الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

السيّد سامي البدري

الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-499-295-7
الصفحات: ٦١٤

أهل الشام فما خير الحياة بعد ذلك وأني والله لا أقاتله حتى لا أجد من ذلك بدا فلما بعث إليه معاوية بذلك السجل اشترط قيسبن سعد لنفسه ولشيعة علي الأمان على ما أصابوا من الدماء والأموال ولم يسأل معاوية في ذلك مالا فأعطاه معاوية ما اشترط عليه ودخل قيس ومن معه في الجماعة) (١).

أقول : هذه الرواية رواها أيضا الطبري (٢) عن يونس الايلي عن الزهري. والزهري غير مأمون في الحديث أساسا عن تاريخ مع بني أمية والذي انفردت به رواية الزهري برواية من لا يتهم في روايته عنه ، هو : ان الذي طلب الأمان للشيعة قيس بن سعد وليس الحسن عليه‌السلام الذي طلب الاموال لنفسه!!! وبالتالي فان بلاءها منحصر بالزهري عالم البلاط الأموي وتبنى تلميذاه معمر بن راشد (٣) ويونس الايلي روايتها تلبية لرغبة

__________________

(١) عبدالرزاق الصنعاني ، لمصنف ج ٥ ص ٤٦١ ـ ٤٦٣.

(٢) الطبري تاريخ الامم والملوك ٤ / ١٢٥.

(٣) معمر بن راشد مولى الأزد يقال كان مملوكا لقوم ينزلون طاحية توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة في رمضان وكان يكنى أبا عروة (ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٣٩٥) ويروي أبو بكر محمد بن محمد بن رجاء قال معمر بن راشد كان بالبصرة وكان تاجرا يختلف إلى الشام فوافى آل مروان ولهم وليمة وعرس فاستعاروا منه متاعا لعرسهم فأعارهم فلما انقضى عرسهم برّوه قال إنما أنا عبد ، وكلما بررتموني به فهو لمولاي ، ولكن كلموا هذا الرجل يحدثني يعني الزهري فكلموه فحدثه. وعن ابن عائشة نا عبد الواحد بن زياد قال قلت لمعمر كيف سمعت من ابن شهاب قال كنت مملوكا لقوم من طاحية فأرسلوني ببز أبيعه فقدمت المدينة فنزلت دارا فرأيت شيخا والناس يعرضون عليه العلم فعرضت عليه معهم (ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٣٩٣) ، أقول : والرواية الأولى هي الصحيحة لان معمر التقى الزهري في الرصافة. فقد روى ابن عساكر عن عثمان ابن أحمد نا حنبل بن إسحاق حدثني أبو عبد الله نا عبد الرزاق قال قال معمر كنت جئت الزهري بالرصافة فجعل يلقي عليَّ. (ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٣٩٣) قال السمعاني ج ٣ ص ٧١ (الرصافة وهي بلدة بالشام كان ينزلها هشام بن عبد الملك فنسب البلد إليه فيقال : رصافة هشام ، والمشهور بهذه النسبة أبو محمد حجاج بن يوسف بن أبي منيع ـ واسمه عبد الله بن أبي زياد الرصافي قام أبو حاتم بن حبان : هو من أهل الشام ، سكن حلب ، يروي عن جده عبيد الله بن أبي زياد عن الزهري ، روى عنه الحسين بن الحسن المروزي وأيوب بن محمد الوزان. وأبو أحمد عبيد الله بن أبي زياد الرصافي ، يروى عن ابن شهاب الزهري) ، ومنذ اتصاله بالزهري وهو آنذاك دون الخامسة والعشرين من العمر على اكثر تقدير ، اختص بالزهري وهو في أخريات عمره وبرز اسمه قال عن حماد بن سلمة قال لما رحل معمر إلى الزهري نبل وكنا نسميه معمر الزهري ، (ابن عساكر / تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ /). روى عبد الرزاق عن ابن عيينة قال كنت جالسا عند سعيد بن أبي عروبة (ت هـ) فحدث بحديث عن معمر قال لقد رفعنا معمر كم هذا أخذنا عنه) ، وفي رواية

٤٦١

خلفاء بني العباس في تشويه الحسن عليه‌السلام.

رجع الحديث إلى شرح ابن حجر :

قوله (فقال عبد الله بن عامر) هو بن كريز بن عبد شمس).

(وعبد الرحمن بن سمرة) هو ابن حبيب بن عبد شمس).

قوله (نلقاه فنقول له الصلح) أي نشير عليه بالصلح وهذا ظاهره انهما بدآ بذلك والذي تقدم في كتاب الصلح ان معاوية هو الذي بعثهما فيمكن الجمع بأنهما عرضا أنفسهما فوافقهما ولفطه هناك. (فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس) أي ابن عبد مناف بن قصي (عبد الرحمن بن سمرة) زاد الحميدي في مسنده عن سفيان (بن حبيب بن عبد شمس) قال سفيان وكانت له صحبة.

(وبنو حبيب بن عبد شمس بنو عم بني أمية بن عبد شمس ومعاوية هو ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية)

(فقال معاوية اذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه) أي ما شاء من المال.

(وقولا له) أي في حقن دماء المسلمين بالصلح.

(واطلبا إليه) أي اطلبا منه خلعه نفسه من الخلافة وتسليم الأمر لمعاوية وابذلا له في مقابله ذلك ما شاء.

(قال فقال لهما الحسن بن علي إنّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وان هذه الأمة قد عاثت في دمائها ، قالا فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا الا قالا نحن لك به فصالحه).

قال ابن بطال : هذا يدل على أن معاوية كان هو الراغب في الصلح وأنه عرض على الحسن المال ورغَّبه فيه وحثَّه على رفع السيف وذكره ما وعده به جده صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سيادته في الإصلاح به ، فقال له الحسن إنّا بنو عبد المطلب (أصبنا من هذا المال) أي أنا جُبِلنا على الكرم والتوسعة على اتباعنا من الأهل والموالي وكنا

__________________

قال معمرا روينا عنه وهو حدث قال سفيان قلت أنت شرفته الله شرفه) (ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٤٠٣) أقول : اقل ما تفيده الرواية ان معمر بن راشد وسفيان بن عيينة كانا يدا واحدة في المنهج فضلا عن تلمذتهما الخاصة على الزهري.

