شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

فى اسم المفعول من الثلاثى نحو ملعون ومشئوم وميمون ملاعين ومشائيم (١) وميامين (٢) ، تشبيها ، بمغرود (٣) وملمول (٤) ، وكذا قالوا فى مكسور : مكاسير ، وفى مسلوخة : مساليخ ، وقالوا أيضا فى مفعل المذكر كموسر ومفطر ، وفى مفعل كمنكر : مياسير (٥) ومفاطير ومناكير ، وإنما أوجبوا الياء فيهما مع

__________________

(١) المشائيم : جمع مشئوم ، وهو ضد الميمون ، قال الشاعر :

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلّا ببين غرابها

(٢) الميامين : جمع ميمون ، وهو صفة من اليمن وهو البركة ، تقول : رجل أيمن وميمون ويامن ويمين ، وقالوا : يمن الرجل ـ على بناء المجهول ـ فهو ميمون ، ويمن الرجل ـ بفتح الميم ـ قومه فهو يامن ، إذا صار مباركا عليهم ، وجمعوا الأيمن على أيامن ، قال خزر ـ كعمر ـ بن لوذان ـ كعدنان ـ :

ولقد غدوت وكنت لا

أغدو على واق وحاتم

فإذا الأشائم كالأيا

من والأيامن كالأشائم

(٣) المغرود : ضرب من الكمأة (انظر ح ١ ص ١٨٧)

(٤) الملمول : المكحال ، والحديدة التى يكتب بها فى ألواح الدفتر

(٥) جعل المؤلف المياسير جمع موسر الذى هو اسم فاعل من أيسر ، وأصل الموسر ميسر فقلبت الياء واوا لسكونها إثر ضمة فلما أريد الجمع رجعت الياء إلى أصلها لزوال مقتضى قلبها واوا ، وهذه الياء التى قبل الطرف مزيدة للاشباع كما قالوا فى طوابيق وخواتيم ـ على رأى ـ (انظر ص ١٥١ ، ١٥٢ من هذا الجزء) وكلمة مياسير نحتمل غير ما ذكره وجهين : الأول أن تكون جمع ميسور وهو اسم مفعول جاء على غير فعله إن كان من يسره بالتضعيف ، وعلى فعله ان كان من قولهم يسر فلان فرسه فهو ميسور ، إذ اسمنه ؛ الثانى : أن يكون جمع ميسور مصدرا بمعنى اليسر عند غير سيبويه (انظر ح ١ ص ١٧٤) وجمع المصدر جائز إذا أريد به الأنواع وقد جاء فى هذه الكلمة بعينها ، قال الشاعر :

استقدر الله خيرا وارضينّ به

فبينما العسر إذ دارت مياسير

١٨١

ضعفها فى نحو معاليم جمع معلم ليتبين أن تكسيرهما خلاف الأصل ، والقياس التصحيح ، والأغلب فى المفعل المختص بالمؤنث التجرد عن التاء ، فلا يصحح ، بل يجمع على مفاعل كالمطافل والمشادن (١) والمراضع ؛ لما مر فى شرح الكافية فى باب المذكر والمؤنث ، وقد يجىء هذا الباب بالتاء أيضا ، نحو ناقة متل ومتلية للتى يتلوها ولدها ، وكلبة مجر ومجرية للتى لها جرو ، وإنما أثبتوا الهاء فى الناقص خوف الإجحاف بحذف علم التأنيث ولام الكلمة فى المنون ، وجوزوا فى جمع هذا المؤنث زيادة الياء أيضا ليكون كالعوض من الهاء المقدرة فتقول : مطافيل ، ومراضيع ، ومشادين ، ويجوز تركه ، قال تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) وقال : ـ

٦٥ ـ * حى النّحل فى ألبان عوذ مطافل* (٢)

قال «والرّباعيّ نحو جعفر وغيره على جعافر قياسا ، ونحو قرطاس على قراطيس ، وما كان على زنته ملحقا أو غير ملحق بغير مدّة أو معها يجرى مجراه نحو كوكب وجدول وعثير وتنضب ومدعس وقرواح

__________________

(١) المشادن : جمع مشدن وهو اسم فاعل من قولهم : أشدنت الظبية ، إذا قوى ولدها واستغنى عن أمه (انظر ح ١ ص ١٩٠)

(٢) هذا عجز بيت من قصيدة لأبى ذؤيب الهذلى ، وصدره قوله :

* وإنّ حديثا منك لو تبذلينه*

الجنى : أصله الثمر المجتنى ، واستعاره هنا للعسل. والعوذ : جمع عائذ وهى الحديثة النتاج من الأبل والظباء. والمطافل : جمع مطفل وهي التى معها طفلها ويقال فيه : مطافيل أيضا كما قال المؤلف. ومعنى البيت إن حلاوة حديثك لو تفضلت به هى حلاوة العسل مشوبا بألبان الابل الحديثة العهد بالنتاج والتى خلفها طفلها ، والاستشهاد بالبيت على أنهم جوزوا فى جمع مفعل إذا كان وصفا لمؤنث حذف الياء كما في البيت وزيادتها كما فى قول أبى ذؤيب أيضا ـ وهو من قصيدة الشاهد السابق ويليه فى ترتيبها ـ :

مطافيل أبكار حديث نتاجها

تشاب بماء مثل ماء المفاصل

١٨٢

وقرطاط ومصباح ، ونحو جواربة وأشاعثة فى الأعجمىّ والمنسوب»

أقول «قوله جعفر وغيره» أى : غير هذا الوزن من أوزان الرباعى كدرهم وزبرج وبرثن وقمطر وبرقع (١) ، على قول الأخفش ، جميعه على فعالل ، سواء كان للقلة أو للكثرة ؛ إذ لا يحذف من حروفه الأصلية شىء حتى يرد بسببه إلى جمع القلة ، وأما ذو التاء من الرباعى فقيل : يكسر فى الكثرة على ما كسر عليه المذكر ، وفى القلة يجمع جمع السلامة بالألف والتاء ، نحو جماجم وجمجمات فى جمجمة ، وكذا ما هو على عدد حروفه من ذى زيادة الثلاثى غير المذكور قبل ، كمكرمة ومكرمات ومكارم وأنملة وأنملات وأنامل

قوله «ونحو قرطاس على قراطيس» أى : كل رباعى قبل آخره حرف مد كعصفور وقرطاس وقنديل ، فإنك تجمعه على فعاليل

