الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

السيّد سامي البدري

الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-499-295-7
الصفحات: ٦١٤

والأولياء ، لان الله جعل العم أبا ، ... واما قولك : انكم بنو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن الله تعالى يقول في كتابه : (ما كان محمد أبا احد من رجالكم) سورة الاحزاب / ٤٠ ، ولكنكم بنو ابنته ، وانها لقرابة قريبة ، ولكنها لا تحوز الميراث ، ولا ترث الولاية ، ولا تجوز لها الإمامة ، فكيف تورث بها!.

٢. ولقد طلبها ابوك بكل وجه فأخرجها نهاراً ، ومرَّضها سرّاً ، ودفنها ليلا ، فأبى الناس إلَّا الشيخين وتفضيلهما ، ولقد جاءت السنة التي لا اختلاف فيها بين المسلمين ان الجد أبا الام والخال والخالة لا يرثون.

واما ما فخرت به من علي وسابقته ،

فقد حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة فأمر غيره بالصلاة ،

ثمَّ أخذ الناس رجلا بعد رجل فلم يأخذوه ،

وكان في الستة فتركوه كلهم دفعاً له عنها ، ولم يروا له حقا فيها ، اما عبد الرحمن فقدم عليه عثمان ، وقتل عثمان وهوله متهم ، وقاتله طلحة والزبير ، وأبى سعد بيعته واغلق دونه بابه ، ثمَّ بايع معاوية بعده.

ثمَّ طلبها بكل وجه وقاتل عليها ، وتفرق عنه أصحابه ، وشك فيه شيعته قبل الحكومة ، ثمَّ حكم حكمين رضي بهما ، واعطاهما عهده وميثاقه ، فاجتمعا على خلعه.

٣. ثمَّ كان حسن فباعها من معاوية بِخِرَق ودراهم ولحق بالحجاز ، واسلم شيعته بيد معاوية ودفع الأمر إلى غيره أهله ، وأخذ مالاً من غير ولائه ولا حله ، فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه واخذتم ثمنه.

٤. ثمَّ خرج عمك حسين بن علي على ابن مرجانة ، فكان الناس معه عليه حتّى قتلوه ، واتوا برأسه إليه. ثمَّ خرجتم على بني أمية ، فقتلوكم وصلَّبوكم على جذوع النخل ، واحرقوكم بالنيران ، ونفولكم من البلدان ، حتّى قتل يحيى بن زيد بخراسان ، وقتلوا رجالكم واسروا الصّبية والنساء ، وحملوهم بلا وطاء في المحافل كالسبي المجلوب إلى الشام ، حتّى خرجنا عليهم فطلبنا بثأركم ، وادركنا بدمائكم واورثناكم ارضهم وديارهم ، وسنَّينا سلفكم وفضَّلناه ، فاتخذتّ ذلك علينا حجة. وظننتَ أنا انما ذكرنا اباك وفضلناه للتقدمة منَّا له على حمزة والعباس وجعفر ، وليس ذلك كما ظننت.

٣٨١

٥. ولقد علمتَ ان مكرمتنا في الجاهلية سقاية الحجيج الأعظم ، وولاية زمزم ، فصارت للعباس من بين اخوته ، فنازعنا فيها ابوك ، فقضى لنا عليه عمر ، فلم نزل نليها في الجاهلية والإسلام ، ولقد قحط أهل المدينة فلم يتوسل عمر إلى ربه ولم يتقرب إليه إلَّا بأبينا ، حتّى نَعَشَهم الله وسقاهم الغيث ، وابوك حاضر لم يتوسل به ، ولقد علمتَ انه لم يبق احد من بني عبد المطلب بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غيره ، فكان وارثه من عمومته ، ثمَّ طلب هذا الأمر غير واحد من بني هاشم فلم ينله إلَّا وِلدُه ، فالسقاية سقايته وميراث النبي له ، والخلافة في ولده ، فلم يبق شرف ولا فضل في جاهلية ولا اسلام في دنيا ولا آخرة إلَّا والعباس وارثه ومورثه.

واما ما ذكرت من بدر ، فإن الإسلام جاء والعباس يموت أبا طالب وعياله ، وينفق عليهم للأزمة التي اصابته ، ولولا ان العباس أُخرج إلى بدر كارهاً لمات طالب وعقيل جوعاً ، ولَلَحَسا جِفان عُتبة وشيبة ، ولكنه كان من المطعِمين ، فأذهبَ عنك العار والسُّبَّة ، وكفاكم النفقة والمؤونة ، ثمَّ فدى عقيلا يوم بدر ،

فكيف تفخر علينا وقد عُلْناكم في الكفر ، وفديناكم من الاسر ، وحُزْنا عليكم مكارم الآباء ، وورثنا دونك خاتم الأنبياء ، وطلبنا بثأركم فأدركنا منه ما عجزتم عنه ، ولم تدركوا لأنفسكم! والسلام عليك كورحمة الله.). (١)

ثانيا : خطبة المنصور في الكوفة

سنة ١٤٤ هجرية

قال المسعودي : ولمّا أخذ المنصور عبد الله بن الحسن وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته صعد المنبر بالهاشمية ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمَّ قال :

١. (يا أهل خراسان ، أنتم شيعتنا وأنصارنا ، وأهل دعوتنا ، ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيراً منّا. إنَّ ولد أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلَّا هو والخلافة فلم نعرض لهم لا بقليل ولا بكثير.

__________________

(١) رواها الطبري والرسالة وان كانت يبدو عليها الوضع هي ورسالة محمد ذو النفس الزكية الا ان الواضع لا يمكن ان يكون غير الجهاز الاعلامي العباسي.

٣٨٢

٢. فقام فيها علي بن أبي طالب عليه‌السلام فما أفلح ، وحكَّم الحكمين ، فاختلفت عليه الأمّة وافترقت الكلمة ، ثمَّ وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه.

٣. ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن علي عليه‌السلام ، فوالله ما كان برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسَّ إليه معاوية إنِّي أجعلك ولي عهدي ، فخلع نفسه وانسلخ له ممَّا كان فيه ، وسلَّمه إليه وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً أخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه.