٤٦٢

نتمكن من ذلك بالخلافة حتى صار ذلك لنا عادة.

وقوله (أن هذه الأمة) أي العسكرين الشامي والعراقي.

قوله (قد عاثت) بالمثلثة أي قتل بعضها بعضا فلا يكفون عن ذلك الال بالصفح عما مضى منهم والتألف بالمال وأراد الحسن بذلك كله تسكين الفتنة وتفرقة المال على من لا يرضيه الا المال فوافقاه على ما شرط من جميع ذلك والتزما له من المال في كل عام والثياب والأقوات ما يحتاج إليه لكل من ذكر.

قال البدري :

كلام ابن بطال في تفرقة المال على من لا يرضيه الا المال كلام باطل ، لأنه الذين قتلوا زمن أبيه علي كانوا شهداء وكانت اسرهم قد اجرى لها راتبا ، وقد اكد الحسن هذا الراتب في شروطه على معاوية بقوله ان يجرى في اسر قتلى صفين والجمل ،

وقوله (من لي بهذا) أي من يضمن لي الوفاء من معاوية فقالا نحن نضمن لان معاوية كان فوض لهما ذلك ويحتمل ان يكون قوله (أصبنا من هذا المال) أي فرقنا منه في حياة علي وبعده ما رأينا في ذلك صلاحا فنبه على ذلك خشية ان يرجع عليه بما تصرف فيه.

قال البدري : وهذا الكلام من ابن حجر اسوأ من كلام ابن بطال.

قال ابن حجر :

وفي رواية إسماعيل بن راشد عند الطبري فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الله بن سمرة بن حبيب كذا قال عبد الله وكذا وقع عند الطبراني والذي في الصحيح (البخاري) أصح ولعل عبد الله كان مع أخيه عبد الرحمن قال فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء أشترطها.

ومن طريق عوانة بن الحكم نحوه وزاد وكان الحسن صالح معاوية على أن يجعل له ما في بيت مال الكوفة وأن يكون له خراج دار أبجرد.

٤٦٣

قال البدري :

اما رواية إسماعيل بن راشد :

فقد رواها الطبري عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن الخزاعي أبو عبد الرحمن قال حدثنا إسماعيل بن راشد قال : بايع الناس الحسن بن علي عليه‌السلام بالخلافة ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفاوأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر ألا إن قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا ونهبوا سرادق الحسن عليه‌السلام حتى نازعوه بساطا كان تحته وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملا على المدائن وكان اسمه سعد بن مسعود فقال له المختار وهو غلام شاب هل لك في الغنى والشرف قال وما ذاك قال توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية فقال له سعد عليك لعنة الله أثبعلى ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأوثقه بئس الرجل أنت فلما رأى الحسن عليه‌السلام تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن ابن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ثم قام الحسن في أهل العراق فقال يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث قتلكم أبي وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس.

قال البدري :

وفي سند الرواية عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن الخزاعي أبو عبد الرحمن. وهو : عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني الطرائفي ت سنة ٢٠٣ هـ والخزاعي تصحيف الحراني (١) ، وقد قال البخاري انه يروي عن قوم ضعاف ، وقال أبو

__________________

(١) انظر ابن الدمشقي ، جواهر المطالب ت ٨٧١ هـ تحقيق المحمودي ص ٨٩ ، حيث رواها عن الطبري بلفظ الحراني وليس الخزاعي.

٤٦٤

أحمد الحاكم إنما لقب بالطرائفي لأنه كان يتبع طرائف الحديث يروي عن قوم ضعاف حديثه ليس بالقائم. وقال ابن عدي سمعت أبا عروبة ينسبه إلى الصدق وقال لا بأس به متعبد ويحدث عن قوم مجهولين بالمناكير وعنده عجائب وهو في الجزريين كبقية في الشاميين. قال أبو أحمد وصوبه عثمان انه لا بأس به وتلك العجائب من جهة المجهولين وما يقع في حديثه من الانكار فإنما يقع من جهة من يروي عنه. وقال الساجي عنده مناكير. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه لا أجيزه وقال الأزدي متروك ، وقال ابن نمير كذاب ، مات سنة (٢٠٣) وقيل سنة (٢٠٢). (١)

اما إسماعيل بن راشد فهو مجهول الحال : قال الألباني إن إسماعيل بن راشد هذا وهو السلمي الكوفي من أتباع التابعين ، مجهول الحال ، أورده أبن أبي حاتم (١ / ١ / ١٦٩) وقال : «وهو إسماعيل بن أبي إسماعيل أخو محمد بن أبي إسماعيل روى عن سعيد بن جبير ـ روى عنه حصين بن عبد الرحمن السلمي ، يعد في الكوفيين». ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا (٢).

أقول : ونكارة المتن واضحة وفيها افتراء على المختار رحمه‌الله في حق الحسن عليه‌السلام وفيها قول زور نسب إلى الحسن بحق أهل الكوفة.

قال ابن حجر :

وذكر محمد بن قدامة في كتاب الخوارج بسند قوي إلى أبي بصرة انه سمع الحسن بن علي يقول في خطبته عند معاوية اني اشترطت على معاوية لنفسي الخلافة بعده.

قال البدري :

وهل يعقل ان الحسن عليه‌السلام لم يتذاكر أمر الصلح وشروطه مع نخبة أصحابه واصحاب أبيه ، انه أمر لا يترقب من الحسن وبخاصة وان الحسن يقرر أمرا يخصهم ، صحيح ان للحسن ولاية الإمامة الإلهية ولكنه لا يمارسها معهم من دون اعدادهم ليتقبلوا ذلك. اما

__________________

(١) ابن حجر ، تهذيب التهذيب ج ٧ ص ١٢٣ ـ ١٢٤. وقد ذكر في ترجمته توثيق البعض له في نفسه.

أقول : وليس بنافعه ذلك مع تكذيب ابن نمير له.

(٢) الالباني محمد ناصر ، ارواء الغليل ٦ / ٧٦.

٤٦٥

قوله اشترطت لنفسي الخلافة فمراد الراوي الحكم ، وليس من شك هو جزء من شروط لتتم بها المصالحة ومعالجة الانشقاق وتأسيس حالة الحكم الجديد في المجتمع ، وبالتالي فان خطبة الحسن عند معاوية بالطريقة التي رواها الرواة أمر غير صحيح.

