الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

السيّد سامي البدري

الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-499-295-7
الصفحات: ٦١٤

وكذا وفي يوم كذا وكذا حتى يعدهما عليه إلى آخر اليوم الذي وافى فيه. (١)

وروى الصفار أيضاً عن علي عليه‌السلام انه قال : فما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار .. إلا أقرأنيها وأملاها علي وكتبتها بيدي وعلمني تأويلها وتفسيرها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها وكيف نزلت وأين نزلت وفي من أنزلت إلى يوم القيامة. (٢)

وفي رواية الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله لعلي : اكتب ما أُملي عليك ، قال : يا نبي الله أتخاف عليَّ النسيان؟ قال : لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله أن يحفِّظك ولا يُنسِيَك ولكن اكتب لشركائك ، قال : قلت ومن شركائي يا نبي الله؟ قال : الأئمة من ولدك ... (٣)

قال تعالى : (أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهدٌ منه) هود / ١٧.

روى ابن عساكر بسنده عن ضُمرة عن عطاء عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال : رسول الله علي على بينة من ربه ، وأنا الشاهد منه. (٤)

وروى الحسكاني بسنده عن علي بن أبي المغيرة عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال : رسول الله على بينة من ربه ، وأنا الشاهد منه أتلوه وأتبعه. (٥)

وروى أحمد والطبراني وابن ماجة وغيرهم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي. (٦)

__________________

(١) الصفار ، بصائر الدرجات ، منشورات الأعلمي ١٤٠٤ هـ ، ص ٢٦١.

(٢) الصفار ، بصائر الدرجات ، ص ٢٦٢.

(٣) الطوسي ، الأمالي ، ص ٤٤١ ، الصفار ، بصائر الدرجات ، ص ٢٢٧. وقد توارث الأئمة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد ، كتب علي عليه‌السلام ، روى حمران بن اعين عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أشار إلى بيت كبير وقال : يا حمران ان في هذا البيت صحيفة طولها سبعن ذراعا بخط علي وإملاء رسول الله ولو ولينا الناس لحكمنا بينهم بما انزل الله لم نَعْدُ ما في هذه الصحيفة (المصدر السابق ص ١٩٩). وفي رواية أخرى قال : والله ان عندنا لجلدي ماعز وضأن أملاها رسول الله وخط علي (بيده) وأن عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعا أملاها رسول الله وخطها علي بيده وان فيها لجميع ما يحتاج إليه حتى ارض الخدش (المصدر السابق : ٢١٢ ، ٢١٧).

(٤) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٤٥ ص ٢٧٥.

(٥) الحسكاني ، شواهد التنزيل ج ١ ص ٤٣٠.

(٦) احمد بن حنبل ، مسند احمد ج ١٣ ص ٣٩٤ ، ص ٣٩٦. والطبراني ، المعجم الكبير ج ٤ ص ١٦. وابن ماجة ، سنن ابن ماجة ص ٣٣. والنسائي ، سنن النسائي ج ٥ ص ٤٥ ، ١٢٨. الشيباني ،

٢٦١

ومراده صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك هو التبليغ المساوق لتبليغ النبي عن ربه من حيث عدم احتمال الشك فيه انه صلى‌الله‌عليه‌وآله نسي أو اشتبه في قليل أو كثير مما يبلغه. وقد جاء هذا الاختصاص واضحا صريحا في قصة تبليغ براءة لما بعث النبي بها أبا بكر ليبلغها إلى المشركين في موسم الحج ثم نزل جبرئيل أن يبعث علياً ويأخذها منه لأنه للا يبلِّغ عنه إلا هو أو رجل منه. (١)

المرحلة الثانية : قريش المسلمة تمارس الإمامة الدينية

بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بدلا من أهل البيت عليهم‌السلام

١. الخلافة القرشية تفسح المجال لنشر ثقافة أهل الكتاب :

على الرغم من ان الخليفة عمر كان صاحب تجربة مباشرة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في شهود موقف الإلغاء هذا رأيناه يفسح المجال لمسلمة أهل الكتاب لنشر أساطيرهم.

روى أحمد بن حنبل بسنده عن الشعبي ، عن جابر : أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقال يا رسول الله : إني أصبت كتابا حسنا من بعض أهل الكتاب (وفي رواية عمر نسخ صحيفة من التوراة) (وفي رواية قال : يا رسول الله : إني مررت بأخ لي من يهود من قريضة فكتب لي جوامع من التوراة قال : أفلا أعرضها عليك؟) : فغضب وقال : أمتهوكون (٢) فيها يابن الخطاب : فوالذي نفسي بيده! لقد جئتكم بها بيضاء نقية. لا تسألوهم عن شيء ... (٣) فانهم لن يهدوكم وقد ضلوا. (٤)

__________________

الآحاد والمثاني ، ص ٢٩٤. والترمذي ، سنن الترمذي ص ٨٤٧. والمتقي الهندي ، كنز العمال ج ١١ ص ٢٧٧ ، أبو يعلى الموصلي ، مسند أبي يعلى ج ١ ص ١٢٧ ، ابن أبي شية ، المصنف ، ج ٦ ص ٣٦٩. وابن أبي عاصم ، السنة ، ص ٣٠٤. والنسائي ، فضائل الصحابة ، ص ١٥.

(١) انظر تبليغ براةء.

(٢) قال ابن الاثير : في مادة «هوك» فيه أنه قال لعمر في كلام : أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ لقد جئت بها بيضاء نقية». التهوك كالتهور ، وهو الوقوع في الأمر بغير روية. والمتهوك : الذي يقع في كل أمر.

(٣) الامام الشافعي ، المسند ، دار الكتب العلمية ، ج ١٢ ص ٨٥ ، وابن أبي شيبة ، المصنف ، ج ٥ ص ٣١٣. وعبد الرزاق ، المصنف ج ١٠ ص ١٣٤. والمتقي الهندي ، كنز العمال ج ١ ص ١١٣ ، ابن أبي عاصم ، السنة ، ص ١٩.

(٤) الهيثمي ، مجمع الزوائد ج ١ ص ١٧٣ ، ١٧٤.

