الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

السيّد سامي البدري

الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-499-295-7
الصفحات: ٦١٤

وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك).

وعن سليمان ابن خالد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ما أجد أحدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليه‌السلام إلا زرارة ، وأبو بصير ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي عليه‌السلام على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا ، والسابقون إلينا في الآخرة. (١)

روى ابن عدي عن إبراهيم بن محمد الرماني أبو نجيح قال سمعت حسن بن زياد يقول سمعت أبا حنيفة وسئل من أفقه من رأيت فقال ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد لما أقدمه المنصور الحيرة بعث إلي فقال يا أبا حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من مسائلك تلك الصعاب فقال فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إلي أبو جعفر فأتيته بالحيرة فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلمت وأذن لي أبو جعفر فجلست ثم التفت إلى جعفر فقال يا أبا عبد الله تعرف هذا قال نعم هذا أبو حنيفة ثم أتبعها قد أتانا ثم قال يا أبا حنيفة هات من مسائلك سل أبا عبد الله فابتدأت أسأله قال فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرج منها مسألة ثم قال أبو حنيفة أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس. (٢)

__________________

وأبا جعفر وأبا عبد الله عليه مالسلام وروى عنهم وكانت له عندهم حظوة وقدم ، قال له أبو جعفر اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن أرى في شيعتي مثلك ، وقال أبو عبد الله لما أتاه نعيه أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان ، قال وكان قارئا فقيها لغويا نبيها ثبتا وسمع من العرب وحكى عنهم وصنف كتاب الغريب في القرآن وذكر شواهده من الشعر فجاء فيما بعد عبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي فجمع من كتاب أبان ومحمد بن السائب الكلبي وابن روق عطية بن الحارث فجعله كتابا فيما اختلفوا فيه وما اتفقوا عليه فتارة يجيء كتاب أبان مفردا وتارة يجيء مشتركا على ما عمله عبد الرحمن ولأبان أيضا كتاب الفضائل.

(١) الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن ، وسائل الشيعة ، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي ، دار إحياء التراث العربي بيروت ـ لبنان ١٩٨٣ م. ج ١٨ ص ١٠٤.

(٢) ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ج ٢ ص ١٣٣. والذهبي ، سير أعلام النبلاء ج ٦ ص ٢٥٧. والمزي ، تهذيب الكمال ، ج ٥ ص ٧٩.

٣٤١

وقال الحسن بن علي بن زياد الوشاء لابن عيسى القمي : إني أدركت في هذا المسجد : يعني مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل يقول : حدثني جعفر بن محمد عليه‌السلام. (١)

قال البراقي وقد صنف الافظ أبو العباس بن عقدة الهمداني الكوفي المتوفى سنة ٣٣٣ كتابا في أسماء الرجال الذين رووا الحديث عن (الإمام الصادق) عليه‌السلام فذكر ترجمة (٤٠٠٠) رجل. (٢)

الكوفة على عهد حركة ولدي عبد الله بن الحسن المثنى رضي‌الله‌عنه

قال الطبراني حدثني سعيد بن تسنيم بن الحواري بن زياد بن عمرو بن الأشرف قال سمعت من لا أحصى من أصحابنا يذكرون أن أبا جعفر (الخليفة) شاور في أمر إبراهيم فقيل له إن أهل الكوفة له شيعة ، والكوفة قدر يفور أنت طبقها فاخرج حتى تنزلها ففعل. (٣)

قال وحدثني عبد الملك ابن سليمان عن حبيب بن مرزوق قال حدثني تسليم بن الحواري قال لما ظهر محمد وإبراهيم ابنا عبد الله أرسل أبو جعفر إلى عبد الله بن علي وهو محبوس عنده ان هذا الرجل قد خرج فإن كان عندك رأى فأشربه علينا وكان ذا رأي عندهم فقال إن المحبوس محبوس الرأي فأخرجني حتى يخرج رأيي فأرسل إليه أبو جعفر ، لو جاءني حتى يضرب بابي ما أخرجتك وأنا خير لك منه وهو ملك أهل بيتك ، فأرسل إليه عبد الله ارتحل الساعة حتى تأتى الكوفة فاجثم على أكبادهم فإنهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارهم ثم احففها بالمسالح فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه أو أتاها من وجه من الوجوه فاضرب عنقه ، وابعث إلى سلم بن قتيبة ينحدر عليك وكان بالري واكتب إلى أهل الشام فمرهم أن يحملوا إليك من أهل البأس والنجدة ما يحمل البريد فأحسن جوائزهم ووجههم مع سلم ففعل (٤).

__________________

(١) النجاشي ، فهرست أسماء مصنفي الشيعة المشتهر بـ رجال النجاشي ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ١٤١٦ هـ ، ص ٣١.

(٢) البراقي ، تاريخ الكوفة ، شريعت قم ١٤٢٤ هـ. ص ٤٠٨.

(٣) الطبري ، تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٧.

(٤) الطبري ، تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٤.

٣٤٢

قال الطبري حدثني مسلم الخصي مولى محمد بن سليمان قال كان أمر إبراهيم وأنا ابن بضع عشرة سنة وأنا يومئذ لأبي جعفر فأنزلنا الهاشمية بالكوفة ونزل هو بالرصافة في ظهر الكوفة وكان جميع جنده الذين في عسكره نحوا من ألف وخمسمائة فكان يطوف الكوفة كلها في كل ليلة وأمر مناديا فنادى من أخذناه بعد عتمة فقد أحل بنفسه فكان إذا أخذ رجلا بعد عتمة لفه في عباءة وحمله فبيَّتَه عنده فإذا أصبح سأل عنه فان علم براءته أطلقه وإلا حبسه.

