الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

السيّد سامي البدري

الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-499-295-7
الصفحات: ٦١٤

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لفضح قريش المشركة التي شوهت الحركة الرسالية للنبي عند القبائل بإعلام كاذب لكي لا تتأثر به. (١)

مضافا الى ذلك فان هذا الصيغة تتيح للحسن ان يشترط ما يريد من الشروط وليس للطرف الاخر الا ان يقبل الصفقة كلها او يرفضها كلها.

ان اطروحة الحسن للصلح تدفع معاوية دفعا لان يستقبلها ولا يرفضها ولو رفضها لكان الملوم عند شعبه. وفي الوقت نفسه فان معاوية يعلم ان قبوله للشروط معناه ظهور امر الامامة الالهية لعلي في الشام وانه امتداد لرسول الله في سيرته ، وأنّه في مخالفته لسيرة الشيخين في حج التمتع وغيرها كان مصيبا (٢) وان كل من خالف عليا في صغيرة او كبيرة ان على الباطل ، ولكنه افتضاح كان معاوية قد استبطن الخطة لعلاجه كما اشرنا انفا.

إنَّ الحسن عليه‌السلام بتنازله المشروط عن السلطة سوف يحقق فتحاً عظيماً لقلوب اهل الشام إزاء أبيه علي عليه‌السلام ، ويهيؤها لاستقبال نصوص ولايته الالهية التأسيسية من الكتاب والسنة ، كما حقق صلح الحديبية من قبل فتحاً مبيناً لقلوب سكان أهل الحجاز ونَجْد إزاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهيأها لاستقبال الإسلام والاعتراف بنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويتبيَّن بذلك سرُّ قول الإمام الحسن عليه‌السلام لأحد أصحابه : (إن علة مصالحته لمعاوية هي علة مصالحة النبي لقريش) (٣) ،

وسرُّ قول الإمام الباقر : (والله لَلذي صنعه الحسن بن علي عليه‌السلام كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس والقمر). (٤)

__________________

(١) أقول : من المفيد التنبيه على مقامين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام الاول : مقام الامامة الالهية وهو مقام تشريعي ويستلزم العصمة والنص من الله تعالى مباشرة للنبي وبواسطته لأوصيائه وهذا المقام لا ينفك عن صاحبه بالاضطهاد او الموت او القتل ولذلك يجب على الفرد ان يبايع النبي او الامام حيا او ميتا ليتحقق ايمانه وهي بيعة الايمان ، فهي اساسا موجهة للفرد والجماعة ، الثاني : مقام الحكم وهو مقام تنفيذي ولا يستلزم في نفسه ان يكون صاحبه معصوما وهذا المقام لا يكون فعليا للنبي والامام الا ببيعة من ينهض بهم الحكم وهم اهل الحل والعقد فهي موجهة اساسا الى الجماعة وليس الى الفرد وهذا المقام هو الذي يقبل التنازل والتجميد وهو الذي تنازل عنه الحسن واشترط فيه شروطا.

(٢) انظر قصة حج التمتع مفصلة في كتابنا شبهات وردود ص ٢١١.

(٣) المجلسي ، بحار الانوار ج ٤٤ ص ٢٧٣ نقلا عن علل الشرائع للشيخ الصدوق.

(٤) الكليني ، الكافي ، ج ٨ ص ٢٥٨.

٥٦١

وبذلك يتضح ايضا عمق الضربة الاستراتيجية التي وجهها الحسن عليه‌السلام الى معاوية ولم يدعه يقوم بعدها ابدا حتى حين يغدر بعهده ، اذ استجاب لمعاوية بصيغة من الصلح تحقق له معالجة الانشقاق وتقوي الامة ازاء الخطرين اللذين يهددانها الخوارج من الداخل والروم من الخارج ، كما تحقق له افتضاحه وافتضاح تجربة قريش المسلمة التي ورثها معاوية وتحقق له ظهور حق ابيه علي في الشام وكونه وارث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيه كل ذلك في ان واحد.

واخيرا فانه مما لا شك فيه ان الحسن كان قد وضع في حسابه ان معاوية سوف يستجيب مؤقتا ، والغدر بعدها في الوقت المناسب ليس تخمينا بل علما قاطعا من خلال معرفته بأصول معاوية التي تربى عليها.

ولكنه في الوقت نفسه يعتقد الحسن ان معاوية سوف لن يكون غبيا في تعامله مع هذه الصفقة المفاجئة التي اسالت لعابه بل سيظهر كل دهائه ليضرب ضربته بعد ان يستقر له الملك ولن يستقر في اقل من خمس سنوات الى عشر سنوات ، ان معاوية مهما اختلف في دينه (١) فان دهاءه وشيطنته في التخطيط وتقدير اولويات الصراع لأجل الدنيا امر لا خلاف فيه (٢) ، واولويات الصراع هنا تقتضي بعد تسليم الحسن الملك له مداراة

__________________

(١) أقول : فقد قامت عقيدة الغالبية من اهل السنة على ان معاوية من ائمة الهدى استنادا الى ما رواه الترمذي في الجامع الصحيح ج ٥ ص ٣٥١ ، واحمد بن حنبل في مسنده ج ٦ ص ٢٢٦ ، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ، ج ٥٩ ص ٨٣ من ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد دعا لمعاوية قال (اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به) ، وفي قبال ذلك : ما رواه مجمع الزوائد ج ٨ ص ١٢١ عن الطبراني في الكبير ج ١١ ص ٣٢ من طريق ابن عباس : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفر فسمع رجلين يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انظروا من هما. قال : فقالوا : معاوية وعمروبن العاصي ، فرفع رسول الله يديه فقال : اللهم اركسهما ركسا ، ودعهما إلى النار دعا. ولكن احمد حين أخرجه في المسند ٤ : ٤٢١ ، رفع اسميهما وقال (فلان وفلان) وقد قامت عقيدة الشيعة ان معاوية في النار بما سفك من دماء الابرار كعمار وهاشم بن عتبة المرقال ونظرائهما وبما سلط ابنه يزيد على رقاب المسلمين وما قام به من قتل الحسين وصحبه وسبي بنات الرسالة واباحة المدينة لجيشه في واقعة الحرة ورمي الكعبة بالمنجنيق وغير ذلك مما يحفل به تاريخ معاوية من جرائممات عليها.

