الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

السيّد سامي البدري

الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-499-295-7
الصفحات: ٦١٤

محمد البري نا ابنت بنت السدي يعني إسماعيل بن موسى أنا عمرو بن سعيد البصري عن فضيل بن مرزوق عن أبي سخيلة عن سلمان وأبي ذر قالا أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيد علي فقال إلا إن هذا أول من امن بي وهذا أول من يصافحني يوم القيامة وهذا الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين. (١)

وما رواه عن أبي القاسم بن السمرقندي قال : أنا أبو الحسين عاصم بن الحسن أنا أبو عمر بن مهدي أنا أبو العباس بن عقدة نا محمد بن أحمد بن الحسن القطواني نا مخلد بن شداد نا محمد بن عبيد الله عن أبي سخيلة قال حججت أنا وسلمان فنزلنا بأبي ذر فكنا عنده ما شاء الله فلما حان منا حفوف قلت يا أبا ذر إني أرى أمورا قد حدثت واني خائف أن يكون في الناس اختلاف فإن كان ذلك فما تأمرني قال الزم كتاب الله عز وجل وعلي بن أبي طالب فأشهد أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول علي أول من امن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهو الفاروق يفرق بين الحق والباطل. (٢)

وما رواه عن عبد الله بن الحسن الخلال أنا أبو محمد الحسن بن الحسين نا علي بن عبد الله بن مبشر نا محمد بن حرب نا علي بن يزيد الصدائي عن فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال انقطع شسع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتخلف عليه علي يخصفها لشسع فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن منكم من يقاتل على تأويل القران كما قاتلت على تنزيله فاستشرف الناس أبا بكر وعمر فقال ليس بهما ولكن خاصف النعل فذهبنا إلى علي فبشرناه بما قال فلم يرفع بقولنا رأسا كأنه شئ قد سمعه. (٣)

الثانية : حول توثيقه ، فان الاصل فيهي هو سفيان بن عيينة سيد الناس برأي الخليفة هارون العباسي وهو امام مكة على عهده وعهد ابيه المهدي ، وابن عيينة لا

__________________

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٤١.

(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٤١.

(٣) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٤٥٥.

٤٢١

يوثق احدا من الشيعة الا ان يكون على نهجه في معاداتهم ، وقد كان فضيل من الشيعة بالمعنى العام للتشيع بمعنى انه يفضل عليا على غيره من دون سب ، ثم اخذ يروى ضد شيعة الامام الصادق ما يوافق هوى العباسيين وقد روى ابن عساكر نماذج منها :

قال ابن عساكر : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي نا أبو محمد الحسن بن علي إملاء أنا علي بن عمر بن أحمد الحافظ نا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي نا الفضل بن سهل نا أبو أحمد الزبيري نا فضيل بن مرزوق قال سمعت حسن يقول لرجل من الرافضة والله لئن أمكن الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولا تقبل لكم توبة.

وقال : أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن أنا الحسن بن علي أنا أبو الفضل عبيد الله بن عبدالرحمن بن محمد الزهري نا عبد الله بنإسحاق المدائني نا الحسن نا يزيد بن هارون عن فضيل قال سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة إن قتلك لقربة إلى الله عز وجل فقال له الرجل إنك تمزح فقال والله ما هذا بمزاح ولكنه مني الجد.

وقال : أخبرنا أبو الحسن بن الفراء وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنا قالوا أنا أبو جعفر بن المسلمة أنا أبو طاهر المخلص نا أحمد بن سليمان نا الزبير قال وحدثني عمي مصعب بن عبد الله ، قال كان الفضيل بن مرزوق يقول سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل يغلو فيهم ويحكم أحبونا الله فإن أطعنا الله فأحبونا فإن عصينا فابغضوا فلو كان الله نافعا أحدا بقرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغير طاعة الله لنفع بذلك أباه وأمه قولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون ونحن نرضى به منكم. (١)

وقال : أخبرنا أبو عبد الله الفراوي أنا أبو بكر البيهقي أنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب نا محمد بن عبد الوهاب نا جعفر بن عون أنا فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن بن الحسن وسأله رجل ألم يقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه ، قال لي بلى والله لو يعني بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الإمارة والسلطان لأفصح لهم بذلك فإن رسول الله (صلى الله

__________________

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٣ ص ٦٧ ـ ٧١.

٤٢٢

عليه وسلم) كان أنصح للمسلمين لقال يا أيها الناس هذا ولي أمركم والقائم عليكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا والله لئن كان الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر وجعله القائم للمسلمين من بعده ثم ترك علي أمر الله ورسوله لكان علي أول من ترك أمر الله وأمر رسوله قال البيهقي ورواه شبابة بن سوار عن الفضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن بن الحسن أخا عبد الله بن الحسن وهو يقول لرجل ممن يتولاهم فذكر قصة ثم قال ولو كان الأمر كما يقولون إن الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر وللقيام على الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن كان علي لأعظم الناس خطيئة وجرما في ذلك إذ ترك أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعني فلم يمض لما أمره أو يعذر فيه إلى الناس قال فقال له الرافضي ألم يقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه فقال أما والله إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو كان يعني ب ذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ولقال لهم إن هذا ولي أمركم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا فما كان من وراء هذا شئ فإن أفصح الناس كان للمسلمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (١)

ومما وضعه في فضائل الخلفاء :

قال ابن عساكر ، أخبرنا أبو الفضل الفضيلي نا أبو القاسم الخليلي أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليب الشاشي نا الحسن بن علي بن عفان العامري نا زيد بن الحباب نا فضيل بن مرزوق الأغر الرقاشي أنا أبو إسحاق عن زيد بن يثيع عن علي قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن تولوا أبا بكر تجدوه زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة وإنتولوا عمر تجدوه قويا أمينا لا يأخذه في الله لومة لائم وإن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق. (٢)

قال ابن عساكر اخبرنا زكريا يحيى بن إسماعيل بن يحيى بن زكريا نا عبد الله بن محمد بن الحسن نا عبد الله ابن هاشم بن حيان العبدي نا وكيع نا فضيل بن مرزوق

__________________

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٣ ـ ص ٧٠.

