شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

قال : «وفعيل بمعنى مفعول بابه فعلى كجرحى وأسرى وقتلى ، وجاء أسارى ، وشذّ قتلاء وأسراء ، ولا يجمع جمع الصّحيح ، فلا يقال جريحون ولا جريحات ليتميّز عن فعيل الأصل ، ونحو مرضى محمول على جرحى ، وإذا حملوا عليه هلكى وموتى وجربى فهذا أجدر كما حملوا أيامى ويتامى على وجاعى وحباطى»

أقول : اعلم أن فعيلا إذا كان بمعنى مفعول يستوى فيه المذكر والمؤنث ، إلا إذا لم تجر على صاحبها ، كما مضى فى شرح الكافية (١) ، وليس يجمع كل

__________________

وقول جرير :

دعون الهوى ثمّ ارتمين قلوبنا

بأعين أعداء وهنّ صديق

وقول الآخر :

فلو أنك فى يوم الرّخاء سألتنى

طلاقك لم أبخل وأنت صديق

ومن هنا تعلم أن قول من قال إن «صديقا» فى البيت كالكليب والعبيد من صيغ الجموع غير سديد ، لأنه قد أخبر به عن الواحدة كما فى البيت الثالث ، ولو كان كالعبيد والكليب لم يستعمل إلا فى الجمع ، ويجب حمل كلام المؤلف على ما ذكرنا

(١) الذى ذكره فى شرح الكافية خاصا بهذا الموضوع هو قوله : «إن أصل التاء فى الأسماء أن تكون فى الصفات فرقا بين مذكرها ومؤنثها ؛ وإنما تدخل على الصفات إذا دخلت فى أفعالها ، فالصفات فى لحاق التاء بها فرع الأفعال : تلحقها إذا لحقت الأفعال نحو قامت فهى قائمة ، وضربت فهي ضاربة ، فاذا قصدوا فيها الحدوث كالفعل قالوا : حاضت فهى حائضة ؛ لأن الصفة حينئذ كالفعل فى معنى الحدوث ، وإذا قصدت الاطلاق لا الحدوث فليست بمعنى الفعل ، بل هى بمعنى النسب وإن كانت على صورة اسم الفاعل كلابن وتامر ، فكما أن معناهما ذو لبن وذو تمر مطلقا لا بمعنى الحدوث : أي لبنى وتمرى ، كذلك معنى طالق وحائض ذات طلاق وذات حيض» ثم قال بعد كلام : «ومما يستوي فيه المذكر والمؤنث ولا يلحقه التاء فعيل بمعنى مفعول ، إلا أن يحذف موصوفه نحو

١٤١

فعيل بمعنى مفعول على فعلى ، بل إنما يجمع عليه من ذلك ما كان متضمنا للآفات والمكاره التى يصاب بها الحى ، كالقتل وغيره ، حتى صار هذا الجمع يأتى أيضا لغير فعيل المذكور إذا شاركه فى المعنى المذكور كما يتبين ، فان أتى شىء منه بغير هذا المعنى لم يجمع هذا الجمع ، نحو رجل حميد ؛ ومنه سعيد فى لغة من قال سعد ـ بضم السين على بناء ما لم يسم فاعله (١) ـ فلا يقال : حمدى ولا سعدى ، وكذلك لا يقال فعلى فى جمع ما انتقل إلى الاسمية من هذا الباب وهو ما دخله التاء ، كالذّبيحة والأكيلة والضّحية والنّطيحة ، وإنما قلنا انتقلت إلى الاسمية لأن الذبيحة ليست بمعنى المذبوح فقط حتى يقع على كل مذبوح كالمضروب الذى

__________________

هذه قتيلة فلان وجريحته ، ولشبهه لفظا بفعيل بمعنى فاعل قد يحمل عليه فيلحقه التاء مع ذكر الموصوف أيضا نحو امرأة قتيلة ، كما يحمل فعيل بمعني فاعل عليه فيحذف منه التاء نحو ملحفة جديد ، من جد يجد جدة عند البصرية ، وقال الكوفية : هو بمعنى مجدود من جده : أى قطعه ، وقيل : إن قوله تعالى (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ) منه ، وبناء فعيل بمعنى مفعول مع كثرته غير مقيس ، وقد تجيء بمعنى مفعل قليلا كالذكر الحكيم أى المحكم على تأويل ، وبمعنى مفاعل كثيرا كالجليس والجليف» اه

(١) قال فى اللسان : «سعد يسعد سعادة فهو سعيد : نقيض شقى ، مثل سلم فهو سليم ، وسعد ـ بالضم ـ فهو مسعود ، والجمع سعداء ، والأنثى بالهاء. قال الأزهرى : وجائز أن يكون سعيد بمعنى مسعود من سعده الله (بفتح العين) ، ويجوز أن يكون من سعد يسعد (كفرح يفرح) فهو سعيد» اه والحاصل أن سعيدا يجوز أن يكون فعيلا بمعنى فاعل فيكون مأخوذا من الفعل اللازم الذى من باب فرح ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول فيكون مأخوذا من الفعل المتعدى الذى من باب فتح ، فقول المؤلف. «فى لغة من قال سعد بضم السين» لا يريد أنه مأخوذ من المبنى للمجهول لأن المبني للمجهول ليس هو أصل المشتقات إجماعا ، ولأن من بنى الفعل للمجهول جاء باسم المفعول على مفعول فقال : مسعود ، وإنما يريد بهذه العبارة الاشارة إلى الفعل المتعدى ، لأن المبنى المجهول لا يكون إلا من متعد

١٤٢

يقع على كل من يقع عليه الضرب ، بل الذبيحة مختص بما يصلح للذبح ويعدّ له من النعم ، وكذا الأكيلة ليس بمعنى المأكول ، إذ لو كان كذا لكان يسمى الخبز والبقل أكيلة إذا أكل ، بل الأكيلة مختص بالشاة ، وكذا الضحية مختص بالنعم ، والرّميّة بالصيد ، والنطيحة بالشاة الميتة بالنطح ، وليس كل منطوح أو كل شاة منطوحة نطيحة ، فهذه هى العلة فى خروجها عن مذهب الأفعال إلى حيز الأسماء بسبب اختصاصها ببعض ما وقعت عليه فى الأصل وغلبتها فيه ، كما قلنا فى الآلة نحو المنخل والمدهن والمسعط ، والموضع كالمسجد ؛ والدليل عليه أن نحو الذبيحة والأكيلة ليست بمعنى اسم المفعول ، لأن حقيقة اسم المفعول هو ما وقع عليه الفعل وأما ما لم يقع ويقع بعد عليه فالظاهر أن اسم المفعول فيه مجاز (١) ، فالمضروب ظاهر فيمن وقع عليه الضرب لا فيمن سيضرب أو يصلح للضرب ، والأكيلة ما يعد للأكل وإن لم يؤكل ، والضحية كالمنخل والمدهن والمسجد ، ونحوه مما ذكرنا قبل ، وأيضا اسم المفعول فى الحقيقة هو ما وقع عليه الفعل (٢) والذبيحة