(٢) أقول : كان معاوية يعلم حق العلم ان الذي قتل عثمان هو طلحة ولكنه داس على جراحاته واتفق معه لمواجهة علي عليه‌السلام في البصرة ، وانتقم مروان من طلحة حين حانت له فرصة وقتل طلحة

٥٦٢

اهل العراق وكسب جانبهم ، والانصراف الى ملاحقة الخوارج في الكوفة اولا ومداراة اهل الروم في ان واحد. وبالتالي فسوف يكون غدر معاوية بعد ان حقق الحسن اهدافه كاملة من الصلح ، اما ان يتسلم الملك بعد معاوية فلم يكن الحسن يتوقعه ولم يكن ليرغب فيه بما هو ملك وامرة (١).

اما معالجة تبعة الغدر وفتح الطريق من جديد للإمامة الالهية ومشروع علي عليه‌السلام فقد تركها الحسن عليه‌السلام الى اخيه الحسين عليه‌السلام الذي اعده الله ورسوله لها.

ليس من شك ان معاوية قد اعمى بصيرته الملك وسال لعابه له وقرر ان يستجيب للحسن ثم يغدر به بعد حين وما درى ان في هذا الغدر حتفه الى الابد

ان الحسن بطريقة التفكير هذه كان واثقا كل الثقة أنَّ اهل الشام فضلا عن شيعة أبيه سوف يستقبلون صيغته للصلح لما يرون فيها من حفظ مصالح واختيارات الجميع ونكران للذات من الحسن يشهده الجميع.

وهكذا كانت المفاجأة الكبرى من الحسن للجميع هي تنازله الشمروط عن الملك ، فان كل الذي كان يتوقعه معاوية ورجاله هو ان يرفض الحسن او يستجيب لطلبه بإيقاف الحرب وان يكون كلٌ على بلده الذي بايعه ، اما ان يكون الجواب هو التنازل عن العراق وما والاه بشروط ، فهو مما لم يكن يتوقعه معاوية ولا احد من رجاله على الاطلاق الا ان يككون الحسن ليس على سر ابيه ومنهجه (٢) وهذا ما لا يتوقع من الحسن الزكي المطهر.

وحاول معاوية ان يعدل بعض الشروط ولكن الحسن كان حاسما في موقفه :

__________________

في خضم المعركة بسهم سدده الى نحر طلحة سرا. وكذلك امره مع الحسن فانه استجاب له ووفي بشروطه عشر سنوات حاول خلالها ان يكسب ثقة العراقيين ولما اكتشف انه غير قادر على كسبهم سدد سهمه سرا الى الحسن ثم انتقم منهم علنا.

(١) أقول : إذ كان ابوه علي يقول في (أَمَا والَّذي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ ، ومَا أَخَذَ الله عَلَى الْعُلَمَاءِ ، أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمِ ولَا سَغَبِ مَظْلُومِ ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا ولَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَاْسِ أَوَّلِهَا ولأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِه أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ.) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح / ٥٠ (الخطبة الشقشقية) ..

(٢) أقول : وهذا هو الذي دعا العباسيين فيما بعد الى وضع روايات تجعل من الحسن على خلاف مع ابيه في قضية التصدي للامر توقيا من سفك الدماء.

٥٦٣

روى ابن عبد البر في الاستيعاب قال (فكتب إلى معاوية يخبره أنه يصيّر الأمر إليه على أن يشترط عليه ألا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه ، فأجابه معاوية ، وكاد يطير فرحا ، إلا أنه قال : أمّا عشرة أنفس فلا أؤمّنهم) (١). فرفض الحسن ذلك ، (فبعث إليه معاوية حينئذ برقّ أبيض وقال : اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه. فاصطلحا على ذلك) ،

وكانت شروط الحسن عليه‌السلام على معاوية :

١. ان يعمل بالكتاب والسنة فقط. أي ليس له ان يفرض على احد من المسلمين سيرة الشيخين لانها ليست من الكتاب والسنة في شيء بل هي راي ارتآه الخليفتان وللمسلمين الخيار في العمل بها او عدمه.

٢. ان يترك لعن علي وسبه (وهو مما نهت عنه السنة وان يذكره بخير وهو مما امرت به السنة).

٣. امان شيعة علي حيثما كانوا. وحريتهم بالاقتداء بعلي والتعبير عن رايهم فيه والحديث عن سيرته كما هو لغيرهم من اهل الشام وحريتهم بالاقتداء بالخلفاء والتعبير عن رايهم فيهم والحديث عن سيرتهم. وان لا يكيد للحسن واهل بيته.

٤. ان يوزع في شهداء الجمل وصفين عطاء خاصا بهم ، كما يوزع لشهداء صفين في الشام.

٥. وان يفضل بني هاشم في العطاء على بني عبد شمس وهو سنة نبوية تمثلت بالخمس وهذا التفضيل كان جزاء لهم على دعمهم واسنادهم كمجموع لدعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قبال مقاطة بقية بطون قريش ومواجتهم السلبية لها.

__________________

(١) جاء بعدها قوله : (فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول : إني قد آليت أنى متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده ، فراجعه الحسن إني لا أبايعك أبدا وأنت تطلب قيسا أو غيره بتبعة قلت أو كثرت) أقول : هذا القول الاخير من وضع الرواة إذ ليس موضوع الصلح ان يبايع الحسن لمعاوية ولم يطلبه معاوية وما كان يجرؤ ان يطلبه لوضوح سخفه ، بل طلب ان يبقى كل طرف على بلده الذي بايعه فأجابه الحسن بصيعته التي فيها تسليم الامر لمعاوية بتقديم اختياراهل الشام على اختيار اهل العراق بشروط منها امان شيعة علي كلهم فلا معنى ان يقول لا ابايعك ابدا وانت تطلب قيسا او غيره.

