شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

أرطى (١) ، وهذا كما يجىء فى باب الإعلال من تطبيق الجمع بالمفرد ، نحو شائية وشواء وإداوة (٢) وأداوى ، بخلاف بريّة وبرايا ، لما كان الألف فى شائية وإداوة ثابتة كما فى الجمع بخلاف بريّة ، هذا ، وقد جاء فى بعض ما آخره ألف منقلبة ما جاء فى ألف التأنيث من قلب الياء ألفا تشبيها له به ، وذلك نحو مدرى ومدار (٣) ومدارى ، بالألف ، وذلك ليس بمطرد ، وقال السيرافى : هو مطرد ، سواء كان الألف فى المفرد منقلبة أو للإلحاق ، وإن كان الأصل إبقاء الياء ، فتقول على هذا فى ملهى : ملاه وملاهى ، وفى أرطى : أراط وأراطى ، وقال : إنه لا يقع فيه إشكال ، والأولى الوقوف على ما سمع

وأما ذو الممدودة الرابعة فانه جاء فيه ثلاثة أوجه مع أن الأكثر فيه فعالى بالألف ، وذلك لأنك تقلب في الجمع الأقصى ألفه التى قبل الهمزة ياء لأجل كسرة ما قبلها كما فى مصابيح فترجع الهمزة إلى أصلها من الألف ، وذلك لأنها فى الأصل ألف تأنيث عند سيبويه كما فى حبلى زيدت قبلها ألف إذ صارت باللزوم كلام الكلمة كما زيدت فى كتاب وحمار فاجتمع ألفان فحركت الثانية دون الأولى ؛ لأنها للمد كما فى حمار ، ولم تحذف الأولى للساكنين خوفا من نقض الغرض ، ولم تقلب الثانية عند الاحتياج إلى تحريكها واوا ولا ياء مع أن انقلاب حروف العلة بعضها إلى بعض أكثر ؛ لشدة تناسبها بالوصف مع تباينها فى المخارج ، وذلك لأن الواو والياء فى مثل هذا الموضع تقلبان ألفا كما فى كساء ورداء ، فلم يبق بعد الواو والياء حرف أنسب إلى الألف من الهمزة لكونهما من الحلق ، فلما انقلبت الألف قبلها ياء رجعت الهمزة إلى أصلها من الألف لزوال موجب انقلابها همزة ،

__________________

(١) أرطى : انظر (ج ١ ص ٥٧)

(٢) إداوة : انظر (ج ١ ص ٣١)

(٣) مدرى : انظر (ج ٢ ص ٤٠)

١٦١

أعنى الألف ، ثم انقلبت ياء لأن انقلاب حروف العلة بعضها إلى بعض أولى كما يجىء فى باب الإعلال ثم أدغمت الياء فى الياء ؛ فيجوز على قلة استعمال هذا الأصل ، قال :

* لقد أغدو على أشق*

ر يغتال الصّحاريّا* (١)

والأكثر أن يحذف الياء الأولى لاستثقال الياء المشددة فى آخر الجمع الأقصى ، ولا سيما إذا لم تكن فى الواحد حتى تحتمل فى الجمع للمطابقة كما فى كرسىّ وكراسىّ ، وأيضا الحذف فى مثله تسبّب إلى جعل الياء ألفا كما كان ، وإذا كانوا يحذفون المد من نحو الكرابيس (٢) والقراقير (٣) فيقولون : الكرابس والقراقر فما ظنك به مع الياءين؟ ألا ترى إلى قولهم أثاف (٤) وعوار وكراس

__________________

(١) قد تقدم شرح هذا البيت فى (ج ١ ص ١٩٤)

(٢) الكرابيس : جمع كرباس ـ بكسر الكاف ـ وهو ثوب من القطن أبيض معرب فارسيته بالفتح ، غيروه لغزة فعلال

(٣) القراقير : جمع قرقور ـ كعصفور ـ وهو السفينة مطلقا ، أو الطويلة خاصة ، أو العظيمة

(٤) الأثافى ـ بتخفيف الياء ـ جمع أثفية ـ بضم الهمزة وسكون الثاء بعدها فاء مكسورة فياء مشددة وقد تخفف ـ وهي حجر يوضع عليه القدر ، وهي ثلاثة أحجار ، وبعض العرب يقول : أثفيت القدر ـ مثل أكرمت ، وبعضهم يقول : ثفيت ـ بتضعيف الوسط ، وبعضهم يقول : أثفت ـ بتشديد الثاء ، وبعضهم يقول : آثفت على أفعل ، كل ذلك يقولونه فى معنى نصبت لها الحجارة لتضعها عليها ، وتقول على الأول : قدر مثفاة ، وربما قالوا مؤثفاة على الأصل كما قال خطام المجاشعي :

* وصاليات ككما يؤثفين*

(انظر ج ١ ص ١٣٩)

وتقول على الثانى : قدر مثفاة ـ بتشديد عين الكلمة ـ وأصله مثفية –

١٦٢

فى أثافىّ وعوارىّ وكراسىّ ، فيبقى إذن صحار كجوار سواء فى جميع أحوالها ، والأولى بعد الانتقال إلى هذا الحال الانتقال إلى درجة ثالثة ، وهى قلب الياء ألفا لصيرورته كدعاو ، بسقوط المد الذى كان قبل ألف التأنيث ، فتقول : صحارى وعذارى وصلافى (١) ، ولا يجوز هذا فى ألف الإلحاق ؛ لا تقول فى حرباء : حرابى (٢) ، بل يجب فى مثله حرابىّ ، مشددا أو مخففا ، وذلك لأن جعلها ألفا إنما كان لتصير الياء ألفا كما كان ، وألف التأنيث أولى بالمحافظة عليها لكونها علامة ؛ من ألف الإلحاق ، وأناسى جمع إنسىّ ككراسى جمع كرسى ، وقيل : هو جمع إنسان ، قلبت نونه ياء كظرابىّ جمع ظربان

وقد ألحق بباب صحارى وإن لم يكن فى المفرد ألف التأنيث لفظان ، وهما

__________________

كمقتلة ـ قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وتقول على الثالث : قدر مؤثفة ـ بتشديد الثاء ، وتقول على الرابع : قدر مؤثفة ـ كمكرمة : فوزن «أثفية» فى لغة من قال : ثفيت ـ أفعولة ، وفى لغة الباقين : فعلية ، وأصلها على كل حال أثفوية ؛ فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء فى الياء ثم كسر ما قبلها لمناسبتها

