، وكذلك شذ رماح ردينيّة ، وردينة زوجة سمهر المنسوب إليه الرماح.

قوله «وثقفى» هذا شاذ فى فعيل والقياس إبقاء الياء

قوله «وقرشى وفقمىّ وملحىّ» هى شاذة فى فعيل بضم الفاء ، والقياس إبقاء الياء أيضا ، وإنما قال «فى كنانة» لأن النسب إلى فقيم بن جرير بن دارم من بنى تميم فقيمىّ على القياس ، وقال «ملحى فى خزاعة» لأن النسب إلى مليح بن الهون بن خزيمة مليحىّ على القياس ، وكذا إلى مليح بن عمرو بن ربيعة فى السّكون ، والقصد الفرق فى الجميع كما ذكرنا

قال السيرافى (١) : أما ما ذكره سيبويه من أن النسبة إلى هذيل هذلىّ فهذا الباب عندى لكثرته كالخارج عن الشذوذ ، وذلك خاصّة فى العرب الذين بتهامة وما يقرب منها ؛ لأنهم قالوا قرشيّ وملحىّ وهذلى وفقمى ، وكذا قالوا فى

__________________

(١) اعلم أن فى هذه المسألة ثلاثة أقوال : الأول ، وهو مذهب سيبويه وجمهور النحاة أن قياس النسب الى فعيل كأمير ، وفعيل كهذيل ، بقاء الياء فيهما ، فان جاء شىء مخالفا لذلك كثقفى فى الأول وهذلى فى الثانى فهو شاذ ، الثانى ، وهو مذهب أبى العباس المبرد ، أنك مخير فى النسب إليهما بين حذف الياء وبقائها قياسا مطردا ، فيجوز أن تقول فى النسب إلى شريف وجعيل : شريفى وجعيلى ، وأن تقول : شرفى وجعلى ، وما جاء على أحد هذين الوجهين فهو مطابق للقياس ، الثالث ، مذهب أبى سعيد السيرافى الذى أرمأ اليه المؤلف ، وهو أنك مخير فى فعيل ـ بضم الفاء ـ بين إثبات الياء وحذفها ، فأما فى فعيل ـ بفتح الفاء ـ

٢٩

سليم وخثيم وقريم وحريث وهم من هذيل : سلمى وخثمى وقرمى وحرثى ، وهؤلاء كلهم متجاورون بتهامة وما يدانيها ، والعلة اجتماع ثلاث ياآت مع كسرة فى الوسط

قوله «وتحذف الياء من المعتل اللام» ، لا فرق فى ذلك بين المذكر والمؤنث بالتاء ، بخلاف الصّحيح فانه لا يحذف المد فيه إلا من ذى التاء كما ذكرنا

قوله «وتقلب الياء الأخيرة واوا» لئلا يجتمع الياآت مع تحرك ما قبلها لما ذكرنا

قوله «وجاء أميّيّ» ، يعنى جاء فى فعيل من المعتل اللام إبقاء الياء الأولى لقلة الثقل بسبب الفتحة قبلها ، ولم يأت نحو غنيّىّ ، هذا قوله ، وقد ذكرنا قبل أنه قد يقال غنيّىّ ، على ما حكى يونس ، وقال السيرافى : إن بعضهم يقول عديّىّ إلا أنه أثقل من أميىّ ؛ لزيادة الكسرة فيه ، وقال سيبويه : بعض العرب يقول فى النسب إلى أمية أموىّ بفتح الهمزة ، قال : كأنه رده إلى مكبره طلبا للخفة (١)

__________________

فليس لك إلا اثبات الياء ، وإنما فرق بينهما لكثرة ما ورد من الأول بالحذف فى حين أنه لم يرد من الثانى بالحذف إلا ثقفى هذا كله فى صحيح اللام منهما ، فأما معتل اللام نحو على وغنى ففيه ما ذكره المؤلف من كلام يونس والمصنف

(١) اعلم أن أمية تصغير أمة ، وهى الجارية ، والتاء فى أمة عوض عن اللام المحذوفة ، وأصلها الواو ، والدليل على أن أصلها الواو جمعهم لها على أموات ، فلما أرادوا تصغيرها ردوا اللام كما هو القياس فى تصغير الثلاثى الذى بقى على حرفين ثم قلبوا الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون ، وأدغمت ياء التصغير فيها ، وزادوا تاء التأنيث على ما هو قياس الاسم الثلاثى المؤنث بغير التاء فأما تاء العوض فقد حذفت حين ردت اللام ، لأنه لا يجمع بين العوض و

