الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

السيّد سامي البدري

الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-499-295-7
الصفحات: ٦١٤

الباب الثالث / الفصل الرابع

الروايات الطاعنة في عقيدة الوصية بعلي عليه‌السلام

أ. رواية سيف بن عمر (ت ١٧٠ ـ ١٩٣)

وضع سيف بن عمر (١) كتابين هما (كتاب الفتوح الكبير والردة) و (الجميل ومسير عائشة وعلي) وشحنهما بالاخبار الموضوعة وقد تبنى روايتهما الطبري ومن جاء بعده إلى اليوم من المؤرخين السنة ، لتحقيق هدفين :

الأول : تشويه حقيقة الإمامة الإلهية لعلي التي أسستها الأحاديث النبوية كحديث الغدير وحديث الثقلين وحديث المنزلة وحديث الكساء وغيرها ، وافتعال قصة عبد الله بن سبأ يهودي اظهر اسلامه أيام عثمان ، وانه أول من قال بفكرة الوصية لعلي وانه كسب إليها عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر مالك الاشتر وكميل بن زياد وعمرو بن الحمق وغيرهم من وجوه شيعة علي ممن امن بمشروعه الإحيائي للسنة ومعنى ذلك ان الشيعة تأسيس سبائي.

الثاني : تحريف وقائع تاريخ صراع قريش المسلمة مع علي حول الإمامة الإلهية.

ففي قصة السقيفة حرَّف سيف امتناع علي عن البيعة لابي بكر مدة حياة فاطمة

__________________

(١) انظر كلمات أهل الجرح والتعديل فيه في كتاب عبد الله بن سبأ للعلامة العسكري ، وكتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة والتاريخ الإسلامي الباب الرابع الفصل الرابع.

٤٠١

وما جرى من حوادث حرق باب بيت فاطمة إلى واقع ان عليا لما سمع ان أبا بكر قد جلس للبيعة هرع إليه تاركا رداءه خلفه لا تفوته البيعة (١) ، وليس من شك ان ذلك مخالف لوايات غير سيف من المحدثين والمؤرخين (٢).

وكذلك حرف سيف قصة عثمان من قبل قريش المنشقة بقيادة طلحة والزبير إلى ان قتلة عثمان هم عبد الله بن سبأ المزعوم ورجال علي المؤمنين بمشروعه الإحيائي للسنة أمثال أبي ذر ومالك الاشتر ومحمد بن أبي بكر وكميل بن زياد تعتيما على مشروع علي عليه‌السلام وعلى دورهم فيه.

وقد قام العلامة المحقق الاميني رحمه‌الله في موسوعته القيمة الغدير بجهد تحقيقي قيم حول روايات سيف للكشف عن زيفها.

وكذلك العلامة المحقق العسكري في كتابيه عبد الله بن سبأ بثلاث مجلدات وخمسون ومائة صحابي مختلق بثلاث مجلدات روايات سيف قام بجهد تحقيقي مقارن قيم جدا لم يسبق لاحد قبله ان قام به كشف عن التحريف الهائل للاخبار التاريخية.

وقد استظهر العلامة العسكري ان الدافع الذي دفع سيفا لذلك هو الزندقة والتعصب القبلي والدفاع عن الصحابة القرشيين الذين حكموا ، وانه ألف كتابيه في عصر انتشرت فيه العصبية القبلية والزندقة وهو الربع الأول من القرن الثاني الهجري أي انه ألّفه في عصر الأمويين.

وقد استظهرنا ان الدافع هو تطويق حركة الحسنيين ومدرسة الامام الصادق عليه‌السلام لقرائن وشواهد عديدة في روايات سيف وتجئ الفترة التي قدرها المؤرخون لوفاة سيف بين سنة ١٧٠ هـ وسنة ١٩١ هـ عن تسعين سنة مؤيدة لهذا الاستظهار لان هذا التقدير لوفاته معناه انه عاصر فترة الانقلاب الفكري المضاد لأهل البيت عليهم‌السلام ولأهل الكوفة الذي قام به الخليفة المنصور ضد الامام الصادق عليه‌السلام والحسنيين وسار عليه الخلفاء من

__________________

(١) روى الطبري في تاريخه ج ٢ ص ٤٤٧ عن سيف بن عمر عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب ابن أبي ثابت قال كان علي في بيته إذ أتى فقيل له قد جلس أبو بكر للبيعة فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلا كراهية أن يبطئ عنها حتى بايعه ثم جلس إليه وبعث إلى ثوبه فأتاه فتخلله ولزم مجلسه.

(٢) انظر تفصيل ذلك في كتاب عبد الله بن سبا للعلامة العسكري رحمه‌الله.

٤٠٢

ذريته من سنة ١٤٤ هجرية لتغييرثقافة الولاء المنتشرة التي تدعو إلى الإمامة الإلهية لأهل البيت عليهم‌السلام والى محبة ذرية فاطمة عليها‌السلام هذه المحبة التي تجعل حركاتهم السياسية موضع تأييد وترجيح بشكل عام ،

ان سيف بن عمر ألف كتابيه تلبية لرغبة الاعلام العباسي ، ولتحقيق الهدفين الآنفي الذكر اللذين اشرنا إليهما ، ولا ينافي ذلك كونه متهم بالزندقة بل هذا الاتهام هو المناسب لمن يقدم على تشويه روايات التاريخ والعقائد.

أقول : ولم يكن سيف بن عمر هو الوحيد الذي خدم العباسيين في تحقيق أهدافهم الماكرة فقد كان له نظراء أمثال عبد الرحمن بن مالك بن مغول وأبي مخنف وشبابة بن سوار ونظرائهم (١) ممن روى وكتب في القرن الأول من العهد العباسي لتشويه تاريخ علي والحسن والحسين عليهم‌السلام وتاريخ الكوفيين معهم الذين امنوا بمشروعهم الإحيائي للسنة النبوية ، وتأتي قراءتنا الجديدة لصلح الامام الحسن عليه‌السلام من اجل تسليط الدراسة المقارنة لروايات الحادثة المعينة لكشف الحقيقة الضائعة.