(١) الصلافى : جمع صلفاء ، وهي الأرض الغليظة الشديدة ، وقد ذكر فى القاموس أنه يقال فى جمعه : صلافى ـ بكسر ما قبل آخره ـ

(٢) الحرباء : مسمار الدرع ، وقيل : هو رأس المسمار فى حلقة الدرع ؛ قال لبيد :

أحكم الجنثىّ من عوراتها

كلّ حرباء إذا أكره صلّ

والحرباء أيضا : الظهر ، والحرباء أيضا : الذكر من أم حبين ، وقيل : هو دويبة نحو العظاءة (أنظر ص ٥٥ من هذا الجزء)

١٦٣

بخاتى (١) ومهارى (٢) ، فجوز فيهما الأوجه الثلاثة ، والتشديد أولى ، ولا يقاس عليهما ، فلا يقال فى أثفيّة وعاريّة : أثافى وعوارى (٣) بالألف ، وألحق

__________________

(١) البخاتى : جمع بختي ـ ككرسى ـ قال فى اللسان : «البخت والبختية دخيل فى العربية أعجمى معرب ، وهي الابل الخراسانية ، تنتج من عربية وفالج ، وبعضهم يقول : إن البخت عربى ؛ وينشد لابن قيس الرقيات يمدح مصعب بن الزبير :

إن يعش مصعب فإنّا بخير

قد أتانا من عيشنا ما نرجّى

يهب الألف والخيول ويسقى

لبن البخت فى قصاع الخلنج

الواحد بختى ، جمل بختى وناقة بختية ، وفى الحديث «فأتى بسارق قد سرق بختية» ، البختية : الأنثى من الجمال البخت ، وهى جمال طوال الأعناق ، ويجمع على بخت وبخات ، وقيل : الجمع بخاتى (بياء مشددة) غير مصروف ، ولك أن تخفف الياء فتقول : البخاتى (بكسر التاء) وقيل فى جمعها : بخاتى (بفتح التاء) اه بتصرف

(٢) المهارى ـ بزنة الصحارى ، ويقال : مهارى بزنة الكراسى ، ومهار ـ كجوار ـ : جمع مهرية ، وهى الابل المنسوبة إلى مهرة ـ بفتح فسكون ، وقد قيل : مهرة قبيلة أبوها مهرة بن حيدان ، وقيل : مهرة مخلاف فى اليمن (أنظر ج ١ ص ٢٥٦)

(٣) العواري ـ بتشديد الياء ، وقد تخفف ـ : جمع عارية ـ مشددة أو مخففة ـ وهى اسم للشىء تستعيره من غيرك ، وكأن العارية ـ بالتشديد ـ منسوبة إلى العار لكونها مما يجلبه ، قال فى اللسان : «الأزهري : وأما العارية والاعارة والاستعارة فان قول العرب فيها : هم يتعاورون العوارى ، ويتعورونها ـ بالواو المشددة ـ كأنهم أرادوا تفرقة بين ما يتردد من ذات نفسه وبين ما يردد ، قال : والعارية منسوبة إلى العارة ، وهو اسم من الاعارة ؛ تقول : أعرته الشىء أعيره إعارة وعارة ، كما قالوا : أطعته إطاعة وطاعة ، وأجبته إجابة وجابة ، قال : وهذا كثير فى ذوات الثلاث : منها العارة والدارة والطاقة وما أشبهها ، ويقال : استعرت

١٦٤

بنحو فتاو وفتاوى لفظ واحد من المنقوص ، وهو قولهم : جمل معى وناقة معيية وجمال أو نوق معاى (١) ومعايا

وإنما أبقيت المقصورة الرابعة فى التصغير بحالها نحو حبيلى وقلبت فى الجمع الأقصى ياء ثم ألفا ؛ لأن بنية التصغير تتم قبل الألف بخلاف بنية الجمع الأقصى ، ولذلك قيل فى التصغير : أنيعام ، وفى التكسير : أناعيم ؛ لأن بعض أبنية التصغير تتم قبل الألف وهو فعيل ، فجاز المحافظة على الألف التى هى علامة الجمع ، بخلاف بناء الجمع الأقصى فلم يكن بد من قلب الألف فيه

وإن كانت ألف التأنيث خامسة فالممدودة يجوز جمع ما هى فيه بالألف والتاء ، ويجوز أن تحذف ويجمع الاسم أقصى الجموع ، كقواصع وخنافس فى قاصعاء (٢) وخنفساء ، وكذا قرائث وبرائك وجلائل فى قربثاء (٣) وبراكاء (٤) وجلولاء (٥)

وأما المقصورة كحبارى فقال سيبويه : لا يجمع ما هى فيه إلا بالألف والتاء ؛ إذ لو قالوا حبائر وحبارى كما قيل فى التصغير حبيّر وحبيرى ؛ لالتبس حبائر بجمع فعالة ونحوها ، وحبارى بجمع فعلى وفعلاء ، وفى التعليل نظر ، لأن حبيّرا فى التصغير يلتبس بنحو حميّر. وقواصع فى الجمع يلتبس بجمع فاعلة ، ولم يبال

__________________

منه عارية فأعارنيها ، قال الجوهرى : العارية بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار ؛ لأن طلبها عار وعيب» اه

(١) معاى : جمع معى ، وهو اسم فاعل من أعيا إذا كل وتعب (أنظر ص ١٤٧ من هذا الجزء)

(٢) أنظر (ص ١٥٥ من هذا الجزء)

(٣) أنظر (ح ١ ص ٢٤٨)

(٤) أنظر (ح ١ ص ٢٤٨)

(٥) أنظر (ح ١ ص ٢٤٨) وانظر (ص ٥٨ من هذا الجزء)