__________________

(١) ظاهر قوله «اسم المفعول فى الحقيقة هو ما وقع عليه الفعل» أنه يرى أن الوصف إذا وقع مدلوله وانقضى فهو حقيقة ، وهو أحد ثلاثة آراء فى المسألة ونحن نذكر لك ذلك على التفصيل فنقول : قال العلامة العضد (١ : ١٧٢) من شرحه على مختصر بن لحاجب : «المشتق عند وجود معنى المشتق منه كالضارب لمباشر الضرب حقيقة اتفاقا ، وقبل وجوده كالضارب لمن لم يضرب وسيضرب مجاز اتفاقا ، وبعد وجوده منه وانقضائه كالضارب لمن قد ضرب قبل الآن وهو الآن لا يضرب قد اختلف فيه على ثلاثة أقوال : أولها مجاز مطلقا ، وثانيها : حقيقة مطلقا ، وثالثها : إن كان مما يمكن بقاؤه (كالقيام والقعود) فمجاز ، وإلا (أى وإن لم يكن بقاؤه كالتكلم والاخبار ونحوهما) فحقيقة» اه كلامه ، فان كان قول الرضى «هو ما وقع عليه الفعل» قد أراد به ما وقع وانقضى فهو من موضع الخلاف على ما قدمنا ، وإن كان المراد ما وقع عليه الفعل وهو مستمر الوقوع

١٤٣

والأكيلة والنطيحة ما سيذبح وسيؤكل ، وكذا الضحية ما يصلح للتضحى وإن لم بضح به بعد ، ومثله القتوبة (١) والحلوبة لما يصلح للقتب والحلب ، فلما خرجت الكلمات المذكورة من حيز الصفات إلى حيز الأسماء لم تجمع على فعلى ، وما لم يخرج منه من هذه الأسماء جاز جمعه على فعلى ، كما حكى سيبويه شاة ذبيح وغنم ذبحى ، فيما ذبح

فإذا تقرر هذا قلنا : أصل فعلى أن يكون جمعا لفعيل فى معنى مفعول بمعنى مصاب بمصيبة ، ثم حمل عليه ما وافقه فى هذا المعنى ، فأقرب ما يحمل عليه فعيل بمعنى الفاعل ، نحو مريض ومرضى ، لمشابهته له لفظا ومعنى ، ويحمل عليه فعل كزمن وزمنى ، وفيعل كميّت وموتى ، وأفعل كحمقى وجربى ، وفاعل كهلكى ، وفعلان كرجل سكران وقوم سكرى ورجل روبان (٢) ، وهو الذى أثخنه

__________________

فهو مما اتفق على أنه حقيقة ، وهذا هو الذى يشعر به قوله فى مقابل ما تقدم. «لا فيمن سيضرب أو يصلح للضرب» إذ ذلك خاص بحالة ما قبل الوقوع

(١) قال فى اللسان : «القتوبة من الابل : الذى يقتب بالقتب إقتابا ، قال اللحيانى : هو ما أمكن أن يوضع عليه القتب ، وإنما جاء بالهاء لأنها للشىء مما يقتب. وفى الحديث «لا صدقة فى الابل القتوبة». القتوبة بالفتح التى توضع الأقتاب على ظهورها ، فعولة بمعنى مفعولة كالركوبة والحلوبة ، أراد ليس فى الابل العوامل صدقة ، قال الجوهرى : وإن شئت حذفت الهاء فقلت : القتوب ، ابن سيده وكذلك كل فعولة من هذا الضرب من الأسماء» اه

(٢) قال فى اللسان : «راب الرجل روبا ورءوبا : تحير وفترت نفسه من شبع أو نعاس ، وقيل : سكر من النوم ، وقيل : إذا قام من النوم خائر البدن والنفس. ورجل رائب وأروب وروبان ، والانثي رائبة ، عن اللحيانى ، لم يزد على ذلك ، من قوم روبى إذا كانوا كذلك ، وقال سيبويه : هم الذين أثخنهم السفر والوجع

١٤٤

السفر ، وقوم روبى ، ولا يبعد أن يكون سكرى وروبى فى مثل هذا الموضع مفردا مؤنثا لفعلان ، وذلك لأن مؤنث فعلان الصفة من باب فعل يفعل قياسه فعلى وصفة المفرد المؤنث تصلح للجمع المؤنث والقوم يؤنث كقوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ) وأما قولهم كيسى (١) فمحمول على الحمقى ، بالضدية ، وليس هذا الحمل مطردا ، فلا يقال بخلى ولا سقمى

قوله «كما حملوا أيامى ويتامى على وجاعى وحباطى» اعلم أن أصل فعالى فى جمع المذكر أن يكون جمع فعلان فعلى كما يجىء ، نحو سكران وسكارى ، وفعلان كما مر فى باب الصفة المشبهة بابه فعل يفعل مما يدل على حرارة الباطن والامتلاء ، وفعل من هذا الباب فيما يدل على الهيجانات والعيوب الباطنة ، فلما تقارب معناهما واتحد مبناهما ، أعنى باب فعل يفعل ، تشاركا فى كثير من

__________________

فاستثقلوا نوما ، ويقال : شربوا من الرائب فسكروا ، قال بشر :

فأمّا تميم تميم بن مرّ

فألفاهم القوم روبى نياما

وهو فى الجمع شبيه بهلكى وسكرى ، واحدهم روبان ، وقال الأصمعى : واحدهم رائب مثل مائق وموقى وهالك وهلكى» اه

(١) قال فى اللسان : «الكيس الخفة والتوقد ، كاس كيسا ، وهو كيس وكيس (بالتخفيف والتشديد) والجمع أكياس ، قال الحطيئة :