٣. ثمَّ قام من بعده الحسين بن علي عليه‌السلام ، فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة أهل الشقاق والنِّفاق والإغراق في الفتن ، أهل هذه المِدرة السوء ، / وأشار إلى الكوفة / فوالله ما هي لي بحرب فأُحاربها ، ولا هي لي بسلم فأُسالمها ، فرَّق الله بيني وبينها / فخذلوه وأبرؤوا أنفسهم منه ، فأسلموه حتّى قتل.

٤. ثمَّ قام من بعده زيد بن علي ، فخدعه أهل الكوفة وغرّوه ، فلمَّا أظهروه وأخرجوه أسلموه ، وقد كان أبي محمد بن علي ناشده الله في الخروج وقال له : لا تقبل أقاويل أهل الكوفة فإنّا نجد في علمنا أنَّ بعض أهل بيتنا يصلب بالكناسة ، وأخشى أن تكون ذلك المصلوب ، وناشده الله بذلك عمّ داود وحذَّره رحمه‌الله غدر أهل الكوفة ، فلم يقبل ، وتمَّ على خروجه ، فقتل وصلب بالكناسة). (١)

ولما قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أمر المنصور ان يطاف برأسه بالكوفة سنة ١٤٥ هجرية وخطب قائلا :

(يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى بلد انتم فيه ... سبئية (٢) ،

__________________

(١) المسعودي ، مروج الذهب ج ٣ ص ٣٠١ ، وكانت بوادر التحسس من الكوفيين قبل ذلك روى البلاذري في انساب الاشراف ج ٣ ص ١٥٠ ، قال قال المدائني : (كتب ابو مسلم إلى أبي العباس : أن أهل الكوفة قد شاركوا شيعة أمير المؤمنين في الاسم ، وخالفوهم في الفعل ، ورأيهم في آل علي الذي يعلمه أمير المؤمنين ، يؤتى فسادهم من قبلهم باغوائهم اياهم واطماعهم فيما ليس لهم ، فالحظهم يا أمير المؤمنين بلحظة بوار ، ولا تؤهلهم لجوارك ، فليست دارهم لك بدار. وأشار عليه أيضا عبد الله بن علي بنحو من ذلك فابتنى مدينته بالانبار وتحول إليها وبها توفي).

(٢) أي اتباع عبد الله بن سبأ الذي ادعي له انه مبتدع الوصية لعلي عليه‌السلام المشابهة لوصية موسى ليوشع عليه‌السلام الذي يترتب عليها البراءة ممن تجاوز على موقعه.

٣٨٣

خشبية (١) ، قائل يقول : جاءت الملائكة وقائل يقول جاء جبريل ...

لَلَعَجَب لبني أمية وصبرهم عليكم ، كيف لم يقتُلوا مقاتلتَكم ويسبوا ذراريكم ، ويخرجوا منازلكم.

أما والله يا اهلَ المَدَرَة الخبيثة لئن بقيت لكم لأذلنكم.). (٢)

ان القارئ اللبيب لهذه الكلمات لا يفوته غرضها ولا دورها في توجيه الاعلام ووضع الحديث حين تصدر من رئيس الدولة نفسه وحين تكون مناسبة صدورها فشل حركة تمرد عليه.

ثالثا : حوار الخليفة المنصور مع مالك بن انس

قال القاضي عياض : روى أبو مصعب ان أبا جعفر قال لمالك ضع للناس كتاباً احملهم عليه ...

قال مالك يا أمير المؤمنين : ... ان لأهل هذه البلاد قولاً ولأهل المدينة قولا ولأهل العراق قولاً تعدوا فيه طورهم.

فقال : اما أهل العراق فلست اقبل منهم صرفاً ولا عدا ، وإنما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم ،

وفي رواية أخرى قال مالك فقلت له ان أهل العراق لا يرضون علمنا.

فقال أبو جعفر يضرب عليه عامتهم بالسيف وتقطع عليه ظهورهم بالسياط. (٣)

وفي كتاب الإمامة والسياسة : ان أبا جعفر أمير المؤمنين لما استقامت له الأمور ، واستولى على السلطان خرج حاجاً إلى مكة ، وذلك في سنة ثمان وأربعين ومئة. فلما كان بمنى ، اتاه الناس يسلمون عليه ، ويهيئونه بما اتم الله عليهم ، وجاءه رجال الحجاز من قريش وغيرهم ، وفقهائهم وعلمائهم ، ممن صاحبه وجامعه على طلب

__________________

(١) في النهاية لابن الاثير : الخشبية : هم أصحاب المختار بن أبي عبيد ، ويقال لضرب من الشيعة : الخشبية. وفي المشتبه للذهبي : الخشبي : هو الرافضي في عرف السلف.

(٢) البلاذري ، انساب الاشراف ج ٣ ص ٢٦٩.

(٣) القاضي عياض ، ترتيب المدارك (ت ٥٤٤) هـ ، مطبعة فضالة ـ المحمدية المغرب ، ج ١ ص ١٩١ ـ ١٩٢.

٣٨٤

العلم ومذاكرة الفقه ورواية الحديث. فكان فيمن دخل عليه منهم : مالك بن انس فقال له أبو جعفر : رأيت اني اجلسك في هذا البيت ، فتكون من عمّار بيت الله الحرام ، واحمل الناس على علمك ، واعهد إلى أهل الأمصار يوفدون إليه وفدهم ويرسلون إليك رسلهم في أيّام حجهم ، لتحملهم من أمر دينهم على الصواب والحق ان شاء الله ، وإنما العلم علم أهل المدينة وانت اعلمهم.

فقال مالك : يا أمير المؤمنين ان أهل العراق قد قالوا قولا تعدوا فيه طورهم ، ورأيت اني خاطرت بقولي لأنهم أهل ناحية ، واما أهل مكة فليس بها أحد ، وإنما العلم علم أهل المدينة ، كما قال الأمير ، وان لكل قوم سلفاً وائمة. فإن رأى أمير المؤمنين اعز الله نصره إقرارهم على حالهم فليفعل.

