شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

تذهب فى الوصل فانها لا تحذف فى الوقف ؛ لأن الفتحة والألف أخف ، ألا ترى أنهم يفرون من الواو والياء المفتوح ما قبلهما إلى الألف؟ وقد يفر إليه فى الياء المكسور ما قبلها نحو دعا ورضا». وقال أيضا : «إنهم يخففون عضدا وفخذا بحذف حركتى عينيهما ، ولا يحذفون حركة عين جمل» قال السيرافى ـ وهو الحق ـ : «هذا الموضع يدل على أن مذهب سيبويه أن الألف التى تثبت فى الوقف هى التى كانت فى الوصل محذوفة» أقول : معنى كلام سيبويه أنك إذا قلت «هذا قاض» و «مررت بقاض» فانك تحذف فى الوقف الياء التى حذفتها فى الوصل للساكنين ، وإن زال أحد الساكنين ، وهو التنوين ، وذلك لعروض زواله ؛ إذ لو لم يحذف الياء والكسرة فى الوقف

__________________

العبارة ، قال (ج ٢ ص ٢٩٠): «وأما الألفات التى تذهب فى الوصل فانها لا تحذف فى الوقف ؛ لأن الفتحة والألف أخف عليهم ، ألا تراهم يفرون من الياء والواو إذا كانت العين قبل واحد منهما مفتوحة ، وفروا إليها فى قولهم : قد رضا (ماض مبنى للمجهول) ونها (مثله) وقال الشاعر وهو زيد الخيل :

أفى كلّ عام مأتم تبعثونه

على محمر ثوّيتموه وما رضا

وقال طفيل الغنوى :

* إنّ الغوىّ إذانها لم يعتب*

ويقولون فى فخذ : فخذ ، وفى عضد : عضد ، ولا يقولون فى جمل : جمل ، ولا يخففون ؛ لأن الفتح أخف عليهم والألف (أنظر : ج ١ ص ٤٣ وما بعدها من كتابنا هذا) ، فمن ثم لم تحذف الألف ، إلا أن يضطر شاعر فيشبهها بالياء لأنها أختها وهى قد تذهب مع التنوين ، قال الشاعر ـ حيث اضطر ـ وهو لبيد :

وقبيل من لكيز شاهد

رهط مرجوم ورهط ابن المعلّ

يريد المعلى» اه

٢٨١

لبقيت الكلمة فى حال الوقف على وجه مستثقل عندهم ، مع كونها أخف مما كانت فى الوصل ؛ لأن الياء على كل حال أخف من التنوين

__________________

وقد ذكر أبو حيان فى الارتشاف هذه المذاهب ونسبها لأصحابها فقال : «والمقصور المنون يوقف عليه بالألف ، وفيه مذاهب : أحدها : أن الألف بدل من التنوين واستصحب حذف الألف المنقلبة وصلا ووقفا ، وهو مذهب أبى الحسن والفراء والمازنى وأبى على فى التذكرة. والثانى : أنها الألف المنقلبة لما حذف التنوين عادت مطلقا ، وهو مروى عن أبى عمرو والكسائى والكوفيين وسيبويه فيما قال أبو جعفر الباذش. والثالث : اعتباره بالصحيح ، فالألف فى النصب بدل من التنوين ، وفى الرفع والجر هى بدل من لام الفعل ، وذهب إليه أبو على فى أحد قوليه ، ونسبه أكثر الناس إلى سيبويه ومعظم النحويين» اه

وقال ابن يعيش فى شرح المفصل : «وقد اختلفوا فى هذه الألف (يريد ألف المقصور المنون) فذهب سيبويه إلى أنه فى حال الرفع والجر لام الكلمة وفى حال النصب بدل من التنوين وقد انحذفت ألف الوصل ، واحتج لذلك بأن المعتل مقيس على الصحيح ، وإنما تبدل من التنوين فى حال النصب دون الرفع والجر ، وبعضهم يزعم أن مذهب سيبويه أنها لام الكلمة فى الأحوال كلها ، قال السيرافى : وهو المفهوم من كلامه ، وهو قوله «أما الألفات التى تحذف فى الوصل فانها لا تحذف فى الوقف». ويؤيد هذا المذهب أنها وقعت رويا فى الشعر فى حال النصب ، نحو قوله :

وربّ ضيف طرق الحىّ سرى

صادف زادا وحديثا ما اشتهى

فألف «سرى» هنا روى ، ولا خلاف بين أهل القوافى فى أن الألف المبدلة من التنوين لا تكون رويا. وقال قوم ـ وهو مذهب المازنى ـ : إنها فى الأحوال كلها بدل من التنوين وقد انحذفت ألف الوصل ، واحتجوا بأن التنوين إنما أبدل منه الألف فى حال النصب من الصحيح لسكونه وانفتاح ما قبله وهذه العلة موجودة فى المقصور فى الأحوال كلها ، وهو قول لا ينفك عن ضعف ؛ لانه قد جاء عنهم «هذا فتى» بالامالة ، ولو كانت بدلا من التنوين لما ساغت فيها الامالة ؛ إذا لا سبب لها» اه

٢٨٢

وأما الألف المحذوفة فى المقصور فى الأحوال الثلاث للساكنين فانك تردها فى حال الوقف فى الأحوال الثلاث ، لزوال الساكن الأخير : أى التنوين ؛ لأن الألف أخف من كل خفيف ، فاعتبرت زوال التنوين فى المقصور مع عروضه ؛ لأن اعتباره كان يؤدى إلى كون حال الوقف على وجه مستثقل ، وقد رأيت كيف عمّم سيبويه علة رد الألف التى هى اللام حالات الرفع والنصب والجر لأنها كانت محذوفة فى الحالات الثلاث للساكنين

ولا يعطى كلام سيبويه ما نسب إليه ، لا تصريحا ولا تلويحا ، وما نسب إليه مذهب أبى على فى التكملة ، وأقصى ما يقال فى تمشيته أن يقال : إن فتى فى قولك فى الوقف «جاءنى فتى» و «مررت بفتى» و «رأيت فتى» كان فى الأصل فتى وفتى وفتيا ، حذف التنوين فى الرفع والجر كما يحذف فى الصحيح ، وسكن اللام للوقف ، ثم قلبت ألفا لعروض السكون ، فكأنها متحركة مفتوح ما قبلها ، وأما فى حالة النصب فقد قلبت التنوين ألفا للوقف ، ثم قلبت اللام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت الألف الأولى للساكنين كما هو حق الساكنين إذا التقيا وأولهما مد

