شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

أقبح الشذوذ ؛ لأن هاء السكت لا يلحق إلا ما حركته غير إعرابية ، وأيضا حرك المضعف لا لأجل حرف الإطلاق كما ذكرنا

قال : «ونقل الحركة فيما قبله ساكن صحيح إلّا الفتحة إلّا فى الهمزة ، وهو أيضا قليل ، مثل هذا بكر وخبؤ ، ومررت ببكر وخبىء ، ورأيت الخبأ ، ولا يقال رأيت البكر ، ولا هذا حبر ، ولا من قفل ، ويقال : هذا الرّدؤ ومن البطىء ، ومنهم من يفرّ فيتبع»

أقول : قوله «ونقل الحركة» هذا وجه آخر من وجوه الوقف ، وهو قليل كقلة التضعيف ، إلا فى الهمزة كما ذكرنا ، وذلك لغرض لهم ذكرناه فى نقل حركة الهمزة ، وإنما قلّ هذا لتغير بناء الكلمة فى الظاهر بتحرك العين الساكن مرة بالضم ومرة بالفتح ومرة بالكسر ، وإن كانت الحركات عارضة ، وأيضا لاستكراه انتقال الإعراب الذى حقه أن يكون على الأخير إلى الوسط ، وإنما سهل لهم ذلك الفرار من الساكنين والضن بالحركة الإعرابية الدالة على المعنى ، ولو ثبت ذلك فى نحو منذ من المبنيات فالمسهل الفرار من الساكنين فقط ، وهذا النقل ثابت فى الرفع والجر اتفاقا ، وأما فى النصب : فإن كان الاسم منونا فلا يثبت إلا فى لغة ربيعة لحذفهم الفتحة أيضا ، وإن لم يكن منونا فقد منعه سيبويه ، وقال : لا يقال رأيت البكر ، بناء على أن اللام عارضة ، والأصل التنوين ، فالمعرف باللام فى حكم المنون ، وغير سيبويه جوزه ؛ لكونه مثل المرفوع والمجرور سواء فى وجوب إسكان اللام ، وأما إن كان المنصوب غير المنون مهموز الآخر فقد ثبت النقل فيه اتفاقا ، لما ذكرنا قبل من خفاء الهمزة ساكنة بعد الساكن ، ولكراهتهم ذلك فى الهمزة جوزوا فيها النقل مع الأداء إلى الوزن المرفوض ، نحو هذا الرّدؤ ومن البطىء ، ولم يجوزوا ذلك فى غيرها ؛ فلم يقولوا : هذا عدل ولا من قفل ، بل من كان ينقل فى نحو بكر إذا اتفق له مثل عدل وقفل

٣٢١

أتبع العين الفاء فى الرفع والنصب والجر ، فيقول : هذا العدل والقفل ، ورأيت العدل والقفل ومررت بالعدل والقفل ؛ لأنه لما لزمه تسوية الرفع والجر فيهما لئلا يؤدى إلى الوزن المرفوض أتبعهما المنصوب وجعل الأحوال الثلاث متساوية

قوله «ومنهم من يفر فيتبع» يعنى فى المهموز فى الأحوال الثلاث ، وكذا غير المهموز ، وإن لم يذكره المصنف ، والفرق بين المهموز وغيره أن المهموز يغتفر فيه الأداء إلى الوزن المرفوض فيجوز ذلك كما يجوز الاتباع ، وأما غير المهموز فلا يجوز فيه إلا الإتباع

ولم يذكر المصنف فى هذا الفصل أيضا وقف أهل الحجاز

هذا ، وقد ذكرنا قبل أن هاء الضمير كالهمز فى الخفاء ، فإذا سكن ما قبلها وهو صحيح جاز نقل ضمتها لبيانها إلى ذلك الساكن ، نحو منه وعنه ، قال :

١١٤ ـ عجبت والدّهر كثير عجبه

من عنزىّ سبّنى لم أضربه (١)

وبعض بنى عدى من بنى تميم يحركون ما قبل الهاء للساكنين بالكسر

__________________

(١) هذا بيت من الرجز لزياد الأعجم ـ وهو من شواهد سيبويه (ح ٢ ص ٢٨٧). العنزى : نسبة إلى عنزة وهى قبيلة من ربيعة بن نزار ، وهى عنزة بن أسد ابن ربيعة ، وزياد الأعجم قائل هذا البيت أحد بنى عبد القين. والاستشهاد بالبيت فى قوله «لم أضربه» حيث نقل حركة الهاء إلى الباء ليكون أبين لها فى الوقف ، وذلك من قبيل أن الهاء الساكنة خفية ، فاذا وقف عليها بالسكون وقبلها ساكن كان ذلك أخفى لها ، قال أبو سعيد السيرافى : «إنما اختاروا تحريك ما قبل الهاء فى الوقف إذا كان ساكنا لأنهم إذا وقفوا أسكنوا الهاء ، وما قبلها ساكن ، فيجتمع ساكنان والهاء خفية ، ولا تبين إذا كانت ساكنة وقبلها حرف ساكن فحركوا ما قبلها بالفاء حركتها على ما قبلها ، وبعضهم ـ وهم بنو عدى ـ لما اجتمع الساكنان فى الوقف وأرادوا أن يحركوا ما قبل الهاء لبيان الهاء حركه بالكسر كما يكسر الحرف الأول لاجتماع الساكنين فى نحو قولنا : لم يقم الرجل ، وذهبت الهندات» اه

٣٢٢

فيقولون : ضربته وقالته ، والأول هو الأكثر ، ولا ينقل الحركة إلى الساكن إذا كان مدغما لئلا يلزم انفكاك الإدغام ، نحو الرّدّ والشّدّ

قوله «صحيح» وإنما اشترط ذلك لأن حرف العلة لا تنقل الحركة إليه لثقلها عليه ، وذلك نحو زيد وحوض

واعلم أنه يجوز أن يوقف على حرف واحد كحرف المضارعة فيوصل بهمزة بعدها ألف ، وقد يقتصر على الألف ، قال :