ب. رواية عبد الرحمن بن مالك بن مغول تـ ١٩٥

اما النموذج الثاني فهو رواية عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه عن الشعبي أنَّه قال : قال لي الشعبي : وأحذِّركم هذه الأهواء المظلة وشرُّها الرافضة لم يدخلوا في الإسلام رغبةً ولا رهبةً ولكن مقتاً لأهل الإسلام وبغياً عليهم قد حرَّقهم علي عليه‌السلام بالنَّار ونفاهم إلى البلدان منهم عبد الله بن سبأ يهودي من صنعاء نفاه إلى ساباط ، وعبد الله بن يسار نفاه إلى خازر ، وآية ذلك محنة الرافضة محنة اليهود قالت اليهود : لا يصلح الملك إلَّا في آل داود ، وقالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلَّا في ولد علي ، وقالت : لا جهاد في سبيل الله حتَّى يخرج المهدي وينادي منادي من السماء ... (٢)

__________________

(١) ليس معنى ذلك ان هذه الشخصيات متساوية فيما وضعت بل قد يضع هذا الراوي حديثا أو حديثين أو يحرف قضية أو قضيتين ويحرف الآخر عشرات بل مئات ونموذجهم سيف ، وكذلك ليس معنى ذلك اننا لا نجد ولو رواية صحيحة واحدة عند أمثال سيف ومن هنا لا بد من مقارنة رواياتهم مع روايات غيرهم ثم عرضها على المعروف الثابت من الحوادث وعقيدة الاشخاص موضوع الرواية.

(٢) ابن تيمية ، منهاج السنة ج ١ ص ٢٣ ـ ٣٤ عن أبي جعفر بن شاهين ت ٣٨٥ هـ في كتاب اللطيف في

٤٠٣

وهذه الرواية ينفرد بها عبد الرحمن بن مالك بن مغول وهو كذَّاب وضَّاع. (١)

أقول :

وإلى هاتين الروايتين وأمثالهما استند ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ) ومن كان قبله ومن جاء بعده ممن أخذ عنه ليقول إنَّ التشيُّع أصله عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم على عهد عثمان.

قال ابن تيمية : " وقد علم أهل العلم أنَّ أوّل ما ظهرت الشيعة الإمامية المدعية للنَّص في أواخر أيام الخلفاء الراشدين وأفترى ذلك عبد الله بن سبأ ". (٢)

وقال الدكتور سليمان العودة من المعاصرين من أهل الحجاز : إنَّ عبد الله بن سبأ هو أصل التشيع. (٣)

__________________

السنة وعن أبي عاصم خشيش بن صريم بن الأسود النسائي ت ٢٥٣ هـ في كتابه ، وعن أبي القاسم الطبري في شرح أصول السنَّة ، كلهم عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول : وهو كذَّاب ، وكذلك رواه ابن عبد ربَّه ت ٣٢٧ هـ في العقد الفريد.

(١) أوردنا أقوال علماء الجرح والتعديل فيه في كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي.

(٢) ابن تيمية ، منهاج السنَّة ج ١ ص ٢٥١ وأيضاً ج ١ ص ١١ ، ٣٠٦ ، ج ٨ ص ٤٧٩.

(٣) سليمان العودة : عبد الله بن سبأ ودوره في احداث الفتنة ط ١ ، ٢٣٢ وما بعدها.

٤٠٤

الباب الثالث / الفصل الخامس

كتاب أبي مخنف في مقتل الحسين عليه‌السلام

تُعدُّ كتب أبي مخنف لوط بن يحي الازدي ت ما قبل ١٧٠ هجرية في مقتل الحسين عليه‌السلام وحركة التوابين وحركة المختار ، من اقدم واشهر المصادر في موضوعه ، الطبري في التاريخ ، وابن اعثم في الفتوح ، والبلاذري في انساب الاشراف ، وروى المسعودي طرفا منها في مروج الذهب ، ثم أخذ ابن الاثير في كتابه الكامل ، وابن كثير ، وابن خلدون ، والذهبي ، برواية الطبري ، لأنه اوردها كاملة ، وعن هؤلاء أخذ المعنيون بالتاريخ الإسلامي ، من القدامى والمعاصرين شيعة كانوا او سنّة.

لم يكن أبو مخنف من القائلين بإمامة علي عليه‌السلام والنص عليه من النبي فهو ليس شيعيا بالمعنى الخاص للتشيع.

قال ابن أبي الحددي : وأبو مخنف من المحدثين وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها. (١)

وأكَّد ذلك الشيخ المفيد في كتابه عن حرب الجمل وقد أورد اخبار حرب الجمل عن أبي مخنف والواقدي وغيرهما قال بعدها : فهذه جملة من اخبار البصرة ، وسبب فتنتها ، ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها ، قد اوردنا على سبيل الاختصار ، واثبتنا ما أثبتنا من الاخبار عن رجال العامة دون الخاصة ، ولم نثبت في

__________________

(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ١ ص ١٤٧.

٤٠٥

ذلك ما روته كتب الشيعة). (١)

هذا وقد عاصر أبو مخنف أربعة من الأئمة ، وهم السجاد والباقر والصادق والكاظم عليهم‌السلام ، ولم يروِ عن واحد منهم بشكل مباشر ، نعم روى عن بعض اصحابهم بعض الروايات.