١٦٥

فى الموضعين ، فنقول : السماع كما ذهب إليه سيبويه ، لكن لا يمنع القياس ـ كما ذكر المالكى ـ أن يقال فى نحو حبارى حبائر وحبارى ، كما فى التصغير ، وكذا لا يمنع القياس أن يقال فى جمع عرضنى (١) عراضن ، وإنما لم يجز فى نحو قريثاء وبراكاء وجلولاء حذف المد المتوسط كما جاز مع المقصورة لأن المقصورة أشد اتصالا بالكلمة لكونها ساكنة على حرف واحد ، والممدودة على حرفين ثانيهما متحرك ، ولذلك قيل عريضن فى تصغير عرضنى بحذف الألف لكونها كاللام ، وخنيفساء لكون الألف كالكلمة المنفصلة كما فى نحو بعلبك ، وإنما لم يجز خنافساء وزعافران كما جاز خنيفساء وزعيفران للثقل المعنوى فى الجمع ، فصار التخفيف اللفظى به أليق ؛ فلا يكاد يجىء بعد بنية أقصى الجموع إلا ما هو ظاهر الانفكاك ، كتاء التأنيث فى نحو ملائكة

وإن كانت الألف فوق الخامسة كما فى حولايا (٢) فالحذف لا غير ، نحو حوال

وأما فعلى أفعل وفعلاء أفعل فلم يجمعا أقصى الجموع ؛ فرقا بينهما وبين نحو أنثى وصحراء.

ولما كانا أكثر من غيرهما طلب تخفيفهما فاقتصر فى فعلاء على فعل إتباعا لمذكره ، نحو أحمر وحمراء وحمر ، وفى الفعلى على الفعل تشبيها لألفه بالتاء ؛ فالكبر فى الكبرى كالغرف فى الغرفة ، والفعل فى الفعلى غير فعلى أفعل شاذ ، كالرّؤى فى الرؤيا ، خلافا للفراء

وكان حق ربّى (٣) أن يجمع على رباب ـ بكسر الراء ـ لكنه قيل : رباب

__________________

(١) أنظر (ح ١ ص ٢٤٥)

(٢) أنظر (ح ١ ص ٢٤٦ ، ٢٤٩)

(٣) ربى ـ كحبلى ـ : هي الشاة إذا ولدت ، وإذا مات ولدها أيضا ، والحديثة النتاج ، والاحسان ، والنعمة ، والحاجة ، والعقدة المحكمة

١٦٦

بالضم ، وليس بجمع ، بل هو اسم جمع كرخال (١) وتؤام (٢)

وأرى أن صحراء [فى الأصل فعلاء أفعل ؛ كأن أصله أرض صحراء : أى فى أولها صحرة ، كما تقول : حمار أصحر ، وأتان صحراء](٣) فتوغل فى باب الاسمية ، فلم يجمع على فعل ، بل على فعالى ، وكذا البطحاء أصله باب حمراء ، ألا ترى إلى قولهم : الأبطح ، فغلبت الاسمية عليهما حتى لا يعتبر الوصف الأصلى فى أبطح ، كما اعتبر فى أسود وأرقم (٤) ، بل يصرف ، وحتى لم يجمعا على البطح ، بل جمع الأبطح على الأباطح والبطحاء على البطاح ، وكذا حرمى فى الأصل من باب عطشى ، أعنى فعلى فعلان ، من «حرمت النعجة» إذا اشتهت البضاع ، فلو لم يمنع المعنى مجىء فعلان منه لكنت تقول حرمان وحرمى

وإنما جمع فعلان كسكران على فعالى ، تشبيها للألف والنون بالألف الممدودة ، فسكران وسكارى كصحراء وصحارى

__________________

(١) رخال ـ كغراب ـ : اسم جمع واحده رخل ـ بكسر فسكون ـ وهى الأنثى من ولد الضأن ، وقد جمع على أرخل ـ كأرجل ، ورخال ـ كقداح ،

(٢) التؤام ـ كغراب ـ : اسم جمع واحده توءم ، وهو الذى يولد مع غيره فى بطن ، من الاثنين فأكثر ، وجمع التؤام توائم. قال فى اللسان : «قال الأزهرى : ومثل تؤام غنم رباب وإبل ظؤار ، وهو من الجمع العزيز» اه

(٣) هذه العبارة فى النسخ الخطية ، والموجود فى المطبوعات «وأرى أن صحراء من باب حمراء فتوغل الخ»

(٤) الأسود : العظيم من الحيات وفيه سواد ، وأصله وصف فسمى به ، ويقال لأنثاه : أسودة ، نظرا لما طرأ من الاسمية ، ويجمع الأسود على أساود ، نظرا لذلك ، وربما قيل : أساويد ؛ باشباع الكسرة ، وتجمع الأسودة على أسودات أيضا. والأرقم : أخبث الحيات وفيه سواد وبياض ، وأصله وصف فسمى به أيضا

١٦٧

قال : «وأفعل : الاسم كيف تصرّف نحو أجدل وإصبع وأحوص ، على أجادل وأصابع وأحاوص ، وقولهم حوص للمح الوصفيّة الأصليّة ، والصّفة نحو أحمر على حمران وحمر ، ولا يقال أحمرون لتميّزه عن أفعل التّفضيل ، ولا حمراوات لأنه فرعه ، وجاء الخضراوات لغلبته اسما ، ونحو الأفضل على الأفاضل والأفضلين»

أقول : قوله «كيف تصرف» أى : تصرف حركة همزته وعينه

قوله «أحاوص (١)» جمع أحوص ، وأحوص فى الأصل من باب أحمر حمراء ، فجمعه فعل ، ولكن لما جعل أفعل فعلاء اسما جاز جمعه على أفاعل كأفعل الاسمى ، وجاز جمعه على فعل نظرا إلى الأصل ، وعلى أفعلون إذا كان علما للعاقل ، وعلى أفعلات إذا كان علما للمؤنث

قوله «والصفة نحو أحمر على حمران وحمر» الوصف إما أن يكون [على] أفعل فعلاء ، وأفعل فعلى ، والأول أظهر فى باب الوصف ؛ لصحة تقديره بالفعل ، نحو «مررت برجل أحمر» أى برجل أحمرّ ، وليس لأفعل التفضيل فعل منه بمعناه ، كما مر فى بابه ، ولهذا لا يرفع الظاهر إلا بشروط ، ولضعف معنى الوصفية فى أفعل التفضيل لا خلاف فى صرفه إذا نكر بعد التسمية ، كما اختلف فى نحو أحمر إذا نكر