قال ابن حجر :

وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح إلى الزهري قال كاتب الحسن بن علي معاوية واشترط لنفسه فوصلت الصحيفة لمعاوية وقد أرسل إلى الحسن يسأله الصلح ومع الرسول صحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه ان اشترط ما شئت فهو لك فاشترط الحسن أضعاف ما كان سأل أولا فلما التقيا وبايعه الحسن سأله ان يعطيه ما اشترط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فتمسك معاوية الا ما كان الحسن سأله أولا واحتج بأنه أجاب سؤاله أول ما وقف عليه فاختلفا في ذلك فلم ينفذ للحسن من الشرطين شيء.

قال البدري :

ما رواه يعقوب بن سفيان البسوي بسند صحيح بزعمه عن الزهري هو روايته عن الحجاج بن أبي منيع (يوسف) عن جده (عبيد الله بن أبي زياد ت ١٥٨ هـ) (١) عن

__________________

(١) قال ابن سعد في الطبقات الكبرى ج ٧ ص ٤٧٤ الحجاج بن أبي منيع واسم أبي منيع يوسف بن عبيد الله بن أبي زياد مولى عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وكان عبيد الله بن أبي زياد أخا امرأة هشام بن عبد الملك من الرضاعة وهي عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية ، هو عبيد الله بن أبي زياد الرصافي مولى بني أمية.

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٧ ص ١٣ قال الذهلي : عبيد الله بن أبي زياد من أهل الرصافة لم أعلم له راويا غير ابن ابنه ، أخرج إلي جزءا من أحاديث الزهري فنظرت فيها فوجدتها صحاحا فلم اكتب منها إلا يسيرا قال الذهبي فهذان رجلان مجهولان من أصحاب الزهري مقاربا الحديث.

وقال ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ج ٧٣ ص ٤٦٤ : كان الزهري لما قدم على هشام بالرصافة لزق عبيد الله بن أبي زياد به فسمع علمه وكتبه فسمعها منه ابنه يوسف بن عبيد الله وسمعها منه ابن ابنه الحجاج بن يوسف أبي منيع في آخر خلافة أبي جعفر (المنصور) وقال أنا كنت احمل الكتب إليه فيقرأها على الناس.

قال حجاج ومات (جدي) عبيد الله بن أبي زياد سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة وهو يومئذ ابن

٤٦٦

الزهري قال : قتل علي وبايع أهل العراق الحسن بن علي على الخلافة فطفق يشترط عليهم حين بايعوه إنكم لي سامعون مطيعون تسالمون وتحاربون من حاربت فارتاب أهل العراق في أمره حين اشترط هذا الشرط قالوا ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا القتال فلم يلبث حسن بعدما بايعوه إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعراً. (١)

وروى يعقوب بن سفيان عن حجاج أيضا قال حدثني جدي عن الزهري ، قال فكاتب الحسن لما طعن معاوية وارسل يشرط شرطه فقال ان اعطتني هذا فاني سامع مطيع وعليك ان تفي به ، فوقعت صحيفة الحسن في يد معاوية وقد ارسل معاوية إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على اسفلها وكتب إليه ان اشترط في هذه ما شئت فما اشترطت فهولك ، فلما اتت حسنا جعل يشترط اضعاف الشروط التي سأل ما فيها. فلما التقيا وبايعه الحسن سأل حسن معاوية أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فأبى معاوية أن يعطيه ذلك ، وقال لك ما كنت كتبت إلى تسألني أن أعطيك ، فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك. فقال له الحسن وانا قد اشترطت عليك حين جاءني سجل واعطيتني العهد على الوفاء ما فيه ، فاختلفا في ذلك فلم ينفذ معاوية للحسن من الشروط شيئا. (٢)

قال البدري :

اما أبو منيع فهو يوسف بن عبيد الله بن أبي زياد مولى عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وكان عبيد الله بن أبي زياد أخا امرأة هشام بن عبد الملك من الرضاعة وهي عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية ، هو عبيد الله بن أبي زياد الرصافي مولى بني أمية (٣) ، ويهمنا ترجمته وهي كما يلي :

__________________

نيف وثمانين سنة أسود شعر الرأس أبيض وكان ذا جمة وكان الحجاج يكنى أبا محمد وقال الحجاج في جمادي الأولى سنة ست عشرة ومائتين أنا اليوم ابن ست وسبعين سنة.

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٣ ص ٢٦٣.

(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٣ ص ٢٧٢.

(٣) ابن سعد في الطبقات الكبرى ج ٧ ص ٤٧٤.

٤٦٧

عبيد الله بن أبي زياد الرصافي (١٥٨ هـ) : قال الذهلي : عبيد الله بن أبي زياد من أهل الرصافة لم أعلم له راويا غير ابن ابنه ، أخرج إلي جزءا من أحاديث الزهري فنظرت فيها فوجدتها صحاحا فلم اكتب منها إلا يسيرا قال الذهبي فهذان رجلان مجهولان من أصحاب الزهري مقاربا الحديث (١). وقال ابن عساكر : كان الزهري لما قدم على هشام بالرصافة لزق عبيد الله بن أبي زياد به فسمع علمه وكتبه فسمعها منه ابنه يوسف بن عبيد الله وسمعها منه ابن ابنه الحجاج بن يوسف أبي منيع في آخر خلافة أبي جعفر (المنصور) وقال أنا كنت احمل الكتب إليه فيقرأها على الناس ، قال حجاج ومات (جدي) عبيد الله بن أبي زياد سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة وهو يومئذ ابن نيف وثمانين سنة أسود شعر الرأس أبيض وكان ذا جمة وكان الحجاج يكنى أبا محمد وقال الحجاج في جمادي الأولى سنة ست عشرة ومائتين أنا اليوم ابن ست وسبعين سنة (٢).

قال البدري :

وهكذا فإنّ سند الرواية كاف في ردها ولست ادري من أين جاء ابن حجر بالسند الصحيح :

قال ابن حجر :

واخرج ابن أبي خيثمة من طريق عبد الله بن شوذب قال لما قتل علي سار الحسن بن علي في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده فكان أصحاب الحسن يقولون له يا عار المؤمنين فيقول العار خير من النار.