وهذا كله خبط ؛ لأنك وقفت على الكلمة ثم أعللتها ، ونحن نعرف أن الوقف عارض للوصل ، والكلمة فى حال الوصل معلّة بقلب لامها ألفا وحذفها للساكنين

فلم يبق فى المقصور إذن فى الوقف إلا مذهبان : أحدهما أنك إذا حذفت التنوين رددت اللام الذى حذفته لأجله مع عروض حذف التنوين ، وذلك لاستخفاف الألف والفتحة كما ذكر سيبويه ، واستدل السيرافى على كون الألف لام الكلمة فى الأحوال بمجيئها رويا فى النصب ، قال :

٨٧ ـ وربّ ضيف طرق الحىّ سرى

صادف زادا وحديثا ما اشتهى

٢٨٣

* إنّ الحديث جانب من القرى (١) *

ولا يجوز «زيدا» مع «محيى» لما ثبت فى علم القوافى ، وأيضا فإنها تمال فى حال النصب كقوله تعالى (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) وإمالة ألف التنوين فليلة ، كما يجىء فى بابها ، وأيضا تكتب ياء ، وألف التنوين تكتب ألفا

والمذهب الثانى أنك لا ترد الألف المحذوفة ؛ لأنك لا تحذف التنوين الموجب لحذفها ، بل تقلبها فى الأحوال الثلاث ألفا ؛ لوقوعها فى الأحوال بعد الفتحة ، كما قلبتها ألفا فى «زيدا» المنصوب ؛ لأن موقعها فى الأحوال الثلاث مثل موقع تنوين زيدا المنصوب ، بل هنا القلب أولى ؛ لأن فتحة «زيدا» عارضة إعرابية والفتحة فى المقصور لازمة. وهذا المذهب لابن برهان ، وينسب إلى أبى عمرو بن العلاء والكسائى أيضا. والأول أولى ؛ لما استدل به السيرافى.

وأما المقصور المجرد من التنوين فالألف الذى فى الوقف هو الذى كان فيه فى الوصل ، بلا خلاف ، كأعلى والفتى ، وقد يحذف ألف المقصور اضطرارا ، قال :

__________________

(١) هذه أبيات من الرجز المشطور يقولها الشماخ بن ضرار الغطفاني فى عبد الله بن جعفر بن أبى طالب ، وقد اختارها أبو تمام فى باب الأضياف والمديح من ديوان الحماسة ، وقبلها قوله :

إنّك يابن جعفر خير فتى

ونعم مأوى طارق إذا أتى

والاستشهاد بما ذكره المؤلف على أن الألف من المقصور لام الكلمة فى الأحوال كلها ؛ لأنها وقعت رويا ، وليست مبدلة من التنوين فى الوقف ؛ لأنها لو كانت كذلك ووقعت رويا لجاز أن تقع الألف المبدلة من التنوين فى الاسم المنصوب فى الروى أيضا ، وكان يقع مثل رأيت زيدا مع مثل رأيت الفتي فى قصيدة واحدة ، وهو مما لا يقول به أحد ؛ فثبت أن الألف فى «سرى» وفى «اشتهى» وفي «القرى» هى لام الكلمة كما قدمنا

٢٨٤

٨٨ ـ وقبيل من لكيز شاهد

رهط مرجوم ورهط ابن المعلّ (١)

قال : «وقلبها وقلب كلّ ألف همزة ضعيف»

أقول : يعنى قلب ألف المقصور وقلب غيرها من الألفات ، سواء كانت للتأنيث كحبلى ، أو للالحاق كمعزى ، أو لغيرهما نحو يضربها ، فان بعض العرب يقلبها همزة ، وذلك لأن مخرج الألف متسع ، وفيه المد البالغ ، فاذا وقفت عليه خليت سبيله ولم تضمه بشفة ولا لسان ولا حلق كضم غيره ، فيهوى الصوت إذا وجد متسعا حتى ينقطع آخره فى موضع الهمزة ، وإذا تفطنت وجدت ذلك كذلك ، فاذا وصلوا لم يمتد الألف إلى مخرج الهمزة ؛ لأنك تأخذ بعد الألف فى حرف آخر ، وفى الواو والياء أيضا مد ينتهى آخره إلى مخرج الهمزة ، قال الخليل :

ولذلك كتبوا نحو «ضربوا» بهمزة بعد الواو ، لكن مدهما أقل من مد الألف ، وقال الأخفش : زادوا الألف خطا فى نحو «كفروا» للفصل بين واو العطف وواو الجمع ، وقال غيرهما : بل ليفصلوا بين ضمير المفعول نحو «ضربوهم» وبين ضمير التأكيد نحو «ضربواهم» ثم طردوا فى الجميع ، وإن لم يكن هناك ضمير

قال : «وكذلك قلب ألف نحو حبلى همزة أو واوا أو ياء»

أقول : قوله «همزة» لم يكن محتاجا إليه مع قوله قبل «قلب كل ألف همزة»

__________________

(١) ينسب هذا البيت إلى لبيد بن ربيعة الصحابى المعروف ؛ يصف فيه مقاما فاخرت فيه قبائل ربيعة قبيلة من مضر ، وقوله «قبيل» مبتدأ ، و «من لكيز» صفته ، و «شاهد» خبره ، و «رهط مرجوم» وما عطف عليه بدل منه ، ومرجوم وابن المعل سيدان من سادات لكيز. والاستشهاد بالبيت فى قوله «وابن المعل» حيث أراد ابن المعلى ؛ فحذف الألف المقصورة فى الوقف ضرورة تشبيها للألف بما يحذف من الياءات فى الأسماء المنقوصة ، قال الأعلم : «وهذا من أقبح الضرورة ؛ لأن الألف لا تستثقل كما تستثقل الياء والواو وكذلك الفتحة ؛ لأنها من الألف»