والله ما معشر لاموا امرأ جنبا

فى آل لأى بن شمّاس بأكياس

وقوله ، وأنشده ثعلب :

فكن أكيس الكيسى إذا كنت فيهم

وإن كنت فى الحمقى فكن أنت أحمقا

إنما كسره هنا على كيسي لمكان الحمقى ، أجرى الضد مجرى ضده» اه

والبيت الذى أنشده ثعلب هو لعقيل بن علفة المرى ، وهو من شعر الحماسة وانظره فى باب الأدب (ج ٣ ص ٨٦ من شرح التبريزى طبع بولاق)

١٤٥

المواضع ، نحو عطش وعطشان وصد وصديان وعجل وعجلان ، ثم حمل فعل فى بعض المواضع فى الجمع على فعلان ، فقيل فى جمع وجع وحبط : وجاعى وحباطى ، حملا على نحو سكران وسكارى وغرثان وغراثى ، ثم شارك أيمّ ويتيم باب فعل من حيث المعنى لأن الأيمة واليتم لا بد فيهما من الحزن والوجع ، ويقربان أيضا منه من حيث اللفظ ، فجمع على أيامى ويتامى ، فهما محمولان على فعل المحمول على فعلان ، وفى الكشاف : أصل أيامى ويتامى يتائم وأيائم فقلب (١) ، وليس بوجه ؛ لأن إبدال الياء ألفا فى مثله نحو

__________________

(١) قال جار الله الزمخشرى فى أول تفسير سورة النساء من الكشاف : «فأن قلت : كيف جمع اليتيم وهو فعيل كمريض على يتامي؟ قلت : فيه وجهان : أن يجمع على يتمى كأسرى ، لأن اليتم من وادى الآفات والاوجاع ، ثم يجمع فعلى على فعالى كأسارى ، ويجوز أن يجمع على فعائل لجرى اليتيم مجرى الأسماء نحو صاحب وفارس ، فيقال يتائم ثم يتامى على القلب» اه

وقال فى تفسير سورة النور : «الأيامي واليتامى أصلهما أيائم ويتائم فقلبا ، والأيم للرجل والمرأة ، وقد آم وآمت وتأيما ؛ إذا لم يتزوجا ، بكرين كانا أو ثيبين ، قال :

فإن تنكحى أنح وإن تتأيّمى

وإن كنت أفتى منكم أتأيّم

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم إنا نعوذ بك من العيمة والغيمة والأيمة والكزم والقرم» اه وقد تبعه على ذلك فى الموضعين القاضى البيضاوى فى تفسيره ، وقال العلامة الشهاب في حاشيته على تفسير البيضاوى فى تفسير سورة النساء : «وجمع على يتامى وإن لم يكن فعيل يجمع على فعالى ، بل على فعال وفعلاء وفعل وفعلى ، نحو كرام وكرماء ونذر ومرضى ، فهو إما جمع يتمى جمع يتيم إلحاقا له بباب الآفات والأوجاع ، فأن فعيلا فيها يجمع على فعلى ، ووجه الشبه ما فيه من الذل والانكسار المؤلم ، وقيل : لما فيه من سوء الأدب المشبه بالآفات ، كما جمع أسير على أسرى ثم على أسارى ـ بفتح الهمزة ، أو هو مقلوب يتائم ، فان فعيلا الاسمى يجمع على فعائل كأفيل وأفائل ، وقل ذلك فى الصفات

١٤٦

معايا (١) جمع معى شاذ كما يجىء فى هذا الباب ، وأيضا جمع فعيل المذكر

__________________

لكن يتيم جرى مجرى الأسماء كصاحب وفارس ، ولذا قلما يجرى على موصوف ، ثم قلب فقيل يتامى ـ بالكسر ـ ثم خفف بقلب الكسرة فتحة ، فقلبت الياء ألفا ، وقد جاء على الأصل في قوله :

* أأطلال حسن فى البراق اليتائم* اه

وقال فى الحاشية المذكورة فى تفسير سورة النور : «ذهب المصنف تبعا للزمخشري ومن تابعه إلى أن أيامي مقلوب أيائم لأن فعيلا وفيعلا لا يجمعان على فعالى ، فأصل يتامى يتائم وأصل أيامي أيائم فقدمت الميم وفتحت للتخفيف فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ويتيم أيضا جرى مجرى الأسماء الجامدة ، لأن فعيلا الوصفى يجمع على فعال ككريم وكرام لا على فعائل وقد مر فى تفسير سورة النساء أنه لما جرى مجرى الأسماء الجامدة كفارس وصاحب جمع على يتائم ثم قلب فقيل : يتامى ، أو جمع على يتمى كأسرى ، لأنه من باب الآفات ، ثم جمع يتمى على يتامى. وذهب ابن مالك ومن تبعه إلى أنه شاذ لا قلب فيه ، وهو ظاهر كلام سيبويه ، وذهب ابن الحاجب إلى أنهم حملوا يتامى وأيامى على وجاعى وحباطى ، لقرب اللفظ والمعنى» اه ويريد بقرب اللفظ أن منشأهما وهو الفعل بابه فى الجميع واحد ، وبقرب المعنى أن الجميع من الآفات على ما ذكره الرضى

ونقول : إن نسبة القول بالقلب فى يتامى وأيامى إلى الزمخشرى لا تخلو عن مسامحة ، فانه وإن كان قائلا بذلك مسبوق بهذا القول ، وأصله لأبى على الفارسى أحد علماء النصف الأول من القرن الرابع الهجرى ، فقد قال فى اللسان : «وأما أيامى فقيل : هو من باب الوضع ، وضع على هذه الصيغة ، وقال الفارسى : هو مقلوب موضع العين إلى اللام» اه

(١) قال فى اللسان : «أعيا السير البعير ونحوه : أكله وطلحه ، وإبل معايا : معيية ، قال سيبويه : سألت الخليل عن معايا ، فقال : الوجه معاى. وهو المطرد ، وكذلك قال يونس ، وإنما قالوا معايا كما قالوا مدارى وصحارى ،

١٤٧

صفة على فعائل شاذ (١) كنظائر

قوله «وإذا حمل نحو هالك وميّت وأجرت على نحو قتيل» أى : إذا حملت عليه مع أن وزنها خلاف وزنه لمجرد المشاركة فى المعنى فلأن يحمل عليه مريض مع مشاركته له فى اللفظ والمعنى أجدر