٥٦٤

٦. وان يستثني ما في بيت مال الكوفة للحسن (١) ، وان يوصل له الفي دينار سنويا من خراج داراب جرد. ونحن نشك في اشتراط استثناء ما في بيت مال الكوفة لان المعروف من سيرة علي انه كان لا يأخذ من بيت المال الا بمقدار ما هو حقه مما يساوي عطاء الاخرين ، وقد اغنى الله تعالى الحسن عن اخذ ما في بيت مال الكوفة بصدقات ابيه علي (٢) عليه‌السلام مضافا الى ما اشترطه من الفي دينار سنويا وهي ليست لاحتياجاته شخصيا بل يقضي به حاجات المؤمنين وسياتي تصرفه عليه‌السلام في المال.

__________________

(١) روى البخاري ، وابن عساكر ، وفي ترجمة الحسن من الطبقات ٢٠٧ عن سفيان بن عيينة عن ابي اسرائيل بن موسى عن الحسن البصري ان معاوية كلف رجلين من قريش ان يأتيا الحسن ويعرضا له المال ليتنازل عن السلطة ، واستطاعا اقناعه بما يوجد من بيت مال الكوفة ، وهذا هو ما اختلقه الامويون وتبناه الخليفة ابو جعفر الدوانيقي في رسالته الجوابية الى محمد بن عبد الله بن الحسن ، وروّجه الاعلام العباسي انظر التفصيل في الباب الثالث وثائق الاعلام العباسي.

(٢) ابن شبة ، تاريخ المدينة المنورة ج ١ ص ٢٢٨ قال ابن شبة قال أبو غسان : وهذه نسخة كتاب صدقة علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه حرفا بحرف نسختها على نقصان هجائها وصورة كتابها ، أخذتها من أبي ، أخذها من حسن بن زيد ، بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به وقضى به في ماله عبد الله علي أمير المؤمنين ، ابتغاء وجه الله ليولجني الله به الجنة ، ويصرفني عن النار ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. أن ما كان لي ب (ينبع) من ماء يعرف لي فيها وما حوله صدقة ورقيقها غير أن رباحا وأبا نيزر وجبير أعتقناهم ، ليس لأحد عليم سبيل ، وهم موالي يعملون في الماء خمس حجج ، وفيه نفقتهم ورزقهم ورزق أهليهم. ومع ذلك ما كان بوادي القرى ، ... وما كان لي (بواد) ... وما كان لي بـ .. وأهلها صدقة ... وأنه يقوم على ذلك حسن بن علي ، يأكل منه بالمعروف وينفق حيث يريه الله في حل محلل لا حرج عليه فيه ، وإن أراد أن يندمل (أي يصلح من الصدقة) من الصدقة مكان ما فاته يفعل إن شاء الله لا حرج عليه فيه ، وإن أراد أن يبيع من الماء فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه ، ... وإن حدث بحسن حدث وحسين حي ، فإنه إلى حسين بن علي ، وأن حسين بن علي يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا ، له منها مثل الذي كتبت لحسن منها ، وعليه فيها مثل الذي على حسن ، .. وإن لبني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي ، وإني إنما جعلت الذي جعلت إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وتكريم حرمة محمد وتعظيما وتشريفا ورجاء بهما ، فإن حدث لحسن أو حسين حدث ، فإن الآخر منهما ينظر في بني علي ، فإن وجد فيهم من يرضى بهديه وإسلامه وأمانته فإنه يجعله إن شاء ، ... فهذا ما قضى عبد الله علي أمير المؤمنين في أمواله هذه ... شهد أبو شمر بن أبرهة ، وصعصعة بن صوحان ، ويزيد بن قيس ، وهياج بن أبي هياج. وكتب عبد الله علي أمير المؤمنين بيده لعشرة خلون من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين هـ).

٥٦٥

٧. وان لا يسميه بأمير المؤمنين لأنها خاصة بمن جعل الله تعالى اميرا لهم يوم الغدير وهو علي عليه‌السلام.

٨. وان لا يقيم عنده شهادة لأنه ليس مواطنا عنده ، وهناك فهم عمق وهو ان فكرة الصلح عند الحسن عليه‌السلام تقوم على اساس فصل السلطات الثلاث بعضها عن بعض ، سلطة التشريع وسلطة القضاء وسلطة التنفيذ ، والذي منحه لمعاوية بصفته حاكما هو السلطة التنفيذية المقيدة بالكتاب والسنة لا غير.

وهنا لابد من الاشارة الى ان فصل السلطات الثلاث كان امرا يقتضيه الواقع الذي عاشه الامام الحسن عليه‌السلام واي واقع اخر تكون فيه السلطة لشخص غير مستوف للشروط الشرعية كما هو الحال في اغلب الدولة الاسلامية اليوم ، والا فان الحاكم حين يكون النبي او الوصي او الفقيه الجامع للشرائط فانهم اهل للقضاء بل القضاء من شؤونهم ولهم ان يوكلوه الى نظرائهم او من يطمئنون به انه يحكم باحكامهم ، وللنبي فوق ذلك صلاحية التشريع بما لا يتعارض مع تشريع القرآن ، وللوصي بما لا يتعارض مع تشريع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولابد من الاشارة ايضا الى ان الحسن عليه‌السلام حين سلم لمعاوية السلطة التنفيذية وقيدها بشروط احتفظ لنفسه بالامامة الدينية الهادية التي جعلها الله تعالى له هذه الامامة التي تكون طاعتها طاعة الله ومعصيتها معصية الله ولا تقبل الاعمال الا بها ، وهي شاهدة ورقيبة على الامة والحاكم معا يبحث عنها المسلم من خلال كتاب الله وسنة نبيه.