فقال أبو جعفر : اما أهل العراق فلا يقبل أمير المؤمنين منهم صرفاً ولا عدلا ، وإنما العلم علم أهل المدينة. (١)

وفيه أيضاً : قال أبو جعفر : يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودونه ودون منه كتباً ، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس ، وشواذ ابن مسعود ، واقصد إلى اواسط الأمور ، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة رضي‌الله‌عنهم ، لنحمل الناس ان شاء الله على عملك وكتبك ، ونبثها في الأمصار ، ونعهد اليهم ان لا يخالفوها ، ولا يقضوا بسواها.

فقلت له : اصلح الله الأمير ، ان أهل العراق لا يرضون علمنا ، ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر : يُحمَلون عليه ، ونضرب عليهه هاماتهم بالسيف ، ونقطع طيَّ ظهورهم بالسِّياط ، فتعجل بذلك وضعها. (٢)

مالك ينهى عن الأخذ عن أهل العراق :

روى الفخر الرازي عن محمد بن إسحاق المسيبي (ت ٢٣٦ هـ) قال حدثني أبي انه لما صلى بالناس بالمدينة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم. قال فأتاني الأعشى أبو بكر (٣) بن

__________________

(١) ابن قتيبة الدينوري ، الإمامة والسياسة ، ج ٢ ص ١٤٢.

(٢) ابن قتيبة الدينوري ، الإمامة والسياسة ج ٢ ص ١٥٠.

(٣) البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن

٣٨٥

أخت مالك ان أبا عبد الله يعني مالك بن انس يقرأ عليك السلام ويقول لك من خفته على خلاف أهل المدينة فانك ممن لم اخف ، وقد كان منك شيء ،

فقلت ما هو؟ قال الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

قلت فأبلغه عني السلام كما أبلغتني وقل له ان كثيرا ما سمعتك تقول لا تأخذوا عن أهل العراق فاني لم أدرك أحدا من اصحابنا يأخذ عنهم ، وإنما جئت في تركها عن حميد الطويل فإن احببت أخذنا عن أهل العراق أخذا وغيرهم من قولهم والا تركنا حميدا مع غيره فلم يكن له علي بن حجة.

وقد سمعتك كثيرا ما تقول خذوا كل علم عن أهله وعلم القرآن بالمدينة عن ابن نعيم فسألته عن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فأمرني بها وقال اشهد انها من السبع المثاني وان الله انزلها وحدثني نافع مولى ابن عمر ابن عمر أنه كان يبتدئ بها ويفتتح بها كل سورة. (١)

أقول :

عاش شيعة الإمام الصادق بعد وفاته سنة ١٤٨ أيّام المنصور وذريته الخلفاء وبخاصة أيّام الرشيد (ت ١٩٣) محنة شديدة فكانوا بين سجين كمحمد بن أبي عمير (٢) (ت ٢١٧) (وقد دفنت أخته كتبه فتلفت وكان قد صنف أربعة وتسعين كتابا منها المغازي فلما افرج عنه كان يحدِّث من حفظه) أو مطارد كهشام حيث مات وهو مختف عن انظار

__________________

مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو بكر بن أبي أويس المدني الأعشى روى عن أبيه وعم جده الربيع بن مالك وابن أبي ذئب وابن عجلان ومالك بن أنس وسليمان بن بلال والثوري وهشام بن سعيد وغيرهم وعنه أخوه إسماعيل وأيوب بن سليمان بن بلال وإسحاق بن راهويه ومحمد بن رافع ومحمد بن سعد ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيرهم قال عثمان الدارمي عن بن معين ثقة وقال آخر عن يحيى ليس به بأس وقال الآجري قدمه أبو داود على إسماعيل تقديما شديدا وذكره بن حبان في الثقات قال مات ببغداد سنة اثنتين ومائتين قلت وقال النسائي ضعيف وقال الحاكم عن الدارقطني حجة وقال الأزدي وما أظنه ظن إلا أنه غيره فإنه إنما أطلق ذلك في أبي بكر الأعشى وهو هو (ابن حجر ، تهذيب التهذيب).

(١) الشهرستاني ، منع تدوين الحديث ، ص ٢٨٥ نقلا عن أحكام البسملة للفخر الرازي ص ٧٤.

(٢) قال النجاشي حكى الجاحظ في البيان والتبيين عن إبراهيم بن داحة ابن أبي عمير وكان وجها من وجوه الرافضة. وقال النجاشي وكان حبس في أيّام الرشيد فقيل ليلي القضاء وقيل انه ولي بعد ذلك وقيل بل ليدل على مواضع الشيعة واصحاب موسى بن جعفر عليه‌السلام. أقول : والاحتمال الأخير هو المناسب لطبيعة الظروف الذي عاشه وطبيعة موقعه بين الشيعة.

٣٨٦

السلطة. اما الإمام الكاظم عليه‌السلام بن الإمام الصادق عليه‌السلام ، فقد قضى سنوات طويلة في سجن الرشيد ثمَّ دس له السم سنة ١٨٣ هجـ. وقد رافقت حملة الاضطهاد هذه محاولة رفع وثاقة شيعة الإمام الصادق وأولاده كالإمام موسى بن جعفر بل شملت المحاولة الإمام الصادق عليه‌السلام نفسه كما نجد ذلك واضحاً في ترجمته عند ابن حبان (ت ٣٥٤) قال : جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ، كنيته أبو عبد الله ، يروي عن أبيه ، وكان من سادات أهل البيت فقها وعلما وفضلا روى عنه الثوري ومالك وشعبة والناس ، يحتج بروايته ما كان من غير رواية اولاده عنه لأن في حديث ولده عنه مناكير كثيرة ، وإنما مرَّض القول فيه (أي في الإمام الصادق) من مرض من ائمتنا لما رأوا في حديثه من رواية اولاده ، وقد اعتبرتُ حديثه من الثقات عنه مثل ابن جريج والثوري ومالك وشعبة وابن عيينة ووهب بن خالد ودونهم ، فرأيت احاديثه مستقيمة ليس فيها شيء يخالف حديث الأثبات ، ورأيت في رواية ولده عنه اشياء ليس من حديثه ولا من حديث أبيه ولا من حديث جده ، ومن المحال ان يلزق به ما جنت يدا غيره. (١)

أقول :

وقوله (انما مرض القول فيه من مرض من ائمتنا ...) يريد بأئمته نظراء البخاري ويحيى بن سعيد القطان ومالك بن انس وأبي بكر بن عياش وعبد الرحمن بن مهدي.