__________________

(١) أصل الأحوص : الذى به الحوص ـ بفتح الحاء والواو ـ وهو ضيق فى مؤخر العين ، وبابه حول ، وسمي بالأحوص جماعة : منهم الأحوص بن جعفر ابن كلاب ، وجمعوا على الأحاوص ، نظرا لما عرض من الاسمية ، وقد قيل : أحاوصة ـ بزيادة التاء عوضا عن ياء النسب كالأشاعرة والمهالبة ، كأنه جعل كل واحد أحوصيا ـ وجمعوا أيضا على الحوص ، نظرا إلى الأصل ، وقد جمع الأعشى بين الجمعين فى قوله :

أتانى وعيد الحوص من آل جعفر

فيا عبد عمرو لو نهيت الأحاوصا

١٦٨

بعد العلمية (١) والمطرد فى تكسير أفعل فعلاء وفى مؤنثه فعل ، ولا يضم عينه إلا

__________________

(١) جاء فى الكافية وشرحها متعلقا بهذا قول ابن الحاجب : (ح ١ ص ٦٠) «وخالف سيبويه الأخفش فى مثل أحمر علما ثم ينكر اعتبارا للصفة بعد التنكير ، ولا يلزمه باب حاتم ، لما يلزم من إيهام اعتبار متضادين فى حكم واحد» وقول الرضى فى شرح هذا الكلام : قوله «ولا يلزمه باب حاتم» هذا جواب عن إلزام الأخفش لسيبويه فى اعتبار الصفة بعد زوالها ، وتقريره أن الوصف الأصلى لو جاز اعتباره بعد زواله لكان باب حاتم غير منصرف للعلمية الحالية والوصف الأصلى فأجاب المصنف عن سيبويه بأن هذا الالزام لا يلزمه ، لأن فى حاتم ما يمنع من اعتبار ذلك الوصف الزائد ، بخلاف أحمر المنكر ، وذلك المانع اجتماع المتضادين وهما الوصف والعلمية ، إذ الوصف يقتضى العموم والعلمية الخصوص ، وبين العموم والخصوص تناف. قوله «فى حكم واحد» يعنى فى الحكم بمنع الصرف ، لأنك تحتاج فى هذا الحكم إلى اجتماع سببين فتكون قد جمعت المتضادين ، فى حالة واحدة ، ولو لم يكن اعتبار المتضادين فى حكم واحد جاز ، إذ لا يلزم اجتماعهما فى حالة واحدة ، كما إذا حكمنا بجمع أحمر على حمر لأن أصله صفه وعلى أحامر لأجل العلمية فقد حصل فى هذه اللفظة متضادان لكن بحكمين ، فلم يجتمعا فى حالة ، فاذا نكر أحمر فانه يصح اعتبار الوصف ، وليس معنى الاعتبار أنه يرجع معنى الصفة الأصلية حتى يكون معنى رب أحمر رب شخص فيه معنى الحمرة ، بل معنى رب أحمر رب شخص مسمى بهذا اللفظ سواء كان أسود أو أبيض أو أحمر فمعنى اعتبار الوصف الأصلى بعد التنكير أنه كالثابت مع زواله ، لكونه أصليا ، وزوال ما يضاده وهو العلمية ، فصار اللفظ بحيث لو أراد مريد إثبات معنى الوصف الأصلى فيه لجاز بالنظر إلى اللفظ ، لزوال المانع ، هذا ، والحق أن اعتبار ما زال بالكلية ولم يبق منه شىء خلاف الأصل إذ المعدوم من كل وجه لا يؤثر بمجرد تقدير كونه موجودا ، فالأولى أن يقال : إن اعتبر معنى الوصف الأصلى فى حال التسمية كما لو سمى مثلا بأحمر من فيه حمرة وقصد ذلك ثم نكر جاز اعتبار الوصف بعد التنكير لبقائه فى حال العلمية أيضا ، لكنه لم يعتبر فيها ، لأن المقصود الأهم فى وضع الأعلام المنقولة غير ما وضعت له لغة ، ولذلك تراها فى الأغلب مجردة

١٦٩

لضرورة الشعر. ويجىء فعلان أيضا كثيرا كسودان وبيضان

قوله : «ولا يقال أحمرون لتميزه عن أفعل التفضيل» قد ذكرنا علة امتناعه من جمع التصحيح فى شرح الكافية (١) ويجوز أفعلون وفعلاوات لضرورة الشعر. قال :

__________________

عن المعنى الأصلى كزيد وعمرو ، وقليلا ما يلمح ذلك ، وإن كان لم يعتبر فى وضع العلم الوصف الأصلى بل قطع النظر عنه بالكلية كما لو سمي بأحمر أسود أو أشقر لم يعتبر بعد التنكير أيضا ، وقال الأخفش فى كتاب الأوسط : إن خلافه فى نحو أحمر إنما هو فى مقتضى القياس ، وأما السماع فهو على منع الصرف ، هذا كله فى أفعل فعلاء ، وكذا فعلان فعلى ، وأما أفعل التفضيل نحو أعلم ، فانك إذا سميت به ثم نكرته : فان كان مجردا من من التفضيلية انصرف إجماعا ، ولا يعتبر فيه سيبويه الوصف الأصلى كما اعتبر فى نحو أحمر ، وإن كان مع من لم يصرف إجماعا بلا خلاف من الأخفش كما كان فى أحمر

أما الأول فلضعف أفعل التفضيل فى معنى الوصف ولذا لا يعمل فى الظاهر كما يعمل أفعل فعلاء ، فاذا تجرد من من التبس بأفعل الاسمى الذى لا معنى للوصف فيه كأفكل وأيدع ، ولا يظهر فيه معنى الوصف ، وأما أفعل فعلاء ، فلثبوت عمله فى الظاهر قبل العلمية وإشعار لفظه بالألوان والخلق الظاهرة فى الوصف يكفى فى بيان كونه موضوعا صفة ، فاذا اتصل أفعل بمن فقد تميز عن نحو أفكل وظهر فيه معنى التفضيل الذى هو وصف

وأما الثانى : فانما وافق الأخفش سيبويه فى منع الصرف مع من لظهور وصفه إذن كما ذكرنا ، ولكون من مع مجروره كالمضاف إليه ، ومن تمام افعل التفضيل من حيث المعني الوضعى ، فلو نون لكان الثانى متصلا منفصلا ، لأن التنوين يشعر بالانفصال بسبب وجود علامته للوصف أعنى من ، بخلاف باب أحمر لعريه عن العلامة الدالة على الوصف» اه