وحدثني جواد ابن غالب قال حدثني العباس بن مسلم مولى قحطبة قال كان أمير المؤمنين أبو جعفر إذا اتهم أحدا من أهل الكوفة بالميل إلى إبراهيم أمر أبى سلما بطلبه فكان يمهل حتى إذا غسق الليل وهدأ الناس نصب سلما على منزل الرجل فطرقه في بيته حتى يخرجه فيقتله ويأخذ خاتمه قال أبو سهل جواد فسمعت جميلا مولى محمد بن أبي العباس يقول للعباس بن سلم والله لو لم يورثك أبوك إلا خواتيم من قتل أهل الكوفة كنت أيسر الأبناء.

قال الطبري : وحدثني يحيى بن ميمون من أهل القادسية قال سمعت عدة من أهل القادسية يذكرون أن رجلا من أهل خراسان يكنى أبا الفضل ويسمى فلان ابن معقل ولى القادسية ليمنع أهل الكوفة من اتيان إبراهيم وكان الناس قد صُدُّوا في طريق البصرة فكانوا يأتون القادسية ثم العذيب ثم وادى السباع ثم يعدلون ذات اليسار في البر حتى قدموا البصرة قال فخرج نفر من الكوفة اثنا عشر رجلا حتى إذا كانوا بوادي السباع لقيهم رجل من موالى بني أسد يسمى بكرا من أهل شراف دون واقصة بميلين من أهل المسجد الذي يدعى الموالى فأتى ابن معقل فأخبره فأدركهم بخفان وهي على أربعة فراسخ من القادسية فقتلهم أجمعين. (١)

وقال حدثني عبد الله بن راشد بن يزيد قال سمعت إسماعيل بن موسى البجلي وعيسى بن النضر السمانين وغيرهما يخبرون أن غزوان كان لآل القعقاع بن ضرار

__________________

(١) الطبري ، تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٩.

٣٤٣

فاشتراه أبو جعفر فقال له يوما يا أمير المؤمنين هذه سفن منحدرة من الموصل فيها مبيضة تريد إبراهيم بالبصرة قال فضم إليه جندا فلقيهم بباحمشا بين بغداد والموصل فقتلهم أجمعين وكانوا تجارا فيهم جماعة من العباد من أهل الخير وغيرهم وفيهم رجل يدعى أبا العرفان جارك إنما شخصت برقيق لي فبعتهم فلم يقبل وقتلهم أجمعين وبث برؤوسهم إلى الكوفة فنصبت ما بين دار إسحاق الأزرق إلى جانب دار عيسى بن موسى إلى مدينة ابن هبيرة قال أبو أحمد عبد الله بن راشد فأنا رأيتها منصوبة على كوم التراب.

قال وحدثنا أبو علي القداح قال حدثني داود بن سليمانونيبخت وجماعة من القداحين قالوا كنا بالموصل وبها حرب الراوندي رابطة في ألفين لمكان الخوارج بالجزيرة فأتاه كتاب أبي جعفر يأمره بالقفل إليه فشخص فلما كان بباحمشا اعترض له أهلها وقالوا لا ندعك تجوزنا لتنصر أبا جعفر على إبراهيم فقال لهم ويحكم إني لا أريد بكم سوءا انما أنا مار دعوني قالوا لا والله لا تجوزنا أبدا فقاتلهم فأبارهم وحمل منهم خمسمائة رأس فقدم بها على أبي جعفر وقض عليه قصتهم قال أبو جعفر هذا أول الفتح.

قال جعفر بن ربيعة قال الحجاج بن قتيبة لقد دخلت على أمير المؤمنين المنصور في ذلك اليوم مسلما وما أظنه يقدر على رد السلام لتتابع الفتوق والخروق عليه والعساكر المحيطة به ولمائة ألف سيف كامنة له بالكوفة بإزاء عسكره ينتظرون به صيحة واحدة فيثبون. (١)

الخلاصة :

مصِّرت الكوفة على عهد الخليفة عمر بن الخطاب وكان طابعها العام هو العمل بسيرة الشيخين شانها شان بلدان الفتوح ثم تبنت نهضة علي والحسن والحسين عليه‌السلام ولم تتخلف عن نصرة مشروعهم الإحيائي للسنة النبوية ودفعت الثمن غاليا حين حاول الأمويون والمروانيون والزبيريون محو ولاية علي وأهل بيته عليهم‌السلام والأحاديث النبوية التي

__________________

(١) الطبري ، تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٤٩.

٣٤٤

تدعو إلى ولايتهم من ساحتها فلم يفلحوا ، ثم برزت مرة أخرى في الثلث الأول من القرن الثاني الهجري قلعة لمشروع علي عليه‌السلام الإحيائي للسنة النبوية بخطين الأول خط مرجعية الأئمة من ذرية الامام الصادق عليه‌السلام والثاني خط الثوار بقيادة زيد وولده والثوار من ولد عبد الله بن الحسن المثنى.