(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ـ ص ٤٢١.

٤٢٣

عن رجل من الأنصار عن أنس ابن مالك قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعوا لي أصحابي وأصهاري. (١)

اما بنو فراس بن غَنْم :

فقد قال ابن أبي الحديد في شرح الفقرة : (وبنو فراس بن غنم بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وهم بنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة (٢) حي مشهور بالشجاعة منهم علقمة بن فراس وهو جذل الطعان ، ومنهم ربيعة بن مكدم بن حدثنا بن جذيمة بن علقمة بنفراس الشجاع المشهور حامي الظعن حيا وميتا ولم يحم الحريم وهو ميت أحد غيره. عرض له فرسان من بني سليم ومعه ظعائن من أهله يحميهم وحده فطاعنهم فرماه نبيشة بن حبيب بسهم أصاب قلبه فنصب رمحه في الأرض واعتمد عليه وهو ثابت في سرجه لم يزل ولم يمل وأشار إلى الظعائن بالرواح ، فسرن حتى بلغن بيوت الحي وبنو سليم قيام إزاءه لا يقدمون عليه ويظنونه حيا حتى قال قائل منهم : إني لا أراه إلا ميتا ولو كان حيا لتحرك ، إنه والله لماثل راتب على هيئة واحدة لا يرفع يده ولا يحرك رأسه ، فلم يقدمأحد منهم على الدنو منه حتى رموا فرسه بسهم فشب من تحته [أي رفع يديه] فوقع وهو ميت وفاتتهم الظعائن. (٣)

قال ابن ابي الحديد : قال القطب الراوندي : بنو فراس بن غنم هم الروم ، وليس بجيد والصحيح ما ذكرناه. (٤)

ونظير هذا الطعن نجده في خطب أخرى كما في الخطبة الآتية.

__________________

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ١٠٤.

(٢) قال عمر كحالة في معجم قبائل العرب ج ٣ ص ٩١١ : فراس بن غنم : بطن من كنانة ، من العدنانية ، وهم : بنو فراس ابن غنم بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. من ديارهم : برزة ، أقاموا بمصر. وأوقعت بنو فراس ببني سليم ببزرة. وكانوا على غاية من الشجاعة والفروسية.

(٣) ابن ابي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٣٤٢.

(٤) ابن ابي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٣٤٨.

٤٢٤

النموذج الثاني : خطبة يرويها الشيخي المفيد تنسب

إلى علي عليه‌السلام فيها طعن على أهل الكوفة

روى الشيخ المفيد خطبة لأمير المؤمنين علي عليه‌السلام حذف السند وهي :

أيها الناس ، إني استنفرتكم لجهاد هؤلاء القوم فلم تنفروا ، وأسمعتكم فلم تجيبوا ، ونصحت لكم فلم تقبلوا ، شهود كالغُيَّب ، أتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها ، وأعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها ، كأنكم حمر مستنفرة فرت من قسورة ، وأحثكم على جهاد أهل الجور فما أتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبأ ، ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا ، تضربون الأمثال ، وتناشدون الأشعار ، وتجسسون الأخبار ، حتى إذا تفرقتم تسألون عن الأسعار ، جهلة من غير علم ، وغفلة من غير ورع ، وتتبعا في غير خوف ، نسيتم الحرب والاستعداد لها ، فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها ، شغلتموها بالأعاليل والأباطيل.

العجب كل العجب وما لي لا أعجب من اجتماع قوم على باطلهم ، وتخاذلكم عن حقكم!

يا أهل الكوفة ، أنتم كأم مجالد ، حملت فأملصت ، فمات قيمها ، وطال تأيمها ، وورثها أبعدها.

والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إن من ورائكم للأعور الأدبر جهنم الدنيا لا يبقي ولا يذر ، ومن بعده النهاس الفراس الجموع المنوع ، ثم ليتوارثنكم من بني أمية عدة ، ما الآخر بأرأف بكم من الأول ، ما خلا رجلا واحدا ، (بلاء قضاه الله) على هذه الأمة لا محالة كائن ، يقتلون خياركم ، ويستعبدون أراذلكم ، ويستخرجون كنوزكم وذخائركم من جوف حجالكم ، نقمة بما ضيعتم من أموركم وصلاح أنفسكم ودينكم.

يا أهل الكوفة ، أخبركم بما يكون قبل أن يكون ، لتكونوا منه على حذر ، ولتنذروا به من اتعظ واعتبر.

كأني بكم تقولون : إن عليا يكذب ، كما قالت قريش لنبيها ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وسيدها نبي الرحمة محمد بن عبد الله حبيب الله ، فيا ويلكم ، أفعلى من أكذب؟!

٤٢٥

أعلى الله ، فأنا أول من عبده ووحده ، أم على رسوله ، فأنا أول من آمن به وصدقهونصره! كلا ، ولكنها لهجة خدعة كنتم عنها أغبياء. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لتعلمن نبأه بعد حين ، وذلك إذا صيركم إليها جهلكم ، ولا ينفعكم عندها علمكم.

فقبحا لكم يا أشباه الرجال ولا رجال ، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال (١) ، أم والله أيها الشاهدة أبدانهم ، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، ما أعز الله نصر من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، ولا قرت عين من آواكم ، كلامكم يوهي الصم ، الصلاب ، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب. يا ويحكم ، أي دار بعد داركم تمنعون! ومع أي إمام بعدي تقاتلون!