قال البدري :

ذكر ابن عبد البر رواية عبد الله بن شوذب قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ضمرة ، عن ابن شوذب ، قال : (لما قتل عليّ سار الحسن فيمن معه من أهل الحجاز والعراق ، وسار معاوية في أهل الشام ، فالتقوا ،

__________________

(١) ابن حجر تهذيب التهذيب ج ٧ ص ١٣.

(٢) ابن عساكر تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر ج ٧٣ ص ٤٦٤.

٤٦٨

فكره الحسن القتال ، وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده ، قال : فكان أصحاب الحسن يقولون له يا عار المؤمنين. فيقول : العار خير من النار) (١).

أقول : قوله (فبايع معاوية) ليس صحيحا اذ لم تقع بيعة من الحسن عليه‌السلام لمعاوية في الصلح بينهما ولم يكن يخطر ببال معاوية ان يطلب من الحسن عليه‌السلام ان يبايعه كما بينا ذلك سابقا ، وقوله عن أصحاب الحسن عليه‌السلام يا عار المؤمنين إذا حملنا على موقف الخوارج فهو صحيح ، ولكن الخوارج ليسوا في جيش الحسن عليه‌السلام ، مضافا إلى عدم الاعتماد على ضمرة كما يتضح من ترجمته.

ترجمة ضمرة بن ربيعة (٢٠٢ هـ) : هو ضمرة بن ربيعة أبو عبد الله القرشي من أهل دمشق نزل الرملة (لذلك قيل الفلسطيني ، الرملي) وهو مولى علي بن أبي حملة وعلي مولى آل عتبة بن ربيعة (بن عبد شمس) روى عن عبد الله بن شوذب وغيره روى عنه هارون بن معروف وغيره. قال عبد الله بن احمد بن حنبل : كتب إلي غالب أبي عن ضمرة بن ربيعة فقال من الثقات المأمونين رج صالح مليح الحدث لم يكن بالشام رجل يشبهه. قال يحيى بن معين يقول توفي ضمرة بن ربيعة سنة اثنين ومائتين. (٢)

أقول : وأهل الرملة لا يؤمَنون على أهل العراق ، قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ : سمعت علي بن عمر يقول : كان أبو عبد الرحمان النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره ، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار ، وأعلمهم بالرجال ، فلما بلغ هذا المبلغ حصدوه فخرج إلى الرملة ، فسئل عن فضائل معاوية ، فأمسك عنه ، فضربوه في الجامع. فقال : أخرجوني إلى مكة ، فأخرجوه إلى مكة وهو عليل ، وتوفي بها مقتولا شهيدا (٣).

قال ابن حجر :

قوله (قال الحسن) هو البصريوهو موصول بالسند المتقدم ووقع في رجال البخاري لأبي الوليد الباجي في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب ما نصه اخرج البخاري قول الحسن سمعت أبا بكرة فتأوله الدارقطني وغيره على أنه الحسن ابن علي

__________________

(١) ابن عبد البر ، الاستيعاب ١ / ٣٨٦.

(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ٢٤ ـ ص ٤٠٤ ، ٤٠٩ ، ٤١١.

(٣) المزي ، تهذيب الكمال ج ١ ص ٣٣٩.

٤٦٩

لان الحسن البصري عندهم لم يسمع من أبي بكرة وحمله ابن المديني والبخاري على أنه الحسن البصري قال الباجي وعندي ان الحسن الذي قال سمعت هذا من أبي بكرة انما هو الحسن بن علي انتهى وهو عجيب منه ، فان البخاري قد أخرج متن هذا الحديث في علامات النبوة مجردا عن القصة من طريق حسين بن علي الجعفي عن أبي موسى وهو إسرائيل بن موسى عن الحسن عن أبي بكرة ، وأخرجه البيهقي في الدلائل من رواية مبارك بن فضالة ومن رواية علي بن زيد كلاهما عن الحسن عن أبي بكرة وزاد في آخره قال الحسن فلما ولى ما أهريق في سببه محجمة دم فالحسن القائل هو البصري والذي ولي هو الحسن بن علي وليس للحسن بن علي في هذا رواية ، وهؤلاء الثلاثة إسرائيل بن موسى ومبارك بن فضالة وعلي بن زيد لم يدرك واحد منهم الحسن بن علي.

وقد صرح إسرائيل بقوله سمعت الحسن وذلك فيما أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن الصلت بن مسعود عن سفيان بن عيينة عن أبي موسى هو إسرائيل سمعت الحسن سمعت أبا بكرة وهؤلاء كلهم من رجال الصحيح.

والصلت من شيوخ مسلم وقد استشعر ابن التين خطأ الباجي فقال قال الداودي الحسن مع قربه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحيث توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن سبع سنين لا يشك في سماعه منه وله مع ذلك صحبة قال ابن التين الذي في البخاري انما أراد سماع الحسن بن أبي الحسن البصري من أبي بكرة (قال ابن حجر) ولعل الداودي انما أراد رد توهم من يتوهم انه الحسن بن علي فدفعه بما ذكر وهو ظاهر وإنما قال ابن المديني ذلك لان الحسن كان يرسل كثيرا عن من لم يلقهم بصيغة عن فخشى أن تكون روايته عن أبي بكرة مرسلة فلما جاءت هذه الرواية مصرحة بسماعه من أبي بكرة ثبت عنده انه سمعه منه ولم أر ما نقله الباجي عن الدارقطني من أن الحسن هنا هو ابن علي في شيء من تصانيفه وإنما قال في التتبع لما في الصحيحين أخرج البخاري أحاديث عن الحسن عن أبي بكرة والحسن انما روى عن الأحنف عن أبي بكرة وهذا يقتضي انه عنده لم يسمع من أبي بكرة لكن لم أر من صرح بذلك ممن تكلم في مراسيل الحسن كابن المديني وأبي حاتم وأحمد والبزار وغيرهم نعم كلام ابن

٤٧٠

المديني يشعر بأنهم كانوا يحملونه على الارسال حتى وقع هذا التصريح.