قوله «وما كان على زنته» أى : زنة الرباعى ، أعنى عدد حروفه ، سواء كان مثله فى الحركات المعينة والسكنات كجدول وكوثر ، أو لا كتنضب (٢) ، وهذا القول منه تجوّز ؛ لأنه يعتبر فى الوزن الحركات المعينة والسكنات ، فلا يقال : تنضب على زنة حعفر نظرا إلى مطلق الحركات إلا على مجاز بعيد ، وكذا يعتبر فى الزنة زيادة الحروف وأصالتها ، كما مر فى صدر الكتاب (٣) ، لكن يتجوز تجوزا قريبا فى الملحق فيقال : إنه على زنة الملحق به ؛ فيقال

__________________

(١) انظر فى شرح هذه الالفاظ كلها (ح ١ ص ٥١)

(٢) التنضب : شجر له شوك قصار وليس من شجر الشواهق تألفه الحرابى ، أشد سيبويه للنابغة الجعدى :

كأنّ الدّخان الّذى غادرت

ضحيّا دواخن من تنضب

(٣) انظر (ح ١ ص ١٣ وما بعدها)

١٨٣

جدول وكوثر على زنة جعفر ، ولا يقال إن حمارا على زنة قمطر ، لما لم يكن ملحقا به

قوله «ملحقا» يعنى نحو كوثر وحدول وعثير (١)

قوله «أو غير ملحق» يعنى نحو تنضب ومدعس

قوله «بغير مدة» من تمام قوله : أو غير ملحق ؛ لأن المدة عندهم لا تكون للالحاق كما مر فى موضعه : أى لا يكون ملحقا بالرباعى ، لكن يساويه فى عدد الحروف ، بشرط أن لا تكون المساواة بسبب زيادة المدة ، احترازا عن مثل فاعل وفعال وفعول وفعيل ، فان هذه تساوى الرباعى بسبب زيادة المدة ، وليست للالحاق ، وإنما احترز عن مثل هذه الأمثلة لأن تكسيرها قد لا يكون كتكسير الرباعى ، بل لها جموع معينة كما مر

قوله «وقرواح (٢) وقرطاط (٣) ومصباح» يعنى هذه الأمثلة تكسيرها كتكسير الرباعى الذى قبل آخره مدة ، نحو قرطاس ، وإن لم تكن رباعية ، وكذا غير ما ذكره المصنف من الثلاثى المزيد فيه حرفان أحدهما حرف لين رابعة مدة كانت نحو كلّوب وكلّاب (٤) وإصباح وإجفيل (٥) وأملود (٦) ،

__________________

(١) العثير : الغبار ، وقيل : هو كل ما قلبت من تراب أو مدر أو طين بأطراف أصابع رجليك ، إذا مشيت لا يرى من القدم أثر غيره

(٢) القرواح ـ بكسر أوله وسكون ثانيه ـ : الناقة الطويلة القوائم ، والجمل يعاف الشرب مع الكبار فاذا جاءت الصغار شرب معها ، والنخلة الطويلة الملساء ، والبارز الذى لا يستره من السماء شيء

(٣) القرطاط ـ بضم أوله وكسره مع سكون ثانيه فيهما ـ : الداهية ، وما يوضع تحت رحل البعير (انظر ح ١ ص ١٧)

(٤) قد مضى قريبا شرح الكلوب والكلاب فانظره فى (ص ١٧٩ من هذا الجزء)

(٥) الاجفيل ـ بكسر فسكون ـ : الظليم ينفر من كل شىء ، وهو أيضا الجبان. والقوس البعيدة السهم ، والمرأة المستة

(٦) الأملود ـ بضم فسكون ـ : الناعم اللين من الناس ومن الغصون

١٨٤

أو غير مدة كسنّور (١) وسكّيت ، وعلى ما قاله سيبويه فى تصغير مسرول (٢) مسيريل ينبغى أن يكسر إذا كسر على مساريل ، وكذا فى كنهور كناهير (٣) كما يقال فى تصغيره : كنيهير ، ولو قال «ونحو قرواح وقرطاط ومصباح كقرطاس» لكان أوضح ، لكنه أراد وما كان على زنة الرباعى بلا مدة رابعة كجعفر أو معها كقرطاس يجرى مجراه ، ثم مثل من قوله نحو كوكب إلى قوله مدعس بما يوازن الرباعى بلا مدة رابعة ، ومن قوله قرواح إلى مصباح بما يوازن الرباعى مع مدة رابعة

قوله «ونحو جواربة (٤) وأشاعثة (٥) فى الأعجمى والمنسوب» اعلم أن كل جمع أقصى واحده معرّب كجورب (٦) أو منسوب كأشعثى (٧) فانهم يلحقونه الهاء ؛ أما الأول فعلى الأغلب ، وأما الثانى فوجوبا ، وذلك نحو موازجة (٨)

__________________

(١) السنور : حيوان ، وهو الهر

(٢) (انظر ح ١ ص ٢٥٠ ه‍ ٣)

(٣) الكنهور ـ كسفرجل ـ : الضخم من الرجال ، والمتراكم من السحاب

(٤) الجورب : معرب. قال ابن إياز : معرب «كوربا» وترجمته الحرفية قبر الرجل (القدم) ، وجمعه جوارب وجواربة (انظر شفاء الغليل ص ٦٨ طبعة الوهبية)

(٥) الأشاعثة : جمع أشعثى ، والأشعثى المنسوب إلى أشعث ، والأشاعثة قوم من الخوارج منسوبون إلى الأشعث بن قيس الكندى ، وابنته جعدة بنت الأشعث هى التى سمت الحسن بن على رضى الله تعالى عنه ، وكانت زوجه فحرضها معاوية على ذلك.

(٤) الجورب : معرب. قال ابن إياز : معرب «كوربا» وترجمته الحرفية قبر الرجل (القدم) ، وجمعه جوارب وجواربة (انظر شفاء الغليل ص ٦٨ طبعة الوهبية)

(٥) الأشاعثة : جمع أشعثى ، والأشعثى المنسوب إلى أشعث ، والأشاعثة قوم من الخوارج منسوبون إلى الأشعث بن قيس الكندى ، وابنته جعدة بنت الأشعث هى التى سمت الحسن بن على رضى الله تعالى عنه ، وكانت زوجه فحرضها معاوية على ذلك.