٢٨٥

قوله «أو واوا أو ياء» اعلم أن فزارة وناسا من قيس يقلبون كل ألف فى الآخر ياء ، سواء كان للتأنيث كحبلى ، أولا كمثنّى ، كذا قال النحاة ، وخص المصنف ذلك بألف نحو حبلى ، وليس بوجه ، وإنما قلبوها ياء لأن الألف خفية ، وإنما تبين إذا جئت بعدها بحرف آخر ، وذلك فى حالة الوصل ؛ لأن أخذك فى جرس حرف آخر يبين جرس الأول وإن كان خفيا ، وأما اذا وقفت عليها فتخفى غاية الخفاء حتى تظن معدومة ، ومن ثم يقال : هؤلاه ويا رباه ، بهاء السكت بعدها ، فيبدلونها إذن فى الوقف حرفا من جنسها أظهر منها ، وهى الياء ، وإنما احتملوا ثقل الياء التى هى أثقل من الألف فى حالة الوقف التى حقها أن تكون أخف من حالة الوصل للغرض المذكور من البيان ، مع فتح ما قبلها ، فانه يخفف شيئا من ثقلها ، وهذا عذر من قلبها همزة أيضا ، وإن كانت أثقل من الألف ، وطيىء يدعونها فى الوصل على حالها فى الوقف ، فيقولون : أفعى ، بالياء فى الحالين ، وبعض طيىء يقلبونها واوا ؛ لأن الواو أبين من الياء ، والقصد البيان ، وذلك لأن الألف أدخل فى الفم لكونه من الحلق ، وبعده الياء لكونه من وسط اللسان ، وبعده الواو لكونه من الشفتين ، والياء أكثر من الواو فى لغة طيىء فى مثله ؛ لأنه ينبغى أن يراعى الخفة اللائقة بالوقف مع مراعاة البيان ، والذين يقلبونها واوا يدعون الواو فى الوصل بحالها فى الوقف ، وكل ذلك لإجراء الوصل مجرى الوقف ، وإنما قلبت واوا أو ياء لتشابه الثلاثة فى المد وسعة المخرج ، وقريب من ذلك إبدال بنى تميم ياء «هذى» فى الوقف هاء فيقولون : هذه ، بسكون الهاء ، وإنما أبدلت هاء لخفاء الياء بعد الكسرة فى الوقف ، والهاء بعدها أظهر منها ، وإنما أبدلت هاء لقرب الهاء من الألف التى هى أخت الياء فى المد ، فاذا وصل هؤلاء ردوها ياء فقالوا : هذى هند ؛ لأن ما بعد الياء يبينها ، وقيس وأهل الحجاز يجعلون الوقف والوصل سواء بالهاء ، كما جعلت طيىء الوقف والوصل

٢٨٦

سواء فى أفعى ، إلا أن قلب الهاء من الياء لا يطرد فى كل ياء كما اطرد قلب الياء من كل ألف عند طيىء فى الوقف ، والأغلب بعد قلب ياء هذى هاء تشبيه الهاء بهاء المذكر المكسور ما قبلها ، نحو بهى وغلامهى ، فتوصل بياء فى الوصل ، ويحذف الياء فى الوقف كما يجىء بعد ، ويجوز هذه بسكون الهاء ، وصلا ووقفا ، لكنه قليل ، ويبدل ناس من بنى تميم الجيم مكان الباء فى الوقف ، شديدة كانت الياء أو خفيفة ، لخفاء الياء كما ذكرنا ، وقرب الجيم منها فى المخرج مع ونه أظهر من الياء ، فيقول : تميمجّ وعلج [فى تميمى وعلى] وقوله :

٨٩ ـ خالى عويف وأبو علجّ

المطعمان اللّحم بالعشجّ (١)

وبالغداة فلق البرنجّ

يقلع بالودّ وبالصّيصجّ

من باب إجراء الوصل مجرى الوقف عند النحاة ، ويجىء الكلام عليه ، وأنشد أبو زيد فى الياء الخفيفة :

٩٠ ـ يا ربّ إن كنت قبلت حجّتج

فلا يزال شاحج يأتيك بج

* أقمر نهّات ينزّى وفرتج (٢) *

__________________

(١) نسبوا هذه الأبيات لبدوى راجز ولم يعينوه ، وقوله «أبو علج» يريد أبو على ، و «بالعشج» يريد : بالعشى ، وفلق : جمع فلقة وهى القطعة ، ويروى فى مكانه «كتل» بضم الكاف وفتح التاء ، وهي جمع كتلة ، و «البرنج» يريد به البرني ، وهو نوع من أجود التمر ، والود : الوتد ، قلبت تاؤه دالا ثم أدغمت ، و «الصيصج» يريد به الصيصي ، وهو واحد الصياصى ، وهى قرون البقر. والاستشهاد بالبيت على أن بعض بنى سعد يبدلون الياء المشددة جيما

(٢) هذه أبيات ثلاثة من الرجز المشطور أنشدها أبو زيد فى نوادره ، وقوله «حجتج» أراد به حجتى ؛ فأبدل من ياء المتكلم الساكنة جيما ، والشاحج : المراد به البغل أو الحمار ، والشحيج الصوت ، تقول : شحج البغل والحمار والغراب

٢٨٧

قال : «وإبدال تاء التّأنيث الاسميّة هاء فى نحو رحمة على الأكثر ، وتشبيه تاء هيهات به قليل ، وفى الضّاربات ضعيف ، وعرقات إن فتحت تاؤه فى النّصب فبالهاء ، وإلّا فبالتّاء ، وأمّا ثلاثة اربعة فيمن حرّك فلأنّه نقل حركة همزة القطع لمّا وصل ، بخلاف ألم الله فإنّه لمّا وصل التقى ساكنان».

أقول : لا خلاف فى تاء التأنيث الفعلية أنها فى الوقف تاء ، وفى أن أصلها تاء أيضا ، وأما الاسمية فاختلف فى أصلها ؛ فمذهب سيبويه والفراء وابن كيسان وأكثر النحاة أنها أصل ، كما فى الفعل ، لكنها تقلب فى الوقف هاء ليكون فرقا بين التاءين : الاسمية ، والفعلية ، أو بين الاسمية التى للتأنيث كعفرية (١) والتى لغيره كما فى عفريت وعنكبوت ، وإنما قلبت هاء لأن فى الهاء همسا

__________________

يشحج شحيجا وشحاجا : أى صوت ، ويروى فى مكانه شامخ ، والأقمر : الأبيض ، والنهات : النهاق ، والنهيت والنهيق واحد ، و «بج» يريد : بى ، وينزى : يحرك ، و «وفرتج» يريد به وفرتى ، فأبدل الياء جيما ، والوفرة ـ بفتح فسكون ـ : الشعر إلى شحمة الأذن. والاستشهاد بالبيت على أنه قلب الياء الخفيفة جيما ، كما يظهر مما ذكرناه