وقد وثَّقَ أبا مخنف في النقل عددٌ من اعلام الشيعة (٢) ، الا ان ذلك قابل للمناقشة ، ونحن نتئِد على الأقل بل نرفض قبول فقرات مبثوثة في رواياته التي ترتبط بسيرة بعض الأئمة عليهم‌السلام او سيرة شيعتهم في الكوفة او علاقة الأئمة بهم في الفترة الواقعة من سنة حكم علي عليه‌السلام سنة ٣٥ هجرية وحروبه إلى مقتل المختار سنة ٦٧ هجرية ، وذلك لأنها تعطي رؤية تخالف الثابت عن أهل البيت عليهم‌السلام ، او الثابت من التاريخ عن شيعتهم في الكوفة وعلاقتهم بهم.

من قبيل : ان الحسين عليه‌السلام ندم على أخذ نسائه وبناته معه ، وأنه تذكَّر نصيحة ابن عباس يوم العاشر لما ارتفعت اصواتهن يوم العاشر من المحرم عند احتدام القتال وسقوط القتلى. (٣)

أو أن يزيد بن معاوية قال لعلي بن الحسين عليه‌السلام لما أمر بإرجاعه والسبايا إلى المدينة : لعن الله ابن مرجانه ، أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا الا أعطيتها إياه ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ، ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن الله قضى ما رأيت. (٤)

__________________

(١) الشيخ المفيد ، الجمل ، ص ٢٢٥.

(٢) انظر الخوئي ، معجم رجال الحديث ، والتستري ، قاموس الرجال.

(٣) قال أبو مخنف حدثني عبد الله بن عاصم قال حدثني الضحاك المشرقي قال : لما سمع أخوات الحسين كلام الحسين يخاطب القوم يوم العاشر صحن وبكين وبكى بناته فارتفعت أصواتهن فأرسل اليهن أخاه العباس بن علي وعليا ابنه ، وقال لهما : أسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن ، قال : فلما ذهبا ليسكتاهن ، قال : لا يبعد ابن عباس ، قال : فظننا أنه إنما قالها حين سمع بكاؤهن لأنه قد كان نهاه أن يخرج بهن. الطبري تاريخ الطبري ، ج ٤ ص ٣٢١ وقال أبو مخنف وحدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان : أن حسينا لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس وقال له فإن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه الطبري ، تاريخ الطبري ، ج ٤ ص ٢٨٧.

(٤) الطبري ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٥٣.

٤٠٦

وهناك من الرواة من أسفَّ إلى اكثر من هذا ، كما فعل يزيد بن روح بن زنباغ الجذامي المعاصر لابي مخنف ، روى عن الغاز بن ربيعة الجرشى من حمير قال : والله إنا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زُحَر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية.

فقال له يزيد : ويلك ما وراءك وما عندك؟ فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد ، أو القتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام ، فَعَدَوْنا عليهم مع شروق الشمس ، فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم ، أخذوا يهربون إلى غير وَزَر ، ويلوذون منا بالآكام والحفر ، لواذا كما لاذ الحمائم من صقر.

فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جَز~رَ جَزور ، أو نومةَ قائل حتى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مجردة ، وثيابهم مرملة ، وخدودهم معفرة ، تصهرهم الشمس ، وتسفي عليهم الريح ، زوارهم العقبان والرخم ...

قال : فدمعت عين يزيد وقال : قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، لعن الله ابن سمية أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه فرحم الله الحسين. (١)

أو أن شيعة علي في الكوفة أمثال سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وغيرهم كتبوا للحسين بالقدوم ثم خذلوه حتى قُتل ، ثم ندموا بعد ذلك ونهضوا للاخذ بثأره.

أقول :

وفي ضوء ذلك كان من الضروري التحقيق في الرواية التاريخية التي ظهرت في فترة الخمسين سنة من حكم المنصور وولده وما بعدها سواء كانت رواية أبي مخنف او رواية غيره وتجزئة الرواية إلى اجزاء واستبعاد الجزء الذي يلتقي مع الهدف الاعلامي للعباسيين ان لم يكن لدينا غيرها.

ان كتابا وباحثين معاصرين أمثال الشيخ محمود شاكر (٢) والدكتور احمد شلبي (٣)

__________________

(١) الطبري ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٥١.

(٢) كاتب مصري الف موسوعة في التاريخ الإسلامي في عدة محلدات.

(٣) كاتب مصري ألف موسوعة التاريخ الإٍلامي في عدة مجلدات وطبعت طبعات عديدة آخر ما رايته هو الطبعة السابعة سنة ١٩٨٤ م وعنها ننقل في كتابنا هذا.

٤٠٧

والشيخ الخضري ونظرائهم قد يكونون معذورين حين يعتمدون على رواية أبي مخنف دون ان يحققوا فيها بسبب خلفيتهم العقائدية التي تسوغ لهم قبول ذلك أو الانس به ،

اما ان يعتمد الكاتب الشيعي الامامي (١) على رواية أبي مخنف دون تحقيق او دون تجزئة فليس معذورا. (٢)

لقد شحن كتاب أبي مخنف باخبار تشوه الكوفيين وتجعلهم المسؤلين عن دعوة الحسين إلى الكوفة وعن خذلانه وقتله ،

وكذلك تشوه من سيرة المختار والثوار معه وتسميهم التوابين ليكفِّروا عن خذلانهم للحسين ، عليه‌السلام في الوقت الذي كان هؤلاء في السجون ، قبل مجيء الحسين إلى العراق.

الرواية عن الأئمة من ذرية الحسين عليه‌السلام : أهل الشام

هم قتلة الحسين عليه‌السلام

وتأتي روايات الأئمة من ذرية الحسين عليه‌السلام لتؤكد ان قتلة الحسين عليه‌السلام هم أهل الشام ، وان أهل الكوفة اوفياء في نصرتهم لأهل البيت عليهم‌السلام.

في الكافي (ج ٤ ص ١٤٧) سئل أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام عن صوم يوم تاسوعاء فقال :

تاسوعا يومٌ حوصِرَ فيه الحسين عليه‌السلام وأصحابه بكربلاء ، واجتمع عليه خيلُ أهلِ الشام وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها ، واستضعفوا فيه الحسين عليه‌السلام وأصحابه وأيقنوا أنه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمده أهل العراق (٣) ، بأبي المستضعف الغريب.