اما الامامة السياسية بصفتها مؤسسة مدنية تدير البلاد وتحافظ على امن المسلمين وحقوقهم ، فهي مؤسسة تتقيد بالقانون. والقانون هنا هو كتاب الله وسنة نبيه التي امنت بها الامة منهاجا وقانونا في الحكم. ومن هنا كانت الامة رقيبة على الحاكم دون الامامة الالهية الهادية. (١)

__________________

(١) ومع ذلك فان امير المؤمنين حين تصدى للحكم دعا الامة إلى مراقبته ليؤسس صفة مراقبة الامة للحاكم قال (انظروا فان أنكرتم فأنكروا وان عرفتم فآزروا). ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج ١ ص ٩٢ في شرح الخطبة ١٦ : وهذه الخطبة من جلائل خطبه عليه‌السلام ومن مشهوراتها ، قد رواها الناس كلهم وفيها زيادات حذفها الرضى اما اختصارا أو خوفا من ايحاش السامعين ، وقد ذكرها

٥٦٦

ان هذا الفصل بين السلطات كان ضروريا حين تفرض الظروف السيئة حاكما مثل معاوية وما اكثرهم في تاريخ الامة في قبال الحكم الجائر الذي يعرض الحاكم فيه نفسه قائدا الى الله تعالى وخليفة عند طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ، وان التدين هو طاعة الخليفة ، وهو الذي قامت دولة عثمان عليه ودولة سلفيه وحاول معاوية ان يستعيدها في الشام وطلب المصالحة لتكريسه الصلح عليه يكون فيه الحاكم بما هو حاكم مشرعا في الدين وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله.

٥. الفتح المبين بظهور باطل معاوية وكذبه وحق علي عليه‌السلام وصدقه لدى اهل الشام :

اعلن معاوية عن قبوله لشروط الحسن عليه‌السلام ومن ثم كان الفتح المبين في الشام بظهور بطلان معاوية وكذب اعلامه وظهور ظلامة علي وحقانيته واختلاط العراقيين بالشاميين في الشام وموسم الحج ليشهدوا حقائق غيبها الاعلام القرشي عنهم.

فها هو معاوية بنفسه يترحم على علي عليه‌السلام حين يسمع وصفه من شيعة علي ويقرهم عليها ،

وها هم يسمعون من اصحاب النبي احاديثه في اهل بيته التي تؤسس امامتهم الدينية ،

وها هو تاريخ معاوية وابيه في حرب الاسلام عشرين سنة يصدون عنه ،

وها هي سيرة الشيخين في متعة الحج ومتعة النساء وفي غيرها تخالف ما امر به الله ورسوله ،

وها هو علي يحيي سنة النبي ولا يسمع لقول الخليفة عثمان ينهى عنها وفق سيرة الشيخين وما بدا له فيها من راي جديد ،

وها هي حربا الجمل وصفين قد اضرمتها قريش المسلمة ضد مشروعه الاحيائي للسنة طلبا للملك وتكريسا لامامة قريش.

__________________

شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب البيان والتبيين على وجهها ورواها عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : أول خطبة خطبها أمير المؤمنين علي عليه‌السلام بالمدينة في خلافته ..

٥٦٧

وها هو علي يرفض الملك حين يشترط عليه العمل بخلاف سنة النبي ،

وها هو الحسن يسلم الملك بشرط عدم تبني الحاكم العمل بسيرة الشيخين مضافا الى ذكر علي بخير.

وها هو الحسن يحيي سيرة ابيه علما وعبادة وزهدا وسلوكا ، تبين للناس خلال السنوات العشر التي عاشروه فيها كما وصفه حفيده الامام الصادق عليه‌السلام.

وصلهم وصف ضرار لعلي بل سمعوه منه في بلاط معاوية حين طلب منه أن يصف عليا عليه‌السلام واصر عليه فنهض قائلاً :

(كان ـ علي ـ واللهِ بعيدَ المدى ، شديدَ القِوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلا ، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه ، وتنطِقُ الحِكمةُ من نواحيه ، يستوحشُ من الدنيا وزَهرتها ، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه ، غزيرَ العَبرة ، طويلَ الفكرة ، يُعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر ، ومن الطعام ما خَشُن. كان فينا كأحدِنا ، يجيبُنا إذا سألناه ، وينبئُنا إذا استفتيناه ، ونحن واللهِ مع تقريبِه إيانا وقُربِه منّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. يعظِّم أهلَ الدين ويُقرِّب المساكين. لا يطمع القَويُّ في باطله ، ولا ييئَسُ الضعيفُ من عدله ، وأشهدُ لقد رأيتُه في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليلُ سدولَه ، وغارت نجومَه ، قابضاً على لحيته ، يتململُ تململَ السَّليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غُرِّي غيري ، أبي تَعرَّضتِ أمْ إليَّ تَشوَّقتِ.

هيهات هيهات قد باينتُك ثلاثاً لا رجعة لي فيها ، فعُمرك قصير وخطرك حقير.

آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.

وشهدوا من معاوية بعد هذا الوصف نزف دموعه على لحيته وقوله : رحم الله أبا حسن كان والله كذلك.

وسمعوا جواب ضرار حين سأله معاوية : عن مدى حزنه على علي.

قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها. (١)

__________________

(١) قال ابن ابي الحديد شرح نهج البلاغة ج ٨١ ص ٢٢ : بعد ان اورد وصف ضرارا : إن الرياشي روى خبره ، ونقلته أنا من كتاب عبد الله بن إسماعيل بن أحمد الحلبي في التذييل على نهج البلاغة ص ٢٢٥.

٥٦٨

وشهد الناس من الحسن عليه‌السلام في سيرته الشخصية إماماً أيضا على سمت أبيه :

قد حج خلال هذه السنوات العشر والنجائب تقاد بين يديه. (١) وكان قد حج قبل ذلك خمس عشرة حجة ايضا زمن ابيه عليه‌السلام.

وهذا حفيده من ابنته الإمام الصادق عليه‌السلام يصف عبادة جده الحسن عليه‌السلام قال حدثني أبي عن أبيه عليهما‌السلام أن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام :

كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم وأفضلهم ،

وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما مشى حافيا ،

وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى ، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.

وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل ،

وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم ، وسأل الله تعالى الجنة ، وتعوذ به من النار ،

وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل : (يا أيها الذين آمنوا) إلا قال : لبيك اللهم لبيك ، ولم ير في شيء من أحواله إلا ذاكرا لله سبحانه ،

وكان أصدق الناس لهجة ، وأفصحهم منطقا. (٢)

انتشار سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لدى أهل البلاد المفتوحة شرقاً وغرباً بفضل مشروع علي عليه‌السلام وصلح الحسن عليه‌السلام :

وهكذا انتشرت ثقافة الولاء لأهل البيت التي أسسها الكتاب والسنة في مسلمة

__________________

(١) قال عبد الله بن العباس : ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشيا ، ولقد حج الحسن بن علي خمسة وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه. (النووي ، المجموع ج ٧ ص ٩١ ، وفي رواية علي بن زيد بن جدعان قال حج الحسن خمس عشرة حجة ماشيا. (ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٣ ص ٢٤٣).

