الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

السيّد سامي البدري

الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-499-295-7
الصفحات: ٦١٤

قلت إني جلست إلى المقداد بن عمرو آنفا وعبد الرحمن بن عوف فقالا كذا وكذا ثم قام المقداد فاتبعته فقلت له كذا فقال لي كذا فقال علي عليه‌السلام لقد صدق المقداد ، فماذا اصنع؟

فقلت تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك وبخبرهم انك أولى بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتسألهم النصر على هؤلاء المتظاهرين عليك فإذا أجابك عشرة من مائة شددت بهم على الباقين ، فان دانوا لك فذاك وإلا قاتلتهم وكنت أولى بالعذر قتلت أو بقيت ، وكنت أعلى عند الله حجة ،

فقال عليه‌السلام : أترجو يا جندب ان يبايعني من كل عشرة واحد؟ قلت أرجو ذلك ، قال لكني لا أرجو ذلك ، لا والله ولا من المائة واحد ، وسأخبرك ان الناس ينظرون إلى قريش فيقولون هم قوم محمد وقبيله ، واما قريش بينها تقول ان آل محمد يرون لهم على الناس بنبوته فضلا ويرون انهم أولياء هذا الأمر دون قريش ودون غيرهم من الناس وهم ان وَلَوْه لم يخرج السلطان منهم إلى أحد أبدا ومتى كان في غيرهم تداولته قريش بينها ، لا والله لا يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبدا.

فقلت جعلت فداك يا بن عم رسول الله لقد صدعت قلبي بهذا القول أفلا ارجع إلى المصر فأوذن النسا بمقالتك وأدعو الناس إليك فقال يا جندب ليس هذا زمان ذاك.

قال فانصرفت إلى العراق فكنت اذكر فضل علي على الناس فلا اعدم رجلا يقول لي ما اكره واحسن ما اسمعه قول من يقول دع عنك هذا وخذ فيما ينفعك فأقول ان هذا مما ينفعني وينفعك فيقوم عني ويدعني. (١)

وفي الإرشاد قال : فكنتُ كلّما ذكرتُ للناس شيئاً من فضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ومناقبه وحقوقه زَبرُوني ونَهَرُوني ، حتى رُفِعَ ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة لياليَ وَلِيَنَا ، فبعث إليّ فحبسني حتى كُلّمَ فيَّ فخلَّى سبيلي. (٢)

__________________

(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج ٩ ص ٥٦ نقلا عن سقيفة الجوهري.

(٢) المفيد ، الإرشاد ، ج ١ ص ٢٤١. والطوسي ، الأمالي ، ج ٢٣٤ ؛ وابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ٩ ص ٥٧ نحوه.

٣٠١

ومن هذه الرواية نفهم عدة أمرو منها :

١. ان الولاء العام للكوفيين هو لقريش وليس لعلي عليه‌السلام رصيد فيها كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين حين قال لجندب (اترجو يا جندب ان يبايعني من كل عشرة واحد؟ قلت أرجو ذلك ، قال لكني لا أرجو ذلك ، لا والله ولا من المائة واحد).

٢. ان الداعي إلى علي وفضائله تسجنه السلطة كما رأينا في سجن جندب نفسه.

٣. ان أمير المؤمنين نصع جندبا ان لا يدعو الناس إلى علي فان لازمان ليس ذلك.

٤. ان تصرف جندب وسجنه عمَّق عنده دقة تشخيص أمير المؤمنين للموقف حين سألف (أفلا ارجع إلى المصر فأوذن الناس بمقالتك وأدعو الناس إليك) فكان جوابه عليه‌السلام (يا جندب ليس هذا زمان ذاك).

٤. ان أهل البلاد المفتوحة بشكل عام والكوفة منها كانوا لا يعرفون عليا ومناقبه ، بل حين ذكر جُندب بعض مناقبه زبره الناس ونهروه وقاموا عنه / لأنه كلام لم يأتِهم بطريق رسمي / ورفع أمره إلى الوليد فحَبَسَه. فإذا عَرَفنا ان الوليد قد وُلِّي الكوفة سنة ٢٥ هـ أو سنة ٢٦ هـ وعُزِل عنها سنة ٣٠ هجرية عرفنا ان الجو العام في الكوفة في ذلك الوقت كان لا يسمح بذكر فضائل علي عليه‌السلام الا سرا.

نهضة علي عليه‌السلام على عهد عثمان سنة ٢٧ هـ لإحياء حج التمتع

استحكم الانشقاق بين عثمان وبطون قريش سنة ٢٧ هـ عندما استحكم الخلاف بينه وبين عبد الرحمن بن عوف وهو آخر من تذمر من عثمان من بطون قريش حين بنى قصره طمار الزوراء (١) في المدينة ، وتكونت جبهة قرشية معارضة لسياسة عثمان

__________________

(١) قال الحموي في معجم البلدان : طمار المكان المرتفع ، وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة ج ١ ص ١٩٦ الأولى : وابو هلال الأوائل : ١٢٩ عن أبي يعقوب السروي. «لمّا بنى عثمان قصره (طمار الزوراء) وضع طعاماً كثيراً ودعا الناس إليه كان فيهم عبد الرحمن ، فلمّا نظر إلى البناء والطعام قال : يا بن عفّان لقد صدّقنا عليك ما كنا نكذّب فيك ، وإني أستعيذ بالله من بيعتك ، فغضب عثمان وقال : أخرجه عني يا غلام ، فأخرجوه وأمر الناس أن لا يجالسوه فلم يكن يأتيه أحد إلّا ابن عباس كان يأتيه فيتعلم منه القرآن والفرائض ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان وكلّمه

٣٠٢

في تقريب اسرته وتسليمهم ولاية الأمصار ، فقد عزل عمرو بن العاص عن مصر سنة ٢٥ هـ وعين اخاه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان النبي قد أهدر دمه في فتح مكة وأجاره عثمان ثم عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة سنة ٢٥ هـ وعيَّن أخاه لامه الوليد بن عقبة الفاسق بنص القرآن. وفي سنة ٢٦ هـ جمع الشام كلها لمعاوية. وفي سنة ٢٧ هـ عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة وولى مكانه عبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس وهو ابن أربع وعشرين سنة وضم إليه ولاية فارس.