قوله «ليتميز عن فعيل الأصل» يعنى أن الأصل فعيل بمعنى فاعل لكونه أكثر من فعيل بمعنى مفعول ، ولأن الفاعل مقدم على المفعول ، والذى بمعنى الفاعل يجمع جمع السلامة نحو رحيمون ورحيمات وكريمون وكريمات ؛ فلم يجمع الذى بمعنى المفعول جمع السلامة فرقا بينهما (٢)

قوله : «شذ قتلاء وأسراء» وجه ذلك مع شذوذهما أن فعيلا بمعنى المفعول حمل على فعيل بمعنى الفاعل ، نحو كريم وكرماء

__________________

وكانت مع الياء أثقل إذ كانت تستثقل وحدها» اه وقوله «الوجه معاى» أصله معايى بياءين أولاهما مكسورة ، فحذفت الثانية بعد حذف حركتها ، وقوله «وإنما قالوا معايا» يريد فتحوا الياء الأولى فانقلبت الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وذلك كما فتحوا الراء فى مدارى وصحارى ، لقصد التخفيف ، وقوله «وكانت مع الياء أثقل» يريد وكانت الكسرة مع الياء فى معايى أشد ثقلا منها وحدها فى مدار وصحار ، لا سيما أن بعد الياء ياء أخرى

(١) قد علمت مما نقلناه لك آنفا عن الكشاف ومن تابعه أن الزمخشرى ذهب إلى ما ذهب إليه لأنه اعتبر يتيما اسما. وفعيل إذا كان اسما جمع على فعائل مثل أفيل وأفائل ، فلا محل لقول المؤلف «وأيضا جمع فعيل المذكر اسما على فعائل شاذ»

(٢) ذكر ابن يعيش وجها آخر لعدم جمع فعيل بمعنى مفعول جمع التصحيح قال فى شرح المفصل (ح ٥ ص ٥١): «ولا يجمع شىء من ذلك إذا كان مذكرا بالواو والنون كما لم يجمع مؤنثه بالألف والتاء ؛ فلا يقال : قتيلون ولا جريحات ، لأنهم لم يفصلوا فى الواحد بين المذكر والمؤنث بالعلامة فكرهوا أن يفصلوا بينهما فى الجمع فيأتوا فى الجمع بما كرهوا فى الواحد ، فاعرفه» اه

١٤٨

قوله «وجاء أسارى» اعلم أن أصل فعالى فى المذكر كما ذكرنا أن يكون جمع فعلان ، وقد يضم فاء فعالى الذى هو جمع فعلان فعلى خاصة كما يجىء ، نحو سكارى وكسالى ، دون المحمول عليه ؛ إلا أسارى ، وذلك لأنه لما حمل أسير على حرّان ولهفان لأنه لا يخلو من حرارة الجوف ضموا أوله كما يضم أول فعالى جمع فعلان ، والتزموا الضم فى هذا المحمول

واعلم أنه قد يجىء الفعيلة بمعنى الآلة كالوسيلة لما يتوسّل به : أى يقرّب ، والذريعة لما يتذرّع به ، والدّريئة للبعير (١) وشبهه يدرى به الصيد : أى يختل

قال : «المؤنّث ، نحو صبيحة على صباح وصبائح ، وجاء خلفاء ، وجعله جمع خليف أولى ، ونحو عجوز على عجائز»

أقول : إذا لحقت التاء فعيلا فى الوصف فإنه يجمع على فعال ، كما جمع قبل لحاقه ، فيقال : صباح وظراف ، فى جمع صبيح وصبيحة وظريف وظريفة ،

__________________

(١) قال فى اللسان : «والدريئة : الحلقة التى يتعلم الرامى الطعن والرمى عليها قال عمرو بن معديكرب :

ظللت كأنّى للرّماح دريئة

أقاتل عن أبناء جرم وفرّت

قال الأصمعى : هو مهموز. وفي حديث دريد بن الصمة في غزوة حنين : «دريئة أمام الخيل» الدريئة : حلقة يتعلم عليها الطعن. وقال أبو زيد : الدريئة مهموز : البعير أو غيره الذى يستتر به الصائد من الوحش يختل حتى إذا أمكن رميه رمى» اه ؛ وتقول : دريت الصيد أدريه دريا مثل رميته أرميه رميا ، وادريته على افتعلت ، وتدريته على تفعلت ؛ إذا ختلته ، قال الشاعر :

فإن كنت لا أدرى الظّباء فإنّنى

أدسّ لها تحت التراب الدّواهيا

وقال الأخطل :

فإن كنت قد أقصدتنى إذ رميتنى

بسهمك ؛ فالرّامى يصيد ولا يدرى

١٤٩

ويختص ذو التاء ـ سواء كان بمعنى المفعول كالذبيحة أولا كالكبيرة ـ بفعائل ، دون المذكر المجرد ، وقد شذ نظائر فى نظير ، وكرائه فى كريه ، بمعنى مكروه ، وهو جمع من غير حذف شىء من واحده ، فهو فى الصفة نظير صحيفة وصحائف فى الاسم ، وقد يستغنى عن فعائل بفعال كصغار وكبار وسمان ، فى صغيرة وكبيرة وسمينة ، ولم يقولوا نسوة كبائر وصغائر وسمائن ، وجاء فيه حرفان فقط على فعلاء ، نحو نسوة فقراء وسفهاء ، قالوا : وإنما جاء خلفاء فى جمع خليفة ؛ لأنه وإن كان فيه التاء إلا أنه للمذكر ، فهو بمعنى المجرد ككريم وكرماء ، فكأنهم جمعوا خليفا على خلفاء ، وقد جاء خليف ، أيضا ، فيجوز أن يكون الخلفاء جمعه ، إلا أنه اشتهر الجمع دون مفرده ، قال :

٦١ ـ إنّ من القوم موجودا خليفته

وما خليف أبى وهب بموجود (١)

__________________

يريد ولا يختل ولا يستتر. وقال سحيم بن وثيل الرياحى :

وما ذا يدّرى الشّعراء منّى

وقد جاوزت حدّ الأربعين

وقال أيضا :