(٢) الشيخ الصدوق ، الأمالي ص ٢٤٤.

٥٦٩

الفتوح في اهل الشام ، ومن ثم تجانست ثقافتهم مع مسلمة الفتوح في الشرق وعادوا أمة واحدة في الواقع السياسي تحكمهم دولة واحدة هي دولة الكتاب والسنة فقط من دون اجتهادات الخليفتين وعلى مستوى واحد من المعرفة بحديث الغدير وحديث الثقلين وحديث المنزلة وغيرها من النصوص التي تؤسس الإمامة الإلهية لأهل البيت عليهم‌السلام وأولهم علي عليه‌السلام أخذ بها من شاء وتركها من شاء ، شأنهم شأن المعاصرين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. عملاً بقاعدة (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) البقرة / ٢٥٦ التي أسسها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المعتقد.

وكانت الفترة التي استغرقتها نهضة علي عليه‌السلام من أيام الحج سنة ٢٧ هجرية إلى وفاة ولده الحسن عليه‌السلام مسموماً نهاية سنة ٥٠ هـ لإحياء سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونشرها كثقافة في الأمة الإسلامية ثلاث وعشرون سنة ، وهي نظير الفترة التي استغرقتها مهمة نشر احكام الاسلام بما فيها ولاية علي عليه‌السلام منذ بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم الثامن عشر من ذي الحجة يوم بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمته في غدير خم بولاية علي عليه‌السلام الإلهية.

وكانت السنوات من سنة ٤١ هجرية الى سنة ٥٠ هجرية من اروع سنوات الامة الاسلامية على الاطلاق بعد سنوات النبي في المدينة وسنوات علي حين بويع حيث الامان والحرية في التعبد والتعبير عن المعتقد.

اما اهل العراق فقد تأكد لديهم من تجربة الصلح لعشر سنوات عمق حكمة الحسن حين راوا اثارها وحين راوا منه ما لم يشهدوا نظيره من اتباع ولد لأبويه بإحسان فقد وظف الحسن الملك الذي بيده لخدمة مشروع ابيه وجده وهما بعضهما من بعض فصار بذلك هو منهما وعلى نهجهما ، ان صلح الحسن بتسليمه الملك المستقر لمعاوية وقد اقره عليه هو اكبر شهادة على رسالية الحسن وانه من ابويه وهو منهما رساليا (ذرية بعضها من بعض).

٥٧٠

الباب الرابع / الفصل الرابع

مسار ثقافة الامة المسلمة

١. ثقافة المجتمع الاسلامي من سنة

١٣ ق. م الى سنة ١٠ هجرية

اسس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المجتمع الاسلامي على نفي عبادة الاصنام وهدم امامة قريش الدينية ونسخ قراءة التوراة للثواب وهدم امامة اهل الكتاب الدينية وقبول قصصهم عن الانبياء دون عرضها على القرآن والسنة ، ، واثبات عبادة الله تعالى والتعبد بتلاوة القرآن واطاعة فيما يبينه من سنته واطاعة اهل بيته واولهم علي عليه‌السلام فيما يبينونه من سنة نبيه.

ارجع مقام ابراهيم الى مكانه الاول ملاصقا لجدار الكعبة ،

وضع من امر الحج في الجاهلية ، وادخل العمرة في الحج الى الابد.

ساوى بين الناس في العطاء وكافاهم في الفروج.

نهاهم عن الجماعة في صلاة التطوع في شهر رمضان.

جاءهم بالأذان وفيه فصل حي على خير العمل.

امرهم بتدوين الحديث لما سألوه وقال لهم ما يخرج من فيه (فمه) الا الحق.

امرهم بنشر سنته بقوله (رحم الله من بلغ عني فرب حامل فقه الى من هو افقه).

نهاهم عن قراءة التوراة واسفارها للتثقيف بها وقال لهم امتهوكون انتم (المتحيرون)

٥٧١

والله لو كان موسى حيا لما وسعه الا ان يتبعني.

اوصاهم بالقرآن وباهل بيته وامرهم بتولي عليا كتوليهم له.

٢. ثقافة الانقلاب القرشي الاول

١١ الى ٣٥ هجرية

انقلبت قريش المسلمة على علي عليه‌السلام واحيت شعار ان العرب لا ترضى ان يكون هذا الامر في غير قريش واقصت عليا ، وادعت لنفسها خلافة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الامامة الدينية.

فنهت عن رواية سنة النبي واحرقت ما كتبه الحصابة منها زمن النبي وبعده ،

ونهت عن عمرة التمتع (متعة الحج) التي شرعها الله في كتابه وبين النبي احكامها

ونهت عن سنن اخرى ،

وارجعت مقام ابراهيم الى مكانه في الجاهلية

وابتدعت بدعا في الدين فامرت بصلاة النافلة (صلاة التراويح) وقد نهى النبي عنها ،

وامروا بالتكتف في الصلاة ،

واسقطوا «حي على خير العمل» من الاذان ووضع محلها الصلاة خير من النوم ،

وفاضلوا في العطاء

وفاضلوا في الفروج ،

ففضل قريشا على غيرهم والعرب على العجم.

وفسحوا المجال لمسلمة اهل الكتاب كعب الاحبار وتميم الداري وعبد الله بن سلام ان ينشروا قصص التوراة المحرفة في الخلق كخلق ادم على صورة الله جل وعلا ، وسير الانبياء كقصة ملك الموت مع موسى ، وقصة داود مع اوريا. وغيرها مما ادخل عقيدة التجسيم في الله وشوهت تنزيه الانبياء.