(١) قال فى شرح الكافية (ج ٢ ص ١٦٩): «وأما الخاص من شروط الجمع بالواو والنون فشيئان : العلمية ، وقبول تاء التأنيث ، أما العلمية فمختصة بالأسماء ، وأما قبول التاء فمختص بالصفات ، فلم يجمع هذا الجمع أفعل فعلاء

١٧٠

٦٤ ـ فما وجدت بنات بنى نزار

حلائل أسودين وأحمرينا (١)

__________________

وفعلان فعلى وما يستوى مذكره ومؤنثه كما ذكرنا فى باب التذكير والتأنيث وإنما اعتبر فى الصفات قبول التاء لأن الغالب فى الصفات أن يفرق بين مذكرها ومؤنثها بالتاء لتأديتها معنى الفعل ، والفعل يفرق بينهما فيه بالتاء ، نحو الرجل قام والمرأة قامت ، وكذا فى المضارع التاء وإن كان فى الأول نحو تقوم ، والغالب فى الأسماء الجوامد أن يفرق بين مذكرها ومؤنثها بوضع صيغة مخصوصة لكل منهما كعير وأتان ، وجمل وناقة ، وحصان وحجراء ؛ ويستوى مذكرها ومؤنثها كبشر وفرس ، هذا هو الغالب فى الموضعين ، وقد جاء العكس أيضا فى كليهما نحو أحمر وحمراء والأفضل والفضلى وسكران وسكرى فى الصفات ، وكامرىء وامرأة ورجل ورجلة فى الأسماء ، فكل صفة لا يلحقها التاء فكأنها من قبيل الأسماء ؛ فلذا لم يجمع هذا الجمع أفعل فعلاء وفعلان فعلى ، وأجاز ابن كيسان أحمرون وسكرانون ، واستدل بقوله :

فما وجدت بنات بنى نزار

حلائل أسودين وأحمرينا

وهو عند غيره شاذ ، وأجاز أيضا حمراوات وسكريات ؛ بناء على تصحيح جمع المذكر ، والأصل ممنوع فكذا الفرع»

(١) هذا البيت من قصيدة لحكيم الأعور بن عياش أحد شعراء الشام يهجو بها مضر وخص من بينهم الكميت بن زيد الأسدى وامرأته ، و «بنات» فاعل وجدت ، و «حلائل» جمع حليل ـ بالحاء المهملة ـ وهو الزوج ، ويقال للزوجة : حليلة ، وسميا بذلك لأن كل واحد منهما يحل للآخر أو يحل منه محلا لا يحل فيه سواه ، وهو مفعول «وجدت» ؛ و «أسودين» جمع أسود ، و «أحمرين» جمع أحمر ، وهما صفتان لحلائل ، والاستشهاد بالبيت فى قوله «أسودين وأحمرين» حيث جمع أسود وأحمر جمع المذكر السالم بالواو والنون وهو عند ابن كيسان مما يسوغ القياس عليه ، وعند عامة النحاة أن القياس على ذلك لا يجوز وأنه خاص بضرورة الشعر

١٧١

وأجاز ذلك ابن كيسان اختيارا

قوله «وجاء الخضراوات لغلبته اسما» غلب الخضراوات فى النباتات التى تؤكل رطبة ، فكما يجوز جمع فعلاء بالألف والتاء مع العلمية لزوال الوصف جاز مع الغلبة لأن الغلبة تقلل معنى الوصفية أيضا ، ويجوز فى نحو أرمل (١) وأرملة أرملون وأرملات ؛ لأنه مثل ضاربون وضاربات

قال : «ونحو شيطان وسلطان وسرحان على شياطين وسلاطين وسراحين ، وجاء سراح ، الصّفة نحو غضبان على غضاب وسكارى ، وقد ضمّت أربعة كسالى وسكارى وعجالى وغيارى».

أقول : كل اسم على فعلان مثلث الفاء ساكن العين كان أو متحركه ، كورشان (٢) والسّبعان (٣) والظّربان (٤) ، يجمع على فعالين ؛ إلا أن يكون علما مرتجلا ، كسلمان وعثمان وعفّان وحمدان وعطفان ، وذلك لأن التكسير فى المرتجل مستغرب ، بخلافه فى المنقول ؛ إذ له عهد بالتكسير ، ولا سيما إذا كان فى المرتجل ما ينبغى أن يحافظ عليه من الألف والنون لشبهه بألف التأنيث ، كما مر فى التصغير ، وإنما تصرف فى ألف نحو صحراء بالقلب حين قالوا «صحار» مع كونها أصلا للألف والنون للضرورة الملجئة إليه لما قصدوا بناء الجمع الأقصى لخلوه من الاستغراب المذكور ، ألا ترى أنه قيل فى التصغير «صحيراء» لما لم

__________________

(١) الأرمل : الرجل العزب ، والمحتاج المسكين ، والأنثى أرملة ـ بالتاء قيل : الأرمل خاص بالنساء ، وليس بشيء فقد قال جرير :

هذى الأرامل قد قضّيت حاجتها

فمن لحاجة هذا الأرمل الذّكر

(٢) الورشان : طائر شبه الحمامة (انظر ج ١ ص ١٩٩)

(٣) السبعان : اسم مكان بعينه (انظر ج ١ ص ١٩٨)

(٤) الظربان : دويبة منتنة الريح (انظر ج ١ ص ١٩٨) وانظر أيضا (ص ٩٧ من هذا الجزء)

١٧٢

يكن مثل تلك الضرورة لتمام بناء فعيل قبل الألف ، فلهذا قالوا «ظريبان» فى التصغير ، و «ظرابين» فى الجمع ، وللمحافظة على الألف والنون فى المرتجل قالوا فى تصغير سلمان «سليمان» وفى تصغير سلطان «سليطين».

واعلم أنهم قالوا فى جمع ظربان «ظربى» أيضا كححلى فى جمع حجل ، ولم يأت فى كلامهم مكسر على هذا الوزن غيرهما ، وإنما جاء فى سرحان (١) وضبعان (٢) سراح وضباع تشبيها بغرثان وغراث.