٣٤٥
٣٤٦

الباب الثالث

العباسيون يحذون حذو الأمويين

في تحريف التاريخ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول ٣٥١ تحريف الأمويين للتاريخ

الفصال الثاني ٣٧١ انشقاق العباسيين عن المحسنيين والأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام

الفصل الثالث ٣٨٠ سياسة الاعلام العباسي

الفصل الرابع ٤٠١ الروايات الطاعنة في عقيدة الوصية بعلي عليه‌السلام

الفصل الخامس ٤٠٥ كتاب أبي مخنف في مقتل الحسين عليه‌السلام

الفصل السادس ٤١٢ الروايات الطاعنة في أهل الكوفة على لسان علي والحسن عليه‌السلام

الفصل السابع ٤٤١ الروايات الطاعنة في الحسن عليه‌السلام

الفصل الثامن ٤٥٣ ملاحظات نقدية حول رواية البخاري في الصلح وشرح ابن حجر لها

الفصل التاسع ٤٩١ الروايات التي تطعن في أهل الكوفة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٣٤٧
٣٤٨

استهدف الباب الثالث في تسعة فصول تفسير وجود ذلك الكم الهائل من الروايات الذي انتج رؤية الانهيار المبين للحسن وللكوفيين ، وكونها من وضع الامويين والعباسيين لمواجهة اخطر ثلاثي متعاون واجهه الحكم العباسي وهم الحسنيون الثائرون عليهم ـ مرجعية الامام الصادق الدينية الآخذة بالتوسع ـ الكوفة القلعة التاريخية التي تمد كلا الخطين بالقاعدة الشعبية.

ففي الفصل الأول عرضٌ مختصر في تحريف الأمويين لتاريخ خصومهم بوصفه التجربة الأقدم التي شهدها العباسيون الآباء ثم استفاد منها الأبناء لتحريف خصومهم ، وقد انتزعنا هذا الفصل من كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة والتاريخ.

وفي الفصل الثاني عرض مختصر لانشقاق العباسيين عن الحسنيين والأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام فكريا وسياسيا إذ كانوا في بدء الأمر جزء من حركة العلويين ثم انشقوا عنها.

وفي الفصل الثالث عرض وثائق الاعلام العباسي ضد الحسن والكوفة والتشيع من خلال خطب أبي العباس السفاح وأبي جعفر الدوانيقي والشعر ومحاورات الدوانيقي مع مالك بن انيس وغيره.

وفي الفصل الرابع عرض لشخصيتين مارستا الوضع في العهد العباسي المبكر لمواجهة حركة التشيع اليت يقودها الامام الصادق حين وضعتا اخبارا وصفت التشيع لعلي بانه من وضع شخص يهودي من صنعاء اسلم على عهد عثمان اظهر القول بالوصية لعلي

٣٤٩

وقرنه بالطعن على الخلفاء وبالتالي فان الشيعة من تأسيس يهودي حاقد على الإسلام ، وهاتان الشخصيتان هما سيف بن عمر وعبد الرحمن بن مالك بن مغول وقد عُرفا في كتب الرجال بانهما وضّاعان للاخبار.

وفي الفصل الخامس عرض لكتاب أبي مخنف الذي استهدف تحميل أهل الكوفة تبعة قتل الحسين تعبيرا عن خذلانهم وضعف إرادتهم بخلاف ما بينه أهل البيت عليهم‌السلام من قتلة الحسين هم من أهل الشام وان أهل الكوفة انصارهم الاوفياء.

وفي الفصل السادس عرض للاخبار الطاعنة في أهل الكوفة على لسان علي والحسن ، وانها من وضع الأخباريين العباسيين من خلال ترجمة الكثير من رواة تلك الاخبار.

وفي الفصل السابع عرض للاخبارالطاعنة في الحسن عليه‌السلام وترجمة لرواتها ممن كان يعمل مع العباسيين.

وفي الفصل الثامن مناقشة لرواية البخاري في الصلح وشرح ابن حجر العسقلاني لها.

وفي الفصل الثامن عرض للروايات الطاعنة في الكوفيين على لسان الرواة الآخرين وذكر المنبهات على انها من وضع الأخباريين العباسيين أيضا.

٣٥٠

الباب الثالث / الفصل الأول

تحريف الأمويين للتاريخ

أوردنا في كتابنا «المدخل إلى دراسة مصادر السيرة والتاريخ» اربع وثائق تتحدث عن تحريف بني أمية للحديث والتاريخ ننقلها بتمامها لكفايتها :

١. ما رواه الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات

قال الزبير بن بكار : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثني الزبير قال : حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن الواقدي قال : حدثني ابن أبي سبرة عن عبد الرحمن بن زيد قال :

وفد علينا سليمان بن عبد الملك حاجّاً سنة اثنتين وثمانين ، وهو ولي عهد ، فمرَّ بالمدينة ، فدخل عليه الناس ، فسلَّموا علهي ، وركب إلى مشاهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التي صلَّى فيها وحيث أُصيب أصحابه في أحد ، ومعه أبان بن عثمان ، وعمرو بن عثمان ، وأبو بكر بن عبد الله بن أبي أحمد ، فأتوا به قُباء ، ومسجد الفضيخ ، ومشربة أم إبراهيم ، وأحد ، وكل ذلك يسألهم ، ويخبرونه عمَّا كان.

ثم أمر أبان بن عثمان أن يكتب له سِيَر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومغازيه.

فقال أبان : هي عندي قد أخذتها مصححة ممن أتق به ، فأمر بنسخها ، وألقى فيها إلى عشرة من الكُتَّاب ، فكتبوها في رقّ.

٣٥١

فلما صارت إليه ، نظر فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين وذكر الأنصار في بدر ، فقال : ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل فإمَّا أن يكون أهل بيتي غمصوا عليهم وإمَّا أن يكونوا ليس هكذا.