٣٠

قوله «وأجرى تحوى فى تحيّة مجرى غنوى» إنما ذكر ذلك لان كلامه كان فى فعيلة ، وتحيّة فى الأصل تفعلة إلا أنه لما صار بالادغام كفعيلة فى الحركات والسكنات ، فشارك بذلك نحو عدى وغنى فى علة حذف الياء فى النسب وقلب الياء واوا (١) فحذفت ياؤه الأولى وقلبت الثانية واوا لمشاركته له فى العلة ، وإن خالفه فى الوزن وفى كون الياء الساكنة فى تحية عينا وفى أمية (٢) للتصغير

واعلم أنك إذا نسبت إلى قسىّ وعصىّ علمين (٣) قلت : قسوى وعصوىّ

__________________

المعوض عنه ، والنسب إلى أمة المكبر أموى برد اللام وجوبا كما هو قياس النسب إلى الثلاثى المحذوف اللام ، إذ كانت قد ردت فى جمع التصحيح

(١) وقع فى أصول الكتاب كلها «فشارك بذلك نحو عدى وغنى فى علة حذف الياء فى التصغير وقلب الياء واوا» والذى يتجه عندنا أن كلمة «التصغير» وقعت سهوا وأن الصواب «فى علة حذف الياء فى النسب» لأن حذف الياء الأولى مع قلب الثانية واوا لا يكون إلا فى النسب وعلى هذا تكون إضافة «علة» الى «حذف» على معنى اللام ، وعلة الحذف هى استثقال الياءات مع الكسرتين. نعم إن تحية وغنيا يشتركان فى باب التصغير فى حذف إحدى الياءات لوجود ياءين بعد ياء الصغير ، لكنهما عند المؤلف تحذف ياؤهما الأخيرة نسيا ، وعند ابن مالك تحذف الياء التى تلى ياء التصغير كما نص عليه فى التسهيل ، وليس من اللائق حمل كلام المؤلف على غير مذهبه ، على أنه لو أمكن تصحيح بقاء كلمة «التصغير» على حالها بالنسبة إلى حذف الياء لم يمكن بقاؤها بالنسبة إلى قلب الياء واوا ، لأن محله النسب لا التصغير ، فلا جرم وجب ما ذكرناه

(٢) قوله «وفى أمية للتصغير» هذه كلمة مستدركة ، لأنه لا يشبه تحية بأمية وانما يشبهها بنحو غنية ، ألا ترى أن وجه الشبه أنهما سواء فى الحركات والسكنات والأصل فى ذلك أن يكونا سواء فى نوع الحركة لا فى جنسها فكان الأوفق أن يقول وفى «غنية» زائدة

(٣) إنما قال «علمين» للاحتراز عن النسب إليهما جمعين فأن النسب إليهما حينئذ يرد كل واحد منهما إلى مفرده ، فتقول عصوى وقوسى

٣١

فضممت الفاء لأن أصله الضم ، وإنما كنت كسرته إتباعا لكسرة العين ، فلما انفتح العين فى النسبة رجع الفاء إلى أصلها

قال : «وتحذف الياء الثّانية فى نحو سيّد وميّت ومهيّم من هيّم ، وطأئىّ شاذ ، فإن كان نحو مهيّم تصغير مهوّم قيل مهيّمىّ بالتّعويض»

أقول : اعلم أنه إذا كان قبل الحرف الأخير الصحيح ياء مشددة مكسورة فألحقت ياء النسب به وجب حذف ثانيتهما المكسورة على أىّ بنية كان الاسم : على فيعل كميّت ، أو على مفعّل كمبيّن ، أو على أفيعل كأسيّد ، أو على فعيّل كحميّر أو على غير ذلك ، لكراهتهم فى آخر الكلمة الذى اللائق به التخفيف اكتناف ياءين مشددتين بحرف واحد مع كسرة الياء الأولى وكسرة الحرف الفاصل ، وكان الحذف فى الآخر أولى ، إلا أنه لم يجز حذف إحدى ياءى النسب لكونهما معا علامة ، ولا ترك كسرة ما قبلهما لالتزامهم كسره مطردا ، ولا حذف الياء الساكنة لئلا يبقى ياء مكسورة بعدها حرف مكسور بعدها ياء مشددة ، فان النطق بذلك أصعب من النطق بالمشددتين بكثير ، وذلك ظاهر فى الحس ، فلم يبق إلا حذف المكسورة ، فان كان الأخير حرف علة كما فى المحيّي فسيجىء حكمه ، فان كانت الياء التى قبل الحرف الأخير مفتوحة كمبيّن ومهيّم اسمى مفعول لم بحذف في النسبة شىء لعدم الثقل