قوله «الصفة» اعلم أن الوصف إذا كان على فعلان بفتح الفاء سواء كان له فعلى ، كسكران وسكرى ، أو لم يكن ، كندمان وندمانة ؛ جاز جمعه وجمع مؤنثه على فعالى ، وكذا فعال ؛ لمشابهة فعلان لفعلاء بالزيادتين والوصف ، وليس شىء من الجمعين مطردا ؛ لا فى فعلان فعلى ولا فى فعلان فعلانة ، وقد يجمع فى فعلان فعلانة بينهما كندامى وندام ، ومع ألف التأنيث لم يجمع بينهما كما ذكرنا ، فقيل بطاح دون بطاحى ، وصحارى دون صحار ، بالكسر.

وإذا كان صفة على فعلان بالضم كعريان وخمصان (٣) ؛ لم تجمع على فعالى ؛ لأن فعلاء بسكون العين لم يجىء مؤنثا حتى يشبه فعلان به ، فقالوا فى خمصان وخمصانة «خماص» تشبيها بغرثان وغراث (٤) ، وقال بعض العرب

__________________

(١) السرحان : الذئب (انظر ح ١ ص ٢٠١)

(٢) الضبعان ـ بكسر فسكون ـ الذكر من الضباع ، والأنثى ضبع ـ كعضد ـ وضبعانة ـ كسرحانة ـ وضبعة ، وقيل : لا يقال : ضبعة ، وجمع الضبع أضبع وضباع ، وجمع الضبعان ضباعين وضبعانات

(٣) الخمصان ـ بضم فسكون ـ : الضامر البطن ، وهى خمصانة ـ بالتاء ـ قال الراجز :

أعجب بشرا حور فى عينى

وساعد أبيض كاللّجين

ودونه مسرح طرف العين

خمصانة ترفل فى حجلين

(٤) الغرثان : الجائع أيسر الجوع ، ويقال : هو الجائع أشد الجوع ،

١٧٣

«خمصانون وخمصانات» نظرا إلى أنه لا يستوى مذكره ومؤنثه ، وكذا قالوا «ندمانون وندمانات».

وأما فعلان فعلى فلا يجمع جمع السلامة إلا لضرورة الشعر ، كما قلنا فى أفعل فعلاء ، وقد مضى هذا كله فى شرح الكافية (١).

ولم يجىء فى عريان عراء ، اكتفاء بعراة جمع عار ؛ لأن العريان والعارى بمعنى واحد ، فاكتفى بجمع أحدهما عن جمع الآخر.

وجاء الضم فى جمع بعض فعلان الذى مؤنثه على فعلى خاصة ، وهو فى كسالى وسكارى أرجح من الفتح ، وإنما ضم فى جمع فعلان خاصة لكون تكسيره على أقصى الجموع خلاف الأصل ، وذلك لأنه إنما كسر عليه لمشابهة الألف والنون فيه لألف التأنيث ، فغير أول الجمع غير القياسى عما كان ينبغى أن يكون عليه ، لينبه من أول الأمر على أنه مخالف للقياس ، وأنبع جمع المؤنث جمع المذكر فى ضم الأول وإن لم يكن مخالفا للقياس ، وأوجب الضم فى قدامى الطير : أى قوادم (٢) ريشه ، وفى أسارى ، جمع قادمة وأسير ، وإلزام الضم فيهما دلالة على شدة مخالفتهما لما كان ينبغى أن يكسرا عليه ، ولا يجوز الضم فى غير ما ذكرنا ،

__________________

والفعل غرث ـ كفرح ـ والانثى غرثى ـ كسكرى ، وغرثانة ـ كندمانة انظر (ح ١ ص ١٤٤) وانظر (ص ١٢٠ من هذا الجزء)

(١) قد نقلنا لك قريبا (ص ١٧٠) عبارته التى تتعلق بهذا عن شرح الكافية

(٢) ريش جناح الطائر أربعة أنواع : القوادم ، وهي أوائل ريش الجناح مما يلى رأسه ؛ ثم المناكب ، وهى اللاتى تليها إلى أسفل الجناح ؛ ثم الخوافى ، وهي التى بعد المناكب : ثم الأباهر ، وهى التى تلى الخوافى ، والأشهر أن القوادم أربع ريشات فى مقدم الجناح ، ويقال : عشر ريشات ، وواحدة القوادم قادمة ، وقد يقال فى الواحدة : قدامى ـ مثل حبارى ـ ويقال قدامى للجمع أيضا فيكون مثل سكارى

١٧٤

وقال بعض النحاة ـ لما رأى مخالفته لأقصى الجموع بضم الأول ـ : إنه اسم جمع كرباب وقوم ورهط ونفر ، وليس بجمع ، وقال آخرون : إن نحو عجالى ليس جمع فعلى على توفية حروفه ، وعجالى بالفتح جمعه على توفية حروفه ، فالأول : كقلاص فى قلوص ، والثانى كقلائص ، حذف الزائد فى عجلى فبقى عجل فجمع ، وجعل ألف الجمع فى الوسط وألف التأنيث فى الأخير ، وأما ألف عجالى بالفتح فليست للتأنيث بل منقلبة عن ياء هى ياء منقلبة عن ألف التأنيث كما تقدم ، فالألف فى عجالى بالضم مجلوبة للتأنيث كما فى ضمنى وزمنى (١) جمع ضمن وزمن ، قال السيرافى : هذا أقوى القولين ؛ أقول : وأول الأقوال أرجح عندى

قوله «وقد ضمت أربعة» لم أر أحدا حصر المضموم الأول فى أربعة ، بلى فى المفصّل أن بعض العرب يقول : كسالى ، وسكارى ، [وعجالى] وغيارى ، بالضم ، ولا تصريح فيه أيضا بالحصر ، وقد ذكر فى الكشاف فى قوله تعالى : (ذُرِّيَّةً ضِعافاً) أنه قرىء ضعافى وضعافى كسكارى وسكارى (٢)

قال : «وفيعل نحو ميّت على أموات وجياد وأبيناء ، ونحو شرّابون وحسّانون وفسّيقون ومضروبون ومكرمون ومكرمون ، استغنى فيها بالصّحيح ، وجاء عواوير وملاعين [وميامين] ومشائيم ومياسير ومفاطير ومناكير ومطافل ومشادن»