قال الذهبي في ترجمة جعفر عليه‌السلام : أحد الأئمة الاعلام برٌّ صادق كبير الشأن ، لم يحتج به البخاري. وقال يحيى بن سعيد (أي القطان ت ١٩٨) : مجالد احب إلي منه (أي من الامام الصادق) ، في نفسي منه شيء (٢).

وعن الدراوردي قال : لم يرو مالك عن جعفر حتّى ظهر أمر بن العباس.

وقال مصعب بن عبد الله : كان مالك لا يروي عن جعفر حتّى يضمه إلى أحد. (٣)

__________________

(١) ابن حبان ، الثقات ، ج ٦ ص ١٣١ ـ ١٣٢.

(٢) علّق الذهبي في ميزان الاعتدال على هذا القول : انه زلة من يحيى القطان في جعفر عليه‌السلام. قال الرازي في الجرح والتعديل ج ٨ ص ٣٦١ عمرو بن علي الصيرفي قال سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول لعبد الله أي تذهب قال أذهب إلى وهب بن جرير اكتب السيرة يعني عن مجالد قال تكتب كذبا كثيرا لو شئت ان يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل.

(٣) الذهبي ، ميزان الاعتدال.

٣٨٧

وقال سعيد بن أبي مريم قيل لابي بكر بن عياش (ت ١٩٢) مالك لم تسمع من جعفر وقد ادركته؟ قال سألنا عما يحدث به من الأحاديث شيء سمعته قال لا ولكن رواية رويناها عن آبائنا.

وقال أبو موسى كان عبد الرحمن بن مهدي (ت ١٩٨) لا يحدث عن سفيان عنه (أي عن الامام الصادق عليه‌السلام.

وقال ابن حجر : قال ابن سعد (٢٣٠) كان (جعفر) كثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف ، سئل مرة سمعت هذه الأحاديث من أبيك فقال نعم ، وسئل مرة فقال انما وجدتها في كتبه). (١)

رابعا : شعر مروان ابن أبي حفصة

ولد مروان سنة ١٠٥ هجرية شاعر وكان جده ابو حفصة مولى لمروان بن الحكم اعتقه يوم الدار ، أدرك زمناً من العهد العباسي فقدم بغداد ومدح المهدي والرشيد توفي ببغداد سنة ١٨١ وقيل سنة ١٨٢ هجرية. كان يتقرب إلى الرشيد بهجاء العلويين (٢).

انشد قصيدة يمدح بها الرشيد ويذكر فيها ولد فاطمة عليها‌السلام وينحى عليهم ويذمهم وقد بالغ حين ذم علياً عليه‌السلام ونال منه وأولها :

سلام على جَمَل وهيهات من جملِ

ويا حبذا جملٌ وإنْ صُرمِتْ حبلي

ويقول فيها :

عليٌّ أبوكم كان أفضلَ منكم أباه (٣)

ذوو الشورى وكانوا ذوي الفضل

ساء رسولَ الله إذْ ساء بنتَه

بخطبته بنتَ اللعين أبي جهل

فذمَّ رسول الله صهرَ أبيكمُ

على منبر بالمنطق الصادع الفضل

وحكَّمَ فيها حاكمين أبوكمُ

هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل

وخلَّيتموها وهي في غير أهلها

فقد أُبطلت دعواكمُ الرثة الحبلِ

__________________

(١) ابن حجر ، تهذيب التهذيب ، ج ٣ ترجمة جعفر عليه‌السلام.

(٢) ابن خلكان ، وفيات الاعيان ج ٥ ص ١٨٩ ـ ١٩٣. ابن قتيبة ، الشعر والشعراء ، دار الحديث القاهرة ١٤٢٧ هـ ، ج ٢ ص ٦٤٩.

(٣) أي رفضه أهل الشورى في قصة بيعة عثمان.

٣٨٨

وقد باعها من بعده الحسن ابنه

وطالبتموه حين صارت إلى أهل (١)

ومن شعره أيضا :

خلوا الطريق لمعشر عاداتهم

حطم المناكب كل يوم زحام

ارضوا بما قسم الاله لكم به

ودعوا وراثة كل اصيد حام

اني يكون وليس ذاك بكائن

لبني البنات وراثة الاعمام (٢)

__________________

(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج ابلاغة ، ج ٤ ص ٦٣ ـ ٦٤. انظر الاغاني لابي الفر الاصفهاني ج ٢٣ ص ٢١٤ ـ ٢١٥ ، والاصفهاني يرويها لمروان بن أبي حفصة الاصغر وهو مروان بن أبي الجنوب بن مروان الاكبر بن أبي حفصة وانه انشدها للمتوكل العباسي وانها من مشهور شعره. اما ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٤ ص ٦٣ ـ ٦٤ فيرويها لجده مروان الاكبر ، والذي يظهر انها للجد ، إذ ان الحفيد كان يروي شعر جده ويتشبه به في الشعر ويتقرب إلى المتوكل بهجاء آل أبي طالب كما ذكر الاصفهاني ، ولما افضت الخلافة إلى المنتصر تجنب مذهب أبيه وطرد مروان الاصغر ، وقال والله لا أذنت للكافر ابن الزانية البس هو القائل : (وحكم فيها حاكمين ابوكم هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل) ج ٢٣ ص ٢١٤ ، ٢١٩. قال المسعودي في مروج الذهب ج ٤ ص ٥١ ـ ٥٢ : وكان آل أبي طالب قبل خلافة المنتصر في محنة عظيمة وخوف على دمائهم ، قد مُنعوا زيارة قبر الحسين والغري من أرض الكوفة ، وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد ، وكان الأمر بذلك من المتوكِّل سنة ست وثلاثين ومائتين وفيها أمر المعروف باذيريج بالسير إلى قبر الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما وهدمه ومحو أرضه وإزالة أثره ، وأن يعاقب من وجد به ، فبذل الرغائب لمن تقدم على هذا القبر ، فكلٌّ خشي العقوبة ، وأحجم ، فتناول الباذيريج مسحاة وهدم أعالي قبر الحسين ، فحينئذ أقدم الفعلة فيه ... ولم تزل الأُمور على ما ذكرنا إلى أن استخلف المنتصر سنة ٢٤٧ هجرية ، فأمن الناس ، وتقدَّم بالكفَّ عن آل أبي طالب ، وترك البحث عن أخبارهم ، وأن لا يمنع أحد زيارة الحيرة لقبر الحسين رضي الله تعالى عنه ، ولا قبر غيره من آل أبي طالب ، وأمر بردِّ فدك إلى ولد الحسن والحسين ، وأطلق أوقاف آل أبي طالب وترك التعرُّض لشيعتهم ودفع الأذي عنهم ، ... وفي ذلك يقول يزيد بن محمد المهلبي وكان من شيعة آل أبي طالب وما كان امتحن به الشيعة في ذلك الوقت واغريت بهم العامة :