(٦) الموازجة : جمع موزج ـ ككوثر ـ وهو الخف ، فارسى معرب ، والجمع موازج ، وموازجة ألحقوا الهاء للعجمة. قال ابن سيده : وهكذا وجد أكثر هذا الضرب الأعجمى مكسرا بالهاء فيما زعم سيبويه ، وأصل الموزج بالفارسية «موزه»

١٨٥

وصوالجة (١) وطيالسة (٢) وجواربة فى المعرب ، وقد جاء كيالج (٣) وجوارب تشبيها بالجمع العربى كالمساجد ، ونحو أشاعثة ومهالبة (٤) ومشاهدة (٥) فى المنسوب ، واحدها أشعثىّ ومهلّبى ومشهدى ، وقد اجتمع العجمة والنسبة فى برابرة جمع بربرىّ ، وسيابجة جمع سيبجىّ ، على وزن ديلمىّ ، وهم قوم من الهند يبذرقون المراكب (٦) فى البحر ، وقد يقال «سابج» بألف كخاتم ،

__________________

(١) الصوالجة : جمع واحده صولج وصولجان وصولجانة ، وهو العود المعوج ، فارسى معرب ، قال الأزهرى فى التهذيب : الصولجان : عصا يعطف طرفها يضرب بها الكرة على الدواب ، فأما العصا التى اعوج طرفاها خلقة فى شجرتها فهى محجن ،

(٢) الطيالسة : جمع طيلسان ـ بفتح اللام وضمها ـ وطيلس أيضا ـ كزينب ـ وهو ضرب من الأكسية أسود ، فارسى معرب ، وجاء فى جمعه طيالس أيضا

(٣) قال فى اللسان : «قال ابن الأعرابى : الكيلجة : مكيال ، والجمع كيالج وكيالجة أيضا ، والهاء للعجمة» اه ، وقال فى الشفاء (ص ١٩٣ طبعة الوهبية): «كيلجة ، وكيلقة ، وكيلكة ، وجمعه كيالج وكيالجة» اه

(٤) المهالبة : جمع مهلبى ـ بتشديد اللام مفتوحة ـ وهو المنسوب إلى المهلب ، والمهالبة فرقة نسبت إلى المهلب ابن أبي صفرة

(٥) المشاهدة : جمع مشهدى ، وهو المنسوب إلى المشهد ، وهو مفعل من الشهود : أى الحضور ، فمعناه محضر الناس. ومشاهد مكة : المواطن التى يحضرها الناس

(٦) يبذرقون المراكب : أى يخفرونها ؛ وصنيع الشارح يقتضى أن السيابجة بياء مثناة تحتية ، وهو الموجود فى شفاء الغليل (ص ١٢٠ الطبعة الوهبية) وفى سيبويه (ج ٢ ص ١٠١) وصنيع الصحاح يقتضى أنها سبابجة ـ بباء موحدة ـ قال فى (س ب ج): «والسبابجة قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة وحراس السجن ، والهاء للعجمة والنسب ، قال يزيد بن مفرغ الحميري :

وطماطيم من سبابيج خزر

يلبسونى مع الصّباح القيودا» اه

١٨٦

والتاء عند سيبويه فى جمع المنسوب عوض من ياء النسبة المحذوفة فى الجمع حذفا لازما ، وإنما حذفت فيه لكون أقصى الجموع ثقيلا لفظا ومعنى فلا يركب إذا

__________________

وتبعه فى اللسان قال : «والسبابجة قوم ذو وجلد من السند والهند يكونون مع رئيس السفينة البحرية يبذرقونها ، واحدهم سبيجى (بياء النسب) ، ودخلت الهاء للعجمة والنسب كما قالوا : البرابرة ، وربما قالوا : السابج ، قال هميان :

لو لقى الفيل بأرض سابجا

لدقّ منه العنق والدّوارجا

وإنما أراد هميان سابجا (بفتح الباء) فكسر لتسوية الدخيل ، لأن دخيل هذه القصيدة كلها مكسور. قال ابن السكيت : السبابجة قوم من السند يستأجرون ليقاتلوا فيكونون كالمبذرقة ، فظن هميان أن كل شىء من ناحية السند سبيج فجعل نفسه سبيجا» اه

ونحن ننقل لك عبارة سيبويه فى هذا الموضوع ؛ فان جميع ألفاظ هذا الفصل قد أخذها المؤلف عنه ، قال (ح ٢ ص ٢٠١): «هذا باب ما كان من الأعجمية على أربعة أحرف وقد أعرب فكسرته على مثال مفاعل .. زعم الخليل أنهم يلحقون جمعه الهاء إلا قليلا ، وكذلك وجدوا أكثره فيما زعم الخليل ، وذلك موزج وموازجة ، وصولج وصوالجة ، وكربج وكرابجة ، وطيلسان وطيالسة ، وجورب وجواربة ، وقد قالوا : جوارب ، جعلوها كالصوامع والكواكب ، وقد أدخلوا الهاء أيضا فقالوا : كيالجة ، ونظيره فى العربية صيقل وصياقلة ، وصيرف وصيارفة ، وقشعم وقشاعمة ، فقد جاء إذا أعرب كملك وملائكة ، وقالوا :

أناسية لجمع إنسان. وكذلك إذا كسرت الاسم وأنت تريد آل فلان أو جماعة الحى أو بنى فلان ، وذلك قولك : المسامعة والمناذرة والمهالبة والأحامرة والأزارقة ، وقالوا : الدياسم وهو ولد الذئب ، والمعاول ، كما قالوا : جوارب ، شبهوه بالكواكب حين أعرب ، وجعلوا الدياسم بمنزلة الغيالم والواحد غيلم ، ومثل ذلك الأشاعر ، وقالوا البرابرة والسيابجة فاجتمع فيها الأعجمية وأنها من الاضافة إنما يعنى البربريين والسيبجيين كما أردت بالمسامعة المسمعيين ، فأهل الارض كالحي» اه

١٨٧

ركب وجعل مع شىء كاسم واحد ، إلا مع ما هو خفيف ، والتاء أخف من الياء المشددة وبينهما مناسبة كما مر فى أول باب النسبة ، فلذا اختيرت للعوض ، وأما جمع الأعجمى فليست التاء عوضا من شىء ، فلذا لم تلزم كما لزمت فى جمع المنسوب ، بل هى فيه دليل على كون واحده معربا ، وقد يبدل التاء فى أقصى الجموع من ياء غير ياء النسبة ، نحو جحا جحة فى (١) جحجاح ، والأصل جحاجيح ، والتاء فى زنادقة (٢)

__________________

(١) الجحجاح : السيد السمح ، وقيل : الكريم ، ويقال فيه : جحجح أيضا ، وجمع الأول جحاجحة وجحاجيح أيضا ، وجمع الثانى جحاجح لا غير ، وقد يجمع الجحجاح على الجحاجح كما جمع المفتاح على المفاتح ، وكما قالوا : طوابق فى جمع طاباق ؛ قال فى اللسان : «والجحجح السيد السمح ... وفى حديث سيف بن ذى يزن