وفي أمالي الطوسي (٦٦٧) : أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن صوم يوم

__________________

(١) قد يعترض البعض علينا باعتماد مرجع الشيعة في وقته الشيخ المفيد رحمه‌الله على رواية أبي مخنف في كتابه الإرشاد ، او في كتابه الجمل ، ولكنه اعتراض غير وارد لان الشيخ المفيد في الجمل يصرح انه انما أورد اخبار الجمل من المصادر غير امامية لأجل الاحتجاج بها على من يؤمن بتلك المصادر.

(٢) اشرنا إلى طرف من هذا الموضوع في كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي ، ص ٤٦٩ ـ ٤٨٠ ، نرجو ان نوفق إلى تفصيلها في دراسة مستقلة.

(٣) لأنهم ما بين سجين ومختف ، فضلا عن قطع الطرق ووضع المراصد فيها.

٤٠٨

عاشورا فقال : ذاك يومُ قُتِلَ الحسين عليه‌السلام فان كنت شامتا فصم.

ثم قال :

إن آل أمية لعنهم الله ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام نذرا إن قتل الحسين عليه‌السلام وسلِم من خرج إلى الحسين ، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا ، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم في الناس ، واقتدى بهم الناس جميعا لذلك ، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك اليوم.

ونصوص التاريخ تؤيد ذلك

قال الطبري : وكان معاوية حين أجمع عليه أهل العراق بعد علي عليه‌السلام يخرج من الكوفة المستغرب في أمر على وينزل داره المستغرب في أمر نفسه من أهل الشام وأهل البصرة وأهل الجزيرة وهم الذين يقال لهم النواقل في الأمصار. (١)

أقول : روى البلاذري قال : سيَّر زياد بأمر معاوية خمسا وعشرين ألف من الكوفة ومن البصرة مثلهم إلى خراسان.

ومن ذلك يتبين ان أهل الكوفة قد خلطهم معاوية بعدد لا يستهان بها من أهل الشام الموالين له. وكان هؤلاء وأهل الجزيرة وأهل البصرة هم مادة الجيش الذي خرج إلى قتال الحسين مضافا إلى الحمراء مرتزقة الجيش الفارسي الذين اعتمدهم زياد في بناء جهاز شرطته الداخلية في الكوفة.

وفي رواية الشيخ الصدوق قال (وحال بنو كلاب بين الحسين وبين الماء ... واقبل عدو الله سنان بن انس الايادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على راس الحسين عليه‌السلام ...). (٢)

قال ابن خلدون : (وأما بنو كلاب بن ربيعة فمنهم بنو لاضباب الذين منهم شمر بن ذي الجوشن بن الأعور بن معاوية قاتل الحسين بن علي وكانت بلاد بني كلاب حمى

__________________

(١) الطبري ، تاريخ الطبري ج ٢ ص ٥٠٠ ـ ٥٠١.

(٢) الشيخ الصدوق ، الامالي ص ٢٦٦.

٤٠٩

ضريَّة والربذة في جهات المدينة وفدك والعوالي ، ثم انتقل بنو كلاب إلى الشام فكان لهم في الجزيرة الفراتية صيتٌ وملكٌ وملكوا حلب وكثيرا من مدن الشام). (١)

طرف من كلمات أهل البيت عليهم‌السلام في الكوفيين

كان علي عليه‌السلام يخاطب الكوفيين : انتم الأنصار على الحق ، والاخوان في الدين.

وكان يقول : الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء ، والذي نفسي بيده لينتصرَنَّ الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز. (٢)

وقال أيضا وهو بالكوفة : ما أشد بلايا الكوفة لا تسبوا أهل الكوفة فوالله إن فيهم لمصابيح الهدى وأوتاد ذكر ... والله ليدقن الله بهم جناح كفر لا ينجبر أبدا ، إن مكة ، حرم إبراهيم والمدينة حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والكوفة حرمي ما من مؤمن إلا وهو من أهل الكوفة أو هواه لينزع إليها. (٣)

وروى حنان بن سدير عن أبيه قال : دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حمَّاما بالمدينة فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا من القوم؟ فقلنا من أهل العراق ، فقال وأي العراق؟ قلنا كوفيون ، فقال مرحبا بكم يأهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار ، فسألنا عنه فإذا هو علي بن الحسين. (٤)

وعن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : ان الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها الا أهل الكوفة. (٥)

وعن عبد الله بن الوليد قال : دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه.

فسألنا : من انتم؟

__________________

(١) ابن خلدون ، تاريخ ابن خلدون ج ٢ ق ١ ص ٣١١ ـ ٣١٢.

(٢) الحموي ، معجم البلدان ج ٤ ص ٤٩٢.

(٣) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١ ص ٢٩٧.

(٤) الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج ١ ص ٣٦٨ عن الكافي ورواه الصدوق أيضا.

(٥) المجلسي ، بحار الانوار ، ج ٦٠ ص ٢٠٩.

٤١٠

فقلنا : من أهل الكوفة.

فقال : أما إنه ليس بلد من البلدان اكثر محبا لنا من أهل الكوفة.

إن الله هداكم لأمر جهله الناس ، أحببتمونا وأبغضنا الناس ، وصدقتمونا وكذبنا الناس ، واتبعتمونا وخالفنا الناس. فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا.

وقال أيضا وقد جاءه رجل قال بعت ضياعي وضربت على كل شيء لي ذهبا وفضة وقلت انزل مكة فقال لا تفعل فان أهل مكة يكفرون بالله جهرة ، فقلت ففي حرم رسول الله فقال هم شر منهم قلت فأين انزل قال عليك بالعراق الكوفة فان البركة منها على اثني عشر ميلا هكذا هكذا والى جانبها قبر ما اتاه مكروب قط ولا ملهوف قط الا فرج الله عنه. (١)

__________________

(١) المجلسي ، بحار الانوار ، ج ٦٠ ص ٢٠٩.