١١٥ ـ بالخير خيرات وإن شرّافا

ولا أريد الشّرّ إلّا أن تا (١)

أى : إن شرا فشر ، ولا أريد الشر إلا أن تشاء ، ويروى «فأا» و «تأا» كأنه زيد على الألف ألف آخر كإشباع الفتحة ، ثم حركت الأولى للساكنين فقلبت همزة كما ذكرنا فى دأبّة

__________________

(١) هذا بيت من الرجز لم نعثر له على قائل ، وقد استشهد به سيبويه (ح ٢ ص ٦٢) والشاهد فيه قوله «فا» وقوله «تا» يريد فشر ، وتشاء ؛ فاقتصر على الفاء وهى أول الكلمة الأولى ، وعلى التاء وهى أول الثانية ، ولما لفظ بهما وفصلهما مما بعدهما ألحقهما الألف للسكت عوضا من الهاء التى يوقف عليها ، وذلك كما وقفوا على «أنا» و «حيهلا» بالألف ، قال أبو سعيد السيرافى : «إذا سميت رجلا بالباء من ضرب فمذهب الأخفش أن يزيد عليه ما يصيره بمنزلة اسم من الأسماء المعربة ، وفيها ما يكون على حرفين كيد ودم ، وأولى ما ترده إليه ما كان فى الكلمة ، فترد الضاد فنقول : ضب ، وقال المازنى : أرد أقرب الحروف إليه وهو الراء فأقول : رب ، وقال أبو العباس : أرد الحروف كلها فأقول : ضرب» اه. قال سيبويه : «وسمعت من العرب من يقول : ألا تا ، بلى فا ، فأنما أرادوا «ألا تفعل» و «بلى فافعل» ولكنه قطع كما كان قاطعا بالألف فى أنا ، وشركت الألف الهاء كشركتها فى قوله : أنا ، بينوها بالألف كبيانهم بالهاء فى «هى» ـ «هن» و «بغلتيه» قال الراجز : * بالخير خيرات ... البيت* يريد إن شرا فشر ، ولا يريد الشر إلا أن تشاء» اه

٣٢٣

وقد يجرى الوصل مجرى الوقف والغالب منه فى الشعر للضرورة الداعية إليه ، قال :

١١٦ ـ لمّا رأى أن لادعه ولا شبع

مال إلى أرطاة حقف فالطجع (١)

وربما جاء فى غير الشعر نحو ثلاثه اربعه ، وكذا جميع الأسماء المعددة تعديدا كما ذكرنا ، وذلك واجب فيها كما مر ، وقوله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) فى قراءة ابن عامر ، وقوله تعالى (كِتابِيَهْ) و (حِسابِيَهْ) وصلا كما فى بعض القراءات ، وقوله تعالى : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) بإثبات ألف «أنا»

قال : «المقصور : ما آخره ألف مفردة كالعصا والرّحى ، والممدود ما كان بعدها فيه همزة كالكساء ، والرّداء ؛ والقياسىّ من المقصور ما يكون قبل آخر نظيره من الصّحيح فتحة ، ومن الممدود ما يكون ما قبله ألفا ؛ فالمعتلّ اللّام من أسماء المفاعيل من غير الثّلاثىّ المجرّد مقصور ، كمعطى ومشترى ؛

__________________

(١) هذا بيت من الرجز لمنظور بن مرثد الأسدى ، وقد استشهد به كثير من النحاة منهم الزمخشرى وابن جنى وابن هشام والمرادى ، وقبله :

يا ربّ أبّاز من العفر صدع

تقبّض الذّئب إليه واجتمع

والأباز : العداء ، وفعله أبز من باب ضرب ، تقول : أبز الظبى يأبز ، إذا عدا. والعفر : جمع أعفر ، وهو الأبيض الذى ليس بشديد البياض. والصدع : الخفيف اللحم. وتقبض : انزوى وانضم. والدعة : خفض العيش ، والتاء فيه بدل من الفاء الذاهبة فى أوله. والأرطاة واحدة الأرطى ، وهو شجر من شجر الرمل. والحقف ـ بكسر الحاء وسكون القاف ـ : التل المعوج. والطجع : أصله اضطجع ، فأبدل الضاد لاما ، ويروى «فاطجع» بابدال الضاد طاء ، ويروى «فاضجع» بابدال الطاء ضادا ، ويروى «فاضطجع» على الأصل. والاستشهاد بالبيت فى قوله «ألادعه» حيث أبدل التاء هاء فى الوصل إجراء له مجرى الوقف.

٣٢٤

لأنّ نظائرهما مكرم ومشترك ، وأسماء الزّمان والمكان والمصدر ممّا قياسه مفعل ومفعل كمغزى وملهى ، لأنّ نظائرهما مقتل ومخرج ، والمصدر من فعل فهو أفعل أو فعلان أو فعل كالعشى والطّوى والصّدى ؛ لأنّ نظائرها الحول والعطش والفزع ، والغراء شاذّ ، والأصمعىّ يقصره ، وجمع فعلة وفعلة كعرى وجزى لأنّ نظائرهما قرب وقرب»

أقول : قوله «ألف مفردة» احتراز عن الممدودة ؛ لأنها فى الأصل ألفان قلبت الثانية همزة ، ولا حاجة إلى هذا ؛ فان آخر قولك كساء وحمراء ليس ألفا ، بلى قد كان ذلك فى الأصل ، ولو نظر إلى الأصل لم يكن نحو الفتى والعصا مقصورا.