٢٦٢

ومن مسلمة أهل الكتاب تميم الداري (١) الذي سمح له عمر ان يقص في المسجد النبوي ساعة قبل خطبة الجمعة. وقد انتشرت بواسطته أسطورة الجساسة.

ومنهم كعب بن ماتع الحميري (ت سنة ٣٤ هجـ) أحد كبار علماء اليهود الذي لم يدخل في الإسلام زمن النبي على الرغم من ان همدان كلها قد أسلمت على يد علي ودخل في الإسلام زمن عمر وكان آنذاك قد ناهز الثمانين ، وكأن الخليفة قد وجد بغيته فيه فقربه إليه واعتمده في تفسير آيات المبدأ والمعاد وقصص الأنبياء لتملأ الفراغ الثقافي الذي أوجدته سياسة منع نشر الحديث النبوي ومنع السؤال عن تفسير القرآن ، وارتفعت منزلته لديه حيث كان يطلب عمر منه ان يعظه ويخوّفه.

وعلى أثر اعتماد الخليفة عليه ركن الآخرون إلى كعب كما يظهر ذلك مما رواه السيوطي (٢) قال : أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط ... بسند حسن عن عبد الله بن الحارث قال : كنت عند عائشة رضي‌الله‌عنها وعندها كعب رضي‌الله‌عنه فذكر إسرافيل عليه‌السلام فقالت عائشة : أخبرني عن إسرافيل عليه‌السلام؟ ... قال : له أربعة أجنحة جناحان في الهواءِ وجناح قد تسربل بهِ وجناح على كاهلهِ والقلم على أذنه فإذا نزل الوحي كتب القلمِ ثم درست الملائكةِ وملك كالصور جاث على إحدى ركبتيهِ وقد نصب الأخرىِ فالتقم الصورِ محنى ظهره وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور. (٣)

__________________

(١) تميم بن أوس بن خارجة أبو رقية الداري انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان ونزل بيت المقدس وكان إسلامه سنة تسع روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنه أبن عمر وأبو هريرة وأنس بن مالك وزرارة بن أوفى وروح بن زنباع وعبد الله بن موهب وعطاء بن يزيد الليثي وهشر بن حوشب وعبد الرحمن بن غنم وجماعة مات بالشام ولا عقب له قال قتادة كان من علماء أهل الكتاب (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ، ج ١ ص ٥٣٩). قال السائب بن يزيد هو أول من قص بإذن عمر توفي سنة أربعين م ٤ (الذهبي ، الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة ، ج ١ ص ١١٤). وفي فتوح البلدان للبلاذري ص ٤٣٧ ان عمر ألحقه بأهل بدر في العطاء. مضافا إلى انه عينه ليؤم الناس في للصلاة التي ابتدعها في ليالي شهر رمضان.

(٢) السيوطي ، الدر المنثور في التفسير المأثور ، دار المعرفة بيروت ، ج ٣ ص ٤٢. والطبراني ، المعجم الاوسط ، ج ٦ ص ٤٢٥ ، أبو نعيم ، حلية الأولياء ج ٦ ص ٤٦.

(٣) نقلنا ذلك من كتاب القرآن وروايات المدرستين للعلامة العسكري ، ج ٢ ص ٤٢٨ ـ ٤٣١ ، وتراجع مروياته في حلية الأولياء لابي نعيم ج ٦ ص ٤٧٣ فان فيها العجب العجاب.

٢٦٣

أقول : ومما بثه كعب بين المسلمين قصة داود مع أوريا وهي كما جاءت في التوراة : «قام داود عن سريره وتمشّى على سطح بيت الملك ، فرأى من على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جدا. فارسل داود وسأل عن المرأة ، فقال واحد : أليست هذه بتشبع بنت اليعام امرأة أوريا الحثي؟ فارسل داود رسلا وأخذها ، فدخلت إليه ، فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها. ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة ، فأرسلت وأخبرت داود وقالت : اني حبلى. فارسل داود إلى يوآب يقول : أرسل إلى أوريا الحثي. فأرسل يوآب أوريا إلى داود فأتى أوريا إليه ، فسأل داود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب. وقال داود لأوريا : انزل إلى بيتك واغسل رجليك ، فخرج أوريا من بيت الملك وخرجت وراءه حصة من عند الملك ، ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده ولم ينزل إلى بيته : فاخبروا داود قائلين : لم ينزل أوريا إلى بيته.

فقال داود لأوريا : أما جئت من السفر ، فلماذا لم تنزل إلى بيتك؟ فقال أوريا لداود : التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر. فقال داود لأوريا : أقم هنا اليوم أيضاً وغدا أطلقك. فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده. ودعاه داد أمامه وشرب واسكره. وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده. وإلى بيته لم ينزل.

وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يوآب وأرسله بيد أوريا. وكتب في المكتوب يقول : اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديد وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت. وكان في حاصرة يوآب المدينة انه جعل أوريا في الموضع الذي علم ان رجال البأس فيه. فخرج رجال المدينة وحاربوا يوآب فسقط بعض الشعب من عبيد داود ومات أوريا الحثي أيضاً .. فلما سمعت امرأة أوريا انه قد مات أوريا رجلها ندبت بعلها. ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابنا. (١)

__________________

(١) وفي سفر صموئيل الثاني لإصحاح ١١ الفقرات ١٢٦.

٢٦٤

قال السيوطي : أخرج عبد بن حميد عن كعب قال : سجد داود نبي الله أربعين يما وأربعين ليلة لا يرفع رأسه حتى قرأ دمعه ويبس ... وإذا جبريل عليه‌السلام قائم على رأسهِ قال : يا داود إن الله قد غفر لك فارفع رأسك فلم يلتفت إليه وناجى ربه وهو ساجد فقال : يا رب كيف تغفر لي وأنت الحكم العدل؟ قال " إذا كان يوم القيامة دفعتك إلى أوريا ثم استوهبك منه فيهبك لي وأثيبه الجنة ... فذهب يرفع رأسه فإذا هو يابس لا يستطيع فمسحه جبريل عليه‌السلام ببعض ريشه فانبسط فأوحى الله تعالى إليه بعد ذلك : يا داود قد أحللت لك امرأة أوريا فتزوجها فولدت له سليمان. (١)