* بيض مغالبة غلب جحاجحة*

جمع جحجاح ، والهاء فيه لتأكيد الجمع ، وجحجحت المرأة : جاءت بجحجاح ، وجحجح الرجل : ذكر جحجاحا من قومه. قال :

* إن سرّك العزّ فجحجج بجشم*

وجمع الجحجاح جحاجح ، وقال الشاعر :

ماذا ببدر فالعقنقل

من مرازبة جحاجح

وإن شئت جحاجحة ، وإن شئت جحاجيح ، والهاء عوض من الياء المحذوفة ، لا بد منها أو من الياء ، ولا يجتمعان» اه بتصرف

(٢) الزنادقة : جمع زنديق ، وهو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية ، أو من يبطن الكفر ويظهر الايمان ، قال فى شفاء الغليل (ص ١١٢): «الزنديق ليس من كلام العرب ، إنما تقول العرب : رجل زندق وزندقي : أى شديد البخل ، وإذا أرادوا ما تقول له العامة : ملحد ؛ قالوا. دهرى (بفتح الدال نسبة إلى الدهر ، وكأنهم نسبوا إليه لقولهم : وما يهلكنا إلا الدهر) ، وإذ أرادوا

١٨٨

وفرازنة (١) يجوز أن يكون بدلا من الياء ، إذ يقال : زناديق ، وفرازين ،

__________________

المسن قالوا : دهرى ـ بالضم ـ للفرق بينهما ، والهاء فى زنادقة وفرازنة عوض عن الياء عند سيبويه ، وقال أبو حاتم : هو فارسى معرب «زنده كرد» : أى عمل الحياة ؛ لأنه يقول ببقاء الدهر ودوامه ، وقال الرياشى : هو مأخوذ من قولهم : رجل زندقى : أى نظارفى الأمور ، وقال غيره : معرب «زند» : أى الحياة ، وقيل : هو معرب «زندي» : أى متدين بكتاب يقال له : زند ، ادعى المجوس أنه كتاب زرادشت ، ثم استعمل فى العرف لمبطن الكفر ، وهم أصحاب مزدك الذى ظهر فى أيام قباذ بن فيروز ، وقال الجوهرى : الزنادقة الثنوية ، وتزندق الرجل ، والاسم الزندقة. وفى القاموس : هو معزب «زن دين» وقيل : هو وهم ، والصواب معرب «زنده». وفى المغرب : هو من لا يؤمن بالوحدانية والآخرة ، وعن ثعلب : هو والملحد : الدهرى ، وعن ابن دريد هو القائل بدوام الدهر معرب «زنده» كتاب لمزدك. اه ؛ وقال المسعودى فى مروج الذهب : «وفى أيام مانى ظهر اسم الزندقة الذى أضيف إليه الزنادقة ، وذلك أن الفرس حين أتاهم زرادشت بكتابهم المعروف ب (النسناه) باللغة الأولى من الفارسية ، وعمل له التفسير وهو الزند ، وعمل لهذا التفسير شرحا سماه البازند ، وكان الزند بالتأويل غير المقدم المنزل ، وكان من أورد فى شريعتهم شيئا بخلاف المنزل الذى هو النسناه وعدل إلى التأويل الذى هو الزند قالوا : هذا زندى ، فأضافوه إلى التأويل وأنه منحرف عن الظواهر من المنزل إلى تأويل هو بخلاف التنزيل ، فلما أن جاءت العرب أخذت هذا المعني من الفرس وقالوا : زنديق ، وعربوه ، والثنوية هم الزنادقة ، ولحق بهؤلاء سائر من اعتقد القدم وأبى حدوث العالم» اه (انظر ح ١ ص ٢١٢ طبعة دار الرجاء)

(١) قال فى اللسان : «الفرزان : من لعب الشطرنج ؛ أعجمى معرب ، وجمعه فرازين» اه. وقال في القاموس : «فرزان الشطرنج معرب فرزين ، والجمع فرازين» اه وليس فى اللسان ولا فى القاموس أن الفرزان يجمع على الفرازنة إلا أن القياس لا يأباه كما يعلم مما أثبتناه عن اللسان فى جمع جحجاح (انظر ص ١٨٨ من هذا الجزء)

١٨٩

وزنادقة ، وفرازنة ، وأن تكون دليل العجمة.

وقد تكون التاء فى أقصى الجموع لتأكيد الجمعية ، نحو ملائكة وصياقلة (١) وقشاعمة (٢) ، كما تكون فى غيره من الجموع نحو حجارة وعمومة ، والتاء فى «أناسية» ، قيل : عوض من إحدى (٣) ياءى أناسىّ ، قال تعالى : (وَأَناسِيَّ كَثِيراً) وقيل : لتأكيد الجمعية كما فى ملائكة ، على أنه جمع إنسان وأصله إنسيان ، فحذفت الألف والنون فى الجمع ، كما يقال فى زعفران : زعافر ، وقيل فى جمع المنسوب نحو أشاعثة : إن التاء ليست عوضا من الياء ، إذ ليست فى واحده الياء ؛ بل التاء فى الجمع دليل على أنك سميت كل واحد من المنسوب باسم المنسوب إليه ، فهو جمع أشعث على تسمية كل واحد من الحى باسم الأب [الأكبر] كما قيل فى إلياسين (٤)

__________________

(١) الصياقلة : جمع صيقل ، وهو الذى يشحذ السيوف ويجلوها. فيعل. من الصقل.

(٢) القشاعمة : جمع قشعم كجعفر ، وهو المسن من الرجال والنسور ، وهو الضخم أيضا ، والأسد. وأم قشعم : الحرب ، والداهية ، والضبع ، والعنكبوت ، وقرية النمل

(٣) قال أبو سعيد السيرافى : «فى هذا الجمع وجهان : أحدهما أن تكون الهاء عوضا من إحدى ياءى أناسى ، وتكون الياء الأولى منقلبة من الألف التى بعد السين ، والثانية من النون ، والثانى : أن تحذف الألف والنون فى إنسان تقديرا ويؤتى بالياء التى تكون فى تصغيره إذا قالوا : أنيسيان ، فكأنهم ردوا فى الجمع الياء التى يردونها فى التصغير فيصير أناسى ، ويدخلون الهاء لتحقيق التأنيث. وقال المبرد : أناسية جمع إنسى ، والهاء عوض من الياء المحذوفة ، لأنه كان يجب أناسى» اه