قرر علي عليه‌السلام في جو استحكام الخلاف بين بطون قريش وعثمان وتذمر الناس من تصرف ولاته ان يحيي حج التمتع الذي نهى عنه عمر صار هذا النهي جزءا من السيرة التي التزمها عثمان في خلافته وكانت مدخلا ميَّز عليا عليه‌السلام في نهضته في قبال المعارضة القرشية لعثمان التي كانت تستهدف الاطاحة بحكم عثمان وبني أمية وتداول السلطة في بطون قريش كما كان أيام أبي بكر وعمر.

نهض مع علي وجوه من صحابة النبي كما في رواية البخاري :

روى مالك في الموطأ :

«ان المقداد بن الأسود (ت ٣٣) دخل على علي عليه‌السلام بالسُقْيا (١) وهو يُنجِع بَكرات له دقيقا وخبطا ، فقال هذا عثمان بن عفان ينهى ان يقرن بين الحج والعمرة ، فخرج علي عليه‌السلام وعلى يديه اثر الدقيق والخبط فما أنسى اثر الدقيق والخبط ، على ذراعيه ، حتى دخل على عثمان فقال : أنت تنهى عن ان يُقْرَنَ بين الحج والعمرة ، فقال : عثمان ذلك رأيي ، فخرج عليٌّ عليه‌السلام مغضبا وهو يقول : لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا». (٢)

__________________

فلم يكلّمه حتى مات» وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد ج ٢ ص ٢٨٠. : «لمّا أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلّة من أصحاب محمّد قيل لعبد الرحمن هذا عملك قال : ما ظننت هذا ، ثمّ مضى ودخل عليه وعاتبه وقال إنّما قدّمتك على ان تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال : انّ عمر كان يقطع قرابته في الله وأنا أصل قرابتي في الله. قال عبد الرحمن : لله عليَّ أن لا أكلمك أبداً ، فلم يكلّمه حتى مات وهو مهاجر لعثمان ، ودخل عليه عثمان عائداً له في مرضه فتحوّل عنه إلى الحائط ولم يكلّمه». وقال ابن قتيبة في المعارف ص ٢٣٩ : كان عثمان بن عفان مهاجرا لعبد الرحمن ابن عوف حتى ماتا.

(١) و (السقيا) قرية جامعة بطريق مكة ، بينهما مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلا.

(٢) موطأ مالك الحديث ٤٠ من باب القِران في الحج : ٣٣٦ ، وابن كثير ٥ : ١٢٩ ، (ينجع) يسقي ،

٣٠٣

وفي سنن النسائي ومستدرك الصحيحين ومسند احمد واللفظ للأول عن سعيد بن المسيب قال :

«حج علي وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع فقال علي إذا رأيته (وفي نسخة السندي إذا رأيتموه) ارتحل فارتحلوا فلبى علي وأصحابه بالعمرة». (١)

قال الإمام السندي بهامشه :

«قال (إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا) أي ارتحلوا معه ملبين بالعمرة ليعلم أنكم قدمتم السنة على قوله ، وانه لا طاعة له في مقابل السنة». (٢)

موقف عبد الله بن مسعود من عثمان :

قالوا في ترجمة عبد الله بن مسعود حليف بني زهرة (٣) : أسلم قديما وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد بعدها ، وأخرج البغوي من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال عبد الله لقد رأيتني سادس ستة وما على الأرض مسلم غيرنا وكان يقول أخذت من في رسول الله سبعين سورة أخرجه البخاري شهد فتوح الشام سيَّره عمر إلى الكوفة ليعلمهم أمور دينهم وبعث عمارا أميرا وقال إنهما من النجباء من أصحاب محمد فاقتدوا بهما. وعن زيد بن وهب قال أقبل عبد الله ذات يوم وعمر جالس فلما رآه مقبلا قال كنيف مليء فقها. (٤)

__________________

و (بكرات) جمع بكرة ولد الناقة أو الفتى منها ، و (الخَبْط) ضرب من ورق الشجر حتى ينحات عنه ثم يستخلف من غير ان يضر ذلك باصل الشجر واغصانها قال الليث (الخَبَط) خَبَط ورق العِظاء من الطلح ونحوه يخبط يضرب بالعصا فيتناثر ثم يعلف الإبل.

(١) النسائي ، سنن النسائي ج ٢ ص ١٥ كتاب الحج باب حج التمتع ، واحمد بن حنبل ، مسند احمد ج ١ ص ٥٧ الحديث ٤٠٢ بمسند عثمان. والحاكم ، المستدرك على الصحيحين ج ١ ص ٤٧٢. ابن كثير البداية والنهاية ، ج ٥ ص ١٢٦ و ١٢٧.

(٢) يتضح من الرواية وتعليق السندي ان عليا عليه‌السلام وأصحابه كانوا في الحج على السنة وكان عمر وعثمان ومن اقتدى بهما على خلاف السنة.

(٣) في طبقات ابن سعد أن أم عبد الله بن مسعود اسمها أم عبد وأمها هند بنت عبد الحارث بن زهرة ، وفي الاصابة عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة.

(٤) انظر ترجمته في الاصابة ابن حجر والاستيعاب لابن عبد البر والطبقات الكبرى لابن سعد وغيرها.

٣٠٤

كان عبد الله بن مسعود من الأوفياء لسياسة عمر وفتاواه (١) منسجما كل الانسجام مع السلطة الحاكمة وقد روى البلاذري ان ابن مسعود وكان أول الناس جاء ببيعة عثمان إلى الكوفة وأخذها على الناس (٢) غير انه اصطدم فيما بعد مع عثمان في قصة تغيير المصاحف بسبب عدم إشراكه في اللجنة الخاصة وتفضيل زيد بن ثابت عليه فدعا الكوفيين إلى عدم تسليم مصاحفهم وامتنع هو من تسليم مصحفه لمبعوث عثمان مع ملاحظات سابقة له على سيرة الوليد بن عقبة فأمر عثمان بإشخاصه إلى المدينة وضُرب هناك وكسرت أضلاعه ومنع من العطاء سنتين.