قال السيوطي : وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن كعب رضي‌الله‌عنه أنه قال لابي هريرة ألا أخبرك عن اسحق قال بلى قال رأى إبراهيم أن يذبح اسحق قال الشيطان والله لئن لم أفتن عند هذه آل إبراهيم لا أفتن أحدا منهم أبدا فتمثل الشيطان رجلا يعرفونه فاقبل حتى خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه دخل على سارة ، فقال أين أصبح إبراهيم غاديا بإسحاق قالت لبعض حاجته قال له والله قالت فلم غدا قال ليذبحه قالت لم يكن ليذبح ابنه قال بلى والله قالت سارة فلم يذبحه؟ قال زعم ان ربه أمره بذلك قالت قد أحسن أن يطيع ربه ان كان أمره بذلك فخرج الشيطان فأدرك اسحق وهو يمشي على أثر أبيه قال أين أصبح أبوك غاديا قال لبعض حاجته قال لا والله بل غدا بك ليذبحك قال ما كان أبي ليذبحني ، قال بلى قال لم قال زعم ان الله أمره بذلك قال اسحق فوالله لئن أمره ليطيعنه فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم فقال أين أصبحت غاديا بابنك قال لبعض حاجتي ، قال لا والله ما غدوت به الا لتذبحه قال ولم أذبحه قال زعمت ان الله أمرك بذلك فقال والله لئن كان الله أمرني ، لأفعلن قال فتركه ويئس أن يطاع فلما أخذ إبراهيم اسحق ليذبحه وسلم اسحق عافاه الله وفداه بذبح عظيم .. (٢)

أخذ صحابة أمثال أبي هريرة عن كعب وتشجع صحابة آخرون أمثال عبد الله بن عمرو بن العاص لنشر أساطير أهل الكتاب في المجتمع الإسلامي.

__________________

(١) السيوطي ، الدر المنثور ، ج ٥ ص ٥٦٩.

(٢) السيوطي ، الدر المنثور ، ج ٥ ص ٥٣١.

٢٦٥

روى أحمد بن حنبل (١) قال حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قدمت الشام فلقيت كعبا فكان يحدثني عن التوراة وأحدثه عن رسول الله. وفي رواية النسائي (ص ٢٤٦) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال أتيت الطور فوجدت ثم كعبا فمكثت أنا وهو يوما أحدثه عن رسول الله ويحدثني عن التوراة وفي المستدرك (١ / ٤١٤) فحدثته عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحدث عن التوراة فما اختلفا حتى مررت بيوم الجمعة قال قلت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كل يوم جمعة ساعة لا يوافقها مؤمن وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه قال كعب تلك في كل سنة فقلت ما كذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرجع فتلا ثم قال صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كل جمعة. وروى البيهقي في سننه بسنده عن أبي هريرة ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار وما حدثته في يوم الجمعة فقلت له قال كعب ذلك في كل سنة يوم فقال عبد الله كذب كعب فقلت نعم. ثم قرأ كعب التوراة فقال بل هي في كل جمعة فقال عبد الله بن سلام صدق كعب ثم قال عبد الله بن سلام قد علمت أية ساعة هي قال أبو هريرة فقلت له فأخبرني بها ولا تضن علي فقال عبد الله بن سلام هي آخر ساعة في يوم الجمعة قال أبو هريرة وكيف تكون آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك ساعة لا يصلي فيها فقال عبد الله بن سلام ألم يقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جلس في مجلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي قال أبو هريرة قلت بلى قال هو ذلك. (٢)

روى ابن عساكر والذهبي وابن كثير عن بكير بن الاشج. قال : قال أنا بشر بن سعيد : اتقوا الله وتحفظوا من الحديث ، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيتحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويحدثنا عن كعب الأحبار ثم يقوم فأسمع بعض من

__________________

(١) احمد بن حنبل ، مسند احمد ، ج ١٧ ص ١٢٣.

(٢) البيهقي ، السنن الصغرى ، مكتبة الرشد الرياض ١٤٢٢ هـ ـ ٢٠٠١ م ، ج ١ ص ١٨٦. والدارمي ، سنن الدارمي ص ٢٥٥. وابن حبان ، صحيح ابن حبان ج ٣ ص ٤٠٣. والطيالسي ، مسند الطيالسي ج ٢ ص ٦٨٩.

٢٦٦

كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن كعب ، وحديث كعب بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي رواية يجعل ما قاله كعب عن رسول الله ، وما قاله رسول الله عن كعب ، فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث. وقال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : أبو هريرة كان يدلس ـ أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يميز هذا من هذا. (١)

أما عبد الله بن عمرو بن العاص فقد كانت معه راية أبيه يوم اليرموك سنة ١٤ هـ وأصاب حمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحث منها. قال ابن حجر : أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين. (٢)

وروى أحمد في مسنده قال حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم سمعت سيفا يحدث عن رشيد الهجري عن أبيه ان رجلا قال لعبد الله بن عمرو حدثني ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعني وما وجدت في وسقك يوم اليرموك قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. (٣)

وقال حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو الجواب ثنا عمار بن رزيق عن الأعمش عن أبي سعيد قال أتيت عبد الله بن عمرو فقلت حدثني ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ولا تحدثني عن التوراة والإنجيل فقال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه. (٤)

__________________

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ٧١ ص ٢٦٦ ، الذهبي ، سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ١٩١ ، ابن كثير ، البداية والنهاية ج ٨ ص ١٠٠.

(٢) ابن حجر ، مقدمة فتح الباري ، ج ١ ص ٢٦١.

(٣) احمد بن حنبل ، مسند احمد ج ٦ ص ٣٢٩ وابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٣٣ ص ١٧٥ ، الفسوي ، المعرفة والتاريخ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٤٠١ هـ ، ج ٣ ص ٢٤٤ ، الحميدي ، مسند الحميدي ، ج ٢ ص ٢٧١.

(٤) احمد بن حنبل ، مسند احمد ، ج ٦ ص ٤١٤.