المغرور ـ والله ـ من غررتموه ـ من فاز بكم بالسهم الأخيب ، أصبحت لا أطمع في نصركم ، ولا أصدق قولكم ، فرق الله بيني وبينكم ، وأعقبني بكم من هو خير لي منكم ، وأعقبكم من هو شر لكم مني. إمامكم يطيع الله وأنتم تعصونه ، وإمام أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه ،

والله لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني واحدا منهم.

والله لوددت أني لم أعرفكم ولم تعرفوني ، فإنها معرفة جرت ندما.

لقد وريتم صدري غيظا ، وأفسدتم علي أمري بالخذلان والعصيان ، حتى لقد قالت قريش : إن عليا رجل شجاع لكن لا علم له بالحروب ، لله درهم ، هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا مني! وأشهد لها مقاساة! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، ثم ها أنا ذا قد ذرفت على الستين ، لكن لا أمر لمن لا يطاع.

أم والله ، لوددت أن ربي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه ، وإن المنية لترصدني فما يمنع أشقاها أن يخضبها ـ وترك يده على رأسه ولحيته ـ عهد عهده إلي النبي الأمي وقد خاب من افترى ، ونجا من اتقى وصدق بالحسنى.

يا أهل الكوفة ، دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلا ونهارا وسرا وإعلانا ، وقلت لكم اغزوهم ، فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم ، وثقل

__________________

(١) الحجال : جمع حجلة ، وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور ، يهيا للعروس.

٤٢٦

عليكم قولي ، واستصعب عليكم أمري ، واتخذتموه وراءكم ظهريا ، حتى شنت عليكم الغارات ، وظهرت فيكم الفواحش والمنكرات تمسيكم وتصبحكم ، كما فعل بأهل المثلات من قبلكم ، حيث أخبر الله تعالى عن الجبابرة والعتاة الطغاة ، والمستضعفين الغواة ، في قوله تعالى (يذبحون أبناءكم ، ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) " أم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لقد حل بكم الذي توعدون ، عاتبتكم ـ يا أهل الكوفة ـ بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم ، وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا ، وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا (١) ، ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف ، وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي ، ولكن سيسلط عليكم من بعدي سلطان صعب ، لا يوقر كبيركم ، ولا يرحم صغيركم ، ولا يكرم عالمكم ، ولا يقسم الفيء بالسوية بينكم ، وليضربنكم ويذلنكم ويجمرنكم (٢) في المغازي ويقطعن سبيلكم ، وليحجبنكم على بابه ، حتى يأكل قويكم ضعيفكم ، ثم لا يبعد الله إلا من ظلم منكم ، ولقلما أدبر شيء ثم أقبل ، وإني لأظنكم في فترة ، وما في إلا النصح لكم.

يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث واثنتين صم ذووا أسماع ، ولكم ذوو ألسن ، وعمي ذوو أبصار ، لا إخوان صدق عند اللقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء.

اللهم إني قد مللتهم وملوني ، وسئمتهم وسئموني. اللهم لا ترض عنهم أميرا ولا ترضهم عن أمير ، وأمث قلوبهم كما يماث الملح في الماء.

أم والله ، لو أجد بدا من كلامكم ومراسلتكم ما فعلت ، ولقد عاتبتكم في رشدكم حتى لقد سئمت الحياة ، كل ذلك تراجعون بالهزء من القول فرارا من الحق ، وإلحادا (٣) إلى الباطل الذي لا يعز الله بأهله الدين ، وإني لأعلم أنكم لا تزيدونني غير تخسير ، كلما أمرتكم بجهاد عدوكم اثاقلتم إلى الأرض ، وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول. إن قلت لكم في القيظ : سيروا ، قلتم : الحر شديد ، وإن قلت لكم في البرد : سيروا ، قلتم : القر شديد ، كل ذلك فرارا عن الجنة. إذا كنتم عن الحر والبرد

__________________

(١) الإرعواء : وهو الندم على الشيء والانصراف عنه والترك له.

(٢) التجمير : ترك العسكر في وجه العدو.

(٣) الحادا أي ميلا.

٤٢٧

تعجزون ، فأنتم عن حرارة السيف أعجز ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

يا أهل الكوفة ، قد أتاني الصريخ يخبرني أن أخا غامد (١) قد نزل الأنبار على أهلها ليلا في أربعة آلاف ، فأغار عليهم كما يغار على الروم والخزر ، فقتل بها عاملي ابن حسان وقتل معه رجالا صالحين ذوي فضل وعبادة ونجدة ، بوأ الله لهم جنات النعيم ، وإنه أباحها ، ولقد بلغني أن العصبة من أهل الشام كانوا يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة ، فيه تكون سترها ، ويأخذون القناع من رأسها ، والخرص (٢) من أذنها ، والأوضاح (٣) من يديها ورجليها وعضديها ، والخلخال والمئزر من سوقها ، فما تمتنع إلا بالاسترجاع والنداء : يا للمسلمين ، فلا يغيثها مغيث ، ولا ينصرها ناصر. فلو أن مؤمنا مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما ، بل كان عندي بارا محسنا.

واعجبا كل العجب ، من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم! قد صرتم غرضا يرمى ولا ترمون ، وتغزون ولا تغزون ، ويعصى الله وترضون ، تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها ، كلما اجتمعت من جانب تفرقت من جانب " (٤).

أقول : والتأمل في فقرات هذه الخطبة يكشف عن تجميعها من روايات مختلفة ، وقد ورد كثير من فقراتها مسندا في مصادر أخرى وفي اسانيدها رجال غير مؤتمنين على أهل الكوفة كما بينا.