قال سيبويه (ح ٢ ص ٢٨٨) ما نصه : «وأما ناس من بنى سعد فانهم يبدلول الجيم مكان الياء فى الوقف لأنها خفيفة فأبدلوا من موضعها أبين الحروف ، وذلك قولهم : هذا تميمج ، يريدون تميمى ، وهذا علج ، يريدون على ، وسمعت بعضهم يقول : عربانج ، يريد عربانى ، وحدثني من سمعهم يقولون :

خالى عويف وأبو علجّ

المطعمان الشّحم بالعشجّ

وبالغداة فلق البرنجّ

يريد بالعشى والبرني ، فزعم أنهم أنشدوه هكذا» اه

(١) أنظر فى كلمة عفريت (ح ١ ص ١٥ ، ٢٥٦) وأنظر فى كلمة عفرية (ح ١ ص ٢٥٥ ه‍ ٢)

٢٨٨

ولينا أكثر مما فى التاء ، فهو بحال الوقف الذى هو موضع الاستراحة أولى ، ولذلك تزاد الهاء فى الوقف فيما ليس فيه ـ أعنى هاء السكت ـ نحو : أنه ، وهؤلاه ، وإنما تصرف فى الاسمية بالقلب دون الفعلية لأصالة الاسمية ؛ لأنها لاحقة بما هى علامة تأنيثه ، بخلاف الفعلية فإنها لحقت الفعل دلالة على تأنيث فاعله ، والتغيير بما هو الأصل أولى ؛ لتمكنه.

وقال ثعلب : إن الهاء فى تأنيث الاسم هو الأصل ، وإنما قلبت تاء فى الوصل إذ لو خليت بحالها هاء لقيل : رأيت شجرها ، بالتنوين ، وكان التنوين يقلب فى الوقف ألفا كما فى «زيدا» فيلتبس فى الوقف بهاء المؤنث ، فقلبت فى الوصل تاء لذلك ، ثم لما جىء إلى الوقف رجعت إلى أصلها ، وهو الهاء

وإنما لم يقلب التنوين عند سيبويه ألفا بعد قلب التاء هاء خوفا من اللبس أيضا ، كما قلنا

وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقفون على الاسمية أيضا [بالتاء] قال :

٩١ ـ الله نجّاك بكفّى مسلمت

من بعد ما وبعد ما وبعدمت (١)

__________________

(١) هذه الأبيات من الرجز المشطور ، ولم نقف لها على قائل ، ومسلمت ـ بفتح الميم واللام ـ : اسم شخص ، وأصله مسلمة ، و «ما» فى قوله «من بعد ما» يجوز أن تكون مصدرية ، وأن تكون كافة مسوغة لبعد أن يليها الفعل ؛ لأن من حق بعد أن تضاف إلى المفرد ، لا إلى الجمل ، والفعل على الوجهين هو قوله «صارت» وما عطف عليه. وقد كرر «بعد ما» ثلاث مرات لقصد التهويل وتفخيم الحال ، وحينئذ يجوز أن تكون الثانية والثالثة توكيدا للاولى من توكيد المفرد بالمفرد ، ويجوز أن تكون كل واحدة منها مضافة إلى فعل مثل المذكور ، وعلى هذا الوجه الثاني يجوز أن يكون الفعل المذكور مضافا إليه الأول أو الثانى أو الثالث ، كقوله :

يا من رأى عارضا أسرّ به

بين ذراعى وجبهة الأسد

٢٨٩

صارت نفوس القوم عند الغلصمت

وكادت الحرّة أن تدعى أمت

والظاهر أن هؤلاء لا يقولون فى النصب «رأيت أمتا» كزيدا بألف ، بل «رأيت أمت» كما فى قوله «وكادت الحرة أن تدعى أمت» وذلك لحمله على «أمه» بالهاء ؛ فإنه هو الأصل فى الوقف

قوله «وتشبيه تاء هيهات به قليل» قد ذكرنا حكمه فى أسماء الأفعال (١)

__________________

وكقولهم : قطع الله يد ورجل من قالها ، ومثل ما قالوه فى نحو : يا تيم تيم عدى. والغلصمة : رأس الحلقوم. يريد نجاك الله من الأعداء بكف هذا الرجل المسمى مسلمة بعد ما كاد يتعسر عليك الافلات وكادت النساء الحرائر يسبين فيصرن إماء. والاستشهاد بالبيت على أن الألف قلبت تاء فى قوله «وبعدمت».

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ٦٩): «ومن أسماء الأفعال التى بمعنى الخبر «هيهات» وفى تائها الحركات الثلاث ، وقد تبدل هاؤها الأولى همزة مع تثليث التاء أيضا ، وقد تنون فى هذه اللغات الست ، وقد تسكن التاء فى الوصل أيضا ، لا جرائه فيه مجراه فى الوقف ، وقد تحذف التاء نحو هيها ، وأيها ، وقد تلحق هذه الرابعة عشر كاف الخطاب ، نحو أيهاك ، وقد تنون أيضا نحو أيها ، وقد يقال أيهان ـ بهمزة ونون مفتوحتين ، وقال صاحب المغني (وليس هو ابن هشام) : بنون مكسورة ، وقال بعض النحاة : إن مفتوحة التاء مفردة وأصلها

٢٩٠

وأن بعض النحاة قال : إنك إذا كسرت تاءه فهو فى التقدير جمع هيهية وأصله هيهيات فحذف الياء شاذا لكونه غير متمكن ، كما حذفت فى اللّذان ، والقياس اللذيان ، وإذا ضممت تاءه أو فتحتها جاز أن يكون مفردا وأصله هيهية ، فيوقف عليه بالهاء ، وأن يكون مجموعا فيوقف عليه بالتاء ، وقد ذكرنا هناك أنه يجوز أن يكون أصله هيهية سواء كان مضموم التاء أو مفتوحها أو مكسورها ، لكنه إنما قل الوقف عليها بالهاء لالتحاقه بالأفعال ؛ لكونه اسم فعل ، فكان تاؤه كتاء قامت وقعدت ، وذكرنا أيضا أنه يجوز أن يكون الألف والتاء زائدتين ، وتركيبه من هيهى ككوكب ، وأما تجويز قلب تائه هاء على هذا فلتشبيهه لفظا بنحو قوقاة (١) ودوداة (٢)