ولقد بررت الطالبية بعدما

ذمّوا زماناً بعدها وزمانا

ورددت ألفة هاشم ، فرأيتهم

بعد العداوة بينهم إخوانا

آنست ليلهم وجدت عليهم

حتى نسوا الأحقاد والأضغانا

لو يعلم الأسلاف كيف بررتهم

لرأوك أثقل من بها ميزانا

(٢) أبو الفرج الاصفهاني ، الاغاني ، ج ١٣ ص ١٦٠.

٣٨٩

خامسا : شعر منصور النَّمِري

منصور بن الزبرقان بن سلمة النَّمِري : قال الخطيب البغدادي من أهل الجزيرة قدم بغداد ومدح بها هارون الرشيد (١) ، : وعرف مذهب الرشيد في الشعر وارادته ان يصل مدحه اياه بنفي الإمامة عن ولد علي بن أبي طالب والطعن عليهم وعلم مغزاه في ذلك مما كان يبلغه من تقديم مروان بن أبي حفصة وتفضيله اياه على الشعراء في الجوائز فسلك مذهب مروان في ذلك ونحا نحوه ولم يصرح بالهجاء والسب ، كما كان يفعل مروان ولكنه حام ولم يقع واومأ ولم يحقق لأنه كان يتشيع ، وكان مروان شديد العداوة لال أبي طالب وكان ينطق عن نية قوية يقصد بها طلب الدنيا فلا يبقي ولا يذر.

ومن شعره :

بني حسن ورهط بني حسين

عليكم بالسداد من الأمور

فقد ذقتم قراع بني ابيكم

غداة الروع بالبيض الذكور

احين شفوكمُ من كل وِتر

وضموكمُ إلى كنف وثير

وجادوكم على ضمإ شديد

سقيتم من نوالهمُ الغزير

فما كان العقوق لهم جزاءً

بفعلهمُ وأذى الثؤور

وانك حين تُبلِغهم اذاةً

وإن ظلموا لمحزون الضمير (٢)

سادسا : شعر أبان بن عبد الحميد اللاحقي

هو أبان بن عبد الحميد بن لاحق بن عفير مولى بني رقاش ، قال أبو عبيدة : بنو رقاش ثلاثة نفر ينسبون إلى أمهم ، واسمها رقاش ، وهم : مالك ، وزيد مناة ، وعامر ، بنو شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.

صنيعة البرامكة : أخبرني عمي : قال : حدّثنا الحسين بن عليل العنزي ؛ قال : حدّثني أحمد بن مهران مولى البرامكة : قال : شكا مروان بن أبي حفصة إلى بعض إخوانه تغيّر الرشيد عليه وإمساك يده عنه ، فقال له : ويحك! أتشكو الرشيد بعد ما

__________________

(١) الخطيب ، تاريخ بغداد ، ج ١٣ ص ٦٧.

(٢) أبو الفرج الاصفهاني ، الاغاني ، ج ١٣ ص ١٦١.

٣٩٠

أعطاك؟ قال : أو تعجب من ذلك؟ هذا أبان اللا حقيّ ، قد أخذ من البرامكة بقصيدة قالها واحدة مثل ما أخذته من الرشيد في دهري كله ، سوى ما أخذه منهم ومن أشباههم بعدها (١) ،

أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبي : قال : حدّثني عليّ بن محمد النوفليّ :

أنّ أبان بن عبد الحميد عاتب البرامكة على تركهم إيصاله إلى الرشيد وإيصال مديحه إليه ، فقالوا له : وما تريد من ذلك؟ فقال : أريد أن أحظى منه بمثل ما يحظى به مروان بن أبي حفصة ، فقالوا له : إن لمروان مذهبا في هجاء آل أبي طالب وذمّهم ، به يحظى / وعليه يعطى ، فاسلكه حتى نفعل ، قال : لا أستحلّ ذلك ، قالوا : فما تصنع؟ لا يجيء طلب الدنيا إلا بما لا يحلّ ، فقال أبان :

نشدت بحقّ الله من كان مسلما

أعمّ بما قد قلته العجم والعرب

أعمّ رسول الله أقربب زلفة

لديه أم ابن العمّ في رتبة النسب

وأيّهما أولى به وبعهده

ومن ذا له حقّ التّراث بما وجب!

فإن كان عبّاس أحقّ بتلكم

وكان عليّ بعد ذاك على سبب

فأبناء عباس هم يرثونه

كما العمّ لابن العمّ في الإرث قد حجب

وهي طويلة ، قد تركت ذكرها لما فيه ، فقال له الفضل : ما يرد على أمير المؤمنين اليوم شيء أعجب إليه من أبياتك ، فركب فأنشدها الرّشيد ، فأمر لأبان بعشرين ألف درهم ، ثم اتصلت بعد ذلك خدمته الرشيد ، وخصّ به (٢).

ومن أخباره ما ذكره الصولي : قال : حدّثنا محمد بن زياد : قال : حدّثني أبان بن سعيد الحميدي بن أبان بن عبد الحميد :

قال : اشترى جار لجدّي أبان غلاما تركيّا بألف دينار ، وكان أبان يهواه ويخفي ذلك عن مولاة ، فقال فيه :

ليتني ـ والجاهل المغرور من غرّ بليت

نلت ممّن لا أسمّي وهو جاري بيت بيت

__________________

(١) أبو الفرج الاصفهاني ، الاغاني ، ٢٣ / ١١٦.