قوله «وطائى شاذ» أصله طيّئىّ كميّتىّ فحذف الياء المكسورة كما هو القياس ، فصار طيئىّ بياء ساكنة ، ثم قلبوا الياء الساكنة ألفا على غير القياس قصدا للتخفيف لكثرة استعمالهم إياه ، والقياس قلبها ألفا إذا كانت عينا أو طرفا وتحركت وانفتح ما قبلها كما يجىء ، ويجوز أن يكون الشذوذ فيه من جهة حذف

٣٢

الياء الساكنة فتنقلب الياء التى هى عين ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها على ما هو القياس

قوله : «ومهيم من هيم» هو اسم فاعل من هيّمه الحب : أى صيره هائما متحيرا.

قوله «فإن كان نحو مهيّم تصغير مهوم اسم فاعل من هوم» أى نام نوما خفيفا ، فاذا صغرته حذفت إحدى الواوين ، كما تحذف فى تصغير مقدّم إحدى الدالين ، وتجىء بياء التصغير ، فإن أدغمته فيها صار مهيّما ، وإن لم تدغمه كما تقول فى تصغير أسود : أسيود (١) قلت : مهيوم ، ثم إن أبدلت من المحذوف قلت : مهيّيم ومهيويم ، كما تقول : مقيديم ، قال جار الله وتبعه المصنف : إنك إذا نسبت إلى هذا المصغر المدغم فالواجب إبدال الياء من الواو المحذوفة ، فتقول :

مهيّيمىّ لأنك لو جوزت النسب إلى ما ليس فيه ياء البدل وهو على صورة اسم فاعل من هيّم فان لم تحذف منه شيئا حصل الثقل المذكور ، وإن حذفت التبس المنسوب إلى هذا المصغر بالمنسوب إلى اسم الفاعل من هيّم ، فألزمت ياء البدل ليكون الفاصل بين الياءين المشددتين حرفين : الياء الساكنة والميم ، فتتباعدان أكثر من تباعدهما حين كان الفاصل حرفا ، فلا يستثقل اجتماع الياءين المشددتين فى كلمة حتى يحصل الثقل بترك حذف شىء منهما أو الالتباس بحذفه ، وكذا ينبغى أن ينسب على مذهبهما إلى مصغر مهيم اسم فاعل من هيّم ، أعنى بياء العوض ، وهذا الذى ذكرنا فى تصغير مهيّم ومهوّم أعنى حذف أحد المثلين مذهب سيبويه فى تصغير عطوّد (٢) على ما ذكرنا فى التصغير ، أما المبرد فلا يحذف منه شيئا ، لأن الثانى وإن كان متحركا يصير مدة رابعة فلا يختل به بنية