قوله «وفى الضاربات ضعيف» يعنى أن بعضهم يقلب تاء الجمع أيضا فى الوقف

__________________

هيهية ـ كزلزلة ، نحو قوقاة ، قلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، والتاء للتأنيث ، فالوقف عليها إذن بالهاء ، وأما مكسورة التاء فجمع مفتوحة التاء كمسلمات فالوقف عليها بالتاء ، وكان القياس هيهيات ، كما تقول : قوقيات ؛ فى جمع قوقاة ، إلا أنهم حذفوا الألف لكونها غير متمكنة كما حذفوا ألف هذا وياء الذى فى المثنى ، والمضمومة التاء تحتمل الافراد والجمع ؛ فيجوز الوقف عليها بالهاء والتاء ، وهذا كله توهم وتخمين ، بل لا منع أن نقول : التاء والألف فيها زائدتان ، فهى مثل كوكب ، ولا منع أيضا من كونها فى جميع الأحوال مفردة مع زيادة التاء فقط ، وأصلها هيهية ، ونقول : فتح التاء على الأكثر نظرا إلى أصله حين كان مفعولا مطلقا ، وكسرت للساكنين ؛ لأن أصل البناء السكون ، وأما الضم فللتنبيه بقوة الحركة على قوة معنى البعد فيه ، إذ معناه ما أبعده ، كما ذكرنا ، وكان القياس بناء على هذا الوجه الأخير ـ أعني أن أصله هيهية فى الأحوال ـ أن لا يوقف عليه إلا بالهاء ، وإنما يوقف عليه بالتاء فى الأكثر تنبيها على التحاقها بقسم الأفعال من حيث المعنى ، فكان تاؤها مثل تاء قامت ، وهذا الوجه أولى من الوجه الأول ، وأيضا من جعل الألف والتاء زائدتين ، لأن باب قلقال أكثر من باب سلس وببر» اه

(١) قوقاة : مصدر قولك : قوقت الدجاجة : إذا صوتت عند البيض ، وأصلها قوقية ـ كدحرجة ، فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وتقول : قاقت الدجاجة ، أيضا

(٢) الدوداة : الجلبة ، والأرجوحة ، وعلى الأول هى مصدر لقولك : دوديت : أي صوت ، وعلى الثانى هى من أسماء الأجناس غير المصادر ، ويجوز أن تكون منقولة عن المصدر

٢٩١

هاء لكونها مفيدة معنى التأنيث كإفادتها معنى الجمع ، فيشبه بتاء المفرد ، حكى قطرب «كيف البنون والبناه» والأكثر أن لا تقلب هاء ؛ لأنها لم تتخلص للتأنيث ، بل فيها معنى الجمعية ، فلا تقلب هاء ، وأما تاء نحو «أخت» فلا خلاف فى أنها يوقف عليها تاء ؛ لأنها وإن كان فيها رائحة التأنيث لاختصاص هذا البدل بالمؤنث إلا أنها من حيث اللفظ مخالفة لتاء التأنيث ؛ لسكون ما قبلها ، وبكونها كلام الكلمة بسبب كونها بدلا منها ، بخلاف تاء الجمع ؛ فإن ما قبلها ألف ، فكأن ما قبلها مفتوح كتاء المفرد ، وليست بدلا من اللام ، بل هى زائدة محضة كتاء المفرد ، فلهذا جوز بعضهم إجراءها مجراها

قوله «وعرقات (١) إن فتحت تاؤه فى النصب فبالهاء» لأنه يكون مفردا كما ذكرنا فى شرح الكافية ، ويكون ملحقا بدرهم كمعزى ، وإن كسرت تاؤه فى النصب دل على أنه جمع عرق ؛ إذ قد يؤنث جمع المذكر بالألف والتاء مع مجىء التكسير فيه : أى العروق ، كما قيل البوانات مع البون فى البوان ، على ما مر فى شرح الكافية فى باب الجمع ؛ فالأولى الوقف عليه بالتاء كما فى مسلمات

__________________

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٧٥): «وجاء فى بعض اللغات فيما لم يرد المحذوف فيه فتح التاء حالة النصب ، قالوا : سمعت لغاتهم ، وجاء فى الشاذ (انفروا ثباتا) ولعل ذلك لأجل توهمهم تاء الجمع عوضا من اللام ، كالتاء فى الواحد ، وكالواو والنون فى «كرون» و «ثبون» وقال أبو على : بل هو تاء الواحد ، والألف قبلها اللام المردودة ؛ فمعنى سمعت لغاتهم : أى لغتهم ، قال : وذلك لأن سيبويه قال : إن تاء الجمع لا تفتح فى موضع ، وفيما قال نظر ، إذ المعنى فى سمعت لغاتهم ، وقوله (انفروا ثباتا) الجمع ، وحكي الكوفيون فى غير محذوف اللام : استأصل الله عرقاتهم ـ بفتح التاء ، وكسرها أشهر ؛ فاما أن يقال : إنه مفرد والألف للالحاق بدرهم ، أو يقال : إنه جمع فتح تاؤه شاذا ؛ فالعرق إذن كالبوان مذكر له جمع مكسر ، وهو العروق ، جمع بالألف والتاء مثله» اه