فقال أبان بن عثمنا : أيها الأمير لا يمنعنا ما صنعوا بالشهيد المظلوم من خذلانه من القول بالحق : هم على ما وصفنا لك في كتابنا هذا ، قال : ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتَّى أذكره لأمير المؤمنين لعله يخالفه ، فأمر بذلك الكتاب فحُرِّق ، وقال : أسأل أمير المؤمنين إذا رجعت ، فإن يوافقه فما أيسر نسخه.

فرجع سليمان بن عبد الملك فأخبر أباه بالذي كان من قول أبان.

فقال عبد الملك : وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل ، تُعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها!

قال سليمان : فلذلك يا أمير المؤمنين أمرت بتخريق ما كنتُ نسخته حتَّى أستطلع رأي أمير المؤمنين ، فصوّب رأيه ، وكان عبد الملك يثقل عليه ذلك.

ثم إنَّ سليمان جلس مع قبيصة بن ذؤيب ، فأخبره خبر أبان بن عثمان وما نسخ من تلك الكتب وما خالف أمير المؤمنين فيها.

فقال قبيصة : لولا ما كرهه أمير المؤمنين لكان من الحظِّ أنْ تَعْلَمها وتُعلِّمَها ولدك وأعقابهم ، إنَّ حظَّ أمير المؤمنين فيها لوافر ، إنَّ أهل بيت أمير المؤمنين لأكثر من شهد بدراً فشهدها من بني عبد شمس ستة عشر رجلاً من أنفسهم وحلفائهم ومواليهم وحليف القوم منهم ومولى القوم منهم. وتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعمَّاله من بني أمية أربعة : عتاب بن أُسيد على مكة ، وأبان بن سعيد على البحرين ، وخالد بن سعيد على اليمن ، وأبو سفيان بن حرب على نجران ، عاملاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكنِّي رأيت أمير المؤمنين كره من ذلك شيئاً فما كره فلا تخالفه.

ثم قال قبيصة : لقد رأيتني وأنا وهو ـ يعني عبد الملك ـ وعدةً من أبناء المهاجرين ما لنا علم غير ذلك حتَّى أحكمناه ، ثم نظرنا بعد في الحلال والحرام ، فقال سليمان : يا أبا إسحاق ألا تخبرني عن هذا البغض من أمير المؤمنين وأهل بيته لهذا الحيَّ من الأنصار وحرمانهم إيَّاهم لِمَ كان؟ فقال : يا ابن أخي أوّل من أحدث ذلك معاوية بن

٣٥٢

أبي سفيان ، ثم أحدثه أبو عبد الملك (يريد مروان) ثم أحدثه أبوك.

فقال : علامَ ذلك؟

قال : فوالله ما أريد به إلَّا لأعلمه وأعرفه.

قال : لأنَّهم قتلوا قوماً من قومهم ، وما كان من خذلانهم عثمان فحقدوه عليهم ، وحنقوه وتوارثوه ، وكنت أحب لأمير المؤمنين أن يكون على غير ذلك لهم وأن أخرج من مالي فكلَّمه.

فقال سليمان : أفعل والله. فكلَّمه وقبيصة حاضر ، فأخبر قبيصة بما كان من محاورتهم.

فقال عبد الملك : والله ما أقدر على غير ذلك فدعونا من ذكرهم فأسكت القوم. (١)

وحكى الزهري (٢) : (أن عبد الملك رأى عند بعض ولده حديث المغازي فأمر به فأحرق ، وقال : عليك بكتاب الله فاقرأه والسنة فاعرفها واعمل بها).

قال الدكتور حسين عطوان : (ولم يزل الخلفاء الأمويون يحظرون رواية المغازي والسير إلى نهاية القرن الأول فلما استخلف عمر بن عبد العزيز ، أقرَّ بأنَّ من سبقه من الخلفاء الأمويين حاربوا رواية المغازي والسير ، ومنعوا أهل الشام من معرفتها ، ودفعوهم عن الإطلاع عليها ، وردعوهم عن الاشتغال بها وأنكر صنيعهم ، وشهَّر به تشهيراً قوياً). (٣)

قال ابن عساكر في ترجمة عاصم بن عمر بن قتادة : ووفد عاصم عيل عمر بن عبد العزيز في خلافته في دين لزمه فقضاه عنه عمر وأمر له بعد ذلك بمعونة وأمره أنْ يجلس في مسجد دمشق فيحدِّث الناس بمغازي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومناقب أصحابه وقال إنَّ بني مروان كانوا يكرهون هذا وينهون عنه فاجلس فحدِّث الناس بذلك ففعل. (٤)

أقول : ومن الجدير ذكره ، ان عمر بن عبد العزيز حين رفع الحظر عن رواية

__________________

(١) الزبير بن بكار ، الاخبار الموفقيات ٣٣١ ـ ٣٣٤.

(٢) البلاذري ، أنساب الأشراف ج ١ ص ١١٦٥.

(٣) حسين عطوان ، رواية الشاميين للمغازي والسير في القرنين الأول والثاني الهجري ط / ١٩٨٦ ص ٢٢ ـ ٢٧.

(٤) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، تراجم حرف العين من عاصم إلى عايذ ص ٦٨.