__________________

(١) انظر (١ : ٢٣٠) من هذا الكتاب

(٢) انظر (١ : ٢٥٣) من هذا الكتاب

٣٣

التصغير كما قال سيبويه فى تصغير مسرول (١) مسيريل ، فعلى مذهبه ينبغى أن لا يجوز فى تصغير مهوّم ومهيّم إلا مهيّم بياء ساكنة بعد المشددة كما تقول فى تصغير عطوّد : عطييد لا غير ، فعلى مذهبه لا يجىء أنه إذا نسب إلى مصغر مهوم أو مهيم يجب الإبدال من المحذوف لأنه لا يحذف شيئا حتى يبدل ، فلا ينسب هو أيضا إلى المصغر إلا مهيّيمى ، لكن الياء ليس بعوض كما ذكرنا ، ومذهب سيبويه وإن كان على ما ذكرنا من حذف إحدى الواوين فى نحو عطود ، إلا أنه لم يقل ههنا انك لا تنسب إلى المصغر إلا مع الإبدال كما ذكر جار الله ، بل قال : إنك إذا نسبت إلى مهييم الذى فيه ياء ساكنة بعد المشددة لم تحذف منه شيئا ، قال : لأنا إن حذفنا الياء التى قبل الميم بقى مهيم والنسبة إلى مهيم توجب حذف إحدى الياءين فيبقى مهيمى ، كما يقال فى حميّر : حميرى ، فيصير ذلك إخلالا به ، يعنى يختل الكلمة بحذف الياءين منها ، فاختاروا ما لا يوجب حذف شيئين ، يعنى إبقاء الياء التى هى مدة ، ليتباعد بها وبالميم الياءان المشددتان أكثر فيقل استثقال تجاورهما ، هذا قوله ، ويجوز أن يكون سيبويه ذهب ههنا مذهب المبرد من أن النسبة إلى مثله لا تكون إلا بالمد ، إذ لا يحذف من الكلمة شىء ، فلا يكون الياء فى مهيّيمى للتعويض ويجوز أن يكون ذهب ههنا أيضا إلى ما ذهب إليه فى عطوّد ، أعنى حذف أحد المثلين وجواز التعويض منه وتركه إلا أنه قصد إلى أنك إن نسبت إلى ما فيه ياء العوض لم تحذف منه شيئا خوف إجحاف الكلمة بحذف الياءين ، وإن نسبت إلى المصغر الذى ليس فيه ياء العوض حذفت الياء المكسورة وقلت : مهيمى ، كما تقول فى المنسوب إلى اسم الفاعل من هيّم وفى المنسوب إلى حميّر إذ لا إجحاف

__________________

(١) انظر (١ : ٢٥٠) من هذا الكتاب

٣٤

فيه إذن ، ولا يبالى باللبس ، وثانى الاحتمالين فى قول سيبويه أرجح ؛ لئلا يخالف قوله فى عطوّد ، وعلى كل حال فهو مخالف لما ذكر جار الله والمصنف

قال : «وتقلب الألف الأخيرة الثّالثة والرّابعة المنقلبة واوا كعصوىّ ورحوىّ وملهوىّ ومرموىّ ، ويحذف غيرهما كحبلىّ وجمزىّ ومرامىّ وقبعثرىّ ، وقد جاء فى نحو حبلى حبلوىّ وحبلاوىّ ، بخلاف نحو جمزى»

أقول : اعلم ان آخر الاسم المنسوب إليه إما أن يكون ألفا أو واوا أو ياء أو همزة قبلها ألف أو همزة ليس قبلها ذلك ، أو حرفا غير هذه المذكورة ، فالقسمان الأخيران لا يغيّر حرفهما الأخير لأجل ياء النسبة ، ونذكر الآن ما آخره ألف فنقول :

الذى آخره ألف إن كانت ألفه ثانية : فإما أن تكون لامه محذوفة كما إذا سمى بفازيد وذا مال وشاة (١) ، ولا رابع لها أولا لام له وضعا ، كما إذا سمى

__________________

(١) أصل فازيد قبل الأضافة فوه ـ بفتح أوله وسكون ثانيه ـ بدليل جمعه على أفواه وتصغيره على فويه ، ثم حذفت لامه اعتباطا فكره بقاء الاسم المعرب على حرفين ثانيهما لين فأبدل الثانى ميما فصار فم ، فأذا أضيف زال المقتضى لا بداله ميما ، لأن المضاف والمضاف إليه كالشىء الواحد فنزلوا المضاف إليه منزلة لام الكلمة فرجع حرف العلة ، فجعلوه قائما مقام حركة الأعراب فى الرفع ثم جعلوا الواو ألفا فى النصب وياء فى الجر لتكون الألف والياء مثل الفتحة والكسرة وضموا ما قبل الواو فى الرفع وفتحوا ما قبل الألف فى النصب وكسروا ما قبل الياء فى الجر طلبا للتجانس والخفة. وأما ذا مال فأصله قبل الأضافة ذوى ـ بفتح أوله وثانيه ـ على الراجح ، فحذفت لامه اعتباطا ثم جعلت عينه التى هى الواو قائمة مقام حركة الأعراب فى الرفع ، وجعلت الألف والياء قائمتين مقام الفتحة والكسرة فى حالتى النصب والجر ، ثم حركت الفاء بحركة مناسبة للعين طلبا للتجانس والخفة

٣٥

بذا (١) وما ولا ، وإن كانت ثالثة : فإما أن تكون منقلبة عن اللام كالعصى والفتى وهو الأكثر ، أو تكون أصلية كما فى متى وإذا ، وإن كانت رابعة : فاما أن تكون منقلبة عن اللام كالأعلى والأعمى ، أو للإلحاق كالأرطى (٢) والذفرى (٣) ، أو للتأنيث كحبلى وبشرى ، أو أصلية نحو كلّا وحتّى ، والخامسة قد تكون منقلبة ، وللالحاق ، وللتأنيث ، كالمصطفى والحبنطى (٤) والحبارى (٥) ، والسادسة قد تكون منقلبة كالمستسقى ؛ وللإلحاق كالمسلنقى (٦) واسلنقى علما ، وقد تكون للتأنيث كحولايا (٧) ، وقد تكون لتكثير البناء فقط كقبعثرى (٨).