قوله «بعدها فيه» أى : بعد الألف فى الآخر ، فتخلوا الصلة عن العائد إلى الموصول ، وإن قلنا إن الضمير فى «فيه» لما ؛ فسد الحد بنحو جاء وجائية ، والأولى أن يقال : الممدود ما كان آخره همزة بعد الألف الزائدة لأن نحو ماء وشاء لا يسمى فى الاصطلاح ممدودا

والمقصور القياسى : مقصور يكون له وزن قياسى ، كما تقول مثلا : إن كل اسم مفعول من باب الإفعال على وزن مفعل ، فهذا وزن قياسى ، فاذا كان اللام حرف علة ـ أعنى الواو والياء ـ انقلبت ألفا

قوله «ومن الممدود» يعنى أن القياسى من الممدود أن يكون ما قبله : أى ما قبل آخر نظيره من الصحيح ؛ ألفا ، والأولى أن يقال : الممدود القياسى ممدود يكون له وزن قياسى ، فاذا عرفنا المقصور والممدود أولا كفى فى حد المقصور والممدود القياسيين أن نقول : هما مقصور وممدود لهما وزن قياسى

والحدان اللذان ذكرهما المصنف لا يدخل فيهما نحو الكبرى تأنيث الأكبر ، وحمراء تأنيث الأحمر ، مع أنهما قياسيان ؛ لأن كل مؤنث لأفعل التفضيل مقصور ، وكل مؤنث لأفعل الذى للألوان والحلى ممدود

٣٢٥

والأولى فى تسمية المقصور مقصورا أنه لكونه لا مد فى آخره ، وذلك لأنه فى مقابلة الممدود ، يقال : يجوز فى الشعر قصر الممدود : أى الإتيان بالألف فقط ، وقال بعضهم : سمى مقصورا لكونه محبوسا ممنوعا من الحركات ، من قولهم : «قصرته» أى حبسته ، ولا يسمى بالمقصور والممدود فى الاصطلاح إلا الاسم المتمكن ، فلا يقال : إن إذا ومتى وما ولا مقصورة ، وأما قولهم : هؤلاء مقصورا أو ممدودا ؛ فتجوّز وقصد للفرق بين لغتى هذه اللفظة

قوله «من غير الثلاثى المجرد» فمن أفعل نحو معطى ، ومن فعّل نحو : مسمّى ، ومن فاعل نحو مرامى ، ومن افتعل نحو مشترى ، ومن انفعل نحو منجلى عنه ، ومن استفعل نحو مستدعى ، ومن تفعّل نحو متسلّى عنه ، ومن تفاعل نحو متقاضى منه ، ومن افعلّ وافعالّ مرعوى عنه ومحواوى له ، ومن فعلل مقوقى فيه ، وكذا كل موضع وزمان من فعلى وافعنلى كسلقى (١) واغرندى (٢)

قوله «وأسماء الزمان والمكان والمصدر» يعنى من المعتل اللام ، وكذا كل ما يذكر بعده من قياسات المقصور والممدود ، فالزمان والمكان والمصدر من ناقص الثلاثى المجرد مفعل بفتح العين ، سواء كان من يفعل أو يفعل أو يفعل ، كما مر فى أسماء الزمان والمكان ، وأما من غير الثلاثى المجرد فالثلاثة على وزن مفعوله كما مضى فى الباب المذكور ، سواء كان المفعول مفعلا أو مفتعلا أو مستفعلا أو غير ذلك ، ولم يذكر المصنف إلا مفعلا

قوله «والمصدر من فعل» أى المصدر المعتل اللام ، وليس كل مصدر من فعل الناقص الذى نعته على أحد الثلاثة الأوجه بمقصور ، ألا ترى إلى قولهم خزى يخزى خزيا فهو خزيان وروى يروى ريّا فهو ريّان ، بل يجب أن

__________________

(١) أنظر (ح ١ ص ٥٥ و ٦٨)

(٢) أنظر (ح ١ ص ١١٣)

٣٢٦

يكون مقصورا إذا كان مفتوح الفاء والعين ، وإنما شرط أن يكون النعت من المصدر المقصور على الأوزان المذكورة احترازا عن نحو فنى يفنى فناء

قوله «والغراء شاذ» حكى سيبويه غرى يغرى (١) غراء ، وظمى يظمى ظماء ، وقال الأصمعى : هو غرى ، على القياس

قوله : «جمع فعلة وفعلة» أى : إذا كان معتل اللام ، وذلك لما ذكرنا أن جمع فعلة فعل وجمع فعلة فعل.

ومن المقصور القياسى : كل مؤنث لأفعل التفضيل ، وكل مؤنث بغير هاء لفعلان الصفة ، وكل جمع لفعيل بمعنى مفعول إذا تضمن معنى البلاء والآفة ، وكل مذكر لفعلاء المعتل لامه من الألوان والحلى والخلق ، كأحوى وحوّاء ، وكل مؤنث بالألف من أنواع المشى كالقهقرى (٢) ، والخوزلى (٣) ، والبشكى (٤) ، والمرطى (٥) ، وكل ما يدل على مبالغة المصدر من المكسور فاؤه المشدد عينه ،

__________________

(١) تقول : غرى بالشىء يغرى ـ كفرح يفرح ـ غرى وغراء ، إذا أولع به ، كما تقول : أغرى به ؛ بالبناء للمجهول ، والذى ذهب إليه المصنف من أن الغراء ـ بالفتح والمد ـ مصدر غرى هو ظاهر عبارة سيبويه ، وهو ما حكاه ابن عصفور وغيره ، وقد جزم صاحب الصحاح بأنه اسم مصدر وليس بمصدر ، وعلى هذا يكون من الممدود السماعى كالغراء ـ بالكسر والمد ـ الذى يلصق به الشىء.

(٢) القهقرى : الرجوع إلى خلف ، ومثله القهقرة بالتاء

(٣) الخوزلى : مشية فيها تثاقل وتبختر كالخيزل والخيزلى ، قال المتنبى :

ألا كلّ ماشية الهيدبا

فدا كلّ ماشية الخوزلى

(٤) البشكى : خفة المشى ، يقال : ناقة بشكى ، إذا كانت خفيفة المشى ، وكأنه من الوصف بالمصدر

(٥) المرطى : الاسراع فى المشى ، يقال : مرط يمرط ـ كنصر ينصر ـ مرطا ومروطا ومرطى ، إذا أسرع

٣٢٧

كالرّمّيّا (١) ، والخلّيفى (٢) ، وروى الكسائى المد فى الخصّيصى (٣) ، كما مر فى باب المصدر