٢٩٢

قوله «وأما ثلاثه اربعة» هذا اعتراض على قوله «وإبدال تاء التأنيث الاسمية هاء» يعنى أنك قلت : إن التاء تبدل هاء فى الوقف ، و «ثلاثة» فى قولك «ثلثهربعة» ليس موقوفا عليه ؛ لكونه موصولا بأربعة ، وإلا لم ينقل حركة الهمزة إلى الهاء ، فأجاب بأن الوصل أجرى مجرى الوقف ، وذلك أنه وصل ثلاثة بأربعة ، ومع ذلك قلب تاؤه هاء ، قال : وأما (ألم اللهُ) فلا يجوز أن يكون فتحة الميم فيه منقولة إليها من همزة أل كما فى ثلثهربعة لأن هذه الكلمات ـ أعنى أسماء حروف التهجى ـ عند المصنف ليس موقوفا عليها ، بخلاف ثلثهربعة ؛ فإن ثلاثة موصولة مجراة مجرى الموقوف عليها بسبب قلب التاء هاء ، فإذا لم يكن ألم موقوفا عليه ولا موصولا مجرى مجراه ، بل كان موصولا بالله ، فلا بد من سقوط ألف الله فى الدرج ، والهمزة إذا سقطت فى الدرج سقطت مع حركتها ، ولا ينقل حركتها إلى ما قبلها إلا على الشذوذ ، كما روى الكسائى فى (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله) بفتح ميم الرحيم فإذا سقطت همزة الوصل مع حركتها التقى ساكنان : ميم ألم ، ولام الله ، فحرك الميم بالفتح للساكنين ، وإنما فتحت إبقاء على تفخيم الله تعالى وفرارا من الكسرة بعد الياء والكسرة ، كما مر فى بابه ، وهذا من المصنف عجيب ، وذلك لأن ألم كلمات معدودة كواحد اثنان ثلاثة ، لا فرق بينهما ، وقد ثبت رعاية حكم الوقف فى كل واحدة من كلمات ألفاظ العدد ، بدليل قلب تائها هاء وإثبات همزة الوصل فى اثنان ، وذلك لعدم الاتصال المعنوى بين الكلمات ، وإن اتصلت لفظا ، فهلا كان نحو ألم أيضا هكذا؟ ولو كان فى أسماء حروف التهجى همزات الوصل فى الأوائل وتاءات التأنيث فى الأواخر لثبتت تلك وانقلبت هذه وجوبا كما فى ألفاظ العدد ، وكذلك إذا عدّدت نحو رجل امرأة ناقة بغلة ، فإنك تثبت همزة الوصل وتقلب التاء هاء ، وهما من دلائل كون كل كلمة كالموقوف عليه ، لكن قلب التاء هاء لازم ، وحذف همزة الوصل مع نقل حركتها إلى ما قبلها مختار ، كما مر فى التقاء الساكنين ، فلما ثبت أن كل كلمة

٢٩٣

من أسماء حروف الهجاء فى حكم الموقوف عليه قلنا : ثبت همزة الوصل فى الله إذ هو فى حكم المبتدأ به ، ثم لما وصلها لفظا بميم نقل حركتها إلى الساكن كما نقل حركة همزة القطع فى ثلاثه اربعة

«قوله ثلاثه اربعة فيمن حرك» يعنى من لم يحرك الهاء وقال ثلاثه أربعة فإن ثلاثه موقوف عليه غير موصول بأربعة ؛ فلا اعتراض عليه بأنه كيف قلب التاء هاء فى الوصل ، وهو أيضا وهم ؛ لأن من لم ينقل حركة الهمزة إلى الهاء أيضا لا يسكت على الهاء ، بل يصله بأربعة مع إسكان الهاء ، وليس كل إسكان وقفا ؛ لأنه لا بد للوقف من سكتة بعد الإسكان ولو كانت خفيفة ، وإلا لم يعد المسكن واقفا ؛ لأنك إذا قلت «من أنت» ووصلت من بأنت لا تسمى واقفا مع إسكانك نون من ، فعلى هذا يجب فى الأسماء المعدودة ـ سواء كانت من أسماء العدد أو أسماء حروف التهجى أو غيرهما ـ أن يراعى فيها أحكام الأسماء الموقوف عليها ، مع أنك لا تقف على كل منها.

قال : «وزيادة الألف فى أنا ، ومن ثمّ وقف على لكنّا هو الله بالألف ، ومه وأنه قليل»

أقول : قال سيبويه : إنهم كما يبينون حركة البناء بهاء السكت ببينونها فى حرفين فقط بالألف ، وهما أنا وحيّهلا.

قلت : أما «حيّهلا» فيجوز أن يكون الألف فيه بدلا من التنوين فى حيّهلا ، لأن كل نون ساكنة زائدة متطرفة قبلها فتحة وإن لم يكن تنوين تمكن فإنها تقلب فى الوقف ألفا ، كما فى اضربن ، وقد بينا فى باب المضمرات أن الألف فى «أنا» عند الكوفيين من نفس الكلمة ، وبعض طيىء يقف عليه بالهاء مكان الألف ، فيقول : أنه ، وهو قليل ، قال حاتم : هكذا فزدى أنه (١) ، وبعض

__________________

(١) الذى فى مجمع الأمثال للميدانى (ح ٢ ص ٢٩٣): «هكذا فصدى» قيل : إن أول من تكلم به كعب بن مامة وذلك أنه كان أسيرا فى عنزة فأمرته أم منزله أن يفصد لها ناقة فنحرها فلامته على نحره إياها ، فقال : هكذا فصدى ،

٢٩٤

العرب يصل أنا بالألف فى الوصل أيضا فى السعة ، والأكثر أنهم لا يصلونه بها فى الوصل ، إلا ضرورة ، قال :

٩٢ ـ أنا سيف العشيرة فاعرفونى

حميدا قد تذرّيت السّناما (١)

وقرأ نافع بإثباتها قبل الهمزة المضمومة والمفتوحة ، دون المكسورة ودون غير الهمزة من الحروف ، وقال أبو على : لا أعرف الوجه فى تخصيص ذلك بما ذكر

قوله «ومن ثم وقف» أى : من جهة زيادة الألف فى آخر «أنا» وقفا وقف على (لكِنَّا) بالألف ؛ لأنه «أنا» فى الأصل جاءت بعد «لكن» ثم نقلت حركة همزة أنا إلى النون وحذفت ، كما فى نحو (قَدْ أَفْلَحَ) ، ثم أدغمت النون فى النون ، وابن عامر يثبت الألف فى (لكِنَّا هُوَ اللهُ) وصلا أيضا ليؤذن من أول الأمر بأنه ليس لكن المشددة ؛ بل أصله لكن أنا

قوله «مه وأنه قليل» أما أنا فقد مر أن بعض طيىء يقفون عليها بالهاء مكان الألف ، وأما «مه» فيريد أن الوقف عليها بالهاء إذا لم تكن مجرورة

__________________

يريد أنه لا يصنع إلا ما تصنع الكرام» اه

ولم نجد فى هذا الكتاب ولا فى غيره من كتب اللغة والأمثال نسبة هذا المثل إلى حاتم ، ولا روايته بهذا اللفظ. وانظر فى معنى الفصد (ح ١ ص ٤٣)

(١) هذا البيت لحميد بن حريث بن بحدل الكلبى ، وقوله «حميدا» منصوب على أنه بدل من الياء فى «فاعرفونى» أو بفعل محذوف يدل على الاختصاص أو المدح ؛ هذا كله إن رويته «حميدا» بالتصغير ، على أنه علم ، فان رويته «حميدا» ـ بفتح الحاء ـ على أنه صفة بمعنى محمود فهو حال ، وإن كان اسما غير صفة جاز فيه ما جاز فى المصغر ، وقد اختلف فى اسم الشاعر على وجهين ؛ فقيل : هو مصغر ، وقيل : مكبر. و «تذريت» : علوت ، وأصله من بلوغ الذروة وهى أعلى الشيء ، والسنام للبعير معروف ، وأراد هنا عالى المجد والرفعة. والاستشهاد بالبيت فى قوله «أنا» حيث جاء بالألف مع الوصل ، وهو من ضرائر الشعر