(٤) قال العلامة البيضاوى فى تفسير سورة الصافات : «إل ياسين لغة فى إلياس

١٩٠

والأشعرون (١) : إن الاسم المنسوب إليه أطلق على كل واحد من الجماعة المنسوبة ،

__________________

كسيناء وسينين. وقيل : جمع له مراد به هو وأتباعه كالمهلبين ، لكن فيه أن العلم إذا جمع يجب تعريفه باللام ، أو للمنسوب إليه بحذف ياء النسب كالأعجمين ، وهو قليل ملبس. وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب على إضافة «آل» إلى «ياسين» لأنهما فى المصحف مفصولان فيكون ياسين أبا إلياس» اه. وقال الشهاب : قوله «كسيناء وسينين» وجه الشبه بينهما أن الأول علم غير عربى تلاعبوا به فجعلوه بصيغة الجمع ، أو أن زيادة الياء والنون في السريانية لمعنى كما فى الكشاف لا فى الوزن ، وإلا لكان حقه أن يقول : كميكال : وميكائيل ، واختار هذه اللغة على هذا رعاية للفاصلة. قوله «وقيل : جمع له» على طريق التغليب باطلاقه عليه وعلى أتباعه وقومه ، كما يقال : المهالبة ، لمهلب وقومه ، وضعفه بما ذكره النحاة من أن العلم إذا جمع أو ثنى وجب تعريفه بالألف واللام جبرا لما فاته من العلمية ولا فرق فيه بين التغليب وغيره كما صرح به ابن الحاجب فى شرح المفصل ، فالاعتراض بأن النحاة إنما ذكروه فيما إذا قصد به مسماه أصالة ـ وهذا ليس منه ـ وهم ، وإنما يرد هذا على من لم يجعل لام الياس للتعريف ، لكن هذا غير متفق عليه. قال ابن يعيش فى شرح المفصل : يجوز استعماله نكرة بعد التثنية والجمع ووصفه بالنكرة نحو زيدان كريمان وزيدون كريمون ، وهو مختار عبد القاهر. قوله «أو للمنسوب» معطوف على قوله : له : أى قيل : إنه جمع إلياسى فخفف بحذف ياء النسب لاجتماع الياءات فى الجر والنصب كما قيل أعجمين في أعجميين ... وضعفه بقلته والتباسه بالياس إذا جمع ؛ وإن قيل : حذف لام إلياس مزيل للالباس لما مر» اه

(١) الأشعرون : جمع مذكر سالم مفرده أشعرى ، وهو المنسوب إلى الأشعر ، وهو أبو قبيلة باليمن منهم أبو موسى الأشعرى ، قال فى القاموس «ويقولون : جاءتك الأشعرون بحذف ياء النسب» اه ونقول : إنما وجب أن يكون الأشعرون جمع الأشعرى لا الأشعر ـ بغير ياء ـ لأن الأشعر وصف بمعنى كثير الشعر ومؤنثه شعراء ، وقد علمنا فيما مضى قريبا أن أفعل فعلاء لا يجمع جمع المذكر السالم على ما هو مذهب البصريين والفراء من الكوفيين. فان

١٩١

وفى هذا الوجه ضعف ؛ لأنه لا يطرد ذلك فى المنسوب إلى المكان ، نحو المشاهدة والبغاددة (١) ، إذ الشخص لا يسمى باسم بلده كما يسمى باسم أبيه ، مع قلة ذلك أيضا

واعلم أنك تحذف من الثلاثى المزيد فيه نحو منطلق ومستخرج ومفعنسس وقلنسوة (٢) وحبنطى واستخراج وغير ذلك ، ومن الرباعى المزيد فيه نحو مدحرج ومحرنجم واحرنجام ؛ ما حذفت فى التصغير سواء : بأن تخلى الفضلى من الزوائد وتحذف غيرها مما يخلّ وجوده ببناء مفاعل ومفاعيل ، وإن لم يكن لإحداها الفضل كنت مخيّرا كما فى أرطى (٣) وحبنطى ، كما فعلت فى التصغير سواء ، ولك بعد الحذف زيادة الياء رابعة عوضا من المحذوف كما مر فى التصغير.

قال «وتكسير الخماسىّ مستكره كتصغيره بحذف خامسه».

أقول : إنما استكره تصغير الخماسى وتكسيره لأنك تحتاج فيهما إلى حذف حرف أصلى منه ؛ ولا شك فى كراهته ، فلا تصغره العرب ولا تكسره فى سعة

__________________

جاز جمع هذا الوصف كما هو مذهب بقية الكوفيين صح أن يكون الأشعرون جمع الأشعر ، ومثل ذلك الأعجمون فى قوله تعالى (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ)

(١) البغاددة : جمع بغدادى ، وهو المنسوب إلى بغداد

(٢) أنظر فى شرح «مفعنسس» (ح ١ ص ٥٤) وانظر فى «قلنسوة» (ح ١ ص ٦٨) وأنظر فى «حبنطى» (ح ١ ص ٥٤ ، ٢٥٥)

(٣) أخطأ المؤلف فى جعل «أرطى» من هذا النوع ، فليس هو ذا زيادتين ولكنه ذو زيادة واحدة ، غاية ما فى الباب أنه اختلف فى المزيد فيه : أهو الهمزة أوله فيكون على أفعل ، أم الألف التى فى آخره فيكون على فعلى ، كما سيأتى قريبا فى باب ذى الزيادة ، وانظر (ح ١ ص ٥٧) تجد المؤلف نفسه قد ذكره في الثلاثي الذى زيد عليه حرف واحد لالحاقه بالرباعي

١٩٢

كلامهم ، لكن إذا سئلوا : كيف قياس كلامكم لو صغرتموه أو كسرتموه؟ قالوا : كذا وكذا ؛ ولك زيادة ياء العوض كما فى التصغير.

قال «ونحو تمر وحنظل وبطّيخ ممّا يتميّز واحده بالتّاء ليس بجمع على الأصحّ ، وهو غالب فى غير المصنوع ، ونحو سفين ولبن وقلنس ليس بقياس ، وكمأة وكم وجبأة وجبء عكس تمرة وتمر».

أقول : اعلم أن الاسم الذى يقع على القليل والكثير بلفظ المفرد فإذا قصد التنصيص على المفرد جىء فيه بالتاء ؛ يسمى باسم الجنس ، وقد ذكرنا فى شرح الكافية حاله (١).