ومما الغالب فيه القصر كل مفرد معتل اللام يجمع على أفعال : كندى وأنداء ، وقفا وأقفاء ، وجاء غثاء (٤) وأغثاء ؛ وروى قفاء بالمد مع أن جمعه أقفاء

قال : «ونحو الإعطاء ، والرّماء ، والاشتراء ، والاحبنطاء ؛ ممدود ؛ لأنّ نظائرها الإكرام والطّلاب والافتتاح والاحرنجام ، وأسماء الأصوات المضموم أوّلها ، كالعواء والثغاء (٥) ؛ لأنّ نظائرهما النّباح والصّراخ ، ومفرد أفعلة ، نحو كساء وقباء (٦) ، لأنّ نظائرهما حمار وقذال ، وأندية شاذ ، والسّماعىّ نحو : العصا والرّحى والخفاء والأباء (٧) ممّا ليس له نظير يحمل عليه»

__________________

(١) الرميا : انظر (ح ١ ص ١٦٨)

(٢) الخليفى : أنظر (ح ١ ص ١٦٨)

(٣) الخصيصى : مصدر خصه بالشىء يخصه خصا وخصوصا وخصوصية وخصوصية ـ بفتح الخاء أو ضمها ـ وخصيصى ، إذا أفرده به دون غيره. وانظر (ح ١ ص ١٦٨)

(٤) الغثاء : ما يحمله السيل من الزبد والوسخ وغيره ، والغثاء بالتشديد ـ مثله ، وهما أيضا الهالك البالى من ورق الشجر ، وفى التنزيل (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى)

(٥) العواء : صوت الكلب والذئب. والثغاء : صوت الغنم والظباء

(٦) القباء ـ بالفتح والمد ـ : نوع من الثياب

(٧) الأباء ـ بفتح الهمزة ـ : اسم جنس جمعى ، واحدته أباءة ـ كعباءة ـ وهو القصب. وقد وقع فى بعض النسخ «الاناء» بالنون ، فى مكان الأباء ، وهو خطأ فأن الأناء ممدود قياسى ، لأن جمعه آنية ـ كقذال وأقذلة ـ فيكون نظير كساء وأكسية وقباء وأقبية

٣٢٨

أقول : قوله «ونحو الإعطاء والرّماء» يعنى كل مصدر لأفعل وفاعل ناقص غير مصدّر بميم زائدة ، احترازا عن نحو المعطى والمرامى ، وكل مصدر لافتعل وانفعل واستفعل وافعلّ وافعالّ ناقص فهو ممدود ، كالإعطاء والرماء والاشتراء والانجلاء والاستلقاء والارعواء والاحويواء ، وكذا كل مصدر معتل اللام لفعلل على غير فعللة ، نحو : قوقى قيقاء ، وكل مصدر لا فعنلى كاحبنطى ، وكذا كل صوت معتل اللام مضموم الفاء ، احترازا عن نحو الدّوىّ ، وقد ذكرنا فى المصادر أن الأصوات على فعال أو فعيل ، وكذا كل مفرد لأفعلة معتل اللام مفتوح الفاء والعين ، احترازا عن نحو ندىّ وأندية ، وشذ رحى وأرحية ، وقفا المقصور وأقفية ، وأما قفاء بالمد وأقفية فقياس ، وشذ أيضا ندى وأندية ، قال :

١١٧ ـ فى ليلة من جمادى ذات أندية

لا يبصر الكلب من ظلمائها الطّنبا (١)

__________________

(١) هذا بيت من بحر البسيط من قصيدة لمرة بن محكان وهو من شعراء الحماسة ، وقد اختار أبو تمام منها أبياتا فى باب الأضياف والمديح ، وقبل البيت الشاهد قوله :

يا ربّة البيت قومى غير صاغرة

ضمّى إليك رحال القوم والقربا

وبعده بيت الشاهد ، وبعده قوله

لا ينبح الكلب فيها غير واحدة

حتّى يلفّ على خرطومه الذنبا

ربة البيت : المراد منها امرأته ، وقوله «غير صاغرة» أراد غير مستهان بك ، وذلك لأن إكرام الضيف عنده من أقدس الواجبات ، والرحال : جمع رحل يريد به متاع الضيفان. والقرب : جمع قراب مثل كتاب وكتب ، وهو جفن السيف ، وإنما أمرها أن تضم إليها قرب سيوفهم لأنهم إذا نزلوا عنده أمنوا أن يصيبهم مكروه ، وقوله «فى ليلة من جمادى» أراد فى ليلة من ليالى الشتاء ، وذلك لأن الشتاء عندهم زمان الجدب والحاجة ، والأندية : جمع ندى ، والندى : البلل ، وتميل ما سقط آخر الليل ، والطنب : الحبل الذى تشد به الخيمة. والاستشهاد بالبيت فى قوله «أندية»

٣٢٩

وكذا كل مؤنث بغير التاء لأفعل الذى للألوان والحلى كأحمر وحمراء

قوله «مما ليس له نظير» أى : من ناقص ليس له نظير من الصحيح ، والحق أن يقال : مما ليس له ضابط ؛ ليدخل فيه نحو القرنبي (١) والكمّثرى والسّيراء (٢) والخشّاء (٣) ونحوها

قال : «ذو الزيادة : حروفها اليوم تنساه ، أو سألتمونيها ، أو السّمان هويت : أى الّتى لا تكون الزّيادة لغير الإلحاق والتّضعيف إلّا منها ، ومعنى الإلحاق أنّها إنّما زيدت لغرض جعل مثال على مثال أزيد منه ليعامل معاملته ، فنحو قردد ملحق ، ونحو مقتل غير ملحق لما ثبت من قياسها لغيره ، ونحو أفعل وفعّل وفاعل كذلك ؛ لذلك ولمجىء مصادرها مخالفة ، ولا يقع الألف للإلحاق فى الاسم حشوا ؛ لما يلزم من تحريكها»

__________________

حيث جمع ندى عليه ، وذلك شاذ ، لأن أفعلة جمع للممدود لا للمقصور ، ومن الناس من قال : الأندية جمع نداء ـ بكسر النون ـ وهو جمع ندى ؛ فيكون أندية جمع الجمع ، وحينئذ يكون قياسا