روى ابن شبة قال حدثنا عبد الله بن رجاء قال ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حمير بن مالك قال : لما أمر بالمصاحف أن تُغّيَّر ساء ذلك عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه فقال : من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليفعل ، فإن من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة ، ثم قال : لقد قرأت القرآن من في (أي فم) رسول الله سبعين سورة ، وزيد صبي ، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (٣)

وفي رواية أخرى عن محمد بن عبد الله بن المثنى الانصاري قال ، حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن ثوبر بن أبي فاختة ، عن أبيه قال : بعث عثمان رضي‌الله‌عنه إلى عبد الله أن يدفع المصحف إليه. قال : ولم؟ قال : لأنه كتب القرآن على حرف زيد. قال : أما أن أعطيه المصحف فلن أعطيكموه ، ومن استطاع أن يغل شيئا فليفعل ، والله لقد قرأت من في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين سورة ، وإن زيدا لذو ذؤابتين يلعب بالمدينة. (٤)

وروى ابن عبد البر عن الأعمش عن شقيق أبى وائل قال لما أمر عثمان في المصاحف بما أمر قام عبد الله بن مسعود خطيبا فقال : أيأمروني أن أقرأ القرآن على

__________________

(١) اذ تجاوب معه في قضية نشر الحديث وإتلاف صحفه وقد مرت أخباره فيها كما تجاوب معه في فتواه في عدم الصلاة للمجنب عند فقدانه الماء.

(٢) البلاذري انساب الاشراف ج ١١ ص ٢٢٧.

(٣) النميري عمر بن شبة ، تاريخ المدينة المنورة ، دار الفكر ١٤١٠ هـ ، ص ١٠٠٦ ، ورواه أيضا السجستاني ، ابن أبي داود في كتاب المصاحف ، دار الكتب العلمية بيروت ١٩٩٥ م ص ١٧.

(٤) المصدر السابق.

٣٠٥

قراءة زيد بن ثابت نفسى بيده لقد أخذت من في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب به الغلمان والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل وما أحد أعلم بكتاب الله مني ولو أعلم أحداً تبلغنيه الإبل أعلم بكتاب الله منى لأتيته ثم استحيي مما قال فقال وما أنا بخيركم قال شقيق فقعدت في الحق فيها أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما سمعت أحدا أنكر ذلك عليه ولا رد ما قال. (١)

قال اليعقوبي كتب عثمان في جمع المصاحف من الآفاق حتى جمعت ، ثم سلقها بالماء الحار والخل ، وقيل أحرقها ، فلم يبق مصحف إلا فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود. (٢) وكان ابن مسعود بالكوفة ، فامتنع أن يدفع مصحفه إلى عبد الله بن عامر ، وكتب إليه عثمان : أن أشخصه ، إنه لم يكن هذا الدين خبالا وهذه الأمة فسادا (٣). فدخل المسجد وعثمان يخطب ، فقال عثمان : إنه قد قدمت عليكم دابة سوء ، فكلمه ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان ، فجُرَّ برجله حتى كسر له ضلعان ، فتكلمت عائشة ، وقالت قولا كثيرا.

وفي رواية البلاذري : احتمله يحموم غلام عثمان ورجلاه تختلفان على عنقه حتى

__________________

(١) ابن عبد البر الاستيعاب ص ٩٩٣.

(٢) اليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٧٠ وفي تاريخ المدينة المنورة لابن شبة / ١٠٠٣ ـ ١٠٠٤ قال حدثنا حفص بن عمر الدوري قال ، حدثنا إسماعيل ابن جعفر ، عن عمارو بن غزبة ، عن ابن شهاب ، عن خارجة ابن زيد بن ثابت رضي‌الله‌عنه قال : لما ماتت حفصة أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما بعزيمة ، فأعطاه إياها ، فغسلها غسلا. وقال حدثنا عثمان بن عمر قال ، أنبأنا يونس ، عن ابن شهاب قال ، حدثني أنس رضي‌الله‌عنه قال ، لما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها عن المصاحف ليمزقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضا فمنعتها إياه. قال الزهري : فحدثني سالم قال ، لما توفيت حفصة أرسل مروان إلى ابن عمر رضي‌الله‌عنهما بعزيمة ليرسلن بها ، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمر رضي‌الله‌عنهما ، فشققها ومزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف لما نسخ عثمان رضي‌الله‌عنه. أقول : وبقي مصحف علي عليه‌السلام لم يتلفوه لان عليا لم يظهره لهم.

(٣) روى ابن عبد البر وابن حجر في الاصابة عن الأعمش قال قال زيد بن وهب لما بعث عثمان إلى بن مسعود يأمره بالقدوم إلى المدينة اجتمع الناس فقالوا أقم ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه فقال إن له على حق الطاعة ولا أحب أن أكون أول من فتح باب الفتن.

٣٠٦

ضرب به الأرض فدق ضلعه ... وقام علي بأمر ابن مسعود حتى أتى به منزله فأقام ابن مسعود بالمدينة لا يأذن له عثمان في الخروج منها إلى ناحية من النواحي وأرااد حين برئ الغزو فمنعه من ذلك وقال له مروان : إن ابن مسعود أفسد عليك العراق افتريد أن يفسد عليك الشام؟ فلم يبرح من المدينة حتى توفي (١) بعد ثلاث سنوات من إقامته الجبرية وكان قد استُقدِم من الكوفة سنة ٢٩ هـ.

وروى البلاذري قال : أشخص عثمانُ ابنَ مسعود إلى ما قِبَله واسمعه ، ولم يأذن له في الخروج من المدينة فأقام بها ثلاث سنين حتى مات ، وكان موته قبل مقتل عثمان. ولما مرض مرضه الذي مات فيه مرَّضه أزواح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه ، وأتاه عثمان يعوده فقال له : كيف تجدك يا أبا عبد الرحمن؟ قال : بخير. قال : ما تشتكي؟ قال : ذنوبي. قال : أفلا آمر لك بعطائك ، وكان قد قطعه عنه لموجدته عليه (وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه قال : وكان قد حرمه عطاءه سنتين) (٢) وفي رواية حرمه عطاءه ثلاث سنين (٣) ، فقال : منعتنيه وانا محتاج إليه وتعطينيه وانا مستغن عنه (٤). وأوصى ان لا يصلي عليه عثمان (٥). قال أبو نعيم وغيره مات (عبد الله بن مسعود) بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وقيل مات سنة ثلاث والأول اثبت. (٦)

__________________

(١) قال ابن عبد البر في الاستيعاب ص ٩٩٤ توفي عبد الله بن مسعود سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع صلى عليه عثمان وقيل بل صلى عليه الزبير ودفنه ليلا بإيصائه بذلك إليه ولم يعلم عثمان بدفنه فعاتب الزبير على ذلك وكان يوم توفى ابن بضع وستين سنة. وحدثنا قاسم بن محمد حدثنا أحمد بن عمرو حدثنا محمد بن سنجر حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الزبير وبين ابن مسعود رضي‌الله‌عنهما.