٥٧٢

٣. ثقافة مشروع نهضة علي عليه‌السلام في ذي القعدة سنة ٢٧ هـ الى رمضان

سنة ٤٠ هـ تحت شعار (ما كنت لأدع سنة رسول الله لقول احد من

الناس). العودة الى الكتاب والسنة والتعددية المذهبية في النصف

الشرقي من البلاد الاسلامية

نهض علي عليه‌السلام في ذي القعدة سنة ٢٧ هجرية تحت شعار «ما كنت لادع سنة رسول الله لقول احد من الناس» بادئا بمتعة الحج التي منعت منها الخلافة القرشية ونشر احاديث النبي فيه وفي اهل بيته ، ونصره في مشروعه ابو ذر وعمار ومقداد والانصار وجندب ومالك الاشتر واستضعفت دولة عثمان الناهضين مع علي نفيا وسجنا ، ولما قتلت قريش المنشقة عثمان بايعت الجماهير عليا ليواصل مشروعه الاحيائي للسنة ،

ومنع من تداول روايات كعب الاحبار في قصة داود وغيرها ،

وشجع الناس على تداول احاديث النبي وكتابتها عنه وعن غيره من حملتها

واحيا التسوية في العطاء والتكافؤ في الفروج.

وحاول منع الناس في الكوفة في ايامه الاولى من اقامة صلاة التراويح فلم يستجيبوا له فكان الامر يدور بين ان يستعمل سلطة الحكم كما استخدمها الخلفاء من قريش في فرض آرائهم او يترك الناس واختيارهم وهذا هو الذي اختاره ، فأحيا ظاهرة التعددية في العبادة التي اسسها رسول الله فانه صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قصد مكة ليفتحها في شهر رمضان افطر في المسير وبقي بعض اصحابه صائمين وقد اجهدهم العطش فقال اولئك هم العصاة ولم يستخدم سلطته كحاكم ليجبرهم على الافطار.

وترك مقام ابراهيم على حاله لانه يعلم ان اهل مكة قاطبة سوف لن يطيعوه ، فتركه لولده المهدي عليه‌السلام عند ظهوره في اخر الزمان.

٤. ثقافة اهل الشام ايام علي عليه‌السلام

٣٥ ـ ٤٠ هـ

حجز معاوية اهل الشام عن التأثر بمشروع علي عليه‌السلام الاحيائي للسنة او التعرف على اخبار سيرته الصحيحة من خلال الحرب والاعلام الكاذب ، فازدادوا جهلا

٥٧٣

بعلي عليه‌السلام ، فهم ليسوا فقط لا يعرفون موقع علي عليه‌السلام في الاسلام ولا احاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه بل هم في هذه السنوات ومن خلال قصص القصاصين كانوا يتلقون قصصا كاذبة في حق علي عليه‌السلام ، فهو لا يصلي ، وانه سرق والنبي قطع يده ، وان النبي قال فيه وفي ابيه (ان ال بي طالب ليسوا لي بأولياء) ، وان دم عثمان عنده وانه افسد في دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من ثم فهم يلعنونه ويستحلون قتله. ويبغضون اهل العراق لانهم انصار علي على افساده في الدين ، والى جانب ذلك فهو يدينون بإمامة قريش المسلمة وان دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤخذ منها ، وان طاعة الخليفة تقرب الى الله تعالى وان معصيته تبعد عنه. وان ثقافة الاسلام عن الانبياء السابقين هو ما بثه كعب الاحبار وتميم الداري.

٥. ثقافة اهل الشام في السنوات

٤١ الى ٥٠ هجرية

تغيرت رؤية اهل الشام عن الحسن وابيه علي والعراقيين فانهم ما كانوا يتوقعون هذه الشفافية التي يتمتع بها الحسن واهل العراق حين قدموا اختيار اهل الشام على اهل العراق لمعالجة اكبر ازمة عاشتها الامة المسلمة ،

وحين عرفوا الشروط التي اشترطها الحسن قد ضمنت مصالح اهل العراق ولم تمس مصالح اهل الشام بشيء ،

ثم حصلت المفاجأة الكبرى لهم حين عرفوا ان معاوية وافق على الحكم بكتاب الله وسنة النبي من دون سيرة الشيخين لأنها اجتهادات شخصية ،

وان عليا كان قد عرض عليه الملك في الشورى السداسية قبل عثمان ورفضها لانها ليست من الدين ، وقبلها عثمان ،

وحين عرفوا ان الذي ثار على عثمان هم قريش المسلمة طلحة والزبير وعائشة وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص وان عليا برئ من دم عثمان ، فادركوا ان عليا قد ظلمه معاوية وانهم ظلموا اهل العراق بقتالهم اياهم ،

وكانت المفاجأة اكبر حين عرفوا ان النبي قد اوصى الى علي عليه‌السلام ، وانه الامام الهادي بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يكن ذلك قائما على مجرد اخبار من العراقيين بل هم يشهدون

٥٧٤

ذلك في حوارات يومية او ينقلها لهم رؤساؤهم عند معاوية.

لقد اتضح لأهل الشام بما لا يكون معه شك سواء من خلال وفود العراقيين الى الشام اللذين كان معاوية يستضيفهم ويكرمهم او من خلال اختلاطهم معهم في موسم الحج والعمرة ، ان الحج له صيغتان والصلاة لها صيغتان والوضوء له صيغتان ، صيغة جاء بها النبي وصيغة اجتهادية من الخلفاء ، ولكن الالفة جعلتهم يبقون على ما تربوا عليه سابقا وقاعدة (الناس على دين ملوكهم) (١). فان معاوية كشخص بقي يتعبد على طريقة سلفه عثمان ،

وقد استمرت هذه اللقاءات والمعايشة مدة عشر سنوات ثم انتهت كحلم ليعودوا الى ثقافتهم السابقة في لعن علي عليه‌السلام وتولي معاوية وبني امية واسلافهم.