٤١١

الباب الثالث / الفصل السادس

الروايات الطاعنة في أهل الكوفة على لسان علي والحسن عليهما‌السلام

النموذج الأول : ما نسبه الرواة إلى علي عليه‌السلام قوله :

(وددت أني أبيع عشرة منكم برجل من أهل الشام)

الرواية الأولى : قال ابن عساكر أخبرنا أبو البركات محفوظ بن الحسن بن محمد بن صرصري التغلبي بدمشق نا أبو القاسم نضر بن أحمد الهمداني نا أبو بكر الخلي بن هبة الله بن الخليل نا أبو علي الحسن بن محمد بن القاسم بن درستويه نا أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو الدحداح نا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني نا يحيى بن بكير نا الليث قال بلغني أن عليا قال : يا أهل العراق وددت أني أبيع عشرة منكم برجل من أهل الشام يصرف الدراهم عشرة بدينار.

فقيل له نحن وأنت كما قال الأعشى :

علِّقتُها وعلِّقتْ رجلا غيري

وعُلِّق أخرى غيرَها الرجلُ

علقناك ، وعلقتَ أهلَ الشام وعلق أهل الشام معاوية (١)

الرواية الثانية : وروى ابن عساكر أيضا قال أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خسروا البلخي أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب أنا أبو علي بن شاذان أنا

__________________

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١ ص ٣٢٠.

٤١٢

أبو الحسن أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي نا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي (ابن ديزل) نا أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي حدثني أبو داود (سليمان الطيالسي البصري ـ ٢٠٣ هـ) (١) أنا أبو معاوية (ت ١٩٥ هـ) عن عمر بن حسان البرجمي (٢) عن خباب بن عبد الله : أن معاوية بعث خيلا فأغارت على هيت والأنبار فاستنفر علي الناس فأبطئوا وتثاقلوا فخطبهم فقال

أيها الناس المجتمعة أبدانهم المتفرقة أهواؤهم ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم.

كلامكم يوهي الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم عدوكم فإذا دعوتكم إلى المسير أبطأتم وتثاقلتم وثلتم كيت وكيت أعاليل أباطيل سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول حيدي حياد لا يمنع الضيم الذليل ولا يدرك الحق إلا بالجد والصدق فأي دار بعد داركم تمنعون ومع أي إمام بعدي تقاتلون!

المغرور والله من غررتموه ومن قاربكم فازز بالسهم الأخيب أصبحتم والله لا أصدق قولكم ولا أطمع في نصركم.

__________________

(١) قال المزي في تهذيب الكمال ج ١١ ص ٤٠١ : من فارس مولى لآل الزبير بن العوام ، أقول : هو صاحب المسند المعروف ولد سنة ١٢١ هـ وتوفي سنة ٢٠٣ هـ. وكان يروج له عبد الرحمن بن مهدي بقوله فيه : اصدق الناس. وكان وكيع يقول ابو داود جبل العلم ، وذكره سبط بن العجمي ت ٨٤١١ هـ في كتابه (التبيين لأسماء المدلسين).

(٢) أقول : روى الطبري في تاريخه ج ٤ ص ١٠٢ قطعة من الرواية قال حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي قال حدثنا أبيقال حدثني سليمان عن عبد الله قال حدثني عبد الله بن أبي معاوية عن عمرو بن حسان عن شيخ من بني فزارة قال بعث معاوية النعمان بن بشير في ألفين فأتوا عين التمر فأغاروا عليها وبها عامل لعلي عليه‌السلام يقال له ابن فلان الأرحبي في ثلثمائة فكتب إلى علي يستمده فأمر الناس أن ينهضوا إليه فتثاقلوا فصعد المنبر فانتهيت إليه وقد سبقني بالتشهد وهو يقول يا أهل الكوفة كلما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشام أظلكم انجحر كل امرئ منكم في بيته وأغلق بابه انجحار الضب في جحره والضبع في وِجارها المغرور من غررتموه ولمن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب لا أحرار عند النداء ولا إخوان ثقة عند النجاءإنا لله وإنا إليه راجعون ماذا منيت به منكم عمى لا تبصرون وبكم لا تنطقون وصم لا تستمعون إنا لله وإنا إليه راجعون. سند الطبري فيه تصحيف وسلمان في سند الطبري هو سليمان الطيالسي وعمرو بن حسان وهو عمر بن حسان المسلي التميمي البرجمي الكوفي. وعبد الله زيادة من النساخ وعبد الله بن أبي معاوية الصحيح فيه أبو معاوية.

٤١٣

فرق الله بيني وبينكم وأعقبني بكم من هو خير لي منكم وأعقبكم مني من هو شر لكم مني.

أما إنكم ستلقون بعدي ثلاثا ذلا شاملا وسيفا قاطعا وأثرة قبيحة يتخذها فيكم الظالمون سنة فتبكي لذلك أعينكم ويدخل الفقر بيوتكم وستذكرون عند تلك المواطن فتودون أنكم رأيتموني وهرقتم دماءكم دوني ولا يبعد الله إلا من ظلم ،

والله لوددت أني أقدر أن أصرفكم صرف الدينار بالدراهم عشرة منكم برجل من أهل الشام ،

فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين إنا وإياك كما قال الأعشى :

علقتها عرضا وعلقت رجلا

غيري وعلق أخرى غيرها الرجل

علقنا بحبك ، وعلقت أنت بأهل الشام ، وعلق أهل الشام معاوية. (١)

تعليقنا على الروايتين :

١ : في سند الرواية الأولى إبراهيم الجوزجاني وهو متهم في الكوفيين وقد اشتهرت التهمة عنه عند علماء الجرح والتعديل.