(٢) البلاذري ، انساب الاشراف ج ١١ ص ٢٢٧ وتكملة الرواية ان الزبير أتى عثمان فقال له ان عيال عبد الله أحوج إلى عطائه من بيت المال فأعطاه عشرين ألف درهم أو خمسة وعشرين ألف درهم. ومن الجدير ذكره ان ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ١٣٨ بدل عبارة (حرمه عطاءه سنتين) إلى عبارة (تركه سنتين) فجعل ابن مسعود هو الممتنع عن أخذ عطائه!

(٣) الطبراني ، كتاب الأوائل ، مؤسسة الرسالة ١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٧ م ، ج ١ ص ٢٧٢.

(٤) البلاذري ، أنساب الاشراف ، ج ١١ ص ٢٢٧.

(٥) البلاذري ، أنساب الاشراف ، ج ١ ص ٥٢٥ ، ج ١١ ص ٢٢٦.

(٦) ابن حجر ، الاصابة في تمييز الصحابة.

٣٠٧

وروى البخاري قال حدّثنا عمر بن حفص قال حدّثنا أبي قال حدّثنا الأعمش قال سمعت شقيق بن سلمة قال كنت عند عبد الله وأبي موسى فقال له أبو مىوسى أرأيت يا أبا عبد الرّحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع فقال عبد الله لا يصلّي حتّى يجد الماء فقال أبو موسى فكيف تصنع بقول عمّار حين قال له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يكفيك قال ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبو موسى فدعنا من قول عمّار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبد الله ما يقول فقال إنّا لو رخّصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمّم فقلت لشقيق فإنّما كره عبد الله لهذا قال نعم. (١)

صحيح البخاري ـ (ج ٢ / ص ٧٦) حدّثنا محمّد بن سلام قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق قال كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى الأشعريّ فقال له أبو موسى لو أنّ رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا أما كان يتميمّم ويصلّي فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة فقال عبد الله لو رخّص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمّموا الصّعيد قلت وإنّما كرهتم هذا لذا قال نعم فقال أبو موسى ألم تسمع قول عمّار لعمر بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرّغت في الصّعيد كما تمرّغ الدّابّة فذكرت ذلك للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال إنّما كان يكفيك أن تصنع هكذا فضرب بكفّه ضربة على الأرض ثمّ نفضها ثمّ مسح بهما ظهر كفّه بشماله أو ظهر شماله بكفّه ثمّ مسح بهما وجهه فقال عبد الله أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمّار وزاد يعلى عن الأعمش عن شقيق كنت مع عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى ألم تسمع قول عمّار لعمر إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثني أنا وأنت فأجنبت فتمعّكت بالصّعيد فأتينا رسول الله صلّى الله عليم وسلّم فأخبرناه فقال إنّما كان يكفيك هكذا ومسح وجهه وكفّيه واحدة.

وروى الحاكم بسنده عن سعيد بن زيد قال حدثنا الحسن ان رجلا قال لعمران بن الحصين ما هذه الأحاديث التي تحدثوناها وتركتم القرآن ، قال أرأيت لو أبيتَ أنت واصحابُك إلا القرآن (وفي رواية لو وُكِلت أنتَ واصحابُك إلى القرآن) من أين كنتَ

__________________

(١) البخاري ، صحيح البخاري ج ٢ ص ٧٤.

٣٠٨

تعلم ان صلاة الظهر عدتها كذا وكذا ، وصلاة العصر عدتها كذا ، وحين وقتها كذا ، وصلاة المغرب كذا ، والموقف بعرفة ورمى الجمار كذا ، واليد أين تقع أمن ههنا أم ههنا أم من ههنا ووضع يده على مفصل الكف ووضع يده عند المرفق ووضع يده عند المنكب ، وقال : اتبعوا حديثنا ما حدثناكم ، وإلّا واللهِ ضللتم.

وَقَالَ مُسَدَّدٌ : حَدَّثَنَا حماد ، عن علي بن زيد ، عن الحسن قال : بينما عمران بن حصين وعنده أصحابه يحدثهم فقال رجل : لا تحدثنا إلَّا بالقرآن ـ أو لا نريد إلَّا القرآن ـ فقال : أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن؟ أكنت تجد صلاة الظهر أربعاً وصلاة العصر أربعاً وصلاة المغرب ثلاثا ، تقرأ في الركعتين الأولتين ، حتى عد الصلوات كلها؟! أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن ، أكنت تجد في كل مائتين خمسة ، ومن الإبل كذا وكذا ، وفي البقر كذا وكذا؟! أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك ، أكنت تجد الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة كذا وكذا؟!. (١)

الكوفة على عهد علي عليه‌السلام

انفتحت الكوفة على مشروع علي عليه‌السلام الإحيائي للسنة النبوية بقيادته وتبنت نصرته وكانت أول نصرتها له حين نكث طلحة والزبير بيعتهما معه واقتطعا البصرة عنه.

ثم نصروه في صفين وقاتلوا أهل الشام معه.

ثم نصروه في حرب النهروان حين قاتلوا أبناءهم وإخوانهم وأساتيذهم لما تحولوا إلى مفسدين.

وكان علي عليه‌السلام خلال ذلك يعلمهم ويبفقههم وصارت الكوفة في أواخر عهده كأنما بُنِيت على حُبِّه والايمان به لما رأى أهلها من عدله وعلمه وحسن سيرته فيهم إلى جانب ما عرفوا من سابقته مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأحاديث النبي فيه وما نزل من القرآن في حقه وما جرى على يده من الكرامات ،

__________________

(١) البوصيري ، للحافظ أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل ، إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ، موافق لطبعة دار الوطن ١٤٢٠ هـ. ج ١ ص ١٩١.

٣٠٩

انهم شاهدوا في سيرة علي عليه‌السلام انه من رسول الله كالضوء من الضوء أو كالصنو من الصنو ، وكالذراع من العضد. (١)

رأوا فيه ما اخبر عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (انه منه بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعده) حين قارنوا ذلك بما قصه القرآن من نصرة هارون لموسى وتصديقه ومعاونته ونصرته وكون الإمامة بعد موسى في ذريته وكذلك علي عليه‌السلام.

لقد بايع عليا عليه‌السلام بعد معركة النهروان أربعون ألف على الموت ليقاتلوا معاوية ولكنه الأجل الذي قدره الله تعالى له.