٦. ثقافة الامة كلها على عهد الدولة الاموية

(٥١ ـ ١٣٢ هـ) (٨١ سنة)

لم يَرُق لمعاوية انيتعرف اهل الشام على علي عليه‌السلام وعظيم موقعه في دين ابراهيم في الجاهلية والاسلام ، وعلى تاريخه وتاريخ اهل بيته في الجاهلية والاسلام قبل الفتح ، وانهم طلقاء رسول الله ، وكيف لطليق ان يساوي عليا وله من النبي موقع ومنزلة هارون من موسىالتي يقرؤونها في القرآن ويسمعون ما يصدقها من الصحابة الذين يروون تاريخ علي عليه‌السلام ، فقرر دفن ذلك وتأسيس تاريخ جديد له ولأهل بيته ولعلي واهل بيته قوامه الكذب وانتحال ما لعلي من سابقة وجعلها له ولأهل بيته وللخلفاء من قريش مما يسوغ ولايتهم والترحم عليهم والافتراء على علي واهل بيته ما يسوغ لعنهم ومعاداتهم ليس فقط في الشام بل في الامة كلها. وشعاره في ذلك لا والله الا دفنا

__________________

(١) روى احمد بن حنبل في مسنده ٢ / ٩٥ عن ابن شهاب عن سالم قال كان عبد الله بن عمر يفتى بالذي أنزل الله عز وجل من الرخصة بالتمتع وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه فيقول ناس لابن عمر كيف تخالف أياك وقد نهى عن ذلك فيقول لهم عبد الله ويلكم ألا تتقون الله إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغي فيه الخير يلتمس به تمام العمرة فلم تحرمون ذلك وقد أحله الله وعمل به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحق ان تتبعوا سنته أم سنة عمر.

٥٧٥

دفنا (١). وهكذا كان امره حين كتب الى عماله في الامصار.

قال المدائني : كتب معاوية الى قضاته وولاته في الامصار ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي الذين يروون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة. ثم كتب ايضاً : انظروا من قامت عليه البينة انه يحب علياً واهل بيته فامحوه من الديوان. ثم كتب كتابا آخر من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة فأقتلوه!. ثم كتب : (أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) ثم كتب إلى عُمَّاله : (إنَّ الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشا في كل مِصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فأدعوا الناس إلى الرواية

__________________

(١) قال المسعودي في مروج الذهبي ج ٣ ص ٤٥٥ وفي سنة اثنتي عشرة ومائتين نادى منادي المأمون : برئت الذمة من احد من الناس ذكر معاوية بخير او قدمه على احد من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتكلم في أشياء من التلاوة انها مخلوقة ، وغير ذلك ، وتنازع الناس في السبب الذي من أجله أمر بالنداء في أمر معاوية ، فقيل في ذلك أقاويل : منها أن بعض سُمّاره حدث بحديث عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي ، وقد ذكر هذا الخبر الزبير بن بكار في كتابه في الاخبار المعروفة بالموفقيات التي صنفها للموفق ، وهو ابن الزبير ، قال : سمعت المدائني يقول : قال مطرف بن المغيرة بن شعبة : وَفَدْتُ مع أبي المغيرة الى معاوية ، فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إليَّ فيذكر معاوية ويذكر عقله ويعجب مما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، فرأيته مغنما ، فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لشيء حدث فينا أو في عملنا ، فقلت له : ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ قال : يا بني ، إني جئت من عند أخبث الناس ، قلت له : وما ذاك؟ قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت منا يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدْلاً وبسطت خيراً فإنك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، فقال لي : هيهات هيهات!! مَلكَ أخو تيمٍ فعدل وفعل ما فعل ، فو الله ما عدا ان هلك فهلك ذكره ، إلا أن يقول قائل : أبو بكر ، ثم ملك أخو عَدِي ، فاجتهد وشمر عشر سنين ، فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره ، إلا أن يقول قائل : عمر ، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه ، فعمل ما عمل وعمل به فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره ، وذكر ما فعل به ، وإن أخا هاشم يُصْرَخُ به في كل يوم خمس مرات : أشهد أن محمداً رسول الله ، فأي عمل يبقى مع هذا؟ لا أمَّ لك ، والله ألا دفنا دفنا ، وإن المأمون لما سمع هذا الخبر بعثه ذلك على أن أمر بالنداء على حسب ما وصفناه ، وانشئت الكتب الى الآفاق بلعنه على المنابر ، فأعظَم الناسُ ذلك وأكبروه ، واضطربت العامة منه فأشيرعليه بترك ذلك ، فأعرض عما كان هَمَّ به.

قال العلامة المجلسي في بحار الانوار ، ج ٣٣ ص ١٧٠ : في شرح قوله (الله ألا دفنا دفنا) : أي أقتلهم وأدفنهم دفنا ، أو أدفن وأخفي ذكرهم وفضائلهم وهو أظهر. أقول : بل اراد الامرين معا كما في قول امير المؤمنين : والله لودَّ معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في بطنه إطفاء لنور الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (٢٨٨). المسعودي ، مروج الذهب ج ٣ ص ١٩ ، طبعة يوسف اسعد.

٥٧٦

في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلَّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإنَّ هذا أحبُّ إليَّ وأقرُّ لعيني وأدحض لِحُجَّة أبي تراب وشيعته وأشدُّ عليهم من مناقب عثمان وفضله). فقُرئت كتبه على الناس فرُويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها. حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوه ورووها وهم يظنون إنها حق ، ولو علموا إنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها (١). وتربى على ذلك الجيل الجديد من المسلمين شرق الارض وغربها الا من رحم ربك.

٧. شهادة الحسين عليه‌السلام وظلامته تفتح الطريق لثقافة

مشروع علي عليه‌السلام (٦١ هـ إلى ظهور المهدي)

اقام الحسين عليه‌السلام سنة ٥٨ هـ قبل موت معاوية بسنتين واقام مؤتمرا فكريا سريا لشيعة علي عليه‌السلام من الصحابة والتابعين وحثهم على العمل خفية لنشر ثقافة مشروع علي في الكوفة والبصرة ، ثم نهض بعد موت معاوية ليعلن عنها ويحث الامة على القيام ضد بني امية واستشهد في سبيل ذلك ، ثم استطاع سليمان بن صرد والمختاران يؤسسا دولة في الكوفة على نهج علي ومن ثم عادت ثقافة مشروع علي في الكوفة وحاول الزبيريون بعد قتل المختار ومن بعدهم الحجاج والي عبد الملك ان يستأصل هذه الثقافة وحملتها من الكوفة فلم يستطيعا وفي عهد عمر بن العزيز وبعده اتيح المجال للإمام الباقر ثم الامام الصادق ان ينهضا بتربية الجيل الجديد من الشيعة على ثقافة مشروع علي من خلال ما لديهم من المواريث النبوية التي كتبها علي بخط يده سرا ثم انطلق المشروع علنا بعد سقوط الامويين وجيء بني العباس وعمل العباسيون على محاصرة الكوفة بصفتها مركزا لنشر ثقافة مشروع علي الاحيائي للسنة وبعد انتهائهم انطلقت بالمشروع الى تحقيق الله وعده بظهور وليه واستقراره فيها ..