أورد قسما منها الشريف الرضي في المختار من خطب الإمام علي ولم يكن همه رحمه‌الله حين اختار من الخطب والرسائل التحقيق ، ومن المؤسف انه لم يورد مصادر ولا أسانيد مختاراته ، ولكن الباحث لا يعسر عليه ان يجد اسانيدها في هذا المصدر أو ذاك (٥) ، ومن خلال مقارنتها بعضها مع بعض يستطيع الباحث ان يحكم على الاصيل

__________________

(١) أخا غامد ، هو سفيان بن عرف بن المغفل الغامدي ، أمره معاوية على جيش لغارة على أهل الأنبار والمدائن في أيام علي عليه‌السلام ، وقتل حسان بن حسان عامل علي عليه‌السلام على الأنبار.

(٢) الخرص : الحلقة من الذهب والفضة.

(٣) الاوضاح : حلي من الفضة.

(٤) الشيخ المفيد ، الإرشاد ج ١ ص ٢٧٨ ـ ٢٨٤.

(٥) وقد انبرى في عصرنا اكثر من باحث لتتبع اسانيد هذه الخطب منهم الباحث عبد الله نعمة ، مصادر

٤٢٨

من الدخيل من كلامه عليه‌السلام وبخاصة عندما يستريبه فقرة أو اكثر من الخطبة لمخالفتها المعروف والثابت من سيرته عليه‌السلام.

وفيما يلي بعض روايات مسندة أخرى تضمنت الفقرات الآنفة الذكر :

منها ما رواه البلاذري عن حدثني يحيى بن معين ، حدثنا سليمان أبو داود الطيالسي أنبأنا شعبة ابن الحجاج ، أنبأنا محمد بن عبيد الله الثقفي ، قال : سمعت أبا صالح يقول : شهدت عليا ووضع المصحف على رأسه حتى سمعت تقعقع الورق! فقال : اللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك! اللهم إني قد مللتهم وملوني ، وأبغضتهم وأبغضوني وحملوني على غير خلقي وعلى أخلاق لم تكن تعرف لي! فأبدلني بهم خيرا لي منهم ، وأبدلهم بي شرا مني ، ومث قلوبهم ميث الملح في الماء.

وفي سند الرواية أبو داود الطيالسي البصري وشيخه شعبة وكلاهما بصريان متهمان في أهل الكوفة.

مضافا إلى انها تخالف المعروف عن أهل الكوفة ، فانهم لم يبغضوا عليا ، كيف وقد شهد معاوية بحبهم له ووفائهم له بقوله : هيهات يا أهل العراق والله لوفاؤكم له اعجب إلي من حبكم له في حياته ، فضلا عن دفعهم الثمن غاليا واثروا قطع الايدي والقتل والسجن على البراءة منه.

ومنها أيضا رواية أبي الفرج في كتابه الاغاني قال فحدثني العباس بن علي بن العباس النسائي ، قال : حدثنا محمد بن حسان الأزرق ، قال : حدثنا شبابة بن سوار (١) ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن عمرو بن قيس ، عن أبي صادق قال :

__________________

نهج البلاغة وأسانيده ، طبعة دار الهدى بيروت سنة ١٣٩٢ هـ ١٩٧٢ م والمرحوم السيد عبد الزهراء الخطيب في أربعة أجزاء طبعة الأعلمي بيروت ، سنة ١٣٩٥ هـ ..

(١) شبابة بن سوار المدائني : قال الفضل با شاذان ت ٢٦٠ هـ في كتابه الايضاح ص ٤٥٠ : هو من أعدى الناس لعلي عليه‌السلام. وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج ٩ ص ٢٩٤ ـ ٢٩٩ قال : اصله من خراسان نزل في المدائن وحدث بها وببغداد ، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٤ ص ٢٦٤ ـ ٢٦٦ : قيل اسمه مروان حكاه ابن عدي اخرج له الستة. روى عن حريز بن عثمان الرحبي وشعبة وشيبان ويونس بن أبي إسحاق وابن أبي ذئب والليث وغيرهم وقال البخاري يقال مات سنة (٢٠٤) أو (٢٠٥) وقال أبو موسى وغيره مات سنة (٢٠٦) وقال العجلي في معرفة الثقاة ج ١ ص ٤١ : مولده في حدود عام ١٣٠ هـ ومات بمكة في ٢٠٦ هـ .. قال ابن حجر : وقال أبو بكر بن أحمد بن أبي

٤٢٩

أغارت خيل لمعاوية على الأنبار ، فقتلوا عاملا لعلي عليه‌السلام يقال له حسن بن حسان ، وقتلوا رجالا كثيرا ونساءا ، فبلغ ذلك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، فخرج حتى أتى المنبر ، فرقيه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال :

إن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذلة ، وشمله البلاء وديث بالصغار ، وسيم الخسف! وقد قلت لكم اغزوهم قبل أن يغزو بكم ، فإنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا! فتواكلتم وتخاذلتم وتركتم قولي وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات ، هذا أخو غامد قد جاء الأنبار فقتل عاملي عليها حسان بن حسان ، وقتل رجالا كثيرا ونساء ، والله لقد بلغني أنه كان يأتي المرأة المسلمة ، والأخرى المعاهدة فينزع حجلها ورعائها ثم ينصرفون موفورين لم يكلم أحد منهم كلما فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا لم يكن عليه ملوما ، بل كان به جديرا! يا عجبا ـ عجبا يميت القلب ويشعل الأحزان؟! ـ من اجتماع هؤلاء القوم على ضلالتهم وباطلهم وفشلكم عن حقكم! حتى صرتم غرضا ، ترمون ولا ترمون وتغزون ولا تغزون ، ويعصى الله وترضون! إذا قلت لكم اغزوهم في الحر قلتم : هذه حمارة القيظ فأمهلنا وإذا قلت لكم اغزوهم في البرد قلتم : هذا أوان قر وصر فأمهلنا فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أشد فرارا! يا أشباه الرجال ـ ولا رجال ـ ويا طغام الأحلام وعقول ربات الحجال.