لقد صارت الكوفة على عهد علي عليه‌السلام بلد الأنصار وأهل الحل والعقد في المشروع الإحيائي للسنة نظير المدينة كانت على عهد النبي بلد الأنصار وأهل الحل والعقد في مشروع الرسالة.

قاتلت المدينة قريشا المشركة التي استهدفت محاصرة الرسالة بل قتل النبي وأصحابه. وقاتلت الكوفةُ قريشا المسلمة في البصرة والشام التي استهدفت محاصرة علي بل قتله وقتل أصحابه.

وكما كان يوجد في المدينة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من يكره عليا عليه‌السلام ويبغضه وكانوا يسرونه لما يعلمون من غضب النبي عليهم إذا اظهروه وقد عرفوا بالمنافقين وقد ورد في

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صالح ص ٢٣ ، أقول : ومراده عليه‌السلام بقوله (انا من رسول الله كالصنو من الصنو او كالضوء من الضوء) ان سيرته وعلمه هي سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمه ، وصنوا النخلة هما الفرعان الذين يخرجان من جذع واحد اما من الجذر او فيما بعد من الجذع الاول. ونموذج ذلك صلاته عليه‌السلام فقد روى الترمذي ١ / ٢٧٢ ، ١ / ٢٨٤ ، ومسلم ١ / ٢٩٥ ، وابو داود ١ / ٢٢٢ ، والنسائي ٢ / ٢٠٤ ، واحمد ٤ / ٤٢٩ ، ٤٣٢ ، ٤٤٤ ، والبيهقي ٤ / ١٣٤ ، والطبراني في المعجم الكبير ١٨ / ١٢٥ ، ١١٧ ، والطيالسي / ١١١.

عن مطرف بن عبد الله قال صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنا وعمران بن حصين فكان إذا سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر وإذا نهض من الركعتين كبر فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو قال لقد صلى بنا صلاة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي سنن البيهقي : ٢ / ٧٩ قال الشيخ ورواه محمد بن جابر عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال صليت خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة.

٣١٠

الرواية : (كنا لا نعرف المنافقين على عهد النبي الا ببغضهم عليا) (١) ، وقد تآمروا على النبي ليقتلوا في عقبة هرشى بعد عودته من تبوك أو بعد عودته من حجة الوداع ، كذلك كان الأمر في الكوفة حيث وجد فيها من يبغض عليا ولكنه لا يخفيه بل يظهره وقد عرفوا بالخوارج الذين مردوا على بغض علي وقاتلوه وقاتلهم ونال الشهادة على يد شر افرادهم عبد الرحمن بن ملجم.

الكوفة في سنوات الصلح سنوات الفتح المبين لعلي عليه‌السلام

بايعت الكوفة الحسن بن علي بصفته وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووارث علومه وعلوم أبيه واحد أفراد آية المباهلة وآية التطهير وحديث الكساء ووارث ، وامتاز أهل الكوفة عن أهل المدينة بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين تخلف الأنصار عن نصرة أهل بيت رسول الله وبايعوا غيرهم وتخلفوا عن سنة النبي وعملوا بسنه غيره ووفى أنضار علي في الكوفة مع بيت رسول الله فبايعوا الحسن وعملوا بسنة رسول الله التي احياها علي ، وبايعته تبعا لبيعتهم البصرة والبحرين ومكة والمدينة واليمن وايران وما وراءها.

ونصرت الكوفة الحسنَ في مشروعه الاصلاحي العظيم حين استجابت لخطوته الاصلاحية الرائدة التي لم تخطر ببال معاوية وأهل الشام فانهم كانوا يتوقعون احد أمرين لطلبهم الصلح مع الحسن اما الرفض والقتال ، أو الاستجابة للصلح بان يبقى الحسن على دولته في الشرق ومعاوية على دولته في الغرب وتنشأ علاقات سلمية بينهم كدولتين مستقلتين ، وإذا بالحسن يفاجئهم بمشروعه التوحيدي للامة الإسلامية وتقديمه معاوية بشروط يضعها الحسن وهو أمر مهما كانت الشروط فيه فانه لا يستوعبه الا من كان يفهم مشروع علي الإحيائي للسنة ، ولذلك رأينا رد فعل الخوارج هو تسفيه هذه الخطوة ومحاولة اغتيال الحسن ، بخلاف حَمَلَةِ مشروع علي عليه‌السلام فانهم قد فهموا المغزى العميق للخطوة الرائدة التي تحقق أمرين في وقت واحد :

الأول : فضح معاوية عند أهل الشام بانه طالب ملك لا غير ، فانه تنازل عن الأساس الذي بويع عليه عثمان وهو العمل بسيرة الشيخين وقبل ان يتقيد بالكتاب والسنة

__________________

(١) انظر البحث عن اسانيده في شرح إحقاق الحق للمرعشي ج ٧ ص ٢٣٧ فما بعد.

٣١١

وخلى عن مطلبه الأخذ بثأر عثمان ، بمجرد انه اعطي حكم العراق ، وفي قبال ذلك تبرز مبدائية علي عليه‌السلام حين عرض عليه الحكم بشرط العمل بسيرة الشيخين فلم يقبل ورفض الملك.

الثاني : اصلاح الأمة برأب الصدع الكبير وعودتها إلى سابق عهدها موحدة وكسر الطوق عن مشروع علي واخبار سيرته المشرقة في الشام.

وليس من شك فان رجال هذين المكسبين هم شيعة علي الذين حملوا حديث النبي فيه واخبار سيرته المشرقة وكلهم شوق ان ينشروا ذلك كما كان المسلمون زمن النبي قبل صلح الحديبية كلهم شوق لان ينشروا اخبار سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المشرقة.

وطار معاوية فرحا بالأطروحة الحسنية للصلح وانفتحت قلوب أهل الشام لشيعة علي وتحول الكوفيون خلال عشر سنوات إلى دعاة لعلي ينشرون اخبار سيرته المشرقة داخل الشام وخارجها.

وتأكَّد لأهل الشام حقانية علي في نهضته وأولويته بكتاب الله وسنة نبيه وحقانية أهل العراق في نصرة مشروع علي في إحياء سنة النبي وان بيعتهم للحسن كانت موفقة.