٢٩٥

قليل ، وأما إذا كان مجرورة فيجىء حكمها بعيد ، فنقول : إنه أجاز بعضهم حذف ألف ما ، والوقف عليه بالهاء ، وإن لم يكن مجرورا ، كما فى حديث أبى ذؤيب : قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا بالإحرام ، فقلت : مه ، فقيل : هلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك لأنك إذا حذفت الألف منها شابهت الفعل المحذوف آخره جزما أو وقفا ، نحو ره واغزه وليرمه ، فيلحق بها هاء السكت بعد حذف الألف ، والأولى أن يوقف عليها بالألف التى كانت لها ، أعنى على ما الاستفهامية غير المجرورة ، ومذهب الزمخشرى أن الهاء بدل من الألف ، وحملها على المجرورة فى نحو : مثل مه ومجىء مه ، أولى ، أعنى جعله هاء السكت جىء بها بعد حذف الألف كالعوض منه

قال : «وإلحاق هاء السّكت لازم فى نحو ره وقه ومجىء مه ومثل مه [فى مجىء م جئت ، ومثل م أنت](١) ، وجائز فى مثل لم يخشه ولم يغزه ولم يرمه وغلاميه [وعلى مه](٢) وحتّامه وإلامه ممّا حركته غير إعرابيّة ولا مشبّهة بها ، كالماضى وباب يا زيد ولا رجل ، وفى نحو ههناه وهؤلاه»

أقول : قد ذكرنا أحكام هاء السكت فى آخر شرح الكافية ، ونذكر ههنا ما ينحل به لفظه

قوله «فى نحو ره وقه» أى : فيما بقى بالحذف على حرف واحد ، ولم يكن كجزء مما قبله ، لا يلزم الهاء إلا ههنا ، وإنما لزم فيه لأن الوقف لا يكون إلا على ساكن أو شبهه ، والابتداء لا يكون إلا بمتحرك ، فلا بد من حرف بعد الابتداء يوقف عليه ، فجىء بالهاء لسهولة السكوت عليه ، و «مه» فى قولك «مثل مه» [و «مجىء مه» مثل](٣) ره وقه من وجه ؛ لأن الكلمة

__________________

(١) هذه العبارة ساقطة من جميع النسخ المطبوعة

٢٩٦

التى قبل ما مستقلة لكونها اسما ، بخلاف الجار فى حتّام ، وليس مثلهما من وجه آخر ، وذلك لأن المضاف إليه كالجزء من المضاف ، لكن سقوط الألف بلا علة ظاهرة ألزمه التعويض بهاء السكت ، ألا ترى أنه لم يلزم مع الكاف والياء فى نحو غلامى وغلامك وإن كانا أيضا على حرف ، لما لم يحذف منهما شىء ، وأما علامه وإلامه وحتّامه فما فيها أشد اتصالا بما قبلها منها بالمضاف فى نحو مثل مه ؛ لأن ما قبلها حروف ، فلا تستقل بوجه ، فيجوز لك الوقف عليها بالهاء كما ذكر ، وبسكون الميم أيضا ؛ لكون علام مثلا كغلام ، قال :

٩٣ ـ يا أبا الأسود لم خلّيتنى

لهموم طارقات وذكر (١)

فأجرى الوصل مجرى الوقف ، وبعض العرب لا يحذف الألف من «ما» الاستفهامية المجرورة ، كقوله :

٩٤ ـ على ما قام يشتمنى لئيم

كخنزير تمرّغ فى رماد (٢)

__________________

(١) هذا بيت من بحر الرمل لا نعرف له قائلا ، ولا وقفنا له على سابق ولا لاحق ، والطارقات : جمع طارقة ، وهي مؤنث طارق ، وهو الذي يأتى ليلا ، والذكر ـ بكسر الذال وفتح الكاف ـ : جمع ذكرة ، والمعروف ذكرى بألف التأنيث ، تقول : ذكرته بلسانى وبقلبى ذكرا وذكرى ـ بكسر فسكون فيهما ، والاستشهاد بالبيت على أنه قال «لم» بالسكون فى حال الوصل إجراء له مجرى الوقف

(٢) هذا البيت لحسان بن ثابت الأنصارى رضي‌الله‌عنه يقوله فى رفيع بن صيفى بن عابد وكان قد قتل يوم بدر كافرا ، وبعد البيت قوله

فلم أنفكّ أهجو عابديّا

طوال الدّهر ما نادى المنادى

وقد سارت قواف باقيات

تناشدها الرّواة بكلّ وادى

فقبّح عابد وبنى أبيه

فإنّ معادهم شرّ المعاد

وبيت الشاهد يروي على غير الوجه الذي أنشده المؤلف وغيره من النحاة ، ففى الديوان (ص ٥٥ طبع ليدن)

٢٩٧

فهذا لا يقول «علامه» وقفا ، بل يقف بالألف التى كانت فى الوصل ، والأولى حذف ألف «ما» الاستفهامية المجرورة ، لما ذكرنا فى الموصولات

وكل ما لحقه هاء السكت على سبيل الجواز فان كان محذوفا منه شىء نحو لم يخش ولم يغز ولم يرم وعلام وإلام وحتّام فالهاء به أولى منها بما لحقته ولم يحذف منه شىء ، نحو غلاميه وضربتكه وإنّه ، وهى بما حذف منه حرفان نحو إن تع أعه أولى منها بما حذف منه حرف نحو اخشه واغزه ، وأما ما صار بالحذف إلى حرف واحد فالهاء له لازم إن لم يتصل بما قبله اتصالا تاما كما اتصل فى علام وإلام وفيم ، وذلك نحو ره وقه ومثل مه ومجىء مه ، على ما مر ، وإن لم يحذف منه شىء فانه بما قبل آخره ساكن نحو إنّه وليته وكيفه أولى منه بما قبل آخره متحرك ، نحو هوه وهيه وغلاميه وضربتكه ؛ لأنك إن لم تلحقه فى القسم الأول سكنت المتحرك الأخير فيلتقى ساكنان ، وعدم التقائهما أولى ، وإن كان ذلك مغتفرا فى الوقف.