قوله (بينما النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب جاء الحسن فقال) وقع في رواية علي بن زيد عن الحسن في الدلائل للبيهقي يخطب أصحابه يوما إذ جاء الحسن بن علي فصعد إليه المنبر وفي رواية عبد الله بن محمد المذكورة رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول ومثله في رواية ابن أبي عمر عن سفيان لكن قال وهو يلتفت إلى الناس مرة واليه أخرى (قوله ابني هذا سيد) في رواية عبد الله بن محمد ان ابني هذا سيد وفي رواية مبارك بن فضالة رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضم الحسن بن علي إليه وقال إن ابني هذا سيد وفي رواية علي بن زيد فضمه إليه وقال الا ان ابني هذا سيد (قوله ولعل الله ان يصلح به) كذا استعمل لعل استعمال عسى لاشتراكهما في الرجاء والأشهر في خبر لعل بغير ان كقوله تعالى لعل الله يحدث (قوله بين فئتين من المسلمين) زد عبد الله بن محمد في روايته عظيمتين وكذا في رواية مبارك بن فضالة وفي رواية علي بن زيد كلاهما عن الحسن عند البيهقي واخرج من طريق أضعث ابن عبد الملك عن الحسن كالأول لكنه قال واني لأرجو ان يصلح الله به وجزم في حديث جابر ولفظه عند الطبراني والبيهقي قال للحسن ان ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين. قال البزار روى هذا الحديث عن أبي بكرة وعن جابر وحديث أبي بكرة أشهر وأحسن إسنادا وحديث جابر غريب وقال الدارقطني اختلف على الحسن فقيل عنه عن أم سلمة وقيل عن ابن عيينة عن أيوب عن الحسن وكل منهما وهم ورواه داود بن أبي هند وعوف الأعرابي عن الحسن مرسلا.

قال ابن حجر وفي هذه القصة من الفوائد :

(اولا :) علم من أعلام النبوة ومنبقة للحسن بن علي فإنه ترك الملك لا لقلة ولا لذلة ولا لعلة بل لرغبته فيما عند الله لما رآه من حقن دماء المسلمين فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة.

قال البدري :

بل قدم اختيار اهل الشام على اختيار اهل العراق من اجل معالجة الانشقاق

٤٧١

الاموي وفتح قلوب اهل الشام بما فيهم معاوية لمشروع علي عليه‌السلام الاحيائي للسنة يتعرفون عليه من موقع الشفافية لتكون الحجة عليهم ابلغ.

قال ابن حجر :

(ثانيا :) وفيها رد على الخوارد الذين كانوا يكفرون عليا ومن معه ومعاوية ومن معه بشهادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للطائفتين بأنهم من المسلمين ومن ثم كان سفيان بن عيينة يقول عقب عقب هذا الحديث قوله من المسلمين يعجبنا جدا أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه عن الحميدي وسعيد بن منصور عنه وفيه فضيلة الإصلاح بين الناس ولا سيما في حقن دماء المسلمين.

(ثالثا :) ودلالة على رأفة معاوية بالرعية وشفقته على المسلمين وقوة نظره في تدبير الملك ونظره في العواقب.

قال البدري :

أين كانت رأفة معاوية لما انشق عن علي عليه‌السلام وهل يجهل قدر علي عليه‌السلام مثله وكلاهما من بيت عبد مناف؟ (١) ، وتسبب في سفك دماء عشرات الآلاف من المسلمين وفيهم ابرار الصحابة في صفين وفي ارعاب الآلاف من النساء والاطفال لأنهم شيعة علي في غاراته بعد النهروان ، ثم حين غدر بشروط الحسنبائدا بالحسن عليه‌السلام نفسه حين دس له السم سنة (٥٠ هـ) واستضعف شيعة علي تهجيرا وسجنا ونفياوقتلا والدفن لبعضهم وهم إحياء!!!.

قال ابن حجر :

(رابعا :) وفيه ولاية المفضول الخلافة مع وجود الأفضل لان الحسن ومعاوية ولي كل منهما الخلافة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد في الحياة وهما بدريان قاله ابن التين وفيه جواز خلع نفسه إذا رأى في ذلك صلاحا للمسلمين والنزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بالمال وجواز أخذ المال على ذلك واعطائه بعد استيفاء

__________________

(١) انظر نسب معاوية صفحة ٢٢٥ من هذا الكتاب.

٤٧٢

شرائطه بأن يكون المنزول له أولى من النازل وأن يكون المبذول من ماله الباذل فإن كان في ولاية عامة وكان المبذول من بيت المال اشترط أن تكون المصلحة في ذلك عامة أشار إلى ذلك ابن بطال قال يشترط ان يكون لكل من الباذل والمبذول له سبب في الولاية يستند إليه وعقد من الأمور يعول عليه.

قال البدري :

قلنا في الفصل الخامس من الباب الثاني من هذا الكتاب ان الحسن عليه‌السلام ما كان بحاجة إلى مال ليشترطه لنفسه من معاوية ويأخذ معه من بيت مال الكوفة فقد اغنته صدقات أبيه علي عليه‌السلام. وسيأتي تفصيل اكثر.

قال ابن حجر :

(خامسا :) وفيه إطلاق الابن على ابن البنت وقد انعقد الاجماع على أن امرأة الجد والد الام محرمة علي ابن بنته وان امرأة ابن البنت محرمة على جده وان اختلفوا في التوارث.

(سادسا :) واستُدِلَّ به على تصويب رأي من قعد عن القتال مع معاوية وعلي وإن كن علي أحق بالخلافة وأقرب إلى الحق وهو قول سعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسائر من اعتزل تلك الحروب.

قال البدري :

ولكن معاوية لم يرضَ صحة اعتزال سعد بن ابي وقاص فقد روى المسعودي قال وحدث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، عن محمد بن حميد الرازي ، أبي مجاهد ، عن محمد بن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، قال : لما حج معاوية طاف بالبيت ومعه سعد ، فلما فرغ انصرف معاوية إلى دار النَّدْوَة ، فأجلسه معه على سريره ، ووقع معاوية في علي وشرع في سَبَّه ، فزحف سعد ثم قال :

أجلستني مك على سريرك ثم شرعت في سب علي ، والله لأن يكون في خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس : والله لأن أكون صهراً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأن لي من الولد ما لعلي أحب

٤٧٣

إلى من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله لأن يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لي ما قاله يوم خيبر : «لأعطيَنَّ الراية غداً رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله ، ليس بِفَرَّار يفتح الله على يديه» أحبُّ إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله لأن يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لي ما قال له في غزوة تبوك : «ألا ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بدي» أحبُّ إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، وأيم الله لا دخلت لك داراً ما بقيت ، ثم نهض.