وددت والله أني لم أعرفكم ، بل وددت أني لم أركم! معرفة والله جرعت بلاء وندما؟! وملأتم جوفي غيظا بالعصيان والخذلان ، حتى لقد قالت قريش : إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب! ويحهم! هل فيهم [أحد]) أشد مراسا لها

__________________

الثلج حدثني أبو علي بن سختي المدائني رجل معروف من أهل المدائن قال رأيت في المنام رجلا نظيف الثوب حسن الهيئة فقال لي من أين أنت قلت من أهل المدائن قال من أهل الجانب الذي فيه شبابة قلت نعم قال فاني ادعو الله فأمن على دعائهم اللهم إن كان شبابة يبغض أهل نبيك فاضربه الساعة بفالج قال فانتبهت وجئت إلى المدائن وقت الظهر وإذا الناس في هرج فقلت ما للناس فقالوا فلج شبابة في السحر ومات الساعة.

٤٣٠

مني ، والله لقد دخلت فيها وأنا ابن عشرين ، وأنا الآن قد نيفت على الستين ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.

فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أنا كما قال الله تعالى (لا أملك إلا لنفسي وأخي) [٢٥ / المائدة] فمرنا بأمرك فوالله لنعطينك ولو حال بيننا وبينك جمر الغضى وشوك القتاد ، قال : وأين تبلغان مما أريد؟ ـ [قال لهما] : هذا أو نحوه ـ ثم نزل [عليه‌السلام].

قال العلامة المحقق المحمودي بعد ان أورد الخطبة بالسند السابق يذكر المصادر :

ذكرها ابو الفرج تحت عنوان : (أخبار أم حكيم ومقتل ابني عبيد الله بن العباس) من كتاب الأغاني : ج ١٥ ، ص ٢٦٦ ط تراثنا.

وذكرها أيضا السيد الرضي رحمه‌الله في المختار : (٢٧) من خطب النهج ،

وذكرها قبله المبرد ، في كتاب الكامل : ج ١ ، ص ١٩.

وذكرها جماعة آخرون كقالضي النعمان في دعائم الإسلام : ج ١ ، ص ٣٩٠ وغيره.

وذكره البلاذري أيضا في الحديث : (٤٩٠) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف : ج ١ ص ٤١٨. وفي الطبعة الأولى : ج ٢ ص ٤٤٢.

ورواه ابن عبد ربه أيضا في العقد الفريد : ج ٢ ص ٣٥٣ وفي ط : ج ٤ ص ١٣٦.

وذكره الدينوري أيضا قبيل مقتله عليه‌السلام من كتاب الأخبار الطوال ص ٢١١. (١)

ولها مصادر أخر ...

والقاري الكريم يلاحظ في السند شبابة وقد أوردنا ترجمته في هذا الكتاب انظر هامش الصفحة رقم ٤٢٩ ، وهو معروف بعدائه لأهل البيت فضلا عن شيعتهم.

أقول :

نحن لا ننفي ان تكون هناك كلمات عتب وتوبيخ لقسم من الكوفيين وبخاصة

__________________

(١) الشيخ المحمودي ، نهج السعادة ج ٢ ص ٥٦٠ ـ ٥٦٦.

٤٣١

في الفترة ما قبل معركة النهروان حيث استطاع الخوارج ان يوجدوا نوعا من الشلل العام في المجتمع ولم تكن سياسة علي عليه‌السلام استعمال القوة في قمع المناقشات التي كان يصيرها الخوارج ضده املا منه ان يثوب إلى رشده من يثوب منهم ، وهذه الأحاديث والتوبيخات تخلوا من الطعن الذي اشتملت عليه الخطب السابقة ونموذجه ما أورده صاحب كتاب الغارات بسنده : ورواه المحمودي في كتابه نهج السعادة (١) : عن إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه‌الله عن إسماعيل بن أبان الأزدي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن رفيع بن فرقد البجلي قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول :

ألا ترون يا معاشر أهل الكوفة؟ والله لقد ضربتكم بالدرة التي أعظ بها السفهاء فما أراكم تنتهون ، ولقد ضربتكم بالسياط التي أقيم بها الحدود فما أراكم ترعوون فما بقي إلا [أن أضربكم] بسيفي وإني لأعلم الذي يقومكم بإذن الله ، ولكني لا أحب أن آتي ذلك منكم.

والعجب منكم ومن أهل الشام؟ إن أميرهم يعصي الله وهم يطيعونه ، وإن أميركم يطيع الله وأنتم تعصونه!

إن قلت لكم : انفروا إلى عدوكم [في أيام الصيف قلتم : هذه حمارة القيظ أمهلنا يسلخ عنا الحر ، وإذا قلت لكم : انفروا إليهم في الشتاء] قلتم : القر يمنعنا. أفترون [أن] عدوكم لا يجدون [الحر] والقر كما تجدونه؟! ولكنكم أشبهتم قوما قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انفروا في سبيل الله. فقال [لهم] كبراؤهم : لا تنفروا في الحر. فقال الله لنبيه : (قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) [٨١ / التوبة].

والله لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بحذافيرها على الكافر ما أحبني! وذلك إنه قضى ما قضى على لسان النبي الأمي : أنه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك كافر (٢) وقد خاب من حمل ظلما وافترى.