(١) القرنبى : دويبة شبه الخنفساء أو أعظم منها قليلا طويلة الرجل ، قال جرير :

ترى التّيمىّ يزحف كالقرنبى

إلى تيميّة كعصا المليل

وفى المثل «القرنى فى عين امها حسنة». والمليل : الخبز الذى يخبز فى الملة وهى الرماد الحار ، ويريد من عصا المليل العصا التى يحرك بها الخبز

(٢) السيراء ـ بكسر السين وفتح الياء ممدودا ، وبقصر ـ : ضرب من البرود ، وضرب من النبت ، والجريدة من جرائد النخل

(٣) الخشاء ـ بضم الخاء وتشديد الشين ممدودا ، والخششاء ـ بضم الخاء والشين الأولى ـ : العظم الدقيق العارى من الشعر الناتىء خلف الأذن ، والخشاء ـ بفتح الخاء وتشديد الشين ـ الأرض التى فيها رمل ؛ فقول المؤلف «والخشاء» يحتمل أن يكون بضم الخاء وفتحها

٣٣٠

أقول : قيل : سأل تلميذ شيخه عن حروف الزيادة فقال : سألتمونيها ؛ فظن أنه لم يجبه إحالة على ما أجابهم به قبل هذا ؛ فقال : ما سألتك إلا هذه النوبة ؛ فقال الشيخ : اليوم تنساه ؛ فقال : والله لا أنساه ؛ فقال : قد أجبتك يا أحمق مرتين

وقيل : إن المبرد سأل المازنى عنها فأنشد المازنى :

هويت السّمان فشيّبننى

وقد كنت قدما هويت السّمانا

فقال : أنا أسألك عن حروف الزيادة وأنت تنشدنى الشعر ؛ فقال : قد أجبتك مرتين ، وقد جمع ابن خروف منها نيفّا وعشرين تركيبا محكيا وغير محكى ، قال : وأحسنها لفظا ومعنى قوله

سألت الحروف الزّائدات عن اسمها

فقالت ولم تبخل : أمان وتسهيل

وقيل : هم يتساءلون ، وما سألت يهون ، والتمسن هواى ، وسألتم هوانى ، وغير ذلك

قوله «أى التى لا تكون الزيادة الخ» يعنى ليس معنى كونها حروف الزيادة أنها لا تكون إلا زائدة ؛ إذ ما منها حرف إلا ويكون أصلا فى كثير من المواضع ؛ بل المعنى أنه إذا زيد حرف على الكلمة لا يكون ذلك المزيد إلا من هذه الحروف ، إلا أن يكون المزيد تضعيفا ، سواء كان التضعيف للإلحاق أو لغيره كقردد (١) ، وعبّر ، فإن الدال والباء ليستا منها ، فالحرف المضعف به ـ مع زيادته ـ يكون من جميع حروف الهجاء : من حروف الزيادة كعلّم وجمّع ، ومن غيرها كقطّع وسرّح ، وقد يكون ذلك التضعيف الزائد للالحاق كقردد (٢) وجلبب ، ولغيره كعلّم ، والذى للالحاق لا للتضعيف لا يكون إلا من حروف

__________________

(١) أنظر (ح ١ ص ١٣)

٣٣١

اليوم تنساه ، كجدول وزرقم (١) وعنسل (٢) فلا وجه لقول المصنف «لغير الإلحاق والتضعيف» فإنه يوهم أن يكون الإلحاق بغير التضعيف من غير هذه الحروف ، وكان يكفى أن يقول : لا تكون الزيادة بغير التضعيف إلا منها ، فأما الزيادة بالتضعيف سواء كان التضعيف للإلحاق أو لغيره فقد تكون منها وقد لا تكون

قوله «ومعنى الإلحاق إلخ» قد تقدم لنا فى أبنية الخماسى بيان حقيقة الإلحاق والغرض منه

قوله «ونحو مقتل غير ملحق» قد ذكرنا هناك أن ما اطرد زيادته لمعنى لا يجعل زيادته للالحاق ، ولو كان نحو مقتل للالحاق لم يدغم نحو مردّ ومشدّ كما لم يدغم نحو ألندد ومهدد (٣)

قوله «لما ثبت من قياسها لغيره» أى : من قياس زيادة الميم فى مثل هذه المواضع لغير الإلحاق

قوله «كذلك لذلك» أى : ليست للالحاق لكون الزيادة لمعنى غير الإلحاق

قوله «ولمجىء مصادرها مخالفة» أما كون إفعال وفعال وفيعال كدحراج فليس بدليل على الإلحاق ؛ لأن مخالفة الشىء للشىء فى بعض التصرفات تكفى فى الدلالة على عدم إلحاقه به ، ولأن فعلالا فى الرباعى ليس بمطرد كما مر فى باب المصادر ، ولو كان أفعل وفاعل ملحقين بدحرج لم يدغم نحو أعدّ وحادّ

قوله «ولا يقع الألف للالحاق فى الاسم حشوا» إنما قال : فى الاسم احترازا

__________________

(١) أنظر (ص ٢٥٢ و ٣٣٤ من هذا الجزء)

(٢) أنظر (ح ١ ص ٥٩)

(٣) أنظر فى كلمة «ألندد» (ح ١ ص ٥٣ و ٢٥٢) وفى كلمة «مهدد» (ح ١ ص ١٤)

٣٣٢

عن تفاعل فانه عنده ملحق بثفعلل كما ذكر قبل ، وهو ممنوع كما ذكرنا ؛ لكون الزيادة مطردة فى معنى ، أعنى لكون الفعل بين أكثر من واحد ، ولثبوت الإدغام فى نحو تسارّا وتمادّا

قوله «لما يلزم من تحريكها» مضى شرحه فى أول الكتاب (١)

قال : «ويعرف الزّائد بالاشتقاق وعدم النّظير ، وغلبة الزّيادة فيه ، والتّرجيح عند التّعارض ، والاشتقاق المحقّق مقدّم ؛ فلذلك حكم بثلاثيّة عنسل وشأمل وشمأل ونئدل ورعشن وفرسن وبلغن وحطائط ودلامص وقمارص وهرماس وزرقم وقنعاس وفرناس وترنموت»

أقول : العنسل : الناقة السريعة ، مشتق من العسلان وهو السرعة ، وقال بعضهم : هو كزيدل من العنس ، وهو بعيد ؛ لمخالفة معنى عنسل معنى عنس ، وهى الناقة الصلبة ، ولقلة زيادة اللام

الشأمل والشّمل والشّمأل بمعنى الشّمال ، يقال : شملت الريح : أى هبت شمالا.