قال المسعودي : ووجدت في وجه آخر من الروايات ، وذلك في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي الأخبار ، عن ابن عائشة وغيره ، أن سعداً لما قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضَرَطَ له معاوية ، وقال له : اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كُنْتَ عندي قط ألأم منك الآن ، فهلا نصرته ، ولم قعدت عن بيعته؟ فاني لو سمعت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعلي ما عشت. (١)

قال البدري :

لقد كذب معاوية في كلامه الاخير فهو يعلم حق العلم ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قال ذلك في حق علي عليه‌السلام.

قال ابن حجر :

وذهب جمهور أهل السنة إلى تصويب من قاتل مع علي لامتثال قوله تعالى (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الآية ففيها الأمر بقتال الفئة الباغية وقد ثبتان من قاتل عليا كانوا بغاة (٢) ، وهؤلاء مع هذا التصويب متفقون على انه لا يذم واحد من هؤلاء بل يقولون اجتهدوا فأخطئوا. وذهب طائفة قليلة من أهل السنة وهو قول كثير من

__________________

(١) المسعودي ، مروج الذهب ج ٣ ص ١٥.

(٢) قال ابن حجر في فتح الباري ج ٦ ص ٤٥٦ : (وفي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله تقتل عماراً الفئة الباغية ، دلالة واضحة على أن علياً ومن معه كانوا على الحق ، وأن من قاتلهم كانوا مخطئين في تأويلهم. والله أعلم).

٤٧٤

المعتزلة إلى ان كلا من الطائفتين مصيب ، وطائفة إلى ان المصيب طائفة لا بعينها (١).

قال البدري :

وفي هذا المقطع مطالب نكتفي بما رد علماؤنا وغيرهم في كتبهم تفصيلا. (٢)

واختتم الفصل بكلام ابن حجر الذي قاله في أول شرحه للرواية :

قال ابن حجر :

قوله : (قال حدثنا الحسن) يعني البصري والقائل حدثنا هو إسرائيل المذكور. قال البزار في مسنده بعد أن أخرج هذا الحديث عن خلف بن خليفة عن سفيان بن عيينة لا نعلم رواه عن إسرائيل غير سفيان. وتعقبة مغلطاي بأن البخاري أخرجه في علامات النبوة من طريق حسين بن علي الجعفي عن أبي موسى وهو إسرائيل هذا.

قال ابن حجر :

وهو تعقب جيد ولكن لم أر فيه القصة وإنما اخرج فيه الحديث المرفوع فقط.

قال البدري :

وهذا معناه ان قصة صلح الامام الحسن عليه‌السلام التي يرويها البخاري ينفرد بها سفيان بن عيينة. وهي من صياغته وقد أخذ فكرتها من معمر على الأكثر ولم يشأ ان يرويها عن معمر عن الزهري بل اسندها إلى إسرائيل أبي موسى البصري عن الحسن البصري (٣) ليعزز بها رواية الزهري ويؤكد بها قول أبي جعفر الدوانيقي (ان الحسن ما

__________________

(١) ابن حجر ، فتح الباري ١٣ / ٥٢ ـ ٥٨ ، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت ـ لبنان ، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت ـ لبنان.

(٢) كما في كتاب النص والاجتهاد للعلامة المصلح المحقق السيد عبد الحسين شرف الدين وكتاب معالم المدرستين للعلامة المحقق السيد مرتضى العسكري ، والعلامة المحقق الشيخ علي الكوراني في كتابه الانتصار ج ٨ ، وغيرهم.

(٣) أقول : وهناك رواية أخرى نسجتعلى غرار رواية ابن عيينة على الحسن البصري وهي رواية جرير بن حازم ١٧٥ هـ فقد روى البلاذري في انساب الاشراف ج ٣ ص ٥١ ـ ٥٢) قال حدثنا خلف بن سالم ، حدثنا وهب (بن جرير) (ت ٢٠٦) قال : قال أبي (جرير بن حازم ـ وأحسبه رواه عن الحسن البصري ـ قال :

لما بلغ أهل الكوفة (بيعة) الحسن أطاعوه وأحبوه أشدمن حبهم لأبيه ، واجتمع له خمسون ألفا ،

٤٧٥

هوبرجل باع الخلافة بدراهم) ، وبهذه الرواية صعد نجم سفيان عند المهدي العباسي وعيَّنه إماما في مكة ، واقره الخليفة هارون حفيد الدوانيقي وسماه (سيد الناس). كما كان جدهم أبو جعفر قد عين مالكا إماما في المدينة.

وفيما يلي ترجمة سفيان بن عيينة ، ثم ترجمة البخاري الذي تبنى ترويج الرواية وعنه انتشرت في كتب الحديث والتاريخ بعده.

سفيان بن عيينة

ترجمة سفيان بن عيينة (الاعور) (١٩٨ هـ) :

قال الذهبي : هو أبو محمد الهلالي الكوفي ثم الملكي ، الامام الكبير حافظ العصر شيخ الإسلام مولده بالكوفة سنة (١٠٧ هـ) وطلب الحديث وهو حدث ولقي الكبار وحمل عنهم علما جماً. سمع في سنة تسع عشرة ومأة من عمر وبن دينار ، فاكثر عنه ، ومن ابن شهاب الزهري وايوب السختياني وأبي اسحق السيعي والاعمش وغيرهم وتفرد بالرواية عن خلق من الكبار. حدث عنه شعبة وابن حريج والاعمش وهم

__________________

فخرج بهم حتى أتى المدائن ، وسرح بين يديه قيس ابن سعد بن عبادة الأنصاري في عشرين ألفا ، فنزل بمسكن ، وأقبل معاوية من الشام في جيش.