٢٦٧

٢. الخلافة القرشية تنهى عن نشر حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

اما مسألة النهي فتوضحه الأخبار الآتية :

روى الذهبي ان أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : «إنكم تحدثون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم اشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه». (١)

وروى أيضا عن قرظة بن كعب انه قال : لما سيَّرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر وقال : أتدرون لم شيعتكم؟ قالوا نعم تكرمة لنا ، قال : ومع ذلك إنكم تأتون أهل قرية لهم دويٌّ بالقرآن كدويِّ النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جردوا القران واقلوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم ، قال قرظة : فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله». (٢)

وكان في الصحابة مثل قرظة بن كعب ممن تابعوا سنة الخلفاء وامتنعوا عن نشر سنة الرسول نظير عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص.

فقد روى الدارمي في باب من هاب الفتيا بكتاب العلم من سننه. (٣) عن الشعبي قال : جالست ابن عمر سنة فما سمعته يذكر حديثا عن رسول الله ، وفي رواية أخرى عنه ، قال قعدت مع ابن عمر سنتين أو سنة ونصفا فما سمعته يحدث عن رسول الله شيئا الا هذا الحديث.

وروي عن السائب بن يزيد ، قال : خرجت مع سعد ـ ابن أبي وقاص ـ إلى مكة فما سمعت يحدث حديثا عن رسول الله حتى رجعنا إلى المدينة. وكان في الصحابة من خالف سنة الخلفاء في نهبهم عن نشر الحديث النبوي وأصر على رواية سنة الرسول وتحمل في سبيل ذلك الإرهاق والأذى.

__________________

(١) الذهبي ، تذكرة الحفاظ ، بترجمة أبي بكر ج ١ ص ٩.

(٢) الذهبي ، تذكرة الحفاظ ، ج ١ ص ١٢ ، وابن عبد البر ، جامع بيان العلم وفضله ، دار الكتب العلمية بيروت ١٣٩٨ هـ ، باب ذكر من ذم الاكثار من الحديث دون التفهم له ص ٤٢٢.

(٣) الذهبي ، تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٦٤.

٢٦٨

وروى الذهبي : ان عمر بن الخطاب حبس ثلاثة : ابن مسعود ، وأبا الدرداء ، وأبا مسعود الأنصاري ، فقال : قد أكثرتم الحديث عن رسول الله. (١)

وروى الدارمي : ان أبا ذر كان جالسا عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع الناس يستفتونه فأتاه رجل فوقف عليه ثم قال : الم تُنْهَ عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه ، فقال أرقيب انت عليَّ؟ لو وضعتم الصَّمامة على هذه وأشار إلى قفاه ثم ظننت اني انفذ كلمة سمعتها من رسول الله قبل ان تجيزوا عليَّ لأنفدتها. (٢)

اما مسألة إحراق مدونات الصحابة في الحديث فتوضحه الاخبار التالية :

روى الذهبي في تذكرة الحفاظ عن عائشة أنَّ أبا بكر جمع خمسمائة من حديث النبي ودعا بنار فاحرقها. (٣)

وروى الخطيب البغدادي بسنده إلى القاسم بن محمد ان عمر بن الخطاب بلغه انه قد ظهر في ايدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها ، وقال : ايها الناس انه قد بلغني انه قد ظهرت في ايديكم كتب فاحبها إلى الله اعدلها واقومها فلا يبقين احد عنده كتابا الا أاني به فأرى فيه رأيي ، قال فظنوا انه يريد ان ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فاتوه بكتبهم فاحرقها بالنار ، ثم قال : أمنية كأمنية أهل الكتاب. (٤)

وروى ابن سعد : قال عبد الله بن العلاء : سألت القاسم يملي عليَّ أحاديث ، فقال : ان الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فانشد الناس ان يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها ثم قال : مثناة كمثناة أهل الكتاب ، قال فمنعني القاسم يومئذ ان اكتب حديثا. (٥)

وروى الخطيب البغدادي : عن سفيان بن عينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة : ان

__________________

(١) الذهبي ، تذكرة الحفاظ ج ١ : ص ١٢ ترجمة عمر.

(٢) الدارمي ، سنن الدارمي ج ١ ص ٩٥ ، ابن سعد ، الطبقات الكبرى ص : ٤٢٨ بترجمة أبي ذر ، واختصرها البخاري واوردها في صحيحه ص ٣١ باب العلم قبل القول ، ومعنى اجاز على الجريح : اجهز عليه. وللمزيد من هذه الاخبار انظر العسكري. معالم المدرستين ج ٢ ط ٤ : ٤٧٥١.

(٣) الذهبي ، تذكرة الحفاظ ، ج ١ ص ١٠.

(٤) الخطيب البغدادي ، تقيد العلم ، تحقيق يوسف العش ، دار إحياءء السنة النبوية ، ١٩٧٤ م ص ٥٣.

(٥) ابن سعد ، الطبقات الكبرى ج ٥ ص ٩٦.

٢٦٩

عمر بن الخطاب أراد ان يكتب السنة ثم بدا له ان لا يكتبها ، ثم كتب في الأمصار : من كان عنده منها شيء فليمحه. (١)

وروى أيضا عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال : «جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت بيت النبي ، فاستأذنا على عبد الله (بن مسعود) فدخلنا عليه ، قال فدفعنا إليه الصحيفة ، قال فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء فقلنا له : يا أبا عبد الرحمن انظر فيها فان فيها أحاديث حِسانا ، قال فجعل يميثها فيها ويقول : القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه». (وماث يميت مَيْثاً اذاب الملح في الماء). وفي رواية أخرى عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال : «جاء رجل من أهل الشام إلى عبد الله بن مسعود ومعه صحيفة ، فيها كلام من كلام أبي الدرداء وقصص من قصصه ، فقال : يا أبا عبد الرحمن الا تنظر ما في هذه الصحيفة من كلام أخيك أبي الدرداء ، فاخذ الصحيفة فجعل يقرأ فيها وينظر حتى أتى منزله فقال يا جارية أتيني بالإجّانة مملوءة ماء ، فجاءت بها فجعل يدلكها ويقول : اقصصا احسن من قصص الله تريدون أو حديثا احسن من حديث الله تريدون. (٢)

٣. قريش المسلمة والإمامة الدينية :

اما عرض الخليفة القرشي نفسه إماما في الدين بدلا من أهل البيت فتوضحه الروايات الآتية :

في صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند احمد وغيرهم عن أبي موسى الاشعري قال : كنت أفتي الناس بذلك (أي بالحل بعد إتمام أعمال متعة الحج) في إمارة أبي بكر وإمارة عمر فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال انك لا تدري ما احدث أمير المؤمنين في شان النُّسُك فقلت : أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد فهذا أمير

__________________

(١) الخطيب البغدادي ، تقييد العلم ص ٥٣ ، ابن عبد البر ، جامع بيان العلم ص ٧٧.