__________________

وأما شاة فأصلها شوهة ـ بفتح أوله وسكون ثانيه ـ بدليل قولهم فى التصغير شويهة فحذفت لام الكلمة اعتباطا ، ثم حركت العين بالفتح لاتصال تاء التأنيث بها ، ثم أعلت العين بقلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وهذه الحركة وإن كانت عارضة إلا أنها لازمة ، فجعلت كالأصلية فاعتد بها فى الأعلال بخلاف حركة نحو شى فى شىء وضو فى ضوء ونحو اشتروا الضلالة ، ولا تنسوا الفضل بينكم

(١) مراده ب «ذا» ذا الأشارية ، وقد تبع فى جعلها ثنائية الوضع ابن يعيش فى شرح المفصل. انظر (١ : ٢٨٥) من هذا الكتاب

(٢) انظر (١ : ٥٧)

(٣) انظر (١ : ٧٠) ـ و (١ : ١٩٥) من هذا الكتاب

(٤) انظر (١ : ٥٤) ـ و (١ : ٢٥٥) من هذا الكتاب

(٥) انظر (١ : ٢٤٤) ـ و (١ : ٢٥٧) من هذا الكتاب

(٦) مسلنقى : اسم مفعول من اسلنقى ، وهو مطاوع سلقاه ؛ إذا صرعه وألقاه على ظهره

(٧) حولايا : اسم قرية من عمل النهروان على ما فى القاموس ، وقد ذكر المؤلف فى باب التصغير أنها اسم رجل : انظر (١ : ٢٤٦) من هذا الكتاب

(٨) انظر (١ : ٩) من هذا الكتاب

٣٦

فالثانية التى لامها محذوفة إن وقع موقعها قبل النسب حرف صحيح على وجه الأبدال قلب الألف فى النسبة إليه ؛ فيقال فى النسب إلى فازيد علما : فمىّ ، بحذف المضاف إليه كما يجىء ، وأما قلبها فى النسب ميما فلأن ياء النسب كأنها الاسم المنسوب ، والمجرد عنها هو المنسوب إليه ؛ فلا جرم لا يلحق هذه الياء أسما إلا ويمكنه أن يستقلّ بنفسه من دون الياء ويعرب ، وكذا ينسب إلى فوزيد وفى زيد علمين ، وإن لم يقع موقعها حرف صحيح على وجه الابدال رد اللام كما تقول فى المسمى بذا مال وفى شاة : ذووىّ وشاهىّ ، (١) وكذا تقول فى المسمى بذو مال وذى مال ، والثانية التى لا لام لها وضعا يزاد عليها مثلها. كما يجىء ؛ لأن الملحق به ياء النسب كما قلنا يجب أن يمكن كونه اسما معربا من دون الياء ، فإذا زدت عليها ألفا اجتمع ألفان ؛ فتجعل ثانيتهما همزة ؛ لأن الهمزة من مخرج الألف ومخرج الفتحة التى قبلها ، ولم تقلب الألف واوا وإن كان إبدال حروف العلة بعضها من بعض أكثر من إبدالها بغيرها ، كما تقول فى الرحى : رحوىّ على ما يجىء ، لأن وقوع الهمزة طرفا بعد الألف أكثر من وقوع الواو بعدها ، فتقول ذائىّ فى ذا للاشارة ، ولائىّ ومائىّ ، فقولهم : مائيّة الشىء منسوب إلى ما المستفهم بها عن حقيقة الشىء كما مر فى الموصولات ومن قال ماهيّة فقد قلب