٣٥٣

المغازي والحديث لم يكن قد رفعه بشكل كامل ، لذلك فإن من عُرِف بروايته لفضائل علي وسيرته وأُمِرَ بلزوم الإقامة الجبرية في بلده كعامر بن وائلة ، لم يرفع الحظر عنه ، وقد روى ابن عساكر في ترجمة عامر بن واثلة أبي الطفيل أنَّه أدركته إمرة عمر بن عبد العزيز فكتب يستأذنه في القدوم عليه ، فقال عمر : ألم تؤمر بلزوم البلد (١)؟

ومن الثابت أنَّ أبا الطفيل كان صحابياً من شيعة علي عليه‌السلام وقد ترك البخاري حديثه لأنّه كان (بزعمه) يفرط في التشيع. (٢)

٢. ما رواه أبو الفرج في كتابه الأغاني

روى أبو الفرج بسنده عن ابن شهاب (٣) قال : قال لي خالد بن عبد الله القسري : اكتب لي النسب فبدأت بنسب مضر فمضيت فيه أياماً ثم أتيته ، فقال لي ما صنعت؟ فقلت بدأت بنسب مضر وما أتممته ، فقال : اقطعه قطعه الله مع أصولهم ، واكتب لي السيرة ، فقلت له : فإنَّه يمر بي الشيء من سيرة علي بن أبي طالب افأذكره؟

فقال : لا إلَّا أنْ تراه في قعر الجحيم. (٤)

وهذا الحديث يفسِّر لنا بوضوح لماذا جاءت روايات الزهري للسيرة التي رواها عنه عبد الرزاق الصنعاني بواسطة معمر خالية من ذكر علي عليه‌السلام وفيما يلي نماذج من روايات الزهري بواية عبد الرزاق الصنعاني في كتابه المصنّف :

١. روى عبد الرزاق في المصنف عن معمر قال سألت الزهري : (عن أوّل من أسلم)؟ قال : ما علمنا أحداً أَسلم قبل زيد بن حارثة. (٥)

__________________

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ٢٦ : ١٣٨.

(٢) نفس المصدر ص ٢٩٤ ، وانظر ترجمة أبي الطفيل في ابن عبد البر ، الاستيعاب ص ١٦٩٦ قال كان متشيعاً في علي وبفضله.

(٣) ابن شهاب : هو محمد بن مسلم القرشي الزهري ت ١٢٥ هـ.

(٤) أبو الفرج الاصفهاني ، الأغاني ج ٢٢ ص ٢٣ ، أخبار خالد بن عبد الله القسري.

(٥) روى أصحاب السير والتواريخ روايات كثيرة جداً بأسانيد صحيحة أنَّ عليّاً أوّل من آمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصدّقه وقد أورد ابن كثير في كتابه البداية والنهاية حديثاً صحيحاً باسناد الأمام احمد ثم أردفه بقوله وهذا لا يصح من أي وجه كان روي عنه ، ورد عليه العلامة الأميني في الغدير ج ٣ / ص ٢٢٠ ـ ٢٤٧ وأورد ستاً وستين نصّاً للنبي والصحابة والتابعين تؤكد إنَّ عليّاً أوّل من صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، منها ما

٣٥٤

٢. وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في حديث عن عروة قال : كانت وقعة أحد في شوال ، على رأس ستة أشهر من وقعة بني النضير.

قال الزهري عن عروة في قوله (وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون) : إنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم أحد حين غزا أبو سفيان وكفّار قريش : إنَّي رأيت كأنِّي لبست درعاً حصينة ، فأوّلتها المدينة ، فاجلسوا في ضيعتكم وقاتلوا من ورائها ، وكانت المدينة قد شبكت بالبنيان ، فهي كالحِصن ، فقال رجلٌ مسنٌ لم يشهد بدراً : يا رسول الله ، اخرج بنا إليهم فلنقاتلهم ، وقال عبد الله بن أبي سلول : نعم ، والله ، يا نبي الله ، ما رأيت إنّا والله ما نزل بنا عدو قط فخرجنا إليه ، إلَّا أصاب فينا ، ولا يأتينا في المدينة ، وقاتلنا من ورائها إلَّا هَزَمنا عدوُّنا.

فكلَّمه أُناس من المسلمين ، فقالوا : بلى ، يا رسول الله ، أخرج بنا إليهم ، فدعا بلأمته فلبسها ، ثم قال : أظنُّ الصرعى إلَّا ستكثر منكم ومنهم ، إنِّي أرى في النوم منحورة ، فأقول بقر ، والله بخير فقال رجل : يا رسول الله ، بأبي أنت وأُمي فاجلس بنا ، فقال : إنَّه لا ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتَّى يلقى الناس ، فهل من رجل يدلنا الطريق على القوم من كثب؟ فانطلقت به الأدلاء بين يديه ، حتَّى إذا كان بالشوط من الجبانة انخذل عبد الله بن أبي بثلث الجيش ، أو قريب من ثلث الجيش ، فانطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتَّى لقوهم بأحد ، وصافوهم ، وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إلى أصحابه

__________________

رواه الطبري في تاريخه ج ٢ ص ٣٠٩ ـ ٣١٤ عن علي عليه‌السلام وزيد بن ارقم وعبد الله بن عباس.

أقول : أمَّا عن إسلام أبي بكر فقد روى الطبري بسند صحيح عن محمد بن سعيد قال : قلت لأبي : أكان أبو بكر أوّلكم إسلاماً؟ فقال : ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ج ٢ ص ٣١٦.