__________________

(١) صدر المؤلف رحمه‌الله كلامه في شرح الكافية بذكر وجوه الفرق بين الجمع واسم الجمع ، وتتلخص هذه الفروق فى ثلاثة أوجه : الأول أن الجمع على صيغة خاصة من صيغ معدودة معروفة ، وهذه الصيغة تغاير صيغة المفرد : إما؟؟؟ وإما تقديرا ، فالمغايرة الظاهرة : إما بالحركات كأسد وأسد ونمر ونمر ، وإما بالحروف كرجال وكتب ، والمغايرة المقدرة كهجان وفلك ، ومن المغايرة الظاهرة الجمع السالم مذكرا أو مؤنثا ؛ والثانى أن للجمع واحدا من لفظه وليس لاسم الجمع واحد من لفظه ، بل له واحد من معناه ، فواحد الابل بعير أو ناقة ، وواحد الغنم شاة ؛ والثالث أن الجمع يرد الى واحده فى النسب مطلقا وفى التصغير إن كان جمع كثرة ، وأما اسم الجمع فلا يرد ؛ لأنه إما أن لا يكون له واحد حتى يرد إليه ، وإما أن يكون له واحد لكن لا يصح الرد إليه لأن اسم الجمع لم يكن على صيغة من صيغ الجمع فهو كالمفرد فى اللفظ

ثم قال فى بيان اسم الجنس والفرق بينه وبين الجمع واسم الجمع ما نصه : «ويخرج عن الجمع أيضا اسم الجنس : أى الذى يكون الفرق بينه وبين مفرده : إما بالتاء نحو تمرة وتمر ، أو بالياء نحو رومى وروم ، وذلك لأنها لا تدل على آحاد ، إذ اللفظ لم يوضع للآحاد ، بل وضع لما فيه الماهية المعينة سواء كان واحدا أو مثنى أو جمعا ، ولو سلمنا الدلالة عليها فانه لا يدل عليها بتغيير حروف مفرده فان قيل : أليس آحاده أخذت وغيرت حروفها بحذف التاء أو الياء؟ قلت :

١٩٣

وهو عند الكوفيين جمع مكسّر واحده ذو التاء ، وقولهم فاسد من حيث

__________________

ليس ذو التاء ولا ذو الياء مفردين لاسم الجنس للأوجه الثلاثة المذكورة فى اسم الجمع ، ونزيد عليه أن اسم الجنس يقع على القليل. والكثير ، فيقع التمر على التمرة والتمرتين والتمرات ؛ وكذا الروم ، فان أكلت تمرة أو تمرتين وعاملت روميا أو روميين جاز لك أن تقول : أكلت التمر وعاملت الروم ، ولو كانا جمعين لم يجز ذلك كما لا يقع رجال على رجل ولا رجلين ، بلى قد يكون بعض أسماء الأجناس مما اشتهر فى معني الجمع فلا يطلق على الواحد والاثنين وذلك بحسب الاستعمال لا بالوضع كلفظ الكلم ؛ وعند الاخفش جميع أسماء الجموع التى لها آحاد من تركيبها كجامل وباقر وركب جمع خلافا لسيبويه ، وعند الفراء كل ما له واحد من تركيبه سواء كان اسم جمع كباقر وركب أو اسم جنس كتمر وروم فهو جمع ، وإلا فلا ؛ وأما اسم الجمع واسم الجنس اللذان ليس لهما واحد من لفظهما فليسا بجمع اتفاقا نحو إبل وتراب ، وإنما لم يجىء لمثل تراب وخل مفرد بالتاء إذ ليس له فرد متميز عن غيره كالتفاح والتمر والجوز

والفرق بين اسم الجمع واسم الجنس ـ مع اشتراكهما فى أنهما ليسا على أوزان جموع التكسير لا الخاصة بالجمع كأفعلة وأفعال ولا المشهورة فيه كفعلة نحو نسوة ـ أن اسم الجمع لا يقع على الواحد والاثنين بخلاف اسم الجنس ؛ وأن الفرق بين واحد اسم الجنس وبينه فيما له واحد متميز : إما بالياء وإما بالتاء ، بخلاف اسم الجمع» اه

والحاصل أن الجمع يكون البتة دالا على الجماعة ، ويكون البتة على صيغة من صيغ الجموع المعروفة فى باب الجمع ، ويكون البتة مغايرا فى اللفظ أو التقدير لمفرده ، ويكون له مفرد من لفظه غالبا ، وأما اسم الجمع فهو البتة دال على الجماعة ولا يجوز استعماله فى الواحد ولا فى الاثنين ، وليس له واحد من لفظه غالبا ، بل له واحد من معناه ، فان كان له واحد من لفظه فرق بين الواحد وبينه بغير الياء والتاء ، وهو البتة لا يكون على وزن من أوزان الجموع المعروفة ، وأما اسم الجنس الجمعى فانه ليس مختصا بالدلالة على الجماعة من حيث الوضع بل هو من

١٩٤

اللفظ والمعنى : أما اللفظ فلتصغير مثل هذا الاسم على لفظه ، فلو كان جمعا وليس على صيغة جمع القلة لكان يجب رده إلى واحده ، وأيضا لغلبة التذكير على المجرد من التاء فيها ، نحو : تمر طيب ، ونخل منقعر (١) ، ولا يجوز رجال فاضل ؛ وأما المعنى فلوقوع المجرد من التاء منه على الواحد والمثنى أيضا ؛ إذ يجوز لك أن تقول : أكلت عنبا أو تفاحا ، مع أنك لم تأكل إلا واحدة أو اثنتين ، بلى قد يجىء شىء منه لا يطلق إلا على الجمع ، وذلك من حيث الاستعمال لا من حيث الوضع ، كالكلم والأكم (٢) ، وهو قليل.

__________________

حيث ذلك صالح للواحد والاثنين والأكثر ؛ لأن وضعه لما توجد فيه الماهية كما قال المؤلف ، فلا يحتاج إلى الفرق بينه وبين الجمع ولا اسم الجمع من حيث الوضع ؛ لأن معناهما مختلف ، فان عرض بسبب الاستعمال تخصيصه بالدلالة على الجماعة كان الفرق بينه وبين الجمع من ثلاثة أوجه : الأول أن اسم الجنس ليس على وزن من أوزان الجموع غالبا ، والثانى أنه يفرق بينه وبين واحده بالتاء أو الياء لا غير بخلاف الجمع ؛ والثالث أن اسم الجنس مذكر والجمع مؤنث ، والفرق بين اسم الجمع واسم الجنس الجمعى من وجهين : الأول أن اسم الجنس لا بد أن يكون له واحد من لفظه بخلاف اسم الجمع فقد يكون له واحد من لفظه وقد لا يكون ؛ والثانى أن الفرق بين اسم الجنس وواحده لا يكون إلا بالياء أو التاء بخلاف اسم الجمع

ومن اسم الجنس نوع يسمى اسم الجنس الافرادى ، وهذا لا يعرض له بالاستعمال التخصيص بالكثير فلا يحتاج الى الفرق بينه وبين الجمع واسمه

بقي أنه قد يقال : إن من الجموع مالا واحد له من لفظه كعباديد وشماطيط وعبابيد فما الفرق بين هذا النوع من الجموع وبين أسماء الجموع التى ليس لها آحاد من لفظها؟ والجواب حينئذ أن هذه الجموع التى ذكرت وما أشبهها لا بأن تكون على وزن من أوزان الجموع المعروفة ، أما اسم الجمع فلا يكون كذلك البتة

(١) يقال : قعر النخلة فانقعرت ، إذا قطعها من أسفلها فسقطت

(٢) الأكم : المواضع المرتفعة واحده أكمة

١٩٥

فنقول : مثل هذا الاسم إذا قصدت إلى جمع قلته جمعته بالألف والتاء ، وإذا قصدت الكثرة جردته من التاء ، فيكون المجرد بمعنى الجمع الكثير ، نحو نملة ونمل ، ونملات.