(٢) أبو الفرج الاصفهاني ، الاغاني ، ٢٣ / ١٢٠.

٣٩١

قبلة تنعش ميتا إنّني حيّ كميت

نتساقى الريق بعد الشرب من راح كميت

لا أسمّيه ولكن هو في كيت وكيت

وكان اسمه يتك (١).

أقول : وهذا سلوك من يقع في بغض أهل البيت عليهم‌السلام فهو لا يتورع بعد ذلك عن ممارسة الحرام أيا كان شكله ، قال ابن الخطيب وكان أبان حسن السريرة ، حافظا للقرآن عالما بالفقه. وقال عند وفاته : أنا أرجو الله وأسأله رحمته ، ما مضت على ليلة قط لم أصل فيها تطوعا كثيرا (٢).

سابعا : شعر ابن المعتز ٢٤٧ ـ ٢٩٦ هجرية

أورد الصفدي ترجمة له قال :

الأمير ابن المعتز عبد الله بن محمد بن المعتز ابن المتوكل ابن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور ، الأديب صاحب الشعر البديع والنثر الفائق.

أخذ الأدب والعربية عن المبرد وثعلب عن مؤدبه أحمد بن سعيد الدمشقي مولده في شعبان سنة تسع وأربعين ومائتين قتل سرا في ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين قامت الدولة ووثبوا على المقتدر وأقاموا ابن المعتز فقال بشرط أن لا يقتل بسببي مسلم ولقبوه المرتضى بالله وقيل المنصف بالله وقيل الغالب بالله وقيل الراضي بالله وأقام يوما وليلة ثم إن أصحاب المقتر تحزبوا واجتمعوا وتحاربوا هم وأعوان ابن المعتز وشتتوهم وأعادوا المقتدر إلى دسته واختفى ابن المعتز في دار ابن الجصاص الجوهري فأخذه المقتدر وسلمه إلى مؤنس الخادم الخاذن فقتله وسلمه إلى أهله ملفوفا في كساء ودفن في خرابة إزاء داره وله من التصانيف كتاب الزهر والرياض وكتاب البديع وكتاب مكاتبات الإخوان بالشعر وكتاب الجوارح والصيد وكتاب السرقات وكتاب أشعار الملوك وكتاب الآذاب وكتاب حلى الأخبار وكتاب طبقات الشعراء وكتاب الجامع في

__________________

(١) الخطيب ، تاريخ بغداد ج ٧ ص ٤٨.

(٢) الخطيب ، تاريخ بغداد ج ٧ ص ٤٨.

٣٩٢

الغناء. وكان سني العقيدة منحرفا عن العلوين ولهذا قال في قصيدته البائية التي أولها :

ونحن ورثنا ثياب النبي

فلِمْ تجذبون بأهدابها

لكم رحم يا بني بنته ،

ولكن بنو العم أولى بها

قال الصفدي : أخذ هذا من قول منصور النمري وقول مروان ابن أبي حفصة وسيأتي ذلك في ترجمة منصور النمري.

فمهلا بني عمنا انها

عطية رب حبانا بها

وأقسم انكم تعلمون

بأنا لها خير أربابها

قال الصفدي : وقد أجابه عن ذلك صفي الدين الحلي في وزنها ورويها أنشدني ذلك لنفسه إجازة من المتقارب :

ألا قل لشر عبيد الإله

وطاغي قريش وكذابها

وباقي العباد وباغي العناد

وهاجي الكرام ومغتابها

أأنت تفاخر آل النبي

وتجحدها فضل أحسابها

بكم بأهل المصتطفى أم بهم

فرد العداة بأوصابها

أعنكم نفى الرجس أم عنهم

لطهر النفوس وألبابها

أما الرجس والخمر من دأبكم

وفرط العبادة من دابها

وقلت ورثنا ثياب النبي

فكم تجذبون بأهدابها

وعندك لا تورث الأنبياء

فكيف حظيتم بأثوابها

فكذبت نفسك في الحالتين

ولم تعلم الشهد من صابها

وقولك أنتم بنو بنته

ولكن بنو العم أولى بها

بنو البنت أيضا بنو عمه

وذلك أدنى لأنسابها

فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف

وجاءوا الخلافة من بابها

هم الزاهدون هم العابدون

هم العالمون بآدابها

هم الصائمون هم القائمون

هم الساجدون بمحرابها

هم قطب ملة دين الإله

ودور الرحي بأقطابها

٣٩٣

عليك بلهوك بالغانيات

وخل المعالي لأصحابها (١)

أقول :

حفل ديوان ابن المعتز بقصائد في عتاب الطالبيين والطعن فيهم وفي أهل الكوفة وفيما يلي نماذج من شعره فيهم :

بني عمنا الأدنين :

بني عمنا الأدنين من آل طالب ، تعالوا

إلى الأدنى ، وعودوا إلى الحسنى

أليس بنو العباس صنو أبيكم ،

وموضع نجواه ، وصاحبه الأدنى (٢)

فمات الرضى ، من بعد ما قد علمتم ،

لنا حقها لكنه جاد بالدنيا

ليعلمكم ان التي قد حرصتم عليها

وغودرتم على إثرها صرعى

يسير عليه فقدها ، غير مكترث ،

كما ينبغي للصالحين ذوي التقوى

وأعطاكم المأمون عهد خلافة ،

ولاذت بنا من بعده مرة أخرى

وعادت إلينا ، مثل ما عاد عاشق

إلى وطن ، فيه له كل ما يهوى

دعونا ودنيانا التي كلفت بنا ،

كما قد تركناكم ، ودنياكم الأولى

نصحت بني رحمي :

نصحت بني رحمي ، لو وعوا

نصيحة بر بأنسابها

وقد ركبوا بغيهم ، وارتقوا

بزلاء تردي بركابها (٣)

دعوا الاسد تفرس ، ثم اشبعوا

وقد نشبت بين انيابها

قتلنا أمية في دارها ،

بما تدع الاسد في غابها

وكم عصبة قد سقت منكم الـ

نحن أحق بأسلابها

إذا ما دنوتم تلقتكم

خلافة صابا بأكوابها (٤)

ورموا فرائس أسد الشرى ،

زبونا ، وقرت بحَلّا بها (٥)

__________________

(١) الصفدي ، الوافي بالوفيات ج ١٧ ص ٢٤٠ ـ ٢٤٥.