ترجمة ابراهيم الجوزجاني :

قال علاء الدين مغلطاي : إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، أبو إسحاق السعدي ، سكن دمشق. قال ابن حبان لما ذكره في كتاب (الثقات) كان حروري المذهب (وقال ابن حجر انه رأى نسخة فيها حريزي المذهب أي على مذهب حريز في النصب) ، وكان صلبا في السنة حافظا للحديث ، إلا أنه من صلابته ربما كان يتعدى طوره.

وقال ابن عدي : كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الميل على علي رضي‌الله‌عنه.

وقال السلمي عن الدارقطني : كان من الحفاظ المصنفين والمخرجين الثقات ، لكن كان فيه انحراف عن علي بن أبي طالب ، اجتمع على بابه أصحاب الحديث فأخرجت

__________________

(١) ابن عساكر تاريخ مدينة دمشق ج ١ ص ٣٢١.

٤١٤

جارية له فروجة ليذبحها ، فلم يجد من يذبحها فقال : سبحان الله! فروجة لا يوجد من يذبحها؟! وقد ذبح علي في ضحوة نيفا وعشرين ألفا.

وقال النسائي : ثقة حافظ للحديث.

توفي بعد سنة أربع وأربعين ومائتين وقال غيره توفي سنة ٢٥٦ هـ. (١)

٢ : وفي سند الرواية الثانية أبو معاوية وهو محمد بن خازم صاحب الأعمش ، وهو من شيوخ الخليفة هارون يقرأ عليه الحديث ويضع له الروايات في الطعن على الرافضة.

ترجمة محمد بن خازم ابي معاوية :

قال الخطيب البغدادي : محمد بن خازم ، أبو معاوية التميمي السعدي ، من أهل الكوفة. وكان ضريرا ، يقال أنه عمي وهو ابن أربع ، وقيل : ثمان سنين ، وقدم بغداد ، وحدث بها عن : سليمان الأعمش وهشام بن عروة وغيرهم. روى عنه : أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبو خيثمة زهير بن حرب ، وغيرهم.

وروى المزي بسنده عن أبي داود : أبو معاوية رئيس المرجئة بالكوفة. وقال ابن حبان في الثقات : كان حافظا متقنا ، ولكنه كان مرجئا خبيثا ، ولد سنة ١١٣ هـ وتوفي سنة ١٩٥ هـ (٢) ،

وذكر الخطيب أخباره مع الرشيد قال : حججت مع جدي أبي أمي وأنا غلام ، فرآني أعرابي فقال لجدي : ما يكون هذا الغلام منك؟ قال : ابني. قال : ليس بابنك قال : ابن ابنتي. قال : ابن ابنتك وليكونن له شأن ، وليطأن برجليه هاتين بسط الملوك. قال : فلما قدم الرشيد بعث إلي ، فلما دخلت عليه ذكرت حديث الأعرابي ، فأقبلت التمس برجلي البساط. قال : يا أبا معاوية لم تلتمس؟ قلت : يا أمير المؤمنين حججت مع جدي ، وحدثته بالحديث فأعجب به. قال أبو معاوية : وحركني شيء فقلت : يا أمير المؤمنين ، أحتاج إلى موضع الخلاء ، فقال للأمين والمأمون خذا بيد عمكما فأرياه الموضع ، فأخذا بيدي فأدخلاني إلى الموضع ، فشممت منه رائحة طيبة. فقالا : يا أبا

__________________

(١) علاء الدين مغلطاي ، إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر ٢٠٠١ م ، ج ١ ص ٣٢٤ ـ ٣٢٦.

(٢) المزي ، تهذيب الكمال ج ٢٥ ص ١٣٢.

٤١٥

معاوية ، هذا الموضع فشأنك. فقضيت حاجتي فحدثته أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يكون في آخر الزمان قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة ، من لقيهم فليقتلهم فإنهم مشركون». (١)

٣ : مضافا إلى ما في السند من علل فان اساس الخبر كما نقدِّر هو ما ذكره ابن قتيبة ونسج على منواله رجال الاعلام العباسي.

قال ابن قتيبة : قدم مصعب على اخيه عبد الله بن الزبير في سنة إحدى وسبعين ومعه رؤساء أهل العراق ووجوههم واشرافهم فقال : يا أمير المؤمنين : قد جئتك برؤساء أهل العراق واشرافهم كل مطاع في قومه ، وهم الذين سارعوا إلى بيعتك وقاموا باحياء دعوتك ، ونابذوا أهل معصيتك ، وسعوا في قطع عدوك ... (٢)

فقال له عبد الله بن الزبير اسكت : فوالله لوددت ان لي بكل عشرة من أهل العراق واحدا من أهل الشام صرف الدينار بالدراهم.

فقال أبو حاضر الأسدي : يا أمير المؤمنين ان لنا ولك مثلا أفتأذن في ذكره.

قال نعم.

قال : مَثَلُنا ومثَلُك ومَثَل أهل الشام كقول الأعشى :

عُلِّقْتُها عَرَضاً ، وعُلِّقت رجلاً غيري وعُلِّقَ أخرى غيرَها الرَّجُلُ.

__________________

(١) الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج ٢ ص ٢٩٩ ـ ٣٠١ ، وقد روى له في تاريخ بغداد أيضا يصف تفاعل الرشيد مع ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله!! قال أبو معاوية : كنت أقرأ حديث الأعمش عن أبي صالح على أمير المؤمنين هارون ، فكلما قلت : قال رسول الله ، قال : صلى‌الله‌عليه‌وسلم الله علي سيدي ومولاي ... وروى له ايضا عن أحمد بن زكريا ابن سفيان قال : سمعت أصحابنا يقولون : قال أبو معاوية : دخلت على هارون يعني أمير المؤمنين فقال لي : يا أبا معاوية : هممت أنه من ثبت خلافة علي فعلت به وفعلت به؟ فسكت. فقال لي : تكلم. قال : قلت : إن أذنت لي تكلمت. قال : تكلم ، فقلت : يا أمير المؤمنين قالت تيم : منا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالت عدي : منا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالت بنو أمية : منا خليفة الخلفاء ، فأين حظكم يا بني هاشم من الخلافة؟ والله ما حظكم فيها إلا ابن أبي طالب. فقال : والله يا أبا معاوية لا يبلغني أن أحدا لم يثبت خلافة علي إلا فعلت به كذا وكذا ، وليس في هذا ما يعدل الصورة عن أبي معاوية إذ لا تناقض بين العقيدة بعلي رابع الخلفاء وبين وضع الحديث ضد الرافضة واباحة دمهم.