أمَّا كون زيد أوّل من أسلم فهو المروي عن عروة بن الزبير ت ٩٨ وسليمان بن يسار ت ١٠٠ هـ والزهري والغريب هو قول الزهري : (ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد) فإنَّه من المؤكد ليس مطابقاً للواقع فإنَّ مثل الزهري وهو المقدَّم على غيره في أخبار السيرة والمغازي لا تخفى عليه الحقيقة غير إنَّها سياسة الأمويين وهو من رجالهم الاعلاميين والدينيين المعتمدين ولم يخف على عبد الرزاق صاحب المصنف ذلك فأضاف إلى رواية معمر عن الزهري رواية معمر عن قتادة عن الحسن وغيره قوله : كان أول من آمن به علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو ابن خمس عشرة أو ست عشرة سنة وروايته عن عثمان الجندي عن مقسم عن ابن عباس قال : علي أوّل من أسلم.

٣٥٥

أنَّهم هزموهم ، أنْ لا يدخلوا لهم عسكراً ، ولا يتَّبعوهم ، فلمَّا التقوا هزموا (١) ، وعصوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتنازعوا ، واختلفوا ، ثم صرفهم الله عنهم ليبتليهم ، كما قال الله وأقبل المشركون ، وعلى خيلهم خالد بن الوليد بن المغيرة ، فقتل من المسلمين سبعين رجلاً وأصابهم جراح شديدة ، وكسرت رباعية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودمي وجهه ، حتَّى صاح الشيطان بأعلى صوته : قتل محمد.

قال ابن إسحاق حدَّثني ابن شهاب الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك أخو بني سلمة قال : قال كعب : عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأشار إليَّ أنْ أنصت ، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهضوا به ، ونهض معهم نحو الشعب ، معه : أبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، والحارث بن الصمة ، في رهط من المسلمين ، فلما أسند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الشعب ، أدركه أبي بن خلف وهو يقول : أين يا محمد أين يا محمد لا نجوت إنْ نجوت ، فقال القوم : أيعطف عليه يا رسول الله رجل منّا؟ فقال : دعوه فلمَّا دنا تناول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحربة من الحارث بن الصمة ، يقول بعض القوم فيما ذكر لي ، فلمَّا أخذها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر من ظهر البعير إذا أنتفض بها ، ثم استقبله فطعنه بها طعنة تردّى بها عن فرسه مراراً. (٢)

__________________

(١) روى الطبري وابن هشام والواقدي في مغازيه ج ١ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦ إنَّ عليّاً عليه‌السلام قتل طلحة كبش الكتيبة وسُرَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأظهر التكبير وكبَّر المسلمون ، وفي رواية الشيخ المفيد في الإرشاد عن الصادق عليه‌السلام بعد ذكره قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام لأصحاب اللواء (وإنهزم القوم وطارت مخزوم فضحها علي عليه‌السلام يومئذ) وقد روى ذلك أيضاً ابن أبي الحديد ج ١٣ ص ٢٩٣ وقال الطبري ج ٢ / ٥١٤ قتل علي أصحابه الألوية.

(٢) ابن جرير الطبري ، تاريخ الطبري ج ٢ ص ٥١٨ ومحمد بن إسحاق سيرة ابن إسحاق (كتاب السير والمغازي) ، تحقيق سهيل زكار ، دار الفكر بيروت ١٣٩٨ هـ ١٩٧٨ م ، ص ٣٣٠ ـ ٣٣١. أقول : من البعيد أن يكون ما ذكره ابن شهاب هذا ، وقد قال الطبري : إنَّ المسلمين أًابهم ما أصابهم من البلاء أثلاثا ، ثلث قتيل وثلث جريح وثلث منهزم وقد جهدته الحرب حتى ما يدري ما يصنع وأصيبت رباعية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله السفلى وشُقَّت شفته وكلم في وجنتيه وجبهته في أصول شعره ، وكيف يقوم بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بين يديه وقد واساه بنفسه ، قال الطبري : حدثنا أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا حبان بن علي عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه

٣٥٦

قال عبد الرزاق قال معمر حدثني الزهري : فنادى أبو سفيان بعدما مُثِّل ببعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجُدِعوا ، ومنهم من بُقِرَ بطنُه.

فقال أبو سفيان : إنَّكم ستجدون في قتلاكم بعض المثل ، فإنَّ ذلك لم يكن عن ذوي رأينا ولا سادتنا (١) ، ثم قال أبو سفيان : أعلُ هُبَل. فقال عمر بن الخطاب : الله أعلى وأجل.

فقال : أنعمت عيناً (٢) ، قتلى بقتلى بدر.

فقال عمر : لا يستوي القتلى ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار.

فقال أبو سفيان : لقد خِبنا إذا ، ثم انصرفوا راجعين.

وندب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه في طلبهم ، حتَّى إذا بلغوا قريباً من حمراء الأسد ، وكان

__________________

عن جده قال : لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية أبصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة من مشركي قريش فقال لعلي : إحمل عليهم فحمل عليهم ففرَّق جمعهم ثم أبصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة من مشركي قريش فقال لعلي : احمل عليهم فحمل عليهم ، ففرق جماعتهم .. فقال جبرئيل : يا رسول الله إنَّ هذه للمواساة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنَّه منِّي وأنا منه ، فقال : جبرئيل وأنا منكما قال : فسمعوا صوتاً :

لا سيف إلَّا ذو الفقر ولا فتى إلَّا علي

قال المحمودي : وقد روى حديث المواساة أحمد بن حنبل في كتاب الفضائل الحديث رقم ٢٤١ ، كذلك في الحديث رقم ٢٤٢ أيضاً الطبراني في المعجم الكبير (ترجمة الامام علي عليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق ص ١٣٨ ـ ١٤٩ الهامش). وللمزيد من المصادر انظر السيد جعفر مرتضى العاملي : الصحيح من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ج ٤ ص ٢٢٧.