يا معاشر أهل الكوفة والله لتصبرن على قتال عدوكم أو ليسلطن الله عليكم قوما أنتم أولى بالحق منهم فليعذبنكم ، أفمن قتلة بالسيف تحيدون إلى موتة على الفراش؟

__________________

(١) ج ٢ ص ٥٨٧ ـ ٥٩١.

(٢) الرواية المشهورة في كتب الحديث تذكر لفظة (منافق) وهي الصحيحة.

٤٣٢

فأشهد أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [يقول : والله] لموتة على الفراش أشد من ضربة ألف سيف! ، أخبرني به جبرئيل. فهذا جبرئيل يخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما تسمعون (١).

أقول :

والقارئ الكريم يجد الخطبة خالية من كلمات الطعن الآنفة الذكر ، ونسق التوبيخ ينسجم مع حالة الشلل اوجدها الخوارج في المجتمع وقد تربوا على منهج الخلفاء ولم ينفتحوا على منهج علي عليه‌السلام على الرغم من معرفتهم ان منهجه هو منهج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وان منهج الخلفاء هو منهج انفسهم مخالفين فيه سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والدولة التي منحتهم حرية التعبير عن آرائهم. (٢)

النموذج الثالث : ما رواه ابن عساكر في

تاريخ مدينة دمشق ج ١٢ ص ١٦٩

قال وأنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الصنعاني بمكة أنبأنا إسحاق بن إبراهيم نبأنا عبد الرزاق أخبرنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار عن الحسن قال : قال علي لأهل الكوفة اللهم كما ائتمنتهم فخانوني ونصحت لهم فغشوني فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال الميال يأكل خضرتها ويلبس فروتها ويحكم فيها بحكم الجاهلية ، قال يقول الحسن وما خلق الله الحجاج يومئذ انتهى

أقول :

والرواية التي يرويها القاضي النعمان الذي اشار اليه المحمودي رحمه‌الله تشير إلى ان هذه الكلمات في أهل البصرة وليس أهل الكوفة كما في الخبر الآتي :

روى القاضي النعمان عن رجل من أهل البصرة قال : قال علي عليه‌السلام ـ على المنبر ـ : يا أهل البصرة ، إن كنت قد أديت لكم الأمانة ونصحت لكم بالغيب ،

__________________

(١) المحمودي ، نهج السعادة ، ج ٢ ص ٥٦٠ ـ ٥٦٦.

(٢) من المفيد للقارئ الكريم قراءة جواب العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه مختصر مفيد ج ٨ ص ١٠٦ ـ ١٢٨ في سائل سأله عن كلمات امير المؤمنين عليه‌السلام الموبخة لأصحابه.

٤٣٣

واتهمتموني ، وكذبتموني ، فسلط الله عليكم فتى ثقيف.

فقام رجل ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، وما فتى ثقيف؟ قال : رجل لا يدع الله حرمة إلا انتهكها ، به داء يعتري الملوك ، لو لم تكن إلا النار لدخلها. (١)

وفي رواية أخرى عن الدغشي ، باسناده عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لما انهزم أهل البصرة قام فتى إلى علي صلوات الله عليه ، فقال : ما بال ما في الأخبية لا تقسم؟ فقال علي عليه‌السلام : لا حاجة لي في فتوى المتعلمين. قال : ثم قام إليه فتى آخر. فقال مثل ذلك. فرد عليه مثل ما ردَّ أولا». فقال له الفتى : أما والله ما عدلت. فقال له علي عليه‌السلام : إن كنت كاذبا» فبلغ الله بك سلطان فتى ثقيف.

ثم قال علي عليه‌السلام : اللهم إني قد مللتهم وملوني ، فأبدلني بهم ما هو خير منهم ، وأبدلهم بي ما هو شر لهم. قال الأصبغ بن نباتة : فبلغ ذلك الفتى سلطان الحجاج ، فقتله. (٢)

أقول :

وليس من شك ان الفقرة ما قبل الأخيرة ان صدق الراوي في ايرادها ، فهي دعوة على كثير من أهل البصرة حين نكثوا بيعته واستجابوا لقريش الناكثة وقاتلوا عليا. ولا تصدق على أهل الكوفة لانه نصروه وقاتلوا معه أهل البصرة ولولا نصرتهم له لكانت الأمور تتجه اتجاها آخر.

وقد ذكرهم علي أيضا بقوله :

(كنتم جند المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق ، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه ، كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة ، قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها ، وغرق من في ضمنها. وفي رواية : وأيم الله ، لتغرقن بلدتكم ، حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة ، أو نعامة جاثمة. (٣)

__________________

(١) القاضي النعمان المغربي ، شرح الأخبار ، ج ٢ ص ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٢) القاضي النعمان المغربي ، شرح الأخبار ، ج ٢ ص ٢٩٠.

(٣) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج ١ ص ٢٥١.

٤٣٤

النموذج الرابع : رواية أبي مخنف وغيره في تفرق الكوفيين

بعد النهروان بخلاف رواية أبي عوانة التي تؤكد

اجتماع كلمة الكوفيين على علي عليه‌السلام

قال البلاذري : وحدثني عباس بن هشام ، عن أبيه ، عن لوط بن يحيى أبي مخنف : أن عمارة بن عقبة بن أبي معيط كتب إلى معاوية من كوفة يعلمه أنه خرج على علي قراء أصحابه ونساكهم فسار إليهم فقتلهم فقد فسد عليه جنده وأهل مصره ، ووقعت بينهم العداوة ، وترقوا أشد الفرقة.

أقول :

وقد روى الثقفي في الغارات قال : قال : أبو مخنف عمن ذكره عن زيد بن وهب ان عليا قال للناس وهو أول كلام قال لهم بعد النهر :

أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدو في جهاده القربة إلى الله ودرك الوسيلة عنده ، حيارى في الحق ، جفاة عن الكتاب نكب عن الدين ، يعمهون في الطغيان ويعكسون في غمرة الضلال ، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ، وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا وكفى بالله نصيرا.