ثم إن الحسن خلا بأخيه الحسين فقال له (له : يا) هذا إني نظرت في أمري فوجدتني لا أصل إلى الأمر ، حتى تقتل من أهل العراق والشام من لا أحب أن أحتمل دمه ، وقد رأيت أن أسلم الأمر إلى معاوية فأشاركه في إحسانه ويكون عليه إساءته (ظ). فقال الحسين : أنشدك الله أن تكون أول من عاب أباك وطعن عليه ورغب عن أمره. فقال : إني لأرى ما تقول والله لئن لم تتابعني لأسندتك في الحديد فلا تزال فيه حتى أفرغ من أمري. قال : فشأنك. فقام الحسن خطيبا فذكر رأيه في الصلح والسلم لما كره من سفك الدماء وإقامة الحرب. فوثب عليه أهل الكوفة وانتهبوا ماله وخرقوا سرادقه وشتموه وغجّزوه ثم انصرفوا عنه ولحقوا بالكوفة! فبلغ الخبر قيسا فخرج إلى أصحابه فقال : يا قوم إن هؤلاء القوم كذّبوا محمدا وكفروا به ما وجدوا إلى ذلك سبيا! فلمّا أخذتهم الملائكة من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم دلخوا في الإسلام كرها ، وفي أنفسهم ما فيها من النفاق! فلمّا وجدوا السبيل إلى الخلافة ، أظهروا ما في أنفسهم! وإن الحسن عجز وضعف وركن إلى صلح معاوية ، فإن شئتم أن تقاتلوا بغير إمام فعلتم؟! وإن شئتم ان تدخلوا في الفتنة دخلتم؟ قالوا : فإنّا ندخل في الفتنة! فأعطى معاوية حسنا ما أراد ، في صحيفة بعث بها إليه مختومة ، اشترط الحسن فيها شروطا ، فلما بايع معاوية لم يعطه مما كتب شيئا! فانصرف الحسن إلى المدينة ومعاوية إلى الشام.

٤٧٦

من شيوخه ، وابو اسحق الفراري وعبد الله بن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان والشافعي ويحيى بن معين وعلي بن المديني واحمد بن حنبل ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيرهم (١).

قال الخطيب ولد بالكوفة وسكن مكة وقدم بغداد (٢).

وقال أبو محمد الرامهرمزي عن زياد بن عبد الله الخزاعي قال سمعت سفيان بن عينية يقول : كان أبي صيرفيا بالكوفة فركبه دين فحملنا إلى مكة (٣).

قال الشافعي : لولا مالك وسفيان بن عيية لذهب علم الحجاز ، وقال وجدت أحاديث الاحكام كلها عند ابن عيينة سوى ست أحاديث ووجدتها كلها عند مالك سوى ثلاثين حديثا.

ثال الذهبي : فهذا يوضح لك سعة دائرة علم سفيان في العلم وذلك لأنه فم أحاديث العراقيين إلى أحاديث الحجازيين.

وقال احمد بن عبد الله العجلي : كان ابن عيينة ثبتا في الحديث وكان حديثه نحواً من سبعة آلاف ولم تكن له كتب.

قال احمد : دخل سفيان على معن بن زائد (٤) ، يعني أمير اليمن ولم يكن سفيان تلطخ بعد بشيء من أمر السلطان فجعل يعضله (٥).

اقول :

وقول احمد : ولم يكن سفيان قد تلطخ بعد شيء من أمر السلطان نستفيد منه ان سفيان قد صانع السلطان العباسي فيما بعد كما صانعه مالك ولا نملك معلومات مفصلة

__________________

(١) الذهبي ، سير اعلام النبلاء ج ٨ / ٤٥٥.

(٢) الخطيب ، تاريخ بغداد ، ج ٩ / ١٨٠.

(٣) الذهبي ، سير اعلام النبلاء ج ٨ / ٤٦٠.

(٤) كنا معن من امراء متولي العراقين يزيد بن عمر بن هبيرة فلما تملك بنو العباس اختفى من مدة الطلب عليه حيث فلما كان يم خروج الريوندية والخراسانية على المنصور بالهاشمية قرب الكوفة سنة ١٣٤ وحمي القتال وحار المنصور في أمره ظهر معن وقاتل الريوندية فكان النصر على يده وعرض نفسه للمنصور وسر به ثم ولاه اليمن توفي سنة ١٥١ ـ ١٥٢) انظر ترجمة في سير اعلام النبلاء ج ٧ ص ٩٧. وفيان الاعيان ٥ ص ٢٤٤.

(٥) الذهبي ، سير اعلام النبلاء ج ٨ ص ٤٥٧ ـ ٤٥٨.

٤٧٧

عن زمن ذلك ، الا ان الخطيب البغدادي روى عن أبي الربيع النخاس قال تلقيت هارون امير المؤمنين فسألني عن علية الهاشميين ، ثم قال لي ما فعل سيد الناس؟ قال قلت يا أمير المؤمنين ومن سيد الناس غيرك؟ قال سيد الناس سفيان بن عيينة. والرواية تفيد ان سفيان له حظوة خاصة عند بني العباس وهذه الحظوة لم تكن لولا المصانعة كما كان الأمر في مالك ، ويبدو انهم عيونه مرجعاً في مكة. ومن هنا كان يقصده طلبة العلم كما كانوا يقصدون مالك بن انس في المدينة وكان قرينه. (قال الشافعي : مالك وسفيان قرينان).

أقول : ولا يبعد ان منزلته قد كبرت عند الرشيد عند كان يعرِّض بآل اعين عبد الملك وحمران وزرارة اعلام الرواية عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ولم يعرف التعريض بهم عن غيره وسيأتي تفصيل الكلام عن ذلك.

قال ابن المديني : قال لي يحيى القطان ت ١٩٨ : ما بقي احد من معلميَّ احد غير سفيان بن عيينة هو امام منذ أربعين سنة.

أقول : أي ان إمامة سفيان الدينية بدأت من سنة ١٥٨ هـ وكان انتقاله من الكوفة إلى مكة سنة (١٦٣ هـ) زمن الخليفة المهدي العباسي واستمر بها إلى أن مات ، وعظمها في عهد المهدي العباسي وولديه الهادي والرشيد. وليس من شك ان انتقاله إلى مكة لإمامتها في الحديث والفتوى كما كان مالك إمام المدينة في الحديث والفتوى.

قال الذهبي وكان سفيانمشهوراً بالتدليس ، عمد إلى أحاديث رفعت إليه من حديث الزهري فيحذف اسم من حدثه ويدلسها الا انه لا يدلس الا عن ثقة عنده (١).