قوله «لم يخشه ولم يرمه ولم يغزه» أمثلة المحذوف اللام

وحكى أبو الخطاب عن ناس من العرب : ادعه واغزه من دعوت وغزوت ، كأنهم سكنوا العين المتحركة بعد حذف اللام للوقف ، توهما منهم أنهم لم يحذفوا شيئا للوقف كما قلنا فى «لم أبله» فى الجزم ، قال :

٩٥ ـ قالت سليمى اشتر لنا دقيقا (١)

__________________

ففيم تقول : يشتمنى لئيم

كخنزير تمرّغ فى رماد؟

وعلى هذه الرواية لا شاهد فى البيت. والاستشهاد بما رواه المؤلف على أن من العرب من يثبت ألف «ما» الاستفهامية المجرورة غير مبال بالالباس ، وقد قريء قوله تعالى (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) بالألف. قال ابن جنى : وإثبات الألف أضعف اللغتتين

(١) وهذا بيت من الرجز المشطور ينسب للعذافر الكندى ، وبعده قوله :

* وهات خبز البرّ أو سويقا*

٢٩٨

وقال الآخر فى الجزم :

٩٦ ـ ومن يتّق فإنّ الله معه*

ورزق الله مؤتاب وغاد (١)

ثم ألحقوا هاء السكت ، لكون العين فى تقدير الحركة ، ثم كسروا أول الساكنين (٢) كما هو حقه على ما ذكرنا فى «لم أبله»

قوله «حتّامه وإلامه» مثال للمحذوف الآخر ، لا للجزم

__________________

والاستشهاد بالبيت فى قوله «اشتر» حيث سكن الراء وهى عين الفعل وكان حقها الكسر ، وكأن الراجز توهم أنها لام الفعل فسكنها كما يسكن باء اضرب ، ومفردات البيت ومعناه لا تحتاج إلى شرح

(١) لم نقف لهذا البيت على نسبة إلى قائل ، وقد أنشده صاحب الصحاح (أوب) و (وق ي) وقد ذكرناه فيما مضى (انظر ص ٢٤٠ من هذا الجزء).

والمؤتاب : اسم فاعل من ائتاب ، افتعل ، من الأوب ، وتقول : آب يؤوب أوبا ؛ إذا رجع ، والغادى : اسم فاعل من غدا يغدو إذا جاء فى الغداة ، يريد أن تقوى الله تسهل للانسان رزقه وتيسر عليه أسبابه ، والاستشهاد بالبيت فى قوله «ومن يتق» حيث سكن القاف وهي عين الفعل ، وسلط الجازم عليها ، وقياسها الكسر على ما مر فى البيت السابق

(٢) وهذا مخالف لما ذكره سيبويه فى الكتاب ؛ إذ قال (ج ٢ ص ٢٧٨) : «وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون : ادعه ، من دعوت ، فيكسرون العين كأنها لما كانت فى موضع الجزم توهموا أنها ساكنه ؛ إذ كانت آخر شيء فى الكلمة فى موضع الجزم ، فكسروا حيث كانت الدال ساكنة ، لأنه لا يلتقى ساكنان ، كما قالوا : رد يا فتي ، وهذه لغة رديئة وإنما هو غلط كما قال زهير :

بدا لى أنّى لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا» اه

فكلام سيبويه يقتضى ان كسر العين من «ادعه» لالتقائها ساكنة مع الدال وكلام الرضي يقتضى أن كسر العين لالتقائها ساكنة مع هاء السكت ، فعلى كلام سيبويه لا يحتاج عند إلحاق هاء السكت إلى ملاحظة أن العين فى تقدير الحركة ، وعلى كلام الرضي يحتاج إلى ذلك ؛ لأن هاء السكت لا تلحق إلا المتحرك

٢٩٩

قوله «غلاميه» مثال لغير المحذوف الآخر

قوله «كالماضى» مثال لما حركته مشابهة للإعرابية ؛ لأنه إنما بنى الماضى على الحركة ، وحق البناء السكون لمشابهته المعرب ، إذ معنى «زيد ضرب» زيد ضارب ، ومعنى «إن ضربت ضربت» إن تضرب أضرب

قوله «وباب يا زيد» لأن الضمة تحدث بحدوث حرف النداء ، وتزول بزواله ، كحدوث الإعراب بحدوث العامل وزواله بزواله ، وكذا باب «لا رجل»

قوله «وفى نحو ههناه وهؤلاه» يعنى كل حرف أو اسم عريق فى البناء آخره ألف مثل ذا وما ، يجوز إلحاق هاء السكت به وقفا ، ولا يجب ، وذلك ليتبين الألف فى الوقف إذ هو خاف إذا لم يتلفظ بعده بشىء ، كما مر ، وأما نحو فتى وحبلى فإنك لا تبين ألفاتها فى الوقف بالهاء كما مر فى آخر شرح الكافية

قال : «وحذف الياء فى نحو القاضى وغلامى حرّكت أو سكّنت ، وإثباتها أكثر ، عكس قاض ، وإثباتها فى نحو يامرى اتّفاق»

أقول : اعلم أن المنقوص المنصوب غير المنون ، كرأيت القاضى وجوارى ، لا كلام فى أنه لا يجوز حذف يائه ، بل يجب إسكانه ، وكذا فى غلامى وغلاماى وغلامىّ وإنّى ، بفتح الياء فيها ، بل إنما تسكن ياؤها أو تلحقها هاء السكت كما مر ، قال سيبويه : إنما لم تحذف الياءات لأنها إذا تحركت قويت كالحروف الصحيحة

وأما المنقوص ذو اللام رفعا وجرا فالأكثر بقاء يائه فى الوقف ؛ إذ المطلوب وجود الحرف الساكن ليوقف عليه ، وهو حاصل ، وبعض العرب يحذف الياء فى الوقف ؛ لكونه موضع استراحة ، والياء المكسور ما قبلها ثقيل ، ومن حذف الياء فى الوصل نحو (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ سَواءٌ مِنْكُمْ) أوجب حذفها وقفا باسكان ما قبلها وأما ياء المتكلم الساكنة فان كانت فى الفعل فالحذف حسن ؛ لأن قبلها نون عماد مشعرا بها ، كقوله تعالى (رَبِّي أَكْرَمَنِ) (رَبِّي أَهانَنِ) وإن كانت

٣٠٠