الكوفة على عهد الغدر المبين لمعاوية ٥٠ ـ ٦٠ هـ عشر سنوات

لم تطب نفس معاوية بما حققه الحسن وشيعة أبيه من خدمة حقيقية للامة ، فدفعه حقدُه الأعمى إلى الانتقام من الحسن ومن العراقيين فتخلص من الحسن عليه‌السلام بالسم بعد عشر سنوات ، وأعاد سياسته في لعن علي والبراءة منه ، وأعاد تداول الأحاديث الكاذبة التي وضعها اعلامه أيام صفين في تسويغ ذلك ، واستطاع ان يربي جيلا جديدا من الأمة لا يعرف عليا الا إمام ضلالة مفسدا في الدين يجب لعنه والبراءة منه ، (روى ابن أبي الحديد عن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني (ت ٢٢٥ هـ) (١) في كتابه

__________________

(١) قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج ١٢ ص ٥٤ ـ ٥٥ في ترجمة المدائني (كان عالماً بأيام الناس وأخبار العرب وأنسابهم عالماً بالفتوح والمغازي ورواية الشعر ، صدوقاً في ذلك ، وقال يحيى بن معين ثقة ثقة ثقة. وقال ابن النديم في الفهرست ص ١١٣ ولد سنة ١٣٥ هـ وتوفي سنة ٢٢٥ هـ وله ثلاث وتسعون ثم ذكر أسماء كتبه في أربع صفحات.

٣١٢

(الأحداث) قال : [كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة. (أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته). فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليَّاً عليه‌السلام ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته. وكان أشدَّ النسا بلاءً حينئذ أهلُ الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه‌السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمَّ إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف ، لأنه كان منهم أيام علي عليه‌السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم وقَطَّع الأيدي والأرجل وسَمَّلَ العيون وصلَّبهم على جذوع النخل وطردهم وشرَّدهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلى عُمَّاله في جميع الآفاق :

(ألَّا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة).

وبعد قتل حجر وأصحابه سنة ٥٣ هـ أمر الحسين أصحابه في الكوفة ان يكونوا أحلاس بيوتهم بعد ان قضوا ما عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ادخارا لهم ليوم خروجه عليه‌السلام بعد موت معاوية.

الكوفة هـ على عهد نهضة الحسين عليه‌السلام وشهادته وحركة سليمان بن صرد

ودولة المختار ٦٠ ـ ٦٧

نهضت الكوفة مع الحسين وهم عدته في التغيير المطلوب في الأمة من الاطاحة ببني أمية الطغمة الضالة الظالمة اليت أحلت نقض العهد وسفكت الدم الحرام ، نهضت الكوفة مع الحسين وهي متلهفة لإعادة تجربة على في الأمة بالحكم بكتاب الله وسنة نبيه ، وترك الناس واختيارهم في الاقتداء بمن شاؤوا في عبادتهم بعلي أو بعمر ، ولكنه القدر الإلهي للحسين ان يستشهد لتكون شهادته وظلامته الباب الاوسع لتحقيق الاهداف الآنفة الذكر ، وقد استطاع الكوفيون من خلال نهضة سليمان بن صرد والمختار بن عبيد بعد شهادة الحسين عليه‌السلام ان يعيدا تجربة علي في الكوفة وهي على قصرها (٦٥ هـ ـ ٦٧ هـ استطاعت ان تعيد ثقافة الولاء لعلي إلى الجيل الذي حرم منها وقد فصلنا ذلك في كتابنا (الامام الحسين في مواجهة الضلال الأموي).

٣١٣

الكوفة على عهد ابن الزبير ٦٧ ـ ٧٢ هـ

حاول مصعب بن الزبير والي اخيه عبد الله بن الزبير ان ينتقم من الكوفة العلوية التي نهضت مع المختار ونصرت مشروع علي وولديه الحسن والحسين وقتل يوم قتل المختار سبعة آلاف صبرا ممن لم يكن قد قاتل المختار بل لأنهم شيعة. (١)

موقف عبد الملك بن مروان من الكوفة

بعد مرور ثلاث سنوات من انهيار دولة عبد الله بن الزبير على يد الحجاج بن يوسف الثقفي ولاه عبد الملك سنة ٧٥ هجرية العراق ، وكتب إليه كتابا بخطه : أما بعد ، يا حجاج ، فقد وليتك العراقيين صدقة ، فإذا قدمت الكوفة فطأها وطأة يتضاءل منها أهل البصرة ، وإياك وهوينا الحجاز ... ، وقد رميت العرض الاقصى ، فارمه بنفسك ، وأرد ما أردته بك ، والسلام.

فلما قدم الكوفة صعد المنبر متلثما بعمامته متنكبا قوسه وكنانته ، فجلس على المنبر مليا لا يتكلم ، حتى هموا أن يحصبوه ، ثم قال : يا أهل العراق ، ويا أهل الشقاق والنفاق والمراق ، ومساوئ الأخلاق ، إن أمير المؤمنين نثل كنانته ، فعجمها عودا عودا ، فوجدني أمرها عودا وأصعبها كسرا ، فرماكم بي ، وإنه قلدني عليكم سوطا وسيفا ، فسقط السوط وبقي السيف ... وتكلم بكلام كثير فيه توعد وتهدد.

وذاقت الكوفة في عهده المر ، وثاروا عليه تحت قيادات مختلفة آخرها تحت قيادة ابن الأشعث ولم يتطع ان يخمد ثورتهم الا بعد ان استعان بجيش الشام سنة ٨١ هـ ، ثم بنى لهم واسط لكي لا يختلطوا بهم وتتأثر اخلاقهم بهم. (٢)

__________________

(١) انظر تفصيل ذلك في كتابنا الامام الحسين في مواجهة الضلال الأموي ، دار الفقه قم ١٤٣٠ هـ ـ ٢٠٠٩ م.

(٢) انظر تفصيل ذلك في كتابنا الامام الحسين في مواجهة الضلال الأموي.

٣١٤

الوليد بن عبد الملك يأمر بإخراج الشيعة العراقيين من الحجاز

وإرجاعهم إلى الكوفة

وكتب الوليد إلى خالد بن عبد الله القسري ، عامله على الحجاز ، يأمره بإخراج من بالحجاز من أهل العراقين ، وحملهم إلى الحجاج بن يوسف ، فبعث خالد إلى المدينة عثمان بن حيان المري لإخراج من بها من أهل العراقين ، فأخرجهم جميعا ، وجماعاتهم في الجوامع ، إلى الحجاج ، ولم يترك تاجرا ولا غير تاجر ، ونادى : ألا برئت الذمة ممن آوى عراقيا ، وكان لا يبلغه أن أحدا من أهل العراق في دار أحد من أهل المدينة إلا أخرجه. (١)

من قتلهم أو روَّعهم الحجاج من شيعة علي عليه‌السلام

كان ممن قتلهم الحجاج من شيعة علي :

كميل بن زياد النخعي المذحجي (٨٢ هـ) رحمه‌الله :

قال الذهبي في ترجمة كميل : قدم دمشق زمن عثمان ، وشهد صفين مع علي ، وكان شريفاً مطاعاً ثقةً عابداً على تشيعه ، قليل الحديث ، قتله الحجاج. قاله ابن سعد. وقال محمد بن عبد الله بن عمار : كميل رافضي ثقة.