__________________

(١) ذووى على أن أصل ذا مال «ذوو» واضح ، وأما على أن أصلها ذوى فوجهه أن الياء قلبت واوا دفعا لاستثقال الياءات والكسرة كما فى عم وشج وشاهى فى النسبة إلى شاة مبنى على مذهب سيبويه من أن ساكن العين إذا تحرك بعد حذف لامه يبقى على حركته عند رد اللام فى النسب ؛ لأن ياء النسبة عارضة ولا اعتداد بالعارض ، أما على مذهب الأخفش من أن العين إذا تحركت بعد حذف اللام ترجع إلى سكونها بعد رد اللام فيقال شوهى لا شاهى ؛ لأن المقتضى لتحريك العين هو حذف اللام فاذا ردت اللام زال المقتضى لتحريك العين فترجع إلى سكونها

٣٧

الهمزة هاء لتقاربهما ، وحال الواو والياء ثانيتين لا ثالث لهما كحال الألف سواء ، فتقول فى المنسوب إلى لو : لوّىّ وفى المنسوب إلى فى : فيوىّ ، وأصله فيّيىّ فعمل به ما عمل بالمنسوب إلى حى كما يجىء

وإن كانت الألف ثالثة قلبت واوا مطلقا ، وإنما لم تحذف الألف للساكنين كما تحذف فى نحو الفتى الظريف لأنها لو حذفت وجب بقاء ما قبل الألف على فتحته دلالة على الألف المحذوفة ، لأن ما حذف لعلة لا نسيا تبقى حركة ما قبل المحذوف فيه على حالها كما فى قاض وعصا فكنت تقول فى النسبة إلى عصا وفتى : عصىّ وفتىّ بالفتح ، إذ لو كسر ما قبل الياء لا التبس بالمحذوف لامه نسيا كيدىّ ودمىّ فكان إذن ينخرم أصلهم الممهد ، وهو أن ما قبل ياء النسبة لا يكون إلا مكسورا فى اللفظ ليناسبها ، بخلاف ما قبل ياء الإضافة فإنه قد لا يكون مكسورا كمسلماى وفتاى ومسلمىّ ، وذلك لكون ياء الاضافة اسما برأسه ، بخلاف ياء النسبة ، فأنها أوغل منها فى الجزئية وان لم تكن جزأ حقيقيا كما مر ، وإنما لم تبدل الألف همزة لأن حروف العلة بعضها أنسب إلى بعض

وأما إبدالهم الألف همزة فى نحو صفراء وكساء ورداء دون الواو والياء فلما يجىء من أنها لو قلبت إلى أحدهما لوجب قلبها ألفا ، فكان يبطل السعى ، وإنما لم تقلب ياء كراهة لاجتماع الياءات ، وإنما لم يقلب واو نحور جوىّ ألفا مع تحركها وانفتاح ما قبلها لعروض حركتها (١) لأن ياء النسب كما مر ليس له اتصال تام بحيث يكون كجزء مما قبله بل هو كالاسم المنسوب ، وأيضا لئلا يصار إلى ما فرّ منه

__________________

(١) الأولى أن يقتصر فى عدم قلب واو نحو رحوى ألفا على التعليل الثانى ؛ إذ لا يظهر لدعوى عروض حركة الواو وجه ، اللهم إلا أن يقال إن الواو لما كانت منقلبة عن الألف الساكنة لأجل ياء النسبة العارضة كان أصل الواو السكون وتحريكها إنما جاء لياء النسبة

٣٨

وأما الألف الرابعة فإن كانت منقلبة ، أو للالحاق ، أو أصلية ، فالأشهر الأجود قلبها واوا دون الحذف ؛ لكونها أصلا أو عوضا من الأصل أو ملحقة بالأصل ، وإن كانت للتأنيث فالأشهر حذفها لأنه إذا اضطر إلى إزالة عين العلامة فالأولى بها الحذف ، فرقا بين الزائدة الصرفة والأصلية أو كالأصلية ، ويتحتم حذفها إذا تحرك ثانى الكلمة كجمزى (١) ؛ لزيادة الاستثقال بسبب الحركة ، فصارت الحركة ـ لكونها بعض حروف المد كما ذكرنا غير مرة ـ كحرف ، فإذا كان الأولى بألف التأنيث من دون هذا الاستثقال الحذف كما ذكرنا صار معه واجب الحذف

وكما يتحتم حذف الألف خامسة كما يجىء يتحتم حذفها رابعة مع تحرك ثانى الكلمة ، والحركة قد تقوم مقام الحرف فيما فيه نوع استثقال كما مر فيما لا ينصرف ألا ترى أن قدما يتحتم منع صرفه علما كعقرب دون هند ودعد ، (٢) وإن