(٢) ابن قتيبة ، الإمامة والسياسة ج ٢ ص ٢٠. الجاحظ : البيان والتبيين ص ١٥٩ ، ابن قتيبة عيون الاخبار ج ٣ ص ١٧.

٤١٦

احبَّك اهلُ العراق واحببتَ أهل الشام ، واحبَّ أهل الشام عبدَ الملك ، فما تصنع. (١)

أقول :

يريد بأهل العراق في حديثه : هم أهل البصرة ، ورؤوس الجيش الكوفي الذين قاتلوا الحسين وهم شبث بن ربعي وحجار بن ابجر بن الأشعث ، ونظراؤهم الذين بايعوا لدحروجة الجعل واليا لعبد الله بن الزبير بعد موت يزيد ، ثم فروا من المختار إلى البصرة معهم جندهم واستعان بهم مصعب في القضاء على المختار.

٤ : مضافا إلى ذلك فانه ليس من طريقة تفكير علي عليه‌السلام ان يرغب بأهل الشام وقد وصفهم بقلة المعرفة والدين ومدح أهل العراق على علمهم ودينهم.

فهو القائل في رسالة إلى معاوية : (وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة).

والقائل في أهل الشام : (جفاة طغام ، عبيد أقزام ، جمعوا من كل أوب ، وتلقطوا من كل شوب ، ممن ينبغي أن يفقه ويؤدب ، ويعلم ويدرب ، ويولي عليه ، ويؤخذ على يديه ، ليسوا من المهاجرين والأنصار ، ولا من الذين تبوؤوا الدار والايمان). (٢)

اما الجزء الآخر من الرواية الثانية وهو الطعن في أهل الكوفة بما وصفهم فيه فيكفي ان راويها أبو معاوية الذي مرت ترجمته.

٥ : وقد روى الخطبة الشيخ الطوسي قال : أخبرني جماعة ، عن أبي عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدثنا محمد بن موسى ، قال : حدثنا محمد بن سهل ، قال :

__________________

(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ٧ ص ٧٥. وفيه ان عبد الله بن الزبير قد اخذ كلامه من علي ، أقول : لكن الصواب هو ما قدمناه في المتن تحت رقم (٢).

(٢) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ١٣ ص ٣٠٩ ـ ٣١٠ ، قال ابن أبي الحديد : جفاة جمع جاف ، أي هم اعراب أجلاف والطغام أوغاد الناس ، ويقال للأشرار واللئام عبيد ، وان كانوا أحرارا. والأقزام ، بالزاي رذال الناس وسفلتهم ، وجمعوا من كل أوب ، أي من كل ناحية. وتلقطوا من كل شوب ، أي من فرق مختلطة. ثم وصف جهلهم وبعدهم عن العلم والدين ، فقال ممن ينبغي أن يفقه ويؤدب ، أي يعلم الفقه والأدب ويدرب ، أي يعد اعتماد الأفعال الحسنة والأخلاق الجميلة. ويولي عليه ، أي لا يستحقون أن يولوا أمرا ، بل ينبغي أن يحجر عليهم كما يحجر على الصبي والسفيه لعدم رشده وروى (ويولى عليه) بالتخفيف. ويؤخذ على يديه ، أي يمنع من التصرف.

أقول : رذال جملع رذل ورذيل وارذل : الدون من الناس. وقيل هو الرديء من كل شيء.

٤١٧

أخبرنا هشام ، قال : حدثني أبو مخنف ، قال : حدثني الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق ، عن جندب بن عبد الله الأزدي ، قال : قام علي بن أبي طالب عليه‌السلام في الناس ليستنفرهم إلى أهل الشام ، وذلك بعد انقضاء المدة التي كانت بينه وبينهم ، وقد شن معاوية على بلاد المسلمين الغارات ، فاستنفرهم بالرغبة في الجهاد والرهبة فلم ينفروا ، فأضجره ذلك فقال :

أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم ، ما عزت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، كلامكم يوهن الصم الصلاب ، وتثاقلكم عن طاعتي يطمع فيكم عدوكم ، إذا أمرتكم قلتم : كيت وكيت ، وليت وعسى ، أعاليل أباطيل ، وتسألوني التأخير دفاع ذي الدين المطول ، هيهات هيهات ، لا يدفع الضيم الذليل ، ولا يدرك الحق إلا بالجد والصبر. أي دار بعد داركم تمتعون ، ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟! المغرور والله من غررتموه ، ومن فاز لكم فاز بالسهم الأخيب ، أصبحت لا أطمع في نصرتكم ، ولا أصدق قولكم ، فرق الله بيني وبينكم ، وأعقبني بكم من هو خير لي منكم.

أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا ، وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة ، تفرق جماعتكم ، وتبكي عيونكم ، وتمنون عما قليل أنكم رأيتموني فنصرتموني ، وستعرفون ما أقول لكم عما قليل ، ولا يبعد الله إلا من ظلم. قال : فكان جندب لا يذكر هذا الحديث إلا بكى ، وقال : صدق والله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قد شملنا الذل ، ورأينا الأثرة ، ولا يبعد الله إلا من ظلم. (١)

ولا يوجد فيها تمنية ان يصارف عشرة من اهل الكوفة بواحد من اهل الشام ولا شعر الاعشى.