وقال ابن حجر : كميل بن زياد بن نهيك ويقال بن عبد الله النخعي التابعي الشهير له إدراك ، أدرك من الحياة النبوية ثماني عشرة سنة ، وروى عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم روى عنه عبد الرحمن بن عابس وأبو إسحاق السبيعي والأعمش وغيرهم قال بن سعد شهد صفين مع علي وكان شريفا مطاعا ثقة قليل الحديث من رؤساء الشيعة.

وقال هشام بن عمار : ثنا أيوب بن حسان ، ثنا محمد بن عبد الرحمن قال : منع الحجاج النخع أعطياتهم حتى يأتوه بكميل بن زياد ، فلما رأى ذلك كميل أقبل على

__________________

(١) لا نعلم في أي سنة ولكن اليعقوبي كان قد ذكر قبله حوادث سنة ٩٢ وذكره بعده حوادث سنة ٩٥ هجرية.

٣١٥

قومه فقال : أبلغوني الحجاج فأبلغوه ، فقال الحجاج : يا أهل الشام ، هذا كميل الذي قال لعثمان أقدني من نفسك ، فقال كميل : فعرف حقي ، فقلت : أما إذ أقدتني فهو لك هبة (وفي رواية : لطمني فطلبت القصاص فأقادني فعفوت) ، فمن كان أحسن قولاً أنا أو هو ، فذكر الحجاج علياً ، فصلى عليه كميل ، فقال الحجاج : والله لأبعثن إليك إنساناً أشد بغضاً لعلي من حبك له ، فبعث إليه ابن أدهم الحمصي فضرب عنقه. وقال المدائني : مات كميل سنة اثنتين وثمانين ، وهو ابن تسعين سنة (١).

وقال جرير عن مغيرة طلب الحجاج كميل بن زياد فهرب منه فحرم قومه عطاءهم فلما رأى كميل ذلك قال أنا شيخ كبير قد نفذ عمري لا ينبغي ان حرم قومي عطاءهم فخرج إلى الحجاج فلما رآه قال له لقد أحببت ان أجد عليك جميلا فقال له كميل ان ما بقي من عمري الا القليل فاقض ما أنت قاض فان الموعد الله وقد أخبرني أمير المؤمنين على انك قاتلي قال بلى قد كنت فيمن قتل عثمان اضربوا عنقه فضربت عنقه (٢).

قال ابن حجر : كميل بن زياد بن نهيك بن الهيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صبهان بن سعد بن مالك بن النخع وقيل كميل بن عبد الله وقيل بن عبد الرحمن روى عن عمر وعلي وعثمان وابن مسعود وأبي مسعود وأبي هريرة روى عنه أبو إسحاق السبيعي والعباس بن ذريح وعبد الله بن يزيد الصهباني وعبد الرحمن بن عابس والأعمش وغيرهم.

وذكره بن حبان في الثقات وذكره المدائني في عباد أهل الكوفة وقال خليفة قتله الحجاج سنة ٨٢ قلت وحكى بن أبي خثيمة أنه سمع يحيى بن معين يقول مات كميل سنة ثمان وثمانين وهو بن سبعين سنة وقال بن حبان في الضعفاء لا يحتج به.

وقال محمد بن عبد الله بن عمار كميل بن زياد رافضي وهو ثقة من أصحاب علي وقال في موضع آخر كميل بن زياد من رؤساء الشيعة وكان بلاء من البلاء

وذكره بن حبان في كتاب الثقات وقال أبو الحسن المدائني وفيهم يعني أهل الكوفة من العباد أويس القرني وعمرو بن عتبة بن فرقد ويزيد بن معاوية النخعي وربيع بن

__________________

(١) الذهبي ، تاريخ الإسلام ، ج ٦ ص ١٧٧.

(٢) ابن حجر ، الاصابة ج ٥ ص ٦٥٣.

٣١٦

خثيم وهمام بن الحارث ومعضد الشيباني وجندب بن عبد الله وكميل بن زياد النخعي.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام التميمي وأبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد قالا أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي قال أخبرنا تميم بن أبي سعيد الجرجاني قال أخبرنا أبو سعد الكنجروذي قال أخبرنا الحاكم أبو أحمد الحافظ قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن الحسين الخثعمي بالكوفة قال حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال أخبرنا عاصم بن حميد الحناط أو رجل عنه قال حدثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن زياد النخعي قال أخذ علي بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال يا كميل بن زياد القلوب أربعة فخيرها أوعاها إحفظ ما أقول لك الناس ثلاثة فعالم رباني وعالم متعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة وصحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته وصنيعه يفنى المال بزوال صاحبه مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ها إن ها هنا وأشار بيده إلى صدره علما لو أصبت له حملة بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بحجج الله على كتابه وبنعمه على عباده أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له في أحنائه يقتدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لا ذا ولا ذاك أو منهوم باللذة سلس القياد للشهوات أو مغري بجمع الأموال والإدخار ليسا من دعاة الدين أقرب شبههما بهما الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكي لا تبطل حجج الله وبيناته أولئك الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا بهم يدفع الله من حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم فيزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر تلك أبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في بلاده والدعاة إلى دينه هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم وأستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم.

ورواه أبو نعيم ضرار بن صرد عن عاصم بن حميد فزاد فيه ألفاظا أخبرنا به أحمد

٣١٧

بن هبة الله بن أحمد قال أخبرنا عمي أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني قال أخبرنا عمي الشريف الأمير عماد الدولة أبو البركات عقيل بن العباس الحسيني قال أخبرنا الحسين بن عبد الله بن محمد بن أبي كامل الأطرابلسي قراءة عليه بدمشق قال أخبرنا خال أبي خيثمة ضرار بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي قال حدثنا نجيح بن إبراهيم الزهري قال حدثنا ضرار بن صرد قال حدثنا عاصم بن حميد الحناط بإسناده نحوه وقال ومحبة العالم دين يدان بها فتكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته العلم حاكم والمال محكوم عليه وصنيعة المال تزول بزواله وقال هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون (١).