(٢) الخطيب البغدادي ، تقييد العلم ، ص ٥٤ ـ ٥٥.

٢٧٠

المؤمنين قادم عليكم فبه ائتموا (١) .. ثم ذكر أمره بفصل الحج عن العمرة. (٢)

وفي حلية الأولياء : ان عمر بن الخطاب نهى عن المتعة في اشهر الحج وقال : فعلتها مع رسول الله وأنا أنهى عنها. وذلك ان أحدكم يأتي من أفق من الآفاق شعثا نصبا معتمرا في اشهر الحج وإنما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته ثم يقدم فيطوف بالبيت ويحل ويلبس ويتطيب ويقع على أهله ان كانوا معه حتى إذا كان يوم التروية أهَلَّ بالحج وخرج إلى منى يلبي بحجة لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية إلا يوما ، والحج افضل من العمرة ، لو خلينا بينهم وبين هذا لعانقوهم تحت الأراكن مع ان أهل هذا البيت (أي أهل مكة) ليس لهم ضرع ولا زرع ، وإنما ربيعهم بمن يطرأ عليهم. (٣)

وفي رواية مسلم : فقال عمر : قد علمت ان النبي فعله وأصحابه ولكن كرهت ان يضلوا معرَّسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم. (٤)

وقد نقل النووي في شرح صحيح مسلم (٥) عن القاضي عياض ان عمر كان يضرب على متعة الحج.

اما إضافة سيرة الشيخين إلى مصادر التشريع فتوضحه روايات قصة الشورى وبيعة عثمان وقد مرت ونذكر خلاصتها :

قال عبد الرحمن بن عوف لعلي بن أبيط الب : عليك عهد الله وميثاقه ، إن بايعتك لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله ، وسيرة أبي بكر وعمر! (٦)

__________________

(١) يؤكد قول الاشعري هذا ان السلطة القرشية بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت قد عرضت نفسها على انها السلطة التشريعية ، بمعنى ان الدين هو ما تقرره ، مضافا إلى السلطة الاجرائية أو المدنية.

(٢) البخاري ، صحيح البخاري ، ص ٣٢٥. ومسلم بن الحجاج ، صحيح مسلم ص ٤٥٨. واحمد بن حنبل ، مسند احمد ج ١ ص ١٨١. وسنن النسائي ص ٤٤٩. وابو يعلى ، مسند أبي يعلى ج ٥ ص ٣٩٤. البزار ، مسند البزار ج ١ ص ٣٤٦. والمتقي الهندي ، كنز العمال ، ج ٥ ص ٦٤.

(٣) أبو نعيم ، حلية الأولياء ج ٥ ص ٢٣٣ ، المتقي الهندي ، كنز العمال ، ج ٥ ص ٦٤.

(٤) مسلم بن الحجاج ، صحيح مسلم ص ٤٥٨. والطيالسي ، مسند الطيالسي ج ١ ص ٢٧١. واحمد بن حنبل ، مسند احمد ج ١ ص ٣١٢. والنسائي ، سنن النسائي ص ٤٤٨ ، من هذه الرواية نفهم ان عمر كان من الذين انكروا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر متعة الحج وانه قال ضمن من قال (انغدوا حجابا ورؤوسنا تقطر).

(٥) النووي ، شرح صحيح مسلم ، دار الكتاب العربي ١٩٨٧ م ، ج ١ ص ١٧٠.

(٦) العيني ، عمدة القاري ، ج ٢٤ ص ٤٠٥. وابن حجر ، فتح الباري ج ١٣ ص ٢٣٦.

٢٧١

فقال علي عليه‌السلام : ان كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى إجِّيرَى احد). (١)

فأقبل على عثمان ، فقال له مثل ذلك ، فقال : نعم لا أزول عنه ولا أدع شيئا منه. فقال : ابسط يدك يا عثمان ، فبسط يده فبايعه.

أقول : وكان ابرز تشريعات الإمامة القرشية هي قضية النهي عن حج التمتع وكان عثمان حريصا على السير على هدي الخليفتين فيها وفي غيرها.

قال ابن حزم (٢) : ان عثمان سمع رجلا يُهِلُّ بعمرة وحج ، فقال : عليَّ بالمُهِل ، فضربه وحلقه.

أي أراد المُهل ان يحج حج التمتع.

وقوله : ضربه وحلقه. أي ضربه تأديبا وحلقه تشهيرا.

المرحلة الثالثة : الإمامة الهادية على عهد علي عليه‌السلام

١. إحياء العمل بالكتاب والسنة وشجب الروايات الإسرائيلية :

روى مالك في الموطأ : ان المقداد بن الأسود دخل على علي عليه‌السلام بالسُقْيا وهو يُنجِع بَكرات له دقيقا وخبطا. فقال هذا عثمان بن عفان ينهى عن ان يقرن بين الحج والعمر ، فخرج علي عليه‌السلام على يديه اثر الدقيق والخبط فما أنسى اثر الدقيق والخبط ، على ذراعيه ، حتى دخل على عثمان فقال : أنت تنهى ان يُقْرَنَ بين الحج والعمرة ، فقال : عثمان ذلك رأيي ، فخرج عليٌّ عليه‌السلام مغضبا وهو يقول : لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا. (٣)

وفي سنن النسائي ومستدرك الصحيحين ومسند احمد واللفظ للأول عن سعيد بن

__________________

(١) اليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ١٦٢. الإجِّيرَى بالكسر والتشديد والفتح العادة والطريقة.

(٢) ابن حزم ، المحلى ، تحقيق احمد محمود شاكر ، دار الفكر بيروت ، ج ٧ ، ص ١٠٧.