أتتنا عامر من أرض رام

معلّقة الكنائن تدّرينا

(١) هذا البيت لأوس بن حجر من كلمة له يرثى فيها عمرو بن مسعود بن عدى الأسدى ، وكان النعمان بن المنذر اللخمي قد قتله. والذى فى جميع النسخ «أبى موسى» والموجود فى شعر أوس وفى شرح الشواهد للبغدادى وفي اللسان (خ ل ف) وفى شرح المفصل لابن يعيش «وما خليف أبي وهب» كما أثبتنا وأبو وهب كنية عمرو بن مسعود. والاستشهاد فى البيت على أنه قد ورد عنهم خليف بغير تاء بمعنى خليفة بالتاء ، والخليفة الذى يخلف غيره : أي يعقبه ويقوم مقامه ويغنى غناءه وإن لم يستخلفه ، وإذا صح مجىء خليف بمعنى خليفة كان خلفاء جمع خليف ككريم وكرماء ، وكان خلائف جمع خليفة كظريفة وظرائف ، قال فى بعض شروح إيضاح الفارسى : «إن كان لم يثبت خليف بمعنى خليفة الا فى هذا البيت ـ وهو الأظهر ـ فلا حجة فيه ، لأنه يحتمل أن يكون مما رخم فى غير النداء ضرورة نحو قوله

١٥٠

وقياس جمع فعالة كامرأة طوالة ، أن يكون كجمع فعيلة ، لمساواة مذكره مذكّره كما ذكرنا.

قوله «ونحو عجوز» فعول لا يدخله التاء كما مر ، والذى هو بمعنى المؤنث من هذا الوزن يجمع على فعائل ، حملا على فعيلة ، نحو عجوز وعجائز (١) ، ونخوص ونخائص (٢) ، وإذا دخله التاء للمبالغة كفروقة جمع بالألف والتاء

واعلم أنه قد جاء فى فعال المؤنث من غير تاء فعائل ، وهو قليل ، كهجائن فى جمع ناقة هجان ، حملا على فعالة ، ولم يثبت جمع فعال المؤنث المجرد كامرأة جبان على فعائل ، بل مذكره ومؤنثه فى الجمع سواء

قال : «وفاعل الاسم ؛ نحو كاهل على كواهل ، وجاء حجران وجنّان ، والمؤنّث نحو كاثبة على كواثب ، وقد نزّلوا فاعلاء منزلته فقالوا قواصع ونوافق ودوامّ وسواب»

أقول : قياس فاعل ـ بفتح العين وكسرها ـ فى الاسم ؛ فواعل ، قياسا لا ينكسر ، وقد جاء فواعيل بإشباع الكسر كطوابيق (٣) ودوانيق (٤) وخواتيم ،

__________________

* ليوم روع أو فعال مكرم *

يريد مكرمة» اه

(١) العجوز : «قال فى القاموس : الشيخ والشيخة ، ولا تقل عجوزة ، أو هو لغية رديئة ، الجمع عجائز وعجز» اه

(٢) النخوص : التي أضعفها الكبر ، تقول : عجوز ناخص ، وعجوز نخوص ، إذا نخصها الكبر : أى أضعفها وأذهب لحمها

(٣) طوابيق : جمع طابق ـ بفتح الباء وكسرها ـ وهو العضو من أعضاء الانسان كاليد والرجل ونحوها. ويجمع على طوابق ، وقد جاء فيه طوابيق باشباع الكسرة

(٤) دانق ـ بفتح النون وكسرها ـ من الأوزان ، وهو سدس الدرهم والدينار ، وربما قالوا : داناق ، فاذا صح كان الدوانيق قياسا ، وكان جمعا لداناق ، كما قال المؤلف فى الخواتيم

١٥١

وليس بمطرد ، وقيل : خواتيم جمع خاتام ، قال :

٦٢ ـ * أخذت خاتامى بغير حقّ (١) *

فخواتيم على هذا قياس ، قال الفراء : قد جاء فى كلام المولدين بواطيل فى جمع باطل

وقد جاء فعلان كحجران (٢) وفعلان كجنّان (٣) ، والأول أكثر : أى مضموم الفاء ، ويجوز أن يكون حيطان من الأول قلبت الضمة كسرة لتسلم الياء

وإذا انتقل فاعل من الصفة إلى الاسم ؛ كراكب الذى هو مختص براكب البعير كما قلنا فى أكيلة ونطيحة وقتوبة وحلوبة ، وفارس المختص براكب الفرس ، وراع المختص برعى نوع مخصوص ؛ ليست كما ترى على طريق الفعل من العموم ؛ فإنه يجمع فى الغالب على فعلان كحجران فى الاسم الصريح ، وقد يكسر هذا الغالب على فعال أيضا كرعاء وصحاب ، وذلك لأن فاعلا

__________________

(١) هذا بيت من الرجز المشطور ، وقبله

* يامىّ ذات الجورب المنشقّ*

ويقال : خاتم ـ بفتح التاء وكسرها ـ وخيتام بوزن ديار ـ بتشديد الياء ـ وخاتام ـ كساباط ـ وهو نوع من الحلى ، وهو أيضا ما يوضع على الطين ويختم به الكتاب. ورواية ابن برى فى البيت : خيتامى ، قال فى اللسان : «وشاهد الخاتام ما أنشده الفراء لبعض بنى عقيل :

لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا

أصم فى نهار القيظ للشّمس باديا

وأركب حمارا بين سرج وفروة

وأعر من الخاتام صغرى شماليا

قال سيبويه : الذين قالوا خواتيم إنما جعلوه تكسير فاعال وإن لم يكن فى كلامهم ، وهذا دليل على أن سيبويه لم يعرف خاتاما» اه

(٢) حجران : جمع حاجر ، وهو مكان مستدير يمسك الماء من شفة الوادى

(٣) جنان : جمع جان ، وهو نوع من العالم ، سموا بذلك لاجتنانهم عن الأبصار فلا يرون

١٥٢

شبه بفعيل حين جمع على فعلان كجريب وجربان ، وفعيل يجمع على فعال كأفيل وإفال ، فأجيز ذلك فى فاعل أيضا ، قال سيبويه : ولا يجوز فى هذا الوصف الغالب فواعل ، كما كان فى الاسم الصريح ؛ لأن له مؤنثا يجمع على فواعل ، ففرقوا بين جمع المذكر وجمع المؤنث ، قال : وقد شذ فوارس ، وقال غيره : جاء هوالك أيضا ، يقال : فلان هالك فى الهوالك ، قال السيرافى : وجاء فى الشعر