__________________

(١) قال ابن حبان في صحيحه : واما المدلسون الذين هم ثقات عدول ، فانا لا نحتج باخبارهم الا ما بينوا السماع فيما رووا مثل الزهري والاعمش أبي اسحق واضرابهم من الأئمة المتقين وأهل الروع في الدين لانا متى قبلنا خبر مدلس لم يبين المساع فيه وان كان ثقة لزنا قبول المقاطيع والمراسيل كلها لأنه لا يدري لعله هذا المدلس دلس هذا الخبر عن ضعيف ليهي الخبر يذكره إذا عرف ، اللهم الا ان يكون المدلس يعلم انه ما دلس قط الا عن ثقة فإذا كان كذلك قبلت روايته وان لم يبين السماع ، وهذا ليس في الدينا الا سفيان بن عينة وحده كان يدلس ولا يدلس الا عن ثقة متقن ولا يكاد يوجد سفيان بن عينية خبر دلس فيه الا وجد ذلك الخبر بعيينة قد بين سماعه عن ثقة مثل نفسه (الذهبي ، سير اعلام النبلاء ج ٨ / ٤٦٥ الهامش).

٤٧٨

قال الذهبي : فاما ما بلغنا عن يحيى بن سعيد القطان انه قال اشهدوا ان ابن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومائة فهذا منكر القول ولا يصح فان يحيى بن القطان مات في صفر سنة ثمان وتسعين مع قدوم الوفد من الحج فمن الذي اخبره باختلاط سفيان ومتى لحق ان يقول هذا القول وق بلغت التراقي؟ وسفيان حجة مطلقاً وحديثه في جميع دواوني الإسلام.

قال ابن حجر : هذا لا يتجه لان ابن عمار راوي الخبر عن القطان من الاثبات المتقنين ، وما المانع ان يكون يحيى بن سعد سمعه من جماعة من حج في تلك السنة واعتمد قولهم وكانوا كثيرا فشهد على استفاضتهم ، وقد وحدت عن يحيى بن سعيد شيئاً يصلح ان يكون سببا لما نقله عنه ابن عمار في حق ابن عيينة وذلك ما أورده أبو سعد بن السمعاني في ترجمة إسماعيل بن أبي صالح المؤذن من ذيل تاريخ بغداد بسند له قوي إلى عبد الرحمن بن نشر بن الحكم قال سمعت يحيى بن سعيد بقول قلت لابن عيينة كنت تكتب الحديث وتحدث واليوم تزيد في اسناده أو تنقص منه فقال عليك بالمساع الأول فاني قد سمنت ، وقد ذكر أبو معين الرازي في زيادة كتبا الإيمان لأحمد ان هارون بن معروف قال له ان ابن عيينة تغيرأمره بآخره وان سليمان بن حرب قال له ان ابن عيينة اخطأ في عامة حديثه عن أيوب.

كلام ابن عيينة في جابر الجعفي :

قال ابن حجر تهذيب التهذيب ٢ / ٤٣ وقال الشافعي سمعت سفيان بن عيينة يقول سمعت من جابر الجعفي كلاما فبادرت خفت أن يقع علينا السقف. قال سفيان كان يؤمن بالرجعة.

وقال الحميدي عن سفيان سمعت رجلا سأل جابر الجعفي عن قوله فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي قال لم يجيء تأويلها بعد ، قال سفيان كذب ، قلت ما أراد بهذا ، قال : الرافضة تقول أن عليا في السماء لا يخرج من ولده حتى ينادي من السماء اخرجوا مع فلان يقول جابر هذا تأويل هذا. وقال الحميدي أيضا سمعت رجلا يسأل سفيان أرأيت يا أبا محمد الذين عابوا على جابر الجعفي قوله حدثني وصي الأوصياء فقال سفيان هذا أهونه.

٤٧٩

حوله نسبة ابن عيينة إلى التشيع :

قال ابن حجر : ونسبه ابن عدي إلى شيء من التشيع فقال في ترجمة عبد الرزاق ذكر ابن عيينة حديثا فقيل له هل فيه ذكر عثمان قال نعم لكني سكت لأني غلام كوفي.

أقول : لم ينسبه ابن عدي إلى التشيع صراحه بل روى في ترجمة عبد الرزاق قال اخبرنا الحسن بن سفيان الفسوي حدثنا اسحق بن إبراهيم الحنظلي اخبرنا عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن أي نظرة عن أبي سعيد الخدري قال : قال : رسول الله (ص) (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه).

وقال ابن عدي وهذا حديث يعرف بعبد الرزاق عن ابن عيينة وقد روى عن عبد الرزاق عن ابن عيينة. وقد رواه سليمان بن أيوب الصريفيني عن ابن عيينة. وقد رواه علي بن المديني عن ابن عيينة.

وجعفر بن سليمان هذا هو يعد في الشيعة من أهل البصرة وعبد الرزاق يعد في الشيعة وهذا الحديث بجعفر بن سليمان اشبه من ابن عيينة على ان ابن عيينة كوفي وقد قال ابن عيينة في حديث له قيل له فيه ذكر عثمان قال نعم ولكني سكت لأني غلام كوفي (١).

وقد ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في اصحاب الصادق عليه‌السلام قائلا مولاهم أبو محمد الكوفي سكن مكة وعنونه النجاشي قائلا : كان جده أبو عمران عاملاً من عمال خالد القسري له نسخة عن جعفر بن محمد عليه‌السلام.

وقال الشيخ الصدوق فيه : لقي الصادق عليه‌السلام وروى عن وبقي إلى أيام الرضا عليه‌السلام.

وروى الكشي عن علي بن الحسن عن محمد بن الوليد عن العباسي بن هلال قال ذكر أبو الحسن الرضا عليه‌السلام ان سفيان بن عيينة لقى أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له يا أبا عبد الله إلى متى هذه التقية؟ وقد بلغت هذا السن؟ فقال والذي بعث محمداً لو ان رجلا صلى ما بين الركن والمقام عمره ثم لقي الله بغير ولايتنا أهل البيت لقي الله بميتة جاهلية (٢).

أقول : لا يبعد ان سفيان كان في أول أمره على رأي الكوفيين في التشيع لعلي

__________________

(١) ابن عدي الكامل ج ٥ ص ٣١٤ ـ ٣١٥ بترجمة عبد الرزاق.

(٢) احمد بن حنبل ، العلل ومعرفة الرجال ص ٣٩٢.

٤٨٠