(١) في رواية الواقدي ، المغازي والسير ج ١ ص ٢٩٧ ـ ٢٩٩ ، (فقال أبو سفيان : اعل هبل ، فقال عمر : الله أعلى وأجل ، فقال أبو سفيان : إنَّها قد أنعمت ، فعال عنها) أي تجاف عن آلهتنا ولا تذكرها بسوء ... (فلما قدم أبو سفيان على قريش بمكة ، لم يصل إلى بيته حتى أتى هبل ، فقال : قد أنعمت ونصرتني وشفيت نفسي من محمد وأصحابه ، وحلق رأسه).

روى الطبري وابن هشام والواقدي في مغازيه ج ١ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦ إنَّ عليّاً عليه‌السلام قتل طلحة كبش الكتيبة وسُرَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأظهر التكبير وكبَّر المسلمون ، وفي رواية الشيخ المفيد في الإرشاد عن الصادق عليه‌السلام بعد ذكره قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام لأصحاب اللواء (وإنهزم القوم وطارت مخزوم فضحها علي عليه‌السلام يومئذ) وقد روى ذلك أيضاً ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة ج ١٣ ص ٢٩٣ وقال الطبري في تاريخه ج ٢ ص ٥١٤ قتلعلي أصحاب الألوية.

(٢) جاء في سيرة ابن اسحق ص ٣٣٤ (ثم بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب ، فقال : اخرج في أثر القوم فانظر ما يصنعون).

٣٥٧

فيمن طلبهم يومئذ عبد الله بن مسعود ، وذلك حين قال الله (الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) آل عمران / ١٧٣. (١)

٣. قال عبد الرزاق قال معمر قال الزهري في حديثه عن المسيب : وذكر قصَّة نعيم بن مسعود الأشجعي وسعيه في الوقعية بين أبي سفيان وبني قريضة وما أرسل الله تعالى من الريح على المشركين وإنهزامهم بغير قتال ، ثم قال : فذلك حين يقول (وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله عزيزاً) الأحزاب / ٢٥. (٢)

٤. عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، قال : لمَّا انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتَّى أتى المدينة ، فغزا خيبر من الحديبية فأنزل الله عليه (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) إلى (ويهديكم صراطاً مستقيماً) فلمَّا فتحت خيبر جعلها لمن غزا معه الحديبية ، وبايع تحت الشجرة ، ممَّن كان غائباً أو شاهداً ، من أجل أنَّ الله كان وعدهم إيَّاها ، وخمَّس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر ، ثم قسم سائرها مغانم بين من شهدها من المسلمين ، ومن غاب عنها من أهل الحديبية. (٣)

__________________

(١) في تاريخ الطبري عن ابن اسحق : ثم بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب فقال : أخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون.

(٢) قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ١٩٢ في قوله تعالى (وكفى الله بالمؤمنين القتال) : أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود (رض) أنَّه كان يقرأ هذا الحرف وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب. وذكر ذلك أيضاً الطبرسي في مجمع البيان وقال : وهو المروي عن أبي عبد الله وأخرجه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق في ترجمة علي عليه‌السلام ج ٢ ص ٤٢٠. أقول : قوله يقرأ أي يفسر وروى الشيخ المفيد في الإرشاد ص ٥٤ عن جابر بن عبد الله الانصاري وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه مع علي عليه‌السلام لينظر ما يكون منه ومن عمرو قال فما شبهت قتل علي عمراً إلّما بما قصَّ الله تعالى من قصة داود عليه‌السلام وجالوت حيث يقول جلَّ شأنه (فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت). وقال أبو جعفر الاسكافي ت ٢٢٠ هـ في المعيار والموازنة ص ٩١ (خرج علي عليه‌السلام إلى عمرو والمسلمون مشفقون قد اقشعرت جلودهم وزاغت أبصارهم وبلغت الحناجر قلوبهم وظن قوم بالله الظنون والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليدعو له بالنصر ملح في ذلك مستغيث بربِّه ففرَّج الله به تلك الكرب وأزال الظنون وثبت اليقين بعلي بن أبي طالب .. وفي ذلك يؤثر عن حذيفة بن اليمان أنَّه قال : لقد أيد الله تبارك وتعالى رسوله والمؤمنين بعلي في موقفين لو جمع جميع أعمال المؤمنين لما عدل بهما يوم بدر ويوم الخندق ثم قصَّ قصته فيهما).

(٣) روى البخاري ومسلم وأحمد وابن عساكر وغيرهم عن أبي هريرة ، وسهل بن سعد وسلمة بن الاكوع وبريدة بن الحصيب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ، وغيرهم والروايات تزيد وتنقص

٣٥٨

٥. عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : أخبرني كُثّير بن العباس بن عبد المطلب عن أبيه العباس قال : شهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حنين ، قال : فلقد رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وما معه إلَّا أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، فلزمنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم نفارقه ، وهو على بغلة شهباء وربما قال معمر : بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي.