(٢) صنو أبيكم : أي كلهم من أصل واحد.

(٣) الزلاء : التي تزل بها القدم. تردي : تهلك.

(٤) الصاب : شجر مر. الأكواب ، الواحد كوب : قدح لا عروة له.

(٥) الزبون : التي تزين أي تدفع برجلها.

٣٩٤

وما رد حُجّابها وافدا

لنا ، إذ وقفنا بأبوابها

كقطب الرَّحى وافقت اختها

دعونا بها ، وغلبنا بها (١)

ونحن ورثنا ثياب النبي

فلِمْ تجذبون بأهدابها

لكم رحم يا بني بنته ،

ولكن بنو العم أولى بها

به غسل الله مَحْلَ الحجاز

وأبرأها بعد أوصابها

ويوم حنين تداعيتم ،

وقد أبدت الحرب عن نابها

ولما علا الحبر أكفانه ،

هوى ملك بين أثوابها (٢)

فمهلا بني عمنا انها

عطية رب حبانا بها

وكانت تزلزل في العالمين ،

فشدت إلينا بأطنابها (٣)

وأقسم انكم تعلمون

بأنا لها خير أربابها

مالكم عتاب :

أبى الله ، الا ما ترون ، فما لكم

عتاب على الأقدار يا آل طالب

تركناكم حينا فهلا أخذتم

تراث النبي بالقنا والقواضب

زمان بني حرب ومروان ممسكو

أعنة ملك جائر الحم غاصب

الا رب يوم قد كسوكم عمائما

من الضرب في الهامات حمر الذوائب

فلما أراقوا بالسيوف دماءكم

أبينا ، ولم نملك حنين الأقارب

فحين أخذنا ثاركم من عدوكم

قعدتم لنا تورون نار الحباحب (٤)

وحزنا التي أعيتكم ، قد علمتم

فما ذنبنا؟ هل قاتل مثل سالب

عطية ملك قد حبانا بفصله ،

وقدره رب جزيل المواهب

وليس يريد الناس أن تملكوهم

فلا تثبوا فيهم ، وثوب الجنادب

وإياكم إياكم ، وحذار من

ضراغمة في الغاب حمر المخالب

__________________

(١) القطب حديدة في الطبق الأسفل من الرحى يدور عليها الطبق الأعلى.

(٢) الحبر : العالم الصالح.

(٣) الأطبناب ، الواحد طنب : حبل طويل يشد به سرادق البيت.

(٤) تورون : توقدون. الحباحب : ذباب يطير بالليل له شعاع في ذنبه.

٣٩٥

ألا إنها الحرب التي علمتم

وجربتم ، والعلم عند التجارب

وله في الفخر وانهم آل الرسول والعترة الحق :

أيها السائلي عن الحسب الأطـ

ـيب ما فوقه لخلق مزيد

ولنا ما أضاء صبح عليه

وأتته آيات ليل سود

وملكنا رق الإمامة ميرا

ثاً ، فمن ذا عنا بفخر يحيد

وأبونا حامي النبي ، وقد أد

بر من تعلمون ، وهو يذود

ذاك يومَ استطار بالجمع ردع

في حنين ، وللوطيس وقود

كان فيهم منا المكاتم إيما

نا ، وفرعون غافل والجنود

رسل القوم حين لدوا جميعا ،

غيره ، كيف فضل الملدود (٢)

بنو العم لا بل بنو الغم :

بنو العم لا بل هو بنو الغم والأذى

وأعوان دهري إن تظلمت من دهري

وغاضهم المجد الذي لا يناله

لئيم ولا وانٍ ضعيف عن الوتر

فدونكم الفعل الذي أنا فاعل

فإنكم مثلي ، إذا ولكم فخري

نمتني إلى عم النبيخلائق

علوا فرق أفلاك الكواكب والبدر

بنو الحبر والسجاد والكامل الذي

وفي الملك حتى قر عند ذوي الأمر

ونحن رفعنا سيف مروان عنكم

فهل لكم ، يا آل احمد ، في الشكر

أبو الفضل أولى الناس بالفضل كلهم

تعالوا نحاكمكم إلى البيت والحجر (٣)

أ أبو طالب كمثل أبي الفضل :

وملي بصمتة الحلم إن طا

رب سريعا مثل الفراش الحلوم

يا بني عمنا إلى كم وحتى ،

ليس ما تطلبونه يستقيم

__________________

(١) العترة : ولد الرجل وذريته.

(٢) لدوا : خاصموا. الملدود : المخاصم.

(٣) الحجر : العقل ، والعله أراد الحجر الأسود ، أو أراد الحجر ، بكسر الحاء ، وهو ما حواه الحطيم المدار بالكعبة.

٣٩٦

أبدا فارغين ان تطعموا الملـ

ك ، كما ذيد عن رضاع فطيم

أأبو طالب كمثل أبي الفضـ

ل أما منكم بهذا عليم

سائلوا مالكا ورضوان عن ذا

أين هذا ، وأين هذا مقيم (١)

وعلي ، فكابنه ، غير شك ،

واجب حقه علينا عظيم

ارجوزته في أهل الكوفة :

باسم الإله الملك الرحمن

ذي العز والقدرة والسلطان

الحمد لله على آلائه ،

أحمده ، والخمد من نعمائه (٢)

وجعل الخاتم للنبوه ،

وأظهر الحجة والبيانا

أبدع خلقا لم يكن ، فكانا

أحمد ، ذا الشفاعة المرجوه

الصادق ، المهذب ، المطهرا ،

صلى عليه ربنا ، فأكثرا

برغم كل حاسد يبغيه ،

ميراث ملك ثابت الأساس

مضى ، وأبقى لبني العباس ،

يهدمه ، كأنه يبنيه

والعلوي قائد الفساق ،

وبائع الأحرار في الأسواق

والدُّلَفّي العود ، والصفار

ومنهم إسحق البيطار

أعلم خلق الله بالماخور ،

وعدد مثلث وزير (٣)

وأعشق الناس لمن لا ينصره

حتى يطيل ليله ويسهره

ومنهم عيسى بن شيخ وابنه

كلاهما لص حلال لعنه

يدعون للإمام كل جمعه

ولا يردون إليه قطعه (٤)

وهم يحورون على الرعيه

فساد دين وفساد نيه

ويأخذون مالهم صراحا

ويخضبون منهم السلاحا

ولم يزل ذلك دأب الناس ،

حتى اغيثوا بأبي العباس

__________________

(١) مالك ورضوان : ملاكان.