(٣) مالك بن انس ، الموطأ ، ص ١٧٣. وابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ٥ ص ١٢٧ ، و (السقيا) قرية جامعة بطريق مكة ، و (ينجع) يسقي ، و (بكرات) جمع بكرة ولد الناقة أو الفتى منها ، و (الخَبْط) ضرب من ورق الشجر حتى ينحات عنه ثم يستخلف من غير ان يضر ذلك بأصل الشجرج واغصناها قال الليث (الخَبَط) خَبَط ورق العِطاء من الطلح ونحوه يخبط يضرب بالعصا فيتناثر ثم يعلف الإبل.

٢٧٢

المسيب قال : حج علي وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع فقال علي إذا رأيتموه قد ارتحل فلبى علي وأصحابه بالعمرة ... (١)

قال الإمام السندي بهامشه : قال (إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا) أي ارتحلوا معه ملبين بالعمرة ليعلم أنكم قدمتم السنة على قوله ، وانه لا طاعة له في مقابل السنة. (٢)

وفي صحيح البخاري وسنن النسائي وسنن الدارمي وسنن البيهقي ومسند احمد ومسند الطيالسي وغيرها عن علي بن الحسين عليهما‌السلام عن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعليا عليه‌السلام وعثمان ينهى عن المتعة وان يجمع بينهما فلما رأى علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة معا قال ما كنت لأدع سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لقول أحد. (٣)

وفي لفظ النسائي : فقال عثمان أتفعلها وأنا أنهى عنها فقال علي لم اكن لأدع سنة رسول الله لأحد من الناس.

كان هذا في بدء مشروعه الإحيائي سنة ٢٨ هـ اتسع أمر الإحياء لكل السنن غير انه لم يرغم أحدا على ذلك وإنما اكتفى برفع الحظر الذي فرضته الخلافة القرشية على العمل بالسنن ، وبقي بعض النسا يعمل بما سنته الخلافة على الرغم من مخالفته للسنة.

٢. الحث على نشر السنة النبوية وتدوينها :

كان علي يحث على نشر السنة النبوية وتدوينها سواء فيما يتعلق بفضائله وفضائل أهل بيته أو في الأحكام.

روى احمد بن حنبل حدثني عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا يونس بن ارقم حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال شهدت عليا في الرحبة ينشد

__________________

(١) النسائي ، سنن النسائي ص ٤٤٨. واحمد بن حنبل ، مسند احمد ج ١ ص ٣٣٥. والحاكم ، المستدرك على الصحيحين ج ١ ص ٦٤٥. وابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ٥ ص ١٢٥ و ١٢٧.

(٢) يتضح من الرواية وتعليق السندي ان عليا عليه‌السلام وأصحابه كانوا في الحج على السنة وكان عمر وعثمان ومن اقتدى بهما على خلاف السنة.

(٣) البخاري ، صحيح البخاري ص ٢٨٩. والنسائي ، سنن النسائي ص ٤٤٦. والدارمي ، سنن الدارمي ص ٣٢٦. واحمد بن حنبل ، مسند احمد ج ٢ ص ٨١. والطيالسي ، مسند الطيالسي ج ١ ص ٦٤ ـ ٦٧.

٢٧٣

الناس : انشد الله من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم «من كنت مولاه فعلي مولاه» لما قام فشهد؟ قال عبد الرحمان : فقام اثنا عشر بدرياً كأني انظر إلى احدهم فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم «الست أولى بالمؤمنين من انفسهم وأزواجي أمهاتهم» فقلنا بلى يا رسول الله قال : «فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» (١).

وفي رواية أخرى بسنده عن سماك العبسي قال : دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدثني انه شهد عليا في الرحبة قال : انشد الله رجلا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشهده يوم غدير خم الا قام ولا يقوم الا من قد رآه؟ فقام اثنا عشر رجلا فقالوا : قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» فقام الا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته. (٢)

وفيه أيضا بسنده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة تـ ١٠٠ هـ (٣) قال :

«جمع علي عليه‌السلام الناس في الرحبة ثم قال لهم : انشد الله كل امرئ سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ثلاثون من الناس.

قال أبو واثلة : فخرجت وكأن في نفسي شيئا فلقيت زيد بن أرقم فقلت له إني سمعت عليا عليه‌السلام يقول كذا وكذا.

قال : فما تنكر قد سمعت رسول الله يقول ذلك له». (٤)

وقوله (فخرجت وكأن في نفسي شيئا) يبدو منه ان أبا الطفيل استعظم النتائج المترتبة على حديث الغدير وهي هلاك وضلالة من خالف عليا أو خذله أو قاتله أو قدَّم نفسه عليه لذلك راح يستزيد عن القضية اكثر. (٥)

__________________

(١) احمد بن حنبل ، مسند احمد ج ٢ ص ٢٢.

(٢) احمد بن حنبل ، مسند احمد ج ٢ ص ٢٤.

(٣) صحابي ولد في أحد وأدرك من عمره ثماني سنوات مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) احمد بن حنبل ، مسند احمد ، ج ٤ : ٣٧٠.

(٥) وقد روى حديث المناشدة هذا من التابعين منهم سعيد بن وهب ، وزيد بن يثيع ، وعبد خير ، وحبة العرني ، وعمرو بن ذي مر ، وسعيد بن حدان ، وأبو سليمان ، وزاذان ، وعميرة بن سعد ، وغيرهم وقد أخرج أحاديث هؤلاء أبو نعيم في حلية الأولياء وابن كثير في البداية والنهاية والخطيب في تاريخ

٢٧٤

ومن الجدير ذكره هنا ان حديث الغدير الذي استنشده علي عليه‌السلام لم يكن يتضمن ذكر علي عليه‌السلام فقط بل تضمن أيضا ذكر أهل بيته.

وقد روى الحاكم النيسابوري الرواية كاملة عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال :

«خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى انتهينا إلى غدير خم نزل رسول الله بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام فكنس الناس ما تحت الشجرات ثم راح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشية فصلى ثم قام خطيبا فحمد الله واثنى عليه ... ثم قال :

أيها الناس إني تارك فيكم أمرين (١) لن تضلوا ان اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ثم قال أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات قالوا نعم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كنت مولاه فعلي مولاه ...». (٢)

وفي رواية الطبراني بعد قوله عترتي «وان اللطيف الخبير نَبَّأَني انهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض وسألت ذلك لهما ربي ، فلا تَقدَّموهُما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم». (٣)

٣. إحياء إمامة أهل البيت عليهم‌السلام ونفي إمامة غيرهم من قريش :

قال علي عليه‌السلام : (أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ، أن رَفَعَنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يُستعطى الهدى ، ويُستجلى العَمى.