النّئدل ـ بكسر النون والدال وسكون الهمز ـ والنّيدلان بفتحهما مع الياء ، والنّيدلان بضم العين : الكابوس ، من النّدل ، وهو الاختلاس ، كأنه يندل الشخص : أى يختلسه ويأخذه بغتة ، والهمزة فى نئدل زائدة ؛ لكونه بمعنى النّيدلان ، والياء فيه زائدة ، لكونها مع ثلاثة أصول

الرّعشن كجعفر : بمعنى المرتعش

الفرسن : مقدم خف البعير ؛ لأنه يفرس : أى يدق

البلغن : البلاغة.

الحطائط : الصغير ، كأنه حط عن مرتبة العظيم

__________________

(١) أنظر (ح ١ ص ٥٧)

٣٣٣

الدّلامص : الدرع البراقة اللينة ، بمعنى الدّليص والدّلاص ، وقد دلصت الدرع : أى لانت

القمارص : بمعنى القارص

الهرماس والفرناس : الأسد الشديد ، من الهرس والفرس

الزرقم : الأزرق

القنعاس : البعير العظيم ، من القعس ، وهو الثبات ، يقال : عزة قعساء : أى ثابتة ؛ لأن العظيم يثبت ويقل براحه ، والقعوس : الشيخ الكبير الهرم التّرنموت : ترنّم القوس عند النزع ، قال

١١٨ ـ تجاوب القوس بترنموتها (١)

فقد عرفنا زيادة الأحرف بالاشتقاق المحقق : أى الظاهر القريب ، على ما ذكرنا فى كل واحد ، ونعنى بالاشتقاق كون إحدى الكلمتين مأخوذة من الأخرى ، أو كونهما مأخوذتين من أصل واحد ، ولم يعرف زيادتها بغلبة

__________________

(١) هذا بيت من الرجز المشطور ، وهو مع بيتين آخرين

شريانة ترزم من عنتوتها

تجاوب القوس بترنموتها

* تستخرج الحبّة من تابوتها*

والشريانة ـ بكسر الشين فتحها ـ : شجر تتخذ منه القسى ، وهو من جيد العيدان يزعمون أن عوده لا يكاد يعوج. وترزم : مضارع من قولك : أرزمت الناقة إرزاما إذا أنت وصوتت من غير أن تفتح فاها ، والعنتوت : الحزفى القوس ، وتجاوب مصدر تشبيهى نصب على أنه مفعول مطلق ، ويروى «تجاوب» بصيغة المضارع ، والترنموت : الترنم ، والمراد من الحبة سويداء القلب ، وجعل القلب تابوتها كما قيل : القلب تابوت الحكمة. والاستشهاد بالبيت فى قوله «ترنموتها» ومعناه الترنم ، وهذا الاشتقاق يدل على زيادة التاء فى آخرها كما يستدل على زيادة التاء فى ملكوت وجبروت ورهبوت ورحموت وطاغوت بالملك والجبر والرهبة والرحمة والطغيان.

٣٣٤

الزيادة ؛ لأنها ليست من الغوالب فى مواضعها المذكورة ، على ما يجىء ، ولا بعدم النظير ؛ لأن تقدير أصالة الحروف المذكورة لا يوجب ارتكاب وزن نادر ، فلما ثبت الاشتقاق المحقق لم ينظر إلى غلبة الزيادة وعدم النظير وحكمنا بالاشتقاق

قال : «وكان ألندد أفنعلا ، ومعدّ فعلّا لمجىء تمعدد ، ولم يعتدّ بتمسكن وتمدرع وتمندل لوضوح شذوذه ، ومراجل فعالل لقولهم : ثوب ممرجل ، وضهيأ فعلأ لمجىء ضهياء ، وفينان فيعالا لمجىء فنن ، وجرائض فعائلا لمجىء جرواض ، ومعزى فعلى لقولهم معز ، وسنبتة فعلتة لقولهم سنب ، وبلهنية فعلنية من قولهم عيش أبله ، والعرضنة فعلنة لأنّه من الاعتراض ، وأوّل أفعل لمجىء الأولى والأول ، والصّحيح أنّه من وول ، لا من وأل ، ولا من أول ، وإنقحل إنفعلا لأنّه من قحل : أى يبس ، وأفعوان أفعلانا لمجىء أفعى ، وإضحيان إفعلان من الضّحى ، وخنفقيق فنعليلا من خفق ، وعفرنى فعلنى من العفر»

أقول : إنما كان ألندد أفنعلا لأن ألنددا ويلنددا بمعنى الألدّ ، وهن مشتقات من اللدد ، وهو شدة الخصومة ، ولو لا ذلك لقلنا : إن فيه ثلاثة أحرف غالبة زيادتها فى مواضعها : الهمزة فى الأول مع ثلاثة أصول ، والنون الثالثة الساكنة ، والتضعيف ، فلنا أن نحكم بزيادة اثنين منها : إما الهمزة والنون فهو من لدد ، وإما النون وأحد الدالين فهو من ألد ، وإما الهمزة وإحدى الدالين فهو من لند ؛ لكنا اخترنا الوجه الأول لما ذكرنا من الاشتقاق الواضح

قوله «معدّ فعلّا» هذا مذهب سيبويه ، واستدل بقول عمر رضى الله تعالى عنه : اخشوشنوا وتمعددوا : أى تشهوا بمعد ، وهو معد بن عدنان