٦٣ ـ ومثلى فى غوائبكم قليل (١)

وذكر المبرد أن فواعل فى فاعل الغالب أصل ، وأنه فى الشعر سائغ حسن قال :

٦٤ ـ وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم

خضع الرّقاب نواكس الأبصار (٢)

__________________

(١) هذا عجز بيت لعتيبة بن الحرص ، وصدره قوله :

* أحامى عن ذمار بنى أبيكم*

وأحامى : مضارع من الحماية وهو الحرص. والذمار ـ ككتاب ـ : ما يجب على الرجل أن يحميه ، وقالوا : فلان حامى الذمار ، وحامى الحقيقة. والغوائب : جمع غائب. روى أن عتيبة بن الحرث قال لجزء بن سعد هذا البيت فقال له جزء : نعم وفى شواهدنا. والشواهد : جمع شاهد ، وهو مثل الغوائب. والاستشهاد بالبيت فى قوله «غوائبكم» حيث جمع فاعلا على فواعل شذوذا ، وسيأتى فى شرح الشاهد التالى مزيد بحث لذلك

(٢) البيت من كلمة رائية للفرزدق يمدح بها آل المهلب بن أبى صفرة وبخاصة يزيد بن المهلب ، وأولها :

فلأمدحنّ بنى المهلّب مدحة

غرّاء ظاهرة على الأشعار

وقد وقع فى النسخ المطبوعة كلها* نواكسى الأذقان* وقد عرفت أن القصيدة رائية ، فالذى في النسخ تحريف ، وخضع : جمع أخضع مثل حمر فى جمع أحمر ، والأخضع الذى فى عنقه تطامن فى أصل الخلقة ، ويروى «خضع»

١٥٣

قلت : لا دليل فى جميع ما ذكروا ؛ إذ يجوز أن يكون الهوالك جمع هالكة : أى طائفة هالكة ، وكذا غيره كقولهم «الخوارج» أى الفرق الخوارج ، كقوله تعالى : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) أى : طوائف الملائكة

وإذا سمى بفاعل الوصف كضارب فقياسه فواعل كالاسم الصريح ؛ إذ لا مؤنث له يشتبه جمعاهما ، وقد كسر فاعل الاسم على أفعلة كواد وأودية ، كأنهم استثقلوا الواوين فى أول الكلمة أو جمعوه على فواعل ، وانضمام الواو وانكسارها لو جمع على فعلان

قوله «والمؤنث نحو كائبة على كواثب (١)» لم يخافوا فى الاسم التباس جمع المذكر بجمع المؤنث مع كون كل منهما على فواعل ، كما خافوا فى الصفة ذلك ؛ فلم يجمعوهما معا على فواعل ؛ لأن لفظ المذكر والمؤنث في الصفة لا فرق بينهما إلا التاء ، فاذا حذفتها وجمعت حصل الالتباس ، وأما الاسم فلا يتلاقى مذكره ومؤنثه ، ألا ترى أنك لا تقول [للمذكر] كاثب وللمؤنث كاثبة ، حتى يلتبسا فى كواثب

__________________

بضمتين ، وهو جمع خضوع صيغة مبالغة لخاضع نحو غفور وغفر ، والنواكس : جمع ناكس ، وهو المطأطيء رأسه ، ويروى : نواكسى الأبصار : على أنه جمع مذكر سالم لجمع التكسير ، والاستشهاد بالبيت هنا فى قوله : نواكس ، حيث جمع ناكسا وهو وصف لمذكر عاقل على فواعل وذلك شاذ لم يرد إلا فى حروف قليلة منها : حارس وحوارس ، وحاجب ـ من الحجابة ـ وحواجب ، وحواج بيت الله ودواجه ، جمع حاج وداج ، وهو المكارى ورافدو روافد ، وفارس وفوارس ، وهالك وهوالك ، وخاشع وخواشع ، وناكس ونواكس ، وغائب وغوائب ، وشاهد وشواهد

(١) الكاثبة : اسم لما بين كتفى الفرس قدام السرج ، قال النابغة :

لهنّ عليهم عادة قد عرفنها

إذا عرّض الخطّئ فوق الكواثب

وفى الحديث : يضعون رماحهم على كواثب خيلهم.

١٥٤

قوله «وقد نزلوا فاعلاء منزلته» وذلك لإجرائهم ألف التأنيث مجرى تائه لكونها علامة التأنيث مثلها كما يجىء بعد : النّافقاء والقاصعاء والدّامّاء جحرة من جحر اليربوع (١) ، والسابياء : الجلدة التى تخرج مع الولد ، وعلى ذلك قالوا فى خنفساء : خنافس ، كما قالوا فى قنبرة : قنابر (٢)

قال : «الصّفة ؛ نحو جاهل على جهّل وجهّال غالبا ، وفسقة كثيرا ، وعلى قضاة فى المعتلّ اللّام ، وعلى بزل وشعراء وصحبان وتجار وقعود ، وأمّا فوارس فشاذّ ، والمؤنّث نحو نائمة على نوائم ونوّم ، وكذلك حوائض وحيّض»

أقول : اعلم أن الغالب فى فاعل الوصف فعّل ، كشهّد وغيّب ونزّل وصوّم وقوّم ؛ وقيل : صيّم وقيّم ، كما يجىء فى باب الإعلال ، وقيل : صيّم وقيّم. وليس بخارج عن فعّل بضم الفاء ؛ وكسرها لأجل الياء ، كشيوخ وشييخ وتقول فى الناقص : غاز وغزّى

__________________

(١) قال فى اللسان : «قال ابن الأعرابى : قصعة اليربوع ـ بضم ففتح ـ أن يحفر حفيرة ثم يسد بابها بترابها ، ويسمى ذلك التراب الداماء ، ثم يحفر حفرا آخر يقال له : النافقاء والنفقة (بضم ففتح) والنفق (بفتحتين) ، فلا ينفذها ، ولكنه يحفرها حتى ترق ، فاذا أخذ عليه بقاصعائه عدا إلى النافقاء فضربها برأسه ومرق منها ، قال ابن برى : جحرة اليربوع سبعة : القاصعاء ، والنافقاء ، والداماء ، والراهطاء ، والعاتقاء ، والحاثياء ، واللغز (بضم ففتح) وهى اللغيزى أيضا» اه بتصرف