قال : فلا هم نفروا ولا تيسروا فتركهم أياما حتى إذا أيس من أن يفعلوا دعا رؤساءهم ووجوههم ، فسألهم عن رأيهم وما الذي ينظرهم فمنهم المعتل ومنهم المكره وأقلهم من نشط.

فقام فيهم خطيبا فقال : عبد الله مالكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة وبالذل والهوان من العز؟! أو كلما ندبتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من الموت في سكرة ، وكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون ، وكأن أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون لله أنتم ما أنتم ..! الا أسود الشرى في الدعة وثعالب رواغة حين تدعون إلى البأس ، ما أنتم لي بثقة لي بثقة سجيس الليالي ، ما أنتم يركب يُصال بكم ولا ذوي عز يعتصم إليه ، لعمرو الله لبئس حشاش الحرب أنتم ، انكم تكادون ولا تكيدون ويتنقص أطرافكم ولا تتحاشون ، ولا ينام عنكم وأنتم

٤٣٥

في غفلة ساهون ، ان أخا ـ الحرب اليقظان ذو عقل ، وبات لذل من وادع ، وغلب المتجادلون والمغلوب مقهور ومسلوب.

ثم قال : أما بعد فان لي عليكم حقا ، وان لكم علي حقا ، فأما حقكم علي فالنصيحة لكم ما صحبتكم ، وتوفير فيئكم عليكم ، وتعليمكم كيما لا تجهلوا ، وتأديبكم كي تعلموا ، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصح لي في المغيب والمشهد ، والاجابة حين أدعوكم ، والطاعة حين آمركم ، فان يرد الله بكم خيرا تنتزعوا عما أكره ، وتراجعوا إلى ما احب تنالوا ما تطلبون وتدركوا ما تأملون. (١)

قال البلاذري : وحدثني هشام بن عمار الدمشقي أبو الوليد [قال] : حدثني صدقة بن خالد ، عن زيد بن واقد ، عن أبيه ، عن أشياخهم أن معاوية لما بويع وبلغه قتال علي أهل النهروان ، كاتب وجوه من معه مثلالأشعث ابن قيس وغيره ووعدهم ومناهم وبذل لهم حتى مالوا إليه وتثاقلوا عن المسيرمع علي عليه‌السلام ، فكان يقول فلا يلتفت إلى قوله ، ويدعو فلا يسمع لدعوته!

فكان معاوية يقول : لقد حاربت عليا بعد صفين بغير جيش ولا عناء ـ أو قال : ولا عتاد.

أقول :

في سند الرواية الأولى أبو مخنف وهو متهم في أهل الكوفة من خلال كتابه مقتل الحسين ،

وفي سند الرواية الثانية هشام بن عمار الدمشقي وأهل دمشق متهمون في أهل الكوفة وقال ابن حجر حدث باربعمائة حديث ليس لها اصل. (٢)

مضافا إلى ذلك فهي معارضة بروايات أخرى رواها البلاذري في ترجمة علي عليه‌السلام في رسالته إلى قيس بن سعد واليه على آذربايجان : ان الناس قد اجتمعت كلمتهم وليس لنا شغل الا انتظارك.

قال البلاذري وحدثني أبو مسعود الكوفي ، عن عوانة : أن عليا [عليه‌السلام]

__________________

(١) إبراهيم بن محمد الثقفي ، الغارات ، ج ٢ ص ٦٩١.

(٢) ابن حجر ، مقدمة فتح الباري ص ٤٤٨.

٤٣٦

كتب إلى قيس ابن سعد [بن عبادة] وهو عامله على آذربيجان : «أما بعد فاستعمل على عملك عبيد الله ابن شبيل الأحمسي وأقبل فإنه قد اجتمع ملأ المسلمين وحسنت طاعتهم ، وانقادت لي جماعتهم ولا يكن لك عرجة ولا لبث ، فإنا جادون معدون ، ونحن شاخصون إلى المحلين ، ولم أؤخر المسير إلا انتظارا لقدومك علينا إن شاء الله والسلام.

وروى أيضا عن أبي مسعود قال : قال عوانة : قال عمرو بن العاص ـ حين بلغه ما عليه على من الشخوص إلى الشام وأن أهل الكوفة قد انقادوا له :

لا تحسبني يا علي غافلا

لأوردن الكوفة القبائلا

ستين ألفا فارسا وراجلا

فقال : علي :

لأبلغن العاصي بن العاصي

ستين ألفا عاقدي النواصي

مستحقبين حلق الدلاص (١)

ويؤكد ذلك ما رواه سليم في كتابه من ان الناس قد ازدادت بصيرتهم بعلي واستبصر عامة من كان يشك في ضلالة من خالفه. (٢)

النموذج الخامس : رواياتموضوعة على لسان الحسن عليه‌السلام

ضد الكوفيين نذكر منها

ما رواه الطبري قال : حدثني عبد الله بن أحمد المروذي قال أخبرني أبي قال حدثنا سليمان قال حدثني عبد الله عن يونس (الايلي) عن الزهري قال بايع أهل العراق الحسن بن علي بالخلافة فطفق يشترط عليهم الحسن إنكم سامعون مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط وقالوا ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا القتال فلم يلبث الحسن عليه‌السلام بعدما بايعوه إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا فكاتب

__________________

(١) البلاذري ، انساب الاشراف ، ص ٤٨٠ ـ ٤٨١.

(٢) سليم بن قيس الهلالي ، كتاب سليم بن قيس ج ٢ ص ٦٧٠ ـ ٦٧١.