__________________

بغداد والنسائي في الخصائص وابن المغازلي في المناقب وابن حجر العسقلاني في الإصابة وابن الأثير في أسد الغابة وغيرهم.

(١) في رواية مسلم واحمد (ثقلين).

(٢) الحاكم ، المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١١٨. وابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ترجمة علي عليه‌السلام ج ٤٥ ص ١٦٤. وقد رواه البلاذري في انساب الاشراف أيضا ج ٢ ص ٣٥٧ ، وفيه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (كأني قد دعيت فأجبت وان الله مولاي وانا مولى كل مؤمن وانا تارك فيكم ...) ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ج ٥ ص ١٩٧ ـ ١٩٩ ، وعن سنن النسائي ورواه أيضا محمد بن جرير الطبري عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم وعن عطية عن أبي سعيد الخدري ورواه أيضا ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ج ١ ص ٢٣٥ ـ ٢٧٣ ، كما رواه أيضا المتقي الهندي في كنز العمال ج ١٣ ص ٤٦.

(٣) الطبراني ، المعجم الكبير ، ج ٥ ص ١٦٧ الحديث رقم ٤٩٧١ ، الهيثمي ، مجمع الزوائد ج ٩ ص ٨٨.

٢٧٥

انَّ الأئمةَ من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم). (١)

وقال عليه‌السلام في ذكر أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (هم موضعُ سرَّه ، ولجأُ أمره ، وعيبةُ علمه ، وموثلُ حكمه ، وكهوفُ كتبه ، وجبالُ دينه ، بهم أقام انحناء ظهره ، واذهب ارتعادَ فرائصه.

لا يقاسُ بآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذه الأمة ، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا.

هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفئ الغالي ، وبهم يلحق التالي.

ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة). (٢)

أقول : والكتب التي ذكرها عليه‌السلام في هذا الكلام هي ما كتبه بيده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في لقاءاتهما الخاصة التي يعرفها المسلمون جميعا.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ألا إن أبرار عترتي ، وأطايب أرومتي ، أحلم الناس صغارا ، وأعلم الناس كبارا. ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا ، وبحكم الله حكمنا ، ومن قول صادق سمعنا ، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا ، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا. ومعنا راية الحق ، من تبعها لحق ، ومن تأخر عنها غرق ، ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن ، وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم ، وبنا فتح لا بكم ، ومنا يختم لا بكم). (٣)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم ، واتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم من ردى ، فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا). (٤)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فأين تذهبون! وأنى تؤفكون! والاعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ،

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٩ ص ٦٠.

(٢) نهج البلاغة ج ١ ص ١٠٩ ـ ١١٠.

(٣) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٢٠٦.

(٤) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ٧ ص ٥٣.

٢٧٦

فأين يتاه بكم! وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم! وهم أزمة الحق ، وأعلام الدين ، والسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وردوهم ورود الهيم العطاش.

أيها الناس ، خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه! إنه يموت من مات منا وليس بميت ، ويبلى من بلى منا وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرفون ، فإن أكثر الحق فيما تنكرون ، وأعذروا من لا حجة لكم عليه ـ وهو أنا. (١)

قال ابن ابي الحديد : تؤفكون : تقلبون وتصرفون. الاعلام : المعجزات هاهنا ، جمع علم ، وأصله الجبل أو الراية والمنارة ، تنصب في الفلاة ليهتدي بها.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فأين يتاه بكم!) أي أين يذهب بكم في التيه! وتعمهون : تتحيرون وتضلون.

وعترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أهله الأدنون ونسله ، وقد بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عترته من هي ، لما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إني تارك فيكم الثقلين) ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (عترتي أهل بيتي) ، وبين في مقام آخر من أهل بيته حيث طرح عليهم كساء. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله حين نزلت : (إنما يريد الله ليذهب) : (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم). فإن قلت : فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين عليه‌السلام بهذا الكلام؟ قلت : نفسه وولداه.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وهم أزمة الحق) : جمع زمام ، كأنه جعل الحق دائرا معهم حيثما داروا وذاهبا معهم حيثما ذهبوا ، كما أن الناقة طوع زمامها ، وقد نبه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على صدق هذه القضية بقوله : (وأدر الحق معه (أي مع علي) حيث دار).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وألسنة الصدق) من الألفاظ الشريفة القرآنية ، قال الله تعالى : (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) لما كان يصدر عنهم حكم ولا قول إلا وهو موافق للحق ، والصواب جعلهم كأنهم ألسنة صدق لا يصدر عنها قول كاذب أصلا ، بل هي كالمطبوعة على الصدق.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فأنزلوهم منازل القرآن) أمر المكلفين بأن يجروا العترة في إجلالها

__________________

(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ٦ ص ٤٢٨.

٢٧٧

وإعظامها والانقياد لها ، والطاعة لأوامرها مجرى القرآن. فإن قلت : فهذا القول منه يشعر بأن العترة معصومة ، فما قول أصحابكم في ذلك؟ قلت : نص أبو محمد بن متّويه رحمه الله تعالى في كتاب الكفاية على أن عليا عليه‌السلام معصوم ، وإن لم يكن واجب العصمة ، ولا العصمة شرط في الإمامة ، لكن أدلة النصوص قد دلت على عصمته ، والقطع على باطنه ومغيبه ، وأن ذلك أمر اختص هو به دون غيره من الصحابة ، والفرق ظاهر بين قولنا : (زيد معصوم) ، وبين قولنا : (زيد واجب العصمة) ، لأنه إمام ، ومن شرط الامام أن يكون معصوما ، فالاعتبار الأول مذهبنا ، والاعتبار الثاني مذهب الإمامية.