(٢) القنبرة ، ويقال : القبرة ـ بضم القاف وتشديد الباء مفتوحة ـ وهو أفصح : ضرب من الطير يكنى الذكر منه أبا صابر وأبا الهيثم ، وتكنى أنثاه أم العلعل ، قال طرفة :

يا لك من قبّرة بمعمر

خلالك الجوّ فبيضى واصفرى

ونقّرى ما شئت أن تنقّرى

قد ذهب الصّيّاد عنك فابشرى

١٥٥

ويكسر أيضا كثيرا على فعّال ، كزوّار وغيّاب ، وهما أصل فى جمع فاعل الوصف ، أعنى فعّلا وفعّالا

ويجىء على فعلة أيضا كثيرا ، لكن لا كالأولين ، نحو عجزة وفسقة وكفرة وبررة وخونة وحوكة ، ويقال : حاكة وباعة أيضا ، كما يجىء فى الإعلال

وإذا كسر على فعلة فى المعتل اللام يضمّ الفاء ؛ لتعتدل الكلمة بالثقل فى أولها والخفة بالقلب فى الأخير ، وقال الفراء : أصله فعّل بتشديد العين فاستثقل ذلك ، فأبدل الهاء من أحد المثلين ، وذهب المبرد إلى أنه اسم جمع كفرهة (١) وغزىّ (٢) وليس بجمع ، وذلك لعدم فعلة جمعا فى غير هذا النوع

__________________

(١) قال فى اللسان : «فره الشىء ـ بالضم ـ يفره فراهة وفراهية ، وهو فاره بين الفراهة والفروهة ؛ إذا كان حاذقا بالشىء ، وإذا كان نشيطا قويا أيضا ، قال الجوهرى : فاره نادر مثل حامض ، وقياسه فريه وحميض مثل صغر فهو صغير وملح فهو مليح ، ويقال للبرذون والبغل والحمار : فاره بين الفروهة والفراهية والفراهة ، والجمع فرهة مثل صاحب وصحبة ، وفره أيضا مثل بازل وبزل وحائل وحول. قال ابن سيده : وأما فرهة فاسم للجمع عند سيبويه وليس بجمع ، لأن فاعلا ليس مما يكسر على فعلة. قال : ولا يقال للفرس : فاره ، إنما يقال فى البغل والحمار والكلب وغير ذلك. وفى التهذيب : يقال : برذون فاره وحمار فاره ، إذا كانا سيورين ، ولا يقال للفرس إلا جواد ، ويقال له : رائع ، وفى حديث جريج دابة فارهة : أى نشيطة حادة قوية» اه بتصرف. والجمع القياسى لفاره فره مثل ركع ، وفرهة مثل سكرة ، وقد ذكرهما صاحب القاموس

(٢) اختلفت كلمة العلماء فى الغزى ـ بفتح فكسر ـ فقال ابن سيده : الغزي : اسم للجمع. قال الشاعر (وهو امرؤ القيس)

سريت بهم حتّى تكلّ غزيّهم

وحتّى الحياد ما يقدن بأرسان

١٥٦

ويجمع كثيرا على فعل بضمتين ، كبزل (١) وشرف (٢) ، تشبيها بفعول لمناسبته له فى عدد الحروف ثم يخفف عند بنى تميم باسكان العين ، وأما الأجوف نحو عوط (٣) وحول (٤) ، جمع عائط وحائل ؛ فيجب عند الجميع إسكان واوه للاستثقال ، وأما عيط بمعنى عوط فانه من اليائى ، كسر الفاء لتسلم الياء كما فى بيض جمع أبيض

ويكسر على فعلاء كجهلاء وشعراء ، تشبيها له بفعيل نحو كريم وكرماء ، ففعل وفعلاء ليسا بمتمكنين فى هذا الباب ، بل هما للتشبيه بباب آخر كما مر

وأكثر ما يجىء فعلاء فى هذا الباب وغيره إذا دلّ على سجية مدح أو ذم

__________________

ويجمع غاز على غزاء ـ بالمد ـ مثل فاسق وفساق. قال تأبط شرا :

فيوما بغزّاء ويوما بسرية

ويوما بخشخاش من الرّجل هيضل

وعلى غزاة ، مثل قاض وقضاة ، وعلى الغزى ، مثل راكع وركع ، قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى ـ الآية) وقال الأزهرى : رجل غاز من قوم غزى مثل سابق وسبق ، وغزي مثل حاج وحجيج ، وقاطن وقطين ، ونادوندى ، وناج ونجى ، فجعل الغزى جمعا ونسب مثله لسيبويه» اه عن لسان العرب بتصرف

(١) البزل ـ بضمتين ـ : جمع بازل ، والبازل أصله الجمل إذا طلع نابه ، وذلك إذا كان فى السنة التاسعة ، وقالوا : رجل بازل ؛ إذا كان كاملا ، على التشبيه ،

(٢) الشرف ـ بضمتين ـ : جمع شارف : وهو من السهام العتيق ، ومن النوق الهرمة المسنة ، وجمع أيضا على شوارف ، وعلى شرف ـ كركع ، وعلى شروف كعدول.

(٣) العوط : جمع عائط ، وهى التى لم تحمل سنين من غير عقر ، يقال : عاطت المرأة والناقة تعوط وتعيط ،

(٤) الحول : جمع حائل ، وهى التى حمل عليها فلم تلقح ، أو التى لم تلقح سنتين أو سنوات ، ويجمع أيضا على حيال.

١٥٧

كجهلاء وجبناء وشجعاء ، ويجىء أيضا فعلاء كثيرا جمعا لفعيل بمعنى مفاعل كجلساء وحلفاء

وجاء فاعل على فعلان أيضا كشبّان ورعيان ، تشبيها بفاعل الاسم كحجران

وجاء على فعال كجياع ونيام ورعاء وصحاب ، وعلى فعول كشهود وحضور وركوع ، وذلك فيما جاء مصدره على فعول أيضا

قوله «وأما فوارس فشاذ» قد ذكرنا أن ذلك لغلبته

وإذا كان فاعل وصفا لغير العقلاء جاز جمعه على فواعل قياسا ؛ لإلحاقهم غير العقلاء بالمؤنث فى الجمع ، كما مر فى شرح الكافية فى باب التذكير والتأنيث ، فيقال جمال بوازل ، وأيام مواض

وإذا كان فى فاعل الوصف تاء ظاهرة كضاربة أو مقدرة كحائض فقياسه فواعل وفعّل بحذف التاء.