٤٣٧

معاوية وأرسل إليه بشروط قال إن أعطيتني هذا فأنا سامع مطيع وعليك أن تفي لي به ووقعت صحيفة الحسن في يد معاوية وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده وأمسك معاوية صحيفة الحسن عليه‌السلام التي كتب إليه يسأله ما فيها فلما التقى معاوية والحسن عليه‌السلام سأله الحسن أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فأبى معاوية أن يعطيه ذلك فقال لك ما كنت كتبت إلى أولا تسألني أن أعطيكه فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك قال الحسن عليه‌السلام وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك فلم ينفذ للحسن عليه‌السلام من الشروط شيئا. (١)

وروى بالسند نفسه قال : جعل علي عليه‌السلام قيس ابن سعد على مقدمته من أهل العراق إلى قبل آذربيجان وعلى أرضها وشرطة الخميس التي ابتدعتها العرب وكانوا أربعين ألفا بايعوا عليا عليه‌السلام على الموت ولم يزل قيس يدارئ ذلك البعث حتى قتل علي عليه‌السلام واستخلف أهل العراق الحسن بن علي عليه‌السلام على الخلافة وكان الحسن لا يرى القتال ولكنه يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية ثم يدخل في الجماعة وعرف الحسن أن قيس بن سعد لا يوافقه على رأيه فنزعه وأمر عبد الله بن عباس فلما علم عبد الله بن عباس بالذي يريد الحسن عليه‌السلام أن يأخذه لنفسه كتب إلى معاوية يسأله الأمان ويشترط لنفسه على الأموال التي أصابها فشرط ذلك له معاوية. (٢)

أقول :

وفي سند الرواية الزهري وهو فقيه ورواية البلاط الأموي الرسمي ، ثم تلميذه الاثير يونس الايلي (٣) مولى معاوية بن أبي سفيان رافقه اثنتا عشرة سنة في أخريات عمره

__________________

(١) الطبري ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٢) المصدر السابق.

(٣) هو يونس بن يزيد بن أبي النجاد الايلي أبو يزيد القرشي. ذكره خليفة في الطبقة الثالثة من أهل

٤٣٨

ولذلك اعتبروه الأثبت فيه من أصحابه.

وما رواه الطبري أيضا قائلا : وحدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن الخزاعي أبو عبد الرحمن قال حدثنا إسماعيل بن راشد قال بايع الناس الحسن بن علي عليه‌السلام بالخلافة ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثنى عشر ألفا وأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر ألا إن قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا ونهبوا سرادق الحسن عليه‌السلام حتى نازعوه بساطا كان تحته وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملا على المدائن وكان اسمه سع دبن مسعود فقال له المختار وهو غلام شاب هل لك في الغنى والشرف قال وما ذاك قال توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية فقال له سعد عليك لعنة الله أثب على ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأوثقه بئس الرجل أنت فلما رأى الحسن عليه‌السلام تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن ابن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ثم قام الحسن في أهل العراق فقال يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث قتلكم أبى وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس.

وفي سند الرواية موسى المسروقي كوفي عامي سنة ٢٥٨ هـ.

ثم : عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن الخزاعي أبو عبد الرحمن.

أقول :

هو عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني الطرائفي ت سنة ٢٠٣ هـ والخزاعي

__________________

مصر صحب الزهري اثني عشر سنة. وكان الزهري إذا قدم ايلة نزل عند يونس وإذا سار إلى المدينة زامله يونس. قال محمد بن سعد حديثه حلو ربما جاء بالشيء المنكر ، توفي في صعيد مصر سنة ١٥٩ ه أو ١٦٠ هـ. كان تعداده في بني أمية. (ايلة مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام وقيل هي آخر الحجاز واول الشام. الحموي ، معجم البلدان ج ١ ص ٢٣٢.

٤٣٩

تصحيف الحراني (١).

قال ابن حجر : عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد الله ويقال أبو محمد ويقال أبو هاشم المكتب المعروف بالطرائفي اخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة ، مولى منصور بن محمد بن مروان وقيل مولى بني تيم ..

قال البخارييروي عن قوم ضعاف ،

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه إسحاق بن منصور عن ابن معين عثمان بن عبد الرحمن التيمي ثقة. قال وسألت أبي عنه فقال صدوق وأنكر على البخاري إدخاله في الضعفاء يشبه بقية في روايته عن الضعفاء.

وقال أبو أحمد الحاكم إنما لقب بالطرائفي لأنه كان يتبع طرائف الحديث يرويعن ثم ضعاف حديثه ليس بالقائم.

وقال ابن عدي سمعت أبا عروبة ينسبه إلى الصدق وقال لا بأس به متعبد ويحدث عن قوم مجهولين بالمناكير وعنده عجائب وهو في الجزريين كبقية في الشاميين.

قال أبو أحمد وصوبه عثمان انه لابأس به وتلك العجائب من جهة المجهولين وما يقع في حديثه من الانكار فإنما يقع من جهة من يروي عنه.

قال ابن حجر : وقال ابن أبي عاصم صدوق اللسان

وقال الساجي عنده مناكير.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه لا أجيزه

وقال الأزدي متروك ،

وقال ابن نمير كذاب ،

وقال ابن حبان يروي عن قوم ضعاف أشياء يدلسها لا يجوز الاحتجاج به.

ووثقه ابن شاهين

مات سنة (٢٠٣) وقيل سنة (٢٠٢). (٢)

__________________

(١) انظر ابن الدمشقي ، جواهر المطالب ت ٨٧١ تحقيق المحمودي ص ٨٩ ، حيث رواها عن الطبري بلفظ الحراني وليس الخزاعي.

(٢) ابن حجر ، تهذيب التهذيب ج ٧ ص ١٢٣ ـ ١٢٤.

٤٤٠