أقول : اعلم أن فيعلا بكسر العين لا يجىء إلا فى المعتل العين كسيّد ، وبفتحها لا يجىء إلا فى الصحيح كصيقل وحبدر ، إلا حرفا واحدا ، قال :

__________________

(١) انظر (ص ١٢٠ ، ١٢١ من هذا الجزء)

(٢) فى الكشاف (ح ١ ص ١٦٢ طبع بولاق): «قرىء ضعفاء ، وضعافى ، وضعافى نحو سكارى وسكارى» اه ؛ ولم نجد رواية هذه القراءات لغيره

١٧٥

* ما بال عينى كالشّعيب العيّن* (١)

وهذا مذهب سيبويه ، قال : ويختص بعض الأوزان ببعض الأنواع كاختصاص فعلة المضموم فاؤه بجمع الناقص ، كقضاة ، وفعلة بفتح الفاء فى غيره ككفرة وبررة ؛ ومذهب الفراء أن وزن ميّت فعيل ككريم ، والأصل مويت ، أعلت عينه كما أعلت فى الماضى والمضارع ، فقدم وأخر ، ثم قلبت الواو ياء لاجتماعهما وسكون الأول ، وطويل عنده شاذ ، قال : وأما ما ليس مبنيا على فعل معلّ فانه لا يعل بالقلب ، نحو سويق (٢) وعويل (٣) وحويل (٤) وسيجىء الكلام فيه فى باب الإعلال ؛ وكذا قال الفراء فى قضاة : إنه فى الأصل مضعف العين نحو كفّر ، وأصله قضّى ، فجذف التضعيف وعوض عنه التاء كما مر قبل (٥) ، واستدل الفراء على كون ميت فى الأصل فعيلا بنحو أهوناء وأبيناء ، فى هين وبين ، والمشهور فى أفعلاء أن يكون جمع فعيل ، وقال سيبويه : إنما جمعا على أفعلاء لمناسبة فيعل لفعيل فى عدد الحروف ، كما حمل فى سادة وجياد على فاعل نحو بررة وصيام ، وفى أموات وأكياس وأقوال جمع قيل (٦) مخفف قيّل على فعل كحوض وأحواض ، إذ كثيرا ما

__________________

(١) قد سبق قولنا فى شرح هذا الشاهد فانظره (ح ١ ص ١٥٠)

(٢) السويق : ما يتخذ من الحنطة والشعير ، وهو الخمر أيضا ، قال الشاعر :

تكلّفنى سويق الكرم جرم

وما جرم؟ وما ذاك السّويق؟

(٣) العويل : البكاء مع رفع الصوت ، وقد أعول الرجل وأعولت المرأة إعوالا ، وعول ـ بالتضعيف ـ أيضا

(٤) الحويل : الشاهد ، وهو الكفيل أيضا.

(٥) انظر (ص ١٥٦ من هذا الجزء)

(٦) القيل : الملك ، أو هو خاص بملوك حمير ، وهو عندهم خاص بما دون

١٧٦

يخفف فيعل بحذف العين فيصير كفعل فى الحركة والسكون ، وكذا نحو ميت وسيد ولين وهين ، ومن قال فى جمع قيل أقيال فقد حمله على لفظه ، والأول أكثر.

وأصل فيعل أن يجمع جمع السلامة : فى المذكر بالواو والنون ، وفى المؤنث بالألف والتاء ، وكذا إذا خفف بحذف العين ، نحو الميتون والميتات ، ويجمع المذكر والمؤنث منه على أفعال كأموات فى جمع ميت وميتة ، كما قيل أحياء فى جمع حىّ وحيّة ، وهذا كما يقال : أنقاض فى جمع نقض (١) ونقضة ، وأنضاء فى جمع نضو (٢) ونضوة.

وجاء ريّض (٣) للمذكر والمؤنث سواء ، حملا على فعيل بمعنى مفعول ؛ لأنها فى معنى مروضة.

__________________

الملك الأعلى ، وأصله قيل ـ بتشديد الياء كسيد ـ فخفف بحذف إحدى الياءين ، وأصل اشتقاقه من القول. سمى بذلك لأنه يقول ما يشاء فينفذ ما يقول ، ويجمع على أقوال نظرا إلى أصله ، وعلى أقيال نظرا إلى لفظه ، وعلى مقاول ومقاولة وكأنهم فى هذين جمعوا مقولا لكونه بمعناه. قال لبيد :

لها غلل من رازقىّ وكرسف

بأيمان عجم ينصفون المقاولا

وقال الأعشى :

ثمّ دانت بعد الرّباب وكانت

كعذاب عقوبة الأقوال

(١) النقض : المنقوض من غزل أو بناء أو غيرهما ، والمهزول بسبب السير ناقة أو جملا

(٢) النضو : حديدة اللجام ، وسهم فسد من كثرة ما رمى به ، والثوب الخلق ، والمهزول من الابل وغيرها

(٣) الريض ـ كسيد ـ : الناقة إذا كانت فى أول عهدها بالرياضة ، وهى صعبة بعد ، وقال فى اللسان : «الريض من الدواب : الذى لم يقبل الرياضة ، ولم يمهر المشية ، ولم يذل لراكبه. قال ابن سيده : والريض من الدواب والابل

١٧٧

قوله «شرّابون وحسّانون» (١) بضم الفاء وفتحها ، وفسّيقون ، أبنية للمبالغة لا يستوى فيها المذكر والمؤنث ، فيجمع الجميع جمع الصحة : المذكر بالواو والنون. والمؤنث بالألف والتاء ، وإنما دخلتها الهاء لمشابهتها مفعّلا : لفظا بالتضعيف ، ومعنى بالمبالغة ، فهذه الأوزان الثلاثة لا تكسر ، وإنما قالوا فى عوّار (٢) وهو الجبان : عواوير ، لجريه مجرى الأسماء ؛ لأنهم لا يقولون للمرأة : عوّارة ؛ لأن الشجاعة والجبن فى الأغلب مما يوصف به الرجال الذين يحضرون فى القتال ، فشبهوا عوّارا

__________________

ضد الذلول ، الذكر والأنثي فى ذلك سواء ، قال الراعى :