ورواه الذهبي قال قرأت على أبي الفضل بن عساكر عن عبد المعز بن محمد أنا تميم بن أبي سعيد المقرئ أنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن سنة تسع وأربعين وأربع مائة أنا محمد بن محمد الحافظ أنا أبو جعفر محمد بن الحسين الخثعمي بالكوفة أنا إسماعيل بن موسى الفزاري أنا عاصم بن حميد الحناط أو رجل عنه قال ثنا ثابت بنأبي صفية أبو حمزة الثمالي عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن زياد النخعي قال أخذ علي رضي الله تعالى عنه بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحرنا جلس ثم تنفس فقال يا كميل القلوب أوعية فخيرها أوعاها احفظ ما أقول لك الناس ثلاثة ... وأستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم رواه ضرار بن صرد عن عاصم بن حميد ويروى من وجه آخر عن كميل (٢).

ورواه البغدادي قال حدثنا بن مرزوق نا أبو بكر الشافعي ثنا بشر بن موسى ثنا عبيد بن الهيثم ثنا إسحاق بن محمد بن أبو يعقوب النخعي ثنا عبد الله بن الفضل بن عبد الله بن أبي الهياج حدثنا هشام بن محمد بن السائب أبو منذر الكلبي عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن فضيل بن خديج عن كميل بن زياد النخعي قال أخذ بيدي أمير المؤمنين

__________________

(١) ابن حجر ، تهذيب التهذيب ، وابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥٠ ص ٢٥٢.

(٢) الذهبي ، تذكرة الحفاظ ج ١ ص ١١.

٣١٨

علي بن أبي طالب بالكوفة فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبانة فلما اصحر تنفس الصعداء ثم قال لي يا كميل بن زياد ان هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها للعلم احفظ عني ما أقول لك الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق يا كميل بن زياد العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق يا كميل بن زياد محبة العالم دين يدان تكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ومنفعة المال تزول بزواله العلم حاكم والمال محكوم عليه يا كميل مات خزان الأموال وهم إحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ألا أن ههنا وأشار إلى صدره لعلما جما لو أصبت له حملة بلى أصبت لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين للدنيا وذكر الحديث (١).

قيس بن عُباد (٨٢ هـ) رحمه‌الله :

الاصابة : قيس بن عباد بضم أوله وتخفيف الموحدة القيسي الضبعي نزيل البصرة له إدراك ذكره بن قانع في الصحابة وأورد له حديثا مرسلا وقال بن أبي حاتم وغيره قدم المدينة في خلافة عمر فروى عنه وعن أبي ذر وعلي وأبي سعد وعمار وعبد الله بن سلام وغيرهم.

روى عنه ابنه عبد الله والحسن وابن سيرين وأبو مجلز وغيرهم قال بن سعد كان ثقة قليلة الحديث وذكره العجلي في التابعين وقال ثقثة من كبار الصالحين ووثقه النسائي وغيره وذكره بن حبان في ثقات التابعين وذكر أبو مخنف انه من جملة من قتلهم الحجاج ممن خرج مع بن الأشعث.

قال المزي : قيس بن عباد : ذكره محمد بن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة قال : وكان ثقة ، قليلالحديث. زاد العجلي : من كبار الصالحين.

وقال يعقوب بن شيبة : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن النضر ،

__________________

(١) الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ج ٦ ص ٣٧٨. المزي ، تهذيب الكمال ج ٢٤ ص ٢٢١.

٣١٩

عن أبيه ، عن قيس بن عباد ، قال : كان يركب الخيل ويرتبطها ، وكانت له فرس عربية ، فكلما نتجت مهرا فأدرك حمل عليه في سبيل الله.

وقال أيضا : يونس بن محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن النضر ، عن أبيه ، عن قيس بن عباد أنه كان إمامهم ، فإذا صلى الغداة لم يزل يذكر الله حتى يرى السقائين قد مروا بالماء مخافة أن يصير الماء أجاجا أو يصير غورا ، وحتى يرى الشمس قد طلعت من مطلعها مخافة أن تطلع من مغربها.

وقال أيضا : حدثنا يونس بن محمد المؤدب ، قال : حدثنا عبيد الله بن النضر ، قال : حدثني أبي ، عن قيس بن عباد أنه إذا كان بين الرجلين من الحي كلام فرأى أن أحدهما ظالما ، لم يمنعه شرفه ولا حسبه أن يأتيه فيكلمه ويوبخه ويأمره أن يرجع إلى الحق ويقلع عن الظلم.

وقال عبد الله بن المبارك : أخبرنا الحكم بن عطية ، قال : حدثنا النضر بن عبد الله ، عن قيس بن عباد ، قال : إن الصدفة لتطفئ الخطايا والذنوب كما يطفئ الماء النار.

وقال أحمد بن عمران الأخنسي : سألت محمد بن الفضيل بن غزوان ، فحدثني ، قال : قال لي : أخذ رجل لجام قيس بن عباد فجعل يذكره ويسبه ، فلما بلغ إلى منزله ، قال : خل عن لجام الدابة يغفر الله لي ولك.

وقال محمد بن جرير الطبري فيما حكى عن أبي مخنف ، عن شيوخه ، قال : فعاش قيس بن عباد حتى قاتل مع ابن الأشعث في مواطنه.

وقال حوشب ، يعني : ابن يزيد بنب الحارث بن يزيد ابن رويم الشيباني ، للحجاج بن يوسف : إن منا مراء صاحب فتق ووثوب على السلطان لم تكن فتنة بالعراق قط إلا وثب فيها وهو ترابي (١) يلعن عثمان رضي‌الله‌عنه ، وقد خرج مع ابن الأشعث ، فشهد معه مواطنه كلها يحرض الناس حتى إذا أهلكهم الله جلس في بيته ، فبعث إليه الحجاج فضرب عنقه. روى له الجماعة سوى الترمذي (٢).

__________________

(١) نسبة إلى أبي تراب علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقد كان أيام بني أمية يقولون لكل من يعملون أنه يميل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ويتولاه : فلان ترابي.

(٢) المزي ، تهذيب الكمال ج ٢٤ ص ٦٤ ـ ٦٨.

٣٢٠