٣٣٥

أبو العرب : أى دعوا التنعم وزى العجم ، كما ورد فى حديث آخر «عليكم باللبسة المعدّية» وقيل : معناه كونوا غلاظا فى أنفسكم بحيث لا يطمع أحد فيكم ، قال

١١٩ ـ * ربّيته حتّى إذا تمعددا (١) *

أى : غلظ

قال سيبويه : لو لم يكن الميم أصليا لكان تمعدد تمفعل ، ولم يجىء فى كلامهم وخولف سيبويه فقيل : معد مفعل ؛ لأنه كثير وفعلّ فى غاية القلة كالشّربة فى اسم موضع ، والهبىّ الصغير ، والجربّة العانة من الحمير ، وأما قوله تمفعل لم يثبت فممنوع ؛ لقولهم : تمسكن وتمندل وتمدرع وتمغفر ، وهى تمفعل بلا خلاف ، فكما توهموا فى مسكين ومنديل أنهما فعليل وفى مدرعة أنها فعللة وفى مغفور أنه فعلول للزوم الميم فى أوائلها كذلك توهموا فى معد أنه فعلّ ، فقيل : تمندل ، وتمسكن ، وتدّرع ، وتمغفر [وتمعدد] على أنها تفعلل كتدحرج ، وهذا كما توهموا أصالة ميم مسيل فجمعوه على مسلان كما جمع قفيز على قفزان ، ولو سلم أنهم لم يتوهموا ذلك وبنوا تمدرع وأخواته على أنها تمفعل قلنا : فعلّ غريب غرابة تمفعل

__________________

(١) هذا بيت من الرجز المشطور ، وهو للعجاج ، وبعده :

وآض نهدا كالحصان أجردا

كان جزائى بالعصا أن أجلدا

وتمعدد : أراد اشتد وقوى. وآض : صار. والنهد : العالى المرتفع. والأجرد : القصير الشعر.

والاستشهاد بالبيت فى قوله «تمعددا» إذ هو على وزان تفعلل لقلة تمفعل فتكون الميم أصلا ، وإذا كان كذلك كان معد فعلا. قال ابن جنى : «تمعدد من لفظ معد بن عدنان ، وإنما كان منه لأن معنى تمعدد تكلم بكلام معد : أى كبر وخطب ، هكذا قال أبو على ، ومنه قول عمر «اخشوشنوا وتمعددوا» وقال أحمد ابن يحيى : تمعددوا : أى كونوا على خلق معد» اه

٣٣٦

فبجعل معدّ فعلّا يلزم ارتكاب الوزن الغريب كما يلزم بجعله مفعلا ارتكاب تمفعل الغريب ، فلا يترجح أحدهما على الآخر ؛ فالأولى تجويز الأمرين ، ولسيبويه أن يرجح كونه فعلّا بكون تمدرع وتمسكن وتمندل وتمغفر قليلة الاستعمال رديئة ، والمشهور الفصيح تدرّع وتسكن وتندل وتغفر ، بخلاف شربّة وجربّة وهبىّ ؛ فانها ليست برديئة

قوله «ومراجل فعالل» كان ينبغى نظرا إلى غلبة الزيادة أن يحكم بزيادة الميم ؛ لكونه فى الأول وبعده ثلاثة أصول ، لكن سيبويه حكم بأصالتها لقول العجّاج

١٢٠ ـ * بشية كشية الممرجل (١) *

__________________

(١) هذا بيت من الرجز المشطور من أرجوزة طويلة للعجاج يمدح فيها يزيد ابن معاوية ، وأولها :

ما بال جارى دمعك المهلّل

والشّوق شاج للعيون الحذّل

وقبل بيت الشاهد قوله :

تبدّلت عين النّعاج الخذّل

وكلّ برّاق الشّوى مسرول

وانظر أراجيز العجاج (ص ٤٥ طبع لبزج). والاستشهاد بالبيت على أن ميم الممرجل أصلية ، وهو مفعلل ، فالميم الأولى زائدة للدلالة على المفعول ، والميم الثانية فاء الكلمة ؛ لأنها لو كانت زائدة لكان وزن ممرجل ممفعلا ، وهو مما لا وجود له فى كلامهم ، وهذا مذهب سيبويه فى هذه الكلمة ، وذهب غيره إلى أن الممرجل ممفعل وميماه زائدتان ، ولم يبال بعدم النظير ؛ محتجا بأنهما كذلك فى نحو ممدرع فقد قالوا : تمدرعت الجارية ، إذا لبست المدرع ، وهو ضرب من الثياب كالدرع ، ولكن لما كثر استعمال المدرع والمدرعة ظن أن ميمهما أصلية ، فاشتقوا منه على ذلك ، هذا. ومذهب سيبويه أولى أن يؤخذ به ، لأن مفعللا كثير ، وممفعلا لا وجود له إلا فى الشذوذ.

٣٣٧

والممرجل : الثوب الذى فيه نقوش على صور المراجل ، كالمرجّل : أى الذى فيه كصور الرجال ، قال

١٢١ ـ * على إثرنا أذيال مرط مرجّل (١) *

ولا يبعد أن يقال : إن المرجل مفعل (٢) ولزوم الميم أوهم أصالتها كما فى مسكين ، فقيل : ممرجل ، كما قيل : ممسكن ، وأيضا إنما قال ممرجل خوف اللبس ؛ إذ لو قال مرجل لم يعرف اشتقاقه من المرجل

قوله «ضهيأ فعلأ» هذا مذهب سيبويه ، وقال الزجاج : هو فعيل لا فعلأ ، من قولهم : ضاهأت ، بمعنى ضاهيت ، وقرىء (يضاهئون) (٣) و (يضاهون)

__________________

(١) هذا عجز بيت لامرىء القيس من قصيدته المعلقة ، وصدره قوله :

* فقمت بها أمشى تجرّ وراءنا*

والرواية المشهورة فى عجز البيت على غير ما ذكر المؤلف ، ففى رواية الزوزنى والأعلم :