ثم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وردوهم ورد الهيم العطاش) ، أي كونوا ذوي حرص وانكماش على أخذ العلم والدين منهم ، كحرص الهيم الظماء على ورود الماء). (١)

ثم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (انه يموت من مات منا وليس بميت ويبلى من بلى منا وليس ببال فلا تقولوا بما لا تعرفون فان أكثر الحق فيما تنكرون واعذروا من لا حجة لكم عليه وانا هو الم اعمل فيكم بالثقل الأكبر واترك فيكم الثقل الأصغر وركزت فيكم راية الايمان ووقفتكم على حدود الحلال والحرام وألبستكم العافية من عدلي وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي وأريتكم كرائم الاخلاق من نفسي فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ولا يتغلغل اليه الفكر).

أقول : أي أئمة الهدى من أهل البيت عليهم‌السلام تبقى هدايتهم في قولهم وفعلهم بعد موتهم فاعلة مؤثرة كما هي في حياته.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا إن أبرار عترتي ، وأطايب أرومتي ، أحلم الناس صغارا ، وأعلم الناس كبارا. ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا ، وبحكم الله حكمنا ، ومن قول صادق سمعنا ، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا ، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا. ومعنا راية الحق ، من تبعها لحق ، ومن تأخر عنها غرق ، ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن ، وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم ، وبنا فتح لا بكم ، ومنا يختم لا بكم (٢) ...

__________________

(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ٦ ص ٣٧٣ ـ ٣٧٨.

(٢) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٢٧٦.

٢٧٨

اما كلماته في قريش المسلمة التي ظلمته فمنها :

(اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم ، فانهم قطعوا رحمي ، وصغرّوا عظيم منزلتي ، واكفأوا إنائي ، واجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري ، وقالوا إلا ان في الحق ان تأخذه ، وفي الحق ان تُمنعه ، فاصبر مغموما ، أو مُت متأسفا ، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن المنية ، فاغضيت على القذى ، وجرعت ريقي على الشجا وصبرت من كظم الغيظ على أمرِّ من العلقم ، وآلم للقلب من حز الشفار). (١)

وقوله عليه‌السلام في رسالته لأخيه عقيل :

(فإن قريشاً قد اجتمعت على حرب أخيك اجتماعها على حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل اليوم ، وجعلوا حقّي ، وجحدوا فضلي ، ونصبوا لي الحرب ، وجَدُّوا في إطفاء نور الله ، اللهم فاجزِ قريشاً عني بفعالها ، قد قطعت رحمي وظاهرت عليَّ ...). (٢)

المرحلة الرابعة : الامام الحسن عليه السالم يؤسس

المرجعية الدينية المستقلة عن السلطة

ويتنازل عن السلطة المدنية

ان الامام الحسن عليه‌السلام بصلحه وتنازله عن السلطة مؤقتا لمعاوية وتقييد حكمه بالكتاب والسنة دون سيرة الشيخين يكون قد اكد للامة منهج علي عليه‌السلام ومن قبل منهج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان الدين والقانون هو الكتاب والسنة لا غير وان سيرة الشيخين ليستا من الدين في شيء وإنما هي اجتهادات من عمل بها ينبغي له ان يعرف مسبقا انه يعمل باجتهادات ما انزل الله فيها من سلطان وليس له ان يرتقب الثواب من الله تعالى عليها ، واكد للامة ان مهمة الحاكم في المجتمع هو تنفيذ القانون لا تشريعه ، وان التشريع مطلقا لله تعالى ولرسوله في حدود مساحة معينة بإذن الله تعالى ، وأيضا لأوصياء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) كلام : ٢١٧ نهج البلاغة الخطبة : ١٧٢.

(٢) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ٢ / ١١٩ ، الدينوري ، ابن قتيبة ، الإمامة والسياسة ج ١ : ٥٦ ، البلاذري ، انساب الاشراف ج ٢ : ٧٥ أبو الفرج الاصفهان ، الاغاني ج ١٥ : ٤٦. نهج البلاغة ج ٣ : ٦٨. وصفوت ، احمد زكي ، جمهرة رسائل العرب في العصور العربية الزاهرة ، المكتبة العلمية ١٩٣٧ م ، ج ١ ص ٥٩٥.

٢٧٩

يأذن بها الرسول في حدود صلاحياته الإلهية. وقد أسست قريش المسلمة مبدأ ان من يأتي بعد الشيخين يتقيد بسيرتها وفي الوقت نفسه يكون من حقه ان يشرع في طول تشريع الخليفتين الأمر الذي رفضه علي في الشورى وقبله عثمان وحاول معاوية ان يسير على منهاج عثمان في هذا المسالة حين بويع على سيرة الشيخين من قبل أهل الشام بعد شهادة علي عليه‌السلام ويجئ صلح الحسن ليصحح بيعة معاوية كحاكم ملزم بكتاب الله وسنة النبي وان القانون الإلهي يؤخذ من العلماء به المنصوص عليهم المطهرون وهم أهل البيت وفق حديث الثقلين لاذي مرت نصوصه. وهكذا فان تنازل الحسن عن السلطة الزمنية قد اصلح الانشقاق وهدم خطة معاوية في وأد مشروع علي وفتح الشام لإخباره وذكرت في بلاط معاوية وترحم معاوية على علي عليه‌السلام وذكره مرات بخير مدة عشر سنوات.

المرحلة الخامسة : معاوية يحيي الإمامة الدينية

القرشية ويسميها خلافة الله

انقلب معاوية على الحسن عليه‌السلام ونقض كل عهوده معه ، واحيا منهج قريش المسلمة بان يكون الحاكم مشرعا يتحرك وفق تشريع من سبقه وقد يتحرر منه حين تتوفر أسباب لذلك ومن هنا حرص على سلب موجبات الإمامة الدينية الهادية لعلي عليه‌السلام وهي أحاديث النبي فيه وفي أهل بيته بالطهارة والعلم والقرب الإلهي ليوصف بالإفساد في الدين وينتحل فضائله ليوصف بالهدى ، ومن هنا رأيناه يطرح في اعلامه ان الحاكم خليفة الله وبذلك أسس هذا الأساس لخلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس ويترتب على ذلك ان الأمة لا يجوز لها ان تقوم في وجه الحاكم لأنه خليفة الله وقائد إلى الجنة وقد فصلنا في هذا الأمر في كتابنا (الامام الحسين عليه‌السلام في مواجهة الضلال الأموي) ..

٢٨٠