ثم هذه الأسماء فى الثلاثى : إما فعل كتمر وطلح ونخل ونمل وبهم (١) ، وقد يكسر ذو التاء منه على فعال ، نحو بهمة وبهام وطلحة وطلاح ، تشبيها بقصعة وقصاع ، وقد قال بعضهم : صخرة وصخور ، تشبيها بمأنة ومؤون وبدرة وبدور (٢) ، وكذا الأجوف منه قد يجمع على فعال كخيام (٣) ورياض (٤) ، وكذا الناقص ، نحو صعاء فى جمع صعوة (٥) ، وليس التكسير فيه ولا فى غيره من هذا الباب بمطرد.

وإما فعلة بكسر الفاء ، وحكمه حكم فعلة بفتحها : فى أن المجرد للكثرة والألف والتاء للقلة ، وقد يكسر ذو التاء منه على فعل كسدرة وسدر ، تشبيها بكسرة وكسر ، وتقول فى الأجوف : تين وتينة وتينات.

وإما فعلة كدخنة (٦) ودرّة وبرّة ، وقد يجىء فى ذى تائه فعل كدرر وثوم ، تشبيها بغرف.

__________________

(١) البهم : أولاد الضأن والمعز والبقر ، واحده بهمة

(٢) أنظر فى مأنة وبدرة (ص ١٠١ من هذا الجزء)

(٣) الخيام : جمع خيمة ، وهى كل بيت مستدير ، أو كل بيت يبنى من عيدان الشجر

(٤) الرياض : جمع روضة ، وهى مستنقع الماء ، والأرض ذات الخضرة ، والبستان الحسن ، وتجمع على روضات ، وريضان أيضا ، وأما روض فهو اسم جنس.

(٥) الصعوة : عصفور صغير ، وقد جمعت على صعوات وصعاء ، وأما الصعو فاسم الجنس

(٦) الدخنة : واحدة الدخن وهو حب يكثر زرعه فى المناطق الجارة ويؤكل

١٩٦

وإما فعلة كبقرة وشجرة ، وقد يكسر ذو التاء منه على فعال ، كإكام وثمار وحداث (١) ، تشبيها بالرّحبة والرّحاب (٢) وعلى أفعل كآكم ، وعلى أفعال كآجام (٣) وأشجار ، والتكسير فى ناقصه قليل نادر ، كحصاة وقذاة (٤) ، وقد جاء فى أضاة (٥) إضاء ، قال سيبويه : قد جاء ذو التاء فعلة بسكون العين والمجرد بفتحها ، نحو حلقة (٦) وفلكة (٧) ، والجنس حلق وفلك ، قال : خففوا الواحد بتسكين العين لما ألحقوه الزيادة : أى التاء ، كما غيروا نحو نمرىّ

__________________

(١) الحداث : جمع حدثة ـ بفتحات ـ وهى الصغيرة الفتية من الناس والدواب

(٢) الرحاب : جمع رحبة ـ بفتحات ـ وهى من الوادى مسيل الماء ، وأصلها المكان المتسع

(٣) الآجام : جمع أجمة ـ بفتحات ـ وهى الشجر الكثير الملتف ، وجمعت على أجم ـ بضمتين ـ أيضا ، واسم الجنس أجم ـ بفتحتين ،

(٤) القذاة : واحدة الفذى ، وهو ما يقع فى العين وفى الشراب ، قالت الحنساء :

قذى بعينك أم بالعين عوّار؟

أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدّار؟

وقال فى اللسان : وجمعها قذى وأقذاء وقذى ـ كدلى ، وكذلك جمعت الحصاة على حصى ـ كدلى ،

(٥) الاضاة : الماء المجتمع من سيل أو غيره ، وقد جمعت جمع السلامة على أضوات وأضيات وإضين ، وجمعت جمع التكسير على إضاء ـ كرقاب ،

(٦) الحلقة : كل شىء مستدير من الحديد أو الفضة أو الذهب أو الناس ، وقد اختلفوا فى تحريك لامها ؛ فأجازه قوم وعليه قول الشاعر :

أقسم بالله نسلم الحلقه

ولا حريقا وأخته الحرقه

وانظر فى تمام ذلك (ص ١٠١ من هذا الجزء)

(٧) الفلكة ـ بسكون اللام ـ المستدير من الأرض فى غلظ أو سهولة ، وهي كالرحا ، والفلك ـ بفتحتين ـ اسم الجنس ، قال سيبويه : وليس بجمع ، والجمع فلاك ، كصحفة وصحاف.

١٩٧

لما لحقه ياء النسب ؛ إذ التاء تناسب الياء كما ذكرنا فى أول باب النسب ، وحكى عن أبى عمرو فى ذى التاء حلقة بفتح العين فليس إذن بشاذ ، ومن العرب من يقول حلقة بسكون العين وحلق بكسر الفاء فى المجرد وهو جمع تكسير ؛ فيكون كبدرة وبدر ، وتقول فى الأجوف : هامة وهامات (١) وهام وراحة وراحات وراح ، وإنما جعلنا المكسر فى جميع هذا الباب لذى التاء لا للمجرد عنها ، لأن المجرد فى معنى الجمع الكثير ؛ فالأولى أن لا يجمع.