__________________

(١) ابن ابي الحديد شرح نهج البلاغة ج ١١ ص ٤٥ ـ ٤٦.

٥٧٧

٨. بقيت الشام بعد شهادة الحسين عليه‌السلام

مركزا لثقافة المشروع الاموي :

بقيت الشام بعد شهادة الحسين عليه‌السلام مركزا لمشروع الثقافة الاموية شعارها الاساس تولي معاوية وعداوة علي حتى بعد سقوط الدولة الاموية وقيام الدولة العباسية يتضح ذلك من خلال محاولة الامام النسائي (ت ٣٠٣ هـ) هدايتهم (لما سئل عن سبب تصنيف كتابه الخصائص) في فضائل الامام علي عليه‌السلام قال : (دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير ، وصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله) (١). ويبدو ان طابعها العام هذا سوف يعلن عن نفسه زمن السفياني في اخر الزمان حين يبعث بغاراته لغزو الكوفة احياء لامر السفياني الاول ولكنه في هذه المرة تبوء كل محاولاته بالفشل ويأبى الله الا ان يتم نوره ويظهر مشروع علي في احياء الكتاب والسنة على المشاريع كلها ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

__________________

(١) أقول : كان النسائي وفي رواية الرحلة قد خرج من مصر إلى دمشق فسئل عن فضائل معاوية فقال أي شيء أخرّج ما أعرف له من فضيلة إلّا حديث : (اللّهمّ لا تشبع بطنه) فضربوه في الجامع وداسوا في خصييه (حضنيه) حتى اخرج من الجامع ، ثمّ حمل إلى مكة فمات بها سنة ٣٠٣ هـ ، رواها الذهبي في تذكرة الحفاظ ، وابن خلكان في وفيات الأعيان ج ١ ص ٧٧ ، وابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ١ ص ٣٣) : ترجمة النسائي.

٥٧٨

الباب الرابع / الفصل الخامس

خلاصة في المقارنة بين مراحل سير مشروعين

ان مشروع علي والحسن والحسين عليهم‌السلام امتداد لمشروع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكلا المشروعين بعضهما من بعض.

كان مشروع النبي بتكليف الهي لإحياء دين ابراهيم عليه‌السلام الذي تصرفت فيه قريش المشركة بتعديل وتبديل بعد وفاة عبد المطلب.

وكان مشروع علي وولديه الحسنين بتكليف من الله (١) بواسطة رسوله لإحياء سنة

__________________

(١) الفيض الكاشاني ، الوافي ، ج ١ ص ٢٧٩ عن الكافي محمد والحسين بن محمد عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عن إسماعيل بن مهران عن أبي جميلة عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الوصية نزلت من السماء على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتابا لم ينزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاب مختوم إلا الوصية فقال جبرئيل عليه‌السلام يا محمد هذهوصيتك في أمتك عند أهل بيتك ... وكان عليها خواتيم قال ففتح علي عليه‌السلام الخاتم الأول ومضى لما فيها ثم فتح الحسن عليه‌السلام الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها فلما توفي الحسن عليه‌السلام ومضى فتح الحسين عليه‌السلام الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فأقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك قال ففعل عليه‌السلام فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت. وأطرق لما حجب العلم فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي عليه‌السلام ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها أن فسر كتاب الله وصد أباك. وورث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق الله تعالى وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله ففعل ثم دفعها إلى الذي يليه .... الكافي ، ج ١ ص ٢٨١ محمد عن أحمد عن السراد عن ابن رئاب عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال له حمران جعلت فداك أرأيت ما كان من

٥٧٩

النبي التي تصرفت فيها قريش المسلمة بتعديل وتبديل بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقد مر مشروع تبليغ الرسالة على يد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمراحل سبعة هي هي :

الاولى مرحلة الصدع والاعلان عن المشروع الرسالة.

الثانية مرحلة استضعاف قريش المشركة لمن امن بالرسالة.

الثالثة مرحلة بيعة الانصار للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على النصرة.

الرابعة مرحلة مبادرة قريش بالحرب في بدر واحد ، امتدادها حرب الخندق ودخول طرف اخر هم اليهود في اطراف المدينة.

الخامسة مرحلة الصلح مع قريش لإنهاء الوضع المتشنج في المنطقة والفتح المحدود لمشروع النبوة في مكة ..

السادسة مرحلة غدر قريش ونقضها للعهود.

السابعة مرحلة فتح مكة لمشروع النبي الى الابد.

وكذلك مشروع علي وولديه الحسن والحسين عليهما‌السلام بمراحل سبعة هي :

الاولى مرحلة الصدع والاعلان عن احياء حج التمتع.

الثانية مرحلة استضعاف دولة عثمان لمن ازر عليا على مشروعه الاحيائي للسنة.

الثالثة مرحلة بيعة الانصار على النصرة بعد ان قتلت قريش المنشقة الخليفة عثمان.

الرابعة مرحلة مبادرة قريش المسلمة الحرب ضد علي عليه‌السلام في الجمل وصفين ثم امتدادها الغارات ودخول طرف ثالث وهم الخوارج في اطراف الكوفة (واستشهاد امير المؤمنين وقيام ولده الحسن مكانه).

الخامسة مرحلة صلح الحسن عليه‌السلام مع معاوية لإنهاء الانشقاق والفتح المحدود لمشروع علي في الشام.

السادسة مرحلة نقض العهود من معاوية.

السابعة مرحلة فتح الطريق لمشروع علي في الامة ابد الدهر. وهذا الفتح على

__________________

أمر علي والحسن والحسين عليه‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عز وجل وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم. والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا فقال أبو جعفر عليه‌السلام يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثم أجراه. فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام علي والحسن والحسين عليهم‌السلام وبعلم صمت من صمت منا.

٥٨٠