ومع ذلك فان الرواية محرفة ايضا. والصحيح منها هو قوله عليه‌السلام (أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا ، وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة ، تفرق جماعتكم ، وتبكي عيونكم).

__________________

(١) الشيخ الطوسي ، الأمالي ص ١٨٠ ـ ١٨١.

٤١٨

٦ : وقد رواها ايضا الشريف الرضي في نهج البلاغة : قال وقد تواترت عليه الأخبار ـ بالاستيلاء أصحاب معاوية على البلاد وقدم عليه عاملاه على اليمن وهما عبيد الله بن عباس وسعيد بن نمران لما غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة فقام عليه‌السلام على المنبر ضجراً بتثاقل أصحابه عن الجهاد ومخالفتهم له في الرأي فقال مَا هِيَ إلَّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وأَبْسُطُهَا ـ إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلَّا أَنْتِ تَهُبُّأَعَاصِيرُكِ فَقَبَّحَكِ الله ـ وتَمَثَّلَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :

لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا عَمْرُو إِنَّنِي

عَلَى وَضَرٍ مِنْ ذَا الإِنَاءِ قَلِيلِ

ثُمَّ قَالَ عليه‌السلام أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ ـ وإِنِّي والله لأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقَّكُمْ ، وبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ وطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ ، وبِأَدَائِهِمُ الأَمَانَةَ إِلَى صَحِبِهِمْ وخِيَانَتِكُمْ ، وبِصَلَاحِهِمْ فِي بِلَادِهِمْ وفَسَادِكُمْ ، فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ ، لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلَاقَتِه ، اللهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ ومِلُّونِي وسَئِمْتُهُمْ وسَئِمُونِي ، فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وأَبْدِلْهُمُ بِي شَرّاً مِنِّي ، اللهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، أَمَا والله لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ ، مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ ، هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الحَمِيمِ ، ثم نزل عليه‌السلام من المنبر.

قال السيد الشريف : أقول الأرمية جمع رميّ وهو السحاب والحميم ها هنا وقت الصيف وإنما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لأنه أشد جفولا وأسرع خفوفا لأنه لا ماء فيه وإنما يكون الصحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء وذلك لا يكون في الأكثر إلا زمان الشتاء وإنما أراد الشاعر وصفهم بالسرعة إذا دعوا والإغاثة إذا استغيثوا. (١)

وهذه الخطبة موضوعة ايضا على لسانه عليه‌السلام فقد رواها المسعودي قال حدثنا المنقري ، قال : حدثنا عبد العزيز بن الخطاب الكوفي ، قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، قال : لما غلب بُسر بن ارطاة على اليمن ، وكان من قبله لابني عبيد الله بن عباس ـ وكان لأهل مكة والمدينة واليمن ـ ما كان ، قام علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه خطيباً فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : ان بسر بن ارطاة قد غلب على اليمن ، والله ما أرى هؤلاء القوم الا سيغلبون على ما في

__________________

(١) نهج البلاغة ـ خطب الإمام علي (ع) (تحقيق صالح) ص ٦٦ ـ ٦٧.

٤١٩

أيديكم ، وما ذلك بحق في أيديهم ، ولكن بطاعتهم واستقامتهم لصاحبهم ، ومعصيتكم لي ، وتناصرهم وتخاذلكم ، واصلاح بلادهم وافساد بلادكم ، وتا لله يا أهل الكوفة لوددت اني صرفتكم صرف الدنيانير العشرة بواحد ، ثم رفع يديه فقال : اللهم اني قد مللتهم وملوني ، وسئمتهم وسئموني ، فابدلني بهم خيراً منهم ، وابدلهم بي شراً مني ، اللهم عجل عليهم بالغلام الثقفي الذيال الميال ، يأكل خضرتها ، ويلبس فروتها ، ويحكم فيها بحكم الجاهلية : لا يقبل من محسنها ، ولا يتجاوز عن مسيئها. (١)

وآفة الرواية هو فضيل بن مرزوق :

قال ابن حجر : فضيل بن مرزوق الأغر بالعجمة والراء الرقاشي الكوفي أبو عبد الرحمن صدوق يهم ورمي بالتشيع من السابعة مات في حدود سنة ستين. (٢)

وقال الذهبي : فضيل بن مرزوق الكوفي. وثقه سفيان بن عيينة ، وقال النسائي ، ضعيف ، وكذا ضعفه عثمان بن سعيد ، قلت : وكان معروفا بالتشيع من غير سب. (٣)

قال المزي : وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال : كان ممن يخطئ. وذكره في (المجروحين) أيضا وقال : منكر الحديث جدا ، كان ممن يخطئ على الثقات ، ويروي عن عطية الموضوعات ، وعن الثقات الأشياء المستقيمة فاشتبه أمره ، والذي عنده أن كل ما روى عن عطية المناكير يلزق ذلك كله بعطية ويبرأ فضيل منها ، وفيما وافق الثقات من الروايات عن الاثبات يكون محتجا به. (٤)

أقول : لنا تعليقتان على ما ذكروه في ترجمته :

الاولى : حول ما ذكره ابن حبان (ان ما رواه فضيل عن عطية من مناكير تلزق بعطية) ، أقول ان هذه المناكير من قبيل :

ما رواه ابن عساكر قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين أنا أبو الحسين بن المهتدي أنا علي بن عمر بن محمد الحربي نا أبو حبيب العباس بن محمد بن أحمد بن

__________________

(١) المسعودي ، مروج الذهب ج ٣ ص ١٤٢.

(٢) ابن حجر ، تقريب التهذيب ، ج ٢ ص ١٥.

(٣) الذهبي ، ميزان الاعتدال ج ٣ ص ٣٦٢.

(٤) المزي ، تهذيب الكمال ، ج ٢٣ هامش ص ٣٠٩.

٤٢٠