وإما فعلة كنبقة وكلمة ، وإما فعلة كعنبة وحدأة ، وإما فعلة كسمرة ، وهو أقل من باب كلمة وعنبة ، وإما فعلة بضمتين كهدبة (٢) وبسرة (٣) ، وهو أيضا قليل ، وإما فعلة كعشرة (٤) ورطبة ، ومن الناقص مهاة ، وهو ماء الفحل فى رحم الناقة ومها ، والقياس فى قلة جميع هذه الأوزان كما ذكرنا أولا أن تكون بالألف والتاء ، وكثرته بحذف التاء

وفى غير الثلاثى نحو نعام ونعامة ، وسفرجل وسفرجلة ، وقد يكون اسم مفرد فى آخره ألف تأنيث مقصورة أو ممدودة يقع على الجمع نحو حلفاء (٥)

__________________

(١) الهامة : رأس كل شىء ، وطائر من طير الليل ، وهو الصدى ، ورئيس القوم ، وجمعه هامات ، واسم الجنس هام ، قال ذو الاصبع :

يا عمرو ؛ إن لا تدع شتمى ومنقصتى

أضربك حيث تقول الهامة اسقونى

(٢) الهدبة ـ بضم فسكون ، وبضمتين ـ واحدة الهدب. وهو شعر أشفار العينين

(٣) البسرة ـ بضم فسكون ، وبضمتين ـ واحدة البسر ، وهو التمر قبل أن يصير رطبا ، والغض من كل شىء

(٤) العشرة ـ بضم ففتح ـ واحدة العشر ، وهو شجر يخرج من زهره وشعبه سكر ، ويحشي فى المخاد

(٥) الحلفاء : نبت من نبات الأغلاف ، وهو اسم جنس ، وواحدته حلفة

١٩٨

وطرفاء (١) وبهمى (٢) ؛ فاذا قصدت الوحدة وصفته بالواحد نحو طرفاء واحدة ، وحلفاء واحدة ، وبهمى واحدة ، ولم يلحق التاء للوحدة إذ لا يجتمع علامتا تأنيث ، وحكى بهماة ؛ وهو عند سيبويه شاذ ؛ لأن الألف فيه عنده للتأنيث ، والألف عند الأخفش للإلحاق ببرقع ؛ فبهمى عنده منون منصرف ، وبهماة ليس بشاذ عنده ، وقد ذكر أهل اللغة للطرفاء والحلفاء والقصباء واحدة على غير هذا اللفظ ؛ فقالوا : طرفة وقصبة بتحريك العين ، واختلفوا فى الحلفاء فقال الأصمعى : حلفة بكسر العين ، وقال أبو زيد : بفتحها كطرفة ، وقد كسر حلفاء كصحراء على حلافى وحلافى ، وإنما قالوا فى أرطى وعلقى : أرطاة وعلقاة (٣) لأن ألفهما للالحاق لا للتأنيث ، ومن العرب من لا ينون علقى ويجعل الألف للتأنيث ؛ فيقول : علقى واحدة كقصباء واحدة

والأغلب فى الاسم الذى يكون التنصيص على الواحد فيه بالتاء أن يكون فى المخلوقات دون المصنوعات ، قالوا : لأن المخلوقات كثيرا ما يخلقها الله سجية ، يعنى جملة ، كالتمر والتفاح ؛ فيوضع للجنس اسم ، ثم إن احتيج إلى تمييز الفرد أدخل فيه التاء ؛ وأما المصنوعات ففردها يتقدم على مجموعها ، ففى اللفظ أيضا يقدم فردها على جمعها ، وفيه نظر ؛ لأن المجرد من التاء من الأسماء المذكورة ليس موضوعا للجمع كما توهموا ، حتى يستقيم تعليلهم ، بل هو لمجرد الماهية ، سواء كان مع القلة أو مع الكثرة

__________________

ـ بفتح الحاء ، واللام مكسورة أو مفتوحة ـ وقال الازهرى : الحلفاء نبت أطرافه محددة كأنها أطراف سعف النخل والحوص ينبت فى مغايص الماء والنزوز ، قال سيبويه : الحلفاء واحد وجمع ، وكذلك طرفاء وبهمى وشكاعى

(١) الطرفاء : شجر ، وذكر فى القاموس أن واحدته طرفاءة وطرفة ـ بفتحات ، وبها سمي طرفة بن العبد البكرى

(٢) انظر (ح ١ ص ٤)

(٣) انظر (ج ١ ص ١٩٥)

١٩٩

وقد جاء شىء يسير منها فى المصنوعات ، كسفينة وسفين ولبنة ولبن وقلنسوة وقلنس وبرة (١) وبرى

وليس أسماء الأجناس التى واحدها بالتاء قياسا ، إلا فى المصادر ، نحو ضربة وضرب ، ونصرة ونصر ؛ لما مر

والمشهور فى كمأة (٢) وفقعة (٣) وجبأة (٤) أن ذا التاء للجمع والمجرد عنها

__________________

(١) انظر (ج ٢ ص ١٠٢ و ١٢٧)

(٢) الكمأة : نبات ينقب الأرض ، قال في اللسان : «الكمأة واحدها كمء على غير القياس ، وهو من النوادر ؛ فإن القياس العكس : والجمع أكمؤ ، وكمأة. قال ابن سيده : هذا قول أهل اللغة ، قال سيبويه : ليست الكمأة بجمع كمء ؛ لأن فعلة ليس مما يكسر عليه فعل ؛ إنما هو اسم للجمع ، وقال أبو خيرة وحده : كمأة للواحد وكمء للجميع ، وقال منتجع : كمء للواحد ، وكمأة للجميع ، فمر رؤبة ، فسألاه ، فقال : كمء للواحد ، وكمأة للجميع ، كما قال منتجع. وقال أبو حنيفة : كمأة واحدة وكمأتان وكمآت ، وحكى عن أبى زيد أن الكمأة تكون واحدا وجمعا ، والصحيح من ذلك كله ما ذكره سيبويه» اه

(٣) قال فى اللسان : «الفقع ـ بالفتح والكسر ـ : الأبيض الرخو من الكمأة وهو أردؤها ، قال الشاعر :

بلاد يبز الفقع فيها قناعه

كما ابيضّ شيخ من رفاعة أجلح

وجمع الفقع ـ بالفتح ـ فقعة مثل جبء وجبأة ، وجمع الفقع ـ بالكسر ـ فقعة أيضا ، مثل قرد وقردة ، وفى حديث عاتكة قالت لابن جرموز : يا ابن فقع القردد ؛ قال ابن الأثير : الفقع : ضرب من أردأ الكمأة ، والقردد : أرض مرتفعة إلى جنب وهدة ، وقال أبو حنيفة : الفقع يطلع من الارض فيظهر أبيض ، وهو ردىء ، والجيد ما حفر عنه واستخرج ، والجمع أفقع وفقوع وفقعة ، قال الشاعر :

ومن جنى الأرض ما تأنى الرّعاء به

من ابن أوبر والمغرود والفقعة»

اه كلامه

٢٠٠