قال : فلمَّا التقى المسلمون والكفَّار ولَّى المسلمون مدبرين (١) ، وطفق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

في بعض الالفاظ وحاصلها : أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر إلى خيبر فلم يُفتح عليه وبعث عمر فلم يُفتح عليه فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأعطينَّ الراية رجلاً كراراً غير فرَّار يحب الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله يُفتح الله على يديه ، فبات الناس يدوكون ليلتهم فلمَّا أصبح الصباح دعا علياً عليه‌السلام وهو أرمد العين فتفل في عينه ففتح عينه وكأنه لم يرمد قط وقال له : خذ هذه الراية واذهب ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فمشى علي عليه‌السلام هنيهة ، قال ابن مكي : ولم يلتفت للعزمة ، فقال : يا رسول الله علام أقاتل الناس؟ قال : قاتلهم حتى يشهدوا أنَّ لا إله إلَّا الله وأنِّي رسول الله فإذا قالوها منعو منِّي. فخرج علي يهرول حتى ركز رايته في أرضهم تحت الحصن فاطلع رجلٌ يهودي من رأس الحصن وقال : من أنت؟ قال : أنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام فالتفت إلى أصحابه وقال : غلبتم والذي أنزل التوراة على موسى ، فما رجع علي حتى فتح الله عليه (ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٨٩).

(١) قال اليعقوبي في تاريخه ج ٢ ص ٦٢ انهزم المسلمون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حنين حتى بقي في عشرة من بني هاشم وقيل تسعة وهم علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث ونوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب والفضل بن العباس وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وقيل أيمن بن أم أيمن. وروى ذلك أيضاً البلاذري في انساب الاشراف ج ١ ص ٣٦٥ وكذلك رواه ابن عبد البر في الاستيعاب ص ٨١٣ ونقل عن ابن إسحاق قول العباس :

نصرنا رسول الله في الحرب سبعة

وقد فر من فر عنه واقشعوا

وثامننا لاقى الحمام بسيفه

بما مسَّه في الله لا يتوجع

قال ابن إسحاق : السبعة علي والعباس والفضل وابو سفيان بن الحارث وابنه جعفر وربيعة بن الحارث واسامة بن زيد والثامن ايمن ، قال ابن عبد البر : وجعل غير ابن اسحق في موضع أبي سفيان عمر بن الخطاب والصحيح ان أبا سفيان بن الحارث كان يومئذ معه لم يختلف فيه واختلف في عمر ، أقول : في كل الروايات اسم علي عليه‌السلام ثابت. وفي امتاع الأسماع ج ٢ ص ١٤ للمقريزي قال أبو الفضل بن العباس : التفت العباس يومئذ وقد اقشع الناس (أي تفرقوا تصدعوا وانكشفوا) عن بكرة ابيهم فلم ير عليا فيمن ثبت فقال : شُوهةً وبُوهة (أي بعداً له) أوَ في مثل هذه الحال يرغب ابن أبي طالب بنفسه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو صاحبه فيما هو صاحبه / قال المقريزي يعني في المواطن المشهورة له / فقلت بعض قولك لابن أخيك اما تراه في الرهج؟ قال : اشعِره لي يا بني (أي اذكر علامته) قلت : ذو كذا ، ذو كذا ، ذو البردة ، قال : فما تلك البرقة؟ قلت : سيفه يرفل (أي يتبختر) به بين الاقران ، فقال : بَرٌّ ابنُ بَرّ ، فِداه عمٌّ وخال ، قال : فضرب علي يومئذ أربعين مبارزا كلهم

٣٥٩

يُركِض بغلتَه نحو الكفار قال العباس : وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألقفها ، وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين ، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغرز (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا عباس ، ناد أصحاب السمرة ، قال : وكنت رجلاً صيتاً ، فناديت بأعلى صوتي : أي أصحاب السمرة؟ قال : فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها ، يقولون : يا لبيك ، يا لبيك ، يا لبيك.

وأقبل المسلمون ، فاقتتلوهم والكفار.

فنادت الأنصار : يا معشر الأنصار ، ثم قصر الداعون على بني الحارث بن الخزرج ، فنادوا : يا بني الحارث بن الخزرج.

قال : فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا حين حمي الوطيس.

قال ثم أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حصيات فرمى بهن وجوه الكفَّار ، ثم قال : انهزموا وربِّ الكعبة.

قال : فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى.

قال : فوالله ما هو إلَّا أن رماهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحصياته ، فما زلت أرى حدَّهم كليلاً وأمرهم مدبراً حتَّى هزَّمهم الله تعالى ، قال : وكأنِّي أنظر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يركض خلفهم على بغلة له.

٣. رواية المدائني في كتابه الأحداث

روى ابن أبي الحديد عن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني (ت ٢٢٥ هـ) (٢) في

__________________

يقُدُّه حتى يقد انقه ، وذكره قال : وكانت ضرباته منكرة. (قال لسان العرب : قدد : القَدّ : القطع المستأصل والشق طولا. وضربه بالسيف فَقَدَّه بنصفين. وفي الحديث : أن عليا عليه‌السلام كان إذا اعتلى قدَّ وإذا اعترض قطَّ وفي رواية : كان إذا تطاول قدَّ وإذا تقاصر قطَّ أي قطع طولا وقطع عرضا).

(١) الغرز : ركاب للرحل من جلد ، وغرز رجله في الغرز يغرزها عرزا : وضعها فيه ليركب وأثبتها. (ابن منظور لسان العرب مادة غرز).

(٢) قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج ١٢ ص ٥٤ ـ ٥٥ في ترجمة المدائني (كان عالماً بأيام الناس وأخبار العرب وأنسابهم عالماً بالفتوح والمغازي ورواية الشعر ، صدوقاً في ذلك ، وقال يحيى بن معين ثقة ثقة ثقة. وقال ابن النديم في الفهرست ص ١١٣ ولد سنة ١٣٥ هـ وتوفي سنة ٢٢٥ هـ وله ثلاث وتسعون ثم ذكر أسماء كتبه في أربع صفحات.

٣٦٠