قال «المؤنّث بالألف رابعة : نحو أنثى على إناث ، ونحو صحراء على صحارى ، والصّفة نحو عطشى على عطاش ، ونحو حرمى على حرامى ، ونحو بطحاء على بطاح ، ونحو عشراء على عشار ، وفعلى أفعل كالصّغرى على الصّغر ؛ وبالألف خامسة نحو حبارى على حباريات»

أقول : اعلم أن ألف التأنيث الممدودة أو المقصورة إما أن تكون رابعة ، أو فوقها ؛ فما ألفه رابعة : إذا لم يكن فعلى أفعل ، ولا فعلاء أفعل ؛ يطّرد جمعه بالألف والتاء ، ويجوز أيضا جمعه مكسّرا ، لكن غير مطرد ، وتكسيره على ضربين : الأول أن يجمع الجمع الأقصى ، وذلك إذا اعتد بالألف لكون وضعها على اللزوم ، فيقال فى المقصورة فعال وفعالى فى الاسم كدعاو ودعاوى ، وفى الصفة فعالى بالألف لا غير كحبالى وخناثى ، والألف فى فعالى مبدلة من الياء على ما يجىء ،

١٥٨

ويقال فى الممدودة فعالي بالألف المبدلة وفعال كجوار فى الأحوال الثلاث ، ويجوز فعالىّ قليلا ، وهو الأصل كما يجىء بيانه ، والثانى : أن يجمع على فعال كإناث وعطاش وبطاح وعشار ، فى أنثى وعطشى وبطحاء وعشراء (١) ، وإنما يجىء هذا الجمع فيما لا يجىء فيه الجمع الأقصى ، فلما قالوا إناث لم يقولو أناثى ، ولما قالوا خناثى لم يقولوا خناث (٢) ، وكان الأصل فى هذا الباب الجمع الأقصى اعتدادا بألف التأنيث للزومها ، فتجعل كلام الكلمة ، وأما حذفها فى الجمع على فعال فنظرا إلى كون الألف علامة للتأنيث فيكون كالتاء فيجمع الكلمة بعد إسقاطه كما فى التاء ، فيجعل نحو عطشى وبطحاء (٣) وأنثى كقصعة وبرمة ؛ فيكون عطاش وبطاح وإناث كقصاع وبرام ، وإنما اختير هذا من بين سائر جموع فعلة وفعلة لكونه أشبه بفعالى الذى هو الأصل كما تقرر ، وحمل نحو نفساء وعشراء على فعلى فجمعا على فعال وإن لم يكسر فعلة بضم الفاء وفتح العين على فعال ؛ لما قلنا من مناسبته لفعالى التى هى الأصل فى مثله لما ذكرنا ، ولم يجمع نحو نفساء الجمع الأقصى كما جمع الساكن العين لكون الألف كالخامسة بسبب حركة العين. كما عرفت فى النسب فى نحو حبارى (٤) وجمزى (٥)

__________________

(١) العشراء من النوق : التى أتى على حملها عشرة أشهر ، وقيل : ثمانية أشهر ، وقيل : هى كالنفساء من النساء.

(٢) حكي صاحب القاموس أنه قد قيل : أناثى أيضا فى جمع الأنثى كما حكى فى اللسان أن خنثى جمع على خناث كاناث ـ وأنشد شاهدا لذلك قول الشاعر :

لعمرك ما الخناث بنو قشير

بنسوان يلدن ولا رجال

ولعل العذر للمؤلف فى نفيه أن الجوهرى لم يذكره فى صحاحه

(٣) البطحاء والأبطح : مسيل واسع فيه دقاق الحصى

(٤) انظر (ص ٣٦ ه‍ ٥ من هذا الجزء)

(٥) جمزى : ضرب من السير دون الجري الشديد. انظر (ص ٣٩ من هذا الجزء)

١٥٩

ولم يسمع بجمع فعلى كأربى (١) وشعبى (٢) ولا فعلى كالمرطى (٣) والدّقرى (٤) ولا فعلاء كالثأداء (٥) ، لا على صيغة الأقصى ولا على فعال ، ولو كسرت فالقياس فعال كما ذكرنا فى نحو نفساء ، مع أن الأولى جمع الجميع بالألف والتاء ، وإنما وجب فى الوصف الذى ألفه مقصورة قلب الياء فى الجمع ألفا دون الاسم كما ذكرنا لأن الوصف أثقل من الاسم من حيث المعنى فالتخفيف به أنسب ، والألف فى الاسم أيضا أكثر من الياء (٦) ، والدليل على أن ألف فعالى فى الأصل ياء أنا لو سمينا بحبالى وصغرناه لم نفعل به ما فعلنا بحبارى ، وذلك أنا جوزنا هناك حبيرى وحبيّرا ، كما بين فى باب التصغير ، بل يجب ههنا أن نقول : «حبيل» بحذف الألف المتوسطة كما نقول فى تصغير جوار ومساجد علمين : جوير ومسجد ، وإنما فروا فى هذه الجموع من الياء إلى الألف بخلاف نحو جواء فى جائية ، تطبيقا للجمع بالواحد فى الموضعين ، أعنى حبالى وجواء ، فرقا بين ألف التأنيث وغيره : من الألف المنقلبة كما فى ملهى ، وألف الإلحاق كما فى

__________________

(١) الأربى ـ بضم الهمزة وفتح الراء ـ : اسم للداهية

(٢) شعبى ـ بضم ففتح وآخره ألف مقصورة ـ : اسم موضع بعينه فى جبل طيء ، قال جرير يهجو العباس بن زيد الكندى

أعبدا حلّ فى شعبى غريبا

ألؤما لا أبالك واغترابا

(٣) المرطى ـ بفتحات ـ : أصله ضرب من العدو فوق التقريب ودون الاهذاب ، وقد يوصف به ، فيقال : فرس مرطى ، وناقة مرطى ، إذا كانت سريعة.

(٤) الدقرى : الروضة الحسناء العميمة النبات

(٥) الثأداء : المرأة الحمقاء ، وقيل : الأمة ، قال الكميت :

وما كنّا بنى ثأداء لمّا

شفينا بالأسنّة كلّ وتر

(٦) يريد أن قلب الياء ألفا في الاسم أكثر من بقائها ، مع جواز الوجهين.

١٦٠