(٢) آلائه : نعمه.

(٣) الماخور : مجتمع أهل الفسق. الزير : دن الخمر. ولم ندرك ماذا أراد بالعدد المثلث.

(٤) قطعه : حصصه.

٣٩٧

الساهر العزم إذا العزم رقد

الحاسم الداء إذا الداء ورد

فجمع الرأي الذي تفرقا ،

وأبرأ الداء الذي أعيا لارقى (١)

كم عزمة بنفسه امضاها

لم يكل الأمر إلى سواها

كان لنا كأزدشير فارس ،

إذ جد في تجديد ملك دارس

حتى اتقوه كلهم بالطاعه ،

وصار فيهم ملك الجماعه

فلم يزل بالعلوي الخائن ،

المهلك المخرب المدائن

والبائع الأحرار في الأسواق ،

وصاحب الفجار والمراق

وقاتل الشيوخ والأطفال ،

وناهب الأرواح والأموال

ومالك القصور والمساجد

ورأس كل بدعة ، وقائد

حتى علا رأس القناة رأسه

وزال عنه كيده وبأسه

شيخ ضلال شر من فرعون ،

لحيته كذنب البرذون

إمام كل رافضي كافر ،

من مظهر مقالة وساتر

يلعن أصحاب النبي المهتدي

إلا قليلا ، عصبة لم تزدد

وهل رضا إلى أبو العباس

الواسع الحلم الشديد البأس

ما زال يأتي لك ما تريد ،

حتى أتى برأسه البريد

وابتهج الحق وأهل السنة

وشكروا ، والله ، تلك المنه

واصبح الروافض الفجار

يخفون حزنا فوقه استبشار

واستمع الآن حديث الكوفة :

واستمع الآن حديث الكوفة ،

مدينة بعينها معروفة

كثيرة الأديان والأئمة ،

وهمها تشتيت أمر الأمة

مصنوعة بكفر بخت نصر ،

وكفر نمرود امام الكفر

وعشش الشر بها وفرخا ،

ثم بنى بأرضها ورسخا

وغرق العالم من تنورها ،

جزاء شر كان من شرورها

__________________

(١) الرقى : التعاويذ ، والواحدة رقية.

٣٩٨

وهربت سفينة الطوفان

منها إلى الجودي والأركان

وهم بنوا للجور صرحا محكما

فاتخذوا إلى السماء سلما

ولم يزل سكانها فجارا ،

مستبصرا في الشرك أو سحارا

تفرقوا وبلبلوا بلبالا ،

وبدلوا من بعد حال حالا (١)

وهم رموا في البئر إبراهيما ،

لما رأوا أصنامهم رميما

ودانيال طرحوا في الحب ،

كفرا وشكا منهم في الرب

واخذوا وقتلوا عليا ،

العادل ، البر ، التقي الزكيا

وقتلوا الحسين ، بعد ذاكا ،

فأهلكوا أنفسهم إهلاكا

وجحدوا كتابهم إليه ،

وحرفوا قرآنهم عليه

ثم بكوا من بعده ، وناحوا

جهلا ، كذاك يفعل التمساح

فقد بقوا في دينهم حيارى ،

فلا يهود هم ، ولا نصارى

والمسلمون منهم براء ،

رافضة ودينهم هباء

فبعضهم قالوا : علي ربنا ،

وحسبنا ذلك دينا ، حسبنا

وبعضهم قالوا : علي ربنا ،

وحسبنا ذلك دينا ، حسبنا

ومنهم الشراة والحراب ،

ان سمعوا ببيعة أجابوا

كم أسلموا من طالبي مغرور ،

وهربوا في يوم حرب مشهور

خاتمة الفصل الثالث من الباب الثالث

يتضح من خلال هذه النصوص طبيعة الجو الاعلامي العباسي في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري والقرن الثالث الهجري فهو جو مشحون بالعداء ضد الحسن والإمام الصادق عليه‌السلام وشيعته وضد الكوفة بشكل عام مضافا إلى حملة الاعتقالات التي كانت تتحرك في هذه الفترة أو تلك.

وفي هذا الجو :

__________________

(١) بلبلوا : تفرقوا ، وتبددوا.

٣٩٩

ظهر سيف بن عمر التميمي واخباره التشويهية للتاريخ وتفسير ظهور التشيع والوصية لعلي عليه‌السلام على انه من تأسيس عبد الله بن سبأ يهودي اسلم على عهد عثمان وكان ابن سبأ بزعمه السبب في حرب الجمل واقتتال الصحابة فيما بينهم؟ وقد اختلق سيف هذا مئات الاخبار في حروب الردة التي لم يقع اكثرها وحرف مئات الأسماء واختلق اكثر من مائة وستين صحابي وغير ذلك دعما لأفكاره.

وظهر أبو مخنف وكتابه مقتل الحسين ليضع مسؤولية قتله على الكوفيين الذين دعوه وغروه بزعمه وحملوا أهل بيته سبايا معهم رؤوس القتلى حتى دمعت عينا يزيد وقال لهم كنت ارضى من طاعتكم بدون هذا.

وظهرت أحاديث تشوه من سيرة الكوفيين مع علي عليه‌السلام وانهم ملأوا صدر علي قيحا حتى تمنى فراقهم ، وودَّ لو انَّ معاوية صارفه بهم صرفَ الدينار بالدرهم.

وفيه روج الرواة الموالين لبني أمية والمصانعين للخلفاء بشكل خاص روايات الزهري في تشويه صلح الامام الحسن عليه‌السلام مع معاوية لتبرزه رجلا اغراه معاوية فباع الخلافة بالمال ، وكون العراقيين قد قاموا عليه في المدائن ونهبوا حتى البساط من تحته!

وفي الفصول التالية طرف من ذلك :

٤٠٠