* على أثرينا ذيل مرط مرحّل*

وذكر التبريزى الروايتين جميعا

وصدر البيت الذى أنشدناه مما يستشهد به النحاة على تعدد الحال لمتعدد. والمرط ـ بكسر الميم وسكون الراء ـ : الازار المعلم من الخز ، والمرحل ـ بالحاء المهملة ـ : الذى فيه صور الرحال ، والاستشاد بالبيت فى كلام المؤلف هنا على أن المرجل ـ بالجيم ـ الذى فيه صور كصور الرجال ، وذلك يدل على أنه مفعل كمعظم ومكرم ، فالميم زائدة ، وأصول الكلمة (ر ج ل)

(٢) المرجل ـ كمنبر ـ : المشط ، والقدر من الحجارة والنحاس ، وقيل : من النحاس خاصة ، وقيل : كل ما طبخ فيه

(٣) هذه كلمة من آية كريمة فى سورة التوبة ، وهى قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)

٣٣٨

قال : ولم يجىء فى الكلام فعيل إلا هذا ، وقولهم ضهيد (١) مصنوع ، والضّهيأ : التى لا تحيض فانها تضاهى الرجال ، وكذلك قيل للرملة التى لا تنبت ، وفعلأ وفعيل كلاهما نادران ، لكن يترجح مذهب سيبويه لشيئين : أحدهما أن ضاهيت بالياء أشهر من ضاهأت ، والثانى أن ضهيأ بمعنى ضهياء ، وهو فعلاء بلا خلاف ؛ لكونه غير منصرف ؛ فالهمزة فيه زائدة ، وكذا الأول الذى بمعناه

قوله «فينان» يقال : رجل فينان : أى حسن الشعر طويله ، وهو منصرف ، وفيه غالبان فى الزيادة غير الألف ؛ فانه لا كلام مع إمكان ثلاثة أصول غيره فى زيادته : أحدهما النون ، إما لأنه تضعيف مع ثلاثة أصول ، وإما لكون الألف والنون فى الآخر مع ثلاثة أصول ، والثانى الياء مع ثلاثة أصول ، والواجب الحكم بزيادة الياء بشهادة الاشتقاق ؛ لأن الفنن الغصن والشعر كالغصن ، فقد رجحت بالاشتقاق زيادة الياء ، وقال الجوهرى : هو فعلان من الفين (٢) ، وهو مدفوع بما ذكرناه

قوله «وجرائض» لو عملنا بالغلبة أو عدم النظير لم نحكم بزيادة الهمزة ؛ لأن الهمزة غير أول ؛ فلا تكون زيادته غالبة ، وفعالل موجود كعلابط ، لكن جرواضا بمعنى جرائض وهو العظيم الضخم من الإبل ، وليس فى جرواض همز ، فيكون أيضا همز جرائض زائدا وهما من تركيب جرض بريقه : أى غصّ [به] ؛ لأن الغصص مما ينتفخ له

__________________

(١) الضهيد : الصلب الشديد

(٢) قال الجوهرى : «ورجل فينان الشعر : أى حسن الشعر طويله ، وهو فعلان» اه. وقال فى اللسان : «وإن أخذت قولهم : شعر فينان ؛ من الفين ـ وهو الغصن ـ صرفته فى حالى النكرة والمعرفة ، وإن أخذته من الفينة ـ وهو الوقت من الزمان ـ ألحقته بباب فعلان وفعلانة فصرفته فى النكرة ولم تصرفه فى المعرفة ، ورجل فينان : حسن الشعر طويله ، وهو فعلان ، وأنشد ابن برى للعجاج :

* إذ أنا فينان أناغى الكعّبا*» اه

٣٣٩

وكذلك معزى فيه غالبان ؛ لأن الألف مع ثلاثة أصول والميم كذلك ، ولو حكمنا بعدم النظير لم نحكم بزيادة واحد منهما ؛ لكونه بوزن درهم ، لكنه ثبت معز بمعناه ، فثبت زيادة الألف دون الميم

وكذا سنبتة ـ وهى حين من الدهر ـ يقال : مضى سنب من الدهر وسنبة وسنبتة ، ولا منع من الحكم بزيادة نون سنبتة ؛ لأن السبت أيضا هو الحين من الدهر

قوله «بلهنية» لولا الاشتقاق وغلبة الزيادة لم نحكم بزيادة الياء ، ولولا الاشتقاق لم نحكم بزيادة النون ، ولكان ملحقا بخبعثن (١) بزيادة الياء فقط ، لكنه مشتق من قولهم : عيش أبله : أى غافل عن الرزايا ، كالرجل الأبله ؛ فانه غافل عن المصائب ولا يبالى بها ، فيصفو عيشه ، وبلهنية العيش : خفضه

قوله «العرضنة» العرضنة والعرضنى : مشية فى اعتراض : أى أخذ على عرض الطريق من النشاط ، ولو لا الاشتقاق لكان كقمطر من غير زيادة

قوله «وأول أفعل» ؛ لأن تصريفه على أولى وأول دليل على أنه أفعل التفضيل ، وليس بفوعل كما قال الكوفيون ، والصحيح أنه أفعل من تركيب «وول» وإن لم يستعمل فى غير هذا اللفظ ، لا من «أول» ولا من «وأل» لئلا يلزم قلب الهمزة شاذا كما ذكرنا فى أفعل التفضيل (٢)

__________________

(١) الخبعثن : الرجل الضخم الشديد ، والأسد ، والناعم البدن ؛ ومثله الخبعثنة

(٢) الذى ذكره المؤلف فى أفعل التفضيل هو قوله فى شرح الكافية (ج ٢ ص ٢٠٢): «أما أول فمذهب البصريين أنه أفعل ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال : جمهورهم على أنه من تركيب وول ـ كددن ـ ولم يستعمل هذا التركيب إلا فى أول ومتصرفاته ؛ وقال بعضهم أصله «أو أل» من وأل : أى نجا ؛ لأن النجاة فى السبق ، وقيل : أصله «أأول» من آل : أى رجع ؛ لأن كل شىء يرجع إلى أوله ، فهو أفعل بمعنى المفعول ، كأشهر وأحمد ، فقلبت فى الوجهين الهمزة واوا

٣٤٠