فكأنّ ريّضها إذا استقبلتها

كانت معاودة الرّكاب ذلولا

قال : وهو عندى على وجه التفاؤل ، لأنها إنما تسمى بذلك قبل أن تمهر الرياضة» اه

(١) حسانون : جمع حسان ـ بضم الحاء وتشديد السين ـ وهو بمعنى الحسن إلا أنه يدل على الزيادة فى الحسن ، وحسان ـ بتخفيف السين ـ أقل منه فى معنى الحسن ، والحسن أقل منهما جميعا ، وتقول للأنثى : حسانة ـ بتشديد السين ـ وهذا معنى قول المؤلف «لا يستوى فيها المذكر والمؤنث». وقال ذو الأصبع العدوانى :

كأنّا يوم قرّى إنّما

نقتل إيّانا

قياما بينهم كلّ

فتى أبيض حسّانا

وقال الشماح :

دار الفتاة الّتى كنّا نقول لها

يا ظبية عطلا حسّانة الجيد

(٢) العوار : الضعيف الجبان ، وجمعه عواوير ، قال الأعشى :

غير ميل ولا عواوير فى الهي

جا ولا عزّل ولا أكفال

قال سيبويه : لم يكتف فيه بالواو والنون لأنهم قلما يصفون به المؤنث ، فصار كمفعال ومفعيل ، ولم يصر كفعال (كشداد) ، وقال الجوهرى : العوار : الجبان ، وجمعه العواوير ، وإن شئت قلت : العواور ، فى الشعر ؛ قال لبيد يخاطب عمه ويعاتبه :

وفى كلّ يوم ذى حفاظ بلوتنى

فقمت مقاما لم تقمه العواور

١٧٨

وعواوير بكلّاب (١) وكلاليب ، وكذا فعّل كزمّل (٢) وجبّإ (٣) وفعّيل كزمّيل وسكّيت (٤) ، مثالا مبالغة تدخلهما التاء للمؤنث ، ولا يجمعان إلا جمع التصحيح بالواو والنون وبالألف والتاء ، وأما بناء المبالغة الذى على مفعال كمهداء (٥) ومهذار (٦) ، أو على مفعيل كمحضير (٧) ومعطير (٨) ، أو على مفعل كمدعس (٩) ومطعن ، أو على فعال كصناع (١٠) وحصان (١١) ، أو على

__________________

(١) الكلاب : المهماز ، وهو الحديدة التى على خف الرائض ، ويرادفه كلوب ـ بفتح الكاف وتشديد اللام ـ

(٢) الزمل ، والزميل : الجبان الضعيف الرذل ؛ قال أحيحة بن الجلاح :

ولا وأبيك ما يغنى غنائى

من الفتيان زمّيل كسول

(٣) الجبأ ، ويمد : الجبان ؛ قال الشاعر :

ما عاب قطّ إلّا لئيم فعل ذى كرم

ولا جفا قطّ إلّا جبّأ بطلا

وقال مفروق بن عمرو الشيبانى :

فما أنا من ريب الزّمان بجبّأ

ولا أنا من سيب الإله بيائس

(٤) السكيت ـ وتخفف الكاف ـ : العاشر من الخيل الذي يجىء فى آخر الحلبة من العشر المعدودات (انظر ص ٢٨١ ج ١)

(٥) المهداء : المرأة الكثيرة الاهداء

(٦) المهذار : الكثير الهذر ، والهذر : الكلام الذى لا يعبأ به

(٧) المحضير : الكثير الحضر ـ بضم فسكون ـ ، والحضر : ارتفاع الفرس فى العدو

(٨) المعطير : الكثير التعطر

(٩) المدعس ـ كمنبر ـ : الطعان : أى الكثير الطعن ، والمدعس أيضا اسم للآلة التى يدعس بها : أي يطعن

(١٠) الصناع ـ بفتح الصاد وتخفيف النون ـ : الصانع الحاذق. يقال : رجل صناع وامرأة صناع ؛ إذا كان كل منهما حاذقا ماهرا (انظر ج ١ ص ١٩٧)

(١١) «الحصان» : تقول : امرأة حصان. وحاصن وحصناء ؛ إذا كانت عفيفة

١٧٩

فعال كهجان (١) ، أو على فعول كصبور ، فيستوى فى جميعها المذكر والمؤنث ، ولا يجمع شىء منها جمع السلامة ، إلا فى ضرورة الشعر ، وقد ذكرنا تكسير فعال وفعال وفعول صفات ، وأما تكسير مفعال ومفعيل فعلى مفاعيل كمقاليت ومآشير فى مقلات (٢) ومئشير (٣) ، وجمع مفعل مفاعل كمداعس فى جمع مدعس ، وأما قولهم : مسكينون ومسكينات ؛ فلقولهم : مسكين ومسكينة ، تشبيها بفقير وفقيرة.

قوله «مضروبون ومكرمون ومكرمون» أى : كل ما جرى على الفعل من اسمى الفاعل والمفعول وأوله ميم فبابه التصحيح لمشابهة الفعل لفظا ومعنى ، وجاء

__________________

وإذا كانت متزوجة أيضا. قال حسان :

حصان رزان ما تزنّ بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

وقال الآخر :

وحاصن من حاصنات ملس

من الأذى ومن قراف الوقس

ولا يقال : رجل حصان ، وإنما يقال : رجل محصن ، كما يقال : امرأة محصنة

(١) انظر (ص ١٣٥ من هذا الجزء)

(٢) المقلات : القليلة الولد ، ويقال : هى التى لا يعيش لها ولد ، قال الشاعر :

(ويقال : هو كثير) :

بغاث الطّير أكثرها فراخا

وأمّ الصّقر مقلات نزور

قال فى اللسان : «وامرأة مقلات ، وهى التى ليس لها إلا ولد واحد ، وأنشد :

وجدى بها وجد مقلات بواحدها

وليس يقوى محبّ فوق ما أجد

وأقلتت المرأة ، إذا هلك ولدها» اه

(٣) تقول : رجل مئشير وامرأة مئشير ـ بغير هاء ـ وتقول : ناقة مئشير وجواد مئشير ، يستوى فيه المذكر والمؤنث ، وهو مبالغة من الأشر ، وهو المرح وهو أيضا البطر أو أشده

١٨٠