__________________

(١) يقال : جمز الانسان والبعير والدابة يجمز ، كيضرب ، جمزا وجمزى ؛ إذا عدا عدوا دون الجرى الشديد ، ويقال : حمار جمزى إذا كان وثابا سريعا

(٢) قال المؤلف فى شرح الكافية (١ : ٤٤): «فالمؤنث بالتاء المقدرة حقيقيا كان أولا إذا زاد على الثلاثة وسميت به لم ينصرف سواء سميت به مذكرا حقيقيا أو مؤنثا حقيقيا أولا هذا ولا ذاك ، وذلك لأن فيه تاء مقدرة وحرفا سادا مسده ؛ فهو بمنزلة حمزة ، وإن كان ثلاثيا فأما أن يكون متحرك الأوسط أولا ، والأول إن سميت به مؤنثا حقيقيا كقدم فى اسم امرأة أو غير حقيقى كسقر لجهنم فجميع النحويين على منع صرفه ، للتاء المقدرة ولقيام تحرك الوسط مقام الحرف الرابع القائم مقام التاء ، والدليل على قيام حركة الوسط مقام الحرف الرابع أنك تقول فى حبلى : حبلى وحبلوى ، ولا تقول فى جمزى إلا جمزى ، كما لا تقول فى جمادى إلا جمادى ، وخالفهم ابن الأنبارى فجعل سقر كهند فى جواز الأمرين نظرا إلى ضعف الساد مسد التاء ، وإن سميت به مذكرا حقيقيا أو غير حقيقى فلا خلاف عندهم فى وجوب صرفه ، لعدم تقدير تاء التأنيث ، وذلك كرجل سميته يسقر وكتاب سميته بقدم» اه

٣٩

كان ثانى الكلمة ساكنا جاز تشبيه ألف التأنيث بالألف المنقلبة ، والأصلية والتى للالحاق ، فتقول : حبلوى ، وبألف التأنيث الممدودة ، فتزيد قبلها ألفا آخر ، وتقلب ألف التأنيث واوا فتقول : حبلاوىّ ودنياوىّ كصحراوىّ ، وكما جاز تشبيه ألف التأنيث بالمنقلبة والأصلية والتى للالحاق جاز تشبيه المنقلبة والأصلية والتى للالحاق بألف التأنيث المقصورة فى الحذف ، فتقول : ملهىّ وحتّىّ وأرطىّ ، وبألف التأنيث الممدودة ، تقول : ملهاوىّ وحتّاوى وأرطاوى ، وقد شبهوا ـ فى الجمع أيضا ـ المنقلبة بألف التأنيث لكن قليلا ، فقالوا : مدارى فى جمع مدرى (١) ، كحبالى فى جمع حبلى كما يجىء فى بابه (٢)

وأما الخامسة فما فوقها فانها تحذف فى النسب مطلقا ، منقلبة كانت أو غيرها ، بلا خلاف بينهم ؛ للاستثقال ؛ إلا أن تكون خامسة منقلبة وقبلها حرف مشدد ؛

__________________

(١) قال : فى اللسان : «والمدرى والمدراة (بكسر أولهما وسكون ثانيهما) والمدرية (بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه) : القرن ، والجمع مدار ، ومدارى الألف بدل من الياء ، ودرى رأسه بالمدرى : مشطه. قال ابن الأثير : المدرى والمدراة : شىء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد ، ويستعمله من لم يكن له مشط ، ومنه حديث أبى : أن جارية له كانت تدرى رأسها بمدراها : أى تسرحه ، يقال : ادرت المرأة تدرى ادراء ، إذا سرحت شعرها به ، وأصلها تدترى : تفتعل من استعمال المدرى ، فأدغمت التاء فى الدال» اه

(٢) قال المؤلف فى باب الجمع من هذا الكتاب : «وقد جاء فى بعض ما آخره ألف منقلبة ما جاء فى ألف التأنيث من قلب الياء ألفا تشبيها له به ، وذلك نحو مدرى ، ومدار ، ومدارى ـ بالألف ـ وذلك ليس بمطرد. وقال السيرافى : هو مطرد ، سواء كان الألف فى المفرد منقلبة أو للألحاق وإن كان الأصل إبقاء الياء ، فتقول على هذا فى ملهى : ملاه وملاهى ، وفى أرطى : أراط وأراطى ، وقال : إنه لا يقع فيه إشكال ، والأولى الوقوف على